المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

نظرة سريعة عن حياة المجتبى عليها السلام
25-5-2022
من البرجي الى لسان الدين
2024-07-21
عبد اللّه بن مغفل
2023-03-08
برميل Barrel
26-12-2017
مصادر المشروعية الادارية المكتوبة أساساً للتحقيق الاداري
15-6-2016
Reactor Period (τ)
25-4-2017


عمار بن ياسر  
  
3523   03:46 مساءً   التاريخ: 18-1-2018
المؤلف : السيد محمد بحر العلوم .
الكتاب أو المصدر : من مدرسة الامام علي (عليه السلام)
الجزء والصفحة : ص11-22.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / قضايا عامة /

ـ لماذا يعذب هؤلاء يا أبتاه؟!!
ـ إن هؤلاء حادوا عن آلهتنا، ودانوا بغير ديننا، واتبعوا محمداً.
ـ محمد.. ومن هو محمد يا أبتاه؟!.
ـ محمد: فتى عبد المطلب، يتيم أبيه، فقير قومه. كفله عمه أبو طالب، وتولى تربيته بعد جده، جده عبد المطلب.
ـ ولم ذلك؟.
ـ لأن والده عبدالله توفي عنه، وهو بعد لما تكتحل عيناه بنعيم الحياة.
ـ أبتاه، ماذا يريد هذا اليتيم؟ وبماذا جاء؟
ـ يقال: إنه دعا إلى دينٍ يوجب عبادة الله وحده، لا شريك له.
ـ وماذا في ذلك؟.
ـ ماذا في ذلك؟!، ذلك يعني أن أصنامنا يجب أن تزول، حيث لا مبرر لوجودها بعد.
ـ ثم ما يريد بعد هذا ؟
ـ لا أدري، أراك كثير الكلام، أسكت، ولا تتحدث بهذا الحديث، بل تناساه، نعم تناساه يا بني، فإني أخشى عليك من عذاب قريشٍ.
ـ يا أبتاه دعني أتقدم لهذه الزمرة التي أخذت بيدها مكاوي الحديد؛ لتطعن بحر نارها جلود هذه الأجساد الهزيلة، التي تضورت من الألم بين أيديها.
ـ حذار... حذار .. أتركهم يا ولدي، دعنا وشأننا، مالنا وهذه الأمور؟.
هيا بنا، هيا... هيا.
ـ لماذا لم يتركوهم وشأنهم، ليعبدوا ما يعبدون؟
ـ أجننت؟! كيف ترضى قريشٌ أن تصاب آلهتها بالبوار؟ ، بني، إن خطر الإسلام على الجاهلية عظيمٌ.
ـ يا أبتاه. رحماك، لي رغبةٌ ملحةٌ في أن أذهب إلى محمدٍ فأسمع منه ما يريد.
ـ لا.. لا... قالها الأب، وهو يزأر من الغضب، وكم فم ولده؛ كي لا يستمر في الحديث، ثم التفت يمنةً ويسرةً، وهو يخشى أن يقف أحدٌ على حديثهما، ثم حاول أن يتحدث، فماتت الكلمات على شفتيه، وهو يرتعد خوفاً ودهشةً.
ـ ما بك يا أبتاه؟.
وغاب الوالد في تفكيرٍ عميقٍ، وبدت علائم الاستفهام جليةً على قسمات وجهه، ترى ماذا أصاب والده؟ فقد بدا في حالةٍ عصبيةٍ للغاية، وفضل السكوت ريثما تهدأ حالة الشيخ، ما إن رأى والده قد عاد إلى صوابه، واسترجع وضعه الاعتيادي، حتى التفت إليه ثانيةً قائلاً: أبتاه.. هل تعدني أن أذهب إلى محمد، أبتاه: يحدوني ميلٌ شديدٌ لأن أعرف أهداف دعوته، ولأتبين حقيقة خطرها على آلهة قريش.
انتفض الأب من مكانه، وهو يضطرب من الخوف والوجل وصاح بولده: دعنا نسير، دعنا نذهب إلى البيت، لنستريح من شر هذا اليوم.
وفي طريق عودتهما إلى البيت مرا على جماعةٍ تحمل السياط وتلهب بها ظهور ثلاثة أشخاصٍ من بينهم امرأةٌ واحدةٌ، وقد تجمهر عليهم جمعٌ يتضاحكون ويتصايحون.
يا عمار: أين رب محمد لينجيك من هذا العذاب؟... قالها أحدهم ساخراً، وكان أحد الجلاوزة الموكولين بالتعذيب.
وعمارٌ كالحديد يتدرع بالإيمان، ويتحلى بالصبر، عيناه شاخصتان إلى السماء، وشفتاه تلهجان {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 1 - 6] .
وما أن سمع أبو جهلٍ هذه الكلمات، ترف على شفاه عمار، حتى هجم عليه ثانيةً ـ والغضب يتطاير شرره من عينيه ـ وانقض على عمار يفتح فكيه ليقطع لسانه، لقد هاله أن يسمع منه هذه الكلمات، فيستقبله بعض أصحابه، وهم يتضاحكون...
وتقبل الرجل من زمرته شكرهم، وعيناه لا يرفعها عن هذه الأجساد الثلاثة المطروحة بين أيدي جلاوزته، تلهبها سياطهم المحمومة، وتمزقهم حرابهم الحاقدة، ويلتم شمل الصفوة الخيرة من المسلمين في حلقةٍ تضم نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يعيد على أسماعهم آياتٍ من كتاب الله المجيد.
كان العدد لا يتجاوز الأصابع، وقد تعذر حضور ياسر وزوجته، وولدهما عمار، حيث أن عذاب المشركين كان لا يزال ينصب عليهم صباً، دون رحمةٍ ولا شفقةٍ.
ويعلم الرسول بكل ما يجري على هذا النفر المستضعف من أصحابه، فلم يملك لهم من الأمر إلا أن يرفع يده للدعاء : من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله.
ولم يقف عذاب القوم عند حد، فقد فاق كل وصفٍ، وكان عمار سابع من أسلم وآمن بدعوة محمد، وكان عذاب الجاهلية يتفاقم عليه، كلما رأت أن هذا الرجل قد تدرع بالصبر.
ولكن عماراً كان ولا يزال فوق هذه الهمجية من العذاب، فقد تحداها بقوة أعلى من أن تنهار على دكة المشركين، إنما هي صلابة الإسلام، وإيمان محمد، تبعثانه على التفاني في سبيل عقيدته.
كان عمارٌ حليفاً لبني مخزومٍ، وكان يرجو أن ينال من محالفته هذه بعض الراحة والطمأنينة، ولكن بني مخزومٍ هي التي قدمته قرباناً مقيداً إلى بساط التعذيب على يد المشركين من أمثال أبي سفيان، وعتبة، وأبي جهلٍ، وغيرهم.
ونادى منادي المسلمين بالهجرة إلى الحبشة، فقد أصبح شبح الموت أقرب من الظل إلى أصحاب رسول الله، وكان عمارٌ أحد أفراد هذه القافلة الصغيرة من رجال الإسلام.
ورمق الركب ـ وهو يجد سيره حثيثاً؛ ليبعد عن واقع الظالمين ـ أحد أعوان الزمرة والطاغية، فذهب وأشاع النبأ لدى القوم، وهم في فناء البيت: أتعلمون أن ركباً ـ من أصحاب محمد ـ قد غادر أبواب مكة، وسوف يهرب ويفلت من بين أيدينا، وحاول البعض أن يقوم بما يلزم من عرقلة سفر هذه الصفوة، ولكن هيهات فقد سلم الركب بنفسه من أن يقع فريسةً لدى الأعداء.
وفي مساءٍ رائعٍ ـ رائعٌ بعبير التضحيات ـ ودع عمارٌ البقية الباقية من أهل بيته بعد أن قتل أبواه في ساحة التعذيب وترك المدينة.
ترك المدينة برهةً من الزمن، ولكن ذكرى إنسانية محمد لم تبارح مخيلته، وآيات الله البينات تمور في أجواء نفسه وتنطوي الأيام عجلى، وانطوت معها الصفحة من الذكريات ولكنها عادت حيةً منشورةً بعد زمانٍ، زمانٍ قليلٍ، بعد أن عاد أصحاب الرسول من الحبشة إلى يثرب، مدينة الرسول.
عادوا وأكاليل الغار تتوج حياتهم، وأعلام النصر تركزت في ربوعهم.
وعمارٌ... ذلك الرجل الذي استمر طيلة حياته يدافع وينافح عن الإسلام، ويذب عن كيانه بجهادٍ متواصلٍ، ينتظر ـ وهو على موعد ـ.
ينتظر اللحظة الحاسمة ـ التي خلدت وجوده ـ من حياته وهو يردد دائماً قول الرسول: يا عمار آخر شرابٍ لك من الدنيا ضياحٌ من اللبن .
وترتبط حياة الصحابي الجليل بعلي بن أبي طالبٍ ارتباطاً وثيقاً، فقد كانت كلمات الرسول الأعظم خالدةً في ابن عمه ورفيق دعوته، وهي تنفذ إلى أعماق الإنسان كنور الفجر وسحر المطر..
: يا علي: لا يعرف الله إلا أنا وأنت، ولا يعرفني إلا الله وأنت، ولا يعرفك إلا الله وأنا .
وترف هذه الكلمات الزاهرة نديةً في أذنيه، ويستوعب تفكيره النير هذا القول: ولا يعرفك ـ يا علي ـ إلا الله وأنا .
ولماذا لا يكون من علي بمنزلة العطر للورد، والشروق للأمل.. وهو الذي تقول عنه عائشةٌ: ما من أحدٍ من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشاء أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ملئ عمارٌ إيماناً إلى أخمص قدميه .
ولم تكن هذه الصلة بالحديثة بعد رسول الله، كلا، فعمارٌ كان مع رسول الله في كل حروبه، وفي كل أيامه، وكان يسمع عندما يقول كلمةً عن علي فيحفظها، وعندما يشهد علياً وهو يخوض غمار الموت في سبيل الدعوة بإيمانٍ وعقيدةٍ، فتنساب الشهادة من الرسول في حقه، فيلقفها عمارٌ وساماً لا يعلوه وسامٌ.
وعلي لم يكن أقل معرفةٍ بعمارٍ من غيره، فقد ملئ هذا الرجل المجاهد الصابر الممتحن قلبه وإعجابه، وليس بالغريب أن يصبح أبو اليقظان من أصحابه أكثر قرباً، وأشد التصاقاً لعلي، وصي رسول الله، وإمام المسلمين..
واقتطعت السنون من أيامها حلوها ومرها، خيرها وشرها، وعمارٌ في خضمها صلداً لا تهزه الأحداث، ولم تجرفه الإغراء، وإذا مرت به أيام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) صعبة المراس لاقى في سبيل الدعوة كل أنواع التعذيب والأذى، حتى ذكر أنه: كان يعذب حتى لا يدري ما يقول، فإن أيام علي (عليه السلام) لم تكن أقل منها محنةً من يوم أن غمضت فيه عين الرسول، حتى يوم استشهد في ساحة صفين، وكان مع هذا كله يمثل الإنسان المجرب والفكر الوقاد، والشخصية الفذة، لا تأخذه في الله لومة لائمٍ.. 
وقد وقف فيها إلى جانب إمامه؛ يفتح في نفسه أفقاً رائعاً لأبعاده الكريمة، ومن فكره، رأياً صائباً لما تقتضيه مصلحة الإسلام..
إنه امتحانٌ عسيرٌ تمر به الصفوة الطيبة من هؤلاء الأفذاذ، الذين اتخذوا من علي ـ بعد الرسول الأعظم ـ مدرسةً تنير لهم الطريق، وتبدد لهم حلكة المسيرة..
وإذا زهد علي في هذه الدنيا، بحيث لم يعطها من نفسه قلامة ظفره، فقد كان عمارٌ على هذا الخط، عندما ولي الكوفة في عهد عمر بن الخطاب، سار فيها سيراً لن تجده إلا عند أمير المؤمنين (عليه السلام) من العدل، وإحقاق الحق، ومكافحة الباطل وعدم الاهتمام بمظهر الدنيا، حتى يقول الراوي، وهو من أهل الكوفة: رأيت عمار بن ياسر، وهو أمير الكوفة يشتري من قثائها، ثم يربطها بحبلٍ ويحملها فوق ظهره، ويمضي بها إلى داره!!.
ولم يكن عسيرٌ على عمار أن يتجبر ويتكبر، ويمشي خلفه الخدم والحشم في الكوفة وهو والي الكوفة، وأمير الجيش، ومقرب الخلفاء، لكن لم يكن هذا أبداً.. فهو من مدرسة ذلك الإمام الذي يقول للدنيا غري غيري، أما هو ففي ذات الله خشنٌ.. ويعمل ويأكل من عمل يده، ولا تطمع نفسه إلى بيضاء وصفراء..
وطلعت شمسٌ، وغربت شمسٌ، وعلى الشفاه أكثر من سؤال؟ متى تتحقق نبوءة الصادق الأمين، وهو {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] .
: ويح ابن سمية، تقتله الفئة الباغية .
وتبقى هذه الكلمة الخالدة في آذان المسلمين حيةً، تنتظر اللحظة الحاسمة، وعمار قد ذرف على التسعين من عمره، أو تجاوزها بقليلٍ، والأيام حافلةٌ بالحوادث، وكل يومٍ له فيه حسابٌ.
ولكنه يومٌ ولا كالأيام، يزخر بالأحداث ويمطر بالمآسي، فمعاوية بن أبي سفيان قد دفعته الغيرة المفتعلة للأخذ بثأر عثمان ولم تكن الحقيقة، إنما هو التضليل للسذج من الناس.
ولم يكن الواقع إلا ما قاله أبوه بالأمس، حينما تولى الخلافة عثمان، والتف حوله من الأمويين: يخضمون مال الله خضم الإبل، فيلتفت أبو سفيان، وقد أرهقته السنون وأتعبه الحقد، يقول لآله المجتمعين حول الخليفة: فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار، تلاقفوها يا بني أمية.
ومعاوية على هذا الأساس خطط، وفي هذا الضوء سار، واليوم قد حان فيه الانقضاض، وعلي بيده الخلافة، وهو يعلم أن ابن أبي طالبٍ صعب المراس لم يخضع للعاطفة، ولا ينقاد للمقتضيات، والناس لا يسعدهم هذا اللون من المسيرة، فليقتطف المناسبة، ويستغل الفرصة، ووقتها حان.
وليرفع شعار يا لثأر عثمان وليكن من قميصه المدمى ما يعلن الحرب ويلهب الفتنة، ويثيرها عجاجةً تأكل الأخضر واليابس.
وفعلاً كان ما أراد..
وعمار، وأمثال عمار لم يكونوا بالسذج ولا المغفلين، فقد عرفوا الحقيقة الكامنة وراء ثورة طاغية الأمويين، فالحقد الدفين بين الهاشميين والأمويين لم تخمده الأيام، فهي جذوةٌ تأكل قلوب الحاقدين، وتمتص رؤاه، وإذا كانت (صفينٌ) بعد حفنةٍ من الأيام، مرت ثقيلة السير مكدودة الضوء، فقد تفتحت الجراح شموخاً، وتعملق الجهاد عنفاً، وليس غير السيف بين هذين المعسكرين حكماً.
ويقف عمارٌ ـ وهو الرجل الذي واكب الأحداث، وعرف مقاصدها بكل رويةٍ ـ وسط قومه خاطباً، وموجهاً: انهضوا معي عباد الله إلى قومٍ يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالمٍ، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان. 
فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه، فقالوا: إنه يحدث شيئاً، وذلك لأنه مكنهم من الدنيا، فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدمت الجبال.
والله ما أظنهم يطلبون بدمٍ، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلوها، واستمرؤها وعلموا أن صاحب الحق لو وليهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها. 
إن القوم لم يكن لهم سابقةٌ في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوماً، ليكونوا بذلك جبابرةً وملوكاً، تلك مكيدةٌ قد بلغوا بها ما ترون، ولولاها ما بايعهم من الناس رجلٌ: اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت، وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم...
ثم سكت برهةً، ودنا من عمرو بن العاص، فقال: يا عمرو بعت دينك بمصر، فتباً لك! وطالما بغيت للإسلام عوجاً، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن اقذف بنفسي في هذا النهر لفعلت، اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني، ثم انحني عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت، اللهم إني أعلم مما علمتني أني لا أعمل عملاً صالحاً هذا اليوم هو أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك منه لفعلته..
ثم صف جيشه، ورفع رايته، وهو يرسل نظراته في جيش الشام، والقوم حوله منصتون، ويهز رايته، ويصيح ، وكريمته البيضاء تزيد في هيبته: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وها أنا ذا أقاتل بها اليوم...
والذي نفسي بيده.. لو ضربونا بأسيافهم، حتى يبلغونا سعفات هجرٍ، لعلمنا أنا على حق، وأنهم على باطلٍ .
وزحف إلى الحرب، يرف برايته، وهو يجول وسط المعارك، ويقول: إن يومي لقريبٌ..
ولملمت الشمس أبرادها على صورةٍ عنيفةٍ من الجهاد بين الحق والباطل في صفين، ويسقط عمارٌ مضرجاً بدمائه، متوجاً بجراحه، وهو يطلب الماء، وقدم إليه ضياحٌ من لبنٍ..
فصاح عمارٌ، وهو في غمرة الفرحة :صدق حبيبي رسول الله، آخر شرابي من الدنيا ضياحٌ من لبنٍ، ما أسعدني، وأنا أموت على الحق، وعدوي على الباطل .
وتقف أنفاس البطل المجاهد في ساحة الجهاد ويختم الجندي الباسل حياته بين يدي العقيدة، ربط حاضرها بماضيها وطرز سلسلتها الزمنية بكل ما يشرفها.
بالأمس بدأ الكفاح بين يدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويختم اليوم البطولة بين يدي علي (عليه السلام) وهكذا تلتقي السلسلة، وهي وحدةٌ تمثل رائع البطولة، وصدق الفداء.
وتبقى ذكراه الغالية نورٌ يستضيء به السائرون في ركب الكفاح عن العقيدة.
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [آل عمران: 142]  صدق الله العلي العظيم.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.