عبادة الحيوان في العهد البطلمي
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 523 ــ 526
2025-11-08
29
ترجع عبادة الحيوان في مصر إلى أقدم العهود، والواقع أنه قد وجدت حيوانات من عهد ما قبل التاريخ مكفَّنة ومدفونة بعناية كبيرة مما يدل على أنها كانت مقدسة، وقد ظلَّت عبادة الحيوانات في مصر الفرعونية شائعة حتى دخول الإسلام؛ غير أن عبادة هذه الحيوانات قد ازدادت بصورة تلفت النظر في العهد البطلمي وما قبله بقليل، ولقد تأثر الكتاب الإغريق بعناية المصريين فكتبوا عنها القصص فيما خلَّفوه لنا في كتاباتهم، ولا أدلَّ على ذلك من قصة الروماني الذي قتله الغوغاء بسبب قتله قطة عن غير عَمْد(1)، هذا وذكر لنا «هردوت» أن خلاص قطة من الوقوع في حريق كان أهم من إطفاء الحريق نفسه، وفي بعض جهات القطر المصري حيث كان يُعبَد التمساح كان يُعتبَر الرجل الذي يلتهمه تمساح بمثابة شهيد؛ ولكن الذي كان يقتل حيوانًا مفترسًا عامدًا متعمدًا يعاقب عقابًا شديدًا، ويقول «هردوت» إن من يقتل الطائر «أبو منجل» الذي يتقمصه الإله «تحوت» أو صقرًا كان جزاؤه الموت .(2)
ويدل ما لدينا من وثائق على أن عبادة الثيران قد ازدادت بصورة بارزة، وبخاصة عبادة العجل «بوخيس» الذي كان يُقدَّس في أرمنت، وقد تحدثنا عن عبادته ببعض التفصيل في غير هذا المكان (3). هذا وكانت عبادة البقرات والقطط والقرود وأبو منجل (أبيس) والصقور قد ازدادت بدرجة عظيمة في «طيبة»، هذا إلى أن تقديسها قد امتد خارج نطاق المعابد فكان يوجد في المدن والقرى وفي الجبَّانات، ومما تجدر ملاحظته أنه كانت توجد في «إدفو» بجوار المعبد حديقة خاصة لتربية الصقور؛ ليُختار منها سنويًّا الصقر الذي كان يُعبَد في معبد «إدفو»، وكان يقام له احتفال خاص؛ لأنه كان يمثل الملك، وقد تحدثنا عن هذا العيد عند التحدث عن معبد «إدفو» وأعياده.
والواقع أنه كان يوجد لكل نوع من الحيوان المقدس مكان خاص لإطعامه، كما كانت تُبنَى له مدافن خاصة، وكانت هذه الحيوانات تُحفَظ بعناية، وتوضع في توابيت من الخشب أو من الفخار.
وقد تحدثنا في الجزء السابق من مصر القديمة عن بيت البقرة الذي كان يقع في الجزء الشمالي من «طيبة»، وكذلك جاء ذكر مدافن القطط بمثابة الحدِّ الغربي للبيت الذي يقع في الجنوب الشرقي لبلدة «جمي»، وكانت مدافن الصقور و«أبيس» تقع في الجزء الشمالي من جبَّانة ذراع أبو النجا، كما جاء ذكر ذلك في بردية «فيلادلفيا» رقم 24، وقد ترجمناها فيما سبق.
وكان يقوم على خدمة هذه الحيوانات في تلك الفترة ملاحظون ومحنطون خاصون بها، فنقرأ مثلًا عن المشرف على الماشية (4)، وحارس «أبيس» (5) ومحنط القرد(6) وحانوتي مدفن «أبيس» والصقر (7)، ويُلحَظ أن الحانوتي كان نطاق عمله واسعًا؛ فقد كان يحمل الألقاب التالية: حانوتي مدفن أبو منجل، والصقر، والكاهن خادم الإله، والكاهن والحانوتي لكل الحُجَج والإيجارات للكاتب الملكي «أمنحوتب بن حابو» الذي كان يعد إلهًا في تلك الفترة، كما نوَّهنا عن ذلك من قبل.
والواقع أن حالة هؤلاء المحنِّطين والمرتلين لم تتغير عما كانت عليه في زمن أسلافهم في العهود الفرعونية(8)، فقد كانوا يؤلفون طوائف، وقد تركوا لنا وثائق بردية ذكروا فيها القواعد التي كانوا يسيرون على مقتضاها، ولا نزاع في أن هذه القواعد كانت تمنحهم قوة كالتي كان تتمتع بها طوائف الكهنة في العهد الفرعوني في المعابد، ولا شك في أن هؤلاء الكهنة كانوا يجيدون القراءة والكتابة، ولا أدلَّ على ذلك من أن عددًا عظيمًا من الوثائق التي وجدت في سجلات الأُسَر، وهي التي نسير على هديها في تتبُّع أحوال البلاد في هذا العصر هم المحررون لها؛ غير أنه لا بد من أن نفهم أن وظائف الكهنة إذا ما قرنت بنظائرها في العهد الفرعوني عندما كان الكهنة أصحاب نفوذ وسلطان بدرجة عظيمة في طول البلاد وعرضها، فإنهم يعدون من الوجهة المادية فقراء؛ ويرجع السبب في ذلك إلى أن الاستعمار الأجنبي كان قد أضعف من شأن الكهنة، وسلبهم أموالهم وجاههم إلى حدٍّ كبير.
هذه نظرة عاجلة عامة عن الأحوال الدينية من الوجهة المصرية في ذلك العهد كما أمكن استنباطها من الأوراق البردية الديموطيقية، وما كتبه المؤرخون الإغريق. أما الحياة في المعابد فقد تحدثنا عنها في فصل خاص عندما تناولنا بحث معبد «إدفو» وما عليه من نقوش ومناظر دينية تكاد تكون منقطعة النظير توصلنا بها إلى رسم صورة عن الحياة الدينية في المعبد من حيث العبادات اليومية والأعياد والأحفال التي كانت تقوم في داخله وخارجه سنويًّا، وهي تختلف كل الاختلاف عن عبادات غير رجال الدين، كما أشرنا إلى ذلك في نفس الفصل.
....................................................
1- راجع مصر القديمة الجزء السابع.
2- B.M. 10523.
3- Ph. XXIV.
4- B.M. 10523.
5- B.M. 10230.
6- Cerny Bul. Inst. Fr. Arch. Orient, 27, P. 159.
7- راجع مصر القديمة الجزء الثاني.
8- Bul. I F.A.O. (1937) P. 41 ff
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة