أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-05-2015
4409
التاريخ: 5-05-2015
5281
التاريخ: 5-05-2015
3919
التاريخ: 3-05-2015
2582
|
لمطالعة وفَهْم أي كتاب بصورة عامّة ، هناك ثلاثة أقسام للمعرفة لا بدّ منها :
أوّلاً : المعرفة الإسناديّة أو الانتسابيّة
في هذه المرحلة نريد أنْ نعرف مدى ضرورة انتساب الكتاب إلى كاتبه ، لنفرض مثلاً : أنّنا نريد أنْ نعرف ديوان (حافظ ) أو ( خيّام ) ، في المقدّمة لا بدّ من معرفة أنّ ما اشتهر من ديوان حافظ له كلّه ، أَمْ أنّ بعض الكتاب له والباقي يُنسَب إليه ، وهكذا بالنسبة إلى خيّام أو غيرهما . هنا لا بدّ من الاستعانة بنسخ الكتاب أقدمها وأكثرها اعتبارا . ونلاحظ أنّ جميع الكتب لا تستغني عن هذا النوع من المعرفة. ديوان ( حافظ ) الذي طبعه المرحوم القزويني واستفاد فيه من أكثر النسخ اعتباراً ، يختلف اختلافاً كبيراً مع النسخة الموجودة في كثير من البيوت والمطبوعة في ( بمبئي ) .
وعندما تُلقي نظرة إلى ( رباعيّات الخيام ) ، ربّما ترى ( 200 رباعيّة ) في منزلة واحدة ومستوى واحد تقريباً ، وإذا كان فيها أي اختلاف فإنّه كاختلاف أشعار كل شاعر . مع العلم بأنّنا لو رجعنا تاريخيّاً إلى الوراء واقتربنا من عصر الخيّام ، لرأينا أنّ المنسوب إليه ـ قطعاً ـ يقلّ عن ( 20 رباعيّة ) ، والباقي يُشكّ في صحّة انتسابه إليه ، أو أنّه من نَظْم شعراء آخرين دون ترديد .
وعلى هذا فإنّ أولى مراحل معرفة الكتاب هي أنْ نرى مدى اعتبار إسناد الكتاب الذي بين يدينا إلى مؤلّفة .
وهل يصحّ إسناد كل الكتاب أو بعضه إليه ؟ وفي هذه الحالة كم في المئة من الكتاب نستطيع تأييد إسناده إلى المؤلّف ؟ وعلاوة على ذلك ، بأيّ دليل نستطيع أنْ ننفي بعضاً ونُؤيّد بعضاً ونشكّ في البعض الآخر ؟
القرآن مستغنٍ عن هذا النوع من المعرفة ، ولهذا فإنّه يعتبر الكتاب الوحيد ( الذي يصح إسناده ) منذ القدم ، ولا يمكننا الحصول على أيّ كتاب قديم قد مضى عليه قروناً من الزمان وبقي إلى هذا الحدّ صحيحاً معتبراً دون شبهة . وأمّا الموضوعات التي تطرح أحياناً ، ومن قبيل المناقشة في بعض السور أو بعض الآيات ، فإنّها موضوعات خاطئة ولا داعي لعرضها في الدراسات القرآنيّة ، القرآن تقدّم على علـم معرفة النسخ ، ولا يوجد أدنى ترديد في أنّ الذي جاء بهذه الآيات من الله عزّ وجل هو محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .
جاء بها عنواناً للإعجاز ؛ لأنّها كلام الله ، ولا يقدر أحد أنْ يدّعي أو يحتمل وجود نسخة أخرى غير هذا القرآن ، ولا يوجد في العالم مستشرق واحد ، يبدأ ـ في بحثه عن القرآن ـ بالتحقيق حول نسخ القرآن القديمة ، ( فلا توجد هناك نسخ متعدّدة من القرآن ) ، وبالرغم من أنّ هذه الحاجة ـ حاجة ملاحظة النسخ القديمة ـ موجودة لدى التحقيق في : التوراة ، والإنجيل ، والشاهنامه ( للفردوسي ) ، وديوان سعدي ، وأي كتاب آخر، فإنّ القرآن لا يُقال بحقّه مثل ذلك .
والسرّ في هذا الأمر ـ كما تقدّم ـ هو تقدّم القرآن على علم معرفة النسخ . والقرآن علاوة على أنّه كتاب سماوي مقدّس وأتباعه ينظرون إليه بهذه العين ، فإنّه أصدق دليل على صدق ادّعاء الرسول ، ويعتبر أكبر معجزاته .
وإضافة إلى ذلك ، فإنّ القرآن ليس مثل التوراة التي نزلتْ مرّة واحدة ، حتّى يصح هذا الإشكال : ما هي النسخة الأصليّة ؟ بل وإنّ آيات القرآن نزلتْ بالتدرّج وطوال ثلاث وعشرين سنة .
ومن اليوم الأوّل لنزول القرآن ، تنافس المسلمون على تعلّمه وحفظه وفَهْمه ، كما يتهالك الظمآن على شرب الماء ، وخصوصاً فإنّ المجتمع الإسلامي وقتئذٍ كان مجتمعاً بسيطاً ، ولم يكن هناك كتاب لا بدّ للمسلمين من حِفْظه وفَهْمه إلى جنْب القرآن .
خلوّ الذهن ، فراغ الفكر ، قوّة الذاكرة وعدم الإلمام بالقراءة والكتابة ، كلّها كانت الدافع إلى أنْ تُرَكّز المعلومات السمعيّة والبصريّة ـ لدى الإنسان المسلم ـ وفي ذاكرته ـ تركيزاً قويّاً ، ولأجل ذلك ، فإنّ موافقة بيان القرآن مع عواطفهم وأحاسيسهم أدّى إلى تركيزه في قلوبهم كما يرتكّز الرسم المحفور في الصخر .
كانوا يقدّسونه باعتباره كلام الله لا كلام البشر ، ولا يسمحون لأنفسهم أنْ يغيّروا كلمة واحدة ، بل حرفاً واحدا فيه ، أو أنْ يقدّموا أو يؤخّروا حرفاً ، وكان كل هَمّهم أنْ يقتربوا من الله بتلاوة هذه الآيات ( تلاوة صحيحة ) .
علاوة على كلّ هذا ، فإنّ ذكر هذه النقطة ضروريّة ، وهي أنّ الرسول الأكرم (ص) منذ الأيّام الأولى ، انتخب عدداً من خواصّ الكتاب ، ويُعْرَفون باسم ( كُتّاب الوحي ) ، وتُحسب هذه ميزة للقرآن ، إذ إنّ الكتب القديمة لم تكن كذلك ، كتابة كلام الله منذ البداية تعتبر عاملاً قطعيّاً لحفظ القرآن وصَونه من التحريف .
وهناك سبب آخر لحسن تقبّل القرآن لدى الناس ، وهو الناحية الأدبيّة والفنِّيّة للقرآن ، والتي يُعبَّر عنها بالفصاحة والبلاغة ، الجاذبيّة الأدبيّة الشديدة للقرآن ، كانت تدعو الناس بالتوجّه إليه ، والاستفادة منه بسرعة ، وذلك خلافاً للكتب الأدبيّة الأخرى ، التي يتصرّف فيها روّاد الأدب كيفما يشاؤون ، ليكملوها حسب تصوّرهم .
وأمّا القرّاء، فلا يُجيز أحد لنفسه التصرّف فيه ؛ لأنّ هذه الآية :
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة : 44، 45] ، وآيات أُخرى توضّح مدى عقوبة الكذب على الله ، وعندما تتمركز هذه الآيات في مخيّلته ينصرف عن هذا الأمر .
وبهذا الترتيب ، قبل أنْ يرى التحريف له طريقاً إلى هذا الكتاب السماوي ، تواترتْ آياته ووصلتْ إلى مرحلة لا يمكن إنكار أو تحريف حرف واحد منه ؛ ولذا ، لا يلزمنا البحث في هذه الناحية من القرآن ، كما أنّ كلّ عارف للقرآن في العالَم لا يرى لنفسه ضرورة البحث في هذا المجال .
هنا لا بدّ أنْ نتذكّر نقطة واحدة ، وهي أنّه بسبب سعة نطاق الحكومة الإسلاميّة ، واهتمام الناس الشديد بالقرآن ، وبواسطة بُعْد عامّة المسلمين عن المدينة المنوّرة التي كانت مركز الصحابة وحفّاظ القرآن ، فإنّ احتمال خطر بروز تغييرات مُتعمَّدة أو غير مقصودة في نسخ القرآن كان أمراً وارداً ، خاصّة بالنسبة إلى المناطق النائية على الأقل .
إلاّ أنّ فطانة ودقّة مراقبة المسلمين مَنَعَتَا حدوث هذا الأمر . فالمسلمون منذ أواسط القرن الأوّل للهجرة احتملوا هذا الخطر ؛ ولذلك استفادوا من وجود الصحابة وحفّاظ القرآن ، ولتجنّب أيّ خطأ أو اشتباه ـ عمداً كان أو سهواً في المناطق البعيدة ـ فإنّهم استنسخوا نُسَخَاً مصدّقة ـ من قِبل الصحابة الكبار وحفّاظ القرآن ـ من القرآن ، ووُزِّعتْ هذه النسخ من المدينة إلى الأطراف ، ولذلك قطعوا الطريق إلى الأبد من ظهور مثل هذه الاشتباهات أو الانحرافات ، وخصوصاً من قِبل اليهود الذين يُعتبرون أبطالاً في فنّ التحريف .
ثانياً : المعرفة التحليليّة :
* هذه المرحلة تعني بتحقيق تحليلي حول الكتاب ، أي :
ـ توضيح أنّ هذا الكتاب يشتمل على أيّة مواضيع ؟
ـ وما هو الهدف الذي وضع له ؟
ـ ما رأيه حول الإنسان ؟
ـ ما هي نظرته إلى المجتمع ؟
ـ وكيفيّة عرضه للمواضيع وطريقة مقابلته للمسائل المختلفة ؟
ـ هل له نظرة فلسفيّة ، أو ـ باصطلاح اليوم ـ علميّة ؟
ـ هل ينظر إلى القضايا من زاوية عين رجل عارف ، أَمْ إنّ له أسلوباً خاصّاًَ به ؟
ـ وسؤال آخر أيضاً في هذا المجال : هل لهذا الكتاب رسالة ونداء إلى الإنسانيّة ؟
ـ وإذا كان الجواب بالإيجاب فما هي هذه الرسالة ؟
* إنّ المجموعة الأولى لهذه الأسئلة ترتبط ـ في الحقيقة ـ بنظرة الكتاب إلى العالَم والإنسان والحياة والموت و ....، أو بعبارة أكمل ، ترتبط بمعرفة الكتاب ، وفي اصطلاح فلاسفتنا ترتبط بفلسفة الكتاب النظريّة.
* وأمّا المجموعة الثانية من الأسئلة فتختصّ بأطروحة الكتاب بالنسبة لمستقبل الإنسان ، كيف يريد أنْ يبني
المجتمع البشري ، ومَن هو الإنسان النموذجي في نظره ؟
وعلى أيّ حال ، فإنّ هذا النوع من المعرفة يرتبط بمحتوى الكتاب ، ونستطيع أنْ نبحث من هذه الزاوية أيّ كتاب ، إنْ كان كتاب ( الشفاء ) لابن سينا أو ديوان ( سعدي ) . من الممكن أنْ نرى كتاباً ليس له نظرة ولا رسالة ، أو أنّ له نظرة بدون رسالة ، أو أنّه يحتوي على الاثنتين .
* وبالنسبة للمعرفة التحليليّة للقرآن ، لا بدّ أنْ نرى :
ـ ما هي المواضيع التي يشتمل عليها القرآن ؟
ـ وكيف يعرض القرآن هذه المسائل ؟
ـ وما هي استدلالات واحتجاجات القرآن في المستويات المختلفة ؟
ـ بما أنّ القرآن حافظ وحارس للإيمان ورسالته إيمانية ، فهل ينظر إلى العقل نظرة ترقّب وترصّد ، ويسعى ليصدّ هجوم العقل ويكبّل يديه ورجلَيه ، أَمْ بالعكس ، ينظر إليه دائماً نظرة مساندة وحماية ( ويستعين به ) ويستنجد مِن قوّته ؟
هذه الأسئلة ومئات الأسئلة المشابهة التي تطرح ضمن المعرفة التحليليّة ، توضّح لنا وتعرّفنا ماهيّة القرآن .
ثالثاً : المعرفة الجذريّة :
في هذه المرحلة ، وبعد معرفة صحّة استناد وانتساب الكتاب إلى مؤلّفه ، وبعد تحليل وتحقيق محتويات الكتاب بدقّة ، يجب أنْ نحقّق فيما إذا كانت مواضيع ومحتويات الكتاب نابعة من أفكار الكاتب ، أَمْ إنّ المؤلّف استدان واقتبس من أفكار الآخرين .
مثلاً ، بالنسبة لديوان حافظ :
بعد أنْ اجتزنا مرحلتَي المعرفة الإسناديّة والمعرفة التحليليّة ، يجب أنْ نعرف هذا الأمر : هل هذه الأفكار والمواضيع التي أوردها في الكلمات والجمل والأبيات وأخرجها بأسلوبه الخاص ، هل هي من إبداعاته ، أَمْ إنّ صياغة الكلمات بهذا الفن والجمال من الشاعر ، وأنّ الأفكار من آخر أو من آخرين . وبعبارة أخرى بما أنّ العلم بالأصالة الفنِّيّة لدى حافظ يجب أنْ نتيقّن بالأصالة الفكريّة له أيضاً .
هذا النوع من المعرفة بالنسبة لحافظ أو أيّ مؤلّف آخر ، معرفة تنبع من جذور أفكار المؤلّف ، وهذا المعرفة فرع للمعرفة التحليليّة . أي إنّ يجب معرفة محتوى أفكارالمؤلّف بدقّة أوّلاً ، ثمّ نبدأ بالمعرفة الجذريّة . وخلافات لهذا الأمر ، فإنّ النتيجة تشبه مؤلّفات بعض كُتّاب تأريخ العلوم الذين لم يفقهوا شيئاً من العلوم ، غير أنّهم يكتبون في تأريخ العلوم . أو نستطيع أنْ نُمثّل أيضاً بأولئك الذين يكتبون الكتب الفلسفيّة ويريدون أنْ يبحثوا ـ مثلاً ـ حول ابن سينا وأرسطو ، ووجوه التشابه والاختلاف بينهما ، ولكنّهم لم يعرفوا مع الأسف ابن سينا ولا أرسطو .
هؤلاء مع مقايسة بسيطة ، وفور تعلُّمهم بعض المشابهات اللفظيّة يجلسون على منصّة القضاء ، مع أنّ في المقايسة يجب أنْ يدرك عمق الأفكار ، ولمعرفة عمق أفكار كبار المفكّرين ـ أمثال ابن سينا وأرسطو ـ يلزمنا عمراً كاملاً من الزمان ، وإلاّ فما نحصل عليه ليس سوى كلمات تخمينيّة أو تقليديّة .
في التحقيق حول القرآن ومعرفته ، بعد إجراء المطالعة التحليلية حول القرآن ، يأتي دور المقايسة والمعرفة التأريخيّة ، أي إنّنا يجب أنْ نقارن القرآن وما يحتويه بالكتب الأخرى الموجودة في ذلك العصر ، وخصوصاً الكتب الدينيّة ، ويلزمنا في هذه المقارنة ملاحظة جميع الشروط والإمكانات ( الخاصّة بذلك العصر ) .
مثل :
ـ مدى علاقة شبة الجزيرة العربيّة بسائر البلدان .
ـ وعدد المتعلّمين الذين كانوا يعيشون في مكّة وقتئذٍ و.... .
ـ ثمّ نستنتج أنّ ما في القرآن هل يوجد في الكتب الأخرى أَمْ لا ؟ وإنْ كان يوجد فبأيّة نسبة ؟
ـ وتلك المواضيع التي تشبه بقيّة الكتب هل هي مستقلّة أَمْ مقتبسة ؟
ـ وما هو دور هذه المواضيع في تصحيح أخطاء تلك الكتب وتوضيح انحرافاتها ؟
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|