المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



هدهد سليمان وعرش بلقيس  
  
3804   06:37 مساءاً   التاريخ: 18-11-2014
المؤلف : محمد جواد مغنية
الكتاب أو المصدر : تفسير الكاشف
الجزء والصفحة : ج6 ، ص15-24.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي سليمان وقومه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-1-2023 3453
التاريخ: 2-06-2015 2291
التاريخ: 10-10-2014 4861
التاريخ: 10-10-2014 2465

قال تعالى :  {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل : 20، 21].

المرحلة الاولى : اخبار الهدهد عن عرش بلقيس.

كان لسليمان أصناف من الطيور تأتمر بأمره ، وهي مطلقة غير مسجونة في قفص وشبهه ، وفي ذات يوم تعهد الطيور ، كما يتعهد القائد جنوده ، فلم يجد الهدهد من بينها ، ولم يكن قد أذن له بالغياب ، فتهدده - على مسمع من الطيور - بالعذاب كالسجن ونحوه ، أو بالإعدام إذا لم يدل بحجة واضحة تبرر غيابه .

{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } [النمل : 22] . لم يمض أمد قصير على تهديد سليمان حتى جاء الهدهد ، وقال له : اكتشفت شيئا هاما لا تعرفه أنت على سعة علمك « وجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ولَها عَرْشٌ عَظِيمٌ » . المراد بسبأ القوم الذين ينتسبون إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، والمرأة هي بلقيس بنت شراحيل ، وكان من الملوك ، وورثت ابنته بلقيس السلطان منه ، وكانت تملك جميع مظاهر الثراء

والترف في زمانها ، وكانت تجلس على سرير ضخم وثمين مرصع بقلوب المساكين ، ومطلي بعرقهم ودمائهم . . وطريف قول بعض المفسرين : انه كان مسقوفا ، وان مساحته ثمانون ذراعا مربعا ، وأيضا علوه ثمانون .

{وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل : 24]. وتسأل : ان الطيور والحيوانات والحشرات تعرف بغريزتها مأكلها ومشربها وما يضرها وينفعها ، ويعرف الذكر منها الأنثى من نوعه ، والأنثى تعرف الذكر من نوعها ، تعرف ذلك وما إليه لأنه من مقومات وجودها ، وحافظ لحياتها واستمرار بقائها ، اما ان تميز بين الذكر والأنثى من الآدميين ، وتعرف ان اسم هذه القبيلة سبأ وتلك ثمود - مثلا - وان هؤلاء القوم يؤمنون باللَّه ، وأولئك يكفرون به ، أما هذا وما إليه فلا يتصل بحياتها من قريب أو بعيد كي تعرفه بالفطرة والغريزة . . إذن فمن أين جاء العلم للهدهد باسم القبيلة ، وبالمرأة التي تملكهم ، وبأنهم يعبدون الشمس ، مع أننا نحن الآدميين لا نميز بمجرد النظر الذكر من الأنثى في أكثر أنواع الطيور ، وفي جميع الحشرات والأسماك ؟ .

الجواب : ان الآية أثبتت هذه الأوصاف لهدهد سليمان فقط ، وثبوتها له لا يستدعي ثبوتها لكل طير أو لكل هدهد تماما كما لا تستدعي معرفة فلان باللغة الانكليزية أن يعرفها كل الناس . . أما معرفة هدهد سليمان بما أخبره به فلا تفسير له عندنا إلا بمشيئة اللَّه .

« أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ ويَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وما تُعْلِنُونَ » . المراد بالخبء هنا خيرات الكون ، واللَّه سبحانه يخرجها لعباده بالأسباب الطبيعية كالنبات يخرجه من الأرض بسبب المطر ، والتوالد بسبب التلقيح ، أو بالوسائل العلمية كالمعادن وما إليها يخرجها اللَّه بأيدي العلماء وأدواتهم الفنية ، وقد عبّر سبحانه عن هذه الوسائل والأسباب بأيدي اللَّه حيث قال : أَولَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ - 71 يس . « اللَّهُ لا إِلهً إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » الذي لا يقاس بملكه ملك ، ولا بعظمته عظمة .

المرحلة الثانية : ارسال كتاب سليمان الى بلقيس

{قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل : 27].

أخبر الهدهد سليمان عن قوم سبأ ، فقال له : سنختبر مقالتك لنعرف مكانها من الصدق {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } [النمل : 28] . كتب سليمان إلى القوم يدعوهم إلى طاعته ، وأعطى الكتاب للهدهد ، وقال له : أوصله إليهم بطريق من الطرق ، وتنح عنهم إلى مكان تراقبهم منه ، وتسمع ما يقولون وما يتفقون عليه ، وترجع إليّ بخبرهم .

{ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل : 29 - 31]. حمل الهدهد الكتاب إلى القوم ، وألقاه في مكان من قصر الملكة ، بحيث ترى الكتاب ، ولا تعلم من جاء به ، كما تشعر كلمة ألقي بصيغة المجهول ، ثم تنحى الهدهد إلى مكان قريب يسجل حركات القوم وأقوالهم ، تماما كالموظف في الاستخبارات ، ولما رأت الملكة الكتاب وعلمت ما فيه جمعت الوزراء والمستشارين ، وعرضته عليهم ، ووصفته بالكريم لأن صاحبه عظيم الجاه والسلطان . . والبسملة جزء من كتاب سليمان الذي اقتصر فيه على الدعوة إلى الطاعة من غير مقدمات وزيادة كلام . . وهذا هو شأن الأنبياء في رسائلهم ، يقتصرون فيها على الهدف المطلوب ، وكان الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) يقتصر في رسائله إلى الملوك على قوله : « اسلم تسلم » بعد البسملة والحمد .

{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل : 32].

أشيروا عليّ ، فلا أبتّ بشيء حتى استظهر برأيكم ، وفيه إيماء إلى أن ديمقراطية الحكم لها جذور في التاريخ البعيد ، ثم تطورت بمرور الزمن إلى ما هي عليه الآن . {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } [النمل : 33] .

قالوا هذا على طريقة الساسة في الإعلان عن قوتهم وحزمهم وصلابتهم ، وفي الاحتفاظ أيضا نحط الرجعة حيث ألقوا بالمسؤولية كلها على عاتق الملكة حتى إذا ساءت العاقبة كانوا منها في حل .

   هل الفساد طبيعة في الملوك ؟

{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } [النمل : 34] . تطلق القرية على المدينة وعلى بلدة ريفية ، وشرح بعض المفسرين الجدد هذه الآية بقوله : فهي تعرف ان من طبيعة الملوك إذا دخلوا قرية أشاعوا فيها الفساد ، وحطموا الرؤساء وجعلوهم أذلة ، وهذا هو دأبهم الذي يفعلونه .

والحق ان الفساد ينتشر في الأرض بمقدار ما للمجرمين من قوة ، ويتضاعف كلما تضاعفت مقدرتهم عليه ملوكا كانوا أو غير ملوك ، وإنما خصت الآية الملوك بالذكر لأنهم أقوى وأقدر من غيرهم . . إن شخصية المجرم تختفي وراء ضعفه ، وتظهر مع قوته . . فمن الخطأ أن نحدد شخصية الضعيف من خلال تصرفاته . . فقد اشتهر البعض في زماننا بالتقى والصلاح قبل أن يتولى الرئاسة ، ولما أخذ نصيبه منها التصقت به تهم لا تمحوها الأيام . . نسأل اللَّه الهداية لنا وله .

وبهذا يتبين معنا ان صفة الفساد لا تختص بالملوك ، ولا هي من طبيعتهم ، وإلا استحال وجود العدل والصلاح فيهم ، وانما هي من طبيعة القوي المجرم ، سواء أجاءت قوته من المال أو الجسم أو العقل أو من منصب زمني أو ديني :

ولا رادع للمجرم القوي إلا الدين . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : قد يرى الحوّل القلَّب وجه الحيلة ، ودونه مانع من أمر اللَّه ونهيه ، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها ، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين . الحوّل القلَّب هو البصير بتحويل الأمور وتقلَّبها ، والحريجة التحرز من الإثم .

{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ } [النمل : 35]. أرجع الوزراء والمستشارون إلى الملكة أمر السلم والحرب ، وقبل أن تبت بشيء رأت أن ترسل إلى سليمان هدية ، فيها كل غال وثمين ، ثم تنظر هل يقبلها أو يرفضها ؟ فإن قبلها فهو طالب دنيا ، لا طالب دين ، يمكن مصانعته بالمال ، وان رفض الهدية وأصر على أن نأتيه مسلمين فهو من أصحاب المبادئ والرسالات الذين لا يساومون

على عقيدتهم ، ويضحّون من أجلها بكل عزيز ، ومثلهم لا تجوز محاربتهم ، وتصعب مقاومتهم .

المرحلة الثالثة : الاتيان بعرش بلقيس

« فَلَمَّا جاءَ » - الرسول - {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل : 36] . حمل وفد الملكة الهدية إلى سليمان ، وفيها كل نفيس وثمين ، ولما رآها قال للذين جاؤوا بها : دعوتكم إلى اللَّه ، فأتيتموني بالمال ، وعندي منه الشيء الكثير كما رأيتم ، بل أنعم اللَّه عليّ بما هو أعظم من المال ، أنعم علي بالنبوة والعلم ، وتسخير الرياح والجن والطير . . أتقيسونني بأنفسكم في عبادة المال وتعظيمه ؟

ويذكرنا هذا بقريش حين فاوضوا رسول اللَّه (صلى الله عليه واله) ، وقالوا له : ان كنت تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا . ولما استيأسوا منه لجأوا إلى عمه أبي طالب ليقنع ابن أخيه بالملك والمال ، وإلا فالبطش والحرب . فقال رسول اللَّه (صلى الله عليه واله) مقالته الشائعة الذائعة : واللَّه يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره اللَّه أو أهلك فيه ما تركته .

{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل : 37]. الخطاب في ارجع لرئيس الوفد الذين جاؤوا بالهدية ، والمعنى ارجع أنت ومن معك بما جئتم به ، وبلَّغ قومك اني سأغزوهم بجيش من الإنس والجن والطير لا طاقة لهم ولا لغيرهم بمقاومته والصمود له . وكان الهدهد قد نقل لسليمان قول الملكة لقومها : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً ). فأكد سليمان ذلك بقوله للرسول : « ولَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها » - من بلادهم - « أَذِلَّةً وهُمْ صاغِرُونَ » .

{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [النمل : 38]. لما رجع الوفد من عند سليمان إلى الملكة ، وأخبرها بما سمع ورأى لم تر بدا من السمع والطاعة ، فتوجهت إليه مع حاشيتها ، وتركت عرشها العظيم يحفظه الجنود والحراس ، وحين علم سليمان بقدوم بلقيس أحب أن يريها آية تدل على نبوته وعظمته ، وان تكون هذه الآية والمعجزة أخذ عرشها الذي هو مظهر عزها وملكها ، فسأل من كان بين يديه : أيكم يأتيني به ؟

{قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل : 39] . سخر اللَّه سبحانه لسليمان الريح تجري بأمره ، وهذه معجزة خارقة ما في ذلك ريب ، وسخر له الطير يأتمر بأمره ، وهذه أيضا معجزة ، وأيضا خصه اللَّه ببعض الجنود من الإنس والجن يأتون بعجائب الأعمال بالنسبة إلى عصرهم ، وكانوا يرافقون جند سليمان يستعين بهم للتغلب على العدو تماما كالفنيين وأهل الاختصاص الذين يحتاج إليهم الجيش المحارب في هذا العصر ، ويومئ إلى ذلك طلب سليمان منهم أن ينقلوا إليه عرش بلقيس في لحظات ، وهو يعلم ما بينه وبين مكان العرش من البعد ، فقال له بعض الجن : أنا آتيك به سالما كما هو ، وأنت في مجلسك هذا و {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل : 40] فكان النصر لهذا حيث استطاع بسلطان ما عنده من العلم أن يأتي بالعرش المطلوب في لحظة لا في لحظات .

هذا ما دل عليه ظاهر الآية ، أما التساؤل : من هو هذا الذي عنده علم من الكتاب ؟ . هل هو من الملائكة أو الخضر أو عبد صالح من الإنس اسمه آصف ابن برخيا ، وانه كان يعلم اسم اللَّه الأعظم ؟ . وأي نوع من العلم استخدمه في نقل العرش هل هو اسم اللَّه الأعظم أو غيره ، أما هذا التساؤل وما إليه من التساؤلات الكثيرة فجوابها عند ربي ، لأن الآية لم تصرح ، والحديث الصحيح لم يثبت ، فمن أين يأتي العلم باسم من نقل هذا السرير ، وبنوع العلم الذي كان عنده ؟

وأقرب الاحتمالات انه لم يكن من الجن لأن النصر كان له على عفريت من الجن كما صرحت الآية السابقة ، وانه نقل العرش بمعجزة خارقة حيث أتى به قبل أن يرتد الطرف . . والمعجزة كما تظهر على أيدي الأنبياء فإنها تظهر أيضا على أيدي الذين يصطفيهم الأنبياء بأمر اللَّه تعالى .

ومحل العبرة والعظة في هذا الحادث ان بلقيس صاحبة الملك والنعيم قد خضعت

صاغرة لسليمان ، واستلبها عرشها العظيم في طرفة عين ، وهو مظهر مجدها وعظمتها .

( فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ) .

المراد بالكفر هنا كفران النعم ، لا الكفر باللَّه ، وسليمان لا يجحد نعمة ربه ، ومحال أن يجحدها لأنه نبي معصوم ، ولكن قال ذلك تمهيدا لقوله : « ومَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ » . وفي معناه {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء : 7].

المرحلة الرابعة : اعتراف بلقيس بالظلم واعلان اسلامها

{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل : 41]. قال سليمان لبعض رجاله : غيروا شيئا من عرش بلقيس لنرى هل تدرك انه هو أو يخفى عليها ؟ . {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل : 42] نكروا لها عرشها وسألوها عنه « قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ » لم تنف ولم تثبت . . لم تنف لأن وجه الشبه قوي ، ولم تثبت لأنها تركت عرشها في القصر ، ودونه الجنود والحراس . هذا ، إلى أن الساسة والحكام يحتفظون بخط الرجعة في أكثر كلامهم وأجوبتهم .

« وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وكُنَّا مُسْلِمِينَ » . هذا من كلام سليمان وقومه ، ومعناه انهم عرفوا الحق ، وآمنوا به قبل بلقيس {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل : 43] . أي ان الذي منع بلقيس عن معرفة الحق والايمان به هو شركها وعبادتها الشمس من دون اللَّه .

{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ } [النمل : 44]. المراد بالصرح هنا القصر ، واللجة كثرة الماء ، والممرد المملَّس ، والقوارير الزجاج ، ويدل ظاهر الآية أنه كان لسليمان قصر من زجاج شفاف ، وان الماء كان يجري من تحته ، وان بلقيس لما دخلت القصر لم تتبين الزجاج من شدة صفائه ، ولذا كشفت عن ساقيها لتخوض الماء ، فقال لها سليمان :

هذا زجاج صاف ، والماء يجري من تحته قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ . ظلمت نفسها بالكفر ، ثم تابت وأسلمت ، وحسن إسلامها .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .