المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



تفسير آية (64-66) من سورة التوبة  
  
17662   02:09 صباحاً   التاريخ: 9-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة : 64 - 66] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ثم أخبر سبحانه عنهم فقال {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم} فيه قولان أحدهما : إنه إخبار بأنهم يخافون أن يفشوا سرائرهم ، ويحذرون ذلك ، عن الحسن ، ومجاهد ، والجبائي ، وأكثر المفسرين .

والمعنى : إنهم يحذرون من أن ينزل الله عليهم أي : على النبي والمؤمنين ، سورة تخبر عما في قلوبهم من النفاق والشرك . وقد قيل : إن ذلك الحذر إنما أظهره على وجه الاستهزاء ، لا على سبيل التصديق ، لأنهم حين رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينطق في كل شيء ، عن الوحي ، قال بعضهم لبعض : إحذروا ألا ينزل وحي فيكم ، يتناجون بذلك ، ويضحكون ، عن أبي مسلم . وقيل : إنهم كانوا يخافون أن يكون عليه السلام ، صادقا ، فينزل عليه الوحي ، فيفتضحون ، عن الجبائي . وقيل : إنهم كانوا يقولون القول فيما بينهم ، ثم يقولون : عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا ، عن مجاهد .

والثاني : إن هذا اللفظ لفظه الخبر ، ومعناه الأمر ، فهو كقولك : ليحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تخبرهم بما في قلوبهم من النفاق ، وحسن ذلك لأن موضع الكلام على التهديد {قل استهزءوا} معناه : قل يا محمد لهؤلاء المنافقين : استهزءوا أي :

اطلبوا الهزء ، وهو وعيد بلفظ الأمر {إن الله مخرج ما تحذرون} أي : مظهر ما تحذرون من ظهوره . والمعنى : إن الله يبين لنبيه باطن حالكم ، ونفاقكم {ولئن سألتهم} عن طعنهم في الدين ، واستهزائهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالمسلمين {ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} واللام للتأكيد والقسم ، ومعناه لقالوا كنا نخوض خوض الركب في الطريق ، لا على طريق الجد ، ولكن على طريق اللعب واللهو ، فكان عذرهم أشد من جرمهم .

{قل} يا محمد {أبالله وآياته} أي : حججه ، وبيناته ، وكتابه {ورسوله} محمد صلى الله عليه وآله وسلم {كنتم تستهزئون} ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لهؤلاء المنافقين {لا تعتذروا} بالمعاذير الكاذبة {قد كفرتم بعد إيمانكم} أي : فإنكم بما فعلتموه قد كفرتم بعد أن كنتم مظهرين الإيمان الذي يحكم لمن أظهره بأنه مؤمن ، ولا يجوز أن يكونوا مؤمنين على الحقيقة ، مستحقين للثواب ، ثم يرتدون على ما تقرر بالدليل . وذكر في غير هذا الموضع ، أن المؤمن لا يجوز أن يكفر .

{إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} أي : كافرين مصرين على النفاق . هذا إخبار منه سبحانه ، انه إن عفا عن قوم منهم إذا تابوا ، يعذب طائفة أخرى لم يتوبوا ، وأقاموا على النفاق . والطائفة : اسم للجماعة على الحقيقة ، لأنه اسم لما يطيف بغيره ، ويحيط به ، وقد سمي الواحد طائفة على معنى أنها نفس طائفة ، وقد ورد القرآن بذلك في قوله {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} فقد ورد في الآثار عن أئمتنا عليهم السلام : إن أقل من يحذر عذابهما واحد من المؤمنين فصاعدا . وروي أن هاتين الطائفتين كانوا ثلاثة نفر ، فهذا اثنان وضحك واحد ، وهو الذي تاب من نفاقه ، واسمه مخشى بن حمير ، فعفا الله عنه .

_______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 82-83 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهً مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ } . لم يحذر المنافقون حقيقة وواقعا من نزول الوحي في شأنهم ، وإنما أظهروا الحذر على وجه الاستهزاء والسخرية . . كانوا يطعنون في النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال بعضهم لبعض ساخرا : احذروا ان تنزل في شأنكم سورة . .

والدليل على أن هذا هو المراد قوله تعالى مهددا : { قُلِ اسْتَهْزِؤُا } . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ان المنافقين لا يؤمنون بالوحي فكيف يحذرون منه على وجه الحقيقة ؟ .

وذهب أكثر المفسرين إلى أن الضمير في عليهم وفي تنبئهم يعود إلى المؤمنين ، وان الضمير في قلوبهم يعود إلى المنافقين .

ويلاحظ أولا : ان المؤمنين لم يرد لهم ذكر في الآية ، وان المذكورين فيها صراحة هم المنافقون ، كما أن الآية التي قبلها تحدثت عن المنافقين ، دون غيرهم . .

ثانيا يلزم من هذا التفسير التفكيك بين الضمائر ، مع عدم الدليل على ذلك .

ومن أجل هذا نرجح الرأي القائل بأن الضمائر كلها تعود إلى المنافقين ، وان على في ( عليهم ) بمعنى في كما هي في قوله تعالى : { واتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ } أي في ملكه ، ومثلها أيضا فيما يقال : كان هذا على عهد مضى ، وعليه يكون المعنى يحذر المنافقون - تهكما - ان تنزل سورة تكشف عما يضمرون من العداء للإسلام والمسلمين . فتوعدهم اللَّه سبحانه بأن السورة التي سخروا من نزولها نازلة لا محالة ، وانها تقابلهم وجها لوجه ، فيعتذرون حيث لا تنفعهم المعاذير .

{ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ ونَلْعَبُ} . تكلم قوم من المنافقين بما لا ينبغي في حق رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) ، ولما سألهم قالوا : كنا هازلين لا جادين . .

واختلف المفسرون في أسماء من قالوا هذا ، ونوع ما قالوا . . والآية لا تشير إلى شيء من ذلك ، ونحن نسكت عما سكت اللَّه عنه { قُلْ أَبِاللَّهِ وآياتِهِ ورَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ } . ان قولهم : كنا نخوض ونلعب أقبح من الذنب الذي اعتذروا منه . . فهل اللَّه جلت عظمته لعبة للتسلي والتلهي ؟ . وهل أرسل أنبياءه للسخرية  والاستهزاء ؟ . . وتدل الآية ان كل من استهزأ بالدين وأحكامه الثابتة بالبداهة فهو كافر .

{لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ} . وتسأل : ان هذا يدل على أنهم كانوا مؤمنين قبل الاستهزاء ، وان السبب الموجب هو الاستهزاء ، مع العلم بأنهم كانوا كافرين من قبل في سرهم وواقعهم ، وان كفرهم هو السبب الموجب للاستهزاء ؟ .

الجواب : كانوا قبل اعترافهم بالاستهزاء بالدين كافرين واقعا مسلمين حكما ، لأنهم أظهروا الإسلام ، فجرى عليهم ما يجري على المسلمين من الأحكام التي تبنى على الظاهر ، لا على الواقع ، وبعد أن اعترفوا بالاستهزاء صاروا كافرين واقعا وحكما يجري عليهم أحكام المرتدين .

{ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ } كان المنافقون صنفين : الرؤساء المتبوعين الذين يتربصون بالإسلام ، ويكيدون لنبيه ، ويسخرون منه ، والضعاف التابعين ، فأمر اللَّه سبحانه نبيه الأكرم بالعفو عن هؤلاء لضعفهم وبعقاب أولئك لأنهم علة العلل . . وقيل : ان اللَّه سبحانه عفا عمن تاب منهم ، وعاقب من أصر على الكفر والنفاق .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 64-65 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : ﴿يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم﴾ إلى آخر الآية . 

كان المنافقون يشاهدون أن جل ما يستسرون به من شئون النفاق ويناجي به بعضهم بعضا من كلمة الكفر ووجوه الهمز واللمز والاستهزاء أو جميع ذلك لا يخفى على الرسول ، ويتلى على الناس في آيات من القرآن يذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه من وحي الله ، ولا محالة كانوا لا يؤمنون بأنه وحي نزل به الروح الأمين على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويقدرون أن ذلك مما يتجسسه المؤمنون فيخبرون به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخرجه لهم في صورة كتاب سماوي نازل عليهم وهم مع ذلك كانوا يخافون ظهور نفاقهم وخروج ما خبوه في سرائرهم الخبيثة لأن السلطنة والظهور كانت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم يجري فيهم ما يأمر به ويحكم عليه . 

فهم كانوا يحذرون نزول سورة يظهر بها ما أضمروه من الكفر وهموا به من تقليب الأمور على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقصده بما يبطل به نجاح دعوته وتمام كلمته فأمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلغهم أن الله عالم بما في صدورهم مخرج ما يحذرون خروجه وظهوره بنزول سورة من عنده أي يخبرهم بأن الله منزل سورة هذا نعتها . 

وبهذا يستنير معنى الآية فقوله : ﴿يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة﴾ الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووجه الكلام إليه ، وهو يعلم بتعليم الله أن هذا الكلام الذي يتلوه على الناس كلام إلهي وقرآن منزل من عنده فيصف سبحانه الكلام الذي يخاف منه المنافقون بما له من الوصف عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أنه سورة منزلة من الله على الناس ومنهم المنافقون لا على ما يراه المنافقون أنه كلام بشري يدعى كونه كلام الله . 

فهم كانوا يحذرون أن يتلو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم وعلى الناس كلاما هذا نعته الواقعي وهو أنه سورة منزلة عليهم بما أنها متوجهة بمضمونها إليهم قاصدة نحوهم ينبئهم هذه السورة النازلة بما في قلوبهم فيظهر على الناس ويفشو بينهم ما كانوا يسرونه من كفرهم وسوء نياتهم ، وهذا الظهور في الحقيقة هو الذي كانوا يحذرونه من نزول السورة . 

وقوله : ﴿قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون﴾ كأن المراد بالاستهزاء هو نفاقهم وما يلحق به من الآثار فإن الله سمى نفاقهم استهزاء حاكيا في ذلك قولهم حيث قال : ﴿وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون﴾ [البقرة : 14] فالمراد بالاستهزاء هو ستر ما يحذرون ظهوره ، والأمر تعجيزي أي دوموا على نفاقكم وستركم ما تحذرون خروجه من عندكم إلى مرأى الناس ومسمعهم فإن الله مخرج ذلك وكاشف عن وجهه الغطاء ، ومظهر ما أخفيتموه في صدوركم . 

فصدر الآية وإن كان يذكر أنهم يحذرون تنزيل سورة كذا وكذا لكنهم إنما كانوا يحذرونها لما فيها من الأنباء التي يحذرون أن يطلع عليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنجلي للناس ، وهذا هو الذي يذكر ذيلها أنهم يحذرونه فالكلام بمنزلة أن يقال : يحذر المنافقون تنزيل سورة قل إن الله منزلها ، أو يقال : يحذر المنافقون انكشاف باطن أمرهم وما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله سيكشف ذلك وينبئ عما في قلوبكم . 

وبما تقدم يظهر سقوط ما أشكل على الآية أولا : بأن المنافقين لكفرهم في الحقيقة لم يكونوا يرون أن القرآن كلام منزل من عند الله فكيف يصح القول أ يحذرون أن تنزل عليهم سورة ؟ . 

وثانيا : أنهم لما لم يكونوا مؤمنين في الواقع فكيف يصح أن يطلق أن سورة قرآنية نزلت عليهم ولا تنزل السورة إلا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو على المؤمنين؟ . 

وثالثا : أن حذرهم نزول السورة وهو حال داخلي جدي فيهم لا يجامع كونه استهزاء . 

ورابعا : أن صدر الآية يذكر أنهم يحذرون أن تنزل سورة وذيلها يقول : إن الله مخرج ما تحذرون فهو في معنى أن يقال : إن الله مخرج سورة أو مخرج تنزيل سورة . 

وقد يجاب عن الإشكال الأول بأن قوله : يحذر المنافقون إلخ إنشاء في صورة خبر أي ليحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة إلخ . 

وهو ضعيف إذ لا دليل عليه أصلا على أن ذيل الآية لا يلائم ذلك إذ لا معنى لقولنا : ليحذر المنافقون كذا قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون أي ما يجب عليكم حذره . 

وهو ظاهر . 

وقد يجاب عنه بأنهم إنما كانوا يظهرون الحذر استهزاء لا جدا وحقيقة . 

وفيه أن لازمه أنهم كانوا على ثقة بأن ما في قلوبهم من الأنباء وما أبطنوه من الكفر والفسوق لا سبيل للظهور والانجلاء إليه ، ولا طريق لأحد إلى الاطلاع عليه ، ويكذبه آيات كثيرة في القرآن الكريم تقص ما عقدوا عليه القلوب من الكفر والفسوق وهموا به من الخدعة والمكيدة كالآيات من سورة البقرة وسورة المنافقين وغيرهما ، وإذ كانوا شاهدوا ظهور أنبائهم ومطويات قلوبهم عيانا مرة بعد مرة فلا معنى لثقتهم بأنها لا تنكشف أصلا وإظهارهم الحذر استهزاء لا جدا ، وقد قال تعالى : ﴿يحسبون كل صيحة عليهم﴾ [المنافقون : 4] . 

وقد يجاب عنه بأن أكثر المنافقين كانوا على شك من صدق الدعوة النبوية من غير أن يستيقنوا كذبه ، وهؤلاء كانوا يجوزون تنزيل سورة تنبئهم بما في قلوبهم احتمالا عقليا ، وهذا الحذر والإشفاق كما ذكروه أثر طبيعي للشك والارتياب فلو كانوا موقنين بكذب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خطر لهم هذا الخوف على بال ، ولو كانوا موقنين بصدقه لما كان هناك محل لهذا الخوف والحذر لأن قلوبهم مطمئنة بالإيمان . 

وهذا الجواب - وهو الذي اعتمد عليه جمهور المفسرين - وإن كان بظاهره لا يخلو عن وجه غير أن فيه أنه إنما يحسم مادة الإشكال لو كان الواقع من التعبير في الآية نحوا من قولنا : يخاف المنافقون أن تنزل عليهم سورة ، ولذا قرروا الجواب بأن الخوف يناسب الشك دون اليقين . 

لكن الآية تعبر عن شأنهم بالحذر ، ويخبر أنهم يحذرون أن تنزل عليهم سورة ﴿إلخ﴾ والحذر فيه شيء من معنى الاحتراز والاتقاء ، ولا يتم ذلك إلا بالتوسل إلى أسباب ووسائل تحفظ الحاذر مما يحذره ويحترز منه ، وتصونه من شر مقبل إليه من ناحية ما يخافه . 

ولو كان مجرد شك من غير مشاهدة أثر من الآثار وإصابة شيء مما يتقونه إياهم لما صح الاحتراز والاتقاء ، فحذرهم يشهد أنهم كانوا يخافون أن يقع بهم هذه المرة نظير ما وقع بهم قبل ذلك من جهة آيات البقرة وغيرها ، فهذا هو الوجه لحذرهم دون الشك والارتياب فالمعتمد في الجواب ما قدمناه . 

وقد يجاب عن الإشكال الثاني بأن ﴿على﴾ في قوله : ﴿أن تنزل عليهم﴾ بمعنى : في كما في قوله : ﴿واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان﴾ [البقرة : 102] ، والمعنى : يحذر المنافقون أن تنزل فيهم أي في شأنهم وبيان حالهم سورة تكشف عما في ضمائرهم . 

وفيه أنه لا بأس به لو لا قوله بعده : ﴿تنبئهم بما في قلوبهم﴾ على ما سنوضحه . 

وقد يجاب عنه بأن الضمير في قوله : ﴿عليهم﴾ راجع إلى المؤمنين دون المنافقين والمعنى : يحذر المنافقون أن تنزل على المؤمنين سورة تنبئ المنافقين بما في قلوب المنافقين أو تنبىء المؤمنين بما في قلوب المنافقين . 

ورد عليه بأنه يستلزم تفكيك الضمائر . 

ودفع بأن تفكيك الضمائر غير ممنوع ولا أنه مناف للبلاغة إلا إذا كان المعنى معه غير مفهوم ، وربما أيد بعضهم هذا الجواب بأنه ليس هاهنا تفكيك للضمائر فإنه قد سبق أن المنافقين يحلفون للمؤمنين ليرضوهم ثم وبخهم الله بأن الله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين فقد بين هاهنا بطريقة الاستئناف أنهم يحذرون أن تنزل على المؤمنين سورة تنبئهم بما في قلوبهم فتبطل ثقتهم بهم فأعيد الضمير إلى المؤمنين لأن سياق الكلام فيهم فلا أثر من التفكيك . 

وفيه أن من الواضح الذي لا يرتاب فيه أن موضوع الكلام في هذه الآيات وآيات كثيرة مما يتصل بها من قبل ومن بعد ، هم المنافقون ، والسياق سياق الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا غيره ، وإنما كان خطاب المؤمنين في قوله : ﴿يحلفون بالله لكم ليرضوكم﴾ خطابا التفاتيا للتنبيه على غرض خاص أومأنا إليه ثم عاد الكلام إلى سياقها الأصلي من خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبدل خطابهم إلى خطابه فلا معنى لقوله : إن سياق الكلام في المؤمنين . 

ولو كان السياق هو الذي ذكره لكان من حق الكلام أن يقال : أن تنزل عليكم سورة تنبئكم بما في قلوبهم ، فما معنى العدول إلى ضمير الغيبة ، ولم يتقدم في سابق الكلام ذكر لهم على هذا النعت ؟ . 

على أن قوله : إن الآية - يحذر المنافقون - بيان من طريق الاستئناف لسبب حلفهم للمؤمنين ليرضوهم ، إخراج لهذه الطائفة من الآيات من استقلال غرضها الأصلي الذي بحثنا عنه في أول الكلام ، ويختل بذلك ما يتراءى من فقرات الآيات من الاتصال والارتباط . 

فالآية - يحذر المنافقون إلخ - ليست بيانا لسبب حلفهم المذكور سابقا بل استئناف مسوق لغرض آخر يهدي إليه مجموع الآيات الإحدى عشرة . 

وبالجملة الآيات السابقة على هذه الآية خالية عن ذكر المؤمنين ذكرا يوجب انعطاف الذهن إليه حينما يلقي ضميرا يمكن عوده إليهم وهذا هو التفكيك المذكور ، وهو مع ذلك تفكيك ممنوع لإيجابه إبهاما في البيان ينافي بلاغته .

والحق أن الضمير في قوله : ﴿أن تنزل عليهم﴾ للمنافقين - كما تقدمت الإشارة إليه - ولا بأس بأن يسمى تنزيل سورة لبيان حالهم وذكر مثالبهم وتوبيخهم على نفاقهم تنزيلا للسورة عليهم وهم في جماعة المؤمنين غير متميزين منهم كما عبر بنظير التعبير في مورد المؤمنين حيث قال : ﴿واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به﴾ [البقرة : 231] . 

وقد أتى سبحانه بنظير هذا التعبير في أهل الكتاب حيث قال : ﴿يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء﴾ [النساء : 153] ، وفي المشركين حيث حكى عنهم قولهم : ﴿ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه﴾ [الإسراء : 93] ، وليست نسبة المنافقين وهم في المؤمنين إلى نزول القرآن عليهم بأبعد من نسبة المشركين وأهل الكتاب إلى نزوله عليهم ، والنزول والإنزال والتنزيل يقبل التعدي بإلى بعناية الانتهاء وبعلى بعناية الاستعلاء والإتيان من العلو ، والتعدية بكل واحد منهما كثير في تعبيرات القرآن ، والمراد بنزول الكتاب إلى قوم وعلى قوم تعرضه لشئونهم وبيانه لما ينفعهم في دنياهم وأخراهم . 

وقد يجاب عن الإشكال الثالث بأن قوله تعالى : ﴿قل استهزءوا﴾ دليل على أنهم كانوا يستهزءون بالحذر ولم يكن من جد الحذر في شيء . 

و فيه أن الآيات الكثيرة النازلة في سورة البقرة والنساء وغيرها - وكل ذلك قبل هذه الآيات نزولا - المخرجة لكثير من خبايا قلوبهم الكاشفة عن أسرارهم تدل على أن هذا الحذر كان منهم على حقيقته من غير استهزاء وسخرية . 

على أنه تعالى وصفهم في سورة المنافقون بمثل قوله : ﴿يحسبون كل صيحة عليهم﴾ [المنافقون : 4] ، وقال في مثل ضربه لهم وفيهم : ﴿يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت﴾ [البقرة : 19] وقد ذكر في الآية التالية . 

والحق أن استهزاءهم إنما هو نفاقهم وقولهم في الظاهر خلاف ما في باطنهم كما يؤيده قوله تعالى : ﴿وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون﴾ [البقرة : 14] . 

والجواب عن الإشكال الرابع أن الشيء الذي كانوا يحذرونه في الحقيقة هو ظهور نفاقهم وانكشاف ما في قلوبهم ، وإنما كانوا يحذرون نزول السورة لأجل ذلك فالمحذور الذي ذكر في صدر الآية والذي في ذيل الآية أمر واحد ، ومعنى قوله ﴿إن الله مخرج ما تحذرون﴾ إنه مظهر لما أخفيتموه من النفاق ومنبىء لما في قلوبكم . 

قوله تعالى : ﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون﴾ الخوض - على ما في المجمع - دخول القدم فيما كان مائعا من الماء والطين ثم كثر حتى استعمل في غيره . 

وقال الراغب في المفردات ، الخوض هو الشروع في الماء والمرور فيه ، ويستعار في الأمور ، وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه . 

ولم يذكر الله سبحانه متعلق السؤال وأن المسئول عنه الذي إن سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سأل عنه ما هو؟ غير أن قوله : ﴿ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب﴾ بما له من السياق المصدر بأن ما يدل على أنه كان فعلا صادرا منهم له نوع تعلق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان أمرا مرئيا يسيء الظن بهم ، ولم يكن في وسعهم أن يعتذروا منه بعد ما تبين وانكشف للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بأنه إنما كان منهم خوضا ولعبا لم يريدوا به غير ذلك .

 والخوض واللعب الذين اعتذروا بهما من الأعمال السيئة التي لا يعترف بهما الناس في حالهم العادي وخاصة المؤمنون وسائر المتظاهرين بالإيمان وخاصة إذا كان ذلك في أمر يرجع إلى الله ورسوله غير أنهم لم يجدوا وصفا يصفون به فعلهم لإخراجه عن ظاهر ما يدل عليه ، دون أن يعنونوه بأنه كان خوضا ولعبا .

 ولذا أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يوبخهم على ما اعتذروا به فقال : ﴿قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون﴾ ثم فسر عملهم في آخر الآيات بقوله : ﴿يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا﴾ الآية .

 ويتحصل من مجموع هذه القرائن أن المنافقين كانوا أرادوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسوء كالفتك به ومفاجأته بما يهلكه وأقدموا على ما قصدوه وتكلموا عند ذلك بشيء من الكلام الردي لكنهم أخطئوا في ما أوقعوه عليه واندفع الشر عنه ، ولم يصب السهم هدفه فلما خاب سعيهم وبان أمرهم سألهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك وما تصدوه به اعتذروا بأنهم كانوا يخوضون ويلعبون فوبخهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : ﴿أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون﴾ ورد الله سبحانه إليهم عذرهم الذي اعتذروا به وبين حقيقة ما قصدوا بذلك .

 وبالجملة معنى الآية : وأقسم لئن سألتهم عن فعلهم الذي شوهد منهم : ما الذي أرادوا به ؟ وكان ظاهره أنهم هموا بأمر فيك ليقولن : لم يكن قصد سوء ولا بالذي ظننت فأسأت الظن بنا ، وإنما كنا نخوض ونلعب خوض الركب في الطريق لا على سبيل الجد ولكن لعبا .

 وهذا اعتذار منهم بالاستهزاء بالله وآياته ورسوله فإنهم يعترفون بأنهم فعلوا فيك ما فعلوه خوضا ولعبا فقد استهزءوا بالله ورسوله فقل : أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون أي أتعتذرون عن سيء فعلكم بسيئة أخرى هي الاستهزاء بالله وآياته ورسوله ، وهو كفر ؟ .

 وليس من البعيد أن يكون الغرض الأصيل بيان كونه استهزاء بالرسول ، وإنما ذكر الله وآياته للدلالة على معنى الاستهزاء بالرسول ، وأنه لما كان من آيات الله كان الاستهزاء به استهزاء بآيات الله ، والاستهزاء بآيات الله استهزاء بالله العظيم فالاستهزاء برسول الله استهزاء بالله وآياته ورسوله .

 قوله تعالى : ﴿لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم أن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة﴾ الآية ، قال الراغب في المفردات : الطوف المشي حول الشيء ومنه الطائف لمن يدور حول البيوت حافظا - إلى أن قال - والطائفة من الناس جماعة منهم ومن الشيء القطعة منه .

 وقوله تعالى : ﴿فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين﴾ قال بعضهم : قد يقع ذلك على الواحد فصاعدا ، وعلى ذلك قوله : ﴿وإن طائفتان من المؤمنين إذ همت طائفتان منكم﴾ . 

﴿والطائفة إذا أريد بها الجمع فجمع طائف﴾ وإذا أريد بها الواحد فيصح أن يكون جمعا ويكنى به عن الواحد ، ويصح أن يجعل كراوية وعلامة ونحو ذلك . 

وقد خطأ بعضهم القول بجواز صدق الطائفة على الواحد والاثنين من الناس كما تصدق على الثلاثة فصاعدا ، وبالغ في ذلك حتى عده غلطا ولا دليل له على ما ذكره ، ومادة اللفظ لا يستوجب شيئا معينا من العدد ، وإطلاقها على القطعة من الشيء يؤيد استعمالها في الواحد . 

وقوله : ﴿لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ نهي عن الاعتذار بدعوى أنه لغو كما يدل عليه قوله : ﴿قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ فإن الاعتذار لا فائدة تترتب عليه بعد الحكم بكفرهم بعد إيمانهم . 

والمراد بإيمانهم هو ظاهر الإيمان الذي كانوا يتظاهرون به لا حقيقة الإيمان الذي هو من الهداية الإلهية التي لا يعقبها ضلال ، ويؤيده قوله تعالى في آخر هذه الآيات : ﴿ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم﴾ فبدل الإيمان إسلاما وهو ظاهر الشهادتين . 

ويمكن أن يقال : إن من مراتب الإيمان ما هو اعتقاد وإذعان ضعيف غير آب عن الزوال كإيمان الذين في قلوبهم مرض وقد عدهم الله من المؤمنين وذكرهم مع المنافقين لأمنهم ، ولا مانع من أن ينسلخوا هذا الإيمان . 

وكيف لا ؟ وقد سلخ الله الإيمان ممن هو أرسخ إيمانا منهم كالذي يقصه في قوله : ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه﴾ [الأعراف : 176] . 

وقال أيضا : ﴿إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا﴾ النساء : 137 وقد أكثر القرآن الكريم من ذكر الكفر بعد الإيمان فلا مانع من زوال الاعتقاد القلبي قبل رسوخه وهو اعتقاد . 

نعم الإيمان المستقر والاعتقاد الراسخ لا سبيل إلى عروض الزوال له قال تعالى : ﴿من يهد الله فهو المهتدي﴾ [الأعراف : 178] وقال : ﴿فإن الله لا يهدي من يضل﴾ [النحل : 37] . 

وقوله : ﴿إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة﴾ يدل على أن هؤلاء المنافقين المذكورين في الآيات كانوا ذوي عدد وكثرة ، وأن كلمة العذاب وقعت عليهم لا بد لهم من العذاب فلو شمل بعضهم عفو إلهي لمصلحة في ذلك وقع العذاب على الباقين فهذا معنى الجملة : ﴿إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة﴾ بحسب ما يفهم من نظمه وسياقه . 

وبعبارة أخرى رابطة اللزوم بين الشرط والجزاء بترتب الجزاء وتفرعه على الشرط إنما هي بالتبع وأصله ترتب الجزاء هاهنا على أمر يتعلق به الشرط وهو أن العذاب وجب على جماعتهم فإن عفي عن بعضهم تعين الباقون من غير تخلف . 

وقد ظهر بما قدمناه أولا : وجه ترتب قوله : ﴿نعذب طائفة﴾ على قوله : ﴿إن نعف عن طائفة﴾ واندفع ما استشكله بعضهم على الآية أنه لا ملازمة بين العفو عن البعض وعذاب البعض فما معنى الاشتراط ؟ . 

والجواب : أن اللزوم بحسب الأصل بين وجوب نزول العذاب على الجماعة وبين نزوله على بعضهم ثم انتقل إلى ما بين العفو عن البعض وبين نزوله على بعضهم كما قررناه . 

وثانيا : أن المراد بالعفو هو ترك العذاب لمصلحة من مصالح الدين دون العفو بمعنى المغفرة المستندة إلى التوبة إذ لا وجه ظاهرا لمثل قولنا : إن غفرنا لطائفة منكم لتوبتهم نعذب طائفة لجرمهم مع أنهم لو تابوا جميعا لم يعذبوا قطعا . 

وقد ندب الله إليهم جميعا أن يتوبوا حيث قال في آخر الآيات : ﴿فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة﴾ . 

وثالثا : أن العفو في الآية بل والعذاب المذكور فيها هو العفو عن العذاب الدنيوي وتركها وكذا القول في العذاب فإن العفو من العذاب الأخروي على ما تنص عليه الآيات القرآنية إنما يكون لتوبة أو شفاعة ، ولا تحقق لواحد منهما فيما نحن فيه أما التوبة فلما تبين أنها غير مرادة في الآية ، وأما الشفاعة فلما ثبت بآيات الشفاعة أن الشفاعة لا ينالها في الآخرة إلا مؤمن مرضي الإيمان ، وقد استوفينا البحث عنها في الجزء الأول من الكتاب . 

ورابعا : أنه لا مانع من كون الآية أعني قوله : ﴿لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم أن نعف عن طائفة﴾ الآية من تتمة كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن المراد بالعفو والعذاب هو العذاب الدنيوي بالسياسة وتركه ، ولا مانع من نسبتهما إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) . 

لكن ظاهر الآيات التالية هو كونه من قول الله سبحانه خطابا للمنافقين فيكون التفاتا من خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خطابهم والنكتة فيه إظهار كمال الغضب واشتداد السخط من صنعهم حتى كأنه لا يفي بإيذانه وإعلامه الرسالة فواجههم بنفسه وخاطبهم بشخصه فهددهم بعذاب واقع لا مرد له ولا مفر منه .

 _______________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 272-280 .


تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

مؤامرة أخرى للمنافقين :

لا حظنا في الآيات السابقة كيف أنّ المنافقين اعتبروا نقاط القوّة في سلوك النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم نقاط ضعف ، وكيف حاولوا استغلال هذه المسألة من أجل بثّ التفرقة بين المسلمين . وفي هذه الآيات إشارة إلى نوع آخر من برامجهم وطرقهم .

فمن الآية الأولى يستفاد أنّ اللّه سبحانه وتعالى يكشف الستار عن أسرار المنافقين أحيانا ، وذلك لدفع خطرهم عن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وفضحهم أمام الناس ليعرفوا حقيقتهم ، ويحذروهم وليعرف المنافقون موقع اقدامهم ويكفّوا عن تآمرهم ، ويشير القرآن إلى خوفهم من نزول سورة تفضحهم وتكشف خبيئة أسرارهم فقال : {يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ‏} .

إلّا أنّ العجيب في الأمر أن هؤلاء ولشدة حقدهم وعنادهم لم يكفّوا عن استهزائهم وسخريتهم ، لذلك تضيف الآية : بأنّهم مهما سخروا من أعمال النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم‏ إن اللّه لهم بالمرصاد وسوف يظهر خبيث أسرارهم ويكشف عن دنيء نيّاتهم ، فقال : {قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ‏} .

تجدر الإشارة إلى أنّ جملة (استهزءوا) من قبيل الأمر لأجل التهديد كما يقول الإنسان لعدوّه : اعمل كل ما تستطيع من أذى وإضرار لترى عاقبة أمرك ، ومثل هذه الأساليب والتعبيرات تستعمل في مقام التهديد .

كما يجب الالتفات إلى أنّنا نفهم من الآية بصورة ضمنية أنّ هؤلاء المنافقين يعلمون بأحقية دعوة النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وصدقها ، ويعلمون في ضميرهم ووجدانهم ارتباط النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم باللّه سبحانه وتعالى ، إلّا أنهم لعنادهم وإصرارهم بدل أن يؤمنوا به ويسلموا بين يديه ، فإنّهم بدأوا بمحاربته وإضعاف دعوته المباركة ، ولذلك قال القرآن الكريم : {يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ}‏ .

وينبغي الالتفات إلى أنّ جملة {تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ‏} لا تعني أن أمثال هذه الآيات كانت تنزل على المنافقين ، بل المقصود أنّها كانت تنزل في شأن المنافقين وتبيّن أحوالهم .

أمّا الآية الثّانية فإنّها أشارت إلى أسلوب آخر من أساليب المنافقين ، وقالت : {ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ ونَلْعَبُ}‏ «2» . أي إذا سألتهم عن الدافع لهم على هذه الأعمال المشينة قالوا: نحن نمزح وبذلك ضمنوا طريق العودة ، فهم من جهة كانوا يخططون المؤامرات ، ويبثون السموم ، فإذا تحقق هدفهم فقد وصلوا إلى مآربهم الخبيثة أمّا إذا افتضح أمرهم فإنّهم سيتذرعون ويعتذرون بأنّهم كانوا يمزحون ، وعن هذا الطريق سيتخلصون من معاقبة النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والناس لهم .

إن المنافقين في أي زمان ، تجمعهم وحدة الخطط ، والضرب على نفس الوتر ،  لذا فلهم نغمة واحدة ، وهم كثيرا ما يستفيدون ويتبعون هذا الطرق ، بل إنّهم في بعض الأحيان يطرحون أكثر المسائل جدية لكن بلباس المزاح الساذج البسيط ، فإن وصلوا إلى هدفهم وحققوه فهو ، وإلّا فإنّهم يفلتون من قبضة العدالة بحجّة المزاح .

غير أنّ القرآن الكريم واجه هؤلاء بكل صرامة ، وجابههم بجواب لا مفرّ معه من الإذعان للواقع ، فأمر النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أن يخاطبهم‏ {قُلْ أَبِاللَّهِ وآياتِهِ ورَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ}‏ ، أي إنّه يسألهم: هل يمكن المزاح والسخرية حتى باللّه ورسوله وآيات القرآن ؟! هل إنّ هذه المسائل التي هي أدق الأمور وأكثرها جدية قابلة للمزاح؟! هل يمكن إخفاء قضية تنفير البعير وسقوط النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم من تلك العقبة الخطيرة ، والتي تعني الموت ، تحت عنوان ونقاب المزاح؟ أم أنّ السخرية والاستهزاء بالآيات الإلهية وإخبار النّبي بالانتصارات المستقبلية من الأمور التي يمكن أن يشملها عنوان اللعب ؟ كل هذه الشواهد تدل على أنّ هؤلاء كان لديهم أهداف خطيرة مستترة خلف هذه الأستار والعناوين .

ثمّ يأمر القرآن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أن يقول للمنافقين بصراحة : {لا تَعْتَذِرُوا} ، والسبب في ذلك أنّكم‏ {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ}‏ ، فهذا التعبير يشعر أن هذه الفئة لم تكن منذ البداية في صف المنافقين ، بل كانوا مؤمنين لكنّهم ضعيفو الإيمان ، بعد هذه الحوادث الآنفة الذكر سلكوا طريق الكفر .

ويحتمل أيضا في تفسير العبارة أعلاه أن هؤلاء كانوا منافقين من قبل ، إلّا أنّهم لم يظهروا عملا مخالفا ، فإنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والمسلمين كانوا مكلّفين أن يعاملوهم كأفراد مؤمنين ، لكن لما رفع النقاب بعد أحداث غزوة تبوك ، وظهر كفرهم ونفاقهم أعلم هؤلاء بأنّهم لم يعودوا من المؤمنين .

واختتمت الآية بهذه العبارة : {إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ‏ كانُوا مُجْرِمِينَ}‏ فهي تبيّن أنّ طائفة قد استحقت العذاب نتيجة الذنوب والمعاصي ، وهذا دليل على أن أفراد الطائفة الأخرى إنّما شملهم العفو الإلهي لأنّهم غسلوا ذنوبهم ومعاصيهم بماء التوبة من أعماق وجودهم .

وفي الآيات القادمة- كالآية 74- قرينة على هذا المبحث .

وقد وردت روايات عديدة في ذيل الآية ، تبيّن أن بعض هؤلاء المنافقين الذين مرّ ذكرهم في هذه الآيات قد ندموا على ما بدر منهم من أعمال منافية للدين والأخلاق فتابوا ، غير أن البعض الآخر قد بقي على مسيرته حتى النهاية .

ولمزيد التوضيح والاطلاع راجع : تفسير نور الثقلين ، ج 2 ، ص 239 .

___________________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 281-283 .

2. خوض على وزن حوض ، وهو- كما ورد في كتب اللغة- بمعنى الدخول التدريجي في الماء ، ثمّ أطلقت على الدخول في مختلف الأعمال من باب الكناية ، إلّا أنّها جاءت في القرآن غالبا بمعنى الدخول أو الشروع بالأعمال أو الأقوال القبيحة البذيئة .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .