أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-2-2017
3056
التاريخ: 24-2-2017
4280
التاريخ: 3-2-2017
3588
التاريخ: 10-2-2017
8376
|
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [النساء : 10] .
أوعد الله آكلي مال اليتيم نار جهنم وقال : ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما﴾ : أي ينتفعون بأموال اليتامى ، ويأخذونها ظلما بغير حق ولم يرد به قصر الحكم على الأكل ، الذي هو عبارة عن المضغ والابتلاع ، وفائدة تخصيص الأكل بالذكر أنه معظم منافع المال المقصودة ، فذكره الله تنبيها على ما في معناه من وجوه الانتفاع ، وكذلك معنى قوله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تأكلوا الربى} ، وإنما علق الوعيد بكونه ظلماً ، لأنه قد يأكله الإنسان على وجه الاستحقاق ، بأن يأخذ منه أجرة المثل ، أو يأكل منه بالمعروف ، أو يأخذه قرضا على نفسه ، على ما تقدم القول في ذلك ، فلا يكون ظلماً .
فإن قيل : إذا أخذه قرضاً ، أو أجرة المثل ، فإنما أكل مال نفسه ، ولم يأكل مال اليتيم ؟ فجوابه : لا ، بل يكون آكلا مال اليتيم ، لكن لا على وجه يكون ظلماً ، بأن ألزم عوضه على نفسه ، أو استحقه بالعمل ولو سلمنا ذلك لجاز أن يكون إنما ذكر كونه ظلما لضرب من التأكيد والبيان ، لأن أكل مال اليتيم لا يكون إلا ظلماً .
وسئل الرضا : كم أدنى ما يدخل به آكل مال اليتيم تحت الوعيد في هذه الآية ؟ فقال : " قليله وكثيره واحد إذا كان من نيته أن لا يرده إليهم " .
وقوله ﴿إنما يأكلون في بطونهم نارا﴾ : قيل فيه وجهان : (أحدهما) : إن النار ستلتهب من أفواههم ، وأسماعهم ، وآنافهم يوم القيامة ، ليعلم أهل الموقف أنهم آكلة أموال اليتامى ، عن السدي ، وروي عن الباقر أنه قال : " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : يبعث ناس من قبورهم يوم القيامة ، تأجج أفواههم ناراً . فقيل له : يا رسول الله ! من هؤلاء ؟ فقرأ هذه الآية . (والآخر) : أنه ذكر ذلك على وجه المثل ، من حيث أن من فعل ذلك يصير إلى جهنم ، فتمتلئ بالنار أجوافهم ، عقاباً على أكلهم مال اليتيم ، كما قال الشاعر :
وإن الذي أصبحتم تحلبونهُ دم غير أن اللون ليس بأحمرا (2)
يصف أقواما أخذوا الإبل في الدية يقول : إنما تحلبون دم القتيل منها لا الألبان .
﴿وسيصلون سعيرا﴾ : أي سيلزمون النار المسعرة للإحراق ، وإنما ذكر البطون تأكيداً ، كما يقال : نظرت بعيني ، وقلت بلساني ، وأخذت بيدي ، ومشيت برجلي .
وروى الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال : " إن في كتاب علي بن أبي طالب أن من أكل مال اليتيم ظلما ، سيدركه وبال ذلك في عقبه من بعده ، ويلحقه وبال ذلك في الآخرة . أما في الدنيا فإن الله يقول ﴿وليخش الذين لو تركوا﴾ الآية ، وأما في الآخرة ، فإن الله يقول ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما﴾ الآية .
_________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 26-27 .
2. ورد في كتاب المعاني لابن قتيبة : 2/1018 : دم غير أنّ الدرّ ليس بأحمرا .
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} . المراد بأكل النار أكل ما يوجب العذاب في النار ، فهو من باب اطلاق المسبب ، وهو النار ، على السبب ، وهو أكل الحرام . وفي الحديث أشد الناس عذابا حاكم جائر ، وآكل مال اليتيم ، وشاهد زور .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 259-260 .
قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً } الآية يقال : أكله وأكله في بطنه وهما بمعنى واحد غير أن التعبير الثاني أصرح والآية كسابقتها متعلقة للمضمون بقوله : { لِلرِّجالِ نَصِيبٌ } الآية وهي تخويف وردع للناس عن هضم حقوق اليتامى في الإرث.
والآية مما يدل على تجسم الأعمال على ما مر في الجزء الأول من هذا الكتاب في قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما } [ البقرة : 26 ] ولعل هذا مراد من قال من المفسرين إن قوله : { إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً } ، كلام على الحقيقة دون المجاز وعلى هذا لا يرد عليه ما أورده بعض المفسرين : أن قوله : { يَأْكُلُونَ } أريد به الحال دون الاستقبال بقرينة عطف قوله : { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } عليه وهو فعل دخل عليه حرف الاستقبال فلو كان المراد به حقيقة الأكل ـ ووقته يوم القيامة ـ لكان من اللازم أن يقال : سيأكلون في بطونهم نارا ويصلون سعيرا فالحق أن المراد به المعنى المجازي ، وأنهم في أكل مال اليتيم كمن يأكل في بطنه نارا انتهى ملخصا وهو غفلة عن معنى تجسم الأعمال.
وأما قوله : { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } فهو إشارة إلى العذاب الأخروي ، والسعير من أسماء نار الآخرة يقال صلى النار يصلاها صلى وصليا أي احترق بها وقاسى عذابها .
_______________________
1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 174 .
الوجه الحقيقي لأفعال البشر :
لقد ذكرنا في مطلع هذه السّورة أن آيات هذه السورة نزلت لبناء مجتمع صالح وسليم ، ولهذا تسعى آياتها في تطهير المجتمع من الرواسب الجاهلية وما تبقّى في نفوس بعض المسلمين الحديثي العهد بالإِسلام من العادات السيئة أوّلا ، لتتهيأ الأرضية لإِقامة ذلك المجتمع الصالح المنشود.
وأية عادة ترى أقبح من أكل أموال اليتامى ؟ ولهذا إبتدأت هذه السورة بعبارات شديدة النكير على من يتصرف في أموال اليتامى تصرفاً غير مشروع ، وغير صحيح، والآية الحاضرة هي أوضح هذه العبارات.
تقول هذه الآية : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}.
ولقد ورد نظير هذه العبارة في موضع آخر من القرآن الكريم وذلك في شأن الذين يكتمون الحق ، ويحرفون الكلم عن مواضعها لتحقيق بعض المكاسب المادية الشخصية إذ يقول سبحانه عنهم : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ } [البقرة : 174] .
ثمّ أنّه سبحانه يقول في بيان نتيجة أكل أموال اليتامى : (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) .
و«يصلى» من «الصلي» بمعنى الدخول في النار والإِحتراق بلهيبها ، وأمّا «السعير» فبمعنى النار المشتعلة .
ويقصد القرآن من هذه الجملة إِنّ الذين يأكلون أموال اليتامى مضافاً إِلى أنّهم يأكلون النار ـ في الحقيقة ـ في هذه الدنيا سيدخلون عمّا قريب ناراً مشتعلة الأوار وحارقة اللهب في الدار الآخرة.
ويستفاد من هذه الآية أن لأعمالنا مضافاً إِلى وجهها الظاهري وجهاً واقعياً أيضاً ، وجهاً مستوراً عنّا في هذه الدنيا ، لا نراه بعيوننا هنا ، ولكنّه يظهر في العالم الآخر، وهذا الأمر هو ما يشكل مسألة تجسم الأعمال المطروحة في المعتقدات الإِسلامية .
إِنّ القرآن يصرح في هذه الآية بأنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلماً وجوراً ، وإِن كان الوجه الظاهري لفعلهم هذا هو الأكل من الأطعمة اللذيذة الملونة ، ولكن الوجه الواقعي لهذه الأغذية هو النار المحرقة الملتهبة ، وهذا الوجه هو الذي يظهر ويتجلّى على حقيقته في عالم الآخرة .
إِنّ بين الوجه الواقعي للعمل والكيفية الظاهرية للعمل تناسباً وتشابهاً دائماً ، فكما أن أكل مال اليتيم وغصب حقوقه يحرق فؤاد اليتيم ، ويؤذي روحه ، فكذا يكون الوجه الواقعي للعمل ناراً محرقة .
إِنّ الإِنتباه إِلى هذا الأمر (أي الوجه الحقيقي الواقعي لكل عمل) خير رادع للذين يؤمنون بهذه الحقائق ، كيما لا يرتكبوا المعاصي ولا يقترفوا الذنوب ، فهل يوجد ثمّة من يحب أن يأخذ بيديه قبسات من النار ، ويضعها في فمه ويبتلعها ؟
إِنّه من غير الممكن ـ والحال هذه ـ أن يقدم المؤمنون على أكل مال اليتيم ظلماً ، ولو أنّنا وجدنا ثمّة من لا يقدم على هذا الفعل ، بل ولا يفكر في المعصية أبداً (كالأولياء) ، فلأنهم يرون ـ بفضل ما لديهم من الإِيمان والعلم ، وما حصلوا عليه من تربية خلقية ـ حقائق الأفعال البشرية ووجوهها الواقعية ، فلا يفكرون في إقتراف هذه الأعمال السيئة ، فضلا عن الهمّ باقترافها.
إِنّ الطفل الجاهل هو الذي يمكن أن يسحره ويجذبه جمال الجذوات المتقدمة وألسنة اللهب المندفعة منها فيمد يده إِليها ، ولكن الإِنسان العاقل الذي جرب حرارة النار وذاق ألمها ، كيف يمكن أن يفكر يوماً بذلك.
هذا ولقد وردت أحاديث كثيرة تنهى بشدّة عن أكل مال اليتيم والعدوان على حقوقه ، وتؤكد على أنّها كبيرة موبقة ، بل وتعتبر أبسط الأعمال من هذا النوع مشمولا لهذا الحكم الصارم وموضوعاً لهذه العقوبة القاسية.
ففي حديث عن الإِمام الصادق أو الإِمام الباقر (عليه السلام) لما سئل في كم يجب لأكل مال اليتيم من النار ؟ قال : في درهمين (2) .
_________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 42-44 .
2. تفسير البرهان ، ج2 ، ص 31 ، ذيل الآية مورد البحث .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|