أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-07-2015
8538
التاريخ: 14-10-2014
4089
التاريخ: 21-4-2018
2487
التاريخ: 14-10-2014
3241
|
الدلالة لدي الكبار
حدود الدلالة
هناك أمور ثلاثة يجب النمييز بينها و هي : اللفظ، الشئ، الصورة الذهنية. فكلمة «التفاح» لفظة تتكون من عدة أصوات يعرف دارس الأصوات كيف تصدر من الغم، وصفات كل صوت منها، وما تحدثه من اهتزازات وذبذبات حين النطق بها. و«الشئ» بالنسبة لكلمة التفاح هو تلك الفاكهة اللذيذة المعروفة، أما الصورة الذهنية فهي ما يتصوره كل منا حين يسمع تلك الكلمة. والربط الحقيقي لايكون إلا بين الشئ وصورته الذهنية، أي أن اللفظ شئ أجني عنهما اتخذ دليلا عليهما أو رمزاً لهما، ولكنه اكتسب مع الزمن صفة سمت به فوق اعتباره مجرد رمز من الرموز.
ونحن في تجاربنا العادية لتعرف علي التفاح للمرة الأولي برؤيته والاستمتاع بأكله، وتحدد له في أذهاننا صورة تدعوها كلما سمعنا هذا اللفظ، وتتكرر تجاربنا مع التفاح فترداد تلك الصورة الذهنية وضوحاً، ونصف آتفسنا حينئذ بأننا ندرك دلالة هذا اللفظ.
و..تعود منذالعسفر علي التمييزيين الصفات الأساسية والسفات العرضية لهذا الشئ ، فلا نتخذ من الحجم أو اللون صفة مميزة للتفاح، ولا مخلط بين التفاح والكمثري والبرتقال، بل يستطيع الطفل الصغير أن يميز بينها بسهولة بمجرد رؤيتها. فالصورة الدهنية لكل منها واضحة جلية. غير أنه حين بسائل أنفسنا عن تلك الصفات الأساسية التي تجعلنا بسمي التفاح تفاحاً، والتي تميزه من البرتقال مثلا، نجد أنفسنا في حيرة وسصعب علينا وصفها أو تحديدها، بل إنها تتطاب عالما إخصائياً ليحدد تلك الصفات تحديداً دقيقاً (1) . ونكتفي في غالب الأحيان حين يسألنا أحد الناس عن معني التفاح، بأن تعرض عليه تفاحة، أو أن نصفها وصفاً تقريبباً بعيداً عن الدقة ومشتملا علي بعض الصفات العرضية. ويتقبل السامع هذا الوصف التقريبي ويقنع به، بل قد يستعمله حين يسأل عن معني التفاح دون محاولة الغوص عن دقائقه وحدوده المميزة.
ولا يجد المرء متسماً من الزمن أو فرضاً من المعرفة ليتصرف علي كل ماحوله في
ص78
صورة دقيقة المعالم والحدود، وهو مع ذلك في حاجة إلي التعبير عما حوله في حديثه اليومي مع أفراد بيئته . ولذا يقنع بما يشيع بين الناس من فهم قاصر للدلالات، ويظل بتعامل بها معهم حتي تتاح له فرص من العلم يدرك بعدها أن فهمه لتلك الدلالات كان غير دقيق، فكلنا تعرف معني السكتر وإن صعب علينا وصفه، ولكن دارس الكيمياء يعرف كيف يتكون، ومم يتكون، ويؤلف لنا معادلة كيميائية تعد في الحقيقة التعريف الصحيح الدقيق لهذا الشئ المألوف لنا جميعاً.
علي أنه إذا أمسكن لدارس الكيمياء أن يجدد لنا معني «ل...ح» أو «السكر» فسنظل في حيرة أمام تلك الدلالات المجردة كالحب والكره والسعادة، وغير ذلك من ألفاظ. تكون الكثرة الغالبة في معظم اللغات. فالدلالات تنمومعنا، وتتحدد معالمها علي قدر ما نصل إليه من معرفة. فدلالات الأطفال هي أطفال الدلالات، نتبناها منذ صغرنا، وتغذيها بما يتاح لنا من علم وتجارب، فتتغير وتتطور مع الزمن حتي تستقر علي حال معينة في ذهن كل منا.
وتسكتسب القلة من الدلالات هذا الاستقرار مند التجارب الأولي، ولكن الكثير منها يتطور مع المزمن و مع التجارب المتعددة. فالحوت يظل في أذهاننا في صورة السكة الكبيرة حتي يتعلم شيئاً عنه فندرك أنه حيوان تديي بتنفس الهواء مباشرة.
وتقنع كل لغة بذلك الفهم التقريبي، ويقنع معها اللغوي عادة بما يشيع بين الناس من دلالات قاصرة، فيضع معجمه ويفسر ألفاظه علي قدر فهم جمهور الناس لهسا، لاعلي قدر فهم العلماء المتخصصين تاركا تلك الدلالات الدقيقة المعاجم العلمية وكتب المصطلحات. وتتأثر الدلالة في نموها وتطورها بمؤثرات أوضحها أنها تختلف لدي كل منا باختلاف التجارب التي ثمربها، والظروف المحيطة بهذه التجارب. فالطفل تري التفاح للمرة الإولي في صورة معينة وفي حجم معين ولوز معين ثم تتكرر تجاربه و يراء في صورة أخري، وظروف أخري، مرقوهوسليم معافي وأخري وهو مريض لا يشتهي، فلا تكاد تتفق التجارب في حياتنا إزاء شئ معين. ويتكون في آخر الأمر من كل تلك التجارب المختلفة لدي كل منا صورة ذهنية معينة، نستحضرها كلما سمعنا لفظ التفاح. فمنا من يستحضر صورة التفاح لدي سماع لفظه، كبير الحجم أحمر وقد وضع في إناء بلوري كبير، ومنا من تكون صورته الذهنية عن التفاح أن نصفه أحمر ونصفه أصفر، وفريق ثالث يستحضرون صورة ذهنية عن التفاح الأصفر الذهبي اللون.
ومتى سلمنا باختلاف تجارب المرء نفسه في الظروف المختلفة، فأجدر بنا أن
ص79
نسلم باختلاف التجارب باختلاف الأشخاص. فالصورة الذهنية عن المحراث في ذهن الفلاح غيرها في ذهن أهل المدن. فليس منا من لم ير المطر أو يجرب سقوطه تجارب لاحصر لها وفي ظروف لاحصر لها أيضا، فإذا سمع لفظة المطر أدرك مدلولها، ولكننا وقد اختلفنا في التجارب المرتبطة بهذه اللفظه يتكون في ذهن كل منا دلالات مختلفة في نواح ومتعقة في نواح أخري، ولايقال حينئذ إن دلالة المطر في أذهاتنا متحدة، بل تصطبغ في ذهن كل منا بصبغة خاصة.
هذا إلي أننا تختلف في أجسامنا بين صحة و مرض أوضعف وقوة، ونختلف في تركيب أعصابنا وأمز جتنا، وفيما يرثه كل منا من أبويه وأجداده ، ويترك كل ذلك أثراً كبيراً في فهمنا للأمور، وتحديدنا للدلالات. وهكذا تري أن الدلالة أمر فردي لاتكاد تتحد فيه الأذهان؛ بل تتباين تبايناً كبيراً. ورغم كل ذلك لايقف اللغوي أمام تلك الدلالات المتباينً مكتوف اليدين، بل يحاول تحديدها في معجمه علي أساس مشترك بين جمهور الناس، أو بين طبقة متميزة منهم، وقد يلجأ في تحديد الدلالة إلي خيرة الخبراء وأهل العلم فيستعين بمعلوماتهم في تحديدها، ويكون وصفه لها أقرب إلي المصطلحات العلمية.
ولكن الناس في حياتهم العامة يعمدون إلي التعاون والتفاهم، ولا يمسكن أ نيتم هذا إلا بعد أن يتنازل كل منهم عن تلك الفروق التي تمير شخصاً من شخص، أو فهماً من فهم، حتي يمكن أن يتحقق التساون بين أفراد المجتمع. ومع ذلك فكثيراً ما يحدث الشقاق بين الناس، ويشتد النقاش والجدل نتيجة تلك الفروق التي في ذهن كل منهم عن دلالات الألفاظ.
ومع قدر من هذا التسامح والتنازل يستطيع اللغوي أن يجدد الدلالات في معجمه، وأن يقول إن لفظ كذا مدلوله في اللغة العربية مثلا هو كذا، دون التعرض لقوة هذه الدلالة، أو ضعفها، ودون الإشارة إلي وضوحها أو إبهامها، لأن مرجع كل هذا إلي الأفراد وتجاربهم المختلفة.
وأذكر بهذه الناسبة أن صحفياً طلب إليَّ في يوم من الأيام أن أخيره عن «أجزن» كلمة و «أسرّ» كلمة في اللغة العربية!! فحدثته عن أن هذا يختلف باختلاف تجارب الأفراد، وأنه ليس هناك شيء يسمي «أحزن» كلمة أو «أسر» كلمة في اللغة العربية، وإنما الواجب أن يسأل فرد عن «أحزن» كلمة في قاموسه «وأسر» كلمة في هذا القاموس الخاص.
ومن هنا جاءت نكرة المركز والهامش في الدلالة، وهو ما سنحاول علاجه في الفصل التالي.
ص80
__________
(1) The Story of language. P. 113.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|