أسماء القرآن
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص11- 16
2025-06-21
667
لقد توهم جماعة من المصنفين (في علوم القرآن) عندما قالوا إن للقرآن خمسا وخمسين اسما حيث أنهم خلطوا بين تلك الأسماء التي صرح بها القرآن الكريم وبين أوصافه التي لا تخرج من كونه (عزيز، مجيد، هادي، حكيم، منذر، علي، كريم، عظيم) وغيرها من الصفات.. فمن أولئك الذين خلطوا بين الأسماء والأوصاف الفقيه الشافعي أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك صاحب (البرهان في مشكلات القرآن) والمتوفى سنة 494هـ حيث جعل للقرآن خمسا وخمسين اسما وهذا وهم منه كما أن (الحرالي) [1] بالغ في عدد الأسماء حتى جعلها نيفا وتسعين.
ثم توهم الدكتور السيد داود العطار- رحمه الله- عندما أدرج الكلام ضمن أسماء القرآن. وحيث بينا فيما تقدم أن القرآن هو تعريف أو تسمية لكلام الله العزيز فكيف يؤخذ الكلام حد في التعريف والمعرف؟ وهذا يعني توقف التعريف على المعرف والمعرف متوقف على التعريف مما يكون الدور...
وقد علمت أن تسمية الشيء يعني تعريفه وتشخيصه في الخارج والحديث الذي نحن فيه هو كلام الله المنزل على نبيه ماذا يسمى؟
وما استشهد به الدكتور العطار لا يصلح له دليلا حيث قال: (وعن الحسين بن خالدة قال: قلت للرضا علي بن موسى عليهم السلام: يا ابن رسول الله: أخبرني عن القرآن أخالق أم مخلوق. فقال ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله عزوجل. التوحيد للصدوق ص157.
من الواضح جدا في هذا الخبر الموري عن الرضا عليه السلام أن لفظة قرآن جاءت لتسمي كلام الله سبحانه وليس العكس كما ذهب إليه المرحوم داود العطار فتدبر.
وهكذا بالنسبة الى الرقم (5-الهدى) كما في الموجز حيث توهم المرحوم العطار عندما جعلها اسما للقرآن. فإن هذه اللفظة هي من صفات الأسم أي من صفات اسم القرآن فالقرآن لكونه هاديا اتصف بالهدى. أمعن النظر في الآية الكريمة المباركة:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] أي إن القرآن هاديا للناس ودالا لهم. وفي آيات بينات أي دلالات من الهدى. قيل المراد بالهدى الأولى الهدى من الضلالة والثانية ببيان الحلال والحرام وهذا عن ابن عباس. وقيل أراد بالهدى الأولى ما كلف من العلم والهدى الثانية ما تشمل عليه الكلمة من ذكر الأنبياء وشرائعهم وأخبارهم لأنها لا تدرك إلا بالقرآن. وهذا مروي عن الأصم والقاضي كما في المجمع [2] وقال العلامة الطباطبائي [3] رحمه الله (من هنا يظهر وجه التقابل بين الهدى والبينات من الهدى وهو تقابل بين العام والخاص (فالهدى) لبعض (والبينات من الهدى) لبعض آخر. لو تجاوزنا هذا يبقى أن نذكر أسماء كلام الله سبحانه المنزل على نبيه الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) فهي:
1- القرآن الكريم
ووردت كلمة (قرآن) في 68 موضعا من كتاب الله العزيز 11- 16 [4].
الكريم صفة للقرآن وقد تقدم معنى القرآن لغة واصطلاحا وأريد به ما جمع بين الدفتين من كلام الله عزوجل النازل على نبيه محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بالوحي بواسطة جبرائيل عليه السلام ولعظمة القرآن فإن الجبال لتتصدع لو أنزل عليها وتخشع... {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21]
2- الفرقان جاءت في القرآن الكريم في ست مواضع: البقرة آية 53و 185 وآل عمران آية 4 والأنفال آية 41 والأنبياء آية 48 والفرقان آية 1.
قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: 3-4].
والفرقان ما يفرق بين الحق والباطل. وهي لغة آرامية الأصل تفيد معنى التفرقة. في الكافي عمن سأل الامام عليه السلام عن القرآن والفرقان أهما شيئان أو شيء واحد؟ فقال الإمام: القرآن جملة الكتاب والفرقان الحكم الواجب العمل به. وفي تفسير العياشي الفرقان هو كل أمر محكم في القرآن [5].
3- الذكر: وردت في مواضع عديدة من القرآن الكريم قد تناهز على الخمسين في الجملة بعضها تؤدي معنى القرآن. قال تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنبياء: 50] بمعنى الشرف. ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] {أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ} [الطلاق: 10-11] بمعنى أن شرفكم في هذا الكتاب المنزل فبإتباعكم تعاليمه تنالوا ذلك الشرف الذي تصبون إليه والرفعة وهذا شأن من يقول لك (نجاتك في الصدق) و (ربحك في الإخلاص) و (حياتك وسعادتك في الإسلام) يعني تنال النجاة باتباعك الصدق في القول والعمل وتنال الربح باتباعك الإخلاص في العمل. وتنال الحياة السعيدة بأتباعك دين الإسلام... وهكذا باتباعكم للقرآن تنالون الشرف الرفيع. هكذا يستظهر من الآية الشريفة والله العالم.
4- الكتاب: قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]. الكتاب ما يجمع بين دفتيه الحروف والرسوم التي تؤدي الى كلمات ذات معان وعبارات وأسطر يتألف منها الكلام وبما أن كلام الله سبحانه قد جمع ودون فسمي ذلك المسطور بالكتاب.
والكتاب في القرآن الكريم أطلق على عدة أمور منها: أ- أريد به ما أنزل على الأنبياء من كلام الله تعالى فهو لا يقتصر فقط على ما أنزل على الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بل يشمل من سبقه قوله تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] وقوله تعالى: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 2] وقوله تعالى لسان عيسى عليه السلام: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} [مريم: 30] .
ب- وقد يراد (من الكتاب) المكتوب على نحو المراسلات والمخاطبات كقوله تعالى عن قصة سليمان عليه السلام وبلقيس: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 28-29]
ج- وقد يراد به صحيفة أعمال المرء.
قوله تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] وقوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13-14] وهنالك معان أخرى للكتاب فراجع.
5- التنزيل
قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 192]
وقوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: 2]
وقوله تعالى: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [يس: 5]
الاهتمام بالقرآن والعمل به:
ارتبط المسلمون ارتباطا وثيقا في صدر الإسلام بالقرآن الكريم واهتموا له غاية الاهتمام وأولوه رعاية كبيرة واحتراما متزايدا حتى كانوا يتدارسونه فيما بينهم ويتعلمون قراءته وأحكامه وما فيه من موعظة ومكارم وأخلاق وسنن.
عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من الصحابة أنهم كانوا يأخذون من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عشرة آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل [6].
وفي أسرار الصلاة قال: إن رجلا جاء الى النبي ليعلمه القرآن فانتهى الى قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8] فقال: يكفيني هذا وانصرف. وعن عثمان وابن مسعود وأبي:
إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها الى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل فيعلمهم القرآن والعمل جميعا [7].
مما سبق نفهم أن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كان يتهم بأمر قراءة القرآن ويوصي المسلمين بذلك وهؤلاء يتواصون فيما بينهم ويدأبون على قراءته ليل نهار. ونفهم مما سبق أيضا حرص الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) في تعليم المسلمين آيات من القرآن الكريم لا تتجاوز العشرة حتى يقفوا على الأحكام النازلة وما فيها من المواعظ والحكم ويعتبروا بمن سبقهم من الأمم فتنجلي أمامهم أخبار الماضيين وقصصهم وما سلف لأولئك من قبائح الأعمال أو حسنها فتكون عبرة لهم ولغيرهم.
[1] هو علي بن أحمد بن الحسن التجيبي الحرالي المتوفى سنة 647هـ.
[4] - كملة (قرآن) قد يراد بها جملة من الآيات كقوله تعالى: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{ [الإسراء: 82] وقوله تعالى: }وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ [الأعراف: 204] وقد يراد من كلمة (قرآن) الكتاب بمجموعه.
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في علوم القرآن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة