بعد أن أسدل الفدرالي الأميركي الستار عن قرار الفائدة الأخير في العام 2024، تُوجه الأنظار إلى العام المقبل 2025 للتنبؤ بالاتجاهات المحتملة لمسؤولي السياسة النقدية في ظل عددٍ من المعطيات التي تفرض نفسها على المشهد.
المعطى الأبرز في هذا السياق ما يتعلق ببدء ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بداية من 20 يناير/ كانون الثاني، والتي من المُحتمل أن تشهد جملة من المتغيرات الأساسية التي تؤثر بدورها على المشهد الاقتصادي ومستوى الأسعار والتضخم، وبالتالي على اتجاهات الفدرالي، لا سيما فيما يخص الرسوم الجمركية التي يُلوح بها ترامب وتداعياتها المختلفة.
أعلن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي يوم الأربعاء 18 ديسمبر/ كانون الأول خفض سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة على التوالي، بنحو 25 نقطة أساس، إلى نطاق بين 4.25% و4.5%، وذلك في آخر اجتماعات لجنة السوق المفتوحة هذا العام بشأن سياسة الفائدة وأيضاً آخر اجتماعات الفدرالي في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن.
لكن الفدرالي أشار إلى أنه لن يخفض أسعار الفائدة إلا مرتين في العام 2025، وهو أقل من التخفيضات الأربعة الواردة في توقعاته الأخيرة. وقال رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول إن تحرك البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة في الأشهر الأخيرة يسمح له "بأن يكون أكثر حذراً بينما نفكر في المزيد من التعديلات على سعر سياستنا".
وفي هذا السياق، لا يزال هناك قدر متزايد من عدم اليقين بشأن مدى سرعة انخفاض أسعار الفائدة في العام المقبل، مع بقاء التضخم أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفدرالي البالغ 2%، ونمو الاقتصاد بشكل أسرع من المتوقع، واحتمال أن تؤدي سياسات التعرفة الجمركية والضرائب والهجرة التي ينتهجها الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى تغيير المشهد الاقتصادي بطرق لا يمكن التنبؤ بها بمجرد توليه منصبه في يناير/كانون الثاني.
بين البيانات التي تظهر توقف التضخم فوق هدف 2% وفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، يرى المستثمرون الآن أن بنك الاحتياطي الفدرالي ربما يخفض سعر الفائدة القياسي بمقدار نصف نقطة مئوية فقط العام المقبل - وسيدرسون التوقعات وتصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، لمعرفة ما إذا كان صناع السياسات أصبحوا أيضًا أكثر حذرًا بشأن المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة.
وكتب خبراء اقتصاد في تي دي سيكيوريتيز: "بينما سيظل بنك الاحتياطي الفدرالي حريصاً على توقع المزيد من التيسير في العام 2025، فإن التوجيهات بشأن وتيرة خفض أسعار الفائدة من المرجح أن تكون أكثر حذراً في المستقبل"، وفق رويترز.
يتولى ترامب منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، ويجتمع مجلس الاحتياطي اليدرالي بعد أسبوع واحد فقط يومي 28 و29 يناير/كانون الثاني.
وقال 58 من 99 خبيرا اقتصاديا في استطلاع أجرته رويترز مؤخرا إنهم يتوقعون أن يتجنب الفدرالي خفض أسعار الفائدة في ذلك الاجتماع بينما يراجع صناع السياسات كيفية تطور الاقتصاد.
تأثير سياسات ترامب
وبحسب تقرير لـ CBS، فإنه رغم أن ترامب تعهد بمعالجة ارتفاع الأسعار، فإن بعض سياساته قد تثبت أنها تضخمية، وفقا لخبراء اقتصاد وول ستريت.
على سبيل المثال، كشف ترامب الشهر الماضي عن خطط لفرض تعرفات جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات من المكسيك وكندا في يوم تنصيبه، 20 يناير /كانون الثاني . وقال الرئيس المنتخب أيضا إنه ينوي فرض رسوم إضافية بنسبة 10% على جميع الواردات من الصين.
ولكن التعرفات الجمركية هي في الأساس ضرائب استهلاكية يدفعها المستهلكون في أغلب الأحيان. وبعبارة أخرى، قد ينتهي الأمر بالمتسوقين الأميركيين إلى دفع المزيد مقابل كل شيء بدءاً من الأفوكادو المستوردة من المكسيك إلى أجهزة التلفاز المصنعة في الصين.
ونظراً لإمكانية ارتفاع التضخم في عام 2025 إذا فرض ترامب تعرفات جمركية واسعة النطاق، يتوقع العديد من خبراء الاقتصاد أن يتباطأ بنك الاحتياطي الفدرالي أو يتوقف مؤقتاً عن اتخاذ قراراته بشأن أسعار الفائدة العام المقبل في إطار نهج الانتظار والترقب.
وفي تقرير بحثي صدر في 15 ديسمبر/كانون الأول، أشار خبراء اقتصاد في غولدمان ساكس إلى أن "مسؤولي بنك الاحتياطي الفدرالي ربما يفضلون توخي الحذر في ضوء حالة عدم اليقين بشأن سياسات الإدارة الجديدة، وخاصة الزيادات المحتملة في التعرفات الجمركية".
فيما يتوقع خبراء الاقتصاد أن يواصل بنك الاحتياطي الفدرالي خفض أسعار الفائدة العام المقبل، على الرغم من أن البعض يقلصون عدد التخفيضات التي خططوا لها.
جدول الاجتماعات
وسيعقد الفدرالي ثمانية اجتماعات مقررة في العام 2025. بينما تستطيع لجنة السوق المفتوحة تحديث أسعار الفائدة متى شاءت، فيما إذا كان أداء الاقتصاد على نطاق واسع كما هو متوقع، فمن المرجح أن تلتزم اللجنة بجدول الاجتماعات لتحديد أسعار الفائدة. والاجتماعات الاعتيادية للجنة ستعقد في: 29 يناير و19 مارس و7 مايو و18 يونيو و30 يوليو و17 سبتمبر و29 أكتوبر و10 ديسمبر.
ووفق فوربس، فإنه من بين هذه الاجتماعات، قد تكون اجتماعات مارس ويونيو وسبتمبر وديسمبر أكثر أهمية لأن صناع السياسات في اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة سيعملون على تحديث توقعاتهم الاقتصادية. وستصاحب جميع القرارات بيان صحافي ومؤتمر صحافي مع رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول. وسيتم إصدار محاضر الاجتماعات بعد ثلاثة أسابيع من الحدث.
العوامل الاقتصادية المؤثرة على الأسعار
من المتوقع أن تستند قرارات الفدرالي في المقام الأول إلى مسار التضخم والبطالة، وهو ما يشكل أيضًا المقاييس التي تشكل التفويض المزدوج للجنة الفدرالية للسوق المفتوحة.
بالنسبة للتضخم، فإن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان التضخم سيصل إلى هدف الفدرالي البالغ 2% ومتى سيحدث، وما مدى التسامح مع الانحرافات عن هذا الهدف.
أما فيما يتعلق بالبطالة، فإذا ضعف سوق العمل بسرعة، مما تسبب في ظهور مخاوف الركود، فقد تنتهي أسعار الفائدة في عام 2025 عند مستوى قريب من 3٪. فيما إذا ظل سوق العمل قوياً، فإن التخفيضات لا تزال محتملة، ولكن من المرجح أن تظل الأسعار أقرب إلى 4٪ وسيتم إيلاء المزيد من الاهتمام لاتجاهات التضخم.
وسيعتمد المسار الذي ستتخذه أسعار الفائدة في النهاية على البيانات الاقتصادية الواردة. ومع ذلك، فمن المرجح أن تستمر أسعار الفائدة في الاتجاه النزولي من نطاقها الحالي بين 4.25% و4.5%، ولكن وتيرة هذا الانخفاض موضع تساؤل للعام المقبل.