أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
257
التاريخ: 16-10-2016
295
التاريخ: 15-10-2016
239
التاريخ: 16-10-2016
238
|
في حدود سنة 3200 ق. م. ابتكر العراقيون الكتابة (المسمارية ـ Cuneiform) حيث كتبت بها اللغة السومرية، ونشروها في أنحاء الشرق الاوسط حيث أصبحت هذه الكتابة هي الوحيدة المتداولة، واستعملتها شعوب ايران والاناضول والشام، بل حتى في مصر أحياناً حسب بعض الوثائق الآثارية.
في عام 2400 ق.م تم اعتماد هذا الخط المسماري لكتابة اللغة الأكدية بلهجتيها الآشورية الشمالية والبابلية الجنوبية. ورغم إحلال الاكدية بدل السومرية، إلاّ أن العراقيين حافظوا على اللغة السومرية كلغة مقدسة خاصة برجال الدين. دام استعمال هذه الكتابة حوالي 3000 عام، أي حتى قبل الميلاد ببضعة قرون إذ بدأت الكتابة الابجدية القادمة من الشام تنتشر مع انتشار اللغة ألآرامية خصوصاً أثناء حكم السلالة الاخيرة (الكلدانية الجنوبية).
لقد دون العراقيون بالمسمارية السجلات الرسمية وأعمال وتاريخ الملوك والأمراء والشؤون الحياتية العامة كالمعاملات التجارية والأحوال الشخصية والمراسلات والآداب والأساطير والشؤون الدينية والعبادات. وأيام حكم الملك حمورابي (1728– 1686 ق.م.) وضع شريعة واحدة تسري أحكامها في جميع أنحاء مملكة بابل . وهذه الشريعة عرفت بقانون حمورابي الذي كان يضم القانون المدني والأحوال الشخصية وقانون العقوبات. وفي عصره دونت العلوم. وكان الملك آشوربانيبال ( 668- 626 ق.م.) من أكثر ملوك السلالة الآشورية ثقافة. فجمع الكتب من أنحاء البلاد وخزنها في دار كتب قومية خاصة شيَّدها في عاصمته نينوى بالعراق. وجمع فيها كل الألواح الطينية التي دونت فوقها العلوم والمعارف.
يشكل اختراع الكتابة وإدخالها في الاستعمال العام أهم حدث في التاريخ الفكري للبشر، فهو الحد الذي يفصل بين مرحلة ما قبل التاريخ والمراحل التاريخية اللاحقة. سميت الكتابة السومرية بالكتابة المسمارية لأن شكلها يشبه المسامير. والسبب في ذلك عائد إلى طبيعة المواد التي استعملوها في الكتابة: ألواح من طين تغمس الكتابة فيها غمساً بواسطة قلم من قصب فيشكل الغمس في الرقيم الطيني مثلثاً يشبه رأس المسمار. ثم تخط خطوط عمودية وأخرى أفقية فيحصل على شكل مشابه للمسمار. بعد ذلك كانت الألواح الطينية الرطبة توضع في تنور وتطبخ بالنار وتصلب تمهيداً للاحتفاظ بها.
الكتابة المسمارية في طورها الأول كتابة صورية (كذلك المصرية الهيروغليفية)، ولكن السومريين سرعان ما طوروها لتصبح كتابة مقطعية، وبهذا تم اختزال الرموز المستعملة فيها إلى أصوات المقاطع في اللغة السومرية البالغة حوالي 598 مقطعاً صوتياً.
وتم فك رموز الخط المسماري في القرن التاسع عشر وبذلك تسنى للعلماء قراءة النصوص الإدارية والرياضية والتاريخية والفلكية والمدرسية والطلاسم والملاحم والرسائل والقواميس المسمارية. ويوجد حوالي 130000 لوح طيني من بلاد الرافدين في المتحف البريطاني.
وفي هذا السياق يتوجب علينا أن نشير الى ان الكتابة المسمارية هي أقدم كتابة في تاريخ البشرية الى جانب الكتابة المصرية (الهيروغليفية hieroglyphs ) التي ظهرت تقريباً في نفس الفترة. وقد اطلق الاغريق هذه التسمية الاغريقية على الكتابة الفرعونية وتعني (النقش المقدس). وهي أيضاً كتابة صورية (ليست حروفية) مثل السومرية. وقد انتهى استعمال هذه الكتابة أيضاً في نفس الفترة التي انتهت فيها المسمارية أي في القرن السابع ق.م، حيث بدأت الكتابة الحروفية (الابجدية) القادمة من سواحل الشام والتي تعد أول أبجدية في التاريخ.
مراحل تطور المسمارية*:
وقد مرت العلامات الكتابية بمراحل ثلاثة متداخلة اكتمل في أثنائها نظام التدوين وأصبحت منذ مطلع العصور التاريخية في حدود 3000 قبل الميلاد وهذه المراحل هي:
المرحلة الصورية Pictographic stage:
وهي أولى مراحل جميع الكتابات المعروفة في بلاد الرافدين واكتشف أكثر من خمسة آلاف رقيم طيني من دور الوركاء (الطبقة الرابعة) عثر على معظمها في حرم معبد أي انا في الوركاء وعثر على قسم منها في كل من تل العقير وجمدة نصر ـ وخفاجي وأور وشروباك وكيش وذلك منذ مطلع القرن العشرين. وتمثل هذه الرقم أقدم الرقم المكتشفة حتى الآن لذا عرفت بالرقم القديمة، أو الأقدم archaic tablets، أي الرقم الاركائية. وعرفت أيضاً برقم ما قبل المسمارية proto cuneiform إذ كانت العلامات الكتابية مرسومة عليها بقلم مدبب الرأس يتم تحريكه على الطين الطري لرسم الشيء المادي المراد التعبير عنه رسماً تقريبياً.
وعرفت العلامات المدونة على هذه الرقم بالعلامات التصويرية Pictographicلأنها تصور بشكل تقريبي الأشياء المادية، وعرفت المرحلة التي استخدمت فيها تلك العلامات بالمرحلة التصويرية المبكرة من تاريخ الكتابة.
كانت صورية إلاّ أن قسماً منها استخدم أحياناً وفق الأسلوب الرمزي أيضاً ideographic، إذ كانت العلامة الواحدة تعبر عن كلمة معينة أو فكرة معينة. والمعروف أنه لا يمكن تحديد اللغة التي استخدمها الكاتب عند استخدام علامات صورية ورمزية فقط إذ يمكن قراءة مثل هذه العلامات المجردة من السوابق واللواحق بأية لغة كانت دون التقيد بلغة الكاتب الذي كتبها طالما لا تعبر مثل هذه العلامات عن اللغة أو الكلام المحكي ولا تضم الأدوات النحوية اللازمة لتكوين الجمل والعبارات بل إنها عبارة عن رسوم تقريبية لأشياء مادية فحسب وإلى جانبها أرقام تشير إلى أعدادها أو كميتها.
إن حقيقة أن قسماً من العلامات المرسومة في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ الكتابة لا تمثل تماماً الشيء المادي الذي تعبر عنه يشير إلى أن تلك العلامات كانت قد مرت بمرحلة من التطور سابقة عندما كانت العلامات المرسومة تطابق من حيث الشكل الأشياء المادية التي تعبر عنها. إلى جانب ذلك فإن هناك قسماً من العلامات تعبر عن أشياء أو حيوانات لم يكن لها وجود في دور الوركاء / الطبقة الرابعة مما يشير إلى أنها استخدمت أول مرة في زمن سابق عندما كانت الأشياء والحيوانات موجودة في المنطقة أو في غيرها من جنوبي بلاد الرافدين وربما ستكشف لنا تنقيبات مقبلة عن ألواح الوركاء (الطبقة الرابعة) في مدن أخرى، أو أن محاولات الكتابة الأولى كانت قد تمت على مواد سريعة التلف، كالجلود مثلاً حالت تربة السهل الرسوبي الرطبة دون بقائها.
أما مضامين النصوص المكتشفة فغالبها كانت اقتصادية وتقدر نسبة النصوص الاقتصادية إلى مجموع الرقم المكتشفة بأكثر من 85% أما الرقم الأخرى الباقية فكانت لغوية مدرسية. إذ ضمت قوائم بأسماء مختلفة مثل أسماء الحرف والأسماك والطيور والمعادن والمدن.. الخ. أما الرقم الاقتصادية فتضم قوائم توزيع الجرايات ووصولات تسلم الحيوانات والمنسوجات والأطعمة والمعادن وخزنها.
وضمت الرقم ذات المضامين الاقتصادية غالباً علامات تمثل الأشياء المراد الإشارة إليها وإلى جانبها علامات تدل على الأعداد أو الكميات وغدت الرقم وكأنها سجلات تثبت ما يدخل المعبد أو يخرج منه إذ وجدت غالبية الرقم في حرم المعبد. وتشير دراسة الأرقام المكتوبة على هذه الرقم أن الكتبة استخدموا كلا النظامين العشري والستيني في الحساب.
ويرى بعض الباحثين أن هذه الرقم تمثل طوراً منطقياً لعدد من وسائل التذكر التي سبقت الإشارة إليها فبعد أن كان يرفق بالأشياء والحيوانات المقدمة إلى المعبد، مثلاً، دلالات (بطاقات) طينية tokens مثقوبة من إحدى الزوايا لغرض ربطها أو تعليقها بالشيء أو الحيوان الذي تعود لـه وقد تظهر عليها طبعة ختم أسطواني تشير إلى هوية صاحب الشيء وعليها علامات خاصة بالأرقام، استعيض عنها برسم الأشياء أو الحيوانات المقدمة على لوح من طين وأشير بجانبها إلى أعدادها أو كميتها وطبع عليها الختم الأسطواني كي تبقى تذَّكر وتخبر بما دخل المعبد أو خرج منه بشكل أوضح وليس كالدلالات الطينية التي إذا ما فصلت عن الشيء أو الحيوان الذي تعود له فقدت أهميتها ولم تعد وسيلة للتذكر أو الإخبار.
كانت أشكال العلامات التصويرية المبكرة واضحة المعالم غالباً ويمكن معرفة الشيء المادي الذي تعبر عنه، وقد تمثل العلامة رسماً للشيء المادي بكامله، كالعلامات التي استخدمت للدلالة على السمكة والمحراث والسفينة وغيرها، وقد تمثل العلامة جزءاً من الشيء المراد التعبير عنه فقط. مثل العلامات التي تمثل رأس ثور للدلالة على الثور ومع ذلك تجردت طائفة من العلامات وابتعدت تدريجياً عن الأصل الذي تمثله وفقدت أحياناً أية صلة بالأصل، وقد استعان الباحثون في تتبع أصول مثل هذه العلامات بالمشاهد المنقوشة على الأختام وحاولوا تعيين أشكال العلامات.
وظلت طائفة من العلامات غامضة ولم يتمكن الباحثون من تتبع أصولها كالعلامات التي تمثل الثور مثلاً فإنه يصعب مطابقتها مع شكل الثور في رقم الوركاء/ الطبقة الرابعة ويستحيل ذلك في رقم جمدة نصرة في حين يمكن التعرف على أصل العلامة التي تعبر عن الخنزير في رقم الوركاء. ويبدو أن العلامات التي تصور أشياء أو حيوانات شائعة وواسعة الانتشار أو الاستخدام، كالثور والشاة والرجل وغيرها، رسمت بسرعة وعناية قليلة فكانت بعيدة عن الشيء الذي تمثله في حين رسمت العلامات التي تدل على أشياء أو حيوانات نادرة نسبياً بعناية أكثر ودقة فجاء رسمها بشكل واضح، فاختلفت أساليب الرسم باختلاف الكتبة وابتعدت الرسوم تدريجياً عن الأصل الذي تمثله.
أسلوب كتابة العلامات:
سبقت الإشارة إلى أن أقدم الألواح التي تحمل علامات كتابية بطريقة تحريك قلم مدبب الرأس على الطين الطري ورسمت رسماً تقريبياً الأشياء المادية المراد التعبير عنها. ومنذ أواخر دور الوركاء (الطبقة الرابعة)، وفي رقم الوركاء من الطبقة الثالثة وما بعدها ورقم جمدة نصر، حدث تغيير مهم في أسلوب كتابة العلامات على الطين. فبعد أن كان الكاتب يرسم العلامة بقلم مدبب الرأس غدا يطبع العلامة على الطين الطري وذلك بضغط نهاية القلم ذي المقطع قائم الزوايا وبشكل مائل تاركاً في كل مرة طبعة غائرة تتألف من خط مستقيم يمثل ضلع مقطع القلم قائم الزوايا، ومثلثاً غائراً يمثل طبعة زاوية مقطع القلم عندما يمسك القلم بشكل مائل ويضغط بزاويته على الطين. وبتكرار عملية طبع القلم تتألف على الطين وفق شكل العلامة المراد رسمها، تتشكل العلامة وتظهر مؤلفة من مجموعة من الخطوط الأفقية والعامودية والمائلة، ينتهي كل خط منها بمثلث صغير غائر ويظهر شكلها وكأنها مؤلفة من طبعة مجموعة من الأسافين أو المسامير. ويلاحظ أن الكاتب حاول اختزال رسم العلامة وتجاوز رسم المنحنيات والتفاصيل الدقيقة التي كان من السهل رسمها بأسلوب تحريك القلم كما نفعل الآن عند الكتابة بقلم الحبر أو الرصاص.
أما بالنسبة لعدد العلامات الكلي المستخدم فيبدو أنه كان كبيراً في بدايات الكتابة ثم بدأ بالتقلص حتى استقر العدد في الحقب المتأخرة نسبياً على ما يقرب من 550 علامة. فكثرة المواد والأشياء التي كان الكتبة يرغبون بالتعبير عنها كتابة واختلاف أساليبهم في التعبير وفي رسم تلك الأشياء زاد في عدد العلامات المستخدمة. وقد أمكن حصر ما لا يقل عن 2000 علامة في رقم حرم أي انا في الوركاء من الطبقة الرابعة، ويظن أن عددها كان ضعف هذا الرقم. وفي رقم شروباك كان عدد العلامات المستخدمة 800 علامة، أما رقم جمدة نصر وأور، فقد أمكن احتساب 400 علامة فقط.
إن اختزال استخدام العلامات شمل العدد كما شمل الشكل أيضاً. وكان ذلك في محاولة لتسهيل أسلوب الكتابة، فمثلاً كان هناك أكثر من ثلاثين علامة مستخدمة للدلالة على الشاة في رقم الوركاء، في حين أصبح عددها ثلاث علامات فقط في رقم الطبقة الثالثة وتقلّص إلى شكلين فقط في رقم الطبقة الثانية وهكذا بالنسبة للعديد من العلامات. وربما كان الغرض من تعدد العلامات الدالة على شيء مادي واحد، كالشياه أو الثيران هو بيان جنس ذلك الشيء أو لونه أو حجمه ثم استعاض الكتبة عن ذلك بإلحاق صفة من الصفات إلى العلامات بدلاً من كتابتها بشكل خاص. وكان من وسائل تقلص عدد العلامات أيضاً دمج علامتين أو أكثر بعلامة واحدة مركبة وإهمال استخدام العلامات التي تكونت منها. وكان من نتائج هذا التقليص في عدد العلامات ولاسيما عن طريق الدمج أن أضيف إلى معاني العلامة الواحدة معان جديدة وزادت قيمتها الصوتية.
ومما يلاحظ أنه رافق عدد العلامات المستخدمة واختزال أشكالها بتجاوز التفصيلات الدقيقة اتجاه مضاد يعمل على زيادة عدد العلامات. فقد تتطور العلامة الواحدة إلى علامتين مختلفتين من أجل شرح الأفكار المختلفة المرتبطة بمعنى العلامة، وقد تدمج علامتان أو أكثر لتكون علامة جديدة ثالثة تستخدم إلى جانب العلامتين السابقة، فمثلاً العلامة التي تدل على الرأس زيد عليها عدد من الخطوط والتفاصيل الأفقية فتكونت علامة جديدة تشير إلى الفم، وإذا زيد عليها علامة صغيرة تدل على الخبز أو الأكل أصبح معنى العلامة الجديدة المركبة الفعل أكل وهكذا.
أما بالنسبة لدمج علامتين مستقلتين بعلامة واحدة تحمل معنى جديداً، فلعل خير مثال على ذلك هو دمج العلامة لُ lu التي تعني رجل والعلامة كال gal التي تعني عظيم، لتكوين علامة جديدة لوكال lugal التي تعني (ملك) أو (رجل عظيم).