المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



تفسير الايات (115-117)من سورة البقرة  
  
2996   02:23 مساءً   التاريخ: 9-12-2016
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 115 - 117].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير الآيات (1) :

{ولله المشرق والمغرب} أراد أن المشرق والمغرب لله ملكا وقيل أراد أنه خالقهما وصانعهما وقيل معناه يتولى إشراق الشمس من مشرقها وإغرابها من مغربها {فأينما تولوا فثم وجه الله} معناه فأينما تولوا وجوهكم فحذف المفعول للعلم به فثم أي فهناك وجه الله أي قبلة الله عن الحسن ومجاهد وقتادة والوجه والجهة والوجهة القبلة ومثله الوزن والزنة والعرب تسمي القصد الذي تتوجه إليه وجها قال الشاعر :

أستغفر الله ذنبا لست محصيه *** رب العباد إليه الوجه والعمل

معناه إليه القصد بالعبادة وقيل معناه فثم الله يعلم ويرى فادعوه كيف توجهتم كقوله تعالى : {يريدون وجهه} أي يريدونه بالدعاء ويقال لما قرب من المكان هنا ولما تراخى ثم وهناك وقوله {كل شيء هالك إلا وجهه} أي إلا هو ويبقى وجه ربك أي ويبقى ربك عن الكلبي وقيل معناه ثم رضوان الله يعني الوجه الذي يؤدي إلى رضوانه كما يقال هذا وجه الصواب عن أبي علي والرماني .

{إن الله واسع} أي غني عن أبي عبيدة وتقديره غني عن طاعتكم وإنما يريدها لمنافعكم وقيل واسع الرحمة فلذلك رخص في الشريعة عن الزجاج وقيل واسع المقدور يفعل ما يشاء {عليم} أي عالم بوجوه الحكمة فبادروا إلى ما أمركم به وقيل عليم أين يضع رحمته على ما توجبه الحكمة وقيل عليم بنياتكم حيثما صليتم ودعوتم .

لما حكى الله سبحانه قول اليهود في أمر القبلة ورد عليهم قولهم ذكر مقالتهم في التوحيد رادا عليهم قال {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} أي إجلالا له عن اتخاذ الولد وتنزيها عن القبائح والسوء والصفات التي لا تليق به وروي عن طلحة بن عبيد الله أنه سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن معنى قوله {سبحانه} فقال تنزيها لله عن كل سوء بل له ما في السموات والأرض هذا رد عليهم قولهم {اتخذ الله ولدا} أي ليس الأمر كما زعموا {بل له ما في السموات والأرض} ملكا والولد لا يكون ملكا للأب لأن البنوة والملك لا يجتمعان فكيف يكون الملائكة الذين هم في السماء والمسيح الذي هو في الأرض ولدا له فنبه بذلك على أن المسيح وغيره عبيد له مخلوقون مملوكون فهم بمنزلة سائر الخلق وقيل معناه بل له ما في السماوات والأرض فعلا والفعل لا يكون من جنس الفاعل والولد لا يكون إلا من جنس أبيه فإن من تبنى إنسانا فالذي تبناه لا بد من أن يكون من جنسه .

وقوله {كل له قانتون} قال ابن عباس ومجاهد معناه مطيعون وقال السدي كل له مطيع يوم القيامة وقال الحسن كل له قائم بالشهادة أنه عبده وقال الجبائي كل دائم على حال واحدة بالشهادة بما فيه من آثار الصنعة والدلالة على الربوبية وقال أبو مسلم كل في ملكه وقهره يتصرف فيه كيف يشاء لا يمتنع عليه .

لما نزه الله سبحانه نفسه عن اتخاذ الأولاد ودل عليه بأن له ما في السماوات والأرض أكد ذلك بقوله {بديع السموات والأرض} أي منشىء السماوات والأرض على غير مثال امتثله ولا احتذاء من صنع خالق كان قبله {وإذا قضى أمرا} قيل معناه إذا فعل أمرا أي أراد إحداث أمر كقوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله أي إذا أردت قراءة القرآن وقيل معناه إذا أحكم أمرا وقيل معناه حكم وحتم بأنه يفعل أمرا والأول أوجه وقوله {فإنما يقول له كن فيكون} اختلف فيه على وجوه (أحدها) أنه بمنزلة التمثيل لأن المعدوم لا يصح أن يخاطب ولا يؤمر وحقيقة معناه أن منزلة الفعل في تسهله وتيسره عليه وانتفاء التعذر منه كمنزلة ما يقال له كن فيكون كما يقال قال فلان برأسه أو بيده كذا إذا حرك رأسه أو أومأ بيده ولم يقل شيئا على الحقيقة وكما قال أبو النجم :

قد قالت الأنساع للبطن الحق *** قدما فاضت كالفنيق المحنق(2)

 وقال العجاج يصف ثورا :

وفيه كالأعراض للعكور*** فكر ثم قال في التفكير

إن الحياة اليوم في الكرور

وقال عمر وبن قميئة السدوسي :

فأصبحت مثل النسر طارت فراخه *** إذا رام تطيارا يقال له قع

وقال آخر :

وقالت له العينان سمعا وطاعة *** وحدرتا كالدر لما يثقب

والمشهور فيه قول الشاعر :

امتلأ الحوض وقال قطني *** مهلا رويدا قد ملأت بطني

وهو قول أبي علي وأبي القاسم وجماعة من المفسرين (وثانيها) أنه علامة جعلها الله للملائكة إذا سمعوها علموا أنه أحدث أمرا وهذا هو المحكي عن أبي الهذيل .

(وثالثها) ما قاله بعضهم أن الأشياء المعدومة لما كانت معلومة عند الله تعالى صارت كالموجود فصح أن يخاطبها ويقول لما شاء إيجاده منها كن والأصح من الأقوال الأول وهو الأشبه بكلام العرب ويؤيده قوله تعالى : فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين وإن حمل على القول الثاني فالمراد أن يقول للملائكة على جهة الإعلام منه لهم وإخباره إياهم عن الغيب كن أي يقول أكون فيكون فاعل كن الله وهو في معنى الخبر وإن كان اللفظ لفظ الأمر على ما تقدم بيانه وقد يجوز على هذا أن يكون فاعل كن الشيء المعدوم المراد كونه وتقديره يقول من أجله للملائكة يكون شيء كذا فيكون ذلك على ما يخبر به لا خلف له ولا تبديل عما يخبر به وأما القول الثالث فبعيد لأن المعدوم لا يصح خطابه ولا أمره بالكون والوجود ليخرج بهذا الأمر إلى الوجود لأن ذلك امتثال للأمر وتلق له بالقبول والطاعة وهذا إنما يتصور من المأمور الموجود دون المعدوم ولو صح ذلك لوجب أن يكون المأمور المعدوم فاعلا لنفسه كما يكون المتلقي لما يؤمر به بالقبول فاعلا لما أمر به وهذا فاسد ظاهر البطلان وقال بعضهم إنما يقول كن عند وجود الأشياء لا قبلها ولا بعدها كقوله تعالى : ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون وإنما أراد أنه يدعوهم في حال خروجهم لا قبله ولا بعده وهذا الوجه أيضا ضعيف لأن من شرط حسن الأمر أن يتقدم المأمور به وكذلك الدعاء وفي هذه الآية دلالة على أنه سبحانه لا يجوز أن يتخذ ولدا لأنه إذا ثبت أنه منشىء السماوات والأرض ثبت بذلك أنه سبحانه ليس بصفة الأجسام والجواهر لأن الجسم يتعذر عليه فعل الأجسام ومن كان بهذه الصفة لم يجز عليه اتخاذ الولد ولأنه سبحانه قد أنشأ عيسى من غير أب من حيث هو مبدع الأشياء فجل عن اتخاذ الأبناء وتعالى علوا كبيرا .

______________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص358-365.

2- الفنيق : الفحل المكرم لا يؤذى ولا يركب لكرامته . المُحنق : الضامر .

 

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير الآيات (1) :

 {ولِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} . أي ان الأرض والجهات والأشياء كلها للَّه ، فأينما تعبدتم ، وانّي انجهتم قاصدين بالعبادة وجه اللَّه فاللَّه يتقبل منكم ، فمن منع من العبادة في المساجد ، فليتعبد حيث شاء ، ويتجه إلى أية جهة أراد ، فان الأرض كلها مسجد ، والجهات كلها قبلة ، وقال بعض المفسرين : ان التعميم في الآية للجهة فقط دون المكان ، لقوله سبحانه {ولِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ} . . وقد ذهل هذا المفسر عن قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهً واسِعٌ عَلِيمٌ} معللا به تعميم الجهة . . ومن المعلوم ان تعميم علة الحكم تستدعي تعميم الحكم بداهة تبعية المعلول لعلته ، والمسبب لسببه ، وبكلمة ما دامت الجهات والأماكن كلها للَّه فيصح التعبد له في كل مكان ، والاتجاه بالعبادة إلى جميع الجهات .

وتسأل : ان ظاهر الآية يدل على ان المكلف مخير في أن يتجه بصلاته إلى جميع الجهات ، ولا يتعين عليه التوجه إلى خصوص الكعبة ، مع العلم بأن هذا خلاف ما أجمع عليه المسلمون ؟ .

الجواب : أجل ، ان ظاهر الآية يدل على ذلك ، ويشمل الصلاة المفروضة والمستحبة في جميع الحالات ، ولكن ثبت عن النبي وأهل بيته (صلى الله عليه واله وسلم) ، وبالإجماع

أيضا ان المفروضة لا تصح مع الإمكان إلا إلى الكعبة ، وان المستحبة تصح حال المشي والركوب على الراحلة إلى أية جهة تكون ، وكذلك المتحير الذي يجهل جهة الكعبة تصح منه المكتوبة حيث يتجه بها مع عجزه عن الاحتياط ، وبهذه الأحاديث والإجماع نخصص قوله تعالى : {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} نخصصها بالصلاة المستحبة حال المشي والركوب ، وبصلاة المتحير . وأيضا بالأحاديث والإجماع نخصص الآية 149 من سورة البقرة : {ومِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} نخصصها بالصلاة المكتوبة مع الاختيار ، والنافلة مع الاستقرار (2) .

وبهذا يتبين الخطأ والاشتباه في قول من قال : ان قوله تعالى : فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ناسخ لقوله سبحانه : {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، لأن من شروط النسخ التنافي والتعارض بين الناسخ والمنسوخ ، بحيث يرد الإثبات والنفي على موضوع واحد ، وقد عرفت ان موضوع فول وجهك شطر المسجد خصوص صلاة الفريضة والنافلة مع الاستقرار ، وان موضوع أينما تولوا فثم وجه اللَّه - ما عدا ذلك .

{وقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً} . قدمنا في تفسير الآية 113 ان كلا من اليهود والنصارى ومشركي العرب قالوا : انهم وحدهم على حق ، وغيرهم ليس بشيء ، أوليس على شيء ، وعليه يكون الضمير في قوله تعالى : {وقالوا} راجعا إلى هذه الطوائف الثلاث ، وقد جاء في القرآن الكريم ان اليهود قالوا : عزير ابن اللَّه ، وان النصارى قالوا : المسيح ابن اللَّه ، وان مشركي العرب قالوا :

الملائكة بنات اللَّه ، فلا جرم صحت هذه الحكاية عنهم جميعا .

(سبحانه) كلمة تنزيه ، وفي آية ثانية : {سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} .

لأن وجود الولد للَّه تعالى يستلزم العديد من المحاذير :

{منها} : ان التي تلد منه لا بد أن تكون من جنسه ، ليمكن الاستيلاد ، واللَّه لا جنس له ولا ند .

و{منها} : ان الولادة تستدعي المقاربة ، والمقاربة تستدعي الجسمية ، واللَّه ليس بجسم .

و{منها} : ان السبب الموجب للولد هو الاحتياج له ، والمفروض ان اللَّه غني عن العالمين .

و{منها} : ان الذي يلد لا بد أن يكون مولودا ، والمفروض ان اللَّه غير مولود .

 قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا أي يكون أبوه مشاركا له في العز - ولم يلد فيكون موروثا هالكا) أي يموت الأب فيرثه الابن . تعالى اللَّه عن ذلك علوا كبيرا .

و{منها} : ان كل ما في السماوات والأرض مخلوق ومملوك للَّه ، والمخلوق المملوك لا يكون ابنا للخالق المالك ، ولا الخالق المالك أبا للمخلوق المملوك . .

وبهذا يتضح وجه الاستدلال على نفي الولد عنه تعالى في قوله : {بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ والأَرْضِ} .

{كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ} . أي مطيعون منقادون .

وتسأل : ان (ما) تستعمل فيما لا يعقل ، و{قانِتُونَ} تستعمل فيمن يعقل ، لأنه جمع بالواو والنون ، والمراد ب (ما) هو عين المراد ب {قانِتُونَ} فكيف صح التعبير عن الشيء الواحد بما لا يعقل تارة ، وبمن يعقل أخرى ؟ .

الجواب : ان الأرض والسماوات تشتمل على من يعقل ، وما لا يعقل ، وقد تضمنت الآية جملتين : إحداهما أثبتت ملك اللَّه لما حوته الأرض والسماوات ، والثانية أثبتت طاعته للَّه . . وحين أراد اللَّه سبحانه التعبير عن الملك غلب ما لا يعقل ، لأن الملك يتعلق به ، وحين أراد الطاعة غلب من يعقل ، لأنها لا تصدر إلا عن عقل واختيار .

{بَدِيعُ السَّماواتِ والأَرْضِ} . المبدع هو المخترع والمبتكر الذي لم يأخذ من غيره ، ومنه قوله تعالى : {ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها} ، وعليه يكون المعنى : إذا كان اللَّه هو منشئ السماوات والأرض ومبدعها فكيف ينسب إليه شيء مما فيهما على انه ولد له ؟ .

{وإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . هذا كناية عن عظمة اللَّه وقدرته ، وانه بمجرد أن يريد يتحقق المراد ، سواء لم يكن شيء فيوجده بإرادته من لا شيء ، أو كان شيئا ، وأراد تحويله إلى شيء آخر ، فيتحول . .

وذكرنا في تفسير الآية 26 - 27 فقرة (التكوين والتشريع) ان للَّه إرادتين :

إرادة التكوين ، وإرادة التشريع ، فراجع ان شئت . . ومن إرادة التكوين قوله تعالى في الآية 59 سورة آل عمران : {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} .

____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص185-188.

2- انظر تفسير الآية الآتية 142 ، فقرة {لما ذا الصلاة إلى جهة معينة} فإنها متممة لهذا التفسير .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير الآيات (1) :

قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله}، المشرق والمغرب وكل جهة من الجهات حيث كانت فهي لله بحقيقة الملك التي لا تقبل التبدل والانتقال، لا كالملك الذي بيننا معاشر أهل الاجتماع، وحيث إن ملكه تعالى مستقر على ذات الشيء محيط بنفسه وأثره، لا كملكنا المستقر على أثر الأشياء ومنافعها، لا على ذاتها، والملك لا يقوم من جهة أنه ملك إلا بمالكه فالله سبحانه قائم على هذه الجهات محيط بها وهو معها، فالمتوجه إلى شيء من الجهات متوجه إليه تعالى.

ولما كان المشرق والمغرب جهتين إضافيتين شملتا سائر الجهات تقريبا إذ لا يبقى خارجا منهما إلا نقطتا الجنوب والشمال الحقيقتان ولذلك لم يقيد إطلاق قوله فأينما، بهما بأن يقال: أينما تولوا منهما فكأن الإنسان أينما ولى وجهه فهناك إما مشرق أو مغرب، فقوله: {ولله المشرق والمغرب} بمنزلة قولنا: ولله الجهات جميعا وإنما أخذ بهما لأن الجهات التي يقصدها الإنسان بوجهه إنما تتعين بشروق الشمس وغروبها وسائر الأجرام العلوية المنيرة.

قوله تعالى: {فثم وجه الله}، فيه وضع علة الحكم في الجزاء موضع الجزاء، والتقدير - والله - أعلم فأينما تولوا جاز لكم ذلك فإن وجه الله هناك، ويدل على هذا التقدير تعليل الحكم بقوله تعالى: {إن الله واسع عليم}، أي إن الله واسع الملك والإحاطة عليم بقصودكم أينما توجهت، لا كالواحد من الإنسان أو سائر الخلق الجسماني لا يتوجه إليه إلا إذا كان في جهة خاصة، ولا أنه يعلم توجه القاصد إليه إلا من جهة خاصة كقدامه فقط، فالتوجه إلى كل جهة توجه إلى الله، معلوم له سبحانه.

واعلم أن هذا توسعة في القبلة من حيث الجهة لا من حيث المكان، والدليل عليه قوله: {ولله المشرق والمغرب}.

قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولدا} يعطي السياق، أن المراد بالقائلين بهذه المقالة هم اليهود والنصارى: إذ قالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فإن وجه الكلام مع أهل الكتاب، وإنما قال أهل الكتاب هذه الكلمة أعني قولهم: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا } أول ما قالوها تشريفا لأنبيائهم كما قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] ثم تلبست بلباس الجد والحقيقة فرد الله سبحانه عليهم في هاتين الآيتين فأضرب عن قولهم بقوله: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ..} ..الخ، ويشتمل على برهانين ينفي كل منهما الولادة وتحقق الولد منه سبحانه، فإن اتخاذ الولد هو أن يجزي موجود طبيعي بعض أجزاء وجوده، ويفصله عن نفسه فيصيره بتربية تدريجية فردا من نوعه مماثلا لنفسه، وهو سبحانه منزه عن المثل، بل كل شيء مما في السموات والأرض مملوك له، قائم الذات به، قانت ذليل عنده ذلة وجودية، فكيف يكون شيء من الأشياء ولدا له مماثلا نوعيا بالنسبة إليه؟ وهو سبحانه بديع السموات والأرض، إنما يخلق ما يخلق على غير مثال سابق، فلا يشبه شيء من خلقه خلقا سابقا، ولا يشبه فعله فعل غيره في التقليد والتشبيه ولا في التدريج، والتوصل بالأسباب إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون من غير مثال سابق ولا تدريج، فكيف يمكن أن ينسب إليه اتخاذ الولد؟ وتحققه يحتاج إلى تربية وتدريج، فقوله: {له ما في السموات والأرض كل له قانتون} برهان تام، وقوله: { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117] برهان آخر تام، هذا.

ويستفاد من الآيتين: أولا: شمول حكم العبادة لجميع المخلوقات مما في السموات والأرض.

وثانيا: أن فعله تعالى غير تدريجي، ويستدرج من هنا، أن كل موجود تدريجي فله وجه غير تدريجي، به يصدر عنه تعالى كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] ، وقال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] ، وتفصيل القول في هذه الحقيقة القرآنية، سيأتي إن شاء الله في ذيل قوله: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا } [يس: 82] فانتظر.

قوله تعالى: {سبحانه} مصدر بمعنى التسبيح وهولا يستعمل إلا مضافا وهو مفعول مطلق لفعل محذوف أي سبحته تسبيحا، فحذف الفعل وأضيف المصدر إلى الضمير المفعول وأقيم مقامه، وفي الكلمة تأديب إلهي بالتنزيه فيما يذكر فيه ما لا يليق بساحة قدسه تعالى وتقدس.

قوله تعالى: {كل له قانتون}، القنوت العبادة والتذلل.

قوله تعالى: {بديع السموات}، بداعة الشيء كونه لا يماثل غيره مما يعرف ويؤنس به.

قوله تعالى: {فيكون}، تفريع على قول كن وليس في مورد الجزاء حتى يجزم.

_____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص217- 219.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الآيات (1) :

أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ:

الآية السابقة تحدثت عن الظالمين الذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ويسعون في خرابها، وهذه الآية تواصل موضوع الآية السابقة فتقول: {وِللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَايْنَمَا تُولُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}.

تؤكد هذه الآية أن منع النّاس عن إحياء المساجد لا يقطع الطريق أمام عبودية الله، فشرق هذا العالم وغربه لله سبحانه، وأينما تولوا وجوهكم فالله موجود. وتغيير القبلة تمّ لظروف خاصة، وليس له علاقة بمكان وجود الله، فالله سبحانه وتعالى لا يحده مكان، ولذلك تقول الآية بعد ذلك: {إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

واضح أن المقصود بالمشرق والمغرب في الآية ليس هو الجهتين الخاصتين، بل هو كناية عن كل الجهات. كأن يقول أحد مثلا: أعداء علي(عليه السلام) سعوا للتغطية على فضائله، لكن فضائله انتشرت في شرق العالم وغربه، (أي في كل العالم). ولعل سبب شيوع استعمال الشرق والغرب في الكلام أن الإنسان يتعرف أولا على هاتين الجهتين، ثم يعرف بقية الجهات عن طريق هاتين الجهتين.

وفي آية اُخرى يقول القرآن الكريم: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} [الأعراف: 137].

خرافات اليهود والنصارى والمشركين

المسيحيون وجمع من اليهود والمشركون تبنّوا عقيدة تافهة بشأن اتخاذ الله ابناً.

قال سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30].

وقال عزّ شأنه: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [يونس: 68].

وهناك آيات اُخرى ذكرت هذا المعتقد المنحرف.

وهذه الآية الكريمة التي نحن بصددها تقول: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً} ثم تجيب عليهم أوّلا بتنزيه الله عن هذه النسبة: {سُبْحَانَهُ}، فما حاجة الله إلى الولد؟ هل هو محتاج إلى المساعدة أو إلى بقاء النسل؟! نعم، لا يمكن نسبة أي إحتياج إلى الله {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ} وجميع الكون خاضع له {كُلُّ لَهُ قَانِتُونَ}.

وليس هو مالك جميع موجودات الكون فحسب، بل هو خالقها ... بل مبدعها أي موجدها دون إحتياج إلى مادة أولية في هذا الإِيجاد {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ}.

ما حاجة الله إلى الولد وهو النافذ الإِرادة في جميع الموجودات؟! {فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [غافر: 68] .

_____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص289-293.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .