أكدت العتبة العباسية المقدسة أنّ مهرجان روح النبوة الثقافي العالمي النسويّ السادس ملتقى تتبادل به المشاركات من داخل العراق وخارجه الدروس من سيرة الزهراء (عليها السلام)، والاقتداء بها. جاء ذلك في كلمة لعضو مجلس إدارة العتبة المقدسة الدكتور عباس رشيد الددة الموسوي في حفل ختام المهرجان الذي تقيمه شعبة مدارس الكفيل الدينية النسوية في العتبة العباسية واستمر أربعة أيام. وأدناه نصّ الكلمة: إنّ العتبة العباسية المقدسة، تحرص، في كل مناسبة نجتمع فيها تحت لافتةٍ تحمل اسم بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) على أن تكون هذه المناسبة منطلقًا لإحياء نهجها القويم وإحياء شخصيتها في وجدان الأمة وفي مشاعرها، كي نتأثر بها ونهتدي بهديها، وبالهدى الذي أتى به أبوها صلوات ربي وسلامه عليه.
وليس بخافٍ على أخواتنا أنّ هناك مسعى لأعداء الرسالة الخالدة، هو أن يفصلوا بيننا وبين منابع العزّ والمجد، وأن يبعدونا عنها، وهناك تيارات وتوجهات فكرية شاذة تواصل عملها باستمرار كي تجعل علاقتنا بالإسلام ورموزه وكتابه المجيد شكلًا لا مضمونًا له، ولهم في ذلك المسعى أساليب شتى بعضها ظاهر مفضوح، وبعضها مضمر خفي خطير؛ والهدف هو تخريب القيم والأخلاق السامية التي ركنها المتين في العائلة، وحصنها الواقي هو المرأة، لذلك راحوا يستهدفونها، بشتى السبل. وإذ نجتمع اليوم تحت خيمة مشروع فكريّ ثقافيّ علميّ حمل اسم الزهراء (عليها السلام)، وتبنى نهجها، فإننا نترجمُ بذلك تمسكنا بالإسلام، ونعلن عن الولاء لنبيه واتّباع رسالته، والاقتداء به، وبآل بيته الطيبين الطاهرين، كي نكون في صميم الرسالة، وفي عمق فهمها، وعلى مقربة منها، مهما تقادمت السنون، وتعاقبت الأجيال.. وليس خافيًا، أنّ ملتقى نسويًّا كهذا، سيكون حاضنةً تتلاقى فيها الأخوات الفضليات من داخل البلاد وخارجه، لتبادل الدروس المستفادة من هذه السيرة العطرة، والاقتداء بها. ومن ثمّ يكون اطلاع الأخوات على المشاريع النسوية في العتبة المقدسة في كل الحقول المعرفية الدينية والثقافية والفكرية وغير ذلك، التي هي تطبيق لرؤيةٍ عمليةٍ رسمها وتابعها سماحة السيد المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وفي صميم تلك الرؤية، أنّ النموذج الأسمى، والمثل الأعلى الذي على المرأة أن تبحث عنه في كل عصورها هو السيدة الزهراء (عليها السلام)، فهي عنوان الحياة، وشهادة الميلاد للنبل الإنساني، والقيم الأخلاقية، والسمو والرفعة والعفة، وهي صاحبة السيرة التي ظلّ عطرها يفوح، ليملأ سمع التاريخ كلّه، وهي الصفحة الناصعة التي دوّى صداها في الآفاق في الزمان كلّه، والأمكنة كلها، وهي سليلة النبوة، ففي بيتها كان مهبط الوحي، بل كانت قريبة من الوحي نفسه بما خصّها الله سبحانه وتعالى وسائر أهل بيت النبوة بآية التطهير، وقد خصها الله سبحانه وتعالى بأن جعلها تحمل سلسلة الأنوار خلفاء النبي الأكرم من الأئمة المعصومين (عليهم السلام). وإذا مرّ ذكرٌ للزهراء فسيتعبه جريًا على عادة القلب واللسان ذكرُ بنت قلبها، مفخرة الإسلام وفخر مخدّرات نسائه السيدة زينب (عليها السلام) وسنستحضر معها المرأة كما أراد لها بارئها (عزّ وجل)، رسالة المرأة الهادفة الملتزمة كما يجب أن تكون، والقدوة الحسنة ذات الفضل والحسنى، والثابتة على قيمها في جميع الأحوال؛ حيث داهمتْها الأحداث الرّهيبة المروّعة، وما كان من شيء سوى العزّ والكرامة وتوالت عليها المحن، وتجرعت المصاعب القاسية، فما كان سوى الصبر الجميل وابتليت بالرزايا الجسام فما استسلمت وحاصرتها الوحدة وقلة الناصر والمعين فما استوحشت طريق الحق وشاهدت بطش الظالمين فما وهِن لها ركنٌ، وما ضعُفَت لها عزيمة، وما خضعت لغير بارئِها (جل وعلا) وفقدت ما فقدت مما عزّ مثالُه، وفقدت ما فقدت مما انعدم نظيرُه، وهي تقول: "الحمد لله الّذي أكرمنا بنبيّه"، فلنتعلم درسها الخالد وهو "الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه"، وكأنها تردد بصياغةٍ كونيةٍ أخرى قول أبيها (عليه السلام) "ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك". وهو ذات الدرس إنها الزهراء (عليها السلام) الذي كانت تكثر من قول: "الحمد لله الّذي هداني لدينه ولم يجعلني أعبدُ شيئًا غيره"، ولم تكن الهداية إلا بأبيها، صلى الله عليهم أجمعين، نعم، ثم نعم، الحمد لله على نعمة نبينا الأكرم، فتلك نعمةٌ أُولى أوجب الله علينا شكرها، فهل شكرناه؟ ثمّ تتوالى علينا النعم، نعمةٌ بعد أخرى، صالحٌ بعد صالح، وصادقٌ بعد صادق، وصولاً إلى النعمة التي ندعو الله بهم جميعا أن نرد مناهلها الروية، فنروى، وننتقع من عذب مائها، فقد طال الصدى ونُغاديها ونُراوحها، فنُقِرّ عينا، وتلك نِعَمٌ أوجب الله علينا شكرها فهل شكرناها!! وهل شكرنا سواها من النعم التي منّ الله علينا بها، وخصّنا بها، وهي نعمة وجود سيد النجف بيننا، نعم نعمة إمامنا السيستاني (أدام الله ظله)، فتلك نعمةٌ علينا أن نحدّث بها، لا سيّما ونحن نعيش كل يوم ذكرى جني ثمرةٍ من ثمارها، ولمن أراد أن يعرف حجم هذه النعمة، فعليه أن يستعيد تلك الحقبة المظلمة من عمر العراق، بل عمر هذا الزمن كله، ويستعيد مشاهد تلك اللحظة، ويجسّ تفاصيلها، وإطارها، ليعيشها كما هي؛ فهناك إخوة لنا في الدين وصفهم سيدنا السيستاني بأنهم (أنفسُنا)، وهناك نظائر لنا في الخلق كما وصفهم جدّه عليّ (عليه السلام)، وهم إخوة لنا في الوطن، وهؤلاء العراقيون كأنّ الأرض كلّها تدور بهم، يمنة ويسرة تبحث عن الآس المنقذ من جحيم داعش، فقدوا الأمل في الخلاص، أو كادوا، لقد بدت الحياة وقت ذاك_ جحيمًا، والبلاد مهددة بالانقراض، وتغلغل السواد في الفضاءات، فاظلم حتّى سدّت منافذ الأمل والصبر، أو كادت، والفساد قد استشرى أو كاد، والحق قد خضع واستخذى، والشرّ قد أبدى ناجذيه، بقطعان داعش التي خرجت من جحور الأزمان الغابرة، ليعتم بها مشهد الحياة، حتّى إِذا استيأس الأهل في محافظاتهم البعيدة، وظنّوا أنّهُم قد خُذلوا، وتُركوا.. جاءهم الأمل، وتجلى لهم سليل البشير النذير، سيد النجف لـ(يَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) فيحمل العراق كلّ العراق في سفينة الفتوى ويستنقذه من طوفان ذلك الزمن). ولولاه ولولاها، ولولا حشد الملبّين لها ممن تزاحموا على التطوع للدفاع عن الأرض والعرض وما قدموه من تضحيات، لعاش العراق موته، ولطواه الظلام، ولتبدل كلّ شيء، ولما كنا هنا اليوم، ولما كنتنّ. فشكرًا لهذه النعمة الكبرى، سليلة كوثر الله سيدة نساء العالمين؛ فهي نعمة تستحقّ الشكر، فلله الشكر من قبل ومن بعد.. شكرًا لمن رعى المهرجان وسقاه، وكيله سماحته دامت خدمته ودام بها عزّه. شكرًا لشعبة مدارس الكفيل النسوية الموقرة شكرًا لمكتب المتولي الشرعي للشؤون النسوية، والتشكيلات التي يديرها كافة. وشكرًا لكل من ساعدنا في التمسك بنهج الزهراء (عليها السلام). شكرًا للباحثات الفضليات ولكل من أسهمت ببحث علمي، أو بمشاركة بنقاش أو مداخلة، أو تساؤل، أو حضور بهيّ. شكرًا للجان العلمية النسوية الموقرة. شكرًا للجان التحضيرية الموقرة.