المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

Methyl-CpG-Binding Protein 2
6-2-2019
AdS Space
20-12-2015
استحباب صوم أربعة أيام في السنة.
18-1-2016
هل تعلم جبرئيل [عليه السلام] قبل الرسول [صلى الله عليه وآله] ؟ وهل علمهما متساويان ؟
2024-06-19
الجهاز المناعي في الدواجن
22-4-2022
مكونات الطلقة النارية
2023-12-10


تفسير آية (59) من سورة النساء  
  
15087   04:31 مساءً   التاريخ: 10-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النساء /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2017 13033
التاريخ: 9-12-2016 7555
التاريخ: 27-2-2017 3056
التاريخ: 10-2-2017 11222


قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء : 59] .

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

لما بدأ في الآية المتقدمة بحث الولاة على تأدية حقوق الرعية والنصفة والتسوية بين البرية ثناه في هذه الآية بحث الرعية على طاعتهم والاقتداء بهم والرد إليهم فقال‏ {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ} أي ألزموا طاعة الله سبحانه فيما أمركم به ونهاكم عنه‏ {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أي والزموا طاعة رسوله (صلى الله عليه وآله) أيضا وإنما أفرد الأمر بطاعة الرسول وإن كانت طاعته مقترنة بطاعة الله مبالغة في البيان وقطعا لتوهم من توهم أنه لا يجب لزوم ما ليس في القرآن من الأوامر ونظيره قوله‏ {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ‏ وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏} وقيل معناه أطيعوا الله في الفرائض‏ وأطيعوا الرسول في السنن عن الكلبي والأول أصح لأن طاعة الرسول هي طاعة الله وامتثال أوامره امتثال أوامر الله وأما المعرفة بأنه رسول الله فهي معرفة برسالته ولا يتم ذلك إلا بعد معرفة الله وليست إحداهما هي الأخرى وطاعة الرسول واجبة في حياته وبعد وفاته لأن اتباع شريعته لازم بعد وفاته لجميع المكلفين ومعلوم ضرورة أنه دعا إليها جميع العالمين إلى يوم القيامة كما علم أنه رسول الله إليهم أجمعين .

وقوله‏ {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} للمفسرين فيه قولان (أحدهما) أنهم الأمراء عن أبي هريرة وابن عباس في إحدى الروايتين وميمون بن مهران والسدي واختاره الجبائي والبلخي والطبري (والآخر) أنهم العلماء عن جابر بن عبد الله وابن عباس في الرواية الأخرى ومجاهد والحسن وعطا وجماعة وقال بعضهم لأنهم الذين يرجع إليهم في الأحكام ويجب الرجوع إليهم عند التنازع دون الولاة .

وأما أصحابنا فإنهم رووا عن الباقر والصادق (عليه السلام) أن أولي الأمر هم الأئمة من آل محمد أوجب الله طاعتهم بالإطلاق كما أوجب طاعته وطاعة رسوله ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلا من ثبتت عصمته وعلم أن باطنه كظاهره وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح وليس ذلك بحاصل في الأمراء ولا العلماء سواهم جل الله عن أن يأمر بطاعة من يعصيه أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل لأنه محال أن يطاع المختلفون كما أنه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه .

ومما يدل على ذلك أيضا أن الله تعالى لم يقرن طاعة أولي الأمر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسول بطاعته إلا وأولوا الأمر فوق الخلق جميعا كما أن الرسول فوق أولي الأمر وفوق سائر الخلق وهذه صفة أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله) الذين ثبتت إمامتهم وعصمتهم واتفقت الأمة على علو رتبتهم وعدالتهم‏ {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ} معناه فإن اختلفتم في شي‏ء من أمور دينكم فردوا التنازع فيه إلى كتاب الله وسنة الرسول وهذا قول مجاهد وقتادة والسدي .

ونحن نقول : الرد إلى الأئمة القائمين مقام الرسول بعد وفاته هو مثل الرد إلى الرسول في حياته لأنهم الحافظون لشريعته وخلفاؤه في أمته فجروا مجراه فيه ثم أكد سبحانه ذلك وعظمه بقوله‏ {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ} فما أبين هذا وأوضحه‏ {ذلِكَ} إشارة إلى طاعة الله وطاعة رسوله وأولي الأمر والرد إلى الله والرسول‏ {خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} أي أحمد عاقبة عن قتادة والسدي وابن زيد قالوا لأن التأويل من آل يؤول إذا رجع والمال المرجع والعاقبة سمي تأويلا لأنه مآل الأمر وقيل معناه أحسن جزاء عن مجاهد وقيل خير لكم في الدنيا وأحسن عاقبة في الآخرة وقيل معناه أحسن من تأويلكم أنتم إياه من غير رد إلى أصل من كتاب الله وسنة نبيه عن الزجاج وهو الأقوى لأن الرد إلى الله‏ ورسوله ومن يقوم مقامه من المعصومين أحسن لا محالة من تأويل بغير حجة واستدل بعضهم بقوله‏ {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ} على إن إجماع الأمة حجة بأن قالوا إنما أوجب الله الرد إلى الكتاب والسنة بشرط وجود التنازع فدل على أنه إذا لم يوجد التنازع لا يجب الرد ولا يكون كذلك إلا والإجماع حجة وهذا الاستدلال إنما يصح لو فرض إن في الأمة معصوما حافظا للشرع فأما إذا لم يفرض ذلك فلا يصح لأن تعليق الحكم بشرط أو صفة لا يدل على إن ما عداه بخلافه عند أكثر العلماء فكيف اعتمدوا عليه هاهنا على أن الأمة لا تجمع على شي‏ء إلا عن كتاب أو سنة وكيف يقال إنها إذا اجتمعت على شي‏ء لا يجب عليها الرد إلى الكتاب والسنة وقد ردت إليهما .

_________________________

1. مجمع البيان ، ج3 ، ص 113-115 .

 

    تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير  هذه الآية (1) :

 

من هم أولو الأمر ؟

{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهً وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } . لقد كثر الكلام والنقاش حول المراد من أولي الأمر ، وما يعتبر فيهم من صفات ، كما تشبث بها الحكام الأدعياء على وجوب إطاعتهم ، أو السكوت عنهم - على

الأقل - وأيضا استدل بها جماعة من الفقهاء على أن مصادر الشريعة وأصولها تنحصر بأربعة ، وهي : كتاب اللَّه لقوله تعالى : { أَطِيعُوا اللَّهً } . والسنة النبوية لقوله : وأطيعوا الرسول . والإجماع لقوله : وأولي الأمر منكم . والقياس لقوله :

فان تنازعتم في شيء فردوه إلى اللَّه والرسول ، حيث زعموا ان المعنى قيسوا ما لا نص فيه على نظيره الذي فيه نص من الكتاب والسنة ، ويأتي البيان عن ذلك ، ولا خلاف في ان الكتاب والسنة هما الأصلان الأساسيان للتشريع ، أما الإجماع والقياس فقد اختلفوا في حجيتهما ، وفي دلالة الآية عليهما . وفيما يلي نعرض الجهات التي تضمنتها الآية ، والآراء التي قبلت حولها .

1- لا يختلف اثنان من المسلمين في أن إطاعة اللَّه والرسول إنما تكون بالعمل بكتاب اللَّه وسنة نبيه ، وانهما وسيلتان للتعبير عن شيء واحد ، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهً} [النساء : 80] . { وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر : 7] . { وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى } [النجم : 5] . ومن هنا اتفق المسلمون قولا واحدا على رفض كل ما ينسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا تنافى مع مبدأ من مبادئ القرآن وحكم من أحكامه .

وتسأل : لما ذا كرر لفظ الإطاعة عند ذكر الرسول ، ولم يكررها عند ذكر أولي الأمر ؟ .

الجواب : للتنبيه على ان إطاعة الرسول أصل بذاته ، تماما كإطاعة اللَّه ، ومن هنا كان قول كل منهما مصدرا من مصادر الشريعة ، وليس كذلك إطاعة أولي الأمر . . إنها فرع وتبع لإطاعة اللَّه والرسول ، ان أولي الأمر رواة عن الرسول .

2- ان لفظ منكم يدل بوضوح على ان حاكم المسلمين يجب أن يكون منهم ، ولا يجوز إطلاقا ان يكون من غيرهم ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : { ولَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا }[النساء : 141] .

3- اختلفوا في المراد من أولي الأمر بعد اتفاقهم على شرط الإسلام ، فمن قائل : انهم الخلفاء الراشدون . وقائل : انهم قادة الجيش . وقال ثالث : هم علماء الدين . وقال الشيخ محمد عبده : هم الأمراء والحكام والعلماء ورؤساء الجند ، وسائر الزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح ، فإذا اتفق هؤلاء على أمر وجب أن يطاعوا فيه بشرط أن يكونوا أمناء وألا يخالفوا أمر اللَّه ، ولا سنة رسوله ، وأن يكونوا مختارين في بحثهم في الأمر واتفاقهم عليه .

وقال الشيعة الإمامية : ان اللَّه سبحانه عطف بالواو إطاعة أولي الأمر على إطاعة الرسول بدون قيد ، والعطف بالواو يقتضي الجمع والمشاركة في الحكم ، ومعنى هذا ان إطاعة أولي الأمر هي إطاعة الرسول ، وان أمرهم هو أمره . .

وليس من شك ان هذه المرتبة السامية لا تكون إلا لمن اتصف بما يؤهله لهذا الطاعة ، ولا شيء يؤهله لها إلا العصمة عن الخطأ والمعصية ، فهي وحدها التي تجعل طاعته وطاعة الرسول سواء ، وقد اعترف الرازي بفكرة العصمة صراحة ، وقال : ان أولي الأمر الذين تجب إطاعتهم لا بد أن يكونوا معصومين ، والرازي - كما هو معروف - من كبار علماء السنة وفلاسفتهم ومفسريهم ، وهذا ما قاله بالحرف :

« اعلم ان قوله ( أولي الأمر ) يدل عندنا على ان إجماع الأمة حجة ، والدليل على ذلك ان اللَّه تعالى أمر بالطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر اللَّه بطاعته لا بد أن يكون معصوما عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ ، كان بتقدير أقدامه على الخطأ مع ان اللَّه قد أمر بمتابعته ، فيكون ذلك أمرا بفعل الخطأ ، مع العلم بأن متابعة المخطئ منهي عنها . .

فثبت ان المقصود من أولي الأمر المذكورين في الآية لا بد أن يكون معصوما » .

وهذا عين ما قاله الشيعة في تفسير هذه الآية ، والخلاف بينهم وبين السنة في التطبيق وتعيين المعصوم ، فالسنة يقولون : العصمة للأمة ، وفسروا الأمة بأهل الحل والعقد ، وقال كثير منهم : يكفي بعض أهل الحل والعقد . . وقال الشيعة : ان المراد بأولي الأمر أهل البيت ، وهم المعصومون والمطهرون من الرجس والدنس ، ففكرة العصمة - إذن - ليست خاصة بالشيعة ، ولم يتفردوا بالقول بها ، بل هي عند السنة ، كما هي عند الشيعة ، والفرق إنما هو في التطبيق وتعيين المعصوم ، كما قلنا ، فالحملة على الشيعة من أجل القول بالعصمة ، دون غيرهم ، لا مبرر لها إلا التعصب ، وبث روح الشقاق والتفرقة .

واستدل الشيعة على عصمة أهل البيت بأن العصمة منحة إلهية يختص اللَّه بها من ارتضى من عباده ، ومحال أن تحصل العصمة بالاكتساب ، مهما اجتهد الإنسان ، وجاهد ، كما هو شأن سائر الصفات ، كالعدالة والإيمان ، وما إليهما . وعليه ينحصر الطريق إلى معرفة العصمة بالوحي فقط ، وقد ثبت النص كتابا وسنة على عصمة أهل البيت (عليه السلام) ، من ذلك قوله تعالى : { إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }[الأحزاب : 33] .

ومن ذلك قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) : « من أطاعني فقد أطاع اللَّه ، ومن عصاني فقد عصى اللَّه ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن عصى عليا فقد عصاني » . رواه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح ، وصححه أيضا الذهبي في تلخيص المستدرك ، وفي الكتاب المذكور قال النبي «صلى الله عليه وآله» : علي مع القرآن ، والقرآن مع علي لن يفترقا ، حتى يردا علي الحوض . وروى الترمذي في مسنده والحاكم في مستدركه وابن حجر في صواعقه عن الرسول الأعظم « ص » انه قال : اللهم أدر الحق مع علي كيف دار . وأيضا روى الإمام ابن حنبل والترمذي والحاكم وابن حجر قوله « صلى الله عليه وآله » : اني قد تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين : كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي ، واشتهر عن النبي « صلى الله عليه وآله » : إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا .

إلى عشرات الأحاديث ، وكلها مدوّنة في كتب السنة وصحاحهم ، ومروية بأسانيدهم ، وقد جمعها ووضع لها علماء الشيعة مؤلفات خاصة في القديم والحديث ، فمن القديم كتاب الشافي للشريف المرتضى ، وتلخيصه للشيخ الطوسي ، ونهج الحق للعلامة الحلي ، ومن الحديث المجلد الثالث من أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ودلائل الصدق للشيخ المظفر ، والمراجعات لشرف الدين .

وبالإجمال ان الشيعة والسنة يؤمنون معا بالعصمة كمبدأ (2) وأيضا يتفق الشيعة وأكثر السنة ، أو الكثير منهم على ان أولي المذكورين في الآية معصومون ، وأيضا يتفقون على ان الدليل على عصمتهم ان اللَّه أوجب إطاعتهم ، تماما كما أوجب إطاعة اللَّه والرسول ، ولكن السنة والشيعة يختلفون في المراد من أولي الأمر المعصومين : هل هم أهل الحل والعقد ، أو هم أهل البيت ( عليه السلام ) ؟ .

قال السنة : هم أهل الحل والعقد . وقال الشيعة : هم أهل البيت ، لأن العصمة منحة إلهية لا تعرف إلا بالنص من اللَّه والرسول ، وقد ثبت النص عنهما على عصمة أهل البيت ، إذن يكون المراد بأولي الأمر أهل البيت دون غيرهم ، وبتعبير ثان ان أولي الأمر في الآية معصومون لوجوب إطاعتهم ، لأن من وجبت إطاعته فهو معصوم . . وأيضا ثبتت عصمة أهل البيت بالنص ، ولم تثبت عصمة غيرهم ، ومن ثبتت عصمته فهو واجب الطاعة ، فالنتيجة الحتمية ان أولي الأمر هم أهل البيت ، وان أهل البيت هم أولو الأمر دون غيرهم . . ومثل ذلك أن يقول لك قائل : استمع للناصح الأمين ، ولا ناصح أمين إلا زيد ، فالنتيجة استمع لزيد .

ومما استدل به الشيعة على عدم جواز الرجوع إلى أهل الحل والعقد في الأمور الدينية - قوله تعالى : { ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف : 186] .

وقوله : {وأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة : 106] . وقوله : {ولكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ} [التوبة : 34] . ومعنى هذا ان الحق لا يعرف بالناس قلَّوا أو كثروا ، وانما تعرف الناس بالحق الذي يؤخذ من كتاب اللَّه ، وسنة نبيه ، وحكم العقل البديهي الذي لا يختلف فيه اثنان .

- على الهامش - أرسم هذه الكلمات في شهر آذار سنة 1968 والانتخابات لمجلس النواب بلبنان قائمة على قدم وساق ، والأكثرية تزدحم على صناديق الاقتراع ، لتنتخب من دفع لها سلفا ثمن الأصوات بعد المزايدة ، أو وعد أصحابها بتلبية أغراضهم وأهوائهم . وسلام على من وصف بعض الانتخابات بقوله : « فصغى رجل لضغنه - أي مال مع حقده - ومال آخر لصهره ، مع هن وهن » كناية عن أشياء يكره ذكرها . وقال في مناسبة ثانية : « همج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق » .

القياس :

{ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ } . قدمنا ان قوله تعالى : { أَطِيعُوا اللَّهً وأَطِيعُوا الرَّسُولَ } يدل بالاتفاق على وجوب التمسك بالكتاب والسنة ، وان قوله : ( وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) يدل على وجوب إطاعة أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند الشيعة ، وعلى إطاعة أهل الحل والعقد عند أكثر السنة ، أو الكثير منهم .

والآن نتكلم عن قوله : { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ } الخ ) وهل يدل على وجوب العمل بالقياس ، أو هو أجنبي عنه ؟ . وقبل الجواب عن هذا السؤال نطرح السؤال التالي :

لما ذا أوجب اللَّه سبحانه الرد عند التنازع إلى اللَّه والرسول ، دون أولي الأمر مع العلم بأنه أوجب إطاعة الثلاثة ؟ .

الجواب : لأن التنازع قد يقع في تعيين أولي الأمر أنفسهم ، كما حدث ذلك بالفعل ، حيث قال السنة : هم أهل الحل والعقد . وقال الشيعة : هم أهل البيت ، وعليه يجب الرجوع في هذا التنازع إلى كتاب اللَّه ، وسنة الرسول ، ومن أجل هذا استدل الشيعة بآية التطهير وحديث الثقلين وغيره على ان أولي الأمر هم أهل البيت .

ونعود الآن إلى دلالة الآية على وجوب العمل بالقياس ، أو عدم دلالتها عليه .

والقياس هو إعطاء حكم الواقعة المنصوص عليها شرعا لواقعة أخرى لم ينص الشارع عليها لمشاركة الواقعتين في علة يستنبطها الفقيه من تلقائه وعندياته - مثلا - نص الشارع على ان الجدة لأم ترث ، ولم ينص على الجدة لأب ، فنورّث الجدة لأب قياسا على الجدة لأم ، لأن كلتيهما جدة . .

قال السنة : ان قوله تعالى : { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ } يدل على صحة العمل بهذا القياس ، لأن « معناه فردوه إلى واقعة بيّن اللَّه حكمها ، ولا بد أن يكون المراد فردوها إلى واقعة تشبهها » .

وقال الشيعة : ان الآية بعيدة عن القياس ولا تدل على أكثر من وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة في المسائل الدينية التي يقع فيها الخلاف بين الفقهاء ، وأقوال الأئمة المعصومين تدخل في السنة ، لأنها روايات عن جدهم رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) ، أما طريقتهم فيما لا نص فيه من الكتاب والسنة فهي الرجوع إلى حكم العقل البديهي القطعي الذي لا يختلف فيه اثنان ، مثل قبح العقاب بلا بيان ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وليس القياس من هذا الباب ، لأن نتائجه كلها ظنية ، والظن لا يغني عن الحق شيئا (3) .

ومما استدل به الشيعة على بطلان القياس ان الأمور العرفية يصح قياس بعضها على بعض ، لأن أسبابها بيد العرف ، أما الأحكام الدينية فلا يصح فيها القياس ، لأن الشرع قد جمع بين المختلفات ، كما في موجبات الوضوء ، حيث سوّى بين النوم والبول ، وفرّق بين المجتمعات ، حيث أوجب قطع يد من سرق درهما ، دون من اغتصب مئات الألوف .

{ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ } . قال صاحب مجمع البيان : « فما أبين هذا وأوضحه » . ونقول : ما ألطف هذا التفسير وأحسنه . { ذلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . أي ان إطاعة اللَّه والرسول ، وإرجاع حكم المختلف فيه إلى الكتاب والسنة أحمد عاقبة ومآلا ، هذا إذا فسرنا التأويل في الآية بالمال . وقيل : المراد به التفسير ، وعليه يكون المعنى ان تفسير اللَّه والرسول لما تنازعتم فيه خير وأحسن من تفسيركم ، ومهما يكن ، فان لفظ التأويل يتحمل المعنيين .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 357-363 .

2. ان فكرة العصمة لا تختص بالشيعة ولا بالسنة ، فالمسيحيون قالوا بعصمة البابا ، والشيوعيون بعصمة ماركس ولينين ، والصينيون بعصمة ماوتسي تونغ ، والإخوان المسلمون بعصمة حسن البنا ، والقوميون السوريون بعصمة أنطون سعادة ، وهكذا كل حزب يقول بعصمة رئيسه ومؤسسه وواضع مبادئه .

وقد تكلمنا عن العصمة مفصلا عند تفسير الآية 124 من سورة البقرة ، فقرة الإمامة وفكرة العصمة ، ص 196 من المجلد الأول .

3. هذا ما عليه العمل اليوم عند علماء الشيعة ، ولكن الموجود في عهد علي أمير المؤمنين لمالك الأشتر ان الرد إلى اللَّه في الآية هو الأخذ بالنص الصريح في كتاب اللَّه ، والرد إلى رسول اللَّه هو الأخذ بسنته التي أجمع المسلمون على نسبتها إليه .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } لما فرغ من الندب إلى عبادة الله وحده لا شريك له وبث الإحسان بين طبقات المؤمنين وذم من يعيب هذا الطريق المحمود أو صد عنه صدودا عاد إلى أصل المقصود بلسان آخر يتفرع عليه فروع أخر ، بها يستحكم أساس المجتمع الإسلامي وهو التحضيض والترغيب في أخذهم بالائتلاف والاتفاق ، ورفع كل تنازع واقع بالرد إلى الله ورسوله .

ولا ينبغي أن يرتاب في أن قوله : { أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } ، جملة سيقت تمهيدا وتوطئة للأمر برد الأمر إلى الله ورسوله عند ظهور التنازع ، وإن كان مضمون الجملة أساس جميع الشرائع والأحكام الإلهية .

فإن ذلك ظاهر تفريع قوله : { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } ، ثم العود بعد العود إلى هذا المعنى بقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ } إلخ ، وقوله : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) إلخ ، وقوله : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ } إلخ .

ولا ينبغي أن يرتاب في أن الله سبحانه لا يريد بإطاعته إلا إطاعته في ما يوحيه إلينا من طريق رسوله من المعارف والشرائع ، وأما رسوله صلى الله عليه وآله فله حيثيتان : إحداهما : حيثية التشريع بما يوحيه إليه ربه من غير كتاب ، وهو ما يبينه للناس من تفاصيل ما يشتمل على إجماله الكتاب وما يتعلق ويرتبط بها كما قال تعالى : { وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } : [النحل 44] ، والثانية : ما يراه من صواب الرأي وهو الذي يرتبط بولايته الحكومة والقضاء قال تعالى : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ } : [النساء 105] ، وهذا هو الرأي الذي كان يحكم به على ظواهر قوانين القضاء بين الناس ، وهو الذي كان صلى الله عليه وآله يحكم به في عزائم الأمور ، وكان الله سبحانه أمره في اتخاذ الرأي بالمشاورة فقال : { وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ } [آل عمران 159] ، فأشركهم به في المشاورة ووحده في العزم .

إذا عرفت هذا علمت أن لإطاعة الرسول معنى ولإطاعة الله سبحانه معنى آخر وإن كان إطاعة الرسول إطاعة لله بالحقيقة لأن الله هو المشرع لوجوب إطاعته كما قال : { وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ } فعلى الناس أن يطيعوا الرسول فيما يبينه بالوحي ، وفيما يراه من الرأي .

وهذا المعنى ( والله أعلم ) هو الموجب لتكرار الأمر بالطاعة في قوله : { أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } ، لا ما ذكره المفسرون : أن التكرار للتأكيد فإن القصد لو كان متعلقا بالتأكيد كان ترك التكرار كما لو قيل : وأطيعوا الله والرسول أدل عليه وأقرب منه فإنه كان يفيد أن إطاعة الرسول عين إطاعة الله سبحانه وأن الإطاعتين واحدة ، وما كل تكرار يفيد التأكيد .

وأما أولوا الأمر فهم ـ كائنين من كانوا ـ لا نصيب لهم من الوحي ، وإنما شأنهم الرأي الذي يستصوبونه فلهم افتراض الطاعة نظير ما للرسول في رأيهم وقولهم ، ولذلك لما ذكر وجوب الرد والتسليم عند المشاجرة لم يذكرهم بل خص الله والرسول فقال : { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } ، وذلك أن المخاطبين بهذا الرد هم المؤمنون المخاطبون بقوله في صدر الآية : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } ، والتنازع تنازعهم بلا ريب ، ولا يجوز أن يفرض تنازعهم مع أولي الأمر مع افتراض طاعتهم بل هذا التنازع هو ما يقع بين المؤمنين أنفسهم ، وليس في أمر الرأي بل من حيث حكم الله في القضية المتنازع فيها بقرينة الآيات التالية الذامة لمن يرجع إلى حكم الطاغوت دون حكم الله ورسوله ، وهذا الحكم يجب الرجوع فيه إلى أحكام الدين المبينة المقررة في الكتاب والسنة ، والكتاب والسنة حجتان قاطعتان في الأمر لمن يسعه فهم الحكم منهما ، وقول أولي الأمر في أن الكتاب والسنة يحكمان بكذا أيضا حجة قاطعة فإن الآية تقرر افتراض الطاعة من غير أي قيد أو شرط ، والجميع راجع بالآخرة إلى الكتاب والسنة.

ومن هنا يظهر أن ليس لأولي الأمر هؤلاء ـ كائنين من كانوا ـ أن يضعوا حكما جديدا ، ولا أن ينسخوا حكما ثابتا في الكتاب والسنة ، وإلا لم يكن لوجوب إرجاع موارد التنازع إلى الكتاب والسنة والرد إلى الله والرسول معنى على ما يدل عليه قوله : { وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } : [ الأحزاب 36] ، فقضاء الله هو التشريع وقضاء رسوله إما ذلك وإما الأعم ، وإنما الذي لهم أن يروا رأيهم في موارد نفوذ الولاية ، وأن يكشفوا عن حكم الله ورسوله في القضايا والموضوعات العامة.

وبالجملة لما لم يكن لأولي الأمر هؤلاء خيرة في الشرائع ، ولا عندهم إلا ما لله ورسوله من الحكم أعني الكتاب والسنة لم يذكرهم الله سبحانه ثانيا عند ذكر الرد بقوله : { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } ، فلله تعالى إطاعة واحدة ، وللرسول وأولي الأمر إطاعة واحدة ، ولذلك قال : { أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } .

ولا ينبغي أن يرتاب في أن هذه الإطاعة المأمور بها في قوله : {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } ، إطاعة مطلقة غير مشروطة بشرط ، ولا مقيدة بقيد وهو الدليل على أن الرسول لا يأمر بشيء ، ولا ينهى عن شيء يخالف حكم الله في الواقعة وإلا كان فرض طاعته تناقضا منه تعالى وتقدس ولا يتم ذلك إلا بعصمة فيه صلى الله عليه وآله.

وهذا الكلام بعينه جار في أولي الأمر غير أن وجود قوة العصمة في الرسول لما قامت عليه الحجج من جهة العقل والنقل في حد نفسه من غير جهة هذه الآية دون أولي الأمر ظاهرا أمكن أن يتوهم متوهم أن أولي الأمر هؤلاء لا يجب فيهم العصمة ولا يتوقف عليها الآية في استقامة معناها .

بيان ذلك أن الذي تقرره الآية حكم مجعول لمصلحة الأمة يحفظ به مجتمع المسلمين من تسرب الخلاف والتشتت فيهم وشق عصاهم فلا يزيد على الولاية المعهودة بين الأمم والمجتمعات ، تعطي للواحد من الإنسان افتراض الطاعة ونفوذ الكلمة ، وهم يعلمون أنه ربما يعصي وربما يغلط في حكمه ، لكن إذا علم بمخالفته القانون في حكمه لا يطاع فيه ، وينبه فيما أخطأ ، وفيما يحتمل خطؤه ينفذ حكمه وإن كان مخطئا في الواقع ولا يبالي بخطئه فإن مصلحة حفظ وحدة المجتمع والتحرز من تشتت الكلمة مصلحة يتدارك بها أمثال هذه الأغلاط والاشتباهات .

وهذا حال أولي الأمر الواقع في الآية في افتراض طاعتهم فرض الله طاعتهم ، على المؤمنين فإن أمروا بما يخالف الكتاب والسنة فلا يجوز ذلك منهم ولا ينفذ حكمهم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » وقد روى هذا المعنى الفريقان وبه يقيد إطلاق الآية ، وأما الخطأ والغلط فإن علم به رد إلى الحق وهو حكم الكتاب والسنة ، وإن احتمل خطؤه نفذ فيه حكمه كما فيما علم عدم خطإه ، ولا بأس بوجوب القبول وافتراض الطاعة فيما يخالف الواقع هذا النوع لأن مصلحة حفظ الوحدة في الأمة وبقاء السؤدد والأبهة تتدارك بها هذه المخالفة ، ويعود إلى مثل ما تقرر في أصول الفقه من حجية الطرق الظاهرية مع بقاء الأحكام الواقعية على حالها ، وعند مخالفة مؤداها للواقع تتدارك المفسدة اللازمة بمصلحة الطريق .

وبالجملة طاعة أولي الأمر مفترضة وإن كانوا غير معصومين يجوز عليهم الفسق والخطأ فإن فسقوا فلا طاعة لهم ، وإن أخطئوا ردوا إلى الكتاب والسنة إن علم منهم ذلك ، ونفذ حكمهم فيما لم يعلم ذلك ، ولا بأس بإنفاذ ما يخالف حكم الله في الواقع دون الظاهر رعاية لمصلحة الإسلام والمسلمين ، وحفظا لوحدة الكلمة .

وأنت بالتأمل فيما قدمناه من البيان تعرف سقوط هذه الشبهة من أصلها ، وذلك أن هذا التقريب من الممكن أن نساعده في تقييد إطلاق الآية في صورة الفسق بما ذكر من قول النبي صلى الله عليه وآله : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » وما يؤدي هذا المعنى من الآيات القرآنية كقوله : { إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ } : [ الأعراف : 28 ] ، وما في هذا المعنى من الآيات.

وكذا من الممكن بل الواقع أن يجعل شرعا نظير هذه الحجية الظاهرية المذكورة كفرض طاعة أمراء السرايا الذين كان ينصبهم عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكذا الحكام الذين كان يوليهم على البلاد كمكة واليمن أو يخلفهم بالمدينة إذا خرج إلى غزاة ، وكحجية قول المجتهد على مقلده وهكذا لكنه لا يوجب تقيد الآية فكون مسألة من المسائل صحيحة في نفسه أمر وكونها مدلولا عليها بظاهر آية قرآنية أمر آخر.

فالآية تدل على افتراض طاعة أولي الأمر هؤلاء ، ولم تقيده بقيد ولا شرط ، وليس في الآيات القرآنية ما يقيد الآية في مدلولها حتى يعود معنى قوله { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } إلى مثل قولنا : وأطيعوا أولي الأمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطئهم فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم ، وإن علمتم خطأهم فقوموهم بالرد إلى الكتاب والسنة فما هذا معنى قوله : { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } .

مع أن الله سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة كقوله في الوالدين : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما } الآية : [ العنكبوت : 8 ] فما باله لم يظهر شيئا من هذه القيود في آية تشتمل على أس أساس الدين ، وإليها تنتهي عامة أعراق السعادة الإنسانية.

على أن الآية جمع فيها بين الرسول وأولي الأمر ، وذكر لهما معا طاعة واحدة فقال : { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } ، ولا يجوز على الرسول أن يأمر بمعصية أو يغلط في حكم فلو جاز شيء من ذلك على أولي الأمر لم يسع إلا أن يذكر القيد الوارد عليهم فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أي تقييد ، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أولي الأمر كما اعتبر في جانب رسول الله صلى الله عليه وآله من غير فرق.

ثم إن المراد بالأمر في أولي الأمر هو الشأن الراجع إلى دين المؤمنين المخاطبين بهذا الخطاب أو دنياهم على ما يؤيده قوله تعالى : { وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } : [ آل عمران : 159 ] ، وقوله في مدح المتقين : { وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ } : [ الشورى : 38 ] ، وإن كان من الجائز بوجه أن يراد بالأمر ما يقابل النهي لكنه بعيد.

وقد قيد بقوله : { مِنْكُمْ } وظاهره كونه ظرفا مستقرا أي أولي الأمر كائنين منكم وهو نظير قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ } : [ الجمعة : 2 ] ، وقوله في دعوة إبراهيم : { رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ } : [ البقرة : 129 ] ، وقوله : { رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي } : [ الأعراف : 35 ] ، وبهذا يندفع ما ذكره بعضهم : أن تقييد أولي الأمر بقوله : { مِنْكُمْ } يدل على أن الواحد منهم إنسان عادي مثلنا وهم منا ونحن مؤمنون من غير مزية عصمة إلهية.

ثم إن أولي الأمر لما كان اسم جمع يدل على كثرة جمعية في هؤلاء المسمين بأولي الأمر فهذا لا شك فيه لكن يحتمل في بادئ النظر أن يكونوا آحادا يلي الأمر ويتلبس بافتراض الطاعة واحد منهم بعد الواحد فينسب افتراض الطاعة إلى جميعهم بحسب اللفظ ، والأخذ بجامع المعنى ، كقولنا : صل فرائضك وأطع سادتك وكبراء قومك.

ومن عجيب الكلام ما ذكره الرازي : أن هذا المعنى يوجب حمل الجمع على المفرد ، وهو خلاف الظاهر ، وقد غفل عن أن هذا استعمال شائع في اللغة ، والقرآن مليء به كقوله تعالى : { فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } : [ القلم : 8 ] ، وقوله : { فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ } : [ الفرقان : 52 ] ، وقوله : ( إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا ) : [ الأحزاب : 67 ] ، وقوله : { وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ } : [ الشعراء : 151 ] ، وقوله : { حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ) : « البقرة : 238 » ، وقوله : { وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } : [ الحجر : 88 ] ، إلى غير ذلك من الموارد المختلفة بالإثبات والنفي ، والإخبار والإنشاء.

والذي هو خلاف الظاهر من حمل الجمع على المفرد هو أن يطلق لفظ الجمع ويراد به واحد من آحاده لا أن يوقع حكم على الجمع بحيث ينحل إلى أحكام متعددة بتعدد الآحاد ، كقولنا : أكرم علماء بلدك أي أكرم هذا العالم ، وأكرم ذاك العالم ، وهكذا.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد بأولي الأمر ـ هؤلاء الذين هم متعلق افتراض الطاعة ـ الجمع من حيث هو جمع أي الهيئة الحاصلة من عدة معدودة كل واحد منهم من أولي الأمر ، وهو أن يكون صاحب نفوذ في الناس ، وذا تأثير في أمورهم كرؤساء الجنود والسرايا والعلماء وأولياء الدولة ، وسراة القوم ، بل كما ذكره في المنار هم أهل الحل والعقد الذين تثق بهم الأمة من العلماء والرؤساء في الجيش والمصالح العامة كالتجارة والصناعات والزراعة وكذا رؤساء العمال والأحزاب ، ومديرو الجرائد المحترمة ، ورؤساء تحريرها! فهذا معنى كون أولي الأمر هم أهل الحل والعقد ، وهم الهيئة الاجتماعية من وجوه الأمة لكن الشأن في تطبيق مضمون تمام الآية على هذا الاحتمال.

الآية دالة ـ كما عرفت ـ على عصمة أولي الأمر وقد اضطر إلى قبول ذلك القائلون بهذا المعنى من المفسرين .

فهل المتصف بهذه العصمة أفراد هذه الهيئة فيكون كل واحد واحد منهم معصوما فالجميع معصوم إذ ليس المجموع إلا الآحاد؟ لكن من البديهي أن لم يمر بهذه الأمة يوم يجتمع فيه جماعة من أهل الحل والعقد كلهم معصومون على إنفاذ أمر من أمور الأمة ومن المحال أن يأمر الله بشيء لا مصداق له في الخارج ، أو أن هذه العصمة ـ وهي صفة حقيقية ـ قائمة بتلك الهيئة قيام الصفة بموصوفها وإن كانت الأجزاء والأفراد غير معصومين بل يجوز عليهم من الشرك والمعصية ما يجوز على سائر أفراد الناس فالرأي الذي يراه الفرد يجوز فيه الخطأ وأن يكون داعيا إلى الضلال والمعصية بخلاف ما إذا رأته الهيئة المذكورة لعصمتها ؟ وهذا أيضا محال وكيف يتصور اتصاف موضوع اعتباري بصفة حقيقية أعني اتصاف الهيئة الاجتماعية بالعصمة.

أو أن عصمة هذه الهيئة ليست وصفا لأفرادها ولا لنفس الهيئة بل حقيقته أن الله يصون هذه الهيئة أن تأمر بمعصية أو ترى رأيا فتخطئ فيه ، كما أن الخبر المتواتر مصون عن الكذب ، ومع ذلك ليست هذه العصمة بوصف لكل واحد من المخبرين ولا للهيئة الاجتماعية بل حقيقته أن العادة جارية على امتناع الكذب فيه ، وبعبارة أخرى هو تعالى يصون الخبر الذي هذا شأنه عن وقوع الخطأ فيه وتسرب الكذب عليه ، فيكون رأي أولي الأمر مما لا يقع فيه الخطأ البتة وإن لم يكن آحادهم ولا هيئتهم متصفة بصفة زائدة بل هو كالخبر المتواتر مصون عن الكذب والخطأ وليكن هذا معنى العصمة في أولي الأمر ، والآية لا تدل على أزيد من أن رأيهم غير خابط بل مصيب يوافق الكتاب والسنة ، وهو من عناية الله على الأمة ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : لا تجتمع أمتي على خطأ .

أما الرواية فهي أجنبية عن المورد فإنها إن صحت فإنما تنفي اجتماع الأمة على خطأ ، ولا تنفي اجتماع أهل الحل والعقد منهم على خطأ ، وللأمة معنى ولأهل الحل والعقد معنى آخر ، ولا دليل على إرادة معنى الثاني من لفظ الأول ، وكذا لا تنفي الخطأ عن اجتماع الأمة بل تنفي الاجتماع على خطأ ، وبينهما فرق .

ويعود معنى الرواية إلى أن الخطأ في مسألة من المسائل لا يستوعب الأمة بل يكون دائما فيهم من هو على الحق : إما كلهم أو بعضهم ولو معصوم واحد ، فيوافق ما دل من الآيات والروايات على أن دين الإسلام وملة الحق لا يرتفع من الأرض بل هو باق إلى يوم القيامة ، قال تعالى : { فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ } : [ الأنعام : 89 ] وقوله : { وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ } : [ الزخرف : 28 ] وقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ } : [ الحجر : 9 ] وقوله : { وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ } : [ فصلت : 42 ] إلى غير ذلك من الآيات.

وليس يختص هذا بأمة محمد بل الصحيح من الروايات تدل على خلافه ، وهي الروايات الواردة من طرق شتى عن النبي صلى الله عليه وآله الدالة على افتراق اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، والمسلمين على ثلاث وسبعين فرقة كلهم هالك إلا واحدة ، وقد نقلنا الرواية في المبحث الروائي الموضوع في ذيل قوله تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً } : [ آل عمران : 103 ] .

وبالجملة لا كلام على متن الرواية إن صح سندها فإنها أجنبية عن مورد الكلام ، وإنما الكلام في معنى عصمة أهل الحل والعقد من الأمة لو كان هو المراد بقوله : { وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } .

ما هو العامل الموجب لعصمة أهل الحل والعقد من المسلمين فيما يرونه من الرأي؟ هذه العصابة التي شأنها الحل والعقد في الأمور غير مختصة بالأمة المسلمة بل كل أمة من الأمم العظام بل الأمم الصغيرة بل القبائل والعشائر لا تفقد عدة من أفرادها لهم مكانة في مجتمعهم ذات قوة وتأثير في الأمور العامة ، وأنت إذا فحصت التاريخ في الحوادث الماضية وما في عصرنا من الأمم والأجيال وجدت موارد كثيرة اجتمعت أهل الحل والعقد منهم في مهام الأمور وعزائمها على رأي استصوبوه ثم عقبوه بالعمل ، فربما أصابوا وربما أخطئوا ، فالخطأ وإن كان في الآراء الفردية أكثر منه في الآراء الاجتماعية لكن الآراء الاجتماعية ليست بحيث لا تقبل الخطأ أصلا فهذا التاريخ وهذه المشاهدة يشهدان منه على مصاديق وموارد كثيرة جدا :

فلو كان الرأي الاجتماعي من أهل الحل والعقد في الإسلام مصونا عن الخطأ فإنما هو بعامل ليس من سنخ العوامل العادية بل عامل من سنخ العوامل المعجزة الخارقة للعادة ، ويكون حينئذ كرامة باهرة تختص بها هذه الأمة تقيم صلبهم ، وتحفظ حماهم وتقيهم من كل شر يدب في جماعتهم ووحدتهم وبالآخرة سببا معجزا إلهيا يتلو القرآن الكريم ، ويعيش ما عاش القرآن ، نسبته إلى حياة الأمة العملية نسبة القرآن إلى حياتهم العلمية فكان من اللازم أن يبين القرآن حدوده وسعة دائرته ، ويمتن الله به كما أمتن بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وآله ، ويبين لهذه العصابة وظيفتهم الاجتماعية كما بين لنبيه ذلك ، وأن يوصي به النبي صلى الله عليه وآله أمته ، ولا سيما أصحابه الكرام وهم الذين صاروا بعده أهلا للحل والعقد ، وتقلدوا ولاية أمور الأمة ، وأن يبين أن هذه العصابة المسماة بأولي الأمر ما حقيقتها ، وما حدها وما سعة دائرة عملها ، وهل يتشكل هيئة حاكمة واحدة على جميع المسلمين في الأمور العامة لجميع الأمة الإسلامية؟ أو تنعقد في كل جمعية إسلامية جمعية أولي الأمر فيحكم في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم ؟

ولكان من اللازم أن يهتم به المسلمون ولا سيما الصحابة فيسألوا عنه ويبحثوا فيه ، وقد سألوا عن أشياء لا قدر لها بالنسبة إلى هذه المهمة كالأهلة ، وما ذا ينفقون ، والأنفال قال تعالى : { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ } و { يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ } و { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ } فما بالهم لم يسألوا ؟ أو أنهم سألوا ثم لعبت به الأيدي فخفي علينا؟ فليس الأمر مما يخالف هوى أكثرية الأمة الجارية على هذه الطريقة حتى يقضوا عليه بالإعراض فالترك حتى ينسى.

ولكان من الواجب أن يحتج به في الاختلافات والفتن الواقعة بعد ارتحال النبي صلى الله عليه وآله حينا بعد حين ، فما لهذه الحقيقة لا توجد لها عين ولا أثر في احتجاجاتهم ومناظراتهم ، وقد ضبطها النقلة بكلماتها وحروفها ، ولا توجد في خطاب ولا كتاب؟ ولم تظهر بين قدماء المفسرين من الصحابة والتابعين حتى ذهب إليه شرذمة من المتأخرين : الرازي وبعض من بعده ! .

حتى أن الرازي أورد على هذا الوجه بعد ذكره : بأنه مخالف للإجماع المركب فإن الأقوال في معنى أولي الأمر لا تجاوز أربعة : الخلفاء الراشدون ، وأمراء السرايا ، والعلماء والأئمة المعصومون ، فالقول الخامس خرق للإجماع ، ثم أجاب بأنه في الحقيقة راجع إلى القول الثالث فأفسد على نفسه ما كان أصلحه فهذا كله يقضي بأن الأمر لم يكن بهذه المثابة ، ولم يفهم منه أنه عطية شريفة وموهبة عزيزة من معجزات الإسلام وكراماته الخارقة لأهل الحل والعقد من المسلمين .

أو يقال : إن هذه العصمة لا تنتهي إلى عامل خارق للعادة بل الإسلام بنى تربيته العامة على أصول دقيقة تنتج هذه النتيجة : أن أهل الحل والعقد من الأمة لا يغلطون فيما اجتمعوا عليه ، ولا يعرضهم الخطأ فيما رأوه.

وهذا الاحتمال مع كونه باطلا من جهة منافاته للناموس العام وهو أن إدراك الكل هو مجموع إدراكات الأبعاض ، وإذا جاز الخطأ على كل واحد واحد جاز على الكل يرد عليه أن رأي أولي الأمر بهذا المعنى لو اعتمد في صحته وعصمته على مثل هذا العامل غير المغلوب لم يتخلف عن أثره فإلى أين تنتهي هذه الأباطيل والفسادات التي ملأت العالم الإسلامي ؟ .

وكم من منتدى إسلامي بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله اجتمع فيه أهل الحل والعقد من المسلمين على ما اجتمعوا عليه ثم سلكوا طريقا يهديهم إليه رأيهم فلم يزيدوا إلا ضلالا ولم يزد إسعادهم المسلمين إلا شقاء ولم يمكث الاجتماع الديني بعد النبي صلى الله عليه وآله دون أن عاد إلى إمبراطورية ظالمة حاطمة! فليبحث الباحث الناقد في الفتن الناشئة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وما استتبعته من دماء مسفوكة ، وأعراض مهتوكة ، وأموال منهوبة ، وأحكام عطلت وحدود أبطلت! ثم ليبحث في منشئها ومحتدها ، وأصولها وأعراقها هل تنتهي الأسباب العاملة فيها إلا إلى ما رأته أهل الحل والعقد من الأمة ثم حملوا ما رأوه على أكتاف الناس؟.

فهذا حال هذا الركن الركين الذي يعتمد عليه بناية الدين أعني رأي أهل الحل والعقد لو كان هو المراد بأولي الأمر المعصومين في رأيهم.

فلا مناص على القول بأن المراد بأولي الأمر أهل الحل والعقد من أن نقول بجواز خطئهم وإنهم على حد سائر الناس يصيبون ويخطئون غير أنهم لما كانوا عصابة فاضلة خبيرة بالأمور مدربين مجربين يقل خطؤهم جدا ، وأن الأمر بوجوب طاعتهم مع كونهم ربما يغلطون ويخطئون من باب المسامحة في موارد الخطأ نظرا إلى المصلحة الغالبة في مداخلتهم فلو حكموا بما يغاير حكم الكتاب والسنة ، ويطابق ما شخصوه من مصلحة الأمة بتفسير حكم من أحكام الدين بغير ما كان يفسر سابقا أو تغيير حكم بما يوافق صلاح الوقت أو طبع الأمة أو وضع حاضر الدنيا كان هو المتبع ، وهو الذي يرتضيه الدين لأنه لا يريد إلا سعادة المجتمع ورقية في اجتماعه كما هو الظاهر المتراءى من سير الحكومات الإسلامية في صدر الإسلام ومن دونهم فلم يمنع حكم من الأحكام الدائرة في زمن النبي صلى الله عليه وآله ولم يقض على سيرة من سيره وسننه إلا علل ذلك بأن الحكم السابق يزاحم حقا من حقوق الأمة ، وأن صلاح حال الأمة في إنفاذ حكم جديد يصلح شأنهم ، أو سن سنة حديثة توافق آمالهم في سعادة الحياة ، وقد صرح بعض الباحثين (2) أن الخليفة له أن يعمل بما يخالف صريح الدين حفظا لصلاح الأمة .

وعلى هذا فيكون حال الملة الإسلامية حال سائر المجتمعات الفاضلة المدنية في أن فيها جمعية منتخبة تحكم على قوانين المجتمع على حسب ما تراه وتشاهده من مقتضيات الأحوال ، وموجبات الأوضاع .

وهذا الوجه أو القول ـ كما ترى ـ قول من يرى أن الدين سنة اجتماعية سبكت في قالب الدين ، وظهرت في صورته فهو محكوم بما يحكم على متون الاجتماعات البشرية وهياكلها بالتطور في أطوار الكمال التدريجي ، ومثال عال لا ينطبق إلا على حياة الإنسان الذي كان يعيش في عصر النبوة وما يقاربه.

فهي حلقة متقضية من حلق هذه السلسلة المسماة بالمجتمع الإنساني لا ينبغي أن يبحث عنها اليوم إلا كما يبحث علماء طبقات الأرض ( الجيولوجيا ) عن السلع المستخرجة من تحت أطباق الأرض.

والذي يذهب إلى مثل هذا القول لا كلام لنا معه في هذه الآية : { أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } الآية ، فإن القول يبتني على أصل مؤثر في جميع الأصول والسنن المأثورة من الدين من معارف أصلية ونواميس أخلاقية وأحكام فرعية ولو حمل على هذا ما وقع من الصحابة في زمن النبي وفي مرض موته ثم الاختلافات التي صدرت منهم وما وقع من تصرف الخلفاء في بعض الأحكام وبعض سير النبي صلى الله عليه وآله ثم في زمن معاوية ومن تلاه من الأمويين ثم العباسيين ثم الذين يلونهم والجميع أمور متشابهة أنتج نتيجة باهتة .

ومن أعجب الكلام المتعلق بهذه الآية ما ذكره بعض المؤلفين أن قوله تعالى : { أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } لا يدل على شيء مما ذكره المفسرون على اختلاف أقوالهم.

أما أولا فلأن فرض طاعة أولي الأمر كائنين من كانوا لا يدل على فضل ومزية لهم على غيرهم أصلا كما أن طاعة الجبابرة والظلام واجبة علينا في حال الاضطرار اتقاء من شرهم ، ولن يكونوا بذلك أفضل منا عند الله سبحانه.

وأما ثانيا فلأن الحكم المذكور في الآية لا يزيد على سائر الأحكام التي تتوقف فعليتها على تحقق موضوعاتها نظير وجوب الإنفاق على الفقير وحرمة إعانة الظالم فليس يجب علينا أن نوجد فقيرا حتى ننفق عليه أو ظالما حتى لا نعينه.

والوجهان اللذان ذكرهما ظاهرا الفساد ، مضافا إلى أن هذا القائل قدر أن المراد بأولي الأمر في الآية الحكام والسلاطين وقد تبين فساد هذا الاحتمال.

أما الوجه الأول فلأنه غفل عن أن القرآن مملوء من النهي عن طاعة الظالمين والمسرفين والكافرين ، ومن المحال أن يأمر الله مع ذلك بطاعتهم ثم يزيد على ذلك فيقرن طاعتهم بطاعة نفسه ورسوله ، ولو فرض كون هذه الطاعة طاعة تقية لعبر عنها بإذن ونحو ذلك كما قال تعالى : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً } : [ آل عمران : 28 ] ، لا بالأمر بطاعتهم صريحا حتى يستلزم كل محذور شنيع .

وأما الوجه الثاني فهو مبني على الوجه الأول من معنى الآية أما لو فرض افتراض طاعتهم لكونهم ذا شأن في الدين كانوا معصومين لما تقدم تفصيلا ، ومحال أن يأمر الله بطاعة من لا مصداق له ، أو له مصداق اتفاقي في آية تتضمن أس أساس المصالح الدينية وحكما لا يستقيم بدونه حال المجتمع الإسلامي أصلا ، وقد عرفت أن الحاجة إلى أولي الأمر عين الحاجة إلى الرسول وهي الحاجة إلى ولاية أمر الأمة وقد تكلمنا فيه في بحث المحكم والمتشابه.

ولنرجع إلى أول الكلام في الآية :

ظهر لك من جميع ما قدمناه أن لا معنى لحمل قوله تعالى : { وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } على جماعة المجمعين من أهل الحل والعقد ، وهي الهيئة الاجتماعية بأي معنى من المعاني فسرناه فليس إلا أن المراد بأولي الأمر آحاد من الأمة معصومون في أقوالهم مفترض طاعتهم فتحتاج معرفتهم إلى تنصيص من جانب الله سبحانه من كلامه أو بلسان نبيه فينطبق على ما روي من طرق أئمة أهل البيت عليه‌ السلام أنهم هم .

وأما ما قيل : إن أولي الأمر هم الخلفاء الراشدون أو أمراء السرايا أو العلماء المتبعون في أقوالهم وآرائهم فيدفع ذلك كله أولا : أن الآية تدل على عصمتهم ولا عصمة في هؤلاء الطبقات بلا إشكال إلا ما تعتقده طائفة من المسلمين في حق علي عليه‌ السلام ، وثانيا : أن كلا من الأقوال الثلاث قول من غير دليل يدل عليه.

وأما ما أورد على كون المراد به أئمة أهل البيت المعصومين عليه‌ السلام :

أولا : إن ذلك يحتاج إلى تعريف صريح من الله ورسوله ، ولو كان ذلك لم يختلف في أمرهم اثنان بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

وفيه : أن ذلك منصوص عليه في الكتاب والسنة كآية الولاية وآية التطهير وغير ذلك ، وسيأتي بسط الكلام فيها ، وكحديث السفينة : « مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » وحديث الثقلين : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ـ ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا » وقد مر في بحث المحكم والمتشابه في الجزء الثالث من الكتاب ، وكأحاديث أولي الأمر المروية من طرق الشيعة وأهل السنة ، وسيجيء بعضها في البحث الروائي التالي.

وثانيا : أن طاعتهم مشروطة بمعرفتهم فإنها من دون معرفتهم تكليف بما لا يطاق وإذا كانت مشروطة فالآية تدفعه لأنها مطلقة.

وفيه : أن الإشكال منقلب على المستشكل فإن الطاعة مشروطة بالمعرفة مطلقا ، وإنما الفرق أن أهل الحل والعقد يعرف مصداقهم على قوله من عند أنفسنا من غير حاجة إلى بيان من الله ورسوله ، والإمام المعصوم يحتاج معرفته إلى معرف يعرفه ، ولا فرق بين الشرط والشرط في منافاته الآية.

على أن المعرفة وإن عدت شرطا لكنها ليست من قبيل سائر الشروط فإنها راجعة إلى تحقق بلوغ التكليف فلا تكليف من غير معرفة به وبموضوعه ومتعلقه ، وليست راجعة إلى التكليف والمكلف به ، ولو كانت المعرفة في عداد سائر الشرائط كالاستطاعة في الحج ، ووجدان الماء في الوضوء مثلا لم يوجد تكليف مطلق أبدا إذ لا معنى لتوجه التكليف إلى مكلف سواء علم به أو لم يعلم.

وثالثا : أنا في زماننا هذا عاجزون عن الوصول إلى الإمام المعصوم وتعلم العلم والدين منه ، فلا يكون هو الذي فرض الله طاعته على الأمة إذ لا سبيل إليه.

وفيه : أن ذلك مستند إلى نفس الأمة في سوء فعالها وخيانتها على نفسها لا إلى الله ورسوله فالتكليف غير مرتفع كما لو قتلت الأمة نبيها ثم اعتذرت أنها لا تقدر على طاعته ، على أن الإشكال مقلوب عليه فإنا لا نقدر اليوم على أمة واحدة في الإسلام ينفذ فيها ما استصوبته لها أهل الحل والعقد منها.

ورابعا : أن الله تعالى يقول : { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } ، ولو كان المراد من أولي الأمر الإمام المعصوم لوجب أن يقال : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الإمام .

وفيه : أن جوابه تقدم فيما مر من البيان ، والمراد بالرد الرد إلى الإمام بالتقريب الذي تقدم.

وخامسا : أن القائلين بالإمام المعصوم يقولون : إن فائدة اتباعه إنقاذ الأمة من ظلمة الخلاف ، وضرر التنازع والتفرق وظاهر الآية يبين حكم التنازع مع وجود أولي الأمر ، وطاعة الأمة لهم كأن يختلف أولو الأمر في حكم بعض النوازل والوقائع ، والخلاف والتنازع مع وجود الإمام المعصوم غير جائز عند القائلين به لأنه عندهم مثل الرسول صلى الله عليه وآله فلا يكون لهذا الزيادة فائدة على رأيهم.

وفيه : أن جوابه ظاهر مما تقدم أيضا فإن التنازع المذكور في الآية إنما هو تنازع المؤمنين في أحكام الكتاب والسنة دون أحكام الولاية الصادرة عن الإمام في الوقائع والحوادث ، وقد تقدم أن لا حكم إلا لله ورسوله فإن تمكن المتنازعون من فهم الحكم من الكتاب والسنة كان لهم أن يستنبطوه منهما ، أو يسألوا الإمام عنه وهو معصوم في فهمه ، وإن لم يتمكنوا من ذلك كان عليهم أن يسألوا عنه الإمام ، وذلك نظير ما كان لمن يعاصر رسول الله صلى الله عليه وآله كانوا يتفقهون فيما يتمكنون منه أو يسألون عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويسألونه فيما لا يتمكنون من فهمه بالاستنباط.

فحكم أولي الأمر في الطاعة حكم الرسول على ما يدل عليه الآية ، وحكم التنازع هو الذي ذكره في الآية سواء في ذلك حضور الرسول كما يدل عليه الآيات التالية ، وغيبته كما يدل عليه الأمر في الآية بإطلاقه ، فالرد إلى الله والرسول المذكور في الآية مختص بصورة تنازع المؤمنين كما يدل عليه قوله : { تَنازَعْتُمْ } ، ولم يقل : فإن تنازع أولو الأمر ، ولا قال : فإن تنازعوا ، والرد إلى الله والرسول عند حضور الرسول هو سؤال الرسول عن حكم المسألة أو استنباطه من الكتاب والسنة للمتمكن منه ، وعند غيبته أن يسأل الإمام عنه أو الاستنباط كما تقدم بيانه ، فلا يكون قوله : { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ } « إلخ » زائدا من الكلام مستغنى عنه كما ادعاه المستشكل.

فقد تبين من جميع ما تقدم : أن المراد بأولي الأمر في الآية رجال من الأمة حكم الواحد منهم في العصمة وافتراض الطاعة حكم الرسول صلى الله عليه وآله ، وهذا مع ذلك لا ينافي عموم مفهوم لفظ أولي الأمر بحسب اللغة ، وإرادته من اللفظ فإن قصد مفهوم من المفاهيم من اللفظ شيء وإرادة المصداق الذي ينطبق عليه المفهوم شيء آخر ، وذلك كما أن مفهوم الرسول معنى عام كلي وهو المراد من اللفظ في الآية لكن المصداق المقصود هو الرسول محمد صلى الله عليه وآله.

قوله تعالى : { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } إلى آخر الآية تفريع على الحصر المستفاد من المورد فإن قوله : { أَطِيعُوا اللهَ } « إلخ » حيث أوجب طاعة الله ورسوله ، وهذه الطاعة إنما هي في المواد الدينية التي تتكفل رفع كل اختلاف مفروض ، وكل حاجة ممكنة لم يبق مورد تمس الحاجة الرجوع إلى غير الله ورسوله ، وكان معنى الكلام : أطيعوا الله ، ولا تطيعوا الطاغوت ، وهو ما ذكرناه من الحصر.

وتوجه الخطاب إلى المؤمنين كاشف عن أن المراد بالتنازع هو تنازعهم بينهم لا تنازع مفروض بينهم وبين أولي الأمر ، ولا تنازع مفروض بين أولي الأمر فإن الأول أعني التنازع بينهم وبين أولي الأمر لا يلائم افتراض طاعة أولي الأمر عليهم ، وكذا الثاني أعني التنازع بين أولي الأمر فإن افتراض الطاعة لا يلائم التنازع الذي أحد طرفيه على الباطل ، على أنه لا يناسب كون الخطاب متوجها إلى المؤمنين في قوله : { فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ } .

ولفظ الشيء وإن كان يعم كل حكم وأمر من الله ورسوله وأولي الأمر كائنا ما كان لكن قوله بعد ذلك : { فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } يدل على أن المفروض هو النزاع في شيء ليس لأولي الأمر الاستقلال والاستبداد فيه من أوامرهم في دائرة ولايتهم كأمرهم بنفر أو حرب أو صلح أو غير ذلك ، إذ لا معنى لإيجاب الرد إلى الله والرسول في هذه الموارد مع فرض طاعتهم فيها.

فالآية تدل على وجوب الرد في نفس الأحكام الدينية التي ليس لأحد أن يحكم فيها بإنفاذ أو نسخ إلا الله ورسوله ، والآية كالصريح في أنه ليس لأحد أن يتصرف في حكم ديني شرعه الله ورسوله ، وأولو الأمر ومن دونهم في ذلك سواء.

وقوله : { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ } ، تشديد في الحكم وإشارة إلى أن مخالفته إنما تنتشئ من فساد في مرحلة الإيمان فالحكم يرتبط به ارتباطا فالمخالفة تكشف عن التظاهر بصفة الإيمان بالله ورسوله ، واستبطان للكفر ، وهو النفاق كما يدل عليه الآيات التالية.

وقوله : { ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي الرد عند التنازع أو إطاعة الله ورسوله وأولي الأمر ، والتأويل هو المصلحة الواقعية التي تنشأ منها الحكم ثم تترتب على العمل وقد تقدم البحث عن معناه في ذيل قوله تعالى : { وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ } الآية : [ آل عمران : 7 ] في الجزء الثالث من الكتاب .

_________________________

1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 329 – 342 .

2. صاحب فجر الإسلام فيه.

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

هذه الآية وبعض الآيات اللاحقة تبحث عن واحدة من أهم المسائل الإسلامية ، ألا وهي مسألة القيادة ، وتعيين القادة والمراجع الحقيقيين للمسلمين في مختلف المسائل الدينية والاجتماعية.

فهي تأمر المؤمنين ـ أوّلا ـ بأن يطيعوا الله ، ومن البديهي أنّه يجب أن تنتهي جميع الطاعات ـ عند الفرد المؤمن ـ إلى طاعة الله سبحانه ، وكل قيادة وولاية يجب أن تنبع من ولاية الله سبحانه وذاته المقدسة تعالى وتكون حسب أمره ومشيئته ، لأنّه الحاكم والمالك التكويني لهذا العالم ، وكلّ حاكمية ومالكية يجب أن تكون بإذنه وبأمره : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ} .

وفي المرحلة الثّانية تأمر باتّباع النّبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم وإطاعته ، وهو النّبي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ولا ينطلق من الهوس ، والنّبي الذي هو خليفة الله بين الناس ، وكلامه كلام الله ، وقد أعطي هذا المقام من جانب الله سبحانه ، ولهذا تكون إطاعة الله ممّا تقتضيه خالقيته وحاكمية ذاته المقدسة ، ولكن إطاعة النّبي واتّباع أمره ناشئ من أمر الله . وبعبارة أخرى فإنّ الله واجب الإطاعة بالذات والنّبي صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم واجب الإطاعة بالعرض ، ولعل تكرار «أطيعوا» في هذه الآية للإشارة إلى مثل هذا الفرق بين الطاعتين {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} .

وفي المرحلة الثانية يأمر سبحانه بإطاعة أولي الأمر القائمين من صلب المجتمع الإسلامي ، والذين يحفظون للناس أمر دينهم ودنياهم .

_____________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 174 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .