أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-2-2017
10092
التاريخ: 11-5-2017
4070
التاريخ: 1-3-2017
4097
التاريخ: 14-2-2017
3224
|
قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَو أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [البقرة: 234، 235].
لما بين عدة المطلقات بين عدة الوفاة فقال {والذين يتوفون} منكم أي يقبضون ويموتون {ويذرون} أي يتركون {أزواجا} أي نساء {يتربصن بأنفسهن} أي ينتظرن انقضاء العدة ويحبسن أنفسهن عن التزويج معتدات {أربعة أشهر وعشرا} أي وعشر ليال وعشرة أيام وهذه عدة المتوفى عنها زوجها سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها حرة كانت أو أمة فإن كانت حبلى فعدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل أومضي أربعة أشهر وعشر ووافقنا في عدة الأمة الأصم وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقالوا عدتها نصف عدة الحرة شهران وخمسة أيام وإليه ذهب قوم من أصحابنا وقالوا في عدة الحامل أنها بوضع الحمل وإن كان بعد على المغتسل وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وأبي مسعود البدري وأبي هريرة وعندنا أن وضع الحمل يختص عدة المطلقة والذي يجب على المعتدة في عدة الوفاة اجتنابه هو الزينة والكحل بالإثمد وترك النقلة عن المنزل عن ابن عباس والزهري والامتناع من التزوج لا غير عن الحسن وإحدى الروايتين عن ابن عباس وعندنا أن جميع ذلك واجب {فإذا بلغن أجلهن} أي آخر العدة بانقضائها {فلا جناح عليكم} قيل أنه خطاب للأولياء وقيل لجميع المسلمين لأنه يلزمهم منعها عن التزوج في العدة وقيل معناه لا جناح على النساء وعليكم {فيما فعلن في أنفسهن} من النكاح واستعمال الزينة التي لا ينكر مثلها وهذا معنى قوله {بالمعروف} وقيل معنى قوله {بالمعروف} ما يكون جائزا وقيل معناه النكاح الحلال عن مجاهد {والله بما تعلمون خبير} أي عليم وهذه الآية ناسخة لقوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} وإن كانت متقدمة في التلاوة عليه .
وقوله تعالى : {ولا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضتُم بِهِ مِنْ خِطبَةِ النِّساءِ أَو أَكنَنتُمْ فى أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ ستَذْكُرُونَهُنَّ ولَكِن لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِراًّ إِلا أَن تَقُولُوا قَوْلاً مَّعْرُوفاً ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاح حَتى يَبْلُغَ الْكِتَب أَجَلَهُ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فى أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}:
لما تقدم ذكر عدة النساء وجواز الرجعة فيها للأزواج عقبه ببيان حال غير الأزواج فقال {ولا جناح عليكم} أي لا حرج ولا ضيق عليكم يا معشر الرجال {فيما عرضتم به من خطبة النساء} المعتدات ولم تصرحوا به وذلك بأن تذكروا ما يدل على رغبتكم فيها ثم اختلف في معناه فقيل التعريض هو أن يقول الرجل للمعتدة إني أريد النكاح وإني أحب امرأة من صفتها كذا وكذا فيذكر بعض الصفات التي هي عليها عن ابن عباس وقيل هو أن يقول إنك لنافعة وإنك لموافقة لي وإنك لمعجبة جميلة فإن قضى الله شيئا كان عن القاسم بن محمد والشعبي وقيل هو كل ما كان من الكلام دون عقدة النكاح عن ابن زيد .
{أو أكننتم في أنفسكم} أي أسررتم وأضمرتم في أنفسكم من نكاحهن بعد مضي عدتهن وقيل هو إسرار العزم دون إظهاره والتعريض إظهاره عن مجاهد وابن زيد {علم الله أنكم ستذكرونهن} برغبتكم فيهن خوفا منكم أن يسبقكم إليهن غيركم فأباح لكم ذلك {ولكن لا تواعدوهن سرا} فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه لا تواعدوهن في السر لأنها أجنبية والمواعدة في السر تدعو إلى ما لا يحل ( وثانيها ) أن معناه الزنا عن الحسن وإبراهيم وقتادة وقالوا كان الرجل يدخل على المرأة من أجل الزنية وهو معرض للنكاح فنهوا عن ذلك ( وثالثها ) أنه العهد على الامتناع من تزويج غيرك عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
( ورابعها ) هو أن يقول لها إني ناكحك فلا تفوتيني نفسك عن مجاهد ( وخامسها ) أن السر هو الجماع فمعناه لا تصفوا أنفسكم بكثرة الجماع ولا تذكروه عن جماعة .
( وسادسها ) أنه إسرار عقدة النكاح في السر عن عبد الرحمن بن زيد ويجمع هذه الأقوال ما روي عن الصادق أنه قال لا تصرحوا لهن النكاح والتزويج قال ومن السر أن يقول لها موعدك بيت فلان.
{إلا أن تقولوا قولا معروفا} يعني التعريض الذي أباحه الله وإلا بمعنى لكن لأن ما قبله هو المنهي عنه وما بعده هو المأذون فيه وتقديره ولكن قولوا قولا معروفا {ولا تعزموا عقدة النكاح} أي على عقدة النكاح يعني لا تبتوا النكاح ولا تعقدوا عقدة النكاح في العدة ولم يرد به النهي عن العزم على النكاح بعد العدة لأنه أباح ذلك بقوله {أو أكننتم} {حتى يبلغ الكتاب أجله} معناه حتى تنقضي العدة بلا خلاف وقيل الكتاب هو القرآن والمعنى حتى يبلغ فرض الكتاب أي ما فرض في القرآن من العدة والأجل المضروب لها وقيل معناه حتى يبلغ الفرض أجله وعبر بالكتاب عن الفرض كما يقال كتب أي فرض وهذا لأن ما كتب فقد أثبت فقد اجتمعا في معنى الثبوت وقيل أن هذا تشبيه للعدة بالدين المؤجل المكتوب أجله في كتاب فكما يتأخر المطالبة بذلك الدين حتى يبلغ الكتاب أجله كذلك يتأخر خطبة النكاح في العدة إلى انقضاء العدة.
{واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم} من أسراركم وضمائركم {فاحذروه} فاتقوا عقابه ولا تخالفوا أمره {واعلموا أن الله غفور} لعباده {حليم} يمهل العقوبة المستحقة فلا يعجل بها .
______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص117-121.
{ والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ويَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْراً} .
اتفق الفقهاء كافة على ان عدة المتوفى عنها زوجها ، وهي غير حامل ، أربعة أشهر وعشرة أيام ، كبيرة كانت أو صغيرة ، آيسة أو غير آيسة ، دخل بها الزوج أولم يدخل ، واستدلوا على ذلك بهذه الآية .
أما إذا كانت حاملا فقالت المذاهب الأربعة السنية : ان عدتها تنقضي بوضع الحمل ، ولو بعد وفاة الزوج بلحظة ، بحيث يحل لها أن تتزوج ، ولو قبل الدفن ، لقوله تعالى : {وأُولاتُ الأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .
وقال فقهاء الإمامية : ان عدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل ، والأربعة أشهر وعشرة أيام ، فان مضت الأربعة والعشرة قبل الوضع اعتدت بالوضع ، وان وضعت قبل مضي الأربعة والعشرة اعتدت بالأربعة والعشرة ، واستدلوا على ذلك بضرورة الجمع بين آية {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْراً} . وآية {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . فالآية الأولى جعلت العدة أربعة وعشرة ، وهي تشمل الحامل وغير الحامل ، والآية الثانية جعلت عدة الحامل وضع الحمل ، وهي تشمل المطلقة ، ومن توفي عنها الزوج ، فيحصل التنافي بين ظاهر الآيتين في المرأة الحامل التي تضع قبل أربعة أشهر وعشرة أيام ، فبموجب الآية الثانية تنتهي العدة ، لأنها وضعت الحمل ، وبموجب الآية الأولى لا تنتهي ، لأن الأربعة والعشرة لم تنته .
وأيضا يحصل التنافي إذا مضت الأربعة والعشرة ، ولم تضع الحمل ، فبموجب الآية الأولى تنتهي العدة ، لأن مدة الأربعة والعشرة مضت ، وبموجب الآية الثانية لم تنته ، لأنها لم تضع الحمل ، وكلام القرآن واحد يجب أن يلائم بعضه بعضا ، وإذا عطفنا إحدى الآيتين على الأخرى ، وجمعناهما في كلام واحد هكذا {والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ويَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْراً} {وأُولاتُ الأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ، إذا جمعنا الآيتين في كلام واحد يكون المعنى ان عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام لغير الحامل ، وللحامل التي
تضع قبل مضي الأربعة والعشرة ، وتكون عدة الوفاة للحامل التي تضع بعد مضي الأربعة والعشرة وضع الحمل .
وإذا قال قائل : كيف جعل الإمامية عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين من وضع الحمل والأربعة والعشرة مع ان آية : {وأُولاتُ الأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} صريحة بأن الحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل ، إذا قال هذا قائل أجابه الإمامية كيف قالت المذاهب السنية الأربعة : ان عدة الحامل المتوفى عنها زوجها سنتان إذا استمر الحمل طوال هذه المدة - على مذهبهم - مع ان آية {والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ويَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْراً} صريحة بأن العدة أربعة وعشرة ، وإذا قال قائل منهم : عملا بأولات الأحمال قال قائل من الإمامية : عملا بآية والذين يتوفون . . إذن لا مجال للعمل بالآيتين إلا القول بأبعد الأجلين .
{ فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي إذا انقضت عدة الوفاة فلا إثم عليكم أيها المسلمون أن تفعل المرأة ما كان محظورا عليها أيام العدة من التزيّن والتعرض للخطَّاب على الوجه المعروف شرعا وعرفا ، وانما خاطب اللَّه المسلمين المصلحين لأن عليهم من باب النهي عن المنكر أن يمنعوا المرأة إذا تجاوزت الحدود الشرعية .
واتفق الفقهاء قولا واحدا على ان المعتدة عدة وفاة يجب عليها أن تجتنب كل ما يحسنها ، ويرغَّب في النظر إليها ، ويدعو إلى اشتهائها ، وتعيين ذلك يعود إلى أهل العرف .
{ولا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ } . حرم اللَّه سبحانه الزواج أثناء العدة ، أية عدة تكون ، بل حرم على الرجل أن يخطب المرأة صراحة أيام عدتها ، حتى ولو كانت عدة وفاة ، أو عدة الطلاق البائن . .
وأباح سبحانه التلويح بالخطبة ، دون التصريح في غير عدة الطلاق الرجعي ، لأن المطلقة الرجعية لا تزال في عصمة المطلق .
{ أَو أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ } . كل ما يخطر في البال ، ويعزم عليه القلب لا جناح فيه عند اللَّه سبحانه ، لأنه غير مقدور ، وانما المقدور هو الآثار واللواحق ، فإذا عزم الرجل على الزواج من المعتدة فهو غير آثم ، ولكن إذا صرح بعزمه
هذا ، فخطبها أو أبدى لها ما يكنّ صراحة فهو آثم ، لأن العزم غير مقدور ، والتصريح مقدور . . وقد جاء في الحديث : إذا حسدت فلا تبغ ، فنهى عن البغي الذي هو أثر من آثار الحسد ، ولم ينه عن الحسد بالذات ، لأنه غير مقدور .
{ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } في أنفسكم ، ولذا أباح لكم التلويح ، ولو حرم عليكم التلويح والتصريح لشق ذلك عليكم . {ولكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا } .
حتى التلويح بالزواج أثناء العدة الرجعية أو غيرها لا يجوز في الخلوة ، لأن الخلوة بين الرجل والمرأة تجر إلى ما لا يرضي اللَّه ، وفي الحديث ما اختلى رجل وامرأة الا وكان الشيطان ثالثا لهما . . بخاصة إذا كانت مرغوبة لمن اختلى بها . . اللهم الا أن يكون الرجل على يقين بأن الخلوة لا تؤدي به إلى الحرام في القول ، ولا في الفعل ، وعندها يجوز له أن يقول لها في السر ما لا يستنكر عند المهذبين في العلانية ، وإلى هذا الاستثناء أشار سبحانه بقوله : { إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً } .
{ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ } عزما باتا قطعيا ، أولا تنشئوا عقد الزواج {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} بانقضاء العدة .
الزواج في العدة :
وبعد أن اتفق المسلمون جميعا على ان العقد والخطبة الصريحة أثناء العدة من المحرمات ، وان العقد باطل قطعا ، ولا أثر له إطلاقا ، بعد هذا الاتفاق اختلفوا فيما بينهم : هل تحرم المرأة حرمة مؤبدة على من كان قد عقد عليها أثناء العدة ، أو يجوز له ان يستأنف العقد عليها والزواج منها بعد انقضاء العدة ؟ .
قال الحنفية والشافعية : لا مانع من تزويجه بها ثانية . ( بداية المجتهد ) .
وقال الإمامية : إذا عقد عليها ، مع علمه بالعدة والحرمة حرمت عليه مؤبدا ، سواء ادخل أم لم يدخل ، وإذا عقد عليها جاهلا بالعدة والحرمة فلا تحرم مؤبدا الا إذا دخل ، وله استئناف العقد بعد العدة إذا لم يدخل .
هذا حكم العقد أثناء العدة ، أما مجرد الخطبة فلا أثر لها إلا من حيث الإثم فقط ، ومن طريف ما قرأته في هذا الباب ما جاء في احكام القرآن لأبي بكر
الأندلسي المالكي ، حيث قال : إذا خطبها أثناء العدة ، ثم عقد عليها بعد العدة فيجب عليه أن يطلقها طلقة واحدة تورعا ، ثم يستأنف خطبتها والعقد عليها .
_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص362-365.
قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}، التوفي هو الإماتة، يقال: توفاه الله إذا أماته فهو متوفى بصيغة اسم المفعول، {ويذرون} مثل يدعون بمعنى يتركون ولا ماضي لهما من مادتهما، والمراد بالعشر الأيام حذفت لدلالة الكلام عليه.
قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} المراد ببلوغ الأجل انقضاء العدة، وقوله: {فلا جناح} "إلخ" كناية عن إعطاء الاختيار لهن في أفعالهن فإن اخترن لأنفسهن الازدواج فلهن ذلك، وليس لقرابة الميت منعهن عن شيء من ذلك استنادا إلى بعض العادات المبنية على الجهالة والعمى أو الشح والحسد فإن لهن حقا في ذلك معروفا في الشرع وليس لأحد أن ينهى عن المعروف.
وقد كانت الأمم على أهواء شتى في المتوفى عنها زوجها، بين من يحكم بإحراق الزوجة الحية مع زوجها الميت أو إلحادها وإقبارها معه، وبين من يقضي بعدم جواز ازدواجها ما بقيت بعده إلى آخر عمرها كالنصارى، وبين من يوجب اعتزالها عن الرجال إلى سنة من حين الوفاة كالعرب الجاهلي، أو ما يقرب من السنة كتسعة أشهر كما هو كذلك عند بعض الملل الراقية، وبين من يعتقد أن للزوج المتوفى حقا على الزوجة في الكف عن الازدواج حينا من غير تعيين للمدة، كل ذلك لما يجدونه من أنفسهم أن الازدواج للاشتراك في الحياة والامتزاج فيها، وهو مبني على أساس الأنس والألفة، وللحب حرمة يجب رعايتها، وهذا وإن كان معنى قائما بالطرفين، ومرتبطا بالزوج والزوجة معا فكل منهما أخذته الوفاة كان على الآخر رعاية هذه الحرمة بعد صاحبه، غير أن هذه المراعاة على المرأة أوجب وألزم، لما يجب عليها من مراعاة جانب الحياة والاحتجاب والعفة، فلا ينبغي لها أن تبتذل فتكون كالسلعة المبتذلة الدائرة تعتورها الأيدي واحدة بعد واحدة، فهذا هو الموجب لما حكم به هذه الأقوام المختلفة في المتوفى عنها زوجها، وقد عين الإسلام هذا التربص بما يقرب من ثلث سنة، أعني أربعة أشهر وعشرا.
قوله تعالى: {والله بما تعملون خبير}، لما كان الكلام مشتملا على تشريع عدة الوفاة وعلى تشريع حق الازدواج لهن بعدها، وكان كل ذلك تشخيصا للأعمال مستندا إلى الخبرة الإلهية كان الأنسب تعليله بأن الله خبير بالأعمال مشخص للمحظور منها عن المباح، فعليهن أن يتربصن في مورد وأن يخترن ما شئن لأنفسهن في مورد آخر، ولذا ذيل الكلام بقوله: {والله بما تعملون خبير}.
قوله تعالى: {لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم} التعريض هو الميل بالكلام إلى جانب ليفهم المخاطب أمرا مقصودا للمتكلم لا يريد التصريح به، من العرض بمعنى الجانب فهو خلاف التصريح.
والفرق بين التعريض والكناية أن للكلام الذي فيه التعريض معنى مقصودا غير ما اعترض به كقول المخاطب للمرأة: إني حسن المعاشرة وأحب النساء، أي لو تزوجت بي سعدت بطيب العيش وصرت محبوبة، بخلاف الكناية إذ لا يقصد في الكناية غير المكنى عنه كقولك: فلان كثير الرماد تريد أنه سخي.
والخطبة بكسر الخاء من الخطب بمعنى التكلم والمراجعة في الكلام، يقال: خطب المرأة خطبة بالكسر إذا كلمها في أمر التزوج بها فهو خاطب ولا يقال: خطيب ويقال خطب القوم خطبة بضم الخاء إذا كلمهم، وخاصة في الوعظ فهو خاطب من الخطاب وخطيب من الخطباء.
والإكنان من الكن بالفتح بمعنى الستر لكن يختص الإكنان بما يستر في النفس كما قال: {أو أكننتم في أنفسكم}، والكن بما يستر بشيء من الأجسام كمحفظة أو ثوب أو بيت، قال تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] ، وقال تعالى: {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 23] ، والمراد بالآية نفي البأس عن التعريض في الخطبة أو إخفاء أمور في القلب في أمرها.
قوله تعالى: {علم الله أنكم ستذكرونهن}، في مورد التعليل لنفي الجناح عن الخطبة والتعريض فيها، والمعنى: أن ذكركم إياهن أمر مطبوع في طباعكم والله لا ينهى عن أمر تقضي به غريزتكم الفطرية ونوع خلقتكم، بل يجوزه، وهذا من الموارد الظاهرة في أن دين الإسلام مبني على أساس الفطرة.
قوله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله}، العزم عقد القلب على الفعل وتثبيت الحكم بحيث لا يبقى فيه وهن في تأثيره إلا أن يبطل من رأس، والعقدة من العقد بمعنى الشد.
وفي الكلام تشبيه علقة الزوجية بالعقدة التي يعقد بها أحد الخيطين بالآخر بحيث يصيران واحدا بالاتصال، كان حبالة النكاح تصير الزوجين واحدا متصلا، ثم في تعليق عقدة النكاح بالعزم الذي هو أمر قلبي إشارة إلى أن سنخ هذه العقدة والعلقة أمر قائم بالنية والاعتقاد فإنها من الاعتبارات العقلائية التي لا موطن لها إلا ظرف الاعتقاد والإدراك، نظير الملك وسائر الحقوق الاجتماعية العقلائية كما مر بيانه في ذيل قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } [البقرة: 213] ، ففي الآية استعارة وكناية، والمراد بالكتاب هو المكتوب أي المفروض من الحكم وهو التربص الذي فرضه الله على المعتدات.
فمعنى الآية: ولا تجروا عقد النكاح حتى تنقضي عدتهن، وهذه الآية تكشف أن الكلام فيها وفي الآية السابقة عليها أعني قوله تعالى: {لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} الآية إنما هو في خطبة المعتدات وفي عقدهن، وعلى هذا فاللام في قوله: {النساء} للعهد دون الجنس وغيره.
قوله تعالى: {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم} "إلخ" إيراد ما ذكر من صفاته تعالى في الآية، أعني العلم والمغفرة والحكم يدل على أن الأمور المذكورة في الآيتين وهي خطبة المعتدات والتعريض لهن ومواعدتهن سرا من موارد الهلكات لا يرتضيها الله سبحانه كل الارتضاء وإن كان قد أجاز ما أجازه منها.
______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص206-208.
خرافات تبعث على تعاسة المرأة :
إنّ واحدة من المشاكل الرئيسية في حياة المرأة هي الزواج بعد موت زوجها. ولمّا كان بناء الأرملة بزوج جديد بعد موت زوجها السابق مباشرةً لا ينسجم مع ما تكنّه من حبّ واحترام لزوجها المتوفى، ولا مع الاطمئنان إلى عدم وجود حمل في رحمها منه، وقد يؤدّي إلى جرح مشاعر أهل زوجها الأول، فقد جاءت الآية تشترط للزواج الجديد أن يمرّ على موت زوجها السابق أربعة أشهر وعشرة أيّام.
إنّ احترام الحياة الزوجية بعد موت أحد الزوجين أمر فطري، بحيث نجد في مختلف القبائل تقاليداً وطقوساً خاصّة بهذا الموضوع على الرغم من أنّ بعض هذه العادات كانت تبلغ حدّ الإفراط الذي يقيّد المرأة بقيود ثقيلة تبلغ حدّ القضاء على حياتها احتراماً لذكرى زوجها الراحل. كقيام بعض القبائل بحرق المرأة بعد موت زوجها، أو بدفنها حيّة معه في قبره. وبعض آخر كانوا يحرمون المرأة من الزواج بعد زوجها مدى الحياة، وفي بعض القبائل كان على المرأة أن تقضي بعض الوقت بجانب قبر زوجها تحت خيمه سوداء قذرة وفي ملابس رثّة بعيدة عن كلّ نظافة أوزينة أو اغتسال(2).
إلاَّ أنّ الآية المذكورة تلغي كلّ هذه الخرافات، ولكنّها تحافظ على احترام الحياة الزوجيّة بإقرار العدّة.
{والذين يُتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف}.
وبما أنّ أولياء وأقرباء المرأة يتدخّلون أحياناً في أمرها أو يأخذون بمصالحهم بنظر الإعتبار في زواجها المجدّد تقول الآية في ختامها : {والله بما تعملون خبير} وسيُجازي كلّ شخص بما عمله من أعمال سيئة أو حسنة.
وجملة {لا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} والتي تشير إلى أنّ المخاطب فيها هم الرّجال من أقرباء المرأة تدلّ على أنّهم كانوا يرون في تحرّر المرأة بعد وفاة زوجها عيباً وإثماً، ويعتقدون بأنّ التضييق عليها والتشدّد في أمرها من واجباتهم، فهذه الآية تأمر بصراحة بترك هذه الامرأة حرّة في اختيارها ولا إثم عليكم من ذلك (ويستفاد ضمناً من هذه العبارة سقوط ولاية الأب والجد أيضاً عليها) ولكن في نفس الوقت تتضمّن الآية تحذيراً للمرأة بأنّه لا ينبغي أن تسيء الاستفادة من هذه الحريّة، بل تتقدّم إلى اختيار الزوج الجديد بخطّوات مدروسة واُسلوب لائق (بالمعروف).
وحسب ما وصلنا من أئمّة المسلمين فإنّ على الأرامل في هذه الفترة أن يحافظن على مظاهر الحزن، أي ليس لهنَّ أن يتزينَّ مطلقاً، بل ينبغي التجرّد من كلّ زينة(3) ، ولاشكّ أنّ فلسفة المحافظة على هذه العدّة توجب ذلك أيضاً.
لقد حرّر الإسلام المرأة من الخرافات الجاهليّة واقتصر على هذه العدّة القصيرة بحيث ظنَّ بعضهم أنّ لها أن تتزوّج حتّى خلال هذه الفترة، ومن ذلك أنّ امرأة قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تستجيزه أن تكتحل وهي في العدّة فنهاها رسول الله وذكّرها بما كان يفرض على المرأة في الجاهليّة خلال سنة كاملة بعد الوفاة من حداد شديد وإرهاق فظيع مشيراً إلى سماحة الإسلام في هذا الأمر(4) وإنّه ممّا يلفت النّظر أنّ الأحكام الإسلاميّة بشأن العدّة تأمر المرأة بالتزام العدّة حتّى وإن لم يكن هناك أيّ احتمال بأن تكون حاملاً، حيث إنّ عدّتها لا تبدأ بتاريخ موت زوجها، بل بتاريخ وصول خبر موت زوجها إليها وإن يكن بعد شهور، وهذا يدلّ دلالة قاطعة على أنّ الهدف من هذا التشريع هو الحفاظ على احترام الحياة الزوجيّة وحرمتها إضافة إلى ما لهذا التشريع من أهميّة بالنّسبة لاحتمال حمل المرأة.
الآية الثانية تشير إلى أحد الأحكام المهمّة للنّساء في العدّة (بمناسبة البحث عن عدّة الوفاة في الآيات السّابقة) فتقول : {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنّكم ستذكرونهنَّ ولكن لا تواعدوهنَّ سرّاً إلاّ أن تقولوا قولاً معروفاً}.
فهذه الآية تبيح للرّجال أن يخطبوا النّساء اللّواتي في عدّة الوفاة بالكناية أو الإضمار في النّفس {أو أكننتم في أنفسكم} وهذا الحكم في الواقع من أجل الحفاظ على حريم الزّواج السّابق من جهة، وكذلك لا يحرم الأرملة من حقّها في تعيين مصيرها من جهة اُخرى، فهذا الحكم يُراعي العدالة وكذلك حفظ احترام الطّرفين.
ومن الطّبيعي أن تفكّر المرأة في مصيرها بعد وفاة زوجها، وكذلك يفكّر بعض الرّجال بالزّواج بهنّ للشروط اليسيرة السهلة في الزّواج بالأرامل، ولكن من جهة لابدّ من حفظ حريم دائرة الزّوجيّة السّابقة كما ورد من الحكم آنفاً يدلّ بوضوح على رعاية كلّ هذه المسائل المذكورة، ونفهم من عبارة (ولكن لا تواعدوهنّ سرّاً) أنّه مضافاً إلى النهي عن الخطبة العلنيّة فإنّه لا يجوز كذلك أن تصارحوهنّ بالخطبة سرّاً أيضاً إلاّ إذا كان الكلام بهذا الشأن يتّفق مع الآداب الإجتماعيّة في موضوع موت الزّوج، أي أن يكون الكلام بالكناية وبشكل مبطّن.
وعبارة {عرّضتم} من مادّة (التّعريض) والتي تعني كما يقول الرّاغب في المفردات : الحديث الّذي يُحتمل معنيين الصدق والكذب أو الظّاهر والباطن.
وعلى قول المفسّر الكبير المرحوم الطبرسي في مجمع البيان أنّ التّعريض ضد التصريح، وهو في الأصل من مادّة (عرض) الذي هو بمعنى جانب الشيء(5).
ويضرب أئمة الإسلام في تفسير هذه الآية بشأن الخطبة الخفيّة أو القول المعروف كما يقول القرآن أمثلة عديدة(6)، من ذلك ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال (يلقاها فيقول إنّي فيك راغب وإنّي للنّساء لمكرم فلا تسبقيني بنفسك)(7).
وقد ورد هذا المضمون أو ما يماثله في كلام كثير من الفقهاء والجدير بالذّكر أنّ الآية أعلاه على الرّغم من أنها وردت بعد الآية التي تذكر عدّة الوفاة، ولكنّ الفقهاء صرّحوا بأنّ الحكم أعلاه لا يختصّ بعدّة الوفاه بل يشمل غيرها أيضاً.
يقول المرحوم الفقيه والمحدّث المعروف صاحب الحدائق : (وقد صرّح الأصحاب بأنّه لا يجوز التعريض بالخطبة لذات العدّة الرجعية لأنّها زوجة، فيجوز للمطلّقة ثلاثاً من الزوج وغيره، ولا يجوز التصريح لها منه ولا من غيره، أمّا المطلّقة تسعاً للعدّة ينكحها بينها رجلان فلا يجوز التعريض لها من الزوج ويجوز من غيره، ولا يجوز التصريح في العدّة منه ولا من غيره.
أمّا العدّة البائنة فيجوز التعريض من الزوج وغيره والتصريح من الزوج دون غيره)(8).
وإذا أردتم التفصيل راجعوا الكتب الفقهية بالأخص كتاب الحدائق في استمرار هذا البحث.
ثمّ تضيف الآية {ولا تعزموا عقدة النكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله} فمن المسلّم أنّ الشخص إذا عقد على المرأة في عدّتها يقع العقد باطلاً، بل أنّه إذا أقدم على هذا العمل عالماً بالحرمة فإنّ هذه المرأة ستحرم عليها أبداً.
وبعد ذلك تعقّب الآية : {واعلموا أنّ الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ الله غفور حليم}.
وبهذا لابدّ أن تعلموا أنّ الله تعالى مطّلع على أعمالكم ونيّاتكم وفي نفس الوقت لا يؤاخذ المذنبين بسرعة.
جملة (لا تعزموا) من مادّة (عزم) بمعنى قصد، فعندما تقول الآية {ولا تعزموا عقده النّكاح} فهو في الواقع نهيٌ مؤكّد عن الإقدام العملي على عقد الزّواج ويعني التّحذير حتّى من نيّة وقصد هذا العمل في زمان العدّة.
________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ص33-36.
2 ـ الإسلام وعقائد الإنسان : ص 617.
3- وسائل الشيعة ، ج22، ص233 (باب وجوب الحداد على المرأة ..بترك الزينة والطيب ونحوهما) .
4 ـ المنار : ج 2 ص 422.
5 ـ مجمع البيان : ج 1 و2، ص 338.
6- وسائل الشيعة ، ج20 ، ص497-499.
7 ـ تفسير نور الثقلين : ج 1 ص 232 ح 905.
8 ـ الحدائق : ج 24 ص 90.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|