أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-12-2016
2996
التاريخ: 14-2-2017
3742
التاريخ: 30-11-2016
9304
التاريخ: 25-11-2016
11979
|
قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [البقرة: 189].
بين شريعة أخرى فقال {يسألونك عن الأهلة} أي أحوال الأهلة في زيادتها ونقصانها ووجه الحكمة في ذلك {قل} يا محمد {هي مواقيت للناس والحج} أي هي مواقيت يحتاج الناس إلى مقاديرها في صومهم وفطرهم وعدد نسائهم ومحل ديونهم وحجهم فبين سبحانه أن وجه الحكمة في زيادة القمر ونقصانه ما تعلق بذلك من مصالح الدين والدنيا لأن الهلال لوكان مدورا أبدا مثل الشمس لم يمكن التوقيت به وفيه أوضح دلالة على أن الصوم لا يثبت بالعدد وأنه يثبت بالهلال لأنه سبحانه نص على أن الأهلة هي المعتبرة في المواقيت والدلالة على الشهور فلو كانت الشهور إنما تعرف بطريق العدد لخص التوقيت بالعدد دون رؤية الأهلة لأن عند أصحاب العدد لا عبرة برؤية الأهلة في معرفة المواقيت.
وقوله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} فيه وجوه (أحدها) أنه كان المحرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها ولكنهم كانوا ينقبون في ظهر بيوتهم أي في مؤخرها نقبا يدخلون ويخرجون منه فنهوا عن التدين بذلك عن ابن عباس وقتادة وعطا ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) وقيل إلا أن الحمس وهو قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وجشم وبنو عامر بن صعصعة كانوا لا يفعلون ذلك وإنما سموا حمسا لتشددهم في دينهم والحماسة الشدة وقيل بل كانت الحمس تفعل ذلك وإنما فعلوا ذلك حتى لا يحول بينهم وبين السماء شيء.
( وثانيها ) إن معناه ليس البر أن تأتوا البيوت من غير جهاتها وينبغي أن تأتوا الأمور من جهاتها أي الأمور كان وهو المروي عن جابر عن أبي جعفر ( وثالثها ) إن معناه ليس البر طلب المعروف من غير أهله وإنما البر طلب المعروف من أهله {ولكن البر من اتقى} قد مر معناه.
{وأتوا البيوت من أبوابها} قد مضى معناه وقال أبو جعفر آل محمد أبواب الله وسبله والدعاة إلى الجنة والقادة إليها والأدلاء عليها إلى يوم القيامة وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): (أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى المدينة إلا من بابها) ويروى أنا مدينة الحكمة {واتقوا الله لعلكم تفلحون} معناه واتقوا ما نهاكم الله عنه وزهدكم فيه لكي تفلحوا بالوصول إلى ثوابه الذي ضمنه للمتقين .
____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص27-28.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} . يحتمل هذا السؤال أمرين إذا نظرنا إليه مستقلا عن جوابه : الأول أن يكون السؤال عن السبب الطبيعي لاختلاف ما يبدو أولا من دقة الهلال : ثم تمامه بدرا ، ثم يعود كما كان ، وهكذا دواليك . الاحتمال الثاني أن يكون السؤال عن الحكمة في ذلك ، لا عن السبب الطبيعي ، أما إذا نظرنا إلى السؤال وجوابه معا ، وهو{ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ} تعين أن يكون السؤال عن الحكمة فقط ، دون السبب الطبيعي ، وهذا هو الأرجح عملا بمبدأ مطابقة الجواب للسؤال .
أما قول من قال : انهم سألوا عن السبب الطبيعي ، وان اللَّه سبحانه أمر نبيّه أن يجيبهم ببيان الحكمة تعريضا بأن سؤالهم في غير محله ، لأنهم عاجزون عن إدراك السبب الطبيعي الذي يحتاج إلى دراسة طويلة وعميقة ، ومقدمات علمية كثيرة ، وان الأجدر بهم أن يسألوا عن الحكمة والفائدة في اختلاف الأهلة ، حيث يمكنهم فهمها وهضمها - أما هذا القول فمجرد احتمال لا يستند إلى دليل سوى الاستحسان .
وتقول : ان الدليل موجود ، وهو قوله تعالى : {لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها} ، لأن معناه ان سؤالكم عن السبب الطبيعي كمن يطلب دخول البيت من ظهره ، أما سؤالكم عن الحكمة فهو كمن يطلب دخول البيت من بابه .
الجواب : أولا ان هذا اجتهاد في تأويل اللفظ ، وليس تفسيرا لظاهر اللفظ . .
ثانيا لقد ثبت ان هذه الجملة نزلت في ما كان يفعله أهل الجاهلية إذا أحرموا من إتيان البيت من ظهره . . والتفصيل فيما يلي .
ومهما يكن ، فان اللَّه سبحانه أمر نبيه الأكرم ( صلى الله عليه واله وسلم ) أن يجيبهم بأن الحكمة من اختلاف الأهلة هي توقيت مصالحهم وأمورهم الدنيوية كالديون والإجارات ، وأمورهم الدينية كالحج والصوم . وبكلمة ان الجواب يجري مجرى قوله تعالى : {وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسابَ} – [ يونس 5] .
{ولَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ولكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها} . قال أكثر المفسرين : ان أهل الجاهلية كان إذا أحرم أحدهم نقب نقبا في ظهر بيته ودخل منه ، أو اتخذ سلما يصعد منه إلى سطح البيت ، وان كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء ، وكان بعض المسلمين يفعل ذلك في أول الأمر ، فنزلت الآية تبين لهم ان البر هو تقوى اللَّه ، وعمل الخير ، والتخلي عن المعاصي والرذائل ، لا بدخول البيوت من ظهورها ، وما إلى ذلك من التقاليد التي تحجب العقل عن ادراك الحقيقة ، ولا تمت إلى الدين والايمان بسبب .
____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص294-295.
قوله تعالى: {يسئلونك} إلى قوله: {والحج}، الأهلة جمع هلال ويسمى القمر هلالا أول الشهر القمري إذا خرج من تحت شعاع الشمس الليلة الأولى والثانية كما قيل، وقال بعضهم الليالي الثلاثة الأول، وقال بعضهم حتى يتحجر، والتحجر أن يستدير بخطة دقيقة، وقال بعضهم: حتى يبهر نوره ظلمة الليل وذلك في الليلة السابعة ثم يسمى قمرا ويسمى في الرابعة عشر بدرا، واسمه العام عند العرب الزبرقان.
والهلال مأخوذ من استهل الصبي إذا بكى عند الولادة أو صاح، ومن قولهم: أهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية، سمي به لأن الناس يهلون بذكره إذا رأوا.
والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت المضروب للفعل، ويطلق أيضا: على المكان المعين للفعل كميقات أهل الشام وميقات أهل اليمن، والمراد هاهنا الأول.
وفي قوله تعالى: {يسئلونك عن الأهلة}، وإن لم يشرح أن السؤال في أمرها عما ذا؟ عن حقيقة القمر وسبب تشكلاتها المختلفة في صور الهلال والقمر والبدر كما قيل، أوعن حقيقة الهلال فقط، الظاهر بعد المحاق في أول الشهر القمري كما ذكره بعضهم، أوعن غير ذلك.
ولكن إتيان الهلال في السؤال بصورة الجمع حيث قيل: يسئلونك عن الأهلة دليل على أن السؤال لم يكن عن ماهية القمر واختلاف تشكلاته إذ لوكان كذلك لكان الأنسب أن يقال: يسألونك عن القمر لا عن الأهلة، وأيضا لوكان السؤال عن حقيقة الهلال وسبب تشكله الخاص كان الأنسب أن يقال: يسألونك عن الهلال إذ لا غرض حينئذ يتعلق بالجمع، ففي إتيان الأهلة بصيغة الجمع دلالة على أن السؤال إنما كان عن السبب أو الفائدة في ظهور القمر هلالا بعد هلال ورسمه الشهور القمرية، وعبر عن ذلك بالأهلة لأنها هي المحققة لذلك فأجيب بالفائدة.
ويستفاد ذلك من خصوص الجواب: {قل هي مواقيت للناس والحج} ، فإن المواقيت وهي الأزمان المضروبة للأفعال، والأعمال إنما هي الشهور دون الأهلة التي ليست بأزمنة وإنما هي أشكال وصور في القمر.
وبالجملة قد تحصل أن الغرض في السؤال إنما كان متعلقا بشأن الشهور القمرية من حيث السبب أو الفائدة فأجيب ببيان الفائدة وأنها أزمان وأوقات مضروبة للناس في أمور معاشهم ومعادهم فإن الإنسان لا بد له من حيث الخلقة من أن يقدر أفعاله وأعماله التي جميعها من سنخ الحركة بالزمان، ولازم ذلك أن يتقطع الزمان الممتد الذي ينطبق عليه أمورهم قطعا صغارا وكبارا مثل الليل والنهار واليوم والشهر والفصول والسنين بالعناية الإلهية التي تدبر أمور خلقه وتهديهم إلى صلاح حياتهم، والتقطيع الظاهر الذي يستفيد منه العالم والجاهل والبدوي والحضري ويسهل حفظه على الجميع إنما هو تقطيع الأيام بالشهور القمرية التي يدركه كل صحيح الإدراك مستقيم الحواس من الناس دون الشهور الشمسية التي ما تنبه لشأنها ولم ينل دقيق حسابها الإنسان إلا بعد قرون وأحقاب من بدء حياته في الأرض وهومع ذلك ليس في وسع جميع الناس دائما.
فالشهور القمرية أوقات مضروبة معينة للناس في أمور دينهم ودنياهم وللحج خاصة فإنه أشهر معلومات، وكان اختصاص الحج بالذكر ثانيا تمهيد لما سيذكر في الآيات التالية من اختصاصه ببعض الشهور.
قوله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} إلى قوله: {من أبوابها}، ثبت بالنقل أن جماعة من عرب الجاهلية كانوا إذا أحرموا للحج لم يدخلوا بيوتهم عند الحاجة من الباب بل اتخذوا نقبا من ظهورها ودخلوا منه فنهى عن ذلك الإسلام وأمرهم بدخول البيوت من أبوابها، ونزول الآية يقبل الانطباق على هذا الشأن، وبذلك يصح الاعتماد على ما نقل من شأن نزول الآية على ما سيأتي نقله.
ولولا ذلك لأمكن أن يقال: إن قوله: {وليس البر} إلى آخره، كناية عن النهي عن امتثال الأوامر الإلهية والعمل بالأحكام المشرعة في الدين إلا على الوجه الذي شرعت عليه، فلا يجوز الحج في غير أشهره، ولا الصيام في غير شهر رمضان وهكذا وكانت الجملة على هذا متمما لأول الآية، وكان المعنى أن هذه الشهور أوقات مضروبة لأعمال شرعت فيها ولا يجوز التعدي بها عنها إلى غيرها كالحج في غير أشهره، والصوم في غير شهر رمضان وهكذا فكانت الآية مشتملة على بيان حكم واحد.
وعلى التقدير الأول الذي يؤيده النقل فنفي البر عن إتيان البيوت من ظهورها يدل على أن العمل المذكور لم يكن مما أمضاه الدين وإلا لم يكن معنى لنفي كونه برا فإنما كان ذلك عادة سيئة جاهلية فنفى الله تعالى كونه من البر، وأثبت أن البر هو التقوى، وكان الظاهر أن يقال: ولكن البر هو التقوى، وإنما عدل إلى قوله: {ولكن البر من اتقى}، إشعارا بأن الكمال إنما هو في الاتصاف بالتقوى وهو المقصود دون المفهوم الخالي كما مر نظيره في قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن} الآية.
والأمر في قوله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها}، ليس أمرا مولويا وإنما هو إرشاد إلى حسن إتيان البيوت من أبوابها لما فيه من الجري على العادة المألوفة المستحسنة الموافقة للغرض العقلائي في بناء البيوت ووضع الباب مدخلا ومخرجا فيها، فإن الكلام واقع موقع الردع عن عادة سيئة لا وجه لها إلا خرق العادة الجارية الموافقة للغرض العقلائي، فلا يدل على أزيد من الهداية إلى طريق الصواب من غير إيجاب، نعم الدخول من غير الباب بمقصد أنه من الدين بدعة محرمة.
قوله تعالى: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} ، قد عرفت في أول السورة أن التقوى من الصفات التي يجامع جميع مراتب الإيمان ومقامات الكمال، ومن المعلوم أن جميع المقامات لا يستوجب الفلاح والسعادة كما يستوجبه المقامات الأخيرة التي تنفي عن صاحبها الشرك والضلال وإنما تهدي إلى الفلاح وتبشر بالسعادة، ولذلك قال تعالى: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} ، فأتى بكلمة الترجي، ويمكن أن يكون المراد بالتقوى امتثال هذا الأمر الخاص الموجود في الآية وترك ما ذمه من إتيان البيوت من ظهورها.
___________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص47-49.
التقويم الطبيعي :
كما اتّضح من سبب نزول هذه الآية الشريفة من أنّ جماعة سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)عن الهلال وما يحصل عليه من تغييرات متدرّجة وعن أسبابها ونتائجها، فيجيب القرآن الكريم على سؤالهم بقوله {يَسْألونَكَ عَنِ الأهَلّةِ}.
(أهلّة) جمع «هلال» ويعني القمر في اللّيلة الاُولى والثانية من الشهر، وقال بعضهم أنّ التسمية تطلق عليه لثلاث ليالي من أوّل الشّهر وبعد ذلك يُسمّى (قمر)، وذهب بعضهم إلى أكثر من هذا المقدار.
ويرى المرحوم (الطبرسي) في مجمع البيان وآخرون من المفسّرين أنّ مفردة «الهلال» هي في الأصل من (استهلال الصبي) ويعني بكاء الطفل من بداية تولّده، ثمّ استُعمل للقمر في بداية الشهر، وكذلك اسُتعمل أيضاً في قول الحجّاج في بداية مناسكهم : «لبيّك لبيّك». بصوت عال، فيقال (أهلّ القوم بالحج) ولكن يُستفاد من كلمات الرّاغب في المفردات عكس هذا المطلب وأنّ أصل هذه المفردة هو الهلال في بداية الشهر وقد استفيد منه (استهلال الصبي) أي بكائه عند ولادته.
وعلى كلّ حال يُستفاد من جملة (يسألونك) الّتي هي فعل مضارع يدل على التكرار أنّ هذا السؤال قد تكرّر مرّات عديدة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثمّ تقول الآية {قل هي مواقيت للنّاس والحجّ}.
فما يحصل عليها من تغييرات منتظمة تدريجيّة ، يجعل منها تقويماً طبيعياً يساعد الناس على تنظيم اُمورهم الحياتية القائمة على التوقيت وتحديد الزمن، وكذلك على تنظيم اُمور عباداتهم المحدّدة بزمان معيّن كالحجّ والصوم، والهلال هو المرجع في تعيين هذا الزمان، وبالإستهلال ينظّم الناس اُمور عبادتهم وشؤون دنياهم.
هذا التقويم الطبيعي ميسور لجميع البشر متعلّمهم وأمّيّهم، في جميع بقاع الأرض، وبموجبه يمكن تعيين أوّل الشهر ووسطه وآخره، بل كلّ يوم من أيّامه بدقّة.
وواضح أنّ نظام الحياة الإجتماعية يحتاج إلى تقويم، أيْ إلى وسيلة تعيّن التاريخ الدقيق، ومن هنا وضع الله سبحانه هذا التقويم الطبيعي للناس في كلِّ زمان ومكان.
من امتيازات قوانين الإسلام أنّ أحكامه قائمة عادةً على المقاييس الطبيعية لأنّ هذه المقاييس متوفّرة لدى جميع الناس، ولا يؤثّر عليها مرور الزمان شيئاً.
أمّا المقاييس غير الطبيعية فليست في متناول يد الجميع ولم يستطع جميع البشر حتّى في زماننا هذا أن يستفيدوا من مقاييس عالمية موحّدة.
لذلك نرى أنّ المقياس في الأحكام الإسلامية يقوم في الأطوال على أساس الشبر والخطوة والذراع والقامة، وفي الزمان على غروب الشمس وطلوع الفجر وزوال الشمس ورؤية الهلال.
وهنا يتّضح امتياز الأشهر القمريّة عن الشمسيّة، فبالرغم من أنّ كلاً منهما يترتّب على حركات الكواكب السماويّة، ولكنّ الأشهر القمريّة قابلة للمشاهدة من الجميع، في حين أنّ الأشهر الشمسيّة لا يمكن تشخيصها إلاّ بواسطة المنجميّن وبالوسائل الخاصّة لديهم، فيعرفون مثلاً أنّ الشمس في هذا الشهر سوف تقع في مقابل أيّ صورة فلكيّة وأيّ برج سماوي.
وهنا يُطرح هذا السؤال : هل أنّ الأشخاص الّذين سألوا عن الأهلّة كان هدفهم هو الاستفسار عن فائدة هذه التغيّرات، أو السؤال عن كيفيّة ظهور الهلال وتكامله إلى مرحلة البدر الكامل ؟
ذهب بعض المفسّرين إلى الإحتمال الأوّل، والبعض الآخر ذهب إلى الثاني وأضاف : بما أنّ السؤال عن الأسباب وعلل التغييرات ليست ذات فائدة لهم ولعلّ فهم الجواب أيضاً سيكون عسيراً على أذهانهم، فلهذا بيّن القرآن النتائج المترتبّة على تغييرات الهلال لكي يتعلّم الناس أن يتوجّهوا دوماً صوب النتائج.
ثمّ أنّ القرآن أشار في ذيل هذه الآية وبمناسبة الحديث عن الحجّ وتعيين موسمه بواسطة الهلال الّذي ورد في أوّل الآية إلى إحدى عادات الجاهليّين الخرافيّة في مورد الحجّ ونهت الآية الناس عن ذلك، حيث تقول : {ولَيسَ البرُّ بأنْ تُؤْتوا البُيوتَ مِنْ ظُهورها ولكنَّ البِرَّ مَنِ اتّقى وأتوا البُيوتَ مِن أبْوابِها واتّقُوا الله لَعلّكُمْ تُفْلِحوُن}.
ذهب كثير من المفسّرين إلى أن الناس في زمن الجاهليّة كانوا يمتنعون لدى لبسهم ثياب الإحرام من الدخول في بيوتهم من أبوابها ويعتقدون بحرمة هذا العمل، ولهذا السبب فإنّهم كانوا يفتحون كُوّه وثقب خلف البيوت لكي يدخلوا بيوتهم منها عند إحرامهم، وكانوا يعتقدون أنّ هذا العمل صحيح وجيّد، لأنّه بمعنى ترك العادة(2) والإحرام يعني مجموعة من تروك العادات فيكتمل كذلك بترك هذه العادة.
ويرى بعضهم أنّ هذا العمل كان بسبب أنّهم لا يستظلّون بسقف في حال الإحرام، ولذلك فإنّ المرور من خلال ثقب الحائط بالقياس مع دخول الدار من الباب يكون أفضل(3)، ولكنّ القرآن يصرّح لهم أنّ الخير والبر في التقوى لا في العادات والرّسوم الخرافيّة، ويأمر بعد ذلك فوراً بأن يدخلوا بيوتهم من أبوابها.
وهذه الآية لها معنىً أوسع وأشمل، وذلك أنّ الإنسان لابدّ له عندما يقدم على أيّ عمل من الأعمال سواء كان دينياً أو دنيوياً لابدّ له من أن يرده من طريق الصحيح لا من الطرق المنحرفة، كما ورد هذا المعنى في رواية جابر عندما سأل الإمام الباقر (عليه السلام) عن ذلك(4).
وهكذا يكون بامكاننا العثور على ارتباط جديد بين بداية الآية ونهايتها، وذلك أنّ كلّ عمل لابدّ أن يرده الإنسان من الطريق الصحيح، فالعبادة في الحجّ أيضاً لابدّ أن يبتدأ الإنسان بها في الوقت المقرّر وتعيينه بواسطة الهلال.
التفسير الثالث المذكور لهذه الآية هو أنّ الإنسان عندما يبحث عن الخيرات والبر لابدّ أن يتوجّه صوب أهله ولا يطلبه من غير أهله، ولكنّ هذا التفسير يمكن إدراجه في التفسير الثاني حيث ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام)عن الإمام الباقر (عليه السلام) (آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاّء عليها إلى يوم القيامة)(5).
هذا الحديث قد يشير إلى أحد مصاديق المفهوم الكلّي للآية لأنّه يقول أنّ عليكم أن تردوا في جميع اُموركم الدينيّة عن الطريق الصحيح لها، يعني أهل بيت النبوّة الّذين هم طبقاً لحديث الثقلين قرين القرآن، ولذلك يمكنكم أن تأخذوا معارفكم الدينيّة منهم، لأنّ الوحي الإلهي نزل في بيوتهم، فهم أهل بيت الوحي وصنائع القرآن وثمار تربيته.
جملة (ليس البرّ) يمكنها أن تكون إشارة إلى نكتة لطيفة اُخرى أيضاً، وهي أنّ سؤالكم عن الأهلّة بدل سؤالكم عن المعارف الدينيّة بمثابة مَن يترك الدخول إلى داره من الباب الأصلي ثمّ يرده من ظهر البيت فهو عمل مستقبح ومستهجن.
ضمناً يجب الإلتفات إلى هذه النكتة في قوله تعالى (لكنّ البرّ من اتّقى) أنّ وجود المتقّين بمثابة الينابيع المستفيضة بالخيرات، بحيث أنّهم قد يطلق عليهم كلمة (البر) نفسه(6).
______________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص451-453.
2 ـ تفسير البيضاوي : ذيل الآية مورد البحث ، وتفسير القرطبي ، ج2 ، ص341.
3- تفسير القرطبي ، ج2 ، ص341. تفسير بحر المحيط ، ج2 ، ص229.
3 ـ مجمع البيان، ج1، ص 284 في تفسير الآية مورد البحث. وتفسير العياشي ، ج1 ،ص86، ح211.
5 ـ مجمع البيان : ذيل الاية مورد البحث ، ووسائل الشيعة ، ج27، ص20 ، ح33099.
6 ـ وذهب البعض إلى وجود حذف في الجملة وتقديره : (لكن البر من اتقى ذلك).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|