أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-07-2015
1714
التاريخ: 12-4-2017
1743
التاريخ: 12-4-2017
1884
التاريخ: 23-11-2016
1223
|
ويدل عليه أمور :
منها : قوله تعالى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59] لدلالته على الأمر بالإطاعة المطلقة لأولي الأمر ، بعدم ذكر متعلق الإطاعة ، وبأن إطاعة الله تعالى لا تقييد فيها ، فكذلك إطاعة الرسول وأولي الأمر ، وعدم التقييد في الإطاعة يدل على العصمة.
وبها يثبت بطلان عمدة المذاهب التي تحتاج إلى الإبطال ، مثل مذهب أهل السنة مطلقا ، وفرق الزيدية ، فبإبطال مذهب الواقفية والناووسية والإسماعيلية التي نشأت كل منها من إنكار المحسوس ، ومذهب مثل الكيسانية الذي لم يبق منه إلا الاسم كما سنذكره ، يثبت حقية مذهب الإمامية الاثنا عشرية ، فظهر بالآية المذكورة أن القول بالاجتهاد في الرسول ، بل القول به في الإمام أيضا لا وجه له .
فإن قلت : لا نسلم إطلاق الإطاعة وما جعلته قرينة عليه معارض بقوله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] فإن الاكتفاء في الرد بالله تعالى والرسول ، يدل على عدم الحجية في قول أولي الأمر ، بل إطاعته إنما هي فيما علم موافقته للشرع الأنور ، أو فيما لا يعلم مخالفته له ، فسقط الاستدلال .
قلت : لا يصلح المعارضة بما ذكرته للقرينتين اللتين ذكرتهما ، لكون ما ذكرته من عموم الأمر بالإطاعة بالوجهين المذكورين في غاية الظهور .
وأما الاكتفاء في الرد بالله والرسول عند التنازع ، فلا ظهور له في عدم لزوم الاطلاق في إطاعة أولي الأمر ، لأنه يمكن أن يقال : أن الإطاعة المطلقة إما إطاعة الخالق ، أو المخلوق .
وإطاعة المخلوق منقسمة إلى إطاعة الرسول وأولي الأمر ، فلعله لكمال البعد بين الخالق والمخلوق أعيد لفظ الإطاعة في المعطوف الأول دون الثاني ، واكتفى بالرد في المخلوق في صورة التنازع بالرسول للاكتفاء بالأصل في المخلوق لا للحصر فيه .
وأيضا يمكن أن يقال : لما ثبت الرسول وعلم المخاطبون به ، أمر عند التنازع بالرجوع إليه مطلقا ، وأما الإمام فيتجدد ، فيجب إن كان لأحد كلام في كونه أولي الأمر ، أو فيما حكم به قبل العلم بكونه أولي الأمر الرجوع إلى الكتاب والسنة ، فإن شهدا بما يطلب الشهادة عليه يجب القبول وإلا فلا ، ولا بعد في شئ من الاحتمالين ، هذا استدلال بالظاهر على من قال بكون الإمامة من الفروع ، وأما من قال بكونها من الأصول كما ظهر لك ، فهذا من المؤيدات .
ومنها : الرواية المستفيضة بين فرق أهل الإسلام ، وهي قوله (صلى الله عليه وآله) " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " ويظهر من هذا بطلان قول من حصر الإمامة في الأربعة ، وهو ظاهر ، وبطلان قول من يتوهم كونه في كل زمان بتعيين الناس بوجهين :
أحدهما : بعنوان الظهور ، وهو أن معرفة الإمام واجبة مطلقة على كافة المكلفين فلو كانت الإمامة بالنصب والتعيين ، لكان وجوب المعرفة مشروطا بالتعيين ، وكان التعيين أولى بالوجوب من المعرفة ، فترك الأمر بالتعيين والمبالغة في المعرفة شاهد صدق على كون الإمام معينا بغير مدخلية الأمة .
وثانيهما : أنه يحكم العقل من حكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بوجوب معرفة الإمام ، بحيث يصير عدمها سببا لكون ميتة الجاهل به ميتة الجاهلية ، باتصاف الإمام بكمال زائد من الله تعالى ، حتى يجب معرفة صاحب هذا الكمال للإطاعة وامتثال ما أمر به ، وجعله وسيلة بينه وبين الله تعالى ، فلو كانت الإمامة بتعيين الناس لأمكن تعلق التعيين بفاقد الكمال ، ووجب مخالفة الإمام إذا حكم بأمر لا يوافق الشرع الأنور ، ويجب رد قوله وإنكار حكمه ، ويحكم العقل بعدم وجوب معرفة مثل هذا الرجل ، وبعدم إمكان جعل ميتة عالم رباني مثلا بعدم معرفة جاهل هو الإمام بسبب التعيين ميتة جاهلية ، فثبت استمرار الإمام بلا تعيين من الأمة ، فثبت استمرار الإمام في كل زمان بتعيين الله تعالى ، وهو قول الإمامية الاثني عشر .
ومنها : الرواية المستفيضة بين الخاصة والعامة ، وهي قوله ( صلى الله عليه وآله ) " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض " لدلالتها على استمرار الإمام إلى ورود الحوض ، وعلى كونه من عترته (صلى الله عليه وآله) وعلى العصمة ... فثبت مذهب الإمامية الاثني عشرية ، لعدم قول أحد من فرق الإسلام غيرهم بهذا القول ، وللعلم القطعي بانتفاء الصفة عن غير الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) .
ومنها : الرواية الصحيحة المستفيضة بين الطائفتين ، وهي قوله ( صلى الله عليه وآله ) " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هلك " .
وجه الدلالة : أنها تدل على أن طريق النجاة إنما هو بتبعية أهل البيت ، فدلالتها على بطلان من لم يقل بكون الإمام معصوما مثل أهل السنة وفرق الزيدية ظاهرة .
وأما من قال بالعصمة ، فيبطل قول بعضهم ، مثل الناووسية القائلين بحياة الصادق ( عليه السلام ) بتواتر موته ( عليه السلام) وقول مثل الإسماعيلية بظهور موت إسماعيل عند حياة أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) وتواتره ، ولا ينافي التواتر إنكار بعض أرباب الدواعي والأهواء ، وصيرورته شبهة لبعض الناس مر الدهور .
وقول الكيسانية بعدم كون محمد بن الحنفية من أهل البيت ، وعدم اتصافه بالعلم الذي يعتبر في سفينة النجاة ، فلا يمكن أن يكون وجوب إطاعته بالأمر بإطاعة أهل البيت ، حتى يندرج بتبعيته في التمسك بهم ، ويخرج عن التخلف عنهم ، بل وضع هذا المذهب منسوب إلى المختار الملقب بكيسان لبعض الدواعي الذي دعاه إلى هذا القول ، كما هو مشهور بين أهل التاريخ .
وقول الفطحية بظهور عدم اندراج عبد الله في سفينة النجاة ، لعدم كونه من أهل العلم الذي يتوهم النجاة من التمسك به .
وقول الواقفية بظهور وفاة الكاظم ( عليه السلام ) وتواتره ، ومن لم يقل بحياته ( عليه السلام ) قال بإمامة الأئمة الراشدين ، على الترتيب المعروف بين الفرقة الناجية الاثني عشرية ، على ما ذكره بعض العلماء (1) الكبار ، ولعله ( رحمه الله ) لم يعتبر الأقوال السخيفة التي حدثت في بعض أيام التحير وانقراض القول بها .
ويمكن تأييد هذا بأنه لا يمكن خفاء المذهب الحق ومأخذه لطالب الحق والنجاة الذي خلى نفسه عن تبعية ما لا يجوز تبعيته المفتش للأقوال والآثار بحيث لا يرى أمرا يصلح كونه شبهة ، فكيف يمكن كون مأخذ أصل من أصول الدين مختفيا في زمان من أزمنة التكليف ، بحيث لا يكون معروفا في الكتب المدونة في هذا الأصل ، ولا مذكورا في ألسن الباحثين بوجه من الوجوه ، وبهذا الطريق يظهر بطلان أكثر المذاهب المخالفة للمذهب الحق ، وما بقي محتاجا إلى الإبطال يبطل بالرواية المذكورة وبالجملة تخلف من عدا مذهب الإمامية الاثني عشرية عن سفينة النجاة ظاهر لمن تدبر فيما ذكرته سابقا وهاهنا .
ومما يؤيد هذا ما رواه ابن الأثير في جامع الأصول ، في الفصل الأول من الباب الأول من الكتاب الرابع من حرف الخاء ، وهو كتاب الخلافة ، من صحيح البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود ، عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يكون بعدي اثنا عشر أميرا ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش .
وفي رواية قال : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ، ثم تكلم بكلمة خفيت علي، فسألت أبي ماذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال : كلهم من قريش .
هذه رواية البخاري ومسلم .
وفي أخرى مسلم قال : انطلقت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعي أبي ، فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة ، فقال كلمة أصمنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش .
وفي أخرى له قال : دخلت مع أبي على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فسمعته يقول : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيه اثنا عشر خليفة ، قال : ثم تكلم بكلام خفي علي ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش .
وفي أخرى : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، ثم ذكر مثله .
وفي رواية الترمذي قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يكون من بعدي اثنا عشر أميرا ، قال : ثم تكلم بشئ لم أفهمه ، فسألت الذي يليني ، فقال : كلهم من قريش .
وفي رواية أبي داود ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، فسمعت كلاما من النبي (صلى الله عليه وآله) لم أفهمه ، فقلت لأبي : ما يقول : قال : كلهم من قريش .
وفي أخرى قال : لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، قال : فكثر الناس وضجوا ثم قال كلمة خفيفة ، وذكر الحديث (2) .
فإن قلت : يدفع التأييد قوله ( صلى الله عليه وآله ) " لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر
خليفة " لظهور الضعف في أكثر الأزمان .
قلت : ليس المراد من كونه عزيزا الغلبة المطلقة على البلدان ، لظهور وفور الكفرة وأهل الطغيان فيما مضى من الدهور والأزمان ، فالمراد بكونه عزيزا استمرار هذا الدين على الوجه المقرر ، وعدم اندراس نوره الذي يتحقق بتبعية الأئمة ( عليهم السلام ) وأما إرادة عموم التبعية أو غلبتها من العزة فغير لازمة .
ويمكن تأييد الدلالة في الرويات بأنه لا يكفي في الأمير المذكور في الروايات كونه أميرا من أمراء الإسلام مطلقا ، لعدم انحصار الأمير بهذا الوصف في العدد ، بل المراد هو الأمير المعين بتعيين الله تعالى ، حتى يستنبط من قوله ( صلى الله عليه وآله ) أن الأمر لا ينقضي حتى يمضي اثنا عشر خليفة ، ومن قوله ( صلى الله عليه وآله ) " لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة " مدخليتهم في عزة الدين ، ليهتم طالب الحق والنجاة في معرفتهم ، فيأخذ ما لا معرفة له إلا بهم منهم ، فهم الذين عبر عنهم بسفينة النجاة .
فإن قلت : لا يلزم من إبطال الأول إثبات الثاني ، فلعل المراد من الأمير في الروايات من له مزيد صلاح ومعرفة ، وإن لم يبلغ درجة الحجية والعصمة .
قلت : صاحب المزية إذا لم تنته مرتبته إلى الحجية والعصمة ، لو فرض انحصاره في الاثني عشر ، لا اطلاع لنا عليه للإبهام ، وعلى تقدير الاطلاع ليس في اطلاعنا عليه منفعة تتبادر من الروايات ، فظاهر الروايات كونهم أحد الثقلين اللذين لن يضل المتمسك بهما ، فلعله بهذه الروايات خصص رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سبب النجاة بكونه من قريش وبعدها بأهل البيت ، رعاية للتدريج اللايق ببيان مثل هذا الأمر .
ومنها : أن العقل يدل على استمرار نصب الإمام المعصوم من الله تعالى ... وظاهر أن التعيين من غير بيان طريق المعرفة في حكم عدم التعيين ، بل أوضح بطلانا منه ، لأن هذا مثل أن يعين الملك واحدا للإمارة ، ولا يبين بوجه من الوجوه للناس ، يعاتبهم على عصيانهم الأمير ، ولا يخفى أن أحدا لا يرتاب في سخافة كلام الملك حينئذ ، وخروجه عن قانون التوجيه .
وأما عدم تعيين الإمام ، فإنه باطل ... ونحن عالمون بعدم تحقق شئ من [النص أو بالمعجزة] في غير الأئمة الاثني عشر ، ونقل كل واحد منهما في كل واحد منهم حتى ادعى تواتر النص في كل واحد منهم كثير من العلماء الإمامية الاثني عشرية .
فإن قلت : نقل أحد الأمرين أو كليهما إنما ينفعك في مقام الاستدلال لو أمكنك إثبات تواتر أحدهما في كل واحد من الأئمة ، وما يدل على أحدهما ليس في كتب أهل السنة بحيث يمكن الحكم بالتواتر ، وما وجد في الكتب المعتبرة من الشيعة أيضا بل يظهر كونه مستجمعا لشرائط التواتر ، ولعل دعوى تواتر النص في الأئمة المعصومين كدعوى البكرية النص على أبي بكر، وإن افترقتا في دلالة الدليل على بطلان النص على أبي بكر ، ولا دليل على عدمه في الأئمة الاثني عشر ، وهذا الفرق لا ينفعك في المقام .
قلت : اليقين بوجوب استمرار الإمام المعصوم بتعيين الله عز وجل مع اليقين بانتفاء الوصف في غيرهم هو المعين لهم ، فلا يحتاج حينئذ في العلم بإمامتهم إلى العلم بتحقق النص المتواتر في كل واحد منهم ، نظير ذلك أنه إذا تيقنت بكون زيد في بيت، وتيقنت أن غير واحد من الموجودين فيه ليس زيدا ، تيقنت بكونه زيدا .
ويمكن الدليل على هذا المدعى بعد إثبات وجوب التعيين من الله تعالى والاستمرار بأنه بين الله تعالى بقوله {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 35] وبقوله عز وجل {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9] لظهور أعلمية كل واحد منهم بالنسبة إلى جميع أهل زمانه ، بل بالنسبة إلى جميع أغيار الأئمة ( عليهم السلام ) من الأمة .
ومع اشتهار كل واحد منهم بكمال العلم والكمالات ، بحيث لم يمكن لأحد لم يبتل بالنصب واللجاج أن يقول بفقد واحد منهم بعض الكمالات النفسانية ، جمع من منكري الإمامة مع غاية الاهتمام في إنكار الحق ، لم يمكنهم إنكار كمالاتهم ، بل اعترفوا بها وأنكروا دعواهم الإمامة ونفي إمامة الثلاثة ، خوفا من ظهور ضعف عقائدهم الفاسدة الناشئة من الأهواء الكاسدة ، مع تواتر الأمرين عند طالب الحق والنجاة ، المتمسك بحبل أهل البيت في الرشاد .
روى صاحب حدائق الحقائق ، عن العلامة ( رحمه الله ) في كشف الحق ، أنه قال : روى الزمخشري ، وكان من أشد الناس عنادا لأهل البيت ( عليهم السلام ) وهو الثقة المأمون عند الجمهور ، بإسناده قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فاطمة مهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ، وحبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم بهم نجا ، ومن تخلف عنهم هوى (3) انتهى .
ويدل على ما قلته ما ذكره فضل بن روزبهان ، مع غاية جهده في إنكار الحق ، في خطبة كتاب ألفه لنقض كتاب نهج الحق وكشف الصدق ، بعد الطعن على العلامة ( رحمه الله ) :
ومن الغرائب أن ذلك الرجل وأمثاله ينسبون مذهبهم إلى الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم أجمعين ، وهم صدور إيوان الاصطفاء ، وبدور سماء الاجتباء ، ومفاتيح أبواب الكرم ، ومجاديح هواطل النعم ، وليوث غياض البسالة ، وسباق مضامير السماحة ، وخزان نقود الرجاحة ، والأعلام الشوامخ في الإرشاد والهداية ، والجبال الرواسخ في الفهم والدراية ، وهم كما قلت فيهم :
شم المعاطس من أولاد فاطمة * علوا رواسي طود العز والشرف
فاقوا العرانين في نشر الندى كرما * بسمح كف خلا من هجنة السرف
تلقاهم في غداة الروع إذ رجفت * أكتاف أكفائهم من رهبة التلف
مثل الليوث إلى الأهوال سارعة * حماسة النفس لا ميلا إلى الصلف
بنو علي وصي المصطفى حقا * أخلاف صدق نموا من أشرف السلف .
ثم ذكر أن الأئمة سلام الله عليهم كانوا يثنون على الصحابة ، واستشهد برواية نقلها عن كتاب كشف الغمة ، قال : وذكر هو في الكتاب المذكور نقلا عن كتب الشيعة لا عن كتب السنة ، أن الإمام أبا جعفر محمد الباقر صلوات الله وسلامه عليه سئل عن حلية السيف هل يجوز ؟ فقال : نعم قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة ، قال الراوي : فقال السائل : أتقول هكذا ؟ فوثب الإمام من مكانه وقال : نعم الصديق نعم الصديق ، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له في الدنيا والآخرة ، هذه عبارة كشف الغمة ، انتهى كلام الفضل (4) .
وقال صاحب إحقاق الحق ما حاصله : أن هذا افتراء منه للترويج الباطل ، وإلا فليس في كشف الغمة مما ذكره عين ولا أثر ، ولا يستبعد منه وضع الخبر ، فقد أباح بعض أعاظم أصحابه وضع الحديث لنصرة المذهب ، كما ذكره الحافظ عبد العظيم المنذري الشافعي في آخر كتابه المسمى بالترغيب والترهيب ، وغيره في غيره ، ومع هذا صرح كشف الغمة بأنه اعتمد في الغالب النقل من كتب الجمهور ، ليكون أدعى إلى تلقيه بالقبول (5) انتهى ما أردت نقله .
أقول : مع ما ذكره في الرواية فيها علامة الوضع :
منها : قوله " قد حلى أبو بكر " لأن سياق الكلام يدل على ذكره في مقام السند ، ومع الاتفاق على عدم الحجية في فعل أبي بكر ، وقوله لم يكن من أهل العلم الذي يليق بمثل أبي جعفر (عليه السلام ) الاستشهاد بفعله أو بقوله ، وكيف يمكن تجويز التمسك بفعل جاهل آذى فاطمة وأمير المؤمنين ( عليهما السلام ) وغيرهما ؟ مع ظهور الشناعة لمن لم يخرج عن الفطرة الأصلية .
ومنها : قوله " فوثب الإمام من مكانه " لأن السؤال إنما يقتضي الإرشاد لا الطيش الذي يدل سياق الرواية عليه ، مع أنه لم يكن طريقته ( عليه السلام ) كما هو معلوم لمن تتبع سيرته وكلامه ( عليه السلام ) نعم يمكن أن يكون غرض السائل استكشاف ما في ضميره للأغراض الباطلة الناشئة من النفاق ، وحينئذ جوابه ( عليه السلام ) بما نسب إليه لا يدل على اعتقاده (عليه السلام) به ، بل يمكن أن يكون قوله وفعله على وفق التقية .
اعلم أن رواية الزمخشري تدل على عصمة الأئمة من ولد فاطمة ( عليها السلام ) وكون إمامتهم بتعيين الله عز وجل بقوله ( صلى الله عليه وآله ) " أمناء ربي " وبقوله " حبل ممدود " وعلى هلاك المتخلف عن حبل الولاية ، فيظهر منها بطلان مذهب أهل السنة الذين لم يقولوا بإمامة ولد فاطمة ( عليها السلام ) وبطلان مذهب الزيدية وغيرها ممن لم يقل بعصمتهم .
لا يقال : يمكن إبطال قول أهل السنة والكيسانية بقوله ( صلى الله عليه وآله ) " والأئمة من ولدها أمناء ربي " .
لأنا نقول : تدل الرواية على كون الأئمة من ولدها معصومين ، لا على حصر الأئمة فيهم ، فيجب إبطال مذهبهما والمذاهب الباطلة من غيرهما ، إما بعدم القول بالإمامة في أولادها ، أو بعدم القول بالعصمة على تقدير القول بالإمامة بمعنى من المعاني ، أو بوجه آخر ، فيبطل المذهب المعروف من أهل السنة بالأول .
ومن يقول في بعض أولادها بالإمامة بمعنى آخر بعدم قولهم بالعصمة ، وقول الإسماعيلية والناووسية والواقفية بتواتر موت إسماعيل في حياة الصادق ( عليه السلام ) وبتواتر موت الصادق والكاظم ( عليهما السلام ) وقول الفطحية بعدم صلاحية عبد الله للإمامة ، وقول الكيسانية بعدم صلاحية محمد للإمامة ، وانقراض هذا المذهب والأخير يدل على بطلان كثير من المذاهب السخيفة .
ويؤيد مذهب الإمامية الاثنا عشرية كون محمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي ( عليهم السلام ) بعد انتقال أبيهما إلى روضة القدس في سن أن ينقل عن أحد من غير حجج الله تعالى اتصافه في هذا السن بعلم وكمال مطلقا ، بل كان غيرهما في هذا السن خارجا عن التكليف ، بل عن قرب زمانه ، وظاهر بين العامة والخاصة أنهما لم يأخذا العلم والكمال من أبناء زمانهما ، فعلمهما إنما كان من عند الله تعالى ، ومثل هذا العلم في مثل هذه الحال من أكمل المعجزات الباهرة عند أرباب التميز ، لو لم نقل بكونه معجزا مطلقا ، فإذا ضم إليه سائر الكمالات النفسانية التي يشهد بها من لم يظهر منه غاية العناد واللجاج يتقوى بها في الدلالة ، فيثبت بما ذكرته إمامتهما لظهور الدعوى منهما عند المنصف الطالب للنجاة ، وإمامة الأئمة الماضية (عليهم السلام) بتصديقهما المعلوم له ، وإمامة الباقيين (عليهما السلام) ظاهرة بما ذكرته سابقا.
اعلم أن تعبيرنا هذا الدليل بالمؤيد إنما هو لرعاية مدرك بعض الناس ، وإلا فهذا دليل واضح وبرهان قاطع للطالب البصير والعالم الخبير ، وما ذكرته من اذعان الناس بكمالاتهما يدل عليه مع الاشتهار في الألسن والنقل في الكتب وما ذكر ابن أبي الحديد في مقام تعداد المفاخر الذي كان بين بني هاشم وبني أمية : ومن الذي يعد من قريش أو من غيرهم ما يعده الطالبيون عشرة في نسق كل واحد منهم : عالم ، زاهد ، ناسك ، شجاع ، جواد ، طاهر ، زاك ، فمنهم خلفاء ، ومنهم مرشحون ابن ابن ابن هكذا إلى عشرة ، وهم : الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب، ولا من بيوت العجم (6) انتهى .
وبالجملة اشتهار كمالات الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وظهورها بين المخالفين ، أظهر من أن يحتاج إلى التبيين .
_______________
(1) هو الشيخ الطوسي رحمه الله " منه " .
(2) جامع الأصول 4 : 440 - 442 .
(3) نهج الحق وكشف الصدق ص 227 .
(4) إحقاق الحق 1 : 27 - 29 .
(5) إحقاق الحق 1 : 64 - 65 .
(6) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 15 : 278 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|