المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16652 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
اعراض تلف الدماغ
2024-06-29
تلف الدماغ Kernicterus
2024-06-29
العوامل الخطرة في زيادة البيلروبين Risk Factors for Hyperbilirubinemia
2024-06-29
زيادة البيلروبين الولادي Neonatal hyper bilirubinemia
2024-06-29
تصنيف اليرقان
2024-06-29
اليرقان Jaundice
2024-06-29

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (24) من سورة النساء  
  
20890   02:42 مساءً   التاريخ: 7-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النساء /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2017 14753
التاريخ: 13-2-2017 3655
التاريخ: 2-11-2016 10535
التاريخ: 10-2-2017 1306

قال تعالى : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء : 24] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

عطف سبحانه على ما تقدم ذكرهن من المحرمات فقال : ﴿والمحصنات﴾ : أي وحرمت عليكم اللاتي أحصن ﴿من النساء﴾ ، واختلف في معناه على أقوال (أحدها) : أن المراد به ذوات الأزواج ﴿إلا ما ملكت أيمانكم﴾ من سبي من كان له زوج عن علي (عليه السلام) وابن مسعود وابن عباس ومكحول والزهري . واستدل بعضهم على ذلك بخبر أبي سعيد الخدري أن الآية نزلت في سبي أوطاس وأن المسلمين أصابوا نساء المشركين وكان لهن أزواج في دار الحرب فلما نزلت نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا غير الحبالى حتى يستبرئن بحيضة ومن خالف فيه ضعف هذا الخبر بأن سبي أوطاس كانوا عبدة الأوثان ولم يدخلوا في الإسلام ولا يحل نكاح الوثنية وأجيب عن ذلك بأن الخبر محمول على ما بعد الإسلام . (وثانيها) : أن المراد به ذوات الأزواج إلى ما ملكت أيمانكم ممن كان لها زوج لأن بيعها طلاقها عن أبي بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس وابن المسيب والحسن وقال ابن عباس طلاق الأمة يثبت بستة أشياء سبيها وبيعها وعتقها وهبتها وميراثها وطلاق زوجها وهو الظاهر من روايات أصحابنا وقال عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف ليس بيع الأمة طلاقها بل طلاقها كطلاق الحرة وإنما هو في السبي خاصة لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خير بريرة بعد ما أعتقتها عائشة ولو بانت بالعتق لم يصح تخييرها وقال الأولون أن زوج بريرة كان عبدا ولو كان حرا لم يخيرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (وثالثها) أن المراد بالمحصنات العفائف إلا ما ملكت أيمانكم بالنكاح أو بالثمن ملك استمتاع بالمهر والنفقة أو ملك استخدام بالثمن عن أبي العالية وسعيد بن جبير وعطاء والسدي .

﴿كتاب الله عليكم﴾ : يعني كتب الله تحريم ما حرم وتحليل ما حلل عليكم كتابا فلا تخالفوه وتمسكوا به . وقوله ﴿و أحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم﴾ : قيل في معناه أربعة أقوال (أحدها) : أحل لكم ما وراء ذات المحارم من أقاربكم عن عطاء (وثانيها) : أن معناه أحل لكم ما دون الخمس وهي الأربع فما دونها أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح عن السدي (وثالثها) : ما وراء ذلكم مما ملكت أيمانكم عن قتادة (ورابعها) : أحل لكم ما وراء ذات المحارم والزيادة على الأربع أن تبتغوا بأموالكم نكاحا أو ملك يمين وهذا الوجه أحسن الوجوه ولا تنافي بين هذه الأقوال ومعنى أن تبتغوا أن تطلبوا أو تلتمسوا بأموالكم أما شراء بثمن أو نكاحا بصداق عن ابن عباس . 

﴿محصنين غير مسافحين﴾ : أي متزوجين غير زانين ، وقيل : معناه أعفة غير زناة . وقوله ﴿فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة﴾ قيل : المراد بالاستمتاع هنا درك البغية والمباشرة وقضاء الوطر من اللذة عن الحسن ومجاهد وابن زيد والسدي فمعناه على هذا فما : استمتعتم أو تلذذتم من النساء بالنكاح فأتوهن مهورهن . وقيل المراد به : نكاح المتعة وهو النكاح المنعقد بمهر معين إلى أجل معلوم عن ابن عباس والسدي وابن سعيد وجماعة من التابعين وهو مذهب أصحابنا الإمامية وهو الواضح لأن لفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان في الأصل واقعا على الانتفاع والالتذاذ فقد صار بعرف الشرع مخصوصا بهذا العقد المعين لا سيما إذا أضيف إلى النساء . فعلى هذا يكون معناه : فمتى عقدتم عليهن هذا العقد المسمى متعة فأتوهن أجورهن ويدل على ذلك أن الله علق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع وذلك يقتضي أن يكون معناه هذا العقد المخصوص دون الجماع والاستلذاذ لأن المهر لا يجب إلا به .

هذا وقد روي عن جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود أنهم قرؤوا {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن أجورهن} وفي ذلك تصريح بأن المراد به عقد المتعة . وقد أورد الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت قال : أعطاني ابن عباس مصحفا فقال هذا على قراءة أبي فرأيت في المصحف {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى} .

وبإسناده عن أبي نضرة قال : " سألت ابن عباس عن المتعة ، فقال : أما تقرأ سورة النساء فقلت بلى فقال فما تقرأ {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى} قلت لا أقرؤها هكذا . قال ابن عباس : والله هكذا أنزلها الله تعالى ثلاث مرات " .

وبإسناده عن سعيد بن جبير أنه قرأ {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى} .

وبإسناده عن شعبة عن الحكم بن عتيبة ، قال : " سألته عن هذه الآية {فما استمتعتم به منهن} أمنسوخة هي ؟ قال الحكم : قال علي بن أبي طالب : لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي " . وبإسناده عن عمران بن الحصين قال : " نزلت آية المتعة في كتاب الله ولم تنزل آية بعدها تنسخها فأمرنا بها رسول الله وتمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ومات ولم ينهنا عنها فقال بعد رجل برأيه ما شاء " .

ومما أورده مسلم بن حجاج في الصحيح قال : " حدثنا الحسن الحلواني قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال عطاء : قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر ومما يدل أيضا على أن لفظ الاستمتاع في الآية لا يجوز أن يكون المراد به الانتفاع والجماع أنه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم شيء من المهر من لا ينتفع من المرأة بشيء وقد علمنا أنه لو طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر ولو كان المراد به النكاح الدائم لوجب للمرأة بحكم الآية جميع المهر بنفس العقد لأنه قال ﴿فأتوهن أجورهن﴾ : أي مهورهن ولا خلاف في أن ذلك غير واجب وإنما تجب الأجرة بكماله بنفس العقد في نكاح المتعة .

ومما يمكن التعلق به في هذه المسألة الرواية المشهورة عن عمر بن الخطاب أنه قال : " متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالا وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما " . فأخبر بأن هذه المتعة كانت على عهد رسول الله أضاف النهي عنها إلى نفسه لضرب من الرأي فلو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) نسخها أو نهى عنها أو أباحها في وقت مخصوص دون غيره لأضاف التحريم إليه دون نفسه وأيضا فإنه قرن بين متعة الحج ومتعة النساء في النهي ولا خلاف أن متعة الحج غير منسوخة ولا محرمة فوجب أن يكون حكم متعة النساء حكمها .

وقوله ﴿ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة﴾ من قال أن المراد بالاستمتاع : الانتفاع والجماع ، قال : المراد به لا حرج ولا إثم عليكم فيما تراضيتم به من زيادة مهر أو نقصانه أو حط أو إبراء أو تأخير ، وقال السدي : معناه لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استئناف عقد آخر بعد انقضاء مدة الأجل المضروب في عقد المتعة يزيدها الرجل في الأجر وتزيده في المدة وهذا قول الإمامية وتظاهرت به الروايات عن أئمتهم . ﴿إن الله كان عليما﴾ بما يصلح أمر الخلق ﴿حكيماً﴾ فيما فرض لهم من عقد النكاح الذي يحفظ الأموال والأنساب  .

___________________

1. تفسير مجمع البيان ،ج3 ، ص 59-62 .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير مجمع الكاشف عن تفسير هذه الآية في تفسير  هذه الآية (1) :

 

{والْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} . سبق في فقرة اللغة إن الإحصان في هاتين الآيتين قد جاء على أربعة معان : الزواج والعفة والحرية والإسلام . والمراد بالمحصنات هنا المتزوجات ، لأن الزواج حصن للزوجة ، يمنعها من الوقوع فيما لا ينبغي ، وحصن للزوج أيضا للعلة نفسها ، فلقد جاء في الحديث : « من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه » . والمراد بما ملكت أيمانكم إن تصير المرأة ملكا للرجل ، والمعنى أن المرأة إذا كانت متزوجة حرمت على غير زوجها إلا إذا تملكها مسلم ، فتحل حينئذ لمالكها رغم أنها زوجة للغير ، والمسلم يملك المرأة بسبين  :

الأول : أن تصير غنيمة له ، وذلك أن تقع حرب دينية بين المسلمين والمشركين ، فينتصر المسلمون ، فيصبح المشركون بنسائهم وأطفالهم وأموالهم غنائم حرب للمسلمين ، فإذا غنم المسلم امرأة دون زوجها وقعت الفرقة بين الزوجين بإجماع المذاهب ، وان غنم الزوجين معا لم تقع الفرقة بينهما عند الحنفية والحنابلة ، وتقع عند الإمامية والشافعية والمالكية ، فإذا أراد المسلم الذي حاز المشركة أن ينكحها جاز له ذلك بعد أن تضع حملها إن كانت حاملا ، وبعد أن تحيض مرة واحدة إن كانت حائلا ، ومن ذوات الحيض ، وإلا امتنع عنها 45 يوما ، ثم قاربها إن شاء .

وهذه الأحكام طبقت في الفتوح الإسلامية الأولى ، وعللها البعض بأنها للردع والزجر عن الشرك ، والترغيب في اعتناق الإسلام . . أما نحن فنقول : إنها أحكام تعبدية لا نعرف وجه الحكمة منها ، وكل ما نعرفه إن لها أشباها ونظائر في الشرائع ، وان بعضها حلل قتل النساء والأطفال ، أما الإسلام فقد أمر بالرفق في الأسرى والعبيد ، مهما كان دينهم ومذهبهم .

السبب الثاني الذي يملك به المسلم المرأة هو شراء الأمة ، وذلك أن يكون للرجل أمة مملوكة ، وكان قد زوّجها من عبد له أو لغيره ، ثم باعها من آخر ، فهذا البيع يفسخ زواج الأمة من العبد ويبطله عند الإمامية ، ويحل للمشتري أن يفترش الأمة التي ابتاعها بعد إن تستبرئ بوضع الحمل ، أو بحيضة ، أو بخمسة وأربعين يوما .

وقال السيد رشيد رضا صاحب تفسير المنار : « إن بعض الصحابة كابن مسعود على هذا الرأي الذي ذهب إليه الإمامية - ثم قال صاحب المنار - :

ولولا ما اختاره الأستاذ الإمام - يريد إن الشيخ محمد عبده اختار غير مذهب الإمامية - لكان قول الإمامية أرجح من مذهب جمهور أهل السنة  .

فالسيد رشيد يعترف بأن قول الإمامية أرجح من مذهب السنة ، ومع ذلك يرفضه لا لشيء إلا لأن أستاذه لم يقل به . . وغريب هذا من أمثال السيد رشيد الذي نعى في تفسيره على التقليد والمقلدين ، حتى أخرجهم من الدين ، لا من العلم فقط ( انظر تفسيره للآية 165 - 167 من سورة البقرة) .

والخلاصة إن الإسلام أباح للمسلم أن ينكح المتزوجة إذا كانت أمة ، وملكها

بالشراء ، أو كانت مشركة ، وغنمها في حرب دينية ، يدافع فيها عن الإسلام ، ويدعو إليه .

وتسأل : إن لفظ المحصنات جمع مؤنث ، ومعناه واضح من غير بيان ، فأية فائدة من قوله تعالى : { مِنَ النِّساءِ } ؟ .

الجواب : إن القرآن كثيرا ما يأتي بالقيد للتوضيح والتوكيد ، مثل { وقَتْلَهُمُ الأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } . مع العلم بأن قتل الأنبياء لا يكون ولن يكون إلا بالباطل .

ثانيا : قد يتوهم متوهم ان المراد بالمحصنات خصوص المسلمات ، فجاء قيد { مِنَ النِّساءِ } لبيان العموم ، وان عقد الزواج محترم ، سواء أوقع على المسلمة ، أم غيرها .

{كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} . هذا مجرد توكيد لما سبق من قوله تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ..} الخ ، أي إن تحريم الأصناف المذكورة هو حتم مفروض من اللَّه . . فمن خالف فإن اللَّه سبحانه هو الذي يحاكمه ويعاقبه .

{وأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ} . لما انتهى سبحانه من بيان المحرمات أعطى قاعدة كلية ، وهي إن غير الأصناف المذكورة يحل نكاحهن ، على شريطة أن يحصل الزواج بهن حسب الأصول المقررة في الشريعة ، ومنها أن يدفع الراغب في النكاح للمرأة صداقا شرعيا ، لا أجرة على البغاء ، وهذا معنى قوله  :

{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ} . فالمراد بالإحصان هنا العفة ، وبالسفاح الزنا ، ولفظ محصنين يغني عن غير مسافحين ، ولكنه جاء للتوكيد ، والإشارة إلى أن لصاحب المال أن ينفق أمواله في الملذات والطيبات غير المحرمة . .

لأن الإسلام كما حرم طرائق الكسب غير المشروع ، كالربا والغش والغصب ، فقد حرم انفاق المال في المحرمات ، كالزنا والاعتداء على حرية الآخرين .

واتفق السنة والشيعة على ان قوله تعالى : ( وأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) يدل على جواز الجمع بين العمة وبنت أخيها ، وبين الخالة وبنت أختها . . لأن المعروف من طريقة المشرعين أن يذكروا المحرمات فقط ، لإمكان حصرها ، أما المباحات التي لا يبلغها الإحصاء فيشيرون إليها بقولهم : ( ما عدا ذلك ) . ولكن السنة قالوا : ثبت عن الرسول (صلى الله عليه وآله) انه قال : " لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها " .

وقال الخوارج : يجوز الجمع بينهما مطلقا ، رضيت العمة والخالة ، أم أبتا .

واختلف الإمامية فيما بينهم ، فمنهم من قال بمقالة السنة . والأكثرية منهم ذهبوا إلى انه إذا تزوج أولا بنت الأخ ، أو بنت الأخت فله أن يتزوج العمة أو الخالة مطلقا ، وإذا تزوج العمة أو الخالة أولا فلا يجوز له أن يعقد على بنت الأخ أو بنت الأخت إلا إذا أذنت العمة أو الخالة ، واستدلوا بروايات عن أهل البيت (عليه السلام) .

زواج المتعة   :

{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} . الضمير في ( به ) يعود على ما في قوله تعالى : {وأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ} وجاء بصيغة المفرد باعتبار لفظ ( ما ) ، والضمير في ( منهن ) يعود على ( ما ) أيضا ، وجاء بصيغة الجمع باعتبار معناها ، لأن المراد بما وراء ذلكم النسوة اللواتي يحل الزواج بهن ، أما الأجور فالمراد بها المهور ، والمعنى المحصل باتفاق المفسرين إن من أراد الزواج بامرأة من اللواتي تحل له فعليه أن يؤدي لها المهر حقا مفروضا من اللَّه ، لا صدقة وإحساناً  .

وقد كثر الكلام والنقاش حول هذه الآية : هل المراد بها الزواج الدائم فقط ، أو زواج المتعة فقط ، أو هما معا ، وعلى فرض إرادة المتعة ، فهل نسخت هذه الآية ، ونسخ معها زواج المتعة ؟  .

وفيما يلي يتضح الجواب عن جميع ما أثير أو يثار من التساؤلات حول زواج المتعة .

جاء في كتب الحديث والفقه والتفسير للسنة والشيعة إن المسلمين اتفقوا قولا واحدا على إن الإسلام شرّع متعة النساء ، وان النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بها أصحابه . من ذلك ما جاء في الجزء السابع من صحيح البخاري ، كتاب الترغيب في النكاح إن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) كان في جيش للمسلمين ، فقال لهم : قد أذن اللَّه لكم أن تستمتعوا ، فاستمتعوا . . وفي رواية ثانية للبخاري : أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال ، فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا  .

وفي صحيح مسلم ج 2 باب « نكاح المتعة » ص 623 طبعة 1348 ه عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري انه قال : استمتعنا على عهد رسول اللَّه وأبي بكر وعمر ، وفي الصفحة نفسها حديث آخر عن جابر ، قال فيه : ثم نهانا عمر . .

ومثله عن الجزء الثالث من مسند الإمام أحمد بن حنبل .

وقال الرازي في تفسير آية {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ} :" قال عمران بن الحصين ، وهو من فقهاء الصحابة وفضلائهم : إن اللَّه أنزل في المتعة آية ، وما نسخها بآية أخرى ، وأمرنا رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) بالمتعة ، وما نهانا عنها ، ثم قال رجل برأيه ما شاء . . يريد إن عمر نهى عنها "  .

وهذه الروايات ونظائرها موجودة في أكثر صحاح السنة وتفاسيرهم وكتبهم الفقهية ، وعليه يكون النزاع في انه : هل المراد بقوله تعالى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ} الخ ) الزواج الدائم فقط ، أو زواج المتعة فقط ، أو هما معا ، يكون هذا النزاع عقيما لا جدوى منه ، لأن النتيجة هي هي لا تختلف في شيء ، سواء أقلنا :

إن آية { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ } عامة للمتعة ، أو قلنا : هي مختصة بالزواج الدائم ، إذ المفروض إن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قد أمر بزواج المتعة باتفاق المسلمين ، وان كل ما أمر الرسول به فإن اللَّه يأمر به أيضا ، لقوله تعالى : { ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا - 7 الحشر } .

أجل ، بعد أن اتفق السنة والشيعة على إن الإسلام شرّع المتعة اختلفوا في نسخها وتحريمها بعد الجواز والتحليل ؟ .

قال السنة : حرمت بعد إن كانت حلالا . . وقال الشيعة : كانت حلالا ، ولا تزال إلى آخر يوم . . وبديهة إن على السنة أن يثبتوا النسخ والتحريم من الرسول (صلى الله عليه وآله) ، لأنهم يدعون زوال الشيء الثابت بطريق القطع واليقين ، أما الشيعة فلا يكلفون بالإثبات على عدم النسخ ، لأن ما ثبت باليقين لا يزول إلا بيقين مثله - مثلا - إذا اتفق اثنان على إن فلانا كان حيا في العام الماضي ، ثم اختلفا في موته الآن فالإثبات على من يدعي الموت ، أما من يقول ببقاء الحياة فهو في فسحة ، ولا يطلب منه شيء ، لوجوب الحكم بإبقاء ما كان على ما كان ، حتى يثبت العكس .

والسنة يعترفون بأن عليهم عبء الإثبات دون الشيعة ، ولذلك استدلوا على ثبوت النسخ بروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، ورد الشيعة هذه الروايات ، وناقشوها متنا وسندا ، وأثبتوا بالمنطق السليم إنها موضوعة على الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأدلة :

" منها " إن السنة أنفسهم يعترفون بأنها مضطربة متناقضة ، قال ابن رشد في الجزء الثاني من البداية ، مسألة نكاح المتعة ما نصه بالحرف : " في بعض الروايات إن النبي (صلى الله عليه وآله) حرم المتعة يوم خيبر ، وفي بعضها يوم الفتح ، وفي بعضها في غزوة تبوك ، وفي بعضها في حجة الوداع ، وفي بعضها في عمرة القضاء ، وفي بعضها عام أوطاس ، وهو اسم مكان في الحجاز ، ومحل غزوة من غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله) - ثم قال ابن رشد - : روي عن ابن عباس انه قال : ما كانت المتعة إلا رحمة من اللَّه ، رحم بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ولولا نهي عمر عنها ما اضطر إلى الزنا إلا شقي "  .

و « منها » أي من ردود الشيعة على روايات النسخ إنها ليست بحجة ، حتى ولو سلمت من التناقض ، لأنها من أخبار الآحاد . . والنسخ إنما يثبت بآية قرآنية ، أو بخبر متواتر ، ولا يثبت بالخبر الواحد (2) .

و « منها » ما جاء في صحيح مسلم من ان المسلمين تمتعوا على عهد الرسول ، وعهد أبي بكر ، وهذا ينفي نسخها في عهد الرسول ، وإلا كان الخليفة الأول محللا لما حرم اللَّه والرسول . . وأصدق شيء في الدلالة على عدم النسخ في عهده (صلى الله عليه وآله) قول عمر بالذات : « متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه إنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما » . ومهما شككت فلا أشك ولن أشك في ان عمر لو سكت عن هذا النهي لما اختلف اثنان من المسلمين في جواز المتعة وحليتها إلى يوم يبعثون .

وتسأل : بعيد جدا أن يقول عمر هذا . . لأنه تحريم لما أحله اللَّه ، ورد على رسول اللَّه الذي لا ينطق عن الهوى ؟ .

الجواب : أجل ، هو أبعد من بعيد ، لأنه كما قلت : رد على اللَّه ورسوله . .

ولكن المسلمين اتفقوا على ان عمر قال ذلك ، وما رأيت واحدا منهم نفى نسبته إليه . . بل في بعض الروايات ان عمر نهى عن ثلاثة أشياء أمر بها النبي لا شيئين ، قال القوشجي في شرح التجريد - وهو من علماء السنة - قال في آخر مبحث الإمامة : « ان عمر صعد المنبر ، وقال : أيها الناس ، ثلاث كن على عهد رسول اللَّه ، إنا أنهى عنهن ، وأحرمهن ، وأعاقب عليهن : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل » . . وروى كل من الطبري والرازي ان عليا قال : لولا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي . ومثله عن تفسير الثعلبي والسيوطي .

سؤال ثان : أليس من الأليق بمكانة عمر أن نحمل قوله هذا على انه رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، وليس رأيا من عمر ضد النبي (صلى الله عليه وآله) ؟ .

الجواب : أجل ، ان هذا الحمل أليق وأخلق ، ولكن قوله : « كانتا على عهد رسول اللَّه ، وأنا أنهى عنهما » يأبى هذا الحمل ، حيث نسب التحليل إلى الرسول ، والتحريم إلى نفسه ، ولو كان قوله رواية ، لا رأيا لنسب النهي إلى الرسول ، لأنه أبلغ في الردع والزجر .

وبالاختصار : لا يمكن الجمع بحال بين القول : ان النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة بعد أن أمر بها ، وبين قول عمر : كانت المتعة على عهد رسول اللَّه ، وانا أنهى عنها . . وقد ثبت ان عمر قال هذا فيلزم من ذلك حتما ان النبي لم ينه عن المتعة . . هذا بعض ما يرد من الطعون بروايات النسخ المنسوبة إلى النبي . . ومن أراد التفصيل فليرجع إلى تفسير آلاء الرحمن للشيخ محمد جواد البلاغي ، والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ، ونقض الوشيعة للسيد محسن الأمين ، والجزء الثالث من كتاب دلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر .

وتجدر الإشارة إلى أنه لا فرق بين الزواج الدائم ، وزواج المتعة في ان كلا منهما لا يتم إلا بعقد ومهر ، وفي نشر الحرمة من حيث المصاهرة ، وفي وجوب التوارث والإنفاق وسائر الحقوق المادية والأدبية بين أولاد المتعة وأولاد الزواج الدائم ، وفي وجوب العدة على الممتع بها . . وفي الجزء الخامس من كتابنا فقه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ذكرنا 14 وجها يتساوى فيها الزواج الدائم ، والزواج المنقطع ، أي المتعة ، و 10 أوجه يفترق فيها كل عن الآخر .

{ ولا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } . إذا جرى الزواج على مهر مبين محدد في متن العقد يصبح حقا لازما للزوجة ، تتصرف فيه كيفما تشاء ، ولكن هذا لا يمنع أن يتراضى الزوجان بعد ذلك على ترك المهر كلا أو بعضا ، أو الزيادة عليه ، كما انه لا مانع أن يتراضيا على نوع النفقة ومقدارها ، أو تركها من الأساس ، أو يتراضيا على الطلاق ، أو على الرجوع بعد الطلاق ، أو بعد انقضاء أمد المتعة ، وما إلى ذلك ضمن الحدود الشرعية .

___________________

1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 292 – 299 .

2. الخبر المتواتر هو أن يرويه جماعة بلغوا من الكثرة حدا يمتنع معه عادة اتفاقهم على الكذب . والخبر الواحد لا ينتهي إلى حد التواتر ، سواء أكان راويه واحدا ، أو أكثر .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

قوله تعالى : { وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ } المحصنات بفتح الصاد اسم مفعول من الإحصان وهو المنع ، ومنه الحصن الحصين أي المنيع يقال : أحصنت المرأة إذا عفت فحفظت نفسها وامتنعت عن الفجور ، قال تعالى : { الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها } [ التحريم : 12 ] أي عفت ويقال : أحصنت المرأة ـ بالبناء للفاعل والمفعول ـ إذا تزوجت فأحصن زوجها أو التزوج إياها من غير زوجها ، ويقال : أحصنت المرأة إذا كانت حرة فمنعها ذلك من أن يمتلك الغير بضعها أو منعها ذلك من الزنا لأن ذلك كان فاشيا في الإماء.

والظاهر أن المراد بالمحصنات في الآية هو المعنى الثاني أي المتزوجات دون الأول والثالث لأن الممنوع المحرم في غير الأصناف الأربعة عشر المعدودة في الآيتين هو نكاح المزوجات فحسب فلا منع من غيرها من النساء سواء كانت عفيفة أو غيرها ، وسواء كانت حرة أو مملوكة فلا وجه لأن يراد بالمحصنات في الآية العفائف مع عدم اختصاص حكم المنع بالعفائف ثم يرتكب تقييد الآية بالتزويج ، أو حمل اللفظ على إرادة الحرائر مع كون الحكم في الإماء أيضا مثلهن ثم ارتكاب التقييد بالتزويج فإن ذلك أمر لا يرتضيه الطبع السليم.

فالمراد بالمحصنات من النساء المزوجات وهي التي تحت حبالة التزويج ، وهو عطف على موضع أمهاتكم ، والمعنى : وحرمت عليكم كل مزوجة من النساء ما دامت مزوجة ذات بعل.

وعلى هذا يكون قوله : { إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ } رفعا لحكم المنع عن محصنات الإماء على ما ورد في السنة أن لمولى الأمة المزوجة أن يحول بين مملوكته وزوجها ثم ينالها عن استبراء ثم يردها إلى زوجها.

وأما ما ذكره بعض المفسرين أن المراد بقوله : { إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ } إلا ما ملكت أيمانكم بالنكاح أو بملك الرقبة من العفائف فالمراد بالملك ملك الاستمتاع والتسلط على المباشرة ففيه أولا أنه يتوقف على أن يراد بالمحصنات العفائف دون المزوجات وقد عرفت ما فيه ، وثانيا أن المعهود من القرآن إطلاق هذه العبارة على غير هذا المعنى ، وهو ملك الرقبة دون التسلط على الانتفاع ونحوه.

وكذا ما ذكره بعض آخر أن المراد بما ملكته الأيمان الجواري المسبيات إذا كن ذوات أزواج من الكفار ، وأيد ذلك بما روي عن أبي سعيد الخدري : أن الآية نزلت في سبي أوطاس ـ حيث أصاب المسلمون نساء المشركين ، وكانت لهن أزواج في دار الحرب ـ فلما نزلت نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا غير الحبالى حتى يستبرأن .

وفيه مضافا إلى ضعف الرواية أن ذلك تخصيص للآية من غير مخصص ، فالمصير إلى ما ذكرناه.

قوله تعالى : { كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ } أي الزموا حكم الله المكتوب المقضي عليكم وقد ذكر المفسرون أن قوله : { كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ } منصوب مفعولا مطلقا لفعل مقدر ، والتقدير : كتب الله كتابا عليكم ثم حذف الفعل وأضيف المصدر إلى فاعله وأقيم مقامه ، ولم يأخذوا لفظ عليكم اسم فعل لما ذكره النحويون أنه ضعيف العمل لا يتقدم معموله عليه ، هذا.

قوله تعالى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ } ظاهر التعبير بما الظاهرة في غير أولي العقل ، وكذا الإشارة بذلكم الدال على المفرد المذكر ، وكذا قوله بعده : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ } ، أن يكون المراد بالموصول واسم الإشارة هو المقدر في قوله : حرمت عليكم أمهاتكم ، المتعلق به التحريم من الوطء والنيل أو ما هو من هذا القبيل ، والمعنى : وأحل لكم من نيلهن ما هو غير ما ذكر لكم ، وهو النيل بالنكاح في غير من عد من الأصناف الخمسة عشر أو بملك اليمين ، وحينئذ يستقيم بدلية قوله : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ } ، من قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ } كل الاستقامة.

وقد ورد عن المفسرين في هذه الجملة من الآية تفاسير عجيبة كقول بعضهم : إن معنى قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ } : أحل لكم ما وراء ذات المحارم من أقاربكم ، وقول بعض آخر : إن المراد : أحل لكم ما دون الخمس وهي الأربع فما دونها أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح ، وقول بعض آخر : إن المعنى أحل لكم ما وراء ذلكم مما ملكت أيمانكم ، وقول بعض آخر : معناها أحل لكم ما وراء ذات المحارم والزيادة على الأربع أن تبتغوا بأموالكم نكاحا أو ملك يمين.

وهذه وجوه سخيفة لا دليل على شيء منها من قبل اللفظ في الآية ، على أنها تشترك في حمل لفظة ما في الآية على أولي العقل ، ولا موجب له كما عرفت آنفا ، على أن الآية في مقام بيان المحرم من نيل النساء من حيث أصناف النساء لا من حيث عدد الأزواج فلا وجه لتحميل إرادة العدد على الآية ، فالحق أن الجملة في مقام بيان جواز نيل النساء فيما سوى الأصناف المعدودة منهن في الآيتين السابقتين بالنكاح أو بملك اليمين.

قوله تعالى : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ } بدل أو عطف بيان من قوله : « ما وَراءَ ذلِكُمْ » يتبين به الطريق المشروع في نيل النساء ومباشرتهن ، وذلك أن الذي يشمله قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ } من المصداق ثلاثة : النكاح وملك اليمين والسفاح وهو الزنا فبين بقوله : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ } إلخ ، المنع عن السفاح وقصر الحل في النكاح وملك اليمين ثم اعتبر الابتغاء بالأموال وهو في النكاح المهر والأجرة ـ ركن من أركانه ـ وفي ملك اليمين الثمن ـ وهو الطريق الغالب في تملك الإماء ـ فيئول معنى الآية إلى مثل قولنا : أحل لكم فيما سوى الأصناف المعدودة أن تطلبوا مباشرة النساء ونيلهن بإنفاق أموالكم في أجرة المنكوحات من النساء نكاحا من غير سفاح أو إنفاقها في ثمن الجواري والإماء.

ومن هنا يظهر أن المراد بالإحصان في قوله : { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ } إحصان العفة دون إحصان التزوج وإحصان الحرية فإن المراد بابتغاء الأموال في الآية أعم مما يتعلق بالنكاح أو بملك اليمين ولا دليل على قصرها في النكاح حتى يحمل الإحصان على إحصان التزوج ، وليس المراد بإحصان العفة الاحتراز عن مباشرة النساء حتى ينافي المورد بل ما يقابل السفاح أعني التعدي إلى الفحشاء بأي وجه كان بقصر النفس في ما أحل الله ، وكفها عما حرم الله من الطرق العادية في التمتع المباشري الذي أودع النزوع إليه في جبلة الإنسان وفطرته.

وبما قدمناه يظهر فساد ما ذكره بعضهم : أن قوله { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ } ، بتقدير لام الغاية أو ما يؤدي معناها ، والتقدير لتبتغوا ، أو إرادة أن تبتغوا.

وذلك أن مضمون قوله : { أَنْ تَبْتَغُوا } ، بوجه عين ما أريد بقوله : { ما وَراءَ ذلِكُمْ } لا أنه أمر مترتب عليه مقصود لأجله ، وهو ظاهر.

وكذا ما يظهر من كلام بعضهم : أن المراد بالمسافحة مطلق سفح الماء وصبه من غير أن يقصد به الغاية التي وضع الله سبحانه هذه الداعية الشهوية الفطرية في الإنسان لأجلها ، وهي غرض تكوين البيت وإيجاد النسل والولد ، وبالمقابلة يكون الإحصان هو الازدواج الدائم الذي يكون الغرض منه التوالد والتناسل ، هذا.

وإني لست أرى هذا القائل إلا أنه اختلط عليه طريق البحث فخلط البحث في ملاك الحكم المسمى بحكمة التشريع بالبحث عن نفس الحكم فلزمه ما لا يسعه الالتزام به من اللوازم.

وأحد الباحثين وهو البحث عن الملاك عقلي ، والآخر وهو البحث عن الحكم الشرعي وما له من الموضوع والمتعلق والشرائط والموانع لفظي يتبع في السعة والضيق البيان اللفظي من الشارع ، وإنا لا نشك أن جميع الأحكام المشرعة تتبع مصالح وملاكات حقيقية ، وحكم النكاح الذي هو أيضا أحدها يتبع في تشريعه مصلحة واقعية وملاكا حقيقيا ، وهو التوالد والتناسل ، ونعلم أن نظام الصنع والإيجاد أراد من النوع الإنساني البقاء النوعي ببقاء الأفراد ما شاء الله ، ثم احتيل إلى هذا الغرض بتجهيز البنية الإنسانية بجهاز التناسل الذي يفصل أجزاء منه فيربيه ويكونه إنسانا جديدا يخلف الإنسان القديم فتمتد به سلسلة النوع من غير انقطاع ، واحتيل إلى تسخير هذا الجهاز للعمل والإنتاج بإيداع القوة الشهوانية التي يحن بها أحد القبيلين ـ الذكر والأنثى ـ من الأفراد إلى الآخر ، وينجذب بها كل إلى صاحبه بالوقوع عليه والنيل ، ثم كمل ذلك بالعقل الذي يمنع من إفساد هذا السبيل الذي يندب إليه نظام الخلقة.

وفي عين أن نظام الخلقة بالغ أمره وواجد غرضه الذي هو بقاء النوع لسنا نجد أفراد هذه الاتصالات المباشرية بين الذكر والأنثى ولا أصنافها موصلة إلى غرض الخلقة دائما بل إنما هي مقدمة غالبية ، فليس كل ازدواج مؤديا إلى ظهور الولد ، ولا كل عمل تناسلي كذلك ، ولا كل ميل إلى هذا العمل يؤثر هذا الأثر ، ولا كل رجل أو كل امرأة ، ولا كل ازدواج يهدي هداية اضطرارية إلى الذواق فالاستيلاد ، فالجميع أمور غالبية.

فالتجهز التكويني يدعو الإنسان إلى الازدواج طلبا للنسل من طريق الشهوة ، والعقل المودوع فيه يضيف إلى ذلك التحرز وحفظ النفس عن الفحشاء المفسد لسعادة العيش ، الهادم لأساس البيوت ، القاطع للنسل.

وهذه المصلحة المركبة أعني مصلحة الاستيلاد والأمن من دبيب الفحشاء هي الملاك الغالبي الذي بني عليه تشريع النكاح في الإسلام غير أن الأغلبية من أحكام الملاك ، وأما الأحكام المشرعة لموضوعاتها فهي لا تقبل إلا الدوام.

فليس من الجائز أن يقال : إن النكاح أو المباشرة يتبعان في جوازهما الغرض والملاك المذكور وجودا وعدما فلا يجوز نكاح إلا بنية التوالد ، ولا يجوز نكاح العقيم ولا نكاح العجوز التي لا ترى الحمرة ، ولا يجوز نكاح الصغيرة ، ولا يجوز نكاح الزاني ولا يجوز مباشرة الحامل ، ولا مباشرة من غير إنزال ، ولا نكاح من غير تأسيس بيت ، ولا يجوز ... ولا يجوز ....

بل النكاح سنة مشروعة بين قبيلي الذكر والأنثى لها أحكام دائمية ، وقد أريد بهذه السنة المشروعة حفظ مصلحة عامة غالبية كما عرفت فلا معنى لجعل سنة مشروعة تابعة لتحقق الملاك وجودا وعدما ، والمنع عما لا يتحقق به الملاك من أفراده أو أحكامه.

قوله تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } كان الضمير في قوله : { بِهِ } راجع إلى ما يدل عليه قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ } « وهو النيل أو ما يؤدي معناه ، فيكون { ما } للتوقيت ، وقوله { مِنْهُنَّ } متعلقا بقوله : { اسْتَمْتَعْتُمْ } والمعنى : مهما استمتعتم بالنيل منهن فآتوهن أجورهن فريضة.

ويمكن أن يكون ما موصولة ، واستمتعتم صلة لها ، وضمير به راجعا إلى الموصول وقوله { مِنْهُنَّ } بيانا للموصول ، والمعنى : ومن استمتعتم به من النساء « إلخ ».

والجملة أعني قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ } « إلخ » تفريع لما تقدمها من الكلام ـ لمكان الفاء ـ تفريع البعض على الكل أو تفريع الجزئي على الكلي بلا شك فإن ما تقدم من الكلام أعني قوله { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ } كما تقدم بيانه شامل لما في النكاح وملك اليمين ، فتفريع قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ } عليه يكون من تفريع الجزء على الكل أو تفريع بعض الأقسام الجزئية على المقسم الكلي.

وهذا النوع من التفريع كثير الورود في كلامه تعالى كقوله عز من قائل : { أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ } الآية : [ البقرة : 184 ] وقوله : { فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ } الآية : [ البقرة : 196 ] وقوله { لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ } الآية [ البقرة : 256 ] إلى غير ذلك.

والمراد بالاستمتاع المذكور في الآية نكاح المتعة بلا شك فإن الآية مدنية نازلة في سورة النساء في النصف الأول من عهد النبي صلى الله عليه وآله بعد الهجرة على ما يشهد به معظم آياتها ، وهذا النكاح أعني نكاح المتعة كانت دائرة بينهم معمولة عندهم في هذه البرهة من الزمان من غير شك ـ وقد أطبقت الأخبار على تسلم ذلك ـ سواء كان الإسلام هو المشرع لذلك أو لم يكن فأصل وجوده بينهم بمرأى من النبي ومسمع منه لا شك فيه ، وكان اسمه هذا الاسم ولا يعبر عنه إلا بهذا اللفظ فلا مناص من كون قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } محمولا عليه مفهوما منه هذا المعنى كما أن سائر السنن والعادات والرسوم الدائرة بينهم في عهد النزول بأسمائها المعروفة المعهودة كلما نزلت آية متعرضة لحكم متعلق بشيء من تلك الأسماء بإمضاء أو رد أو أمر أو نهي لم يكن بد من حمل الأسماء الواردة فيها على معانيها المسماة بها من غير أن تحمل على معانيها اللغوية الأصلية.

وذلك كالحج والبيع والربا والربح والغنيمة وسائر ما هو من هذا القبيل فلم يمكن لأحد أن يدعي أن المراد بحج البيت قصده ، وهكذا ، وكذلك ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله من الموضوعات الشرعية ثم شاع الاستعمال حتى عرفت بأساميها الشرعية كالصلاة والصوم والزكاة وحج التمتع وغير ذلك لا مجال بعد تحقق التسمية لحمل ألفاظها الواقعة في القرآن الكريم على معانيها اللغوية الأصلية بعد تحقق الحقيقة الشرعية أو المتشرعية فيها.

فمن المتعين أن يحمل الاستمتاع المذكور في الآية على نكاح المتعة لدورانه بهذا الاسم عندهم يوم نزول الآية سواء قلنا بنسخ نكاح المتعة بعد ذلك بكتاب أو سنة أو لم نقل فإنما هو أمر آخر.

وجملة الأمر أن المفهوم من الآية حكم نكاح المتعة ، وهو المنقول عن القدماء من مفسري الصحابة والتابعين كابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وقتادة ومجاهد والسدي وابن جبير والحسن وغيرهم ، وهو مذهب أئمة أهل البيت عليه‌ السلام.

ومنه يظهر فساد ما ذكره بعضهم في تفسير الآية أن المراد بالاستمتاع هو النكاح فإن إيجاد علقة النكاح طلب للتمتع منها هذا ، وربما ذكر بعضهم أن السين والتاء في استمتعتم للتأكيد ، والمعنى : تمتعتم.

وذلك لأن تداول نكاح المتعة ( بهذا الاسم ) ومعروفيته بينهم لا يدع مجالا لخطور هذا المعنى اللغوي بذهن المستمعين.

على أن هذا المعنى على تقدير صحته وانطباق معنى الطلب على المورد أو كون استمتعتم بمعنى تمتعتم ، لا يلائم الجزاء المترتب عليه أعني قوله : { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، فإن المهر يجب بمجرد العقد ، ولا يتوقف على نفس التمتع ولا على طلب التمتع الصادق على الخطبة وإجراء العقد والملاعبة والمباشرة وغير ذلك ، بل يجب نصفه بالعقد ونصفه الآخر بالدخول.

على أن الآيات النازلة قبل هذه الآية قد استوفت بيان وجوب إيتاء المهر على جميع تقاديره ، فلا وجه لتكرار بيان الوجوب ، وذلك كقوله تعالى : { وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً } الآية : [ النساء 4 ] ، وقوله تعالى : { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً } ، الآيتان : [ النساء : 20 ] ، وقوله تعالى { لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) ـ إلى أن قال ـ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ } الآيتان [ البقرة : 237 ] .

وما احتمله بعضهم أن الآية أعني قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } مسوقة للتأكيد يرد عليه أن سياق ما نقل من الآيات وخاصة سياق ذيل قوله : { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ } الآيتين أشد وآكد لحنا من هذه الآية فلا وجه لكون هذه مؤكدة لتلك.

وأما النسخ فقد قيل : إن الآية منسوخة بآية المؤمنون : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ } : [ المؤمنون : 7 ] ، وقيل منسوخة بآية العدة : { يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ } : [ الطلاق : 1 ] { وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ } الآية : [ البقرة : 228 ] ، حيث إن انفصال الزوجين إنما هو بطلاق وعدة وليسا في نكاح المتعة ، وقيل : منسوخة بآيات الميراث : { وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ } الآية : [ النساء : 12 ] ، حيث لا إرث في نكاح المتعة ، وقيل منسوخة بآية التحريم : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ } الآية ، فإنها في النكاح ، وقيل : منسوخة بآية العدد : { فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ } الآية [ النساء : 3 ] ، وقيل : منسوخة بالسنة نسخها رسول الله صلى الله عليه وآله عام خيبر ، وقيل : عام الفتح ، وقيل : في حجة الوداع ، وقيل : أبيحت متعة النساء ثم حرمت مرتين أو ثلاثا ، وآخر ما وقع واستقر عليه من الحكم الحرمة.

أما النسخ بآية المؤمنون ، ففيه أنها لا تصلح للنسخ ، فإنها مكية وآية المتعة مدنية ، ولا تصلح المكية لنسخ المدنية ، على أن عدم كون المتعة نكاحا والمتمتع بها زوجة ممنوع ، وناهيك في ذلك ما وقع في الأخبار النبوية ، وفي كلمات السلف من الصحابة والتابعين من تسميتها نكاحا ، والإشكال عليه بلزوم التوارث والطلاق وغير ذلك سيأتي الجواب عنه.

وأما النسخ بسائر الآيات كآية الميراث وآية الطلاق وآية العدد ففيه أن النسبة بينها وبين آية المتعة ليست نسبة الناسخ والمنسوخ ، بل نسبة العام والمخصص أو المطلق والمقيد ، فإن آية الميراث مثلا تعم الأزواج جميعا من كل دائم ومنقطع والسنة تخصصها بإخراج بعض أفرادها ، وهو المنقطع من تحت عمومها ، وكذلك القول في آية الطلاق وآية العدد ، وهو ظاهر ، ولعل القول بالنسخ ناش من عدم التمييز بين النسبتين.

نعم ذهب بعض الأصوليين فيما إذا ورد خاص ثم عقبه عام يخالفه في الإثبات والنفي إلى أن العام ناسخ للخاص. لكن هذا مع ضعفه على ما بين في محله غير منطبق على مورد الكلام ، وذلك لوقوع آيات الطلاق ( وهي العام ) في سورة البقرة ، وهي أول سورة مدنية نزلت قبل سورة النساء المشتملة على آية المتعة ، وكذلك آية العدد واقعة في سورة النساء متقدمة على آية المتعة ، وكذلك آية الميراث واقعة قبل آية المتعة في سياق واحد متصل في سورة واحدة فالخاص أعني آية المتعة متأخر عن العام على أي حال.

وأما النسخ بآية العدة فبطلانه أوضح فإن حكم العدة جار في المنقطعة كالدائمة وإن اختلفتا مدة فيئول إلى التخصيص أيضا دون النسخ.

وأما النسخ بآية التحريم فهو من أعجب ما قيل في هذا المقام أما أولا فلأن مجموع الكلام الدال على التحريم والدال على حكم نكاح المتعة كلام واحد مسرود متسق الأجزاء متصل الأبعاض فكيف يمكن تصور تقدم ما يدل على المتعة ثم نسخ ما في صدر الكلام لذيله؟ ، وأما ثانيا فلأن الآية غير صريحة ولا ظاهرة في النهي عن الزوجية غير الدائمة بوجه من الوجوه ، وإنما هي في مقام بيان أصناف النساء المحرمة على الرجال ثم بيان جواز نيل غيرها بنكاح أو بملك يمين ، ونكاح المتعة نكاح على ما تقدم ، فلا نسبة بين الأمرين بالمباينة حتى يؤول إلى النسخ.

نعم ربما قيل : إن قوله تعالى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ } حيث قيد حلية النساء بالمهر وبالإحصان من غير سفاح ، ولا إحصان في النكاح المنقطع ـ ولذلك لا يرجم الرجل المتمتع إذا زنا لعدم كونه محصنا ـ يدفع كون المتعة مراده بالآية.

لكن يرد عليه ما تقدم أن المراد بالإحصان في قوله { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ } هو إحصان العفة دون إحصان التزوج لكون الكلام بعينه شاملا لملك اليمين كشموله النكاح ، ولو سلم أن المراد بالإحصان هو إحصان التزوج عاد الأمر إلى تخصيص الرجم في زنا المحصن بزنا المتمتع المحصن بحسب السنة دون الكتاب فإن حكم الرجم غير مذكور في الكتاب من أصله.

___________________________

1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 228-235 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

 (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) أي ويحرم الزواج بالنساء ، اللاتي لهنّ أزواج.

والمحصنات جمع المحصنة وهي مشتقة من «الحصن» ، وقد أطلقت على المرأة ذات الزوج لأنّها بالزواج برجل تكون قد أحصنت فرجها من الفجور ، وكذا أطلقت على النساء العفيفات النقيات الجيب ، أو اللاتي يعشن في كنف رجل وتحت كفالته وبذلك يحفظن أنفسهنّ ويحصنها من الفجور والزنا.

وقد تطلق هذه اللفظة على الحرائر مقابل الإماء ، لأن حريتهنّ تكون بمثابة حصن يحفظهنّ من أن يتجاوز حدوده أحد دون إذنهنّ ، إلّا أنّه من الواضح أن المراد بها في الآية الحاضرة هو ذوات الأزواج.

إِن هذا الحكم لا يختص بالنساء المحصنات المسلمات، بل يشمل المحصنات حتى غير المسلمات، أي أنّه يحرم الزواج بهنّ مهما كان دينهنّ.

نعم يستثنى من هذا الحكم فقط النساء المحصنات الكتابيات اللاتي أسرّهنّ المسلمون في الحروب، فقد اعتبر الإِسلام أسرهنّ بمثابة الطلاق من أزواجهنّ، وأذن أن يتزوج بهنّ المسلمون بعد انقضاء عدتهنّ (2) أو يتعامل معهنّ كالإِماء كما قال سبحانه : (إِلاّ ما ملكت أيمانكم).

ولكن هذا الإِستثناء (استثناء منقطع يعني أن هذه النساء المحصنات اللاتي وقعن أسيرات في أيدي المسلمين لا يعتبرن محصنات لأن علاقتهنّ بأزواجهنّ قد انقطعت بمجرد وقوعهنّ أسيرات، تماماً كما تنقطع علاقة النساء غير المسلمات بأزواجهن باعتناقهنّ الإِسلام في صورة استمرار الزوج السابق على كفره ، فيكن في مصاف النساء المجردات من الأزواج (أي غير المحصنات).

ومن هنا يتّضح أنّ الإِسلام لا يسمح مطلقاً بأن يتزوج المسلمون بالنساء المحصنات حتى الكتابيات وغيرهنّ من أهل الديانات الاُخرى ، ولهذا قرّر لهنّ العدّة ، ومنع من الزواج بهنّ في تلك الفترة .

وفلسفة هذا الحكم تتمثل في أن هذا النوع من النساء إمّا يجب أن تعاد إِلى دار الكفر ، أو يبقين هكذا بدون زوج بين المسلمين ، أو تقطع علاقتهنّ بالزوج السابق ، ويتزوجن من جديد بزوج آخر ، وحيث أن الصورة الأُولى تخالف الأُسس التربوية الإِسلامية، كما أن الصورة الثانية عملية ظالمة ، ولهذا لا تبقى إِلاّ صورة واحدة وهي الصورة الثالثة .

ويظهر من بعض الروايات التي ينتهي إِسنادها إِلى أبي سعيد الخدري أنّ الآية نزلت في سبايا غزوة أوطاس (3) وأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سمح للمسلمين بأن يتزوجوا بهن بعد التأكد من كونهنّ غير حبالى أو يعاملن كما تعامل الأمة ، وهو يؤيد الصورة الثالثة التي أشرنا إِليها في ما سبق.

ثمّ أن الله سبحانه أكّد هذه الأحكام الواردة في شأن المحارم من النساء ومن شابههنّ حيث قال : (كتاب الله عليكم) وعلى هذا لا يمكن تغيير هذه الأحكام أو العدول عنها أبداً .

ثمّ إنّه يشير سبحانه إِلى حلّية الزواج بغير هذه الطوائف من المذكورات في هذه الآية والآيات السابقة إِذ يقول : (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) أي أنّه يجوز لكم أن تتزوجوا بغير هذه الطوائف من النساء شريطة أن يتمّ ذلك وفق القوانين الإِسلامية وأن يرافق مبادئ الفقه والطهر ويبتعد عن جادة الفجور والفسق .

وعلى هذا يكون معنى «محصنين» في الآية والذي هو إِشارة إِلى حال الرجال هو «عفيفين» ، وعبارة «غير مسافحين» تأكيد لهذا الوصف، لأن السفاح (الذي هو وزن كتاب) يعني الزنا وأصله من السفح وهو صب الماء أو الأعمال العابثة والأفعال الطائشة وحيث أنّ القرآن يستخدم ـ في مثل هذه الموارد ـ الكنايات يكون المراد من السفاح الزنا واللقاء الجنسي الغير المشروع .

وجملة (أن تبتغوا بأموالكم) إِشارة إِلى أنّ العلاقة الزوجية إمّا يجب أن تتمّ من خلال الزواج مع دفع صداق ومهر، أو من خلال تملك أمة في لقاء دفع قيمتها (4) .

كما أن عبارة «غير مسافحين» في الآية الحاضرة لعلها إِشارة إِلى حقيقة أنّ الهدف من الزواج يجب أن لا يكون فقط إِطفاء الشهوة، وتلبية الرغبة الجنسية ، بل الزواج قضية حيوية هامّة تهدف غاية جد سامية يجب أن تكون الغريزة الجنسية في خدمتها أيضاً، ألا وهو بقاء النوع البشري ، وحفظه من التلوث والإِنحراف .

الزّواج المؤقت في الإِسلام :

يقول سبحانه : (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة) أي أنّه يجب عليهم دفع أجور النساء اللاتي تستمتعون بهنّ، وهذا القسم من الآية إِشارة إِلى مسألة الزواج المؤقت أو ما يسمّى بالمتعة، ويستفاد منها أن أصل تشريع الزواج المؤقت كان قطعياً ومسلماً عند المسلمين قبل نزول هذه الآية، ولهذا يوصي المسلمون في هذه الآية بدفع أجورهنّ .

وحيث أن البحث في هذه المسألة من الأبحاث التّفسيرية والفقهية والإِجتماعية المهمة جداً يجب دراستها من عدّة جهات هي :

1 ـ القرائن الموجودة في هذه الآية التي تؤكد دلالتها على الزواج المؤقت .

2 ـ إِن الزواج المؤقت كان في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينسخ .

3 ـ الحاجة بل والضرورة الإِجتماعية إِلى هذا النوع من الزواج .

4 ـ الإِجابة على بعض الإِشكالات .

وأمّا بالنسبة إِلى النقطة الأُولى فلابدّ من الإِلتفات إِلى أُمور :

أوّلا : إنّ كلمة المتعة التي اشتق منها لفظة «استمتعتم» تعني الزواج المؤقت ، وبعبارة أُخرى المتعة حقيقة شرعية في هذا النوع من الزواج ، ويدل على ذلك أن هذه الكلمة استعملت في هذا المعنى نفسه في روايات النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وكلمات الصحابة مراراً وتكراراً (5).

ثانياً : إِنّ هذه اللفظة إِذا لم تكن بالمعنى المذكور يجب أن تفسّر حتماً بمعناها اللغوي وهو «الإِنتفاع» فيكون معنى هذا المقطع من الآية هكذا: «إِذا انتفعتم بالنساء الدائمات فادفعوا إِليهنّ أجورهنّ» في حين أننا نعلم إِن دفع الصداق والمهر غير مقيد ولا مشروط بالإِنتفاع بالزوجات الدائمات بل يجب دفع تمام المهر ـ بناء على ما هو المشهور (6) بين الفقهاء ـ أو نصفه على الأقل إِلى المرأة بمجرد العقد للزواج الدائم عليها.

ثالثاً : إِنّ كبار «الصحابة» و«التابعين» (7) مثل ابن عباس العالم (المفسّر الإِسلامي الكبير) وأبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعمران بن الحصين ، وسعيد بن جبير، ومجاهد ، وقتادة والسدي، وجماعة كبيرة من مفسّري أهل السنة ، وجميع مفسّري أهل البيت ، فهموا من الآية الحاضرة حكم الزواج المؤقت إِلى درجة أن الفخر الرازي ـ رغم ما عهد عنه من التشكيك الكثير في القضايا المرتبطة بالشيعة وعقائد هم قال بعد بحث مفصل : والذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول أنّها منسوخة وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحاً في غرضنا، وهذا هو الجواب أيضاً عن تمسكهم بقراءة أبي وابن عباس فإِن تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدل إِلاّ على أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه ، إِنّما الذي نقوله أن النسخ طرأ عليه .

رابعاً : اتفق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وهم أعلم الناس بأسرار الوحي ، على تفسير الآية المذكورة بهذا المعنى (أي بالزواج المؤقت) وقد وردت في هذا الصعيد روايات كثيرة منها .

ما عن الإِمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنّة من رسول الله» (8) .

وعن الإِمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال في جواب سؤال أبي بصير حول المتعة : نزلت في القرآن (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة) (9) .

وعن الإِمام الباقر (عليه السلام) أيضاً أنّه قال : في جواب عبد الله بن عمير الليثي الذي سأل عن المتعة : «أحلّها الله في كتابه وعلى لسان نبيّه فهي حلال إِلى يوم القيامة» (10) .

ثمّ إِنّ الله سبحانه قال : ـ بعد ذكر وجوب دفع المهر ـ (ولا جناح عليكم في ما تراضيتم به من بعد الفريضة) وهو بذلك يشير إِلى أنّه لا مانع من التغيير في مقدار الصداق إِذا تراضى طرفا العقد ، وعلى هذا الأساس يكون الصداق نوعاً من الدين الذي يخضع للتغيير من زيادة أو نقصان إِذا تراضيا . (ولا فرق في هذا الأمر بين العقد المؤقت والعقد الدائم وإِن كانت الآية الحاضرة تدور حول الزواج المؤقت).

ثمّ إنّ هناك احتمالا آخر في تفسير الآية أيضاً وهو أنّه لا مانع من أن يقدم الطرفان ـ بعد انعقاد الزواج المؤقت على تمديد مدّة هذا الزواج وكذا التغيير في مقدار المهر برضا الطرفين ، وهذا يعني أن مدّة الزواج المؤقت قابلة للتمديد حتى عند إِشرافها على الإِنتهاء (أي قبيل انتهائها) بأن يتفق الزوجات أن يضيفا على المدّة المتفق عليها في مطلع هذا الزواج ، مدّة أُخرى معينة لقاء إِضافة مقدار معين من المال إِلى الصداق المتفق عليه أوّلا (وقد أُشير في روايات أهل البيت (عليهم السلام) إِلى هذا التّفسير أيضاً) .

ثمّ أنّه سبحانه قال : (إِنّ الله كان عليماً حكيماً) يريد بذلك أن الأحكام المذكورة في هذه الآية تتضمّن خير البشرية وصلاحها وسعادتها لأنّ الله عليم بمصالحهم ، حكيم في ما يقرره لهم من القوانين .

_______________

1- تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 86-97 .

2ـ مقدار عدتهن حيضة واحدة أو وضع حملهن إذا كن حبالى .

3ـ أوطاس منطقة وقعت فيها إحدى المعارك الإِسلامية وهو واد في ديار بني هوازن .

4ـ لقد بحثنا بالتفصيل عن برنامج الإِسلام حول تحرير العبيد وما هناك من تخطيط دقيق في النظام الإِسلامي في هذا المجال ، ذيل الآية 4 من سورة محمد .

5ـ راجع كتاب كنز العرفان ومجمع البيان ونور الثقلين والبرهان .

6ـ المشهور أو الأشهر وجوب تمام المهر بمجرد عقد الزواج الدائم وإن كان الطلاق قبل الدخول يوجب إعادة نصفه إِلى الزوج .

7ـ التابعون هم الذين جاؤوا بعد الصحابة ولم يدركوا عهد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

8ـ تفسير البرهان ، ج1 ، ص 360 ؛ أصول الكافي ، ج5 ، ص 449 .

9- تفسير البرهان ، ج1 ، ص 360 ؛ أصول الكافي ، ج5 ، ص 449 .

10- المصدر السابق .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .