المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

Face
27-7-2021
Fibonacci Chain Map
7-10-2021
الأب والقدوة
8-1-2016
معنى {والشمس وضحاها }
2024-09-04
إبراهيم بن عبد الرحيم العروضي
9-04-2015
لكي ينجح طفلك في مقابلة الأطفال الآخرين
12-4-2021


تفسير آية (154-157) من سورة الانعام  
  
3122   03:11 مساءً   التاريخ: 7-11-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنعام /

قال تعالى : {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} [الأنعام : 154 - 157].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام : 154 - 155] .

{ثم آتينا موسى الكتاب} قيل في معنى ثم آتينا موسى الكتاب ، مع أن كتاب موسى قبل القرآن ، وثم يقتضي التراخي وجوه أحدها : إن فيه حذفا وتقديره ، ثم قل يا محمد آتينا موسى الكتاب بدلالة قوله : {قل تعالوا} وثانيها : إن تقديره ثم أتل عليكم آتينا موسى الكتاب ، ويكون عطفا على معنى التلاوة ، والمعنى : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، ثم أتل عليكم ما آتاه الله موسى ، عن الزجاج وثالثها : إنه عطف خبر على خبر ، لا عطف معنى على معنى ، وتقديره ثم أخبركم أنه أعطى موسى الكتاب ، والذي يؤيده قول الشاعر :

ولقد ساد ، ثم ساد أبوه ،            ثم قد ساد ، قبل ذلك ، جده

ورابعها : إنه يتصل بقوله في قصة إبراهيم : {ووهبنا له إسحاق ويعقوب} فعد سبحانه نعمته عليه بما جعل في ذريته من الأنبياء ، ثم عطف عليه بذكر ما أنعم عليه بما أتي موسى من الكتاب والنبوة ، وهو أيضا من ذريته ، عن أبي مسلم ، واستحسنه المغربي {تماما على الذي أحسن} قيل فيه وجوه أحدها : تماما على إحسان موسى ، فكأنه قال : ليكمل إحسانه الذي يستحق به كمال ثوابه في الآخرة ، عن الربيع ، والفراء وثانيها : تماما على المحسنين ، عن مجاهد . قيل : إن في قراءة عبد الله {تماما على الذي أحسنوا} فكأنه قال تماما للنعمة على المحسنين الذين هو أحدهم ، والنون قد تحذف من الذين كما في البيت :

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم ، كل القوم ، يا أم خالد (2) ويجوز أن يكون الذي للجنس ، ويكون بمعنى من أحسن وثالثها : إن معناه تماما على إحسان الله إلى أنبيائه ، عن ابن زيد ورابعها : إن معناه تماما لكرامته في الجنة على إحسانه في الدنيا ، عن الحسن وقتادة ، وقال قتادة : تقديره من أحسن في الدنيا تمت عليه كرامة الله في الآخرة وخامسها : إن معناه تماما على الذي أحسن الله سبحانه إلى موسى بالنبوة وغيرها من الكرامة ، عن الجبائي وسادسها : ما قاله أبو مسلم انه يتصل بقصة إبراهيم ، فيكون المعنى تماما للنعمة على إبراهيم ، ولجزائه على إحسانه في طاعة ربه ، وذلك من لسان الصدق الذي سأل الله سبحانه أن يجعله له ، ولفظة {على} تقتضي المضاعفة عليه ، ولو قال تماما ، ولم يأت بقوله {على الذي أحسن} لدل على نقصانه قبل تكميله .

{وتفصيلا لكل شيء} أي : وبيانا لكل ما يحتاج إليه الخلق {وهدى} أي ودلالة على الحق والدين يهتدي بها إلى التوحيد ، والعدل ، والشرائع . {ورحمة} أي : نعمة على سائر المكلفين لما فيه من الأمر ، والنهي ، والوعد ، والوعيد ، والأحكام . {لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون} معناه : لكي يؤمنوا بجزاء ربهم ، فسمي الجزاء لقاء الله ، تفخيما لشأنه ، مع ما فيه من الإيجاز والاختصار . وقيل : معنى اللقاء الرجوع إلى ملكه ، وسلطانه ، يوم لا يملك أحد سواه شيئا .

{وهذا كتاب} يعني القرآن ، وصفه بهذا الوصف لبيان أنه مما ينبغي أن يكتب ، لأنه أجل الحكم {أنزلناه} يعني أنزله جبرائيل إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فأضاف النزول إلى نفسه توسعا . {مبارك} : وهو من يأتي من قبله الخير الكثير ، عن الزجاج . فالبركة : ثبوت الخير بزيادته ونموه . وأصله الثبوت ، ومنه براكاء القتال في قوله :

وما ينجي من الغمرات إلا             براكاء القتال ، أو الفرار

ومنه تبارك الله أي : تعالى بصفة إثبات ، لا أول له ولا آخر ، وهذا تعظيم لا يستحقه غير الله تعالى {فاتبعوه} أي . اعتقدوا صحته ، واعملوا به ، وكونوا من أتباعه {واتقوا} معاصي الله ومخالفته ، ومخالفة كتابه {لعلكم ترحمون} أي : لكي ترحموا ، وإنما قال {واتقوا لعلكم ترحمون} مع أنهم إذا اتقوا رحموا لا محالة ، لأمرين أحدهما أنه اتقوا على رجاء الرحمة ، لأنكم لا تدرون بما توافون في الآخرة والثاني : اتقوا لترحموا أي : ليكن الغرض بالتقوى منكم طلب ما عند الله من الرحمة ، والثواب .

- {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} [الأنعام : 155 - 157] .

ثم بين سبحانه أنه إنما أنزل القرآن قطعا للمعذرة ، وإزاحة للعلة ، فقال {أن تقولوا} أي : كراهة أن تقولوا يا أهل مكة ، أو لئلا تقولوا {إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} أي : جماعتين ، وهم اليهود والنصارى ، عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وإنما خصهما بالذكر لشهرتهما ، وظهور أمرهما أي : أنزلنا عليكم هذا الكتاب ، لنقطع حجتكم . {وإن كنا عن دراستهم لغافلين} والمعنى : إنا كنا غافلين عن تلاوة كتبهم ، وما كنا إلا غافلين عن دراستهم ، ولم ينزل علينا الكتاب ، كما أنزل عليهم لأنهم كانوا أهله دوننا ، ولو أريد منا ما أريد منهم ، لأنزل الكتاب علينا ، كما أنزل عليهم {أو تقولوا} يا أهل مكة {لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} في المبادرة إلى قبوله ، والتمسك به ، لأنا أجود أذهانا ، وأثبت معرفة منهم ، فإن العرب كانوا يدلون بجودة الفهم ، وذكاء الحدس ، وحدة الذهن . وقد يكون العارف بالشيء أهدى إليه من عارف آخر بأن يعرفه من وجوه لا يعرفها هو ، وبأن يكون ما يعرفه به ، أثبت مما يعرفه به الآخر .

ثم قال تعالى {فقد جاءكم بينة من ربكم} أي : حجة واضحة ، ودلالة ظاهرة ، وهو القرآن {وهدى} يهتدي به الخلق إلى النعيم المقيم ، والثواب العظيم {ورحمة} أي : نعمة لمن اتبعه ، وعمل به {فمن أظلم} لنفسه {ممن كذب بآيات الله وصدف عنها} أي : أعرض عنها ، غير مستدل بها ، ولا مفكر فيها ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، وقتادة {سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب} أي : شدة العذاب ، وهو ما أعده الله للكفار نعوذ بالله منه {بما كانوا يصدفون} أي : جزاء بما كانوا يصدفون عن القرآن ، ومن أتى به ، وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

وفي هذا دلالة على أن إنزال القرآن لطف للمكلفين ، وأنه لو لم ينزله ، لكان لهم الحجة ، وإذا كان في منع اللطف عذر وحجة للمكلف ، فمنع القدرة ، وخلق الكفر ، أولى بذلك . فإن قيل : فهل للذين ماتوا من قبل من خوطب بقوله {ان تقولوا} حجة وعذر؟ قيل له : إن عذر أولئك كان مقطوعا بالعقل ، وبما تقدم من الأخبار والكتب ، وهؤلاء أيضا لو لم يأتهم الكتاب والرسول ، لم يكن لهم حجة ، لكن الله تعالى لما علم أن المصلحة تعلقت بذلك فعله ، ولو علم مثل ذلك فيمن تقدم لأنزل عليهم مثل ما أنزل على هؤلاء ، وإذا لم ينزل عليهم ، علمنا أن ذلك لم يكن من مصالحهم .

______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 196-200 .

2 . حانت : قربت . الفلج اسم بلد قريب البصرة .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{ ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ } حار المفسرون في ثم لأن الحديث في الآيات السابقة كان عن القرآن ، وهذه الآية تحدثت عن التوراة ، وقد نزلت قبل القرآن ، وثم تدل على التراخي وتأخير ما بعدها عما قبلها زمانا ، فكيف يعطف المتقدم على المتأخر في الزمان ؟ . وذكر الرازي لذلك ثلاثة وجوه ، وزاد الطبرسي رابعا . . ونحن لا نرى مسوغا للإطالة في ذلك ، لأن الترتيب هنا في القول ، لا في الزمان ، والعطف من باب عطف خبر على خبر ، لا من باب عطف معنى على معنى .

{ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ } تماما بمعنى متمم ، وعلى هنا بمعنى اللام ، كما هي في قوله تعالى : ولِتُكَبِّرُوا اللَّهً عَلى ما هَداكُمْ أي لهدايتكم كما في مغني ابن هشام ، والمعنى آتينا موسى الكتاب ، وهو يتمم نقص الذي أحسن الانتفاع به ، كقوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة - 3] . { وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ } هذه صفة ثانية لكتاب موسى ( عليه السلام ) وانه يشتمل على جميع الأحكام التي يحتاج إليها ناس ذاك العصر . قال تعالى : وكَتَبْنا لَهُ - أي لموسى – {فِي الأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف - 144] . { هُدىً ورَحْمَةً } وصفان آخران لكتاب موسى . وبالهدى يعرف الناس الحق والخير ، وبالرحمة يحيون حياة طيبة هادئة { لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } ضمير يؤمنون يعود إلى بني إسرائيل والمعنى آتينا موسى كتابا جامعا لكل ما ذكرنا من أوصاف ، كي يؤمن قومه باللَّه وثوابه وعقابه ، ولكنهم أصروا على العناد ، وقالوا فيما قالوا : {يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهً جَهْرَةً} [البقرة - 55] . وعلى فرض أن يروا اللَّه جهرة - وفرض المحال ليس بمحال - فإنهم يقولون : ما هذا بإله ، لأنه ليس جنيها ولا دولارا .

{ وهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ } هذا إشارة إلى القرآن الكريم ، وهو مبارك لأنه كثير الخير والنفع { فَاتَّبِعُوهُ واتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } اتبعوا ما أمركم به ، واتقوا ما نهاكم عنه ، كي تشملكم رحمته دنيا وآخرة .

{ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ } . الخطاب في أن تقولوا موجه لمشركي العرب ، والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل ، وبطائفتين أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى ، وضمير دراستهم يعود إلى أهل الكتاب ، والمعنى يا معشر العرب لقد أنزلنا القرآن بلسانكم ، وعلى رجل منكم وفيكم ، لئلا تعتذروا عن شرككم بأنه لم ينزل كتاب من السماء بلسانكم ، وإنما نزل على اليهود والنصارى ، ونحن كنا غافلين عن دراسة كتابهم وتعاليمه لا ندري ما فيه ، لأن لسانهم غير لساننا .

{ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ } . في الآية السابقة قال تعالى لمشركي العرب : أنزلنا القرآن بلسان عربي مبين لئلا تقولوا غدا : ان التوراة والإنجيل نزلا بلغة كنا عنها غافلين ، لا نعرف شيئا منها ، وفي هذه الآية قال لهم : أو تقولوا يا معشر العرب : لو نزل الكتاب علينا وبلغتنا لكنا أهدى وأسبق من اليهود والنصارى إلى الإيمان . وبالاختصار ان هذه الآية والتي قبلها أشبه بقول القائل : ان فلانا يملك ثروة كبرى ، وأنا لا أملك شيئا ، ولو ملكت لفعلت كذا وكيت . فرد اللَّه عليهم بجواب قاطع لكل عذر : { فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وهُدىً ورَحْمَةٌ } والمراد بالبينة القرآن ، وفيه الدلائل والبينات على صدق محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وفيه أيضا الأحكام والتعاليم التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور .

{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وصَدَفَ عَنْها } أبدا لا أحد أشد لؤما وظلما لنفسه وللناس ممن كفر بالحق والخير ، وسعى في الأرض فسادا بصده عن سبيل اللَّه {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ} صدف عن الشيء أعرض عنه ، وآيات اللَّه حججه ودلائله ، والمعنى انه جل ثناؤه أقام البرهان القاطع على وحدانيته وعلى نبوة محمد وصدق ما جاء به من ربه ، ولكن المشركين أعرضوا وأبوا أن يتدبروا تلك الحجج عنادا منهم للحق وأهله ، فاستحقوا بذلك الخزي والعذاب الأليم .

____________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 286-288 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} إلى آخر الآية ، لما كان ما ذكره ووصى به من كليات الشرائع تكاليف مشرعة عامة لجميع ما أوتي الأنبياء من الدين ، وهي أمور كلية مجملة صحح ذلك الالتفات إلى بيان أنه تعالى بعد ما شرعها للجميع إجمالا فصلها حيث اقتضت تفصيلها لموسى عليه السلام أولا فيما أنزل عليه من الكتاب ، وللنبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ثانيا فيما أنزله عليه من كتاب مبارك فقال تعالى : {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} إلخ .

فمعنى الآية : أنا بعد ما شرعنا من إجمال الشرائع الدينية آتينا موسى الكتاب تماما تتم به نقيصة من أحسن منهم من حيث الشرع الإجمالي وتفصيلا يفصل به كل شيء من فروع هذه الشرائع الإجمالية مما يحتاج إليه بنو إسرائيل وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون . هذا هو الذي يعطيه سياق الآية المتصل بسياق الآيات الثلاث السابقة .

فقوله : {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} رجوع إلى السياق السابق الذي قبل قوله : {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآيات ، وهو خطاب الله لنبيه صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله بصيغة المتكلم مع الغير ، وقد أفيد بالتأخير المستفاد من لفظة {ثُمَ} أن هذا الكتاب إنما أنزل ليكون تماما وتفصيلا للإجمال الذي في تلك الشرائع العامة الكلية .

وقد وجه المفسرون قوله : {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} بوجوه غريبة :

منها : أن في الكلام حذفا والتقدير : ثم قل يا محمد آتينا موسى الكتاب .

ومنها : أن التقدير : ثم أخبركم أن موسى أعطي الكتاب .

ومنها : أن التقدير : ثم أتل عليكم : آتينا موسى الكتاب .

ومنها : أنه متصل بقوله في قصة إبراهيم : {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ} والنظم :

{ووهبنا له إسحاق ويعقوب ثم آتينا موسى الكتاب} .

والذي دعاهم إلى هذه التكلفات أن التوراة قبل القرآن ولفظة {ثُمَ} تقتضي التراخي ولازمه نزول التوراة بعد القرآن وقد قيل قبل ذلك : {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} . وما تقدم من البيان يكفيك مئونة هذه الوجوه .

وقوله : {تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} يبين أن إنزال الكتاب لتتم به نقيصة الذين أحسنوا من بني إسرائيل في العمل بهذه الشرائع الكلية العامة ، وقد قال تعالى في قصة موسى بعد نزول الكتاب : {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها} [الأعراف : 145] وقال : {وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة : 58] وعلى هذا فالموصول في قوله : {عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} يفيد الجنس .

وقد ذكروا في معنى الجملة وجوها أخرى فقيل : المعنى : تماما على إحسان موسى بالنبوة والكرامة ، وقيل : المعنى : إتماما للنعمة على الذين أحسنوا من المؤمنين ، وقيل : المعنى : إتماما للنعمة على الأنبياء الذين أحسنوا ، وقيل : المعنى : تماما لكرامته في الجنة على إحسانه في الدنيا ، وقيل : المعنى تماما على الذي أحسن الله إلى موسى من الكرامة بالنبوة وغيرها ، وقيل : إنه متصل بقصة إبراهيم والمعنى : تماما للنعمة على إبراهيم . وضعف الجميع ظاهر .

وقوله : {وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} أي مما يحتاج إليه بنو إسرائيل أو ينتفع به غيرهم ممن بعدهم ، وهدى يهتدي به ورحمة ينعمون بها . وقوله : {لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} فيه إشارة إلى أن بني إسرائيل كانوا يتثاقلون أو يستنكفون عن الإيمان بلقاء الله واليوم الآخر ، ومما يؤيده أن التوراة الحاضرة التي يذكر القرآن أنها محرفة لا يوجد فيها ذكر من البعث يوم القيامة ، وقد ذكر بعض المورخين منهم أن شعب إسرائيل ما كانت تعتقد المعاد .

قوله تعالى : {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ} إلى آخر الآية ، أي وهذا كتاب مبارك يشارك كتاب موسى فيما ذكرناه من الخصيصة فاتبعوه {إلخ} .

قوله تعالى : {أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا} إلخ ، {أَنْ تَقُولُوا} معناه كراهة أن تقولوا ، أو لئلا تقولوا ، وهو شائع في الكلام ، وهو متعلق بقوله في الآية السابقة : {أَنْزَلْناهُ} .

وقوله : {طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا} يراد به اليهود والنصارى أنزل عليهما التوراة والإنجيل ، وأما كتب الأنبياء النازلة قبلهما مما يذكره القرآن مثل كتاب نوح وكتاب إبراهيم عليه السلام فلم يكن فيها تفصيل الشرائع وإن اشتملت على أصلها ، وأما سائر ما ينسب إلى الأنبياء عليهم‌ السلام من الكتب كزبور داود عليه السلام وغيره فلم تكن فيها شرائع ولا لهم بها عهد .

والمعنى أنا أنزلنا القرآن كراهة أن تقولوا : إن الكتاب الإلهي المفصل لشرائعه إنما أنزل على طائفتين من قبلنا هم اليهود والنصارى وإنا كنا غافلين عن دراستهم وتلاوتهم ، ولا بأس علينا مع الغفلة .

قوله تعالى : {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ} إلى آخر الآية أي من الذين أنزل إليهم الكتاب قبلنا ، وقوله : {فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} تفريع لقوليه : {أَنْ تَقُولُوا} {أَوْ تَقُولُوا} جميعا ، وقد بدل الكتاب من البينة ليدل به على ظهور حجته ووضوح دلالته بحيث لا يبقى عذر لمعتذر ولا علة لمتعلل ، والصدف الإعراض ومعنى الآية ظاهر .

___________________________

1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 323-325 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

رد حاسم على المتحججين والمتعلّلين :

في الآيات السابقة دار الحديث عن عشرة من أحكام الإسلام الأساسية التي تشكّل ـ في الحقيقة ـ أساسا وقاعدة للكثير من الأحكام الإسلامية ، ويستفاد من قوله تعالى : {أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} ونظائره ، أنّ هذه الأحكام لم تكن مختصّة بدين معنين أو شريعة خاصّة ، خاصّة وأنّها من الأصول والمبادئ التي يحكم بها العقل ويؤيّدها من دون تلكؤ أو تأخير ، وبهذا يكون مضمون الآيات السابقة هو بيان الأحكام التي لم تكن مختصّة بالإسلام ، بل هي موجودة ومقررة في جميع الأديان .

ثمّ قال عقيب ذلك في هذه الآيات : {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} فقد أتممنا نعمتنا على المحسنين والذين سلّموا لأمره واتبعوه .

وممّا قيل يتّضح معنى كلمة «ثمّ» تستعمل في اللغة العربية عادة في «العطف مع التراخي» ويكون معنى الآية هو : أنّنا آتينا هذه التعاليم والوصايا العامّة للأنبياء السابقين أوّلا ، ثمّ آتينا موسى كتابا سماويا وبيّنا فيه هذه التعاليم والبرامج وغيرها من التعاليم والبرامج اللازمة .

وبهذا لا حاجة إلى ما ذهب إليه بعض المفسّرين من التوجيهات المختلفة ، والضعيفة أحيانا في هذا المجال .

كما تتّضح هذه النقطة أيضا ، وهي أنّ عبارة : {الَّذِي أَحْسَنَ} إشارة إلى جميع المحسنين ، والذين يستجيبون للحق ، ويقبلون بالأوامر الإلهية .

{وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} فإن فيه كلّ شيء ممّا يحتاج إليه المجتمع ، وممّا له أثر في تكامل الإنسان وتر شيده .

{وَهُدىً وَرَحْمَةً} أي أنّ في هذا الكتاب الذي نزل على موسى مضافا إلى ما سبق : هدى ورحمة .

إنّ جميع هذه البرامج ، ما هي إلّا لكي يؤمنوا بيوم القيامة ، وبلقاء الله ، ولكي يطهّروا عن طريق الإيمان بالمعاد أفكارهم ، وأقوالهم ، وأعمالهم ويزكوها : {لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} .

هذا ، ويمكن أن يقال : إذا كانت شريعة موسى شريعة كاملة (كما يستفاد من كلمة «تماما») فما الحاجة إلى شريعة عيسى ، وإلى الشريعة الإسلامية ؟

ولكن يجب أن يعلم أنّ كلّ شريعة من الشرائع إنّما تكون شريعة جامعة وكاملة بالنسبة لعصرها ، ومن المستحيل أن تنزل شريعة ناقصة من جانب الله تعالى .

بيد أنّ هذه الشريعة التي تكون كاملة بالنسبة إلى عصر معيّن يمكن أن تكون ناقصة غير كاملة بالنسبة إلى العصور اللاحقة ، كما أنّ البرنامج الكامل الجامع المعدّ لمرحلة الدراسة الابتدائية ، يكون برنامجا ناقصا بالنسبة إلى مرحلة الدراسة المتوّسطة ، وهذا هو السرّ في إرسال الأنبياء المتعددين بالكتب السماويّة المختلفة المتنوعة حتى ينتهي الأمر إلى آخر الأنبياء وآخر التعاليم .

نعم إذ تهيّأ البشر لتلقّي التعاليم النهائية ، وصدرت إليهم تلك التعاليم والأوامر ، لم يبق حاجة ـ بعد ذلك ـ إلى دين جديد ، وكان شأنهم حينئذ شأن المتخّرجين الذين يمكنهم بما عندهم من معلومات الحصول على نجاحات علمية عن طريق المطالعة والتأمل .

إن أتباع مثل هذه الشريعة ، ومثل هذا الدين (النهائي) لن يحتاجوا إلى دين جديد ، وإنّما يكتسبون طاقة حركتهم وتقدمهم من نفس ذلك الدين الإلهي .

كما أنّه يستفاد من هذه الآية أيضا أنّ القضايا المرتبطة بالقيامة قد وردت في التّوراة الأصلية بالقدر الكافي . وإذا لم نلاحظ اشارة إلى قضايا الحشر والمعاد في التّوراة الفعلية والكتب الحاضرة المرتبطة بها إلّا نادرا ، فالظاهر أنّ ذلك بسبب تحريف اليهود وأصحاب الدنيا الذين كانوا يرغبون في قلّة التحدّث في القيامة وقلّة السماع عنها .

على أنّه قد وردت في التّوراة الفعلية مع ذلك إشارات عابرة ومختصرة إلى مسألة القيامة ، ولكنّها قليلة إلى درجة دفع بالبعض إلى القول : إنّ اليهود لا يعتقدون بالمعاد والقيامة أساسا ، ولكن هذا الكلام أشبه بالمبالغة من الواقع والحقيقة .

كما أنّه يجب أيضا أن نلفت نظر القارئ إلى أنّ المراد من إلقاء الله الذي ورد في الآيات القرآنية ليس هو اللقاء الحسي والرؤية البصرية ، بل المراد هو نوع من الشهود الباطني ، واللقاء الروحاني ، الذي يتحقق في يوم القيامة على أثر التكامل الإنساني الحاصل للأشخاص ، أو المقصود منه هو : مشاهدة الثواب والعقاب في العالم الآخر .

الآية اللاحقة تشير إلى نزول القرآن وتعليماته القيمة ، وبذلك أكملت البحث المطروح في الآية السابقة ، يقول تعالى : {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ} فهذا الكتاب الذي أنزلناه كتاب عظيم الفائدة ، عظيم البركة ، وهو المنبع لكلّ أنواع الخير والبركة .

ولمّا كان الأمر كذلك وجب اتباعه بصورة كاملة ، ووجب التزود بالتقوى ، والتجنب عن مخالفته ، لتشملكم رحمة الله ولطفه {فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .

وفي الآية الثالثة أبطل سبحانه جميع المعاذير والتحججات وسدّ جميع طرق التملّص والفرار في وجه المشركين ، فقال لهم أوّلا : لقد أنزلنا هذا الكتاب مع هذه المميزات لكي لا تقولوا : لقد نزلت الكتب السماوية على الطائفتين السابقتين (اليهود والنصارى) وكنّا عن دراستها غافلين ، وليس تمرّدنا على أوامر الله لكونها موجودة عند غيرنا من الأمم ، ولم يبلغنا منها شيء : {أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا ، وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ} (2) .

ثمّ إنّه سبحانه ينقل عنهم ـ في الآية اللاحقة ـ نفس ذلك التحجج ولكن بصورة أوسع ، ومقرونا هذه المرّة بنوع أشدّ من الغرور والصّلف وهو : أنّ القرآن الكريم لو لم ينزل عليهم لكان من الممكن أن يدّعوا أنّهم كانوا أكثر استعدادا من أية أمّة أخرى لقبول الأمر الإلهي : {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ} .

والآية المتقدّمة كانت تعكس ـ في الحقيقة ـ هذا التحجج وهو : أنّ عدم اهتدائنا إنّما هو بسبب غفلتنا وجهلنا بالكتب السماوية ، وهذه الغفلة وهذا الجهل ناشئ عن أنّ هذه الكتب نزلت على الآخرين ، ولم تنزل علينا .

أمّا هذه الآية فتعكس صفة الإحساس بالتفوق والادّعاء الفارغ الذي كانوا يدّعونه عن تفوّق العنصر العربيّ على غيرهم .

وقد نقل نظير هذا المعنى في سورة فاطر في الآية (42) عن مقالة المشركين في شكل مسألة قاطعة وليس من باب القضية الشرطية وذلك عند ما يقول : {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً} .

وعلى أية حال فإنّ القرآن يقول في معرض الرّد على هذه الادعاءات أن الله سبحانه سدّ عليكم كل سبل التملص والفرار ، وأبطل جميع الذرائع والمعاذير ، لأنّ الله آتاكم كل الآيات ، وأقام كل الحجج المقرونة بالهداية الإلهية وبالرحمة الربانية لكم : {فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} .

والملفت للنظر أنّه استعمل لفظ «البينة» بدل الكتاب السماوي ، وهو إشارة إلى أنّ هذا الكتاب السماوي واضح المعالم ، بيّن الحقائق من جميع الجهات ، ومقرون بالدلائل القاطعة ، والبراهين الساطعة اللامعة .

ومع ذلك {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها} .

و «صدف» من «الصدف» ويعني الإعراض الشديد ـ من دون تفكير ـ عن شيء ، وهو إشارة إلى أنّهم لم يكونوا ليعرضوا عن آيات الله فحسب ، بل كانوا يبتعدون عنها ـ أيضا ـ من دون أن يفكروا فيها أدنى تفكير . ربّما استعملت هذه اللفظة بمعنى آخر وهو منع الآخرين أيضا .

وفي خاتمة هذه الآية بيّن الله تعالى العقاب الأليم الذي أعدّ لهؤلاء المخاصمين المعاندين الذين يرفضون الحقائق وينكرونها من دون أن يفكروا فيها ويدرسوها ولو قليلا ، بل ولا يكتفون برفضها إنما يعمدون إلى صدّ الآخرين عنها ، ويحولون بينهم وبين سماعها واستيعابها ، بيّن كلّ ذلك في قوله الموجز والبليغ : {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ} .

و «سوء العذاب» وإن كان بمعنى العذاب السيء ، ولكن حيث أن العذاب السيّء عقاب شديد وموجع للغاية في حدّ نفسه ، لذلك فسّره بعض المفسّرين بالعقاب الشديد .

ثمّ إنّ تكرار لفظة «يصدفون» عند بيان جزاء الصادفين عن آيات الله لأجل توضيح هذه الحقيقة ، وهي أنّ جميع البلايا والمحن التي تصيب هذا الفريق ناشئة من كونهم يعرضون عن الحقائق من دون أدنى تفكير ودراسة ، ولو أنّهم سمحوا لأنفسهم بالتفكير والدراسة ـ كباحث عن الحقيقة وشاك يطلب اليقين ـ لما أصيبوا بمثل هذه العواقب الأليمة والمصير المؤلم .

___________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 263-267 .

2. «أن تقولوا» معناه «لئلّا تقولوا» ونظير ذلك كثير في لغة العرب .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .