المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05
آثار القرائن القضائية
2024-11-05
مستحقو الصدقات
2024-11-05

الغدة الدرقية Thyroid gland
2023-11-25
ابو بكر
7-6-2021
تفسير آية (32) من سورة المائدة
28-2-2017
قواعد عامة
22-11-2020
دعوى الكسب دون سبب.
22-5-2016
الأهمية الوظيفية للإخراج الصحفي
9/10/2022


بيان انحصار الإمامة في الهداة الغرر المعصومين الإثني عشر  
  
1304   12:30 مساءاً   التاريخ: 23-11-2016
المؤلف : السيد علي الحسيني الصدر
الكتاب أو المصدر : العقائد الحقة
الجزء والصفحة : ص 308 - 334
القسم : العقائد الاسلامية / الامامة / إمامة الأئمة الأثني عشر /

...الحقيقة الحقّة التي لا يعتريها ريب ولا يدانيها شكّ ، هي انّ الذين إصطفاهم الله تعالى للإمامة ، وإختارهم للخلافة ، وعيّنهم للوصاية هم السادة الغرر الأئمّة الإثنا عشر .

أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) ، ثمّ الإمام السجّاد علي بن الحسين (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الباقر محمّد بن علي (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الرضا علي بن موسى (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الجواد محمّد بن علي (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الهادي علي بن محمّد (عليه السلام) ، ثمّ الإمام العسكري الحسن بن علي (عليه السلام) ، ثمّ خاتمهم الإمام الثاني عشر والوليّ المنتظر الحجّة بن الحسن المهدي صلوات الله عليهم .

وقد دلّ على ذلك الدليل القاطع والبرهان الساطع ، كتاباً وسنّةً وعقلا وإعجازاً بالبيان التالي ذكره في الأدلّة الأربعة .

مضافاً إلى قاعدة السنخيّة الثابتة ، وملاحظة الحكمة البارعة ، ولزوم المسانخة بين الخليفة والمستخلف ، وبين النبي ووصيّه الذي هو قائم مقامه ...

فالسنخيّة موجودة في جميع الأشياء ، وواضحة في الاُمور بلا خفاء ، في الأفعال والأقوال وفي كلّ مجال .

لذلك قال الله تعالى : ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ) سورة النور : (الآية 26) .

وقال عزّ إسمه : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) سورة فاطر : (الآية 10) .

وهذه السنخية نحسّها بوضوح فيما نشاهدها في حياتنا الطبيعية ، والعلاقات البشرية ..

وممّا لا شكّ فيه أنّ الذي هو مسانخ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذاته وصفاته ، وعلمه وأخلاقه ، وشجاعته ونزاهته ، ومكارمه وفضائله ، واُخوّته وقرابته هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا غيره .. فهو الذي يليق بوصاية الرسول الأعظم ، ويتعيّن لخلافة النبي الأكرم ، ويجدر أن يكون سيّد الاُمم .

وأمّا الأدلّة الأربعة على إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) فهو كما يلي :

1 ـ دليل الكتاب :

وقد دلّت منه آيات بيّنات ودلائل واضحات على إمامة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) والأئمّة المعصومين من أولاده الطاهرين ، باتّفاق الفريقين ، نقطتف منها زهرة واحدة بها الكفاية والحجّة البالغة وهو قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) سورة المائدة : (الآية 55) .

وقد اتّفقت الاُمّة ولم تختلف منها الكلمة في نزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرواحنا فداه .

وهذه الآية الشريفة صريحة في إختصاص الإمامة الكبرى والولاية العظمى به صلوات الله عليه.

بيان ذلك : أنّ الولي وإن اُطلق في اللغة على المحبّ والناصر والصديق وغيرها أيضاً من المعاني إلاّ أنّ المعنى الشائع المنصرف إليه هو المعنى اللغوي والعرفي المعهود فيه ، وهو مالك الأمر ، والأولى بالتصرّف ، والأحقّ بالشيء ، والذي يلي تدبير الأمر ، ومنه قولهم : وليّ اليتيم ، أي الذي يلي أمره ويقوم بكفايته ، ووليّ المرأة : أي الذي يلي عقد النكاح عليها ، وولي الدم : أي الذي له حقّ المطالبة بالقصاص ..

وحقيقة الولاية هو معنى تولّي الأمر كما في المفردات(1).

والمولى حقيقة في الاُولى كما في العمدة(2).

وقال أبو عبيدة معمّر بن المثنّى في كتاب المجاز : « أنّ معنى مولاكم : أولى بكم » كما حكاه في التلخيص(3).

وقال المبرّد في كتاب العبارة: «أصل الوليّ: الذي هو أولى أي أحقّ ، ومثله المولى » كما حكاه عنه في المجمع (4) .

وذكر الزمخشري في الأساس : « أنّ الولي بمعنى ولي الأمر والسيّد والمولى »(5).

ونقل الزبيدي في تاج العروس عن ابن الأعرابي : « أنّ الولي هو الذي يلي عليك أمرك »(6).

وذكر ابن الأثير في النهاية : « كأنّ الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيه لم ينطلق عليه إسم الوالي».

ثمّ تعرّض إلى أنّه قد تكرّر ذكر المولى في الحديث وهو إسم يقع على جماعة كثيرة :

« الربّ والمالك والسيّد والمُنعِم والمعتِق والناصر والمحبّ والتابع والجار وابن العمّ والحليف والعقيد ـ أي المعاقد المعاهد ـ والصهر والعبد والمعتَق والمنعَم عليه » .

ثمّ ذكر الحديث : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ونصّ بكلامه الآتي : « وقال الشافعي (رضي الله عنه) : يعني بذلك ولاء الإسلام كقوله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ) سورة محمّد : (الآية 11) »(7).

ونقل ابن منظور في لسان العرب عن الفرّاء : « أنّ الوليّ والمولى واحد في كلام العرب » .

ثمّ قال ما نصّه : « وروى ابن سلام ، عن يونس قال : المولى له مواضع في كلام العرب منها : المولى في الدين وهو الوليّ، وذلك قوله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ) أي لا وليّ لهم ، ومنه قول سيّدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي من كنت وليّه »(8).

وقال الصاحب بن عبّاد في المحيط : « المولى : الوليّ ، والله تعالى مولاه أي وليّه »(9).

ولا يصحّ في الآية المباركة بالنسبة إلى ولاية الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، بل لا يجوز شيء من المعاني سوى الولاية بمعنى مالكية الأمر ، كما أفاده في المجمع (10)، وكما يظهر لك بالتدبّر فيه وسيأتي مزيد تحقيقه .

وإذا تبيّن أنّ المعنى الحقيقي المتعيّن المنصرف إليه المعهود هنا هي الأحقّية والأولوية وولاية الأمر .. قلنا إنّ الآية الشريفة ، حصرت هذه الولاية الحقّة بالذوات المقدّسة الثلاثة : الله ورسوله والمتصدّق في ركوعه ، بكلمة ( إنّما ) المفيدة للحصر باتّفاق أهل العربية .

وفي مجمع البيان : لفظة إنّما مخصّصة لما أثبت بعدها ، نافية لما لم يثبت ، يقول القائل لغيره : إنّما لك عندي درهم ، فيكون مثل أن يقول : إنّه ليس لك عندي إلاّ درهم ، وقالوا : إنّما السخاء حاتم ، يريدون نفي السخاء عن غيره والتقدير : إنّما السخاء، سخاءُ حاتم (11).

فتنحصر الولاية بمن ذكر في الآية وتنتفي عمّا عداهم ، وتتعيّن في الله ورسوله والمزكّي في ركوعه .

ونفس ذكر ولاية الثلاثة في آية واحدة في سياق متّصل قرينة ظاهرة على سنخيّة ولاية المزكّي في ركوعه مع ولاية الله ورسوله ، وهي ولاية الأمر والأولى بالنفس .

بل إنّ نفس حصر الولاية فيمن ذكر في الآية والإخبار عنها بخبر واحد قرينة قطعيّة على تعيّن معنى الولاية بما يرجع إلى أولوية الأمر والإمامة والتدبير .

وذلك لأنّ ما تحتمله لفظة ( ولي ) من المعاني الاُخرى كالمحبّ والصديق وغيرهما ممّا تقدّم إمّا لا تناسب المورد ، وإمّا لا تنحصر بالله ورسوله والذين يقيمون الصلاة ويعطون الزكاة وهم راكعون فلا يكون وجه لحصرها .

حيث إنّ المؤمنين كلّهم مشتركون في هذه المعاني الاُخرى ، وقد عبّر الكتاب بذلك في قوله عزّ إسمه : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض ) سورة التوبة : (الآية 71) .

وإذا بطل الحمل على تلك المعاني تعيّن الحمل على المعنى الظاهر المسانخ المنصرف وهي الأولوية والأحقّية وولاية الأمر .

وإذا عرفت تعيّن الآية الشريفة بولاية الأمر ثمّ حصرها فيمن خصّهم الله بالذكر ..

قلنا : إنّ الاُمّة على إختلافها مجتمعة ، وأخبار الخاصّة والعامّة على كثرتها مطبقة على نزولها في أمير المؤمنين ومولى الموحّدين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند تصدّقه بخاتمه في حال ركوعه ، كما أفاده شيخ الطائفة في التلخيص(12).

وقد أحصى شيخنا الأميني في كتابه الشريف الغدير(13)، ستّة وستّين مصدراً من مصادر العامّة ذكرت نزول هذه الآية المحكمة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

ثمّ اعلم أنّه إنّما عبّر عنه (عليه السلام) في الآية بلفظ الجمع إمّا للتفخيم والتعظيم فانّه يعبّر عن الواحد بلفظ الجمع إذا كان معظّماً عالي الذكر نظير قوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) سورة الحجر : (الآية 9) ، كما أفاده شيخ الطائفة في التبيان(14)، أو لشموله سائر الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ، كما أفاده السيّد الشبّر في حقّ اليقين(15).

ويظهر من بعض الأحاديث الشريفة(16) أنّ المراد به جميع الأئمّة (عليهم السلام) ، وأنّهم قد وفّقوا جميعاً لمثل هذه الفضيلة، كما أفاده شيخنا العلاّمة المجلسي أعلى الله مقامه(17).

وأضاف الزمخشري في الكشّاف بعد التنصيص على نزولها في علي (عليه السلام) : « إنّما جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحداً ليرغب الناس في مثل فعله ، وليُنبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان »(18).

فهذه الآية الكريمة إذاً هي من أوضح الأدلّة ، وأجلى البراهين على أنّ الإمام والحجّة والولي الذي عيّنه الله تعالى هو أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وقد روي هذا من طرق الخاصّة بتسعة عشر حديثاً ، ومن طرق العامّة بأربعة وعشرين حديثاً تجدها في غاية المرام لسيّدنا البحراني طاب ثراه (19) وغيره .

وللنموذج نذكر من أحاديث الخاصّة المفسّرة ، حديث العياشي  بإسناده عن عمّار بن ياسر أنّه قال : وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة تطوّع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فأتى رسول الله فاعلم بذلك ، فنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)هذه الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) سورة المائدة : (الآية 55) ... إلى آخر الآية ، فقرأها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علينا ، ثمّ قال :

« من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ من عاداه » (20).

ومن أحاديث العامّة حديث ابن المغازلي بسنده عن ابن عبّاس في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) قال : نزلت في علي (عليه السلام) (21).

وترى أحاديث أهل بيت العصمة ، المتظافرة في بحار الأنوار(22) وغيرها من كتب الشيعة الأبرار التي تؤكّد هذه الحقيقة وهي نزولها في شأن أمير المؤمنين (عليه السلام) .

هذه زهرة عطرة ، وآية زاهرة من رياض آيات الله الباهرة إقتطفناها نموذجاً حيّاً ودليلا قطعيّاً من أدلّة الإمامة ..

وآيات الذكر الحكيم في هذا الأصل كثيرة جدّاً تراها في مواردها مذكورة مفصّلة مثل آية الإطاعة ، وآية التطهير ، وآية الصادقين ، وآية إكمال الدين ، وآية الشاهد وغيرها من الآيات المباركات ، النازلة في شأن خليفة سيّد الكائنات صلوات الله عليه وآله المعصومين والمفسّرة بالأئمّة الطاهرين عليهم سلام الملك الحقّ المبين ; ممّا إعترف بها القوم واُحصيت في المجلّد الثاني من إحقاق الحقّ للسيّد القاضي التستري أعلى الله مقامه ، والمجلّد الثامن من دلائل الصدق للشيخ المظفّر طيّب الله رمسه في فصل إمامة علي والآل (عليهم السلام) في القرآن .

وأضاف السيّد شرف الدين قدّس الله روحه أنّه تكفي آية التطهير في دليليتها لإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بتصديق أهل البيت المعصومين في بيانهم إمامتهم من قِبَل ربّ العالمين(23).

2 ـ دليل السنّة :

الأحاديث الشريفة الدالّة على إمامة الهداة الإثني عشر أكثر من أن تُحصى ، إلاّ أنّا نتيمّن بذكر لؤلؤة باهرة من تلك اللئالي الفاخرة ، وهي حديث الدعوة الإلهيّة والعزيمة الربّانية ، حديث إكمال الدين وإتمام النعمة ، حديث الغدير الأغرّ ، الذي نزل به الكتاب المبين ، وتواترت فيه أحاديث النبي الأمين .. بأنّه ألقى وأجاد رسول الله بخطبته المباركة ، وناشد فيه القوم قائلا :

« ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، ثمّ أخذ بيد علي (عليه السلام)ورفعه وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله .. » .

وقد إعترف المؤالف والمخالف حتّى الخوارج والنواصب بصحّته وتواتره والتسالم عليه .

ففي نزل الأبرار للبدخشي ما نصّه : « هذا حديث صحيح مشهور لم يتكلّم في صحّته إلاّ متعصّب جاحد ولا إعتبار بقوله » (24).

وفي روح المعاني للآلوسي حكى عن الذهبي أنّه قال : « ( من كنت مولاه ) متواتر يُتيقّن أنّ رسول الله قاله » (25).

وفي سرّ العالمين المنسوب إلى الغزالي : « أجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خمّ باتّفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه »(26).

وفي المناقب للشافعي : « وهذا الخبر قد تجاوز حدّ التواتر ، فلا يوجد خبر قطّ نقل من طرق كهذه الطرق » (27).

وقد جاءت نصوص الحديث من طريق الخاصّة في ثلاثة وأربعين حديثاً ومن طريق العامّة في تسعة وثمانين حديثاً تلاحظها بأسنادها ومتونها في غاية المرام وغيرها (28).

وللنموذج نذكر من طرق الخاصّة ، حديث علي بن إبراهيم قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :

« لمّا أمر الله نبيّه أن ينصب أمير المؤمنين للناس في قوله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) سورة المائدة : (الآية 67) في علي بغدير خمّ فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على وجوههم ، فقال لهم إبليس : ما لكم ؟! قالوا : إنّ هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلّها شيء إلى يوم القيامة ، فقال لهم إبليس : كلاّ ! إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عِدة لن يخلفوني ، فأنزل الله على رسوله ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ) سورة سبأ : (الآية 20) الآية »(29).

ومن طرق العامّة حديث أحمد بن حنبل بإسناده قال : كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفره فنزلنا بغدير خمّ ونودي فينا : الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت شجرة ، فصلّى الظهر وأخذ بيد علي (عليه السلام) فقال :

« ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى .

قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ، وأخذ بيد علي (عليه السلام) فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه . قال : فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة» (30).

وقد أوفى البحث غاية الإيفاء شيخنا العلاّمة الأميني في موسوعته الغرّاء الغدير ، فلاحظ إستقصاء البحث من حيث الكتاب والسنّة والأدب في المجلّد الأوّل منه ، ونحن نشير إلى فهرَسَة ما فصّل فيه هذا البحث الطيّب والحديث المستطاب ، راجعها لمزيد المعرفة :

ففي صفحة 5 أحصى المحدّثين والمؤرخين والمتكلّمين والمفسّرين واللغويين الذين ذكروا حديث الغدير .

وفي صفحة 9 ذكر المجموعة الكثيرة التي كانت في ركاب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حين إلقاء خطبة الغدير وأخذ العهد من الحاضرين وطلب إبلاغه للغائبين . وأقلّ عدد ذكر في إحصاء الحاضرين هو تسعون الف شخص .

وفي صفحة 14 ذكر رواة حديث الغدير من الصحابة مئة وعشر صحابياً ، مع ذكر تواتر جميع الطبقات في القرون الأربعة عشر .

وفي صفحة 62 ذكر رواة حديث الغدير من التابعين وهم أربعة وثمانون تابعيّاً .

وفي صفحة 73 ذكر طبقات رواة حديث الغدير من أئمّة الحديث وحفّاظه وهم ثلاث مئة وستّون نسمة .

وفي صفحة 152 ذكر المؤرخين في حديث الغدير وهم ستّة وعشرون مؤلّفاً .

وفي صفحة 214 ذكر نزول قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) سورة المائدة : (الآية 67) في علي (عليه السلام) نقلا عن ثلاثين مصدراً من مصادر العامّة مضافاً إلى مصادر الخاصّة المتواترة .

وفي صفحة 230 ذكر نزول قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلاَمَ دِيناً ) سورة المائدة : (الآية 3) يوم الغدير بعد نصب علي أمير المؤمنين نقلا عن ستّة عشر مصدراً من مصادر العامّة .

وفي صفحة 239 ذكر نزول قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ ) سورة المعارج: (الآيات 1 ـ 3) في الحارث بن النعمان الفهري حينما ردّ على النبي (صلى الله عليه وآله) نصبه عليّاً أميراً ، نقلا عن ثلاثين مصدراً من مصادر العامّة .

وفي صفحة 294 تعرّض إلى بيان سند هذا الحديث المتواتر واستغناؤه عن الإثبات .

وفي صفحة 340 تطرّق إلى بيان دلالته القطعيّة على إمامة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقرائن المتّصلة والمنفصلة العشرين المعيّنة للأولوية مضافاً إلى حقيقة معنى الأولوية للولي ..

ويحسن مراجعة تلك القرائن الصريحة التي كان يلزم ذكرها هنا لولا طلب الإختصار .

ثمّ إنّه تلاحظ أخبار الغدير ونصوصه الجليلة المائة وخمسة بمسالك الإستدلال السبعة في بحار الأنوار(31) ممّا لا يبقى معها مجال لأدنى شكّ وأقلّ ريب في هذه الحقيقة التي هي أظهر من الشمس وأبين من الأمس .. بعد كلماتهم الدرّية ، وبعد إعتراف جميع البريّة من المؤالف والمخالف .

وهذا الحديث الشريف كاف في الإستدلال مع أنّ بجنبه الأحاديث القطعيّة المتواترة الاُخرى المتّفق عليها بين الفريقين كحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وحديث المواساة ، وحديث السفينة ، وحديث الأمان ، وحديث العشيرة وغيرها ممّا تلاحظها من الطريقين في غاية المرام ، وإحقاق الحقّ ، ودلائل الصدق ومجلّدات الإمامة من بحار الأنوار .

ممّا يحصل معها القطع واليقين بإنحصار الإمامة في أهل البيت الطيّبين صلوات الله عليهم أجمعين .

مضافاً إلى آية إطاعة اُولي الأمر النازلة في علي وأولاده المعصومين (عليهم السلام)في أحاديث الخاصّة والعامّة كما تلاحظها في غاية المرام(32).

مع التنصيصات على إمامة الأئمّة الإثني عشر التي تلاحظها في الإرشاد للشيخ المفيد ، وإثبات الهداة للحرّ العاملي بل أسنده أحمد بن حنبل عن ابن عمر في أربعة وثلاثين طريقاً(33) وتلاحظ نصوصها في فرائد السمطين(34).

هذا من جهة .. ومن جهة اُخرى لم يكن ولم يمكن لأحد من شيوخ المخالفين إقامة نصّ واحد يذكر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عيّنهم لإمامة أو خلافة أو وصاية ..

وعمدة ما استدلّوا به على خلافة أبي بكر هو دعوى إجماع أهل الحلّ والعقد .. لكنّه باطل من وجوه ثمانية :

الأوّل : انّه لو كانت مشروعية الخلافة منوطة بهذا الدليل فلماذا لم يكن إجماع أهل الحلّ والعقد في خلافة عمر وعثمان أيضاً.

الثاني : انّ الخلافة والإمامة والوصاية هي من الاُمور الإنتصابيّة كما عرفت ، لا من الاُمور الإنتخابية حتّى تتحقّق بانتخاب أهل الحلّ والعقد .

الثالث : انّ اللازم على دعواهم أن يكون أبو بكر خليفة الناس لا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يدّعونه ، فنسأل أنّه : أي حجّة للناس في اتّباع من اختاروه هم بأنفسهم خليفة ؟ وهل يصير بانتخابهم خليفة للرسول ؟!

الرابع : فرضنا حصول الإجماع بحسب دعواهم لكن نقول : إنّ من البديهي كون الإجماع على بيعة أبي بكر في كافّة بلاد المسلمين لم يحصل دفعةً واحدة .. بل لابدّ وأنّه بدأ بالآحاد الذين التفّوا حوله ثمّ تدرّج شيئاً فشيئاً إلى البلدان أطراف المدينة ، فنورد بأنّه أي شيء كان دليلا ومجوّزاً للطائفة الاُولى في إقدامهم على تلك البيعة قبل حصول إجماع مسلمي البلدان أو أهل الحلّ والعقد منهم ؟! فأيّ كتاب وأيّة سنّة جوّزت لهم ذلك ؟!

الخامس : فرضنا تحقّق الإجماع على بيعة أبي بكر وإنتخابه .. لكن نطالب بالدليل على حجّية هذا الإجماع ؟

لابدّ وأنّهم يدّعون كون دليل إعتباره هو ما نسبوه إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله من أنّه قال : « ما كان الله ليجمع اُمّتي على ضلال » .

لكن غير خفيّ إنّ هذا القول موضوع مجعول مختلق ، ويشهد على ذلك ما يلي :

1 ـ إنّه قد دفع صحّته جماعة من أهل النظر والإعتبار من نفس المخالفين وأنكره إمام المعتزلة وشيخها إبراهيم بن سيّار النظام ، كما حكاه الشيخ المفيد (قدس سره)(35).

2 ـ إنّ عدم إجتماع الاُمّة على الضلال لا يصحّ إطلاقاً ، بل يندفع قطعاً بالأخبار الصحيحة المنقولة من الفريقين مثل :

أ ) قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

« لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتّى لو دخلوا في جُحر ضبٍّ لاتّبعتموهم . فقالوا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟! قال : فمن إذاً ؟ »(36).

ب ) قوله صلوات الله وسلامه عليه وآله في حجّة الوداع لأصحابه :

« ألا لأعرفنّكم ترتدّون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا إنّي قد شهدت وغبتم » (37).

ج ) قوله عليه وآله الصلاة والسلام : « إنّكم محشورون إلى الله تعالى يوم القيامة حفاة عراة ، وإنّه سيُجاء برجال من اُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : ياربّ ! أصحابي فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنّهم لا يزالون مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم »(38).

وغيرها من الأخبار التي تصرّح بإرتداد الاُمّة وكفر بعضهم وضلالتهم ، فكيف لا يجتمعون على ضلال ؟

وتلاحظها مفصّلة في أخبار الخاصّة الواردة في باب إفتراق الاُمّة وإرتدادهم عن الدين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(39).

وهذه الأخبار الحجّة عندهم تدفع أيضاً ما افتري على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال :

« أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » .

فكيف يُهتدى بهم وفيهم مَن صار من أصحاب الشمال ، وارتدّ إرتداد كفر ؟!

3 ـ تدفعه أيضاً إخبار الله تعالى عن ردّة الاُمّة بعد نبيّها في صريح قوله عزّ إسمه : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) سورة آل عمران : (الآية 144) .

أي إرتددتم كفّاراً بعد إيمانكم ، فسمّي الإرتداد إنقلاباً على العقب وهو الرجوع القهقري لأنّ الردّة خروج إلى أقبح الأديان كما أنّ الإنقلاب خروج إلى أقبح ما يكون من المشي(40).

ولا يخفى أنّ الإستفهام في المقام إنكاري متضمّن للإخبار كما صرّح به في مجمع البيان ، ويستفاد أيضاً من حديث ابن أبي المقدام في البرهان (41).

السادس : أنّه كيف تحقّق الإجماع مع إنكار صفوة المسلمين وأرحام الرسول الأمين يعني بني هاشم ، ومخالفة الأنصار ، وخلاف وجوه الأصحاب كسلمان الفارسي ، وأبي ذرّ الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمّار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي ، والزبير بن العوّام ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وحذيفة بن اليمان ، واُبي بن كعب ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وأبي الهيثم بن التيهان ، وسهل بن حنيف ، وأخيه عثمان بن حنيف ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وأبي أيّوب الأنصاري ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وغيرهم ، مع عدم حضور الجمع الكثير والجمّ الغفير من المهاجرين والأنصار الذين كانوا قد خرجوا مع جيش اُسامة .. خصوصاً مع قول ابن سعد في كتاب الطبقات أنّه لم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأوّلين والأنصار إلاّ انتدب في تلك الغزوة(42).

فكيف يتحقّق الإجماع مع مخالفة هؤلاء وإنكارهم أو عدم حضورهم ..

مع أنّ الإجماع عند أكثر متقدّميهم كالقاضي عبدالجبّار المعتزلي وإمام الحرمين الجويني وأبي حامد الغزالي ، هو اتّفاق اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما حكاه في حقّ اليقين(43).

السابع : أنّه ليس فقط لم يتحقّق إجماع الاُمّة بل لم يتحقّق إختيار أهل الحلّ والعقد ، بل لم يكن التعيين إلاّ من الجماعة التي حضرت السقيفة ، ثمّ أخذت البيعة من الناس لأبي بكر بالقهر والغلبة ، والسوط والسيف .. مع تهديد « من لم يبايع ضربت عنقه » فهل هذا هو الإجماع ؟!

الثامن : أنّه حتّى نفس شيخ السقيفة الذي حمل السيف وأخذ البيعة إعترف بعدم الإجماع في بيعة أبي بكر ووقوعها فلتة (44)، في قوله : « كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه » ، كما اعترف به جمع من أكابرهم كالبخاري في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والطبري في تاريخه ، وابن الأثير في كامله ، وابن هشام في سيرته ، وابن أبي الحديد في شرحه(45).

فالحقيقة المكشوفة أنّ شيخ السقيفة وأعوانه هم الذين عيّنوا في مقابل الله خليفةً لرسول الله وجعلوا الخلافة فيمن اعترف هو بنفسه بعدم لياقته في قوله : « أقيلوني ، أقيلوني لست بخيركم وعليّ فيكم » كما صرّح بكلامه هذا ابن حجر في الصواعق ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ، والطبري في الرياض ، والمتّقي في الكنز(46).

وعلى الجملة ; لم يكن أي دليل ولو بعنوان جزئي على أدنى إستحقاق في تصدّي الخلافة ممّن تصدّاها ظلماً .

مضافاً إلى أنّه لا مجال لها أساساً بصريح قوله تعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) سورة البقرة : (الآية 124) فليست هذه الخلافة من الله في شيء .. ولا من رسول الله في موضع .. ولم يرض بها الخليفة الحقّ ، وأهل بيت العصمة ، بل استنكروها أبلغ إنكار عند وفاة الرسول وبعد الوفاة ويوم الشورى وأيّام عثمان ويوم الرُحبة ويوم صفّين ويوم الجمل وغيرها ممّا تلاحظها مع إحتجاج بني علي وبني هاشم والأصحاب ، بأحاديث الفريقين في كتاب الغدير(47)، وبأحاديثنا في كتاب الإحتجاج (48) ، ويكفيك في ذلك خطبته الشقشقية المعروفة (49).

3 ـ دليل العقل

العقل يحكم بقبح تقديم المفضول ، ولزوم تقديم الأفضل ، حتّى لا يلزم خفض وإنحطاط لمرتبة الفضل والفضيلة والسداد .

ومن الواضح عدم استواء مرتبة من يعلم ومن لا يعلم ، وأنّ العقل حاكم بتقديم الأعلم ..

ومعلوم أنّ الأفضل والأعلم واللائق للإمامة بحكم العقل والعقلاء وباعتراف الخصماء هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

سُئل الخليل بن أحمد الفراهيدي : ما الدليل على أنّ عليّاً إمام الكلّ في الكلّ ؟ فأجاب : لإحتياج الكلّ إليه ، واستغنائه عن الكلّ (50).

وهذه الأفضليّة ثابتة لجميع الأئمّة من أهل البيت فإنّهم ورثوا العلم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يأخذوا العلم من أحد ، ولم يحتاجوا إلى أحد ، وفاقوا جميع الخلق وكانوا أفضل الخليقة فيحكم العقل بتقديمهم ولزوم إمامتهم .. بالإضافة إلى النصوص المستفيضة في إمامتهم .

وقد استقصى العلم العلاّمة أعلى الله مقامه ، الأدلّة العقليّة على إمامة أمير المؤمنين في كتاب الألفين ، فلاحظ .

4 ـ دليل الإعجاز

كما كانت المعاجز من أدلّة صدق النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن قبله من الأنبياء والمرسلين ، كذلك تكون من أدلّة إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) .

فإنّهم سلام الله عليهم أخبروا بإمامتهم ووصايتهم عن الله تعالى مقروناً بمعاجزهم الساطعة وآياتهم اللامعة التي هي شواهد قطعيّة ، ودلائل وجدانية على صدق كلامهم ، وصحّة إمامتهم ، وحقيقة إنتصابهم من قبل ربّهم .. وإلاّ لم يكونوا قادرين على إتيان ما لم يقدر عليه إلاّ ربّ العالمين .. ولمّا كانوا مؤيّدين بالآيات التي تكشف عن كونها من آيات الحقّ المبين .

وقد جُمعت تلك المعجزات الباهرات في الأجزاء الثلاثة من كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للمحدّث الحرّ العاملي ، وكتاب مدينة المعاجز للسيّد البحراني ، وكتاب الثاقب في المناقب للفقيه ابن حمزة الطوسي ، والمجلّد الحادي والأربعين والثاني والأربعين من بحار الأنوار لشيخ الإسلام المجلسي ...

ونحن نختار منها ونتشرّف عندها بالإشارة الموجزة إلى بعض معجزات سيّد العترة وأبي الأئمّة سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه وعلى أبنائه الكرام ..

من ذلك ما ظهر حين ولادته في الكعبة المعظّمة حيث سجد على الأرض وهو يقول :

« أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأشهد أنّ عليّاً وصي محمّد رسول الله وبمحمّد يختم الله النبوّة ، وبي يُتِمُّ الوصيّة وأنا أمير المؤمنين » .

ثمّ حينما خرج من الكعبة المشرّفة وأخذه والده أبو طالب (عليه السلام) ثمّ أخذ بيد اُمّه فاطمة بنت أسد (عليها السلام) وخرج إلى الأبطح اُلقي إلى أبي طالب (عليه السلام) لوح أخضر مكتوب فيه هذان البيتان :

خُصّصتُما بالوَلَد الزكيِّ *** والطاهر المنتجب الوصيِّ

فاسمُهُ من شامـــخ عليِّ *** عليٌّ اشتُقَّ مِـــــــــنَ العليِّ .

ومن ذلك مظهر الإعجاز في نفس بدنه المقدّس بما منحه الله تعالى من القوّة الإلهيّة والقدرة الربّانية .. ويكفي في ذلك ما ظهر منه في يوم خيبر حيث ضَرَب (عليه السلام) بسيفه مرحَب على رأسه بما فيها العمامة والخوذة وما عليه من الجوشن والحِلَق من قُدّام وخلف حتّى قدّها بنصفين تماماً ..

ثمّ حمل بعده على اليهود فانهزموا إلى حصن قموص ، وأغلقوا على أنفسهم الباب ، فتقدّم علي (عليه السلام) إلى باب الحصن وهزّ الباب فارتعد الحصن حتّى ظنّوا وقوع زلزلة ، ثمّ هزّه اُخرى فقَلَعه ورمى به في الهواء أربعين ذراعاً ، ثمّ حمله واقتحم الحصن ، وتترّس بالباب وضارَبَ الأقران حتّى غلب عليهم .. ثمّ جعله جسراً على الخندق الذي كان قد حفره اليهود فعبر عليه عسكر المسلمين وكانوا ثمانية آلاف وسبع مئة رجل ، وحيث كان طول ذلك الباب أقلّ من عَرض الخندق جَعَل علي (عليه السلام) أحد جانبي الباب على حافّة الخندق والجانب الآخر على يده ليعبر عليه المسلمون إلى الحصن ..

فقال أحد الصحابة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما عجبنا يا رسول الله من قوّته في حمله ورميه وإتراسه وإنّما عجبنا من جعله جسراً وإحدى طرفيه على يده . فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا هذا ! نظرتَ إلى يده ، فانظُر إلى رجليه.. فوجدهما معلّقتين في الهواء .

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليستا على الهواء ، وإنّما هما على جناحي جبرئيل .

علماً بأنّ ذلك الباب كان أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربع أصابع عمقاً حَجَراً صلداً ، وكان لا يقدر على غلقه إلاّ عشرون رجلا منهم .

ومن ذلك ما ظهر من إعجازه في الأشياء مثل :

آيته في إحياء الموتى كشمعون بن حمّون وصي عيسى بن مريم وتسليمه على الإمام علي (عليه السلام) في صفّين بقوله الذي سمعه الأصحاب : « السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بوصي خاتم النبيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والعالم المؤمن ، والفاضل الفائق ، ميراث الصدّيقين ، وسيّد الوصيّين » .

وكذلك إحياؤه بإذن الله تعالى امرأةً قتلت في محبّته تسمّى اُمّ فروة ، فذهب (عليه السلام) إلى قبرها وقال : « يا أمة الله ! قومي بإذن الله تعالى » فخرجت اُمّ فروة من القبر ورُدّت إلى زوجها ووَلدت بعد ذلك غلامين ، وعاشت إلى ما بعد شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) بستّة أشهر ..

وكذلك تكلّمه مع جُمجمة ميّت في أرض بابل وسؤاله منها : من أنت ؟ فأجابت : أنا فلان بن فلان ملك بلد فلان .. وقصّت خبرها .

ثمّ إعجازه في الثمار والأشجار حيث مدّ يده إلى اسطوانة المسجد ، ودعا ربّه ، فخرج منها غصن فيها أربع رمّانات ، فدفع إلى الحسن (عليه السلام) إثنتين ، وإلى الحسين (عليه السلام) إثنتين وقال : هذه من ثمار الجنّة ، فقال بعض الأصحاب : يا أمير المؤمنين ! أوَ تقدر عليها ؟

فقال (عليه السلام) : أولستُ قسيم الجنّة والنار بين اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) ؟

ومرّة اُخرى ضرب بيده الشريفة إلى أصل شجرة يابسة وقع لحاؤها ، وبقي عودها ، وقال : « ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمر » فإذا هي تهتزّ بأغصانها وأخرجت حمل الكمثرى ، فقطع منها الأصحاب وأكلوا منها ، وحملوا معهم ثمرها .

وأقبل إليه وهو يخطب يوم الجمعة على منبر مسجد الكوفة ثعبان عظيم من باب المسجد يهوي نحو المنبر ، حتّى صعد المنبر وتطاوَلَ إلى اُذُنِ أمير المؤمنين (عليه السلام) فأصغى (عليه السلام) إليه ثمّ أقبل عليه يُسارّه مليّاً في جواب سؤال الثعبان ثمّ مضى .

وفي جبّانة بني أسد أقبل أسد يهوي إلى علي (عليه السلام) حتّى قام بين يديه ، فوضع علي (عليه السلام) يده بين اُذني الأسد وقال : « إرجع بإذن الله تعالى ، ولا تدخل في دار هجرة بعد اليوم وبلّغ ذلك السباع عنّي » ، فرجع .

وقد رُدّت له الشمس مرّتين في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) مرّة ، وبعد وفاته اُخرى .

ومن إعجازه أنّه لمّا دخل إلى صفّين ونزل بقرية صندوداء ثمّ سار عنها إلى أرض بلقع ، قال له مالك الأشتر : يا أمير المؤمنين ! أَتُنزِل الناس على غير ماء ؟ فقال (عليه السلام) : يا مالك ! إنّ الله عزّ وجلّ سيسقينا في هذا المكان ماءً أعذب من الشَهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت .. ثمّ وقف على أرض وأمر بحفرها فخرجت صخرة سوداء عظيمة ، فيها حلقة تبرق كاللجين .. فقال لهم :

روموها ، فراموها بأجمعهم وهم مئة رجل فلم يستطيعوا أن يزيلوها عن موضعها ..

فدنا هو (عليه السلام) ودعا الله تعالى ثمّ إجتذبها ورماها أربعين ذراعاً فظهر لهم ماء بالوصف الذي وصفه ، فشربوا وسقوا، ثمّ ردّ الصخرة وأمر بحثِّ التراب عليها ، وكانت (عين راحوما) من عيون الجنّة كما فصّل حديثه في ثاقب المناقب .

ومنها إخباراته عن الغيب في مواضع كثيرة كإخباره حبيب بن جمّاز بحمله رأس الإمام الحسين (عليه السلام) ودخوله إلى مسجد الكوفة من باب الفيل .

وكذا إخباره بحديث رشيد الهجري ، وكيفية شهادة ميثم التمّار ، وواقعة كربلاء ، وموضع القتال ، ومصارع الرجال ، فكان كما أخبر .

ومنها أنّه هتف به يوماً هاتف غيبي : يا أمير المؤمنين ! خذ ما عن يمينك ، فإذا منديل فيه قميص ملفوف ، فأخذ (عليه السلام) القميص ولبسه ، فسقطت من جيبه رقعة مكتوب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم هديّة من الله العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب ، هذا قميص هارون بن عمران ( كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ) سورة الدخان : (الآية 28) .

وأصاب البقيع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجفة تعدّت إلى حيطان المدينة وعزم أهل المدينة على الخروج منها، فتوسّط (عليه السلام) البقيع ، وضَرَبَ برجله الأرض فسكنت .

وقال له بعض أصحابه في مسجد الكوفة : بأبي أنت واُمّي ! إنّي لأتعجّب من هذه الدنيا التي في أيدي هؤلاء القوم وليست عندكم ، فقال (عليه السلام) : أترى أنّا نريد الدنيا ولا نُعطاها ؟ ثمّ قبض قبضة من الحصى فقال : ما هذا ؟ قال صاحبه : هذا من أجود الجواهر . فقال (عليه السلام) : لو أردنا هذا لكان ، لكنّا لم نُرد ، ثمّ رمى الحصى فعاد كما كان .

ومنها تسليم الذئب عليه وشهادته بإمارته حينما لاقاه في بعض طرق المدينة ، فجعل الذئب خدّيه على الأرض أمامه ويؤمي بيده إلى علي (عليه السلام) ثمّ قال علي (عليه السلام) : اللهمّ أطلِق لسان الذئب فيكلّمني ، فأطلق الله لسان الذئب فإذا هو بلسان طلق ذلق يقول : السلام عليك ياأمير المؤمنين .. إلى آخر الكلام .

ومنها إعجازه حين شكاية أهل الكوفة زيادة الفرات وفيضان الماء ، فضرب (عليه السلام) الماء بقضيبه وهو قضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزل الماء .

ومنها أنّه تكلّم في اُذن زاذان بكلام وألقى ماء فمه المبارك في فيه ، فما زالت قدم زاذان من عنده إلاّ وهو حافظ للقرآن بإعرابه .

ومنها أنّه نزل عليه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت فاطمة (عليها السلام) ماء وضوئه في إبريق من الجنّة يقطر ماؤه كالجُمان .. وهاتف يهتف به : يا علي ! دونك الماء .. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ياعلي ! تدري مَن الهاتف ، ومن أين كان الإبريق ؟

السلام) وقال : يا رسول الله ! الله يقرؤك السلام ، ويقول لك : أقرئ عليّاً السلام منّي ... إلى غير ذلك من الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات التي هي أكثر من أن تحصى في هذا الكتاب ، وكذلك معاجز سائر المعصومين التي لا يحصرها هذا الخطاب ، وقد إقتصرنا على هذا القليل مخافة التطويل .

وعلى الجملة ; فأدلّة الكتاب والسنّة والعقل والإعجاز واضحة الدلالة على إمامة الحجج الطاهرة سلام الله عليهم أجمعين .

_________________

(1) المفردات للراغب : (533) .

(2) العمدة لابن بطريق : (ص55) .

(3) تلخيص الشافي : (ج2 ص177) .

(4) مجمع البيان : (ج3 ص209) .

(5) أساس البلاغة : (ص689) .

(6) تاج العروس : (ج10 ص399) .

(7) النهاية : (ج5 ص228) .

(8) لسان العرب : (ج15 ص408) .

(9) المحيط في اللغة : (ج10 ص380) .

(10) مجمع البحرين : (ص97 مادّة ـ ولا ـ ) .

(11) مجمع البيان : (ج3 ص209) .

(12) تلخيص الشافي : (ج2 ص18) .

(13) الغدير : (ج3 ص156) .

(14) التبيان : (ج3 ص562) .

(15) حقّ اليقين : (ج1 ص144) .

(16) تفسير البرهان : (ج1 ص293) .

(17) بحار الأنوار : (ج35 ص206) .

(18) تفسير الكشّاف : (ج1 ص422) .

(19) غاية المرام : (ص103 ـ 109 ب18 و19) ، وجاءت في إحقاق الحقّ : (ج2 ص399 ، وج3 ص502 ، وج4 ص60 ، وج14 ص2 ، وج20 ص2) .

(20) غاية المرام : (ص108 ب19 ح10) .

(21) غاية المرام : (ص104 ب18 ح5 و6) .

(22) بحار الأنوار : (ج35 ص183 ب4) .

(23) الكلمة الغرّاء : (ص317) .

(24) نزل الأبرار : (ص21) .

(25) تفسير روح المعاني : (ج2 ص350) .

(26) سرّ العالمين : (ص9) .

(27) المناقب لعبدالله الشافعي : (ص108) .

(28) غاية المرام : (ص79 ـ 103 ب16 و17) ، وإحقاق الحقّ : (ج2 ص426 ، وج3 ص322 ، وج6 ص225 ، وج16 ص559 ، وج21 ص1) .

(29) غاية المرام : (ص91 ب17 ح8) .

(30) غاية المرام : (ص79 ب16 ح1) .

(31) بحار الأنوار : (ج37) .

(32) غاية المرام : (ص263 ـ 268 ب58 و59) .

(33) إثبات الهداة : (ج1 ص706) .

(34) فرائد السمطين : (ج2 ص213) .

(35) الإفصاح : (ص47) .

(36) مسند أحمد بن حنبل : (ج2 ص511) .

(37) صحيح البخاري : (ج7 ص182) .

(38) صحيح مسلم : (ج4 ص58) .

(39) بحار الأنوار : (ج28 ص2 ب1 الأحاديث) .

(40) مجمع البيان : (ج2 ص514) .

(41) تفسير البرهان : (ج1 ص197) .

(42) أعيان الشيعة : (ج1 ص346) .

(43) حقّ اليقين : (ج1 ص142) .

(44) الفلتة : هي الأمر الفجأة من غير تدبّر ولا رويّة .

(45) صحيح البخاري : (ج10 ص44) ، ومسند أحمد : (ج1 ص55) ، وتاريخ الطبري : (ج3 ص200) ، وتاريخ ابن الأثير : (ج2 ص135) ، وسيرة ابن هشام : (ج4 ص338) ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : (ج2 ص26) .

(46) الصواعق المحرقة : (ص30) ، والإمامة والسياسة : (ص14) ، والرياض النضرة : (ج1 ص175) ، وكنز العمّال : (ج3 ص132) .

(47) الغدير : (ج1 ص159) .

(48) الإحتجاج : (ج1 ص157) .

(49) نهج البلاغة : (ص25 من الطبعة المصرية الخطبة3) .

(50) تنقيح المقال : (ج1 ص403) .

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.