أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-11-2016
1712
التاريخ: 17-11-2016
1782
التاريخ: 17-11-2016
1101
التاريخ: 31-3-2021
3015
|
حكومة يزيد
وتسلم يزيد بعد هلاك أبيه قيادة الدولة الاسلامية، وهو في غضارة العمر، لم تهذبه الايام ولم تصقله التجارب، وانما كان - فيما اجمع عليه المؤرخون - موفور الرغبة في اللهو والقنص والخمر والنساء وكلاب الصيد وممعنا كل الامعان في اقتراف المنكر والفحشاء، ولم يكن حين هلاك أبيه في دمشق، وانما كان في رحلات الصيد في حوارين الثنية (1) فارسل إليه الضحاك بن قيس رسالة يعزيه فيها بوفاة معاوية، ويهنئه بالخلافة ، ويطلب منه الاسراع الى دمشق ليتولى أزمة الحكم، وحينما قرا الرسالة اتجه فورا نحو عاصمته في ركب من أخواله، وكان ضخما كثير الشعر ، وقد شعث في الطريق وليس عليه عمامة، ولا متقلدا بسيف، فاقبل الناس يسملون عليه، ويعزونه، وقد عابوا عليه ما هو فيه، وراحوا يقولون :
" هذا الاعرابي الذي ولاه معاوية أمر الناس، والله ساله عنه " (2) واتجه نحو قبر أبيه فجلس عنده وهو باك العين، وانشا يقول :
جاء البريد بقرطاس يخب به *** فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
قلنا لك الويل ماذا في كتابكم *** قال الخليفة أمســى مدنفـــا وجعا (3)
ثم سار متجها نحو القبة الخضراء في موكب رسمي تحف به علوج أهل الشام واخواله وسائر بني أمية .
خطاب العرش :
واتجه يزيد نحو منصة الخطابة ليعلن للناس سياسته، ومخططات حكومته، فلما استوى عليها ارتج عليه، ولم يطق الكلام، فقام اليه الضحاك بن قيس، فصاح به يزيد ما جاء بك ؟ قال له الضحاك :
كلم الناس وخذ عليهم، فأمره بالجلوس (4)، وانبرى خطيبا فقال :
" الحمد لله الذي ما شاء صنع، ومن شاء منع، ومن شاء خفض ومن شاء رفع ان امير المؤمنين - يعني معاوية - كان حبلا من حبال الله مده، ما شاء أن يمده، ثم قطعه حين أراد أن يقطعه، وكان دون من قبله، وخيرا مما ياتي بعده، ولا أزكيه عند ربه وقد صار إليه، فان يعف عنه فبرحمته وإن يعاقبه فبذنبه، وقد وليت بعده الامر ولست اعتذر من جهل، ولا اتي على طلب علم، وعلى رسلكم اذا كره الله شيئا غيره واذا أحب شيئا يسره.." (5) .
ولم يعرض يزيد في هذا الخطاب لسياسة دولته، ولم يدل باي شئ مما تحتاج إليه الامة في مجالاتهم الاقتصادية والاجتماعية، ومن المقطوع به ان ذلك مما لم يفكر به، وانما عرض لطيشه وجبروته واستهانته بالأمة فهو لا يعتذر اليها من أي جهل يرتكبه، ولا من سيئة يقترفها، وانما على الامة الاذعان والرضا لظلمه وبطشه .
خطابه في أهل الشام :
وخطب في أهل الشام خطابا أعلن فيه عن عزمه وتصميمه على الخوض في حرب مدمرة مع أهل العراق، وهذا نصه :
" يا أهل الشام فان الخير لم يزل فيكم، وسيكون بيني وبين أهل العراق حرب شديد، وقد رايت في منامي كان نهرا يجري بيني وبينهم دما عبيطا، وجعلت أجهد في منامي أن أجوز ذلك النهر فلم اقدر على ذلك حتى جاءني عبيد الله بن زياد فجازه بين يدي، وأنا أنظر إليه" .
وانبرى أهل الشام فاعلنوا تاييدهم ودعمهم الكامل له قائلين :
" يا امير المؤمنين امض بنا حيث شئت " واقدم بنا على من أحببت فنحن بين يديك، وسيوفنا تعرفها أهل العراق في يوم صفين.
" فشكرهم يزيد واثنى على اخلاصهم وولائهم له (6) وقد بات من المقطوع به عند أوساط الشام ان يزيد سيعلن الحرب على أهل العراق لكراهتهم لبيعة، وتجاوبهم مع الامام الحسين .
مع المعارضة في يثرب :
ولم يرق ليزيد أن يرى جبهة معارضة، لا تخضع لسلطانه، ولا تدين بالولاء لحكومته وقد عزم على التنكيل بها بغير هوادة، فقد استتبت له الامور وخضعت له الرقاب، وصارت أجهزة الدولة كلها بيده فما الذي يمنعه من ارغام اعدائه ومناوئيه .
وأهم ما كان يفكر به من المعارضين الامام الحسين (عليه السلام) لانه يتمتع بنفوذ واسع النطاق، ومكانة مرموقة بين المسلمين فهو حفيد صاحب الرسالة وسيد شباب أهل الجنة، أما ابن الزبير فلم تكن له تلك الاهمية البالغة في نفسها .
الاوامر المشددة الى الوليد :
وأصدر يزيد أوامره المشددة الى عامله على يثرب الوليد بن عتبة بارغام المعارضين له على البيعة، وقد كتب إليه رسالتين :
الاولى وقد رويت بصورتين وهما :
1 - رواها الخوارزمي وهذا نصها :
أما بعد :
فان معاوية كان عبدا من عباد الله أكرمه، واستخلصه، ومكن له ثم قبضه الى روحه وريحانه ورحمته، عاش بقدر ومات باجل، وقد كان عهد إلي وأوصاني ان الله تبارك وتعالى منتقم للمظلوم عثمان بآل أبي سفيان لانهم أنصار الحق وطلاب العدل فاذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة على أهل المدينة " (7) .
وقد احتوت هذه الرسالة على ما يلي :
1 - نعي معاوية إلى الوليد
2 - تخوف يزيد من الاسرة النبوية لانه قد عهد إليه أبوه بالحذر منها، وهذا يتنافى مع تلك الوصية المزعومة لمعاوية التي جاء فيها اهتمامه بشان الحسين (عليه السلام) والزام ولده بتكريمه ورعاية مقامه .
3 - الاسراع في اخذ البيعة من أهل المدينة .
2 - رواها البلاذري، وهذا نصها :
" أما بعد :
فان معاوية بن أبي سفيان كان عبدا من عباد الله أكرمه الله، واستخلفه، وخوله ، ومكن له فعاش بقدر ومات باجل، فرحمة الله عليه، فقد عاش محمودا ومات برا تقيا والسلام.." (8) .
واكبر الظن ان هذه الرواية هي الصحيحة فالها قد اقتصرت على نعي معاوية الى الوليد من دون أن تعرض إلى أخذ البيعة من الحسين وغيره من المعارضين، اما على الرواية الاولى، فانه يصبح ذكر الرسالة التالية - التي بعثها يزيد الى الوليد لارغام الحسين على البيعة لغوا .
الثانية :
رسالة صغيرة، وصفت كانها اذن فارة، وقد رويت بثلاث صور :
1 - رواها الطبري والبلاذري، وهذا نصها :
" أما بعد، فخذ حسينا، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام " (9) .
2 - رواها اليعقوبي وهذا نصها :
" اذا أتاك كتابي فاحضر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة فان امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث إلي برؤوسهما وخذ الناس بالبيعة فمن امتنع فانفذ فيه الحكم، وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير والسلام " (10) .
وليس في الرواية الثانية ذكر لعبد الله بن عمر، واكبر الظن أنه أضيف اسمه الى الحسين وابن الزبير لإلحاقه بالجبهة المعارضة وتبريره من التاييد السافر لبيعة يزيد .
3 - رواها الحافظ ابن عساكر، وهذا نصها :
" إن ادع الناس فبايعهم، وابدا بوجوه قريش وليكن اول من تبدا بن الحسين بن علي فان أمير المؤمنين - يعني معاوية - عهد إلى في أمره الرفق واستصلاحه " (11) وليس في هده الرواية ذكر لابن الزبير وابن عمر اذ لم تكن لهما أية أهمية في نظر يزيد إلا انا نشك فيما جاء في أخر هذه الرسالة من أن معاوية قد عهد إلى يزيد الرفق بالحسين واستصلاحه، فان معاوية قد وقف موقفا ايجابيا يتسم بالعداء والكراهية لعموم أهل البيت (عليهم السلام) واتخذ ضدهم جميع الاجراءات القاسية كما المعنا الى ذلك في البحوث السابقة ، واكبر الظن ان هذه الجملة قد اضيفت إليها لتبرير معاوية، ونفي للمسؤولية عنه فيما ارتكبه ولده من الجرائم ضد العترة الطاهرة .
بقي هنا شئ وهوان هذه الرسالة قد وصفها المؤرخون كأنها اذان فارة لصغرها ولعل السبب في ارسالها بهذا الحجم هو ان يزبد قد حسب ان الوليد سينفذ ما عهد إليه من قتل الحسين وابن الزبير، ومن الطبيعي ان لذك كثيرا من المضاعفات السيئة ومن أهمها ما يلحقه من التذمر والسخط الشامل بين المسلمين فاراد أن يجعل التبعة على الوليد، وأنه لم يعهد إليه بقتلهما، وانه لو أمره بذلك لا صدر مرسوما خاصا مطولا به .
وحمل الرسالتين زريق مولى فاخذ يجذ في السير لا يلوي على شئ حتى انتهى الى يثرب (12) وكان معه عبد الله بن سعد بن أبى سرح متلثما لا يبدو منه الا عيناه فصادفه عبد الله بن الزبير فاخذ بيده وجعل يساله عن معاوية وهو لا يجيبه، فقال له :
امات معاوية؟ فلم يكلمه بشئ فاعتقد بموت معاوية، وقفل مسرعا الى الحسين وأخبره الخبر (13)، فقال له الحسين:
إني أظن ان معاوية قد مات، فقد رايت البارحة في منامي كان منبر معاوية منكوس، ورأيت داره تشتعل نارا فاولت ذلك في نفسي بموته (14).
واقبل زريق الى دار الوليد فقال للحاجب استأذن لي، فقال قد دخل ولا سبيل إليه، فصاح به زريق :
انى جئته بامر، فدخل الحاجب وأخبره بالامر فأذن له، وكان جالسا على سرير فلما قرا كتاب يزيد بوفاة معاوية جزع جزعا شديدا، وجعل يقوم على رجليه، ويرمي بنفسه على فراشه (15).
فزع الوليد :
وفزع الوليد مما عهد إلى يزيد من التنكيل بالمعارضين، فقد كان على يقين من أن أخذ البيعة من هؤلاء النفر ليس بالامر السهل، حتى يقابلهم بالعنف، او يضرب أعناقهم - كما أمره يزيد - ان هؤلاء النفر لم يستطع معاوية مع ما يتمتع به من القابليات الدبلوماسية أن يخضعهم لبيعة يزيد، فكيف يصنع الوليد أمرا عجز عنه معاوية .
استشارته لمروان :
وحار الوليد في امره فرأى انه في حاجة الى مشورة مروان عميد الاسرة الاموية فبعث خلفه، فاقبل مروان وعليه قميص أبيض وملاه موردة (16) فنعى إليه معاوية فجزع مروان وعرض عليه ما أمره يزيد من ارغام المعارضين على البيعة له واذا اصروا على الامتناع فيضرب أعناقهم ، وطلب من مروان أن يمنحه النصيحة، ويخلص له في الراي .
راي مروان :
واشار مروان على الوليد فقال له :
ابعث إليهم في هذه الساعة فتدعوهم الى البيعة والدخول في طاعة يزيد، فان فعلوا قبلت ذلك منهم ، وان ابوا قدمهم، واضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية، فانهم إن عملوا ذلك وثب كل رجل منهم فاظهر الخلاف، ودعا إلى نفسه ، فعند ذلك اخاف أن يأتيك من قبلهم مالا قبل لك به، الا عبد الله بن عمر فانه لا ينازع في هذا الامر أحدا...مع اني اعلم ان الحسين بن علي لا يجيبك إلى بيعة يزيد، ولا يرى له عليه طاعة، ووالله لو كنت في وضعك لم اراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته كاننا في ذلك ما كان .
وعظم ذلك على الوليد وهو احنك بني أمية وأملكهم لعقله ورشده فقال لمروان :
" يا ليت الوليد لم يولد ولم يك شيئا مذكورا" .
فسخر منه مروان وراح يندد به قائلا :
" لا تجزع مما قلت لك :
فان آل أبي تراب هم الاعداء من قديم الدهر ولم يزالوا وهم الدين قتلوا الخليفة عثمان بن عفان، ثم ساروا إلى أمير المؤمنين - يعني معاوية - فحاربوه..." .
ونهره الوليد فقال له :
" ويحك يا مروان عن كلامك هذا، واحسن القول في ابن فاطمة فانه بقية النبوة " (17) .
واتفق رايهم على استدعاء القوم، وعرض الامر عليهم للوقوف على مدى تجاوبهم مع السلطة في هذا الامر .
أضواء على موقف مروان :
لقد حرض مروان الوليد على التنكيل بالمعارضين، واستهدف بالذات الامام الحسين، فالح بالفتك به ان امتنع من البيعة وفيما أحسب انه انما دعاه لذلك ما يلي :
1- ان مروان كان يحفد على الوليد، وكانت بينهما عداوة متأصلة وهو - على يقين - ان الوليد يحب العافية، ولا ينفذ ما عهد إليه في شان الامام الحسين، فاستغل الموقف، وراح يشدد عليه في اتخاذ الاجراءات الصارمة ضد الامام، ليسبتين لطاغية الشام موقفه فيسلب ثقته عنه، وبقصيه عن ولاية يثرب، وفعلا قد تحقق ذلك فان يزيد حينما علم بموقف الوليد مع الحسين (عليه السلام) غضب عليه وقد وأقصاه عن منصبه .
2 - ان مروان كان ناقما على معاوية حينما عهد بالخلافة لولده ولم يرشحه لها، لانه شيخ الامويين واكبرهم سنا، فاراد أن يورط يزيد في قتل الامام ليكون به زوال ملكه .
3 - كان مروان من الحاقدين على الحسين لانه سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي حصد رؤوس بني أمية ونفي اباه الحكم عن يثرب، وقد لعنه ولعن من تناسل منه، وقد بلغ الحقد بمروان للأسرة النبوية أنه منع من دفن جنازة الحسن (عليه السلام) مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقول المؤرخون :
إنه كان يبغض أبا هريرة لانه يروي ما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسمع في فضل سبطيه وريحانتيه، وقد دخل على أبي هريرة عائدا له فقال له :
" يا أبا هريرة ما وجدت عليك في شئ منذ اصطحبنا الا في حبك الحسن والحسين " .
فاجابه ابو هريرة :
" اشهد لقد خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسمع الحسن والحسين يبكيان، فقال :
ما شان ابني ؟ فقالت فاطمة :
العطش..
يا مروان كيف لا أحب هذين، وقد رايت من رسول الله ما رايت.." (18) .
لقد دفع مروان الوليد الى الفتك بالحسين لعله يستجيب له فيروي بذلك نفسه المترعة بالحقد والكراهية لعترة النبي (صلى الله عليه وآله) .
4 - كان مروان - على يقين - انه سيلي الخلافة، فقد أخبره الامام امير المؤمنين وصي النبي (صلى الله عليه وآله) وباب المدينة علمه حينما تشفع الحسنان به بعد واقعة الجمل، فقال :
ان له امرة كلعقة الكلب انفه ، وقد اعتقد بذلك مروان، وقد حرض الوليد على الفتك بالحسين ليكون ذلك سببا لزوال ملك بني سفيان، ورجوع الخلافة إليه .
هذه بعض الاسباب التي حفزت مروان الى الاشارة على الوليد بقتل الامام الحسين وانه لم يكن بذلك مشفوعا بالولاء والاخلاص الى يزيد .
استدعاء الحسين :
وأرسل الوليد في منتصف الليل (19) عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام حدث خلف الحسين وابن الزبير، وانما بعثه في هذا الوقت لعله يحصل على الوفاق من الحسين ولو سرا على البيعة ليزيد، وهو يعلم انه اذا اعطاه ذلك فلن يخيس بعهده، ولن يتخلف عن قوله .
ومضى الفنى يدعو الحسين وابن الزبير للحضور عند الوليد فوجدهما في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فدعاهما إلى ذلك فاستجابا له، وأمراه بالانصراف وذعر ابن الزبير، فقال للامام :
- ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها ؟ - أظن أن طاغيتهم - يعني معاوية - قد هلك فبعث إلينا بالبيعة قبل أن يفشو بالناس الخبر .
- وأنا ما أظن غيره فما تريد أن تصنع ؟ - اجمع فتياني الساعة، ثم اسير إليه، واجلسهم على الباب .
- إني اخاف عليك اذا دخلت .
- لا آتيه إلا وأنا قادر على الامتناع (20) .
وانصرف أبي الضيم الى منزله فاغتسل، وصلى ودعا الله (21) وأمر أهل بيته بلبس السلاح والخروج معه، فخفوا محدقين به، فأمرهم بالجلوس على باب الدار، وقال لهم :
اني داخل فاذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوني علي بأجمعكم، ودخل الامام على الوليد فراى مروان عنده وكانت بينهما قطيعة فأمرهما الامام بالتقارب والاصلاح، وترك الاحقاد ، وكانت سجية الامام (عليه السلام) التي طبع عليها الاصلاح حتى مع أعدائه وخصومه، فقال (عليه السلام) لهما :
" الصلة خير من القطيعة، والصلح خير من الفساد، وقد آن لكما أن تجتمعا، اصلح الله ذا بينكما.
" (22) ولم يجيباه بشئ فقد علاهما صمت رهيب، والتفت الامام إلى الوليد فقال له :
هل اتاك من معاوية خير ؟ فانه كان عليلا وقد طالت علته، فكيف حاله الان ؟ فقال الوليد بصوت خافت حزين النبرات :
" آجرك الله في معاوية فقد كان لك عم صدوق، وقد ذاق الموت وهذا كناب أمير المؤمنين يزيد...".
فاسترجع الحسين، وقال له :
" لماذا دعوتني ؟ " .
" دعوتك للبيعة " (23) فقال (عليه السلام) :
إن مثلي لا يبايع سرا، ولا يجنزئ بها مني سرا ، فاذا خرجت الى الناس ودعتهم للبيعة، دعوتنا معهم كان الامر واحدا .
لقد طلب الامام تاجيل الامر الى الصباح، حنى يعقد اجتماع جماهيري فيدلي برايه في شحب البيعة ليزيد، ويستنهض همم المسلمين على الثورة والاطاحة بحكمه، وكان الوليد - فيما يقول المؤرخون - بحب العافية ويكره الفتنة فشكر الامام على مقالته، وسمح له بالانصراف الى داره ، وانبرى الوغد الخبيث مروان بن الحكم وهو مغيظ محنق فصاح بالوليد " " لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبسه فان بايع والا ضربت عنقه " .
ووثب أبي الضيم الى الوزغ ابن الوزغ فقال له :
" يابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو ؟ كذبت والله ولؤمت " (24) .
وأقبل على الوليد فاخبره عن عزمه وتصميمه على رفض البيعة ليزيد قائلا :
" أيها الامير إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر، وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة " (25) .
وكان هذا اول اعلان له على الصعيد الرسمي - بعد هلاك معاوية - في رفض البيعة ليزيد، وقد أعلن ذلك في بيت الامارة ورواق السلطة بدون مبالاة ولا خوف ولا ذعر .
لقد جاء تصريحه بالرفض لبيعة يزيد معبرا عن تصميمه، وتوطين نفسه حتى النهاية على التضحية عن سمو مبدئه، وشرف عقيدته، فهو بحكم مواريثه الروحية ك، وبحكم بيته الذي كان ملتقى لجميع الكمالات الانسانية كيف يبايع يزيد الذي هو من عناصر الفسق والفجور، ولو اقره اماما على المسلمين لساق الحياة الاسلامية الى الانهيار والدمار وعصف بالعقيدة الدينية في متاهات سحيقة من مجاهل هذه الحياة .
وكانت كلمة الحق الصارخة التي أعلنها ابو الاحرار قد احدثت استياء في نفس مروان فاندفع يعنف الوليد ويلومه على اطلاق سراحه قائلا :
" عصيتني ! لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا " .
وتاثر الوليد من منطق الامام، وتيقظ ضميره فاندفع يرد أباطيل مروان قائلا :
" ويحك ! ! انك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي، والله ما أحب أن أملك الدنيا باسرها، واني قتلت حسينا :
سبحان الله ! ! اأقتل حسينا ان قال :
لا ابايع، والله ما اظن احدا يلقى الله بدم الحسين الا وهو خفيف الميزان، لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه وله عذاب اليم " وسخر منه مروان وطفق يقول :
" اذا كان هذا رايك فقد اصبت ! ! " (26) .
وعزم الحسين على مغادرة يثرب والتوجه الى مكة ليلوذ بالبيت الحرام ويكون بمأمن من شرور الامويين واعتدائهم .
الحسين عليه السلام مع (مروان) :
والتقى أبي الضيم في أثناء الطريق بمروان بن الحكم في صبيحة تلك الليلة التي اعلن فيها رفضه لبيعة يزيد، فبادره مروان قائلا :
" اني ناصح، فاطعني ترشد وتسدد.." .
" وما ذاك يا مروان ؟ " .
" اني آمرك ببيعة امير المؤمنين يزيد فانه خير لك في دينك ودنياك.
" والتاع كاشد ما تكون اللوعة واسترجع، وأخذ يرد على مقالة مروان ببليغ منطقه قائلا :
" على الاسلام السلام، إذ قد بليت الامة براع مثل يزيد، ويحك يا مروان ! ! أتامرني ببيعة يزيد، وهو رجل فاسق :
لقد قلت :
شططا من القول..
لا الومك على قولك، لانك اللعين الذي لعنك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت في صلب أبيك الحكم بن أبي العاص وأضاف الامام يقول :
" إليك عني يا عدو الله ! ! فانا أهل البيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحق فينا، وبالحق تنطق ألسنتنا، وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول :
الخلافة محرمة على آل أبي سفيان، وعلى الطلقاء وابناء الطلقاء، وقال :
اذا رايتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد راه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به.." :
وتميز الخبيث الدنس مروان غيظا وغضبا، واندفع يصيح :
" والله لا تفارقني أو تبايع ليزيد صاغرا فانكم آل أبي تراب، قد اشربتم بغض آل أبي سفيان، وحق عليكم أن تبغضوهم، وحق عليهم أن يبغضوكم " وصاح به الامام :
" إليك عني فانك رجس، وأنا من أهل بيت الطهارة الذين انزل الله فيهم على نبيه (صلى الله عليه وآله) :
" انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " .
ولم يطق مروان الكلام، وقد تحرق ألما وحزنا، فقال له الامام :
" ابشر يابن الزرقاء بكل ما تكره من الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم تقدم على ربك فيسالك جدي عن حقي وحق يزيد.." .
وانصرف مروان مسرعا الى الوليد فاخبره بمقالة الحسين له (27) .
اتصال الوليد بدمشق :
وأحاط الوليد يزيد علما بالأوضاع الراهنة في يثرب، وعرفه بامتناع الحسين (عليه السلام) من البيعة، وانه لا يرى له طاعة عليه، ولما فهم يزيد بذلك تمير غيظا وغضبا .
الاوامر المشددة من دمشق :
وأصدر يزيد أوامره المشددة الى الوليد باخذ البيعة من أهل المدينة ثانيا، وقتل الحسين (عليه السلام) وارسال راسه إليه وهذا نص كتابه .
" من عبد الله يزيد أمير المؤمنين الى الوليد بن عتبة، أما بعد :
فاذا ورد عليك كنا هذا فخذ البيعة ثانيا على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم وذر عبد الله بن الزبير فانه لن يفوت أبدا مادام حيا، وليكن مع جوابك إلي براس الحسين بن علي، فان فعلت ذلك، فقد جعلت لك أعنة الخيل ولك عندي الجائزة، والحظ الاوفر والنعمة والسلام.." .
رفض الوليد :
ورفض الوليد رسميا ما عهد إليه يزيد من قتل الحسين، وقال :
لا والله لا يراني الله قاتل الحسين بن علي..
لا أقتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولو أعطاني يزيد الدنيا بحذافيرها (28) وقد جاءته هذه الرسالة بعد مغادرة الامام يثرب الى مكة .
وداع الحسين لقبر جده :
وخف الحسين (عليه السلام) في الليلة الثانية الى قبر جده (صلى الله عليه وآله) وهو حزين كثيب ليشكو إليه ظلم الظالمين له، ووقف أمام القبر الشريف - بعد أن صلى ركعتين - وقد ثارت مشاعره وعواطفه، فاندفع يشكو الى الله ما ألم به من المحن والخطوب قائلا :
" اللهم إن هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت محمد، وقد حضرني من الامر ما قد علمت، اللهم اني أحب المعروف وانكر المنكر، وأنا اسالك يا ذا الجلال والاكرام بحق هذا القبر ومن فيه الا ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى.
رؤيا الحسين لجده :
وأخذ الحسين يطيل النظر الى قبر جده، وقد وثقت نفسه أنه لا يتمتع برؤيته، وانفجر بالبكاء، وقبل أن يندلع نور الفجر غلبه النوم فراى جده الرسول (صلى الله عليه وآله) قد اقبل في كتيبة من الملائكة فضم الحسين الى صدره وقبل ما بين عينيه، وهو يقول له :
" يا بني كانك عن قريب اراك مقتولا مذبوحا بارض كرب وبلاء، بين عصابة من امتي، وانت مع ذلك عطشان لا تسقى، وظمأن لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة، فما لهم عند الله من خلاق .
حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا علي، وهم إليك مشتاقون ان لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة..." .
وجعل الحسين يطيل النظر إلى جده (صلى الله عليه وآله) ويذكر عطفه وحنانه عليه فازداد وجيبه، وتمثلت أمامه المحن الكبرى التي يعانيها من الحكم الاموي فهو اما ان يبايع فاجر بني أمية أو يقتل، وأخذ يتوسل الى جده ويتضرع اليه قائلا :
" يا جداه لا حاجة لي في الرجوع الى الدنيا، فخذني إليك ، وادخلني معك الى منزلك " .
والتاع النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له :
" لا بد لك من الرجوع الى الدنيا، حتى ترزق الشهادة، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم فانك، واباك، وأخاك، وعمك، وعم أبيك تحشرون يوم القيامة، في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة " (29) .
واستيقظ الحسين فزعا مرعوبا قد المت به تيارات من الاسى والاحزان وصار على يقين لا يخامره أدنى شك انه لا بد أن يرزق الشهادة، وجمع أهل بيته فقص عليهم رؤياه الحزينة، فطافت بهم الالام، وأيقنوا بنزول الرزء القاصم، ووصف المؤرخون شدة حزنهم، بانه لم يكن في ذلك اليوم لا في شرق الارض ولا في غربها أشد غما من أهل البيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا أكثر باكية وباك منهم (30) .
وداعه لقبر امه وأخيه :
وتوجه الحسين في غلس الليل البهيم الى قبر امه وديعة النبي (صلى الله عليه وآله) وبضعته، ووقف امام قبرها الشريف مليا، وهو يلقى عليه نظرات الوداع الاخير، وقد ثمثلت امامه عواطفها الفياضة، وشدة حنوها عليه، وقد ود أن تنشق الارض لتواريه معها، وانفجر بالبكاء، وودع القبر وداعا حارا، ثم انصرف الى قبر أخيه الزكي أبي محمد، فاخذ يروي ثرى القبر من دموع عينيه، وقد ألمت به الالام والاحزان، ثم رجع إلى منزله ، وهو غارق بالاسى والشجون (31) .
فزع الهاشميات :
ولما عزم الامام على مغادرة يثرب واللجوء الى مكة اجتمعن السيدات من نساء بني عبد المطلب، وقد جاشت عواطفهن بالاسى والحزن :
فقد تواترت عليهن الانباء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن مقتل ولده الحسين ، وجعلن ينحن، وتعالت أصواتهن بالبكاء، وكان منظرا مفزعا، وانبرى إليهن الحسين، وهو رابط الجأش فقال لهن :
" انشدكن الله أن تبدين هذا الامر معصية لله ولرسوله " .
فذابت نفوسهن، وصحن :
" لمن نستبقي النياحة والبكاء، فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي وفاطمة والحسن..
جعلنا الله فداك يا حبيب الابرار.." .
واقبلت عليه بعض عماته، وهي شاحبة اللون، فقالت بنبرات منقطعة بالبكاء لقد سمعت هاتفا يقول :
وان قتيل الطف من آل الهاشم *** اذل رقابا من قريش فذلت
وجعل الامام (ع) يهدا أعصابهم، يامرها بالخلود الى الصبر ، كما أمر سائر السيدات من بني عبد المطلب بذلك (32) .
مع أخيه ابن الحنفية :
وفزع محمد بن الحنيفة الى الحسين، فجاء يتعثر في خطاه، وهو لا يبصر طريقه من شدة الحزن والاسى، ولما استقر به المجلس اقبل على الحسين قال له بنبرات مشفوعة بالاخلاص والحنو عليه .
" يا أخي فدتك نفسي، أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي ، ولست والله أدخر النصيحة لاحد من الخلق، وليس أحد أحق بها منك فانك كنفسي وروحي، وكبير أهل بيتي، ومن عليه اعتمادي، وطاعته في عنقه لان الله تبارك وتعالى قد شرفك وجعلك من سادات أهل الجنة واني اريد أن اشير عليك برايي فاقبله مني..." .
لقد عبر محمد بهذا الحديث الرقيق عن عواطفه الفياضة المترعة بالولاء والاكبار لاخيه، واقبل عليه الامام فقال له محمد :
" اشير عليك أن تتنخ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الامصار ما استطعت، ثم ابعث برسلك الى الناس، فان بايعوك حمدت الله على ذلك وان اجتمعوا على غيرك لم ينقض الله بذلك دينك، ولا عقلك، ولم تذهب مروءتك، ولا فضلك، واني اخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم فطائفة معك، وأخرى عليك، فيقتتلون ، فتكون لاول الاسنة غرضا، فاذا خير هذه الامة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما واذلها اهلا.." .
وبادر الامام الحسين فقال له :
" اين أذهب؟ " " تنزل مكة فان اطمأنت بك الدار، والا لحقت بالرمال، وشعب الجبال وخرجت من بلد الى آخر حتى ننظر ما يصير إليه أمر الناس ، فانك اصوب ما تكون رايا واحزمهم عملا، حتى تستقل الامور استقبالا ولا تكون الامور أبدا اشكل عليك منها حتى تستدبرها استدبارا " (33) .
وانطلق الامام وهو غير حافل بالاحداث، فاخبره عن عزمه وتصميمه الكامل على رفض البيعة ليزيد قائلا :
" يا أخي :
لو لم يكن في الدنيا ملجا ولا ماوى لما بايعت يزيد ان معاوية " .
وانفچر ابن الحنفية بالبكاء، فقد أيقن بالرزء القاصم، واستشف ماذا سيجري على أخيه من الرزايا والخطوب، وشكر الامام نصيحته وقال له :
" يا اخى :
جزاك الله خيرا لقد نصحت، وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج الى مكة، وقد تهيات لذلك أنا واخوتي وبنو أخي وشيعتي أمرهم أمري، ورايهم رايي، وأما أنت فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا لا تخف عني شيئا من امورهم " (34) .
وصيته لابن الحنفية :
وعهد الامام بوصيته الخالدة إلى أخيه ابن الحنفية، وقد تحدث فيها عن أسباب ثورته الكبرى على حكومة يزيد وقد جاء فيها بعد البسملة :
" هذاا ما أوصى به الحسين بن علي الى أخيه محمد بن الحنفية، ان الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وان الجنة حق، والنار حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور.
واني لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله اولى بالحق، ومن رد علي اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين .
" وهذه وصيتي إليك يا أخي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " (35) .
من أجل هذه الاهداف النبيلة فجر الامام ثورته الخالدة فهو لم يخرج اشرا ولا بطرا، ولم يبغ أي مصلحة مادية له أو لاسرته، وانما خرج على حكم الظلم والطغيان، يريد أن يقيم صروح العدل بين الناس، وما أروع قوله :
" فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين " .
لقد حدود الامام خروجه بانه كان من أجل احقاق الحق واماتة الباطل ودعا الامة باسم الحق الى الالتفات حوله لتحمى حقوقها وتصون كرامتها وعزتها التي انهارت على أيدي الاموين، واذا لم تستجب لنصرته فسيواصل وحده مسيرته النضالية بصبر وثبات في مناجزة الظالمين والمعتدين حتى يحكم الله بينه وبينهم بالحق وهو خير الحاكمين...كما حدد الامام خروجه بانه يريد أن يسير على منهاج جده وأبيه، وليس على منهاج أي أحد من الخلفاء .
وهذه الوصية من البنود التي نرجع إليها في دراستنا عن اسباب ثورته (عليه السلام) .
وتهيا الامام بعد وصيته لاخيه محمد الى السفر الى مكة ليلتقي بحجاج بيت الله الحرام وغيرهم، ويعرض عليهم الاوضاع الراهنة في البلاد، وما تعانيه الامة من الازمات والاخطار في عهد يزيد.
وقبل أن يغادر الامام (عليه السلام) يثرب متجها الى مكة دخل مسجد جده الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو غارق في الاسى والشجون فالقى عليه نظرة الوداع الاخير، وقد نظر الى محراب جده (صلى الله عليه وآله) ومنبره، فطافت به ذكريات ذلك العطف الذي كان يفيضه عليه جده (صلى الله عليه وآله) حينما كان في غضون الصبا، فلم ينس الحسين في جميع فترات حياته ذلك الحنان الذي اغدقه عليه جده حينما يقول فيه :
" حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الاسباط..." :
وتذكر كيف كان النبي (صلى الله عليه وآله) يفرغ عليه ما انطوت عليه نفسه الكبيرة من المثل العليا التي كان بها خاتم النبين وسيد المرسلين، وأيقن انه لم يكن يشيع ذلك في نفسه بمحض العاطفة بل بشعور آخر هو الابقاء على رسالته، ومبادئه، وراى انه لا بد أن يقدم التضحية الرهيبة التي تصون رسالة الاسلام من عبث الناقمين عليه...ويقول المؤرخون:
انه دخل المسجد بين أهل بيته، وهو يعتمد في مشيه على رجلين ويتمثل بقول يزيد بن مفرغ :
لا ذعرت السوام في فلق الصبح *** مغيــرا ولا دعيــــت يزيـــدا
يوم أعطــى من المهــانة ضيمـا *** والمنايا ترصدنني أن أحيدا (36)
ويقول أبو سعيد :
لما سمعت هذين البيتين قلت في نفسي :
انه ما تمثل بهما الا لشئ يريده فما مكث الا قليلا حتى بلغني أنه سار الى مكة (37) لقد صمم على التضحية والفداء ليغير مجرى الحياة، ويرفع كلمة الله وفكرة الخير في الارض .
أما يثرب مهد النبوة فانه حينما اذيع فيها مغادرة الحسين عنها علتها الكأبة وخيم على أهلها الحزن والذعر فقد أيقنوا بالخسارة الفادحة التي ستحل بهم، فسيغيب عنهم قبس من نور الرسالة الذي كان يضئ لهم الحياة، وحزنت البقية الباقية من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) كأعظم ما يكون الحزن، فقد كانوا يرون في الحسين امتدادا لجده الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي انقذهم من حياة التيه في الصحراء .
_______________
(1) الفتوح 4 / 265 .
(2) تاريخ الاسلام للذهبي 1 / 267 .
(3) تاريخ ابن الاثير 3 / 261.
(4) تاريخ الخلفاء، نشر اكاديمية العلوم للاتحاد السوفيتي .
(5) العقد الفريد 4 / 153 عيون الاخبار 2 / 239.
(6) الفتوح 5 / 6.
(7) مقتل الخوارزمي 1 / 178.
(8) انساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 124 .
(9) تاريخ الطبري 6 / 84 أنساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 124 .
(10) تاريخ اليعقوبي 2 / 215.
(11) تاريخ ابن عساكر 13 / 68 .
(12) تاريخ الاسلام للذهبي 1 / 269، تاريخ خليفة خياط 1 / 222 وجاء في تاريخ ابن عساكر 13 / 68 وكتب يزيد مع عبد الله بن عمر ، وابن ادريس العامري عامر بن لؤي هذه الرسالة.
(13) شرح نهج البلاغة 2 / 115 .
(14) الفتوح 5 / 14 .
(15) تاريخ خليفة خياط 1 / 222.
(16) تاريخ الاسلام للذهبي 1 / 269.
(17) الفتوح 5 / 12 - 13.
(18) تاريخ ابن عساكر 4 / 208.
(19) البداية والنهاية 8 / 160 .
(20) تاريخ ابن الاثير 3 / 264.
(21) الدر النظيم (ص 162) .
(22) تاريخ ابن الاثير 3 / 264 .
(23) الفتوح 5 / 17.
(24) تاريخ ابن الاثير 3 / 264 .
(25) الفتوح 5 / 18.
(26) الطبري.
(27) الفتوح : 5 / 24.
(28) الفتوح 5 / 26 - 27.
(29) الفتوح 5 / 28 - 29.
(30) مقتل العوالم (ص 54).
(31) الفتوح 5 / 29.
(32) مقتل الحسين للمقرم (ص 148).
(33) تاريخ الطبري 6 / 191 .
(34) الفتوح 5 / 32.
(35) الفتوح 5 / 33 مقتل الخوارزمي 1 / 188.
(36) تاريخ ابن الاثير 3 / 265 .
(37) تاريخ ابن عساكر 4 / 329، تاريخ الطبري.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|