المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

البوليمرات الناقلة للشحنة charge transfer polymers
2024-05-09
Put the Kettle On
2-10-2016
الادوية البيطرية المستخدمة للدواجن
1-10-2018
الاسقاطات السكانية
10-10-2021
السر في تكرار النفي في الآية الأخيرة من سورة الفاتحة
2023-06-07
لماذا اهل الذكر هم اهل البيت؟
27-8-2019


تفسير الاية (29-32) من سورة الاحقاف  
  
1096   01:00 صباحاً   التاريخ: 12-5-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأحقاف /


قال تعالى : {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [الأحقاف : 29 - 32] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

بين سبحانه أن في الجن مؤمنين وكافرين كما في الإنس فقال {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} معناه واذكر يا محمد إذ وجهنا إليك جماعة من الجن تستمع القرآن وقيل معناه صرفناهم إليك عن بلادهم بالتوفيق والألطاف حتى أتوك وقيل صرفناهم إليك عن استراق السمع من السماء برجوم الشهب ولم يكونوا بعد عيسى قد صرفوا عنه فقالوا ما هذا الذي حدث في السماء إلا من أجل شيء قد حدث في الأرض فضربوا في الأرض حتى وقفوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ببطن نخلة عامدا إلى عكاظ وهو يصلي الفجر فاستمعوا القرآن ونظروا كيف يصلي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعلى هذا فيكون الرمي بالشهب لطفا للجن .

 {فلما حضروه} أي حضروا القرآن أو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) {قالوا أنصتوا} أي قال بعضهم لبعض اسكتوا لنستمع إلى قراءته فلا يحول بيننا وبين القرآن (2) شيء {فلما قضى} أي فرغ من تلاوته {ولوا إلى قومهم} أي انصرفوا إلى قومهم {منذرين} أي محذرين إياهم عذاب الله إن لم يؤمنوا {قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى} يعنون القرآن {مصدقا لما بين يديه} أي لما تقدمه من الكتب {يهدي إلى الحق} أي يرشد إلى دين الحق ويدل عليه ويدعو إليه {وإلى طريق مستقيم} يؤدي بسالكه إلى الجنة .

[ القصة ]

عن الزهري قال لما توفي أبوطالب (عليه السلام) اشتد البلاء على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فعمد ليقف بالطائف رجاء أن يأووه فوجد ثلاثة نفر منهم هم سادة وهم إخوة عبد ياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو فعرض عليهم نفسه فقال أحدهم أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط وقال الآخر أعجز على الله أن يرسل غيرك وقال الآخر والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدا فلئن كنت رسولا كما تقول فأنت أعظم خطرا من أن يرد عليك الكلام وإن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك بعد وتهزئوا به وأفشوا في قومه ما راجعوه به فقعدوا له صفين على طريقه فلما مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين صفيهم جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه فخلص منهم وهما يسيلان دما إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل نخلة منه وهو مكروب موجع تسيل رجلاه دما فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداس معه عنب وهو نصراني من أهل نينوى فلما جاءه قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أي أرض أنت قال من أهل نينوى قال من مدينة العبد الصالح يونس بن متى فقال له عداس وما يدريك من يونس بن متى قال أنا رسول الله والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى فلما أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس خر عداس ساجدا لله ولرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء .

 فلما بصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا فلما أتاهما قالا ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه ولم نرك فعلت ذلك بأحد منا قال هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى فضحكا وقالا لا يفتننك عن نصرانيتك فإنه رجل خداع فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى مكة حتى إذا كان بنخلة قام في جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن أهل نصيبين وقيل من اليمن فوجدوه يصلي صلاة الغداة ويتلو القرآن فاستمعوا له وهذا معنى قول سعيد بن جبير وجماعة وقال آخرون أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله ويقرأ عليهم القرآن فصرف الله إليه نفرا من الجن من نينوى فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فأيكم يتبعني فاتبعه عبد الله بن مسعود قال عبد الله ولم يحضر معه أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة ودخل نبي الله شعبا يقال له شعب الحجون وخط لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه وقال لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حتى حالت بيني وبينه حتى لم أسمع صوته ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي منهم رهط وفرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع الفجر فانطلق فرز ثم قال هل رأيت شيئا فقلت نعم رأيت رجالا سودا مستثفري (3) ثياب بيض قال أولئك جن نصيبين .

 وروى علقمة عن عبد الله قال لم أكن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة الجن ووددت أني كنت معه وروي عن ابن عباس أنهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين فجعلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) رسلا إلى قومهم قال زر بن حبيش كانوا تسعة نفر منهم زوبعة وروى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال لما قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الرحمن على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الجن كانوا أحسن جوابا منكم لما قرأت عليهم فبأي آلاء ربكم تكذبان قالوا لا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب .

ثم بين سبحانه تمام خبر الجن فقال حاكيا عنهم {يا قومنا أجيبوا داعي الله} يعنون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ دعاهم إلى توحيده وخلع الأنداد دونه {وآمنوا به} أي بالله {يغفر لكم من ذنوبكم} أي فإنكم إن آمنتم بالله ورسوله يغفر لكم ذنوبكم {ويجركم} أي ويخلصكم {من عذاب أليم} قال علي بن إبراهيم فجاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ف آمنوا به وعلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) شرائع الإسلام وأنزل الله سبحانه قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن إلى آخر السورة وكانوا يفرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في كل وقت وفي هذا دلالة على أنه كان مبعوثا إلى الجن كما كان مبعوثا إلى الإنس ولم يبعث الله نبيا إلى الإنس والجن قبله .

 {ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض} أي لا يعجز الله فيسبقه ويفوته {وليس له من دونه أولياء} أي أنصار يمنعونه من الله ويدفعون عنه العذاب إذا نزل بهم ويجوز أن يكون هذا من كلام الله تعالى ابتداء ثم قال {أولئك} يعني الذين لا يجيبون داعي الله {في ضلال مبين} أي عدول عن الحق ظاهر .

____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص153-157 .

2- وفي نسختين : (الاستماع) بدل (القران) .

3- الاستثفار : هو ان يدخل الرجل ثوبه بين رجليه ، كما يفعل الكلب بذنبه .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

{ وإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} . من وظيفة العقل ان يحكم بإمكان وجود الشيء أو امتناعه ، فإذا حكم بإمكانه وعدم امتناعه لجأنا للتثبت من وجوده في الخارج إلى وسائل الإثبات التي تتفق وطبيعة الشيء الذي نريد إثباته ، فإن كان من الأمور الحسية فعلينا أن نثبته بالحس والتجربة ، وان كان من الأمور العقلية فالطريق إلى التعرف على وجوده هو العقل ، وان كان من الأمور الغيبية - غير وجود الإله - فلا طريق إلى معرفته إلا الوحي ، فإذا أنزل وجب التعبد به . . . وليس من شك ان العقل لا يأبى وجود كائنات غيبية - أي غائبة عنا تباين ما عرفناه وألفناه من المخلوقات ، بل نحن على يقين ان ما نجهل من الكائنات أكثر مما نعلم ، من ذلك وجود الجن ، فقد ذكرهم سبحانه في العديد من آياته ، منها قوله تعالى حكاية عنهم : {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } [الجن : 11] . وقد دفع اللَّه بنفر من هؤلاء الصالحين إلى الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله ) ، واستمعوا إليه وهو يتلو القرآن ، فقال بعضهم لبعض : اسكتوا وتدبروا معانيه ، فسكتوا وأصغوا بإمعان ، ورأوا فيه الهدى والنور فآمنوا به وبمحمد ( صلى الله عليه واله ) ، ولما فرغ الرسول من التلاوة سارعوا إلى قومهم منذرين ومبشرين بالإسلام .

{قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} . قالوا لقومهم : سمعنا كتابا من محمد ( صلى الله عليه واله ) يشبه الكتاب الذي أنزله اللَّه على موسى ، وهو مصدق لما جاء به الأنبياء من الدعوة إلى الايمان بالتوحيد والبعث ، وأيضا هو يرشد إلى الصواب وعمل الخير : {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن : 1 ، 2] .

ونحن إذا لم نر الجن الذين تأثروا بالقرآن وآمنوا به فقد سمعنا ورأينا الكثير من العلماء والعقلاء تأثروا بكلمات القرآن بمجرد الاستماع إليها ، وآمنوا ايمانا لا يشوبه ريب انه من لدن حكيم عليم .

{يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ويُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ } . استجيبوا إلى دعوة الحق ، واتبعوا الداعي إليها يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم في رحمته ، وينجكم من غضبه وعذابه {ومَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ ولَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ } . أبدا لا مهرب من اللَّه إلا إليه ، ولا نجاة من عذابه إلا بالإخلاص والعمل الصالح {أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } .

أولئك إشارة إلى الذين لم يستجيبوا لداعي اللَّه . . . ومن لم يستجب له فقد نكب عن طريق الحق والرشاد .

____________________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص54-55 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

هذه هي القصة الثانية عقبت بها قصة عاد ليعتبر بها قومه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن اعتبروا ، وفيه تقريع للقوم حيث كفروا به (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكتابه النازل على لغتهم وهم يعلمون أنها آية معجزة وهم مع ذلك يماثلونه في النوعية البشرية وقد آمن الجن بالقرآن إذ استمعوا إليه ورجعوا إلى قومهم منذرين .

قوله تعالى : {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} إلى آخر الآية الصرف رد الشيء من حالة إلى حالة أومن مكان إلى مكان ، والنفر - على ما ذكره الراغب - عدة من الرجال يمكنهم النفر وهو اسم جمع يطلق على ما فوق الثلاثة من الرجال والنساء والإنسان وعلى الجن كما في الآية و{يستمعون القرآن} صفة نفر ، والمعنى : واذكر إذ وجهنا إليك عدة من الجن يستمعون القرآن .

وقوله : {فلما حضروه قالوا أنصتوا} ضمير {حضروه} للقرآن بما يلمح إليه من المعنى الحدثي والإنصات السكوت للاستماع أي فلما حضروا قراءة القرآن وتلاوته قالوا أي بعضهم لبعض : اسكتوا حتى نستمع حق الاستماع .

وقوله : {فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين} ضمير {قضى} للقرآن باعتبار قراءته وتلاوته ، والتولية الانصراف و{منذرين{ حال من ضمير الجمع في {ولوا{ أي فلما أتمت القراءة وفرغ منها انصرفوا إلى قومهم حال كونهم منذرين مخوفين لهم من عذاب الله .

قوله تعالى : {قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه} إلخ ، حكاية دعوتهم قومهم وإنذارهم لهم ، والمراد بالكتاب النازل بعد موسى القرآن ، وفي الكلام إشعار بل دلالة على كونهم مؤمنين بموسى (عليه السلام) وكتابه ، والمراد بتصديق القرآن لما بين يديه تصديقه التوراة أو جميع الكتب السماوية السابقة .

وقوله : {يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم} أي يهدي من اتبعه إلى صراط الحق وإلى طريق مستقيم لا يضل سالكوه عن الحق في الاعتقاد والعمل .

قوله تعالى : {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم{ المراد بداعي الله هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } [يوسف : 108] ، وقيل : المراد به ما سمعوه من القرآن وهو بعيد .

والظاهر أن {من} في {يغفر لكم من ذنوبكم} للتبعيض ، والمراد مغفرة بعض الذنوب وهي التي اكتسبوها قبل الإيمان ، قال تعالى : {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال : 38] .

وقيل : المراد بهذا البعض حقوق الله سبحانه فإنها مغفورة بالتوبة والإيمان توبة وأما حقوق الناس فإنها غير مغفورة بالتوبة ، ورد بأن الإسلام يجب ما قبله .

قوله تعالى : {ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء} إلخ ، أي ومن لم يؤمن بداعي الله فليس بمعجز لله في الأرض برد دعوته وليس له من دون الله أولياء ينصرونه ويمدونه في ذلك ، والمحصل : أن من لم يجب داعي الله في دعوته فإنما ظلم نفسه وليس له أن يعجز الله بذلك لا مستقلا ولا بنصرة من ينصره من الأولياء فليس له أولياء من دون الله ، ولذلك أتم الكلام بقوله : {أولئك في ضلال مبين} .

___________________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص 177-178 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

إيمان طائفة من الجن :

جاء في هذه الآيات ـ وكما أُشير في سبب النّزول ـ بحث مختصر حول إيمان طائفة من الجن بنبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتابه السماوي ، لتوضح لمشركي مكّة حقيقة ، هي : كيف تؤمن طائفة من الجن البعيدين ـ ظاهراً ـ بهذا النبي الذي هومن الإنس ، وبعث من بين أظهركم ، وأنتم تصرون على الكفر ، وتستمرون في عنادكم ومخالفتكم؟

وسيكون لنا بحث مفصل حول (الجن) وخصوصياته في تفسير سورة الجن إن شاء الله تعالى ، ونتناول هنا تفسير الآيات مورد البحث فقط .

لقد كانت قصة قوم عاد تحذيراً لمشركي مكّة في الحقيقة ، وقصة إيمان طائفة من الجن تحذيراً آخر .

تقول الآية أوّلاً : {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن} .

إنّ التعبير بـ (صرفنا) ـ من مادة صرف ، يعني نقل الشيء وتبديله من حالة إلى اُخرى ـ ولعله إشارة إلى أنّ الجن كانوا يصغون إلى أخبار السماء عن طريق استراق السمع ، ومع ظهور نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) رجعوا إليه واتّجهوا نحو القرآن .

و«النفر» كما يقول الراغب في مفرداته ـ عدّة رجال يمكنهم النفر ، والمشهور بين أرباب اللغة أنّه الجماعة من الثلاثة إلى العشرة ، وأوصلها البعض إلى الأربعين .

ثمّ تضيف الآية : {فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} وذلك حينما كان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلو آيات القرآن في جوف الليل ، أوفي صلاة الصبح .

«انصتوا» من مادة إنصات ، وهو السكوت مع الإستماع و الإنتباه .

وأخيراً أضاء نور الإيمان قلوب هؤلاء ، فلمسوا في أعماقهم كون آيات القرآن حقاً ، ولذلك : {فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين} وهذا دأب المؤمنين دائماً ، في أن يطلعوا الآخرين على الحقائق التي اطلعوا عليها ، ويدلوهم على مصادر إيمانهم ومنابعه الفياضة .

وتبيّن الآية التالية كيفية دعوة هؤلاء قومهم عند عودتهم إليهم ، تلك الدعوة المتناسقة الدقيقة ، الوجيزة والعميقة المعنى : {قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى} .

ومن صفاته أنّا رأيناه يصدق الكتب السماوية السالفة ويتطابق معها في محتواها ، وفيه العلائم الواردة في تلك الكتب : {مصدقاً لما بين يديه} (2) .

وصفته الأُخرى أنّه : {يهدي إلى الحق} بحيث أنّ كلّ من يستند إلى عقله وفطرته يرى آيات حقانيته واضحة جلية .

وآخر صفة أنّه يهدي إلى الرشد : {والى طريق مستقيم} .

إنّ التفاوت بين الدعوة إلى الحق والى الصراط المستقيم ، يكمن ظاهراً في أنّ الأوّل إشارة إلى العقائد الحقة ، والثّاني إلى البرامج العملية المستقيمة الصحيحة .

وجملة : {أنزل من بعد موسى} وجملة : {مصدقاً لما بين يديه} تؤيدان أنّ هذه الطائفة كانوا مؤمنين بالكتب السماوية السابقة ، وخاصة كتاب موسى (عليه السلام) ، وكانوا يبحثون عن الحق .

وإذا رأينا أنّ الكلام لم يرد عن كتاب عيسى الذي أنزل بعد موسى (عليه السلام) ، فليس ذلك بسبب ما روي عن ابن عباس من أنّ الجن لم يكونوا مطلعين على نزول الإنجيل مطلقاً ، إذ أنّ الجن كانوا مطلعين على أخبار السماوات وعالمين بها ، فكيف يمكن أن يغفلوا عن أخبار الأرض إلى هذا الحد ؟ بل بسبب أنّ التوراة كانت هي الكتاب الأساسي ، فحتى المسيحيون كانوا قد أخذوا ويأخذون أحكام شريعتهم عنها .

ثمّ أضافوا : {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به} إذ ستمنحون حينها مكافأتين عظيمتين : {يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} (3) .

المراد من : (داعي الله) نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان يرشدهم إلى الله سبحانه ، ولما كان أغلب خوف الإنسان واضطرابه من الذنوب وعذاب القيامة الأليم ، فقد ذكروا لهم الأمن تجاه هذين الأمرين ، ليلفت انتباههم قبل كلّ شيء .

واعتبر جمع من المفسّرين كلمة (من) في {من ذنوبكم} زائدة ، ليكون ذلك تأكيداً على غفران جميع الذنوب في ظل الإيمان . في حين اعتبرها البعض تبعيضية ، وأنّها إشارة إلى تلك الذنوب التي اقترفوها قبل إيمانهم ، أو الذنوب التي تتعلق بالله سبحانه ، لا بحق الناس .

غير أنّ الأنسب هو كون (من) زائدة وللتأكيد ، والآية الشريفة تشمل كلّ الذنوب .

وتذكر الآية الأخيرة ـ من هذه الآيات ـ كلام مبلغي الجن ، فتقول : {ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء} ينصرونه من عذاب الله ، ولذلك فإنّ : {أُولئك في ضلال مبين} .

أي ضلال أشد وأسوأ وأجلى من أن يهبّ الإنسان إلى محاربة الحق ونبيّ الله ، بل حتى إلى محاربة الله الذي لا ملجأ له سواه في كلّ عالم الوجود ، ولا يستطيع الإنسان أن يفر من حكومته إلى مكان آخر ؟!

وقد قلنا مراراً : إنّ (معجز) ـ أو سائر مشتقات هذه الكلمة ـ تعني في مثل هذه الموارد العجز عن المطاردة والتعقيب والمجازاة ، وبتعبير آخر : الفرار من قبضة العقاب .

وعبارة {في الأرض} إشارة إلى أنّكم حيثما تذهبون في الأرض فإنّه ملك الله وسلطانه ، ولا يمكن أن تكونوا خارج حدود قدرته وقبضته ، وإذا كانت الآية لا تتحدث عن السماء ، فلأنّ مكان الإنس والجن هو الأرض على كلّ حال .

________________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص577-580 .

2 ـ لقد أوردنا تفسير هذه الجملة مفصلاً في ذيل الآية 41 من سورة البقرة .

3 ـ «يجركم» من مادة (إجارة) ، وقد وردت بمعان مختلفة : الإغاثة ، الإنقاذ من العذاب الإيواء ، والحفظ .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .