المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



تفسير الاية(243-244) من سورة البقرة  
  
9987   10:09 صباحاً   التاريخ: 2-3-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة : 243 ، 244] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين  الآيتين (1) :

 

لما ذكر قوله يبين آياته للناس عقبه بذكر آية من آياته فقال {أ لم تر} أي أ لم تعلم : يا محمد أو أيها السامع أولم ينته علمك إلى خبر هؤلاء {الذين خرجوا من ديارهم} قيل هم من قوم بني إسرائيل فروا من طاعون وقع بأرضهم عن الحسن وقيل فروا من الجهاد وقد كتب عليهم عن الضحاك ومقاتل واحتجا بقوله عقيب الآية وقاتلوا في سبيل الله وقيل هم قوم حزقيل وهو ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى وذلك أن القيم بأمر بني إسرائيل بعد موسى كان يوشع بن نون ثم كالب بن يوقنا ثم حزقيل وقد كان يقال له ابن العجوز وذلك أن أمه كانت عجوزا فسألت الله الولد وقد كبرت وعقمت فوهبه الله لها وقال الحسن هو ذو الكفل وإنما سمي حزقيل ذا الكفل لأنه كفل سبعين نبيا نجاهم من القتل وقال لهم اذهبوا فإني إن قتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعا فلما جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين فقال إنهم ذهبوا ولا أدري أين هم ومنع الله ذا الكفل منهم .

 {وهم ألوف} أجمع أهل التفسير على أن المراد بألوف هنا كثرة العدد إلا ابن زيد فإنه قال معناه خرجوا مؤتلفي القلوب لم يخرجوا عن تباغض فجعله جمع آلف مثل قاعد وقعود وشاهد وشهود واختلف من قال المراد به العدد الكثير فقيل كانوا ثلاثة آلاف عن عطاء الخراساني وقيل ثمانية آلاف عن مقاتل والكلبي وقيل عشرة آلاف عن ابن روق وقيل بضعة وثلاثين ألفا عن السدي وقيل أربعين ألفا عن ابن عباس وابن جريج وقيل سبعين ألفا عن عطا بن أبي رباح وقيل كانوا عددا كثيرا عن الضحاك والذي يقضي به الظاهر أنهم كانوا أكثر من عشرة آلاف لأن بناء فعول للكثرة وهوما زاد على العشرة وما نقص عنها يقال فيه آلاف يقال فيه عشرة آلاف ولا يقال عشرة ألوف {حذر الموت} أي من خوف الموت {فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم} قيل في معناه قولان ( أحدهما ) أن معناه أماتهم الله كما يقال قالت السماء فهطلت معناه فهطلت السماء وقلت برأسي كذا وقلت بيدي كذا ومعناه أشرت برأسي وبيدي وذلك لما كان القول في الأكثر استفتاحا للفعل كالقول الذي هو تسمية وما جرى مجراه مما كان يستفتح به الفعل صار معنى قالت السماء فهطلت أي استفتحت بالهطلان كذلك معناه هاهنا فاستفتح الله بإماتتهم ( والثاني ) أن معناه أماتهم بقول سمعته الملائكة لضرب من العبرة ثم أحياهم الله بدعاء نبيهم حزقيل عن ابن عباس وقيل إنه شمعون من أنبياء بني إسرائيل .

 {إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} لما ذكر النعمة عليهم بما أراهم من الآية العظيمة في أنفسهم ليلتزموا سبيل الهدى ويجتنبوا طريق الردى ذكر بعده ما له عليهم من الأنعام والإحسان مع ما هم عليه من الكفران وهذه الآية حجة على من أنكر عذاب القبر والرجعة معا لأن إحياء أولئك مثل إحياء هؤلاء الذين أحياهم الله للاعتبار .

وقوله : {وقَتِلُوا فى سبِيلِ اللَّهِ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سمِيعٌ عَلِيمٌ} :

اختلف في المخاطب بقوله {وقاتلوا في سبيل الله} فقيل توجه الخطاب إلى الصحابة بعد ما ذكرهم بحال من فر من الموت فلم ينفعه الفرار يحرضهم على الجهاد لئلا يسلكوا في الفرار من الجهاد سبيل أولئك الذين فروا من الديار وقيل أنه خطاب للذين جرى ذكرهم على تقدير وقيل لهم قاتلوا في سبيل الله {واعلموا أن الله سميع عليم} أي سميع لما يقول المنافق عليم بما يجنه فاحذروا حاله .

_____________________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص132-135 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هاتين  الآيتين (1) :

 

لقد أطال المفسرون الكلام حول هذه الآية ، وقال أكثرهم : انها تشير إلى قصة تاريخية ، وسودوا الصفحات في تصوير هذه القصة . . فبعضهم قال بما يتلخص : ان قوما من بني إسرائيل أمروا بجهاد عدوهم ، فخافوا الموت بالقتال ، فخرجوا من ديارهم فرارا من الموت ، فأماتهم اللَّه ليعرّفهم انه لا ينجيهم من الموت شيء ، ثم أحياهم ليعتبروا ويستوفوا ما بقي من أعمارهم . . ومن أطرف ما قرأته في تفسيرها ان أحد المفسرين قال : ان الموت نوعان : موت عقوبة ، وهو الذي يحيا الميت بعده في هذه الدنيا ، وموت أجل ، وهو الذي لا حياة بعده إلا في الآخرة .

وقال آخرون : فروا من مرض الطاعون ، لا من جهاد عدوهم .

وفسر محيي الدين بن عربي الآية تفسيرا صوفيا على طريقته ، حيث قال : ان اللَّه أماتهم بالجهل ، وأحياهم بالعلم والعقل .

وحمل الشيخ محمد عبده الآية - كما في تفسير المنار - على انها تمثيل للاعتبار والعظة ، وليست إشارة إلى قصة واقعة حقيقة ، وان الهدف من هذه الإشارة هو بيان سنة اللَّه في الأمم ، وان الأمة التي تجاهد ، وتستميت في الدفاع عن حقها تحيا حياة طيبة ، وان الأمة التي تجبن وتستسلم للظلم تحيا حياة الذل والهوان ، فقوله تعالى : {مُوتُوا} . أي عيشوا بالاستعباد والاضطهاد ، لجبنكم ، لأن مثل هذا العيش موت لا حياة ، وقوله : {ثُمَّ أَحْياهُمْ} . أي عاشوا عيش الحرية والكرامة لجهادهم ودفاعهم عن حقهم .

هذا تلخيص موجز جدا لرأي الشيخ محمد عبده الذي شرحه بكلام طويل ، وهو- كما ترى - من وحي وعيه النير ، ورسالته الاصلاحية ، لا من وحي دلالة اللفظ . ان رأيه هذا صحيح في ذاته ، وانساني من غير شك ، ولكنه بعيد عن مدلول اللفظ ، وقد يظن انه أقرب من قول أكثر المفسرين من هذه الجهة لأن قولهم يعتمد الروايات الإسرائيلية ، والأساطير التي لا سند لها ، ولا تمت إلى الحياة بسبب ، وقوله يهدف إلى الترغيب في مقاومة الظلم ، والتضحية من أجل الحرية والكرامة ، شأن الموجه المصلح .

وكيف كان ، فان الآية تحتمل معاني شتى . . ومن ثم كثرت فيها الأقوال ، ولا شيء في لفظها يدل على صحة قول بالذات . . أجل ، ان قول الشيخ عبده هو أرجح الأقوال جميعا ، للاعتبار من جهة ، كما أشرنا ، ويساعد عليه السياق من جهة أخرى ، أما الاعتبار فواضح ، واما السياق فقوله تعالى بعد هذه الآية بلا فاصل : {وقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهً سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .

________________________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص373-383 .
 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين  الآيتين (1) :

 

قوله تعالى : {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} ، الرؤية هاهنا بمعنى العلم ، عبر بذلك لدعوى ظهوره بحيث يعد فيه العلم رؤية فهو كقوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [إبراهيم : 19] ، وقوله تعالى : {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح : 15] .

وقد ذكر الزمخشري أن لفظ {أ لم تر} جرى مجرى المثل ، يؤتى به في مقام التعجيب (2)  فقولنا : {أ لم تر} كذا وكذا معناه أ لا تعجب لكذا وكذا ، و{حذر الموت} مفعول له ، ويمكن أن يكون مفعولا مطلقا والتقدير يحذرون الموت حذرا .

قوله تعالى : {فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم} ، الأمر تكويني ولا ينافي كون موتهم واقعا عن مجرى طبيعي كما ورد في الروايات : أن ذلك كان بالطاعون ، وإنما عبر بالأمر ، دون أن يقال : فأماتهم الله ثم أحياهم ليكون أدل على نفوذ القدرة وغلبة الأمر ، فإن التعبير بالإنشاء في التكوينيات أقوى وآكد من التعبير بالإخبار كما أن التعبير بصورة الإخبار الدال على الوقوع في التشريعيات أقوى وآكد من الإنشاء ، ولا يخلو قوله تعالى : {ثم أحياهم عن الدلالة على أن الله أحياهم ليعيشوا فعاشوا بعد حياتهم} ، إذ لوكان إحياؤهم لعبرة يعتبر بها غيرهم أو لإتمام حجة أو لبيان حقيقة لذكر ذلك على ما هو دأب القرآن في بلاغته كما في قصة أصحاب الكهف ، على أن قوله تعالى بعد : {إن الله لذو فضل على الناس} ، يشعر بذلك أيضا .

قوله تعالى : {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} ، الإظهار في موضع الإضمار أعني تكرار لفظ الناس ثانيا لما فيه من الدلالة على انخفاض سطح أفكارهم ، على أن هؤلاء الذين تفضل الله عليهم بالإحياء طائفة خاصة ، وليس المراد كون الأكثر منهم بعينهم غير شاكرين بل الأكثر من جميع الناس ، وهذه الآية لا تخلو عن مناسبة ما مع ما بعدها من الآيات المتعرضة لفرض القتال ، لما في الجهاد من إحياء الملة بعد موتها .

وقد ذكر بعض المفسرين أن الآية مثل ضربه الله لحال الأمة في تأخرها وموتها باستخزاء الأجانب إياها ببسط السلطة والسيطرة عليها ، ثم حياتها بنهضتها ودفاعها عن حقوقها الحيوية واستقلالها في حكومتها على نفسها .

قال ما حاصله : إن الآية لو كانت مسوقة لبيان قصة من قصص بني إسرائيل كما يدل عليه أكثر الروايات أو غيرهم كما في بعضها لكان من الواجب الإشارة إلى كونهم من بني إسرائيل ، وإلى النبي الذي أحياهم كما هو دأب القرآن في سائر قصصه مع أن الآية خالية عن ذلك على أن التوراة أيضا لم تتعرض لذلك في قصص حزقيل النبي على نبينا وآله وعليه السلام فليست الروايات إلا من الإسرائيليات التي دستها اليهود ، مع أن الموت والحياة الدنيويتين ليستا إلا موتا واحدا أو حياة واحدة كما يدل عليه قوله تعالى : {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان : 56] ، وقوله تعالى : {وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر : 11] ، فلا معنى لحياتين في الدنيا هذا ، فالآية مسوقة سوق المثل ، والمراد بها قوم هجم عليهم أولوا القدرة والقوة من أعدائهم باستذلالهم واستخزائهم وبسط السلطة فيهم والتحكم عليهم فلم يدافعوا عن استقلالهم ، وخرجوا من ديارهم وهم ألوف لهم كثرة وعزيمة حذر الموت ، فقال لهم الله موتوا موت الخزي والجهل ، فإن الجهل والخمود موت كما أن العلم وإباء الضيم حياة ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال : 24] ، وقال تعالى : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام : 122] .

وبالجملة فهؤلاء يموتون بالخزي وتمكن الأعداء منهم ويبقون أمواتا ، ثم أحياهم الله بإلقاء روح النهضة والدفاع عن الحق فيهم ، فقاموا بحقوق أنفسهم واستقلوا في أمرهم ، وهؤلاء الذين أحياهم الله وإن كانوا بحسب الأشخاص غير الذين أماتهم الله إلا أن الجميع أمة واحدة ماتت في حين وحييت في حين بعد حين ، وقد عد الله تعالى القوم واحدا مع اختلاف الأشخاص كقوله تعالى في بني إسرائيل :  {أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [الأعراف : 141] ، وقوله تعالى : {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ } [البقرة : 56] ، ولولا ما ذكرناه من كون الآية مسوقا للتمثيل لم يستقم ارتباط الآية بما يتلوها من آيات القتال وهو ظاهر ، انتهى ما ذكره ملخصا .

وهذا الكلام كما ترى مبني أولا : على إنكار المعجزات وخوارق العادات أو بعضها كإحياء الموتى وقد مر إثباتها ، على أن ظهور القرآن في إثبات خرق العادة بإحياء الموتى ونحو ذلك مما لا يمكن إنكاره ولولم يسع لنا إثبات صحته من طريق العقل .

وثانيا : على دعوى أن القرآن يدل على امتناع أكثر من حياة واحدة في الدنيا كما استدل بمثل قوله تعالى : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان : 56] ، وقوله تعالى : {وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر : 11] .

وفيه أن جميع الآيات الدالة على إحياء الموتى كما في قصص إبراهيم وموسى وعيسى وعزير ، بحيث لا تدفع دلالتها ، يكفي في رد ما ذكره ، على أن الحياة الدنيا لا تصير بتخلل الموت حياتين كما يستفاد أحسن الاستفادة من قصة عزير ، حيث لم يتنبه لموته الممتد ، والمراد بما أورده من الآيات الدالة على نوع الحياة .

وثالثا : على أن الآية لو كانت مسوقة لبيان القصة لتعرضت لتعيين قومهم وتشخيص النبي الذي أحياهم .

وأنت تعلم أن مذاهب البلاغة مختلفة متشتتة ، والكلام كما ربما يجري مجرى الإطناب كذلك يجري مجرى الإيجاز ، وللآية نظائر في القرآن كقوله تعالى : {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} [البروج : 4 - 7] ، وقوله تعالى : {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف : 181] .

ورابعا : على أن الآية لولم تحمل على التمثيل لم ترتبط بما بعدها من الآيات بحسب المعنى ، وأنت تعلم أن نزول القرآن نجوما يغني عن كل تكلف بارد في ربط الآيات بعضها ببعض إلا ما كان منها ظاهر الارتباط ، بين الاتصال على ما هو شأن الكلام البليغ .

فالحق أن الآية كما هو ظاهرها مسوقة لبيان القصة ، وليت شعري أي بلاغة في أن يلقي الله سبحانه للناس كلاما لا يرى أكثر الناظرين فيه إلا أنه قصة من قصص الماضين ، وهو في الحقيقة تمثيل مبني على التخييل من غير حقيقة .

مع أن دأب كلامه تعالى على تمييز المثل عن غيره في جميع الأمثال الموضوعة فيه بنحو قوله : {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي} [البقرة : 17] ، وقوله : {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [يونس : 24] ، وقوله : {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا} [الجمعة : 5] ، إلى غير ذلك .

وقوله : {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 244] :

الاتصال البين بين الآيات أعني الارتباط الظاهر بين فرض القتال ، والترغيب في القرض الحسن ، والمعنى المحصل من قصة طالوت وداود وجالوت يعطي أن هذه الآيات نزلت دفعة واحدة ، والمراد بيان ما للقتال من شئون الحياة ، والروح الذي به تقدم الأمة في حياتهم الدينية ، والدنيوية ، وسعادتهم الحقيقية ، يبين سبحانه فيها فرض الجهاد ، ويدعو إلى الإنفاق والبذل في تجهيز المؤمنين وتهيئة العدة والقوة ، وسماه إقراضا لله لكونه في سبيله ، مع ما فيه من كمال الاسترسال والإيذان بالقرب ، ثم يقص قصة طالوت وجالوت وداود ليعتبر بها هؤلاء المؤمنون المأمورون بالقتال مع أعداء الدين ويعلموا أن الحكومة والغلبة للإيمان والتقوى وإن قل حاملوهما ، والخزي والفناء للنفاق والفسق وإن كثر جمعهما ، فإن بني إسرائيل ، وهم أصحاب القصة ، كانوا أذلاء مخزيين ما داموا على الخمود والكسل والتواني ، فلما قاموا لله وقاتلوا في سبيل الله واستظهروا بكلمة الحق وإن كان الصادق منهم في قوله القليل منهم ، وتولى أكثرهم عند إنجاز القتال أولا ، وبالاعتراض على طالوت ثانيا ، وبالشرب من النهر ثالثا ، وبقولهم : لا طاقة لنا بجالوت وجنوده رابعا ، نصرهم الله تعالى على عدوهم فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت واستقر الملك فيهم ، وعادت الحياة إليهم ، ورجع إليهم سؤددهم وقوتهم ، ولم يكن ذلك كله إلا لكلمة أجراها الإيمان والتقوى على لسانهم لما برزوا لجالوت وجنوده ، وهي قولهم : {ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} ، فكذلك ينبغي للمؤمنين أن يسيروا بسيرة الصالحين من الماضين ، فهم الأعلون إن كانوا مؤمنين .

قوله تعالى : {وقاتلوا في سبيل الله} الآية ، فرض وإيجاب للجهاد ، وقد قيده تعالى هاهنا وسائر المواضع من كلامه بكونه في سبيل الله لئلا يسبق إلى الوهم ولا يستقر في الخيال أن هذه الوظيفة الدينية المهمة لإيجاد السلطة الدنيوية الجافة ، وتوسعة المملكة الصورية ، كما تخيله الباحثون اليوم في التقدم الإسلامي من الاجتماعيين وغيرهم ، بل هو لتوسعة سلطة الدين التي فيها صلاح الناس في دنياهم وآخرتهم .

وفي قوله تعالى : {واعلموا أن الله سميع عليم} ، تحذير للمؤمنين في سيرهم هذا السير أن لا يخالفوا بالقول إذا أمر الله ورسوله بشيء ، ولا يضمروا نفاقا كما كان ذلك من بني إسرائيل حيث تكلموا في أمر طالوت فقالوا : {أنى يكون له الملك علينا} "إلخ" ، وحيث قالوا : {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} ، وحيث فشلوا وتولوا لما كتب عليهم القتال وحيث شربوا من النهر بعد ما نهاهم طالوت عن شربه .

___________________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص242-243 .

2- قال الزمخشري في كشافه { الم تر} تقرير لمن بقصتهم من أهل الكتاب وأخبار الاولين وتعجيب من شأنهم ويجوز ان يخاطب به من لم تر ولو يسمع لان هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجيب .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين  الآيتين (1) :

 

كيف ماتوا وكيف عادوا إلى الحياة ؟ !

هذه الآية كما مرّ في سبب نزولها تشير إشارة عابرة ولكنّها معبّرة إلى قصّة أحد الأقوام السّالفة التي انتشر بين أفرادها مرض خطير وموحش بحيث هرب الآلاف منهم من ذلك المكان فتقول الآية : {ألم ترَ إلى الَّذين خرجوا من ديارهم وهم اُلوف حذر الموت} .

من الأساليب الشائعة في الأدب العربي استعمال تعبير {ألم تر} فيما يطلب الفات النظر إليه ، وبالرّغم من أنّ المخاطب هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ولكنّ الكلام موجّه بطبيعة الحال إلى جميع الناس .

ورغم أنّ الآية أعلاه لا تشير إلى عدد خاص واكتفت بكلمة (اُلوف)ولكنّ الوارد في الروايات أنّ عددهم كان عشرة آلاف ، وذكرت روايات اُخرى أنّهم كانوا سبعين ألف أو ثمانين ألف (2) .

ثمّ أنّ الآية أشارت إلى عاقبتهم فقالت : {فقال لهم الله موتوا ثمّ أحياهم} لتكون قصّة موتهم وحياتهم مرّة اُخرى عبرة للآخرين . ومن الواضح أنّ المراد من (موتوا) ليس هو الأمر اللفظي بل هو أمر الله التكويني الحاكم على كلّ حيّ في عالم الوجود ، أي أنّ الله تعالى أوجد أسباب هلاكهم فماتوا جميعاً في وقت قصير ، وهذه أشبه بالأمر الذي أورد في الآية 82 من سورة يس {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس : 82] .

وجملة {ثمّ أحياهم} إشارة إلى عودتهم إلى الحياة بعد موتهم إستجابة لدعاء (حزقيل النبي) كما ذكرنا في سبب نزول الآية ، ولمّا كانت عودتهم إلى الحياة مرّة اُخرى من النعم الإلهيّة البيّنة (نعمة لهم ونعمة لبقيّة الناس للعبرة) ففي ختام الآية تقول {إنّ الله لذو فضل على النّاس ولكنّ أكثر الناس لا يشكرون} فليست نعمة الله وألطافه وعنايته تنحصر بهؤلاء ، بل لجميع الناس .

الجهاد بالنّفس والمال :

هذه الآيات تشرع في حديثها عن الجهاد وتعقّب بذكر قصّة في هذا الصدّد عن الأقوام السّالفة ، مع الإلتفات إلى الأحداث التي مرّت على جماعة من بني إسرائيل الّذين تهرّبوا من الجهاد بحجّة الإصابة بمرض الطّاعون وأخيراً ماتوا بهذا المرض ، يتّضح الإرتباط بين هذه الآيات والآيات السّابقة .

في البداية تقول الآية (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أنّ الله سميع عليم) يسمع أحاديثكم ويعلم نياتكم ودوافعكم النفسية في الجهاد .

________________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص52-56 .

2 ـ راجع التفاسير : مجمع البيان ، القرطبي ، روح البيان ، في ذيل الآية المبحوثة .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .