فيما تتوالى المواقف الغربية المنددة بخطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، بدأ الحديث عن قرب فرض العقوبات الصارمة على روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وللتعليق على طبيعة العقوبات المرتقبة على
روسيا ومداها، يقول تيمور دويدار، المستشار في قطاع الأعمال والاستثمار والعلاقات الدولية، من العاصمة الروسية، لموقع "سكاي نيوز عربية": "في ظل الحراك الأخير للرئيس بوتن تجاه
جمهوريتي دونباس، فإن العقوبات الأوروبية خاصة ستكون مقتصرة فقط على جمهوريتي
لوغانسك ودونيتسك دون المساس بمصالح روسيا ككل والتأثير على
الاقتصاد الروسي".
ويضيف:" الاعتراف بالجمهوريتين هو في الواقع خفض للتصعيد وليس العكس، و
موسكو ملتزمة بدعمهما في وجه أي عقوبات اقتصادية عليهما، فضلا بطبيعة الحال عن حمايتهما عسكريا ضد أي تهديد عسكري".
لا دعم أوروبياً
أما العقوبات الكارثية التي يذكرها بايدن وجونسون، كما يقول دويدار :"لا أعتقد أنها ستحظى بدعم دول
الاتحاد الأوروبي، وهكذا عقوبات، إن وقعت، ستكون بمثابة إعلان حرب ضد موسكو من قبل واشنطن وحلفاءها".
واعتبر أن هذه العقوبات "ستهدد الأمن القومي الأوروبي، الذي يتخلص في أمن الطاقة وشرايين الحياة لهذا القطاع الحيوي، الممتدة من روسيا، وعموما فالأوروبيون يتفهمون مطالب موسكو بإعادة هيكلة المنظومة الأمنية الأوروبية، لكن هناك ضغوط أميركية عليهم".
وفي حال فرض عقوبات قاسية من قبل أوروبا، كما يرى المستشار الاقتصادي والاستراتيجي الروسي، فإن "موسكو ستتحرك عسكريا بمعنى إعادة تشكيل خريطة انتشار القوة الاستراتيجية الروسية الهجومية والردعية، بحيث تكون مصوبة نحو مواقع حيوية حساسة في أوروبا".
"عقوبات واسعة"
من جانبها، تقول ثريا الفرا أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية" :"طبعا لن يكون ثمة رد عسكري من قبل الغرب على إعلان بوتن الاعتراف بجمهوريتي دونباس، وسيتم عوض ذلك فرض عقوبات اقتصادية على موسكو وعلى الجمهوريتين،".
وتوقعت أن تكون العقوبات "موسعة نسبيا، ذلك أن الهدف من اشعال فتيل هذه الأزمة أساسا من قبل الغرب، إضعاف روسيا وإنهاكها واستنزاف قوتها المتصاعدة، ورغم أن روسيا تملك احتياطيا كبيرا جدا من الذهب والمقدر بمليارات الدولارات، لكن العقوبات القاسية قد تطرح علامات استفهام حول قدرتها على الصمود أمامها إن استمرت لسنوات عديدة".
أوراق القوة الروسية
لدى موسكو في المقابل أوراق قوة أهمها ورقة الطاقة، كما تشرح الفرا، مضيفة :"وواشنطن منذ مدة تسعى لتسويق غازها الأميركي، وربما هذه فرصة لها كي يحل محل الغاز الروسي أوروبيا، لكن هذا لا يعوض خسارة أوروبا، فالعقوبات والحال هذه هي سيف ذو حدين يوثر على روسيا نعم، لكنه سيؤثر كذلك سلبا على أوروبا وخاصة دول صناعية كبيرة كألمانيا، وستكون برلين أكبر المتضررين".
وستتضرر قطاعات صناعات السلاح والطاقة والفضاء في روسيا من العقوبات المرتقبة، حسب أستاذة العلوم السياسية، قائلة :"حيث تستورد موسكو أجهزة في مجال الفضاء من واشنطن، وهذا يوثر بشكل مباشر على أهم مجالات الصناعة بالمعنى الاستراتيجي والعلمي، وهو قطاع استكشاف الفضاء وغزوه".
وتابعت: "وفي مواجهة سيف العقوبات، داخليا يتم الحديث في روسيا عن ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير قطاعات الصناعة والزراعة أكثر فأكثر، حيث تملك البلاد احتياطات مهولة من الذهب والنفط والمعادن، لكن لا يتم استغلالها وتوظيفها بطريقة صحيحة، بما يؤهلها للتربع على هرم الدول الصناعية والثرية، فموسكو حبست نفسها في مجالي صناعات السلاح والطاقة، مع اهمال بقية القطاعات الانتاجية الحيوية".
تأثير العقوبات على الشعب الروسي
وحول تبعات العقوبات على الوضع المعاشي اليومي للروس، ترد الفرا :"لا مشكلة في توفر السلع والمنتجات والمحروقات في روسيا، كونها متوفرة ومكتفية ذاتيا في هذه المجالات الأساسية، لكن المشكلة في حال فرض العقوبات تكمن في خلق أعباء ثقيلة على كاهل المواطنين الروس، حيث سترتفع الأسعار ويتفشى الغلاء، وكعادة كل عقوبات فالمواطن هو المتضرر الأول والأخير".
أما عمار القناة أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة سيفاستبول في القرم، فيقول في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية": "التلويح بالعقوبات وحتى الكارثية منها التي لا نعرف مداها ومجالاتها بعد، لن يؤثر كثيرا على موسكو، وأقصى ما قد يتم هو تعطيل خط السيل الشمالي، وفرض عقوبات على أفراد وهيئات رسمية روسية، وهذا لا يؤثر بشكل خطير على اقتصاد روسيا، التي لديها بدائل وعلاقات أوراسية واسعة مع دول تملك اقتصادات كبرى كالصين والهند، اللتين لن تلتزما بالعقوبات الغربية".
من سيعاقب في الواقع هي أوروبا ككل، كما يوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، متابعا: "فهكذا عقوبات مفترضة على روسيا ستسبب أزمة اقتصادية دولية، وارتباكا في سوق النفط والطاقة والبورصات العالمية، وارتفاع أسعار الغاز والسلع، وهو ما بدأ بالفعل".
تريث أوروبي متوقع
ولهذا، يضيف :"أوروبا لن تتسرع في فرض العقوبات وهي ستخوض نقاشا حاميا بين النخب السياسية والاقتصادية حول ذلك في كل دولة وعلى مستوى المنظومة الأوروبية ككل، فمثلا خط السيل الشمالي بلغت كلفة انجازه 14 مليار دولار أميركي، تحملت ألمانيا القسط الأكبر منها، وعلى الأرجح قد تفرض أوروبا عقوبات جزئية مخففة خشية التبعات الاقتصادية الجسيمة على المنظومة الأوروبية".
وحول قدرة روسيا على امتصاص صدمة العقوبات القادمة، يقول القناة :"لدى موسكو القدرة على ذلك، ورئيس الوزراء الروسي أعلن عن حزمة إجراءات لمواجهة تبعات هذه العقوبات، خاصة وأن موسكو بات لديها تجربة في هذا المجال مع عقوبات 2014، وبات لديها آليات لكبح مفاعيلها، حيث عززت من صناعاتها في مختلف القطاعات الانتاجية والحيوية، ولا سيما الزراعية والغذائية مستفيدة من ترامي مساحتها الجغرافية الكبيرة، ومن غناها بالموارد والطاقات الطبيعية والبشرية، فروسيا بمقدورها الاعتماد ذاتيا على مصادرها من الطاقة والزراعة دون أن تتأثر بالعقوبات إلا قليلا".