أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-6-2021
2285
التاريخ: 19-2-2021
1941
التاريخ: 1-4-2020
2368
التاريخ: 17-8-2020
2059
|
إن كثرة الملائكة لم تبلغ حدا يمكن تصوره تفصيلا أو إجمالا ، و لهم طبقات و أصناف : منها : طبقات الملائكة الأرضية , و منها : الملائكة السماوية , و منها : حملة العرش العظيم , و منها : المسلسلون , و منها : المهيمنون , و غير ذلك مما لم نسمع اسمهم و رسمهم ، و لا يحيط بهم إلا اللّه - سبحانه -.
فكل صنع من صنائع اللّه في الأرض و السماء لا يخلو عن ملك أو ملائكة موكلين به , فانظر كيف و كلهم اللّه بك فيما يرجع إلى الأكل و الاغتذاء الذي كلامنا فيه ، دون ما يجاوز، و ذلك من صنائع اللّه و افعاله ، و من الوحي إلى الأنبياء و الهداية و الإرشاد و غيرها ، فان استقصاء ذلك ليس من مقدورات البشر .
فنقول : إن كل جزء من اجزاء بدنك ، بل من اجزاء النبات ، لا يغتذي إلا بأن يوكل به سبعة من الملائكة ، هم أقل الأعداد ، الى عشرة إلى مائة ، الى أكثر من ذلك بمراتب.
بيان ذلك : ان معنى الاغتذاء : أن يقوم جزء من الغذاء مقام جزء تلف من بدنك , و هذا موقوف على حركات و تغيرات و استحالات للغذاء ، حتى يصير جزء للبدن ، كالجذب و الهضم و صيرورته لحما و عظما.
ومعلوم أن الغذاء و الدم و اللحم اجسام ليست لها قدرة و معرفة و اختيار حتى تتحرك و تتغير بأنفسها.
ومجرد الطبع لا يكفي في ترددها في اطوارها ، كما أن البُر بنفسه لا يصير طحينا و عجينا و خبزا مطبوخا إلا بصناع ، و الصناع في الباطن هم الملائكة ، كما أن الصناع في الظاهر هم أهل البلد , فالغذاء ، بعد وضعه في الفم إلى أن يصير دما ، لا بد له من صناع من الملائكة ، و لا نتعرض لهم و لبيان عددهم ، و نقول : بعد صيرورته دما إلى أن يصير جزء للبدن ، يتوقف على سبعة من الملائكة ، إذ لا بد من ملك يجذب الدم إلى جوار اللحم و العظم ، إذ الدم لا يتحرك بنفسه ، ولا بد من ملك آخر يمسك الغذاء في جواره ، ولا بد من ثالث يخلع عنه صورة الدم ، و من رابع يكسوه صورة اللحم و العظم و العرق ، و من خامس يدفع الفضل الزائد من الحاجة ، و من سادس يلصق ما اكتسب صفة اللحم باللحم ، و ما اكتسب صفة العظم بالعظم و ما اكتسب صفة العرق بالعرق حتى لا يكون منفصلا ، و لا بد من سابع يراعى المقادير في الالصاق ، فيلحق بالمستدير على ما لا يبطل استدارته ، و بالعريض على ما لا يبطل عرضه وبالمجوف على ما لا يبطل تجويفه و هكذا , و يراعى في الالصاق لكل عضو ما يليق به و يحتاج إليه , فلو جمع لأنف الصبي - ملا- من الغذاء ما يجمع على فخذه ، لكبر أنفه ، و بطل تجويفه ، و تشوهت صورته ، بل ينبغي أن يسوق إلى الاجفان مع رقتها و إلى الافخاذ مع غلظتها ، و إلى الحدقة مع صفائها ، و إلى العظم مع صلابته ، ما يليق بكل واحد منها من حيث القدر و الشكل ، و يراعى العدل في القسمة و التقسيط ، و إلا بطلت الصورة ، وتشوهت الخلقة ورق بعض المواضع و ضعف البعض , فمراعاة هذه الهندسة مفوضة إلى ملك من الملائكة وإياك و أن تظن ان الدم بطبعه يهندس شكل نفسه ، فان من احال هذه الأمور الى الطبع جاهل ولا يدري ما يقول ، فان أراد من الطبع قوة عديمة الشعور، و يقول : ان كل فعل من هذه الافعال موكول إلى قوة لا شعور لها ، فنقول : ذلك أدل على عظمة اللّه و حكمته و قدرته ، اذ لا ريب في ان ما لا شعور له ليس في نفسه أن يفعل فعلا ما ، فضلا عن ان يفعل أفعالا متقنة محكمة ، مشتملة على الحكم الدقيقة و المصالح الجلية و الخفية , فتكون هذه شروطا ناقصة لإيجاد اللّه - سبحانه- هذه الأفعال بلا واسطة ، أو بواسطة عدد هذه القوى من الملائكة , و على أي تقدير، لا بد من سبعة اشخاص من مخلوق اللّه - سبحانه- مسخرين في باطنك ، موكلين بهذه الافعال ، قد شغلوا بك ، و أنت في النوم تستريح ، و في الغفلة تتردد ، و هم يصلحون الغذاء في باطنك و لا خبر لك منهم ، و كذلك في كل جزء من اجزائك التي لا تتجزأ ، حتى يفتقر بعض الأجزاء - كالعين و القلب - الى أكثر من مائة ملك , ثم الملائكة الأرضية مددهم من الملائكة السماوية على ترتيب معلوم ، لا يحيط بكنهه الا اللّه ، و مدد الملائكة السماوية من حملة العرش ، و المنعم على جميعهم بالتأييد و التسديد و الهداية المهيمن القدوس ، المتفرد بالملك و الملكوت و العز و الجبروت , و من أراد ان يعلم - إجمالا- كثرة الملائكة الموكلين بالسماوات و الأرضين ، و أجزاء النبات و الحيوانات ، و السحب و الهواء و البحار و الجبال و الامطار و غير ذلك ، فليرجع في ذلك إلى الاخبار الواردة من الحجج (عليهم السلام).
ثم لا بد أن يفوض كل فعل من الافعال السبعة المذكورة إلى ملك من الملائكة ، و يكون الموكل به ملكا واحدا على حدة ، و لا يمكن أن يفوض جميعها إلى ملك واحد ، كما لا يمكن أن يتولى انسان واحد سبعة أعمال في الحنطة ، كالطحن و تمييز النخالة ، و دفع الفضلة عنه ، و صب الماء عليه ، و العجن ، و قطعها كسرات مدورة ، و ترقيقها رغفانا عريضة ، والصاقها بالتنور.
اذ الملك وحداني الصفة ، ليس فيه خلط و تركيب من المتضادات , فلا يكون لكل واحد منهم الا فعل واحد ، كما أشير إليه بقوله - تعالى- : {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات : 164] .
و لذلك ، ليس بينهم تحاسد و تنافس , و مثالهم في تعيين مرتبة كل واحد منهم و عدم مزاحمة الآخر له مثال الحواس الخمس ، و ليس كالإنسان الذي يتولى بنفسه أمورا مختلفة ، و سبب ذلك اختلاف صفاته و دواعيه ، فانه لما لم يكن وحداني الصفة لم يكن وحداني الفعل ، و لذلك ترى أنه يطيع اللّه تارة و يعصيه أخرى , و ذلك غير موجود في الملائكة ، فانهم مجبولون على الطاعة لم تتصور في حقهم معصية ، و لكل منهم طاعة خاصة معينة.
فالراكع منهم راكع أبدا ، و الساجد منهم ساجد دائما ، و القائم منهم قائم أبدا ، لا اختلاف في افعالهم و لا فتور، و لكل واحد منهم مقام معلوم.
وإذ قد ظهر لك عدد ما يحتاج إليه بعض افعال مجرد الاغتذاء من الملائكة الارضية المستمدين من الملائكة السماوية ، فقس عليه سائر افعال الاغتذاء ، و سائر افعالك الباطنة و الظاهرة فان بيان ذلك ليس ممكنا.
ثم قس على ذلك إجمالا جملة صنائع اللّه و افعاله الواقعة في عالمي الجبروت و الملكوت ، و عالم الملك و الشهادة ، فسماواته و ارضه و ما بينهما و ما تحتهما و ما فوقهما ، فان اعداد الملائكة و الموكلين بها غير متناهية ، كيف و مجامع طبقات الملائكة و انواعهم خارجة عن الإحصاء ، فضلا عن الآحاد الداخلة تحت الطبقات؟.
وقد ظهر مما عرفت من توقف كل نعمة على نعم كثيرة متسلسلة ، الى أن ينتهي إلى اللّه ، و اتصال البعض بالبعض و وقوع الارتباط و الترتب بينهما : أن من كفر نعمة اللّه فقد كفر كل نعمة في الوجود ، فمن نظر إلى غير محرم - مثلا- فقد كفر، ففتح العين نعمة اللّه في الأجفان و لا تقوم الأجفان الا بالعين ، و لا العين الا بالرأس ، و لا الرأس إلا بجميع البدن ، و لا البدن الا بالغذاء ، و لا غذاء الا بالماء و الأرض و الهواء و المطر و الغيم و الشمس و القمر و سائر الكواكب ، و لا يقوم شيء من ذلك الا بالسماوات و لا السماوات إلا بالملائكة , فان الكل كالشيء الواحد ، يرتبط البعض منه بالبعض ارتباط اعضاء البدن بعضها ببعض , فاذن قد كفر كل نعمة فى الوجود ، من ابتداء الثرى إلى منتهى الثريا , و حينئذ لا يبقى جماد و لا نبات و لا حيوان ، و لا ماء و لا هواء ، و لا كوكب و لا فلك و لا ملك ، إلا يلعنه.
ولذلك ورد في الأخبار : «ان البقعة التي يجتمع فيها الناس ، إما تلعنهم إذا تفرقوا ، أو تستغفر لهم» , و كذلك ورد : «أن الملائكة يلعنون العصاة».
وورد : «ان العالم يستغفر له كل شيء ، حتى الحوت في البحر» , و أمثال هذه الأخبار الدالة على ما يفيد المراد خارجة بطرفه عن الإحصاء ، و كل ذلك إشارة إلى أن العاصي بتطريفه واحدة يجنى على جميع الملك و الملكوت.
ثم جميع ما ذكرناه إنما يتعلق بجزء من المطعم ، فاعتبر ما سواه , ثم تأمل هل يمكن أن يخرج أحد عن عهدة الشكر؟ , كيف و للّه في كل طرفة على كل عبد من عبيده نعم كثيرة خارجة عن الإحصاء؟ , فان في كل نفس ينبسط و ينقبض نعمتين ، إذ بانبساطه يخرج الدخان المحترق من القلب ، و لو لم يخرج لهلك ، و بانقباضه يجتمع روح الهواء إلى القلب ، و لو لم يدخل نسيم الهواء فيه لانقطع قلبه و هلك , و لما كان اليوم و الليلة أربعا و عشرين ساعة ، و في كل ساعة يوجد الف نفس تخمينا ، و إذا اعتبرت ذلك و قست عليه سائر النعم ، يكون عليك في كل يوم و ليلة آلاف الوف نعمة في كل جزء من اجزاء بدنك ، بل في كل جزء من اجزاء العالم ، و كيف يمكن احصاء ذلك ، و لذلك قال اللّه - تعالى- : {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [النحل : 18] .
وورد : «ان من لم يعرف نعمة اللّه إلا في مطعمه و مشربه ، فقد قل علمه و حضر عذابه». فالبصير لا تقع عينه في العالم على شيء ، و لا يلم خاطره بموجود ، إلا و يتحقق أن للّه فيه نعمة عليه , و لذلك قال موسى بن عمران : «إلهي! كيف أشكرك و لك علي في كل شعرة من جسدي نعمتان : أن لينت اصلها ، و ان طمست رأسها».
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|