المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6689 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



معركة عين الوردة ( التوابون)  
  
3239   04:56 مساءً   التاريخ: 5-2-2018
المؤلف : الدكتور ابراهيم بيضون
الكتاب أو المصدر : التوابون
الجزء والصفحة : ص147- 165
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الدولة الاموية / الدولة الاموية في الشام / عبد الملك بن مروان /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-5-2017 1019
التاريخ: 18-11-2016 2464
التاريخ: 17-11-2016 787
التاريخ: 18-11-2016 982

معركة عين الوردة

تقدم سليمان مع رفاقه في عمق الجزيرة، ونصائح الامير الكلابي لازالت تتردد في أسماعه. فهذا الرجل (زفر) خبر المنطقة جيداً وأكسبته الحرب مهارة عسكرية وتجربة واسعة، فضلاً عما أظهره من تودد ظاهر وتعاطف ملموس ازاء التوابين وقضيتهم. لقد كان لكلماته وقعها المؤثر في نفوس هؤلاء الذين استجابوا لنصيحته وساروا في اتجاه عين الوردة حسب الخطة التي رسمها لهم، حتى إذا وصلوها واستراحوا قليلاً (1) من مشاق الطريق أخذ سليمان في تنظيم المقاتلين ووضع خطط الاشتباك مع الجيش الاموي الذي أخذ يقترب من المعسكر. وكانت أهم معالم التكتيك الذي اتبعته القيادة، تقسيم المقاتلين الى مجموعات صغيرة (2) مهمتها القيام بهجمات صاعقة على طلائع وأطراف الجيش الاموي، للتأثير على العناصر المقاتلة فيه.

وبعد أن استكمل سليمان هذه الترتيبات العامة. وقف بين رفاقه خطيباً، ليضعهم نفسياً في أجواء المعركة التي دنت ساعتها. وكانت بمثابة تحليل لفكرة الخروج والغاية الاساسية التي انطلقوا في سبيلها وهي التوبة والغفران (3)، وتوضيح لمفهوم الحرب مستقي من تشريع علي، الامام ورأس الحزب الشيعي، الذي وضع مفاهيمه المثالية الاولى. كما أشار فيها الى موضوع القيادة وانتقالها - اذا أصيب - الى نائبه المسيّب ومنه الى عبد الله بن سعد فعبد الله بن وال حتى آخر الخمسة القياديين، رفاعة بن شداد (4). وأخيراً فان هذه الخطبة كانت انعكاساً صادقاً لأخلاقية القيادة التوابية، المترفعة والمتمسكة بالمثل العليا حتى في ساحات القتال: «... فقد أتاكم الله بعدوكم الذي دأبتم في المسير اليه آناء الليل والنهار تريدون فيما تظهرون التوبة النصوح ولقاء الله معذرين. فقد جاءوكم بل جئتموهم أنتم في دارهم وحيزهم. فاذا ألقيتموهم فأصدقوهم واصبروا ان الله مع الصابرين... لا تقتلوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيراً من أهل دعوتكم الا ان يقاتلكم بعد أن تأسروه أو يكون من قتلة اخواننا بالطّف (5) رحمة الله عليهم، فان هذه كانت سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في أهل الدعوة...» (6).

وفي هذا الوقت كانت طلائع الجيش الضخم الذي أعده مروان بن الحكم تشق طريقها نحو قرقيسيا بقيادة عبيد الله بن زياد. وكانت مهمة هذا الجيش تصفية جيوب المعارضة في العراق والمشرق ضد النظام الاموي الذي انتقلت فيه السيادة الى المروانيين، وانتقل معها ولاء ابن زياد الذي ظل خادماً أميناً ومخلصاً لهذا النظام، مستعداً لتنفيذ أصعب المهمات في سبيله، بمقدار حرصه على استمرارية مصالحه الخاصة. وقد ساعدت خبرة هذا القائد الطويلة في شؤون العراق، على أن يكون الرجل الاكثر جدارة للقيام بهذه المهمة التي كان سائراً الى تنفيذها بملء الثقة. ولكنها ثقة كانت في غير محلها هذه المرة، فالتغييرات السياسية والعسكرية التي شهدتها الارض العراقية حينئذ فاقت تصوراته، وفاته أن هذه المهمة كانت آخر مهامه في خدمة النظام الاموي، بسقوطه صريعاً على نفس الارض التي كانت لفترة مسرح عملياته الدموية الرهيبة.

وفي الطريق الى العراق تسربت معلومات الى الجيش الاموي عن تحركات التوابين باتجاه (عين الوردة) فحوّل ابن زياد خط سيره نحو تجمعاتهم ليكونوا أول فريسة له. ولكن تطورات جديدة حدثت في دمشق حينذاك، كان يمكن ان تؤدي الى ارتباك في هذا الجيش، حين تناقلت الاخبار موت الخليفة مروان وتعيين ابنه عبد الملك (7)، الا ان ذلك لم يترك أي انعكاس في صفوف الجند، أو يحدث أي تعديل في خطط الحملة، ذلك أن الخليفة الجديد سارع الى تأكيد أوامر الخلافة باستئناف المهمة التي أوكلت الى هذه الحملة واقرار قائدها في منصبه. وبدوره كان ابن زياد اكثر تجاوباً مع سيده فأرسل اليه بيعته بالخلافة ومعه جميع عناصر الجند في الحملة.

لم يكن سوى أيام لحسم الموقف الذي أخذ في التأزم، كلما اقترب الجيش الاموي من معسكر التوابين في (عين الوردة)، حيث كان ترقب مثير من جانب هؤلاء الذين وجدوا في اعدائهم تفوقاً عددياً ظاهراً وامكانيات عسكرية مذهلة، بالمقارنة مع جنودهم القلائل وامكانياتهم المحدودة. والواقع ان الصورة كما بدت عشية الالتحام في المعركة الفاصلة، غير واضحة تماماً. فهناك قوى غير متكافئة ستخوض حرباً هي بالنتيجة غير متكافئة. فالتوابون لم يطرأ على وضعهم العسكري أي تحسن، وانما افتقدوا بعض العناصر القتالية، فانخفض عددهم الى ما يزيد على الثلاثة آلاف مقاتل بقليل. وعلى العكس من ذلك كان جيش الامويين متفوقاً بصورة ملحوظة، حيث تشير بعض التقديرات الى انه جاوز العشرين الفاً (8). وهناك تقديرات أخرى لا شك انها احتوت على كثير من المبالغة أشارت الى انه بلغ الستين ألفاً (9). ولابد ان الرقم الاول هو الاقرب الى الحقيقة، وكانت عناصره موزعة، وفقاً للنظام الحربي التقليدي، الى خمسة ألوية: مقدمة ومؤخرة وقلب وجناحين. وكان على كل لواء قائد من القواد الخمسة الذين مر ذكرهم. وعقدت القيادة العامة طبعاً لامير الحملة عبيد الله بن زياد. اما التوابون فقد شكلوا خطاً واحداً للتصدي بقيادة سليمان، يعاونه عبد الله بن سعد بن نفيل على الميمنة والمسيب بن نجبه على الميسرة (10).

ووصل الجيش الاموي أخيراً، وما لبث أن أخذ مواقعه في مواجهة معسكر التوابين في (عين الوردة) وبدأت استعداداته تتم في إطار من السرعة المتناهية لبدء عملية الالتحام فوراً، والتخلص من هؤلاء الذين عرقلوا مسيرة الجيش وأعاقوا مهمته بعض الوقت. ولكن اللقاء بين المتحاربين في (عين الوردة) تأخر قليلاً، ولعل ذلك يعود الى ان الجنود الامويين لم يكونوا قد استكملوا ترتيباتهم العسكرية بشكل نهائي، كما يعود الى محاولات القائد الاموي مفاوضة زعيم التوابين لحمله على الاستسلام والاعتراف بخلافة عبد الملك. وقد قبل سليمان بالمحاورة مع أعدائه وقدم اليهم شروطه للقبول بعدم القتال (11)، لكنها كانت شروط تعجيزية وغير مقبولة أصلاً لدى الامويين فقط طلب اليهم تسليمه عبيد الله بن زياد (ابن مرجانة حسب تعبيره) وقتلة الحسين [عليه السلام]، والانضمام الى صفوف شيعة آل البيت (12).

وكان من البديهي أن يرفض القائد الاموي شروط زعيم التوابين المستحيلة، وكان معنى ذلك ان الحرب أصبحت وشيكة الوقوع. وكانت قد وقعت فعلاً واتخذت شكل مناوشات، حقق خلالها التوابون نجاحات أولية على جانب كبير من الاهمية. فقد أرسل سليمان نائبه المسيّب بن نجبه على رأس اربعمائة فارس (13) نحو معسكر الامويين حين علم بتحرك جيش اموي نحو (عين الوردة) بقيادة شرحبيل بن ذي الكلاع والحصين بن نمير السكوني (14) فأوقع المسيب هزيمة قاسية بالجيش الاموي، افقدته الكثير من القتلى (15) على الرغم من التفاوت العددي الكبير بين كل من القوتين. وهذا عائد بدون ريب من ناحية الى نجاح مخطط التوابين في الحرب الصاعقة، ومستوى الحماس الملتهب الذي بلغ حداً كبيراً. ومن ناحية أخرى الى تفكك الجبهة الاموية واختلاف شرحبيل والحصين على القيادة العليا (16).

وكانت هذه الهزيمة بمثابة تصعيد عنيف للموقف من جانب الامويين الذين بادروا بإرسال أحد القائدين المهزومين (الحصين بن نمير) الى (عين الوردة) ومعه اثني عشر الفاً من الجنود حيث أصبح وجهاً لوجه مع التوابين.. وكان ذلك ايذاناً بوقوع الحرب فعلياً (17) حين اندفع التوابون من مواقعهم بقيادة سليمان بن صُرد التحموا مع قوات الحصين الاموية التي تفوقهم كثيراً في العدد، وذلك في يوم الاربعاء في الثاني والعشرين من جمادي الاولى سنة 65 هجري /4 كانون الثاني 685 م بعد خمسة أيام من نزولهم في (عين الوردة) (18).

ويظهر من سير الاشتباكات الاولية أن وضع التوابين - برغم قلتهم العددية - كان معززاً، ومعنوياتهم في ارتفاع دائم، أما الحماس فقد بلغ حداً لا يوصف، وكانت تستثيره نداءات سليمان في صخب المعركة فتزيده التهاباً وتأججاً: «يا شيعة آل محمد، يا من يطلبوا بدم الشهيد ابن فاطمة، ابشروا بكرامة الله عز وجل، فوالله ما بينكم ودخول الجنة والراحة من هذه الدنيا الا فراق الانفس والتوبة والوفاء بالعهد» (19).

«التوبة والوفاء بالعهد»

تلك الصرخة التي أطلقها سليمان في المعركة والشعار الذي طرحه التوابون منذ سنوات طويلة وقاسية، اقترن الآن بالفعل وحانت ساعة تنفيذه. لقد دخلوا حرب التكفير عن الذنب بأهداف مثالية وقلوب تطفح بالايمان، عبّروا عنها ابان المعركة بتكسير أغمدة السيوف (20) والتقدم الى القتال بشجاعة خارقة وحماس منقطع النظير.

دارت المعارك رهيبة، وبلغت في أيامها الثلاثة التالية (وهو الوقت الذي استغرقته الحرب) مرحلة من التصعيد غير متوقعة. فعلى جبهة التوابين الدافقة بالحيوية والنشاط، كانت تحركات المقاتلين تتم في سرعة عجيبة، والوحدات الانتحارية الصاعقة كانت تحقق نجاحات مذهلة على أطراف ومقدمات الجيش الاموي، الامر الذي أحدث ارتباكات في صفوفه وأفقده كثيراً من عناصره المقاتلة. ففي اليوم الأول للمعارك الجدية دار قتال ضاري بين الطرفين حسمه التوابون بهجوم عنيف على طرفي الجيش الاموي فتراجع مهزوماً، تاركاً وراءه الكثير من القتلى والجرحى (21). وقد تركت هذه الهزيمة صدى استياء عميق عند القائد العام عبيد الله بن زياد وأفقدته السيطرة على أعصابه، حين صب جام غضبه وقذف بشتائمه أحد قواده (شرحبيل بن ذي الكلاع) متهماً اياه بالتخاذل والتقصير (22).

واستؤنف القتال الضاري في اليوم الثاني. وكان وضع الجيش الاموي قد أصبح أكثر تعزيزاً، بحيث ان التوازن العسكري اختل الى حد كبير وانعدم التكافؤ بين القوتين المتحاربتين بشكل ظاهر. غير ان الروح النضالية المغامرة التي تميزت بها أعمال التوابين، وذلك التسابق الجموح نحو الاستشهاد، نسف كل قواعد التوازن. فقد كان صمودهم بطولياً ورائعاً طوال يوم مثير، أثخن فيه الفريقان قتلاً وجراحا ً (23)، ولم تكن نتيجته على ما يبدو حاسمة لاي منهما، حتى كان اليوم الثالث (24) وهو الاكثر اثارة في معارك (عين الوردة) حين أطبق الجيش الاموي بكل امكانياته على التوابين الذين أصبحوا في قلة قليلة بعد أن أفقدتهم اشتباكات اليوم السابق جزءاً كبيراً من مقاتليهم. وقد وجدوا أنفسهم في هذا اليوم محاطين من كل جانب بقوات مكثفة من أعدائهم، انقضّت عليهم بمنتهى العنف والشراسة. ولكن التوابين، للحقيقة، لم يتخاذلوا ولم يتخلوا مطلقاً عن ايمانهم بالقضية التي يناضلون في سبيلها، وانما ظلوا متماسكين في جبهة واحدة متراصة ويقاتلون قتالاً بطولياً مستميتاً (25)، حتى أن هجماتهم الانتحارية أوقفت بعض الوقت الجنود الامويين عن التقدم، وجعلتهم يتحاشون الالتحام المباشر معهم، فاعتمدوا النبال كسلاح رئيسي (26) وتمكنوا بذلك من انزال خسائر جسيمة في صفوف التوابين، مما أدى الى سيطرتهم أخيراً على زمام الموقف.

وكان سليمان ذلك الرجل الاسطوري، يتقدم رفاقه المناضلين، بخطى ثابتة نحو قدره الذي اختاره عن قناعة وايمان. وفي وسط المعمعة كان صوته يخترق الآذان مردداً: «عباد الله من أراد البكور الى ربه والتوبة من ذنبه والوفاء بعهده فاليّ» (27). وكانت هذه الكلمات آخر ما وردده القائد التوابي وهو يشق بسيفه صفوف الامويين بكل جرأة ورباطة جأش. ولعله عاش في تلك اللحظات لذة الانتقام وحلم الشهادة الذي أوشك أن يتحقق. وحدث ذلك فعلاً عندما أدركه سهم ألقى به يزيد بن الحصين، فأوقعه قتيلاً وكان له من العمر ثلاثاً وتسعين سنة (28). ومن غرائب المصادفات ان تكون نهاية زعيم التوابين - الذي قام بثورته للانتقام من النظام الاموي عبر ممثله والمسؤول الاول عن مقتل الحسين، يزيد بن معاوية - على يد يزيد آخر هو ابن الحصين بن نمير السكوني أحد أركان هذا النظام البارزين، وكأن ذلك جاء ليوحي بأن معركة الانتقام التي يخوضها الحزب الشيعي لم تنته بعد، وستبعث من جديد، ولكن مع وجوه أخرى وبأبعاد مختلفة.

بعد مقتل سليمان، تسلم راية القيادة نائبه المسيّب بن نجبه الذي أثبت انه لا يختلف عن مستوى سليمان في جرأته المتطرفة وفي ايمانه العظيم، وقد وصفه أحد الذين شاركوا في (عين الوردة) بقوله: «ما رأيت أشجع منه انساناً قط، ولا من العصابة التي كان فيهم، ولقد رأيته يقاتل قتالاً شديداً ما ظننت ان رجلاً واحداً يقدر أن يبلى مثل ما أبلى، ولا ينكأ في عدوه مثل ما نكأ» (29). وقد سقط المسيّب بدوره صريعاً في المعركة (30) بعد جهود مستميتة، وتبعه بقية القواد وعدد كبير من المقاتلين، باستثناء رفاعة بن شداد الذي اعترف بالهزيمة وأدرك عدم جدوى القتال، وكانت القيادة قد انتقلت اليه فأصدر أوامره سراً الى البقية الباقية من التوابين بالانسحاب والتراجع. غير أن الاستجابة لم تكن جماعية، لان فئة، قدّر عددها نحو مائة وثلاثين مقاتلاً، رفضت فكرة الانسحاب، وأصرت على الاستشهاد، فظلت تقاتل حتى أبيدت بكاملها (31). اما الباقون فقد انسحبوا تحت جنح الظلام ممتثلين لأوامر القائد العام. وكانت عملية الانسحاب مدروسة ومنظمة الى حد كبير، ذلك ان رفاعة كان قد أمر بتشكيل فرقة من سبعين فارس، مهمتهاً تغطية الانسحاب واشغال العدو، كما أمر بتهديم الجسور والقناطر وراء المقاتلين لإعاقة أي ملاحقة قد يقوم بها الامويون.

تمت عملية التراجع بنجاح تام، وابتعد التوابون المنسحبون عن ميدان المعركة، وأصبحوا في منأى عن مطاردة الجيش الاموي المنتصر الذي استنكف عن محاولة اللحاق بهم (32). وفي طريق العودة الى الكوفة عاودتهم ذكريات القتال في (عين الوردة) ورجعت إليهم من جديد عقدة الشعور بالذنب، ففكروا بالرجوع والسير على خطى رفاقهم الذين وهبهم الله نعمة الشهادة. ولكن رفاعة تمكن بعد صعوبة من اقناعهم بالتخلي عن هذه الفكرة ومتابعة الانسحاب الى الكوفة (33).

ولم تقتصر متاعب الانسحاب على التمرد والاصرار على الرجوع الى ساحة القتال، وانما كانت مشاق الرحلة تفوق حدود الاحتمال، وتضفي عليها مسألة الجرحى (34) وفقدان بعضهم في الطريق، ظلالاً مأساوية قاتمة. وقد حاول زفر بن الحارث الكلابي مواساتهم والتخفيف عنهم عند وصولهم الى (قرقيسيا)، فأرسل اليهم المواد الغذائية، والاطباء لمداواة الجرحى، عارضاً عليهم الاقامة ما شاءوا في مدينته. فأقاموا فيها ثلاثة أيام (35) انصرفوا بعدها متبعين نفس الطريق الذي حملهم الى (عين الوردة) حتى اذا بلغوا (هيت) تفجرت أحزانهم من جديد بلقاء اخوانهم من جماعة المدائن بقيادة سعد بن حذيفة بن اليمان، وهم في طريقهم الى ساحة القتال (36)، فكان مجيئهم متأخراً وفي غير محله. ولكنهم سجلوا على أية حال موقف التضامن السياسي والعقائدي مع رفاقهم التوابين من أجل الغفران والتكفير عن الذنب. كان اللقاء حزيناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لم يخفف بعض حدته الا افتراقهم، عائدين كل الى مدينته، وقد غمره أسى عميق وحمل في قلبه صورة لن تنسى من الفجيعة.

تابعت فلول التوابين بعد ذلك رحلة العودة الى الكوفة، وكانت أخبار المعارك الانتحارية والبطولات الخارقة التي شهدتها (عين الوردة)، قد بلغت أسماع الكوفيين فهزتهم اعجاباً، كما أن بعضهم آلمه أن تتهاوى تلك النخبة من الحزب الشيعي وتضيع جهودها هباء في غمار حرب غير متكافئة. فلما بلغوا مشارف المدينة، هرع لمواساتهم جمهور من الكوفيين، كان بينهم الامير الزبيري عبد الله بن يزيد الانصاري الذي استقبل قائدهم رفاعة معزياً ومشجعاً، ومشيداً كذلك بالدور البطولي الذي قام به التوابون في مسيرتهم النضالية الرائعة ضد (قوى الطغيان) و(زمرة الجوار) (37).

_______________

(1) ابن الاثير الخ: 8/253.

(2) الفتوح لابن الأعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

(3) الطبري : 7/74.

(4) الطبري : 7/74.

(5) المكان الذي استشهد فيه الحسين ورفاقه في كربلاء.

(6) الطبري : 7/74، ابن الاثير : 4/76.

(7) 3 رمضان سنة 65 هجري. تاريخ خليفة 1/331.

(8) الفتوح لابن الأعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

(9) تاريخ خليفة 1/331.

(10) الطبري : 7/75.

(11) ثابت الراوي : العراق في العصر الاموي 170.

(12) البلاذري : انساب الاشراف 5/217. الفتوح لابن الأعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

(13) جاء في البداية والنهاية : خمسمائة فارس، ابن كثير : 8/253.

(14) الطبري : 7/75، ابن الاثير 4/76.

(15) الطبري : 7/75، ابن الاثير : 4/76.

(16) الطبري : 7/75، ابن الاثير : 4/76.

(17) ابن كثير : 8/254.

(18) فلهوزن : الخوارج والشيعة 195.

(19) الفتوح لابن الأعثم الكوفي. نسخة اسطنبول. (مخطوطة).

(20) الطبري : 7/76.

(21) قدر عدد الجيش الاموي الذي اشترك باثني عشر الفاً، كان على رأسه الحصين بن نمير السكوني. ابن الاثير : 8/254.

(22) الطبري : 7/76.

(23) الطبري : 7/76.

(24) المسعودي : مروج الذهب 3/94.

(25) الجمعة في 24 جمادي الاول 65 هجري / 6 كانون الثاني 685 م. المسعودي : مروج الذهب : 3/94.

(26) جون جلوب : امبراطورية العرب 135.

(27) الطبري : 7/76.

(28) ابن كثير : 8/255.

(29) الطبري : 7/76 - 77.

(30) ابن كثير : 8/254.

(31) جون جلوب : امبراطورية العرب 136.

(32) ابن كثير : 8/254.

(33) جون جلوب : امبراطورية العرب 136.

(34) الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

(35) الطبري : 7/80.

(36) ابن الاثير : 4/78.

(37) الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

 

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).