أكّد المتولّي الشرعيّ للعتبة الحسينيّة المقدّسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ (دام عزّه) أنّ "في قلب عشر هذه الربوع (أي في عام 2014م) حينما كنّا في الموسم العاشر لمهرجانكم هذا، نهض رجالٌ تحرّكوا لله عزّ اسمه وفي الله تباركت آلاؤه، يوم نادى صوتٌ حسينيّ سيستانيّ من أرض نجف الولاية ومعدن النبوّة، حتّى تفجّرت دماؤهم تطهّر أرض العزّة والإباء من أدناس قومٍ هتكوا أستار الفطرة والعفّة والتوحيد، إنّها ثورةُ الشهادة الحسينيّة لعصرنا هذا".
جاء هذا خلال كلمةٍ ألقاها نيابةً عن العتبتين المقدّستين الحسينيّة والعبّاسية في حفل اختتام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان ربيع الشهادة الثقافيّ العالميّ، الذي أُقيم عصر اليوم السبت (7شعبان 1440هـ) الموافق لـ(13نيسان 2019م) في صحن الإمام الحسين(عليه السلام) تحت شعار: (الإمامُ الحسينُ -عليه السلام- منارٌ للأُمَم وإصلاحٌ للقِيَم).
وفيما يلي نصّ الكلمة:
الحمد لله على كلّ نعمةٍ له علينا، وعلى جميع عباده الماضين والباقين، عدد ما أحاط به علمه، حمداً يكون وصلةً لعفوه وسبباً الى رضوانه وذريعةً إلى مغفرته، وطريقاً إلى جنّته وعوناً على تأدية حقّه ووظائفه.
والصلاة والسلام على سيّدنا محمدٍ أمينك على وحيك ونجيبك من خلقك، إمام الرحمة وقائد الخير ومفتاح البركة، وعلى الأطائب من أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك وجعلتهم خزنةَ علمك وحفظةَ دينك.
السلام على سيّد شهداء الأمّة، السبط المنتجب، وغوث الأمّة من الخطوب المدلهمّة، سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، السلام على الكفيل لعيال النبوّة، والعميد للأسرة الهاشميّة، أبي الفضل والكرم والجود العبّاس(عليه السلام)، وخاتمة السلام علی شهود ربيع الشهادة في خامس عشرها، إخوتنا وأخواتنا الكريمات جميعاً من تشرّفنا بحضورهم.
أيّها الإخوة والأخوات ها نحن نودّع خمسة عشر ربيعاً لثقافة العقول والقلوب سُقيت من سماء أرض الطفوف، شهدن شهوداً من غيث أرباب البحث والتحقيق، فأثرَيْن عقولاً بينابيع المعرفة والعرفان والتطهير للنفوس، وأحيين قلوباً ببصائر النظر الى حقائق التنزيل والتأويل، وأيقظن ضمائر النفوس بعيون التوحيد وبصائر الإمامة، والتولّي لأهل الولاية في شهر الولاية أتممن صفحات هذا الربيع، ثمّ أكملت حرائر ولاية الآل الحضور والشهود لمهرجان كربلاء الشهادة والخلود، فلكم منّا خالص الشكر والامتنان والعرفان على ما أفضتم به وأغنيتم، ولا ننسى ما حيينا أبد الدهر.
في قلب عشر هذه الربوع (أي في عام 2014م) حينما كنّا في الموسم العاشر لمهرجانكم هذا، نهض رجالٌ تحرّكوا لله عزّ اسمه وفي الله تباركت آلاؤه، يوم نادى صوتٌ حسينيّ سيستانيّ من أرض نجف الولاية ومعدن النبوّة، حتّى تفجّرت دماؤهم تطهّر أرض العزّة والإباء من أدناس قومٍ هتكوا أستار الفطرة والعفّة والتوحيد، إنّها ثورةُ الشهادة الحسينيّة لعصرنا هذا.
وها نحن حينما نودّعكم وداع من عزّ رحيلُه لا فراقاً لكم.. نودّ أن نذكّر بما يلي:
1- يتجدّد عميقُ عرفاننا ومنتهى ثنائنا وطيبُ شكرنا على ما أثرت به بحوثكم المعرفيّة والولائيّة، وقصائد حبّ قلوبكم الحسينيّة وفي سنين خمسة عشر مضين من مهرجانكم هذا، تعريفاً وتبصرةً وتذكيراً بحسين الثورة ومنهجه الإصلاحيّ، فكان لذلك أبلغ الأثر والتأثير لإخوانٍ لنا في الدين ونظراءَ لنا في الخلق من مختلف بقاع العالم... فكان للحسين(عليه السلام) حضورٌ في قلوب وعواطف وضمائر رجالٍ ونساءٍ من مختلف بقاع العالم، وترك لهفةً في وجدان هؤلاء حتّى شهدنا حضورهم المتجدّد في الأربعين الحسينيّ لأعوامٍ لاحقة، وهذا جهدٌ كبير تُشكرون عليه لتعريفكم بقضيّة الحسين(عليه السلام) للعالم الإسلاميّ وغيره.
وبودّنا أن تأخذ الحركة المهرجانيّة لربيع الشهادة أبعاداً أوسع، وهي:۔
أ- توسعة التعريف وامتدادها الجغرافيّ الأوسع على مستوى العالم ومختلف المكوّنات الإنسانيّة، فإنّ للحسين(عليه السلام) حضوراً وجدانيّاً في الفطرة قبل العواطف، وفي الضمائر قبل الأجساد، ولا شكّ أنّ للخطاب المتّسق مع الفطرة والوجدان والضمير والعاطفة الإنسانيّة أبلغ الأثر في سلامة المسيرة الإنسانيّة، وهذا ما شهدناه في غالب المناسبات الماضية.
ب- أنّ شبابنا هم حركةُ المجتمع ونبض حياته، وواقعهم في حركة الحياة هذه السنين يشهد تموّجات فكريّة وعقائديّة وأخلاقيّة تذهب بهم يميناً وشمالاً، وهم عطشى في وعيهم للحياة الحسينيّة والروح الحسينيّة، أن تُربط حركةُ حياتهم الحاضرة في فكرها وثقافتها وتوجّهاتها وأخلاقها بحركة الحسين(عليه السلام)، وتُمزج بقيم ثورته الإصلاحيّة، فلا تنسوا إخواني وأخواتي في مستقبل مهرجانكم هؤلاء الأحبّة من أولادنا وشباب مجتمعنا من أن نوجّه أنظارنا وحركتنا الفكريّة نحوهم، فها هي جامعاتنا ومدارسنا تُنادي وتهتف بنا أن خذوا بأيدينا فربّما أمواج الإلحاد واللّادين ستصير طوفاناً يغمرنا حتّى لا نجد عاصماً لنا منه.
۲- إنّ الواقع الاجتماعيّ والأخلاقيّ المعاصر لما يشهده من تقلّباتٍ خطيرة وتراجعٍ في القيم ومنظومات الأخلاق المجتمعيّة، خصوصاً مع ثورة تكنولوجيا الاتّصالات والغزو الفكريّ والأخلاقي والاجتماعيّ، لمنظومات مجتمعيّة غريبة عن الثورة الأخلاقيّة والاجتماعيّة الحسينيّة، تتطلّب تركيزاً وتوجّهاً أكبر نحو الحذر من مخاطر تردّي القيم والأخلاق الاجتماعيّة في مجتمعاتنا، مع ما تحاوله مسمّيات تغلّفت بغلاف الحرّية والتقدّم والتطوّر، لتغرق فطرة أبنائنا وبناتنا وأذواقهم وأخلاقهم بمسمّيات خدعت من لا خبرةَ له في حياة الحقّ والخلود الحسينيّ.
٣- إنّ الواقع الاجتماعيّ والنفسيّ والتربويّ الأسريّ للمرأة بالخصوص أمّاً وبنتاً وزوجة ومربّية، تتطلّب أن تأخذ حقّها من الكشف والتعريف بمكمّل الثورة الحسينيّة، بل بامتدادها الذي لولاه لضاعت هذه الثورة، إنّها المبادئ الزينبيّة والروح الزينبيّة.
4- إنّ الواقع الماليّ الفاسد للبعض ممّن استأثر بالفيء، وتحريف الكثير من المفاهيم الاجتماعيّة وتوجّه الكثير نحوها، وسيادة بعض الأعراف العشائريّة الظالمة وهتك ستار الحقوق الأساسيّة في الحياة الكريمة، والتجرّؤ على حرمة النفوس والأعراف لدى البعض، تفرض علينا هذه المفردات التي ما نهض الحسين(عليه السلام) إلّا لأجل تقويمها بعد اعوجاجها، تفرض تحرّكاً عمليّاً وثقافيّاً واسعاً لنجد صدى نداءات الحسين(عليه السلام) في أرض كربلاء تنعكس ثورةً على هذه المفردات من الانحراف، التي غرق البعض فيها وهم في غفلةٍ معرضون...
ومسك ختامنا لمهرجاننا هذا أن نخصّ الإخوة أصحاب الهمّة الحسينيّة في اللّجنة التحضيريّة للمهرجان، والأخوات صاحبات النخوة الزينبيّة في النشاط النسويّ للمهرجان وكلّ من ساندهم وأعانهم، بثناءٍ وتبجيل وامتنانٍ خاصّ نابعٍ من أعماق قلوبنا، على ما بذلوه من سعي وكدح دؤوب وتواصلٍ في الجهود، حتّى بلغنا ما بلغناه من خمسة عشر من السنين حافلاتٍ بالعطاء الفكريّ والشعريّ والقرآنيّ، وليس لنا إلّا أن ندعو ونتضرّع الى الله تعالى أن يتقبّل منهم هذا العطاء الحسينيّ والجود العبّاسي والإباء الزينبيّ بقبولٍ حسن، مذخوراً لدى العليّ القدير إنّه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.