استيلاء أنتيوكوس على سوريا الجوفاء
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 31 ــ 39
2025-11-12
59
على أن الخطر الذي كان يهدد مصر لم يكن قاصرًا على «فيليب»، بل كان هناك في تلك الفترة رعب — يفوق حد الوصف — يسود الإسكندرية التي كانت حكومتها غير كفء لمقابلة الأحداث والمخاطر التي كانت تهدد كيان الدولة المصرية، مما أدى إلى جعل «أنتيوكوس» في حل ليتصرف فيها كما يريد، وفعلًا نجده قد انتهز فرصة وقوع حليفه «فيليب» وأهل «رودس» في قبضة الرومانيين وغزا «سوريا الجوفاء» — عام 201ق.م، والظاهر أن هذه الحملة التي قام بها أولًا «أنتيوكوس» كانت سهلة ميسورة إذ كانت تعتبر بالنسبة له مجرد نزهة حربية؛ لأنه لم يصادف خلالها أية مقاومة جدية إلا في مدينة «غزة»، وقد حدثنا «بوليبيوس» عن مقاومة هذه المدينة قائلًا: إنها المدينة الفلسطينية (1) التي حافظت على ولائها «لبطليموس»، ومعنى ذلك أن أهل المدينة لم يكونوا راغبين في تغيير الحماية المصرية ليحلوا مكانها السيطرة السليوكية التي كانت في نظرهم أقل صلاحية من الحكم المصري.
ومن أجل ذلك تحملوا بصبر أعباء حصار طويل، غير أنهم عندما رأوا في نهاية الأمر عدم وصول أي مدد من مصر سلموا المدينة، وبتسليم «غزة» قد أصبح «أنتيوكوس» على مقربة من تخوم مصر، ومما لا ريب فيه أنه لولا حماقة «فيليب» وطيشه وتخبطه في حروب لا فائدة من ورائها؛ لكان في تلك الفترة في مقدوره أن يظهر في الحال بأسطوله أمام الإسكندرية أو «سيريني»، وقد لاحظ «بوليبيوس» تخبط «فيليب» فأظهر أسفه على ما ارتكبه من أخطاء، وعلى أية حال فإن الضربة التي أصابت مصر في «سوريا الجوفاء» كانت أكثر خطورة مما كان متوقعًا، والواقع أن الموقف في مصر أقض مضجع الرومان أنفسهم، وبخاصة عندما رأوا خمول حكومة «بطليموس الخامس».
والظاهر أنه كانت هناك حالة غريبة تدعو إلى الشك والريبة وهي وجود خيانة في الأوساط الحكومية العليا في مصر، على أن ما أوجب دهشة الرومان وقتئذ هو أن رجال بلاط «بطليموس الخامس» لم يطلبوا إلى الرومان مد يد المساعدة، ومن أجل ذلك يدعي المؤرخ «جوستن» (2) أنه على إثر موت «أجاتوكليس» توسل المصريون إلى الرومان لتعيين مربيين يكونان حاميين للملك الصغير، غير أنه لم يوجد ما يدل على ذلك فيما لدينا من وثائق، وعلى أية حال لم ير مجلس الشيوخ الروماني بدًّا من أن يقف على مجريات الأمور في الإسكندرية في تلك الفترة، وقد انتهز مجلس الشيوخ أول فرصة لتنفيذ غرضه، وفعلًا واتت الفرصة عندما سافر بعث «روماني» إلى الإسكندرية حوالي عام 201ق.م، وكان يتألف من «كلوديوس نيرو» Claudius Nero و«أميليوس لبيدوس» Aemilius Lepidus و«سمبرونيوس تديتانوس» Sempromius Tuditanus، وكانت رسالتهم تنحصر في إعلان الملك «بطليموس الخامس» بهزيمة «هنيبال» و«القرطاجينين» وشكره على إخلاصه وحسن علاقاته، ويأملون في أن يبقى على محبته للشعب الروماني، تلك المحبة التي حافظ عليها منذ زمن طويل، وبخاصة أن الرومان رأوا أنفسهم وقد تخلى عنهم حتى جيرانهم الأقربين، وأنهم إذا اضطرتهم الأحوال فإنهم سيعلنون الحرب على «فيليب»(3).
وكانت مصر في تلك الفترة — كما نعلم — مهددة من ناحيتين فقد هاجمها أخيرًا «أنتيوكوس» واستولى على «سوريا الجوفاء»، وتدل الأحوال على أن رجال السياسة في روما وقتئذ كانوا يتحاشون مقابلة «أنتيوكوس» بالقوة أو بالتهديد؛ وذلك لأنهم كانوا قد وطدوا العزم على هزيمة «فيليب» أولًا؛ لأنهم لم يكونوا يريدون منازلة عدوين في وقت واحد، ومن أجل ذلك تصنعوا مصادقة «أنتيوكوس» بل أكثر من ذلك اعتبروه حليفًا لهم. وعلى أية حال لو فرضنا أن «أنتيوكوس» قد وصل إليه تنبيه ودي بألا يهاجم مصر، فإنه قد أخذ ذلك على معنى أن منعه من الاستيلاء على الممتلكات المصرية لم يكن إلا أمر صوري، ومن أجل ذلك لم يُعِرْ هذا التنبيه أي التفات.
وفي معمعة هذه الأحداث الصاخبة رأى الشعب المصري أنه قد أُسيء إليه في وطنيته بما أحرزه هذان الملكان من انتصارات سهلة أدت إلى ضياع الممتلكات المصرية في الخارج، ومن أجل ذلك شعر المصريون بالخجل والعار، وبخاصة عندما أحسوا أن الرومان يراقبونهم عن كثب، وعندئذ فقط ظهر للشعب أنه — دون ريب — قد وضع ثقته في غير موضعها مدة طويلة في «تليبوليموس» محبوبه القديم الذي تكشف عن بلادة وسوء تدبير. وقد انتهز أعداء هذا الرجل غضب الشعب عليه، واستعملوه سلاحًا لعزله، وتعيين وصاية جديدة مؤلفة من شخصيتين وهما «أريستومين» (4) قائد الحرس الملكي و«سكوبوس» رئيس القرصان الأتولي المنبت، وعلى الرغم من أن الشعب كان يعرف أن «أريستومين» من بين الأفراد الذين رقاهم «أجاتوكليس» منذ زمن طويل، وكذلك كان عالمًا بما كان يرتكبه «سكوبوس» من أعمال الشره والقحة؛ فإن أحوال البلاد وما آلت إليه من تدهور قد اقتضت وجود إداري ماهر وقائد نشط لتولي شئونها، مما أدى إلى عزل «تليبوليموس» الذي برهن على أنه لم يكن يُحسن الإدارة، ولا يمتاز بالمهارة في القيادة.
والظاهر أن «سكوبوس» كان رجلًا من أولئك الذين يرضون عن طيب خاطر أن يشاطروا من حولهم ممن يثقون فيهم نفس الثقة التي كانوا يجدونها في أنفسهم. وفي الحق فإنه قد سارع في تحقيق ما كان الشعب يأمله فيه؛ إذ هم بعمل استعدادات وتجهيزات خطيرة لإعادة فتح «سوريا الجوفاء» من مخالب «أنتيوكوس الثالث»، وذلك دون أن ينتظر أي ارتباطات سياسية، وبخاصة أنه لم يترك مجالًا للرومان إلى الظن بأن «بطليموس الخامس» كان يعتبر تحت رعايتهم أو وصايتهم، ومن المحتمل أنه في هذه الآونة قام ضباط الحرس الملكي البطلمي بمظاهرة برهنوا فيها على ولائهم وحبهم ﻟ «بطليموس الخامس» «أبيفانس» — الظاهر.
ومن الغريب المدهش أنه في تلك الآونة نجد أن الأثينيين الذين كانوا منذ زمن بعيد يلجئون إلى ملوك البطالمة عندما تحل بهم كارثة قد سعى وفد منهم إلى الإسكندرية لطلب النجدة عندما رأوا عين الغدر والخيانة من «فيليب الخامس» ملك مقدونيا، ولم يطلبوا تلك المساعدة من «روما» التي كانت وقتئذ صاحبة جاه وبطش وسلطان، وذلك في فترة لم يكن في مقدور مصر أن تحمي ممتلكاتها، ومع ذلك نجد أنه في أوائل عام 200ق.م ذهب سفير مصري إلى «روما» ليعلن الحكومة الرومانية أن الأثينيين قد طلبوا النجدة من مصر لحمايتهم من إغارة «فيليب» عليهم، ولما كانت «أثينا» حليفة «بطليموس» وكان عليه أن يمد لها يد المساعدة فإنه مع ذلك لم يكن في مقدوره أن يرسل إليها أسطولًا أو جيشًا لحمايتها والدفاع عنها دون موافقة الرومان، وعلى ذلك كان عليه إما أن يبقى هادئًا في مملكته إذا كانت الحكومة الرومانية يحلو لها أن تحمي حلفاءها بنفسها، أو يترك الرومان وشأنهم ويرسل نجدة لحماية الأثينيين من هجمات «فيليب»، ولكن عندما يفكر الإنسان في أن مصر في تلك الفترة لم يكن لها أسطول ولا جيش؛ فإنه يفهم في الحال أن رسالة مصر إلى روما بهذا الصدد لم تكن إلا مجرد كلام أجوف فاه به «سكوبوس» وصاغه «أريستومنيس» في قالب سياسي براقٍ أخاذ، وعلى أية حالة يفهم من منطوق ألفاظ الرسالة التي أرسلتها مصر إلى «روما» من قبل «بطليموس الخامس» أنها ملق سافر، غير أن الإنسان في مقدوره أن يتبين من بين سطورها أن مصر أرادت بهذه الرسالة أن تعامل الرومان على قدم المساواة في الشئون السياسية الخارجية، وأنها من ناحية أخرى لم ترتبك عندما يطلب إليها الضعفاء أن تحميهم.
وقد أجاب مجلس شيوخ روما بنفس النغمة التي تدل على الود والمصافاة قائلًا بأنه مكلف بحماية حلفائه، ثم قدمت للسفراء الذين حملوا هذه الرسالة الهدايا.
ولقد كان الغرض الذي يرمي إليه «سكوبوس» في تلك الفترة هو أن يضرب الضربة التي كان يفكر فيها واستولت على مشاعره إرضاء للشعب المصري، وهي إعادة «سوريا الجوفاء» إلى الحكم المصري، ومن أجل ذلك أخذ في جمع القوات اللازمة لتنفيذ خطته. هذا، ولا نعرف إذا كان قد أفلح في إنهاء المأمورية التي كان قد كلفه بها «أجاتوكليس» منذ ثلاثة أعوام مضت أم أخفق فيها، وهي تجنيد جيش مرتزق. فقد حدثنا «بوليبيوس» عن «سكوبوس» فوصفه بأنه كان شرهًا لدرجة لا حد لها، وأنه لا يتنفس إلا من أجل الذهب، ولذلك فإنه كان على استعداد ليستولي لنفسه على المبالغ التي كانت مخصصة لتجنيد المرتزقة، وبخاصة عندما رأى أن «أجاتوكليس» لم يكن هناك لتقديم الحساب له. غير أنه في هذه الحالة كانت مصلحته في أن يقوم بمهمته بأمانة وجد، وفعلًا أرسله الملك «بطليموس» من الإسكندرية ومعه مبلغ عظيم من المال إلى بلاده «آتولي» ليحضر معه إلى مصر ستة آلاف جنديٍّ من الرجالة وخمسمائة من الفرسان المرتزقين (5).
وعلى أية حال مكثت الاستعدادات للحرب مدة طويلة، ومن المحتمل أنها استغرقت عام 200ق.م، ولحسن الحظ كان هذا التأخير في الاستعدادات من مصلحته؛ وذلك لأن «أنتيوكوس» بما فطر عليه من ادعاء وقصر نظر ظن أنه فتحه لمصر كان أمرًا مضمونًا، ومن ثم رأى أنه لا بد أن يقوم بفتوح أخرى في «آسيا الصغرى» مكتفيًا بما حصل عليه في سوريا، ولكنه مع ذلك أخذ يرقب سير الأحوال على مضضٍ في حيرة من موقفه؛ فكانت الأوهام تنتابه في كل لحظة فيما يتعلق بالحروب التي كانت دائرة رحاها بين «فيليب» ملك مقدونيا من جهة، وبين الرومان «وأتالوس» والروديسيين والبيزنطيين وحتى الأثينيين من جهة أخرى .(6) هذا، ولما كان «أتالوس» يحارب في بلاد الإغريق فإنه ترك بلاده بدون جيش فيها ليدافع عنها، ومن ثم كانت الفرصة أمام «أنتيوكوس» مغرية جدًّا؛ إذ وجد فيها سببًا مربحًا يمكن به أن يساعد حليفه دون أن يخلصه مما هو فيه، على أنه في الوقت الذي كان يعمل فيه على اقتناص فريسة كان لا بد من استردادها على أية حال في فرصة قريبة على يد الرومان، كان «سكوبوس» قد سار على رأس جيش إلى بلاد سوريا الجوفاء، واستولى عليها ثانية لمصر، ولما كانت هذه البلاد قد تعودت تقلب الحكام عليها؛ فإن المدن السورية قد استسلمت بسهولة لحكم الفاتح الجديد، وحتى اليهود الذين كانوا يتشدقون بولائهم «لأنتيوكوس» فإنهم لم يظهروا أية مقاومة أمام جيش «سكوبوس». وقد وضع المصريون حامية في بيت المقدس (7)، وبعد ذلك عاد «سكوبوس» إلى مصر ومعه بعض رؤساء اليهود، وفي الواقع أن الأحوال كانت تجري في صالح القائد المصري عن طريق الصدفة لا بذكائه وفطنته وإلا لفقد سمعته؛ لأنه حاصر موقعًا هناك كان الدفاع عنه ضئيلًا، يضاف إلى ذلك أنه لم يصل إلى بلاد اليهود إلا في فصل الشتاء — حوالي عام 199-198ق.م — ومن المحتمل أنه قد حاول الاستيلاء على بعض مدن فنيقيا، كان من السهل الدفاع عنها أمام محاصر ليس لديه أسطول.
وعلى أية حال فإن أي فخر قد أحرزه «سكوبوس» بانتصاراته هذه لم يكن إلا مجرد سراب خداع، وذلك لأنه عندما وصلت أخبار انتصارات «سكوبوس» في سوريا الجوفاء إلى «أنتيوكوس» قفل راجعًا إلى ميدان الحرب، فاخترق جبال «توروس»، وسار لملاقاة عدوه عام 198ق.م. وفعلًا تقابل الجيشان في «يانيون» وهي التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى محارب سامي، وتقع بالقرب من منبع نهر الأردن وهو الذي وحده الإغريق باسم إلههم «بان» — إله الغابات والحقول. وهناك وقعت واقعة دامية، كان فيها «أنتيوكوس» — بكر الملك «أنتيوكوس الثالث» — على رأس الفرسان والفيلة التي كانت تسبق المشاة، وقد أحدث «أنتيوكوس» هذا ثغرة ضخمة في صفوف الجيش المصري. ولما تحقق «سكوبوس» من الهزيمة المؤكدة — التي مُنِيَ بها — ولى الأدبار بفلول جيشه إلى مدينة «صيدا» حيث لحقه جيش في الحال يتألف من عشرة آلاف مقاتل وحاصروه في تلك المدينة، وعلى الرغم من أن مصر قد أرسلت نجدة يقودها أحسن كبار القواد المصريين نخص بالذكر منهم «أروبوس» Aeropos و«منوكليس» Menocles و«دامو كسينوس» Damoxenos فإنه لم يكن في استطاعتهم اختراق الحصار، وقد انتهى هذا الحصار بأن هزم الجوع «سكوباس» فسلم المدينة، ثم سمح له هو وصحبه بالخروج منها دون جيش، أما المؤرخ «بوليبيوس» (8) فقد تحدث عن العمليات التي حدثت خلال حصار «صيدا». فاستمع لما يقوله: وعلى أثر هزيمة «سكوبوس» على يد «أنتيوكوس الثالث» فإن الأخير استولى على «باتاني» Batanee و«سماريا» و«أبيلا» Abila و«جاردا» Garda، وبعد فترة وجيزة سلم له اليهود الذين كانوا يسكنون حول المعبد المسمى «هيروسوليما» Hierosolyma، ولم يكن يعترض «أنتيوكوس» في أعماله الحربية إلا الحامية الصغيرة التي تركها «سكوبوس» في قلعة المدينة، وقد ساعده اليهود أنفسهم على الاستيلاء عليها، وهكذا يشاهد أن «سوريا الجوفاء» و«فنيقيا» وفلسطين قد عادت ثانية إلى حكم «أنتيوكوس»، بعد أن طُردت منها مصر، وكان طرد مصر من هذه البلاد أبديًّا، والظاهر أنه بعد هذه الحروب الطاحنة قد أبرمت اتفاقية مؤقتة بين حكومة «أنطاكية» وحكومة «الإسكندرية» انتهت — على ما يقال — بحلف أسري بين البلدين، ومهما يكن من أمر فإن «أنتيوكوس الثالث» قد أصبح بعد هذا النصر حرًّا في أن يضم إلى إمبراطوريته كل ما كانت تملكه البطالمة في آسيا الصغرى وحتى في «تراقيا» دون تمييز بين ما كان قد استولى عليه حليفه «فيليب» المقدوني، بخاصة عندما نعلم أن «فيليب الخامس» منذ نهاية عام 198ق.م رأى نفسه محاطًا بأعدائه، ومن ثم طلب تخفيف وطأة هذا العبء عليه، وهو الذي كان سيبلغ ذروته في «سينو سيفال» في ربيع 197ق.م (9).
أما ما كان من أمر «سكوبوس» الذي كان يعشق الفخار ويحب المال حبًّا جمًّا بكل ما لديه من قوة وبأس — فإنه عاد إلى الإسكندرية والغيظ يملأ صدره، حتى إنه — على ما يُحتمل — أخذ يكيل السباب والشتائم والتوبيخ أينما حل، واتخذ منذ تلك اللحظة موقفًا عدائيًّا من الوصي على العرش «أريستومنيس»، والواقع أنه بعد أن أحس بمرارة ما مُني به من ضعف وهزيمة منكرة لم يجد لنفسه منقذًا من موقفه المشين هذا إلا القيام بمؤامرةٍ يصل بها إلى غايته المنشودة، وذلك أنه كان يعمد إلى القيام بانقلاب كالذي كان يأمل «كليومنيس» الإسبرتي القيام به، وهو الذي — كما ذكرنا من قبل — قد انتهى بالفشل الذريع (مصر القديمة الجزء 15). والواقع أنه كان يلتف حوله مواطنون مخلصون له كأولئك الذين كانوا يناصرون «كليومنيس»، غير أن «أريستومنيس» الوصي كان يقظًا متنبهًا للمكيدة التي كان يدبرها له مناهضه، ومن أجل ذلك نجد أنه عمل على التخلص منه، ولكن عن طريق العدالة لا عن طريق الغدر والخيانة، وقد حدثنا «بوليبيوس» عن هذه المؤامرة التي انتهت بإعدام «سكوبوس» وصحبه فاستمع إليه:(10) هناك جم غفير من الذين يستميتون في طلب القيام بأعمال البطولة والإقدام والشهرة، غير أن القليل منهم ينالها، ومع ذلك فإن «سكوبوس» كان لديه من الموارد تحت تصرفه لمواجهة الخطر والعمل بجسارة أحسن مما كان لدى «كليومنيس»؛ وذلك لأن الأخير لم يكن ينتظر المساعدة إلا من خدمه وأصدقائه، ومع ذلك فإنه بدلًا من ترك بارقة الأمل الهزيلة التي كانت أمامه قام بكل ما كان في قدرته من جهد مفضلًا موتًا شريفًا عن حياة خسيسة حقيرة، في حين أن «سكوبوس» كان على العكس من ذلك؛ ففي ركابه جم غفير من المؤازرين له.
هذ بالإضافة إلى أنه كان لديه فرصة سانحة وهي أن الملك كان لا يزال طفلًا؛ ومع ذلك نجده قد أُخذ على غرة وهو لا يزال يؤجل ويدبر مؤامرته التي كان يزعم القيام بها، وعندما كشف «أريستومنيس» أنه كان معتادًا على جمع أصحابه في بيته وعقد جلسات معهم، أرسل بعض الضباط في طلبه للحضور أمام المجلس الملكي. غير أن «سكوبوس» عندما رأى ذلك فقد صوابه، ومن ثم لم يعد في مقدوره تنفيذ مؤامرته؛ بل وأنكى من ذلك وأقبح من كل شيء كان رفضه المثول أمام الملك. والواقع أن «أريستومنيس» لما أحس بارتباكه حاصر بيته بالجنود والفيلة، وبعد ذلك أرسل «بطليموس بن أمنيس» مع بعض جنود ومعهم الأوامر بإحضاره، وقد جاء فيها أنه إذا كان «سكوبوس» على استعداد لإطاعة الأوامر فإن هذه هي الطريقة المثلى، ولكن إذا عصى الأوامر فعلى الجنود إحضاره بالقوة. وعندما اتخذ «بطليموس» سبيله إلى بيت «سكوبوس» وأعلنه بأن الملك يطلبه، فإنه لم يُعِرْ أذنًا لما طلب إليه، وكان كل ما فعله أن حملق في وجه «بطليموس» مدةً طويلة كأنه كان يرغب في تهديده مندهشًا من جرأته، ولكن عندما اقترب منه «بطليموس» وأخذ بتلابيب عباءته بعنف طلب «سكوبوس» من الحاضرين الأخذ بناصره، ولكن لما كان عدد الجنود الذين كانوا قد اقتحموا بيت «سكوبوس» عظيمًا، وأنه كما أخبره بعضهم كان محاصرًا من الخارج فلم يَرَ عندئذ بدًّا من التسليم، وتبع «بطليموس» وبرفقته أصحابه وشركاؤه في المؤامرة، وعندما دخل قاعة المجلس اتهمه الملك أولًا في كلمات موجزة، ثم تبعه «بوليكرتيس» Polycrutes الذي كان قد حضر مؤخرًا من «قبرص»، وأخيرًا اتهمه «أريستومنيس»، والاتهامات التي وُجهت إليه كانت كلها مشابهة للتي ذُكرت توًّا، وفضلًا عن ذلك ذكر المتهِمون اجتماعاته مع أصحابه ورفضه إطاعة أوامر الملك؛ ومن ثَمَّ فإنه قد أدين لأسباب مختلفة لا من قبل المجلس وحسب؛ بل أدانه أولئك السفراء الأجانب الذين كانوا حاضرين المجلس.
يضاف إلى ذلك أن «أريستومنيس» عندما أخذ يتهمه كان قد أحضر معه فضلًا عن ذلك رجالًا كثيرين من أصحاب المكانة في بلاد الإغريق وهم الرسل الأتوليين الذين كانوا قد حضروا لعقد صلح، وكان من بينهم «دوريماكوس» Dorimachos وهو قائد قديم للحلف الآتولي.
وعندما انتهت كلمات الذين اتهموا «سكوبوس» قام الأخير بدوره وتكلم مدافعًا عن نفسه، وقد حاول أن يقدم بعض دفاعٍ عن نفسه، غير أنه لما وجد أنه لم يُعِرْهُ أحد أذنًا صاغية سكت، ثم سِيق إلى السجن مع رفاقه، وعندما أسدل الظلام خيوطه أمر «أريستومنيس» بقتل «سكوبوس» وكل رفاقه بتجرع السم، وقد استثنى من بينهم «ديكاركوس» Dicaearchus فقد عذبه ضربًا بالسياط، وبذلك نال ما كان يستحق من عذاب أليم قبل موته، «وديكاركوس» هذا هو الرجل الذي كان قد عينه «فيليب الخامس» عندما قرر الهجوم على جزر «سيكلاديز» غدرًا، وكذلك المدن التي على الدردنيل؛ ليكون قائدًا للأسطول وللحملة كلها.
وقد نفذ هذا القائد مأموريته هذه بطريقة جعلت كل الإغريق يصبون جام غضبهم وحنقهم عليه، وقد اعتبر موته بهذه الصورة من عمل العدالة الإلهية.
وبعد أن انتهى «أريستومنيس» من إعدام هؤلاء المجرمين أعاد الجنود الآتوليين أو تركهم يعودون إلى بلادهم، وهؤلاء الجنود هم الذين كان يعتمد عليهم «سكوبوس».
ومن ثم خيم الهدوء والسلام على ربوع الإسكندرية، وقد دلت الإحصاءات التي عُملت لحصر ثروة «سكوبوس» التي جمعها مدة حياته على أنه لم يكن رجلًا متآمرًا وحسب؛ بل أثبتت على أنه كان لصًّا تآمر على إفلاس خزينة الدولة بالاشتراك مع مساعده «كاريمورتوس» Charimortos الذي كان مشهورًا بوحشيته ومعاقرته بنت الحان (11)، ولا نزاع في أن «كاريمورتوس» هذا هو الذي كان مشهورًا بصيد الفيلة في نهاية عصر «بطليموس فيلوباتور».
................................................
- راجع: Poylb., XVI, 40, 6; cf. Strak Gaza p. 400 sqq.
- راجع: Justin XXX, 28.
- راجع: Livy, XXXI, 2.
- راجع: Polyb., XV, 31. 7-8.
- راجع: B. L. I. p. 359-60.
- راجع: CT. Les décrete anthénies CIA II, 418–41.
- راجع: Joseph, A. Jud. XLI, 3, 3.
- راجع: Herronym., In Dan. XI, 15-16.
- راجع: B. L. I. p. 362; Liv., XXXIII, 19.
- راجع: Polyb., XVIII, 53 sqq.
- راجع: Polyb., XVIII, 37-38.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة