المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



قاعدة « ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده » (*)  
  
444   08:40 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص103 - 129.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / ما يضمن و ما لا يضمن - كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده /

ومن القواعد الفقهية المعروفة المشهورة قاعدة « كلّ ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده ».

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

في مدركها ومستندها‌ :

فنقول : وهو أمور ذكرها الفقهاء :

الأوّل : قاعدة الإقدام.

الثاني : قاعدة الاحترام.

الثالث : قاعدة اليد.

والرابع : الإجماع.

امّا الأوّل أي قاعدة الإقدام ، فالمراد بها أنّ كلا المتعاقدين أقدما على أن يكون مال‌ الآخر له بضمان لا مجّانا وبلا عوض ، ولذلك لو كانت المعاملة صحيحة كان كلّ واحد منهما ضامنا للمسمّى حسب إقدامه والتزامه ، فالبائع مثلا يكون ضامنا للمبيع المسمّى بمعنى أنه في عهدته ويجب عليه تفريغ ما في ذمّته بإعطاء المبيع المسمى في العقد للمشتري ، وكذلك الأمر في طرف المشتري.

واستشكل على هذا الوجه أوّلا بأنّ إقدام المتعاملين على أن يكون أخذ مال صاحبه وإن كان مبنيّا على أن يكون بعوض أي ما هو المسمّى في العقد من الطرفين ، ولكن كان هذا الإقدام والالتزام بالمسمّى ـ والمفروض عدم إمضاء الشارع ما التزما به وأقدما عليه ـ وهو أن يكون أخذ كلّ واحد منهما مال صاحبه بالعوض المسمّى ، فضمان كلّ واحد منهما لمال الآخر إذا تلف ولم يكن إتلاف في البين يحتاج إلى دليل آخر غير الإقدام ، لعدم إقدامهما على ضمان المثل والقيمة.

ثانيا : أنّه ما الدليل على أنّ إقدامه هذا ملزم له على ضمانه بالمثل أو القيمة ، فإنّ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ليس في البين ، لأنّ المفروض فساد العقد وعدم إلزام من طرف الشارع على الوفاء بهذه المعاملة والعقد ، فلو فرضنا أنّه أقدم على أصل الضمان وعينه في المسمّى والشارع لم يمض لزوم إعطاء المسمّى مع التزامه هو بذلك وقلنا إنّ التزامه بأصل الضمان باق ، غاية الأمر لم يلزمه الشارع بإعطاء تلك الخصوصيّة وجوّز له عدم إعطائه لها لكن عليه العمل على طبق إقدامه فيما عدا تلك الخصوصية ، فيبقى السؤال ـ بعد التسليم على أنّ إقدامه على أصل الضمان غير الإقدام على الخصوصيّة ، وهناك إقدامان ـ عن أنّه ما هو الملزم لوجوب العمل على طبق هذا الإقدام.

وبعبارة أخرى : إنّ هذا التزام ابتدائي لا يجب العمل به تكليفا ، ولا يوجب اشتغال الذمّة والعهدة وضعا الذي يسمّى بالضمان.

وإن شئت قلت : إنّ الالتزامات التي تقع بين الناس بصورة المعاوضة والمبادلة إن‌ أمضاها الشارع وحكم بلزوم الوفاء بها فيجب الوفاء ، وإلاّ فهو مخيّر بين الوفاء بها وبين عدم الوفاء إن لم تكن المعاملة والوفاء بها محرّما ، وإلاّ فإن كان محرّما شرعا كبيع الخمر أو البيع الربوي فلا يجوز الوفاء به ، والمفروض في المقام فساد العقد والمعاملة وعدم إمضاء الشارع لها ، فلا قيمة لهذا الالتزام والإقدام.

ولكن يمكن أن يقال : إن العقلاء بناؤهم في أبواب معاملاتهم على أنّه إذا أخذ شيئا من الطرف بعنوان أن يعطي بدله وعوضه فإن تراضيا على عوض معين وسمياه ـ وهو الذي نسمّيه بالمسمّى ـ فإن تعذّر ذلك المسمّى فيرون المأخوذ مضمونا على الأخذ بالضمان الواقعي ، أي المثل أو القيمة. فلو تلف المأخوذ في يده يرونه ضامنا ، فإذا حكم الشارع بفساد معاملة وعدم لزوم أداء المسمّى لذلك الآخر فيرونه ضامنا بالضمان الواقعي ، ولم يصدر ردع عن هذا البناء ، فيكون ضمان المقبوض بالعقد الفاسد إذا تلف عند القابض على القاعدة ، ودليله بناء العقلاء مع عدم ردع الشارع الذي هو كاشف عن الإمضاء. فهذا يكون دليلا خامسا لهذه القاعدة.

وحاصل الكلام أنّ بناء العقلاء في معاملاتهم على أنّ الذي يأخذ ويقبض مال الغير بعنوان المعاوضة والمبادلة بإعطائه له ما يساويه ـ وإن كان الأخذ بهذا القصد في المعاملة غير الصحيحة عندهم لفقد ما هو مانع عندهم ـ لا يذهب ما أخذه هدرا ولا يكون مجّانا ، بل يرونه ضامنا لما أخذ ومشغولا ذمّته بما قبض. نعم حيث أنّ المعاملة الكذائية باطلة عندهم فلا يرون ذمّته مشغولة بالمسمّى.

وأما أصل اشتغال ذمّته وكون ضمان ما قبض على عهدته فشي‌ء مفروغ عنه ، ولعلّ نظر شيخ الطائفة (1) أبو جعفر الطوسي قدس سرّه في استدلاله للضمان في المقبوض بالعقد الفاسد وأمثاله من المتقدمين بأنّه أقدم على الأخذ والقبض بالضمان إلى ما قلناه ، وإلاّ فهذا الكلام بظاهره ظاهر الخلل.

وأمّا الثاني : أي قاعدة الاحترام ، وهي عبارة عن احترام مال المؤمن وأنّ حرمته كحرمة دمه.

فتقريب دلالتها في المقام هو أنّه بعد ما حكم الشارع بفساد هذه المعاملة وعدم دخول كلّ واحد من العوضين في ملك الآخر لخلل في نفس العقد ، أو في المتعاقدين ، أو في العوضين فقبض كلّ واحد من المتعاملين لمال الآخر بدون اشتغال ذمّته بشي‌ء في قباله ، معناه أنه لا احترام لهذا المال ويذهب هدرا لو تلف بدون إتلاف من طرف القابض ، وهذا مناف مع جعل الشارع حرمته كحرمة دم مالكه ، فكونه محترما معناه أنّ القابض إذا لم يكن مالكا له لفساد المعاملة يكون ضامنا لدركه ، بمعنى أنّه لو تلف فعليه غرامته بالمثل أو القيمة ، لا أنّه يجب عليه الردّ فقط فصرف تكليف ولا ضمان في البين. هذا ما ذكروه.

ولكنّ الإنصاف أنّ صرف كون المال محترما لا يدلّ على أنّه بمحض القبض يكون ضامنا ويكون المال في عهدته ، بل قضيّة احترامه عدم جواز التصرّف فيه بدون إذنه ، وأنّه لو تصرّف فيه وأتلف أو نقص شي‌ء منه بسبب تصرّفه بدون إذن صاحبه فيكون ضامنا لذلك التلف أو ذلك النقص وعليه غرامته إلاّ أن تكون يده يد ضمان. وسنتكلّم عنها ونقول إنّها دليل مستقلّ ، بل هي العمدة في هذا الباب.

والحاصل : أنّ مفاد قاعدة الاحترام هو أنّ مال المؤمن محترم مثل دمه ، فكما أنّه لو جاء ضيف إليه فمات حتف أنفه عنده ليس على المضيف شي‌ء ، فكذلك لو قبض ماله لا بالقهر والغلبة ـ حتّى تكون يده عادية ـ لا شي‌ء عليه لو تلف بالتلف السماوي من دون ارتباط إلى القابض ، لا مباشرة ولا تسبيبا.

ولا منافاة بين عدم الضمان والاحترام ولذلك قال الشيخ الأعظم (2) وشيخنا‌ الأستاذ (3) أنّ الضمان في المقام مستند إلى اليد ، والمقصود من ذكر قاعدة الإقدام وكذلك الاحترام عدم ما يوجب تخصيص قاعدة اليد ، بمعنى أنّ اليد على مال الغير موجبة للضمان إلاّ في المال الذي لا احترام له كمال الكافر غير الذمّي ، وأيضا إلاّ فيما إذا أقدم على إعطائه مجّانا وبلا عوض.

فقاعدة الاحترام لأجل عدم وجود المخصص وهو عدم احترام المال ، والإقدام كذلك أيضا لأنّ إقدامه على الإعطاء مجّانا وبلا عوض يوجب تخصيص قاعدة اليد بل تخصّصه.

وامّا الثالث : أي قاعدة اليد ، والمراد به النبوي المشهور ، أعني قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » (4).

وهذا الحديث الشريف من ناحية السند من جهة شهرته بين الفريقين غنيّ عن البحث والتكلّم فيه ، من جهة أنّ هذه الشهرة توجب الوثوق بصدوره منه صلى الله عليه واله ، وقد تقرّر في الأصول أنّ موضوع الحجّية الخبر الموثوق الصدور.

وأمّا من ناحية الدلالة فنقول : الظاهر أنّ الظرف ظرف مستقر ، أي يكون عامله من أفعال العموم ك‍ « مستقر » أو « ثابت » وأمثال ذلك ، لا أنّه ظرف لغو كي يكون عامله من أفعال الخصوص مثل « يجب » و« يلزم » وأمثالهما.

وذلك لجهات :

الأولى : من جهة أنّه لو كان متعلّقا بأحد أفعال الخصوص فلا بدّ من تقدير كلمة « الردّ » أو « الأداء » وأمثال ذلك ، لأنّ الموصول كناية عن المال المأخوذ. ويجب أن يلزم ويحتم على اليد المال المأخوذ لا معنى له ، لأنّ الوجوب واللزوم لا بدّ وأن يتعلّق بالأفعال لا بالذوات ، فلا بدّ وأن يقدّر كلمة « الردّ » وما يشبهه حتّى يكون معنى الحديث يجب أو يلزم على اليد ـ أي على المسيطر ـ ردّ المال الذي أخذه ، أو أداؤه ، أو‌ إعطاءه وأمثال ذلك حتّى يستقيم المعنى ، ولا شكّ في أنّ التقدير خلاف الأصل.

الثانية : أنّه لو كان الظرف ظرف لغو وكان متعلّقا بـ « يجب » أو « يلزم » فيكون الحكم معنى في لسان دليله بإتيان متعلّقه وامتثاله ، وهذا ركيك إلى الغاية ، لأنّ المعنى بناء على هذا يصير هكذا : يجب ردّ ما أخذه المسيطر وأداؤه حتى يردّ ويؤدّي. ومثل هذا الكلام لا ينبغي أن ينسب إلى سوقيّ وهو من عامّة النّاس ، فضلا عمّن هو ربّ الفصاحة والبلاغة وأفصح من نطق بالعناد.

الثالثة : أنّ ظاهر الكلام أنّ نفس ما أخذته اليد عليها لا ردّها وأدائها ، ولا يمكن أخذ هذا الظاهر إلاّ بأن يكون العامل من أفعال العموم ، لأنّه حينئذ يصير المعنى أنّ ما أخذته اليد أي المال الذي وقع تحت سيطرة القابض يستقر ويثبت عليه ، وهذا عبارة أخرى عن أنّ القابض ضامن لما قبضه ، لأنّ الضمان في المقام عبارة عن كون المال المقبوض على عهدة القابض بوجوده الاعتباري ، لأنّ وجوده التكويني تحت اليد ويكون القابض مسيطرا عليه.

فالشارع اعتبر هذا المال الذي وقع تحت يد القابض وسيطرته على عهدته ، فالوجود التكويني لذلك المال تحت اليد ، والوجود الاعتباري فوق اليد عهدته مشغولة به ، ولا يرتفع عن العهدة إلاّ بأداء ما هو مصداق لذلك الوجود الاعتباري ويحمل عليه بالحمل الشائع.

وهذا الذي ذكرناه من كون ذلك الوجود الاعتباري فوق اليد ومستقرّ وثابت في العهدة يستفاد من ظهور كلمة « على » في الاستعلاء.

ومن الواضح البيّن أنّ ما أخذته أي المال المقبوض حيث أنّه لا يمكن أن يكون بوجوده الخارجي في العهدة ـ لأنّ العهدة وعاء الموجودات في عالم الاعتبار ، بل هو نفس تلك الموجودات الاعتبارية ، كما أنّ الذهن عبارة عن نفس تلك الموجودات الذهنيّة ، لا أنّه هناك ظرف ومظروف متغايران ـ فلا بدّ وأن يكون في العهدة بذلك‌ الوجود الاعتباري.

وهذا الاعتبار سواء أكان من طرف الشارع أو من طرف العقلاء لا يزول ولا ينعدم إلاّ بأداء ما هو مصداق لذلك الوجود الاعتباري بالحمل الشائع ، وهذا هو عين الضمان إذا العرف لا يفهم من الضمان إلاّ هذا المعنى.

ولا شكّ في أنّه ما دامت العين ـ أي نفس المال المقبوض الذي هو تحت اليد ـ موجودة فيكون المصداق الحقيقي لذلك الوجود الاعتباري هو نفس المال الخارجي ، إذ هو واجد للجهات الثلاث أي المقوّمات النوعيّة ، والصفات الصنفيّة ، والمشخصات الخارجيّة ، وذلك كما أنّ صورة الذهنيّة لذلك المال الشخصي مصداقها الحقيقي أوّلا وبالذات بدون عناية هو نفس ذلك المال الخارجي. وأمّا إذا تلف المال فمصداقه المثل مع وجوده وعدم تعذّره بل وعدم تعسّره ، لأنّ المثل واجد لجهات نوعيّته وصنفيّته ، وإن كان فاقدا لجهات شخصيّة المال.

نعم مع فقد المثل لا يمكن أداء التالف إلاّ من جهة ماليّته وهذه الجهات الثلاث مترتّبة وطولية في مقام تفريغ الذمة عما ثبتت واستقرّت على عهدته بمعنى أنّه لا تصل النوبة إلى المثل إلاّ بعد تعذّر الشخص ، ولا إلى القيمة والمالية إلاّ بعد تعذّر المثل. وهذا المعنى الذي ذكرنا للضمان هو المرتكز في أذهان العرف والعقلاء في باب الضمان.

وخلاصة الكلام أنّ الحديث الشريف يدلّ على أنّ مال الغير إذا وقع تحت يد شخص وسيطرته يكون مستقرّا وثابتا في عهدته حتّى يؤدّيه على بعض النسخ ، أو حتّى يؤدّي بدون الهاء في بعض النسخ الأخر.

وهذا الاختلاف في النسخ لا يؤثر في معنى الحديث وإن احتمل بعض أنّ كلمة « يؤديه » مع الهاء يؤيّد أنّ الظرف ظرف مستقرّ ، لا أنّه ظرف لغو حتّى يكون عامله من أفعال الخصوص مثل « يجب » و« يلزم » لأنّ هذه الكلمة مع الهاء معناه أنّه يؤدّي ذلك الذي أخذه ونفس ما وقع تحت اليد ، ووجوب ردّ نفس ما وقع تحت اليد بعد‌ التلف غير معقول ، بل المعنى المعقول منه هو أنّ ذلك المأخوذ على عهدته ولا يفرغ ذمّته إلاّ بأداء ذلك الأمر الاعتباري الذي على عهدته بالترتيب الذي ذكرنا.

ولكن أنت خبير بأنّه لا فرق من هذه الجهة بين أن يكون الظرف لغوا أو مستقرّا ، ومتعلّقه من أفعال العموم أو الخصوص ، إذ بناء على الأخير أيضا لا مانع من أن يكون المراد أنّه يجب ردّ نفس ذلك الشي‌ء الذي أخذ بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة.

كما أنّ ما احتمله بعض آخر ـ من أنّ مفاد الحديث بقرينة وجود هذا الضمير عبارة عن وجوب الردّ تكليفا ما دامت العين موجودة وقبل التلف ، إذ بعد التلف لا يمكن ردّه فلا ربط له بباب الضمان أصلا ـ لا وجه له لما ذكرنا من أنّ معنى الحديث وظاهره المتفاهم عرفا هو كون المأخوذ وما هو تحت اليد والسيطرة على عهدته مستقرّا وثابتا إلى أن يفرغ ذمّته ويؤدّي ذلك الشي‌ء بأحد الوجوه الثلاثة المترتّبة الطوليّة المتقدّمة.

وامّا الرابع أي الإجماع ، فقد ادّعاه جمع من أساتذة الفقه وأساطين هذا الفنّ وأرسلوه إرسال المسلّمات ، ولكن مع ذلك كلّه ليس من الإجماع المصطلح الأصولي الذي بنينا على حجيته ، إذ الذي سلّمنا حجّيته كان عبارة عن اتّفاق الكلّ أو الجلّ مع عدم مستند في البين ، فحينئذ يكون مثل ذلك الاتّفاق كاشفا عن تلقّيهم الحكم عن الإمام المعصوم. وفيما نحن فيه على فرض تسليم الاتّفاق حيث أنّ بعضهم تمسّكوا بقاعدة الإقدام ، وبعض آخر بقاعدة الاحترام ، وجمع آخر بحديث على اليد فيسقط اتفاقهم عن الاعتبار ولا بدّ من المراجعة إلى نفس المدارك.

وقد حكى الشيخ الأعظم عن شيخ الطائفة وفقيه عصره في شرح القواعد وابن إدريس في السرائر ـ قدس أسرارهم ـ الإجماع على هذا الحكم (5).  

ولكن عرفت ما في التمسّك بالإجماع في هذا المقام.

 

                                           الجهة الثانية

في مفاد هذه القاعدة ومعناها‌ :

فنقول : تارة يعبّر عن هذه القاعدة بما جعلناه عنوان هذه الكلية في أوّل هذه المسألة ، وهو « كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » وأخرى يعبّر عنها بـ « كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ». ولا شكّ في أنّ الأوّل أشمل من الثاني لشموله الإيقاعات أيضا ، بخلاف الثاني فإنّه مخصوص بالعقود ، وذلك من جهة ظهور لفظة « ما » الموصولة في الأعمّ من العقد والإيقاع ، بخلاف لفظ « العقد » المذكور في الجملة الأخيرة فإنّه لا يمكن أن يكون أعمّ من نفسه ومن غيره.

فبناء على كون القاعدة الكليّة هو الأوّل فيشمل الجعالة والخلع أيضا ، وبناء على الثاني تكون مختصّة بالعقود ، أعمّ من أن يكون لازما أو جائزا.

وأمّا الضمان فقد ذكرنا أنّ المتفاهم العرفي منه أنّ الشي‌ء بماليّته يكون على العهدة ، وبيّنّا معنى كون الشي‌ء في العهدة وأنّه بوجوده الاعتباري هناك لا بوجوده الخارجي فإنّه غير معقول ، وهذا المعنى هو الجامع بين ضمان المسمّى والضمان الواقعي ، غاية الأمر في ضمان المسمّى يعيّنون ماليّة ذلك في مقدار معيّن من النقود أو في عين من الأعيان المتمولة وأمّا مع عدم تعيين ماليّة الشي‌ء في نقد أو جنس من الطرفين ـ أي الضامن والمضمون ـ فقهرا يكون الضمان عبارة عن اشتغال ذمّته بذلك الشي‌ء بواقع ماليّته ، على الترتيب الذي تقدّم من الجهات الثلاث. فليس الضمان في الضمان الواقعي مغايرا بحسب المفهوم والمعنى مع ضمان المسمّى ، بل كلاهما بمعنى واحد ، غاية الأمر في الضمان المسمّى برضائه الطرفين بل بالتزامهما تعيّن في شي‌ء ، فمع إمضاء العقلاء والشارع يجب عليهما العمل بما التزما.

فظهر ممّا ذكرنا أنّه بناء على تماميّة هذه القاعدة واعتبارها فالضمان في الصحيح‌ والفاسد بمعنى واحد ، غاية الأمر في الصحيح حيث أنّ المتعاملين عيّنا ضمان كلّ واحد من العوضين في الآخر والتزما بذلك ، وأمضى الشارع هذه المعاوضة والالتزام من الطرفين فيجب على كلّ واحد منهما الوفاء بالتزامه.

وأمّا في الفاسد حيث أنّ الشارع لم يمض تلك المبادلة وذلك الالتزام الذي التزم به الطرفان فلا يجب الوفاء ، فلا يبقى محلّ ومجال لضمان المسمّى. فإن دلّت هذه القاعدة ـ كما هو مفادها ـ أنّ في الفاسد أيضا ضمان فلا بدّ وأن يكون هو الضمان الواقعي أي المثل أو القيمة بعد تعذّر المثل أو تعسّره ، فالضمان في الفاسد على تقدير ثبوته بعد تلف المقبوض بالعقد الفاسد بالمثل أو القيمة يكون على طبق القاعدة.

وخلاصة الكلام أنّ مفاد هذه القاعدة هو أنّ المقبوض بالعقد الفاسد أو بالإيقاع الفاسد بناء على التعميم لا يذهب هدرا ، بل مضمون على القابض بمعنى أنّ نفس المقبوض والمأخوذ بوجوده الاعتباري في عهدة القابض وفي ذمّته ولا يفرغ إلاّ بأدائه إلى صاحبه ، وأداؤه ما دام كان المال المأخوذ موجودا يكون بأداء نفس العين المأخوذة ، ومع تلفه فبالمثل إن كان مثليّا وبالقيمة إن كان قيميّا.

فما ذكره ابن إدريس من أنّ المقبوض بالعقد الفاسد يجري مجرى الغصب عند المحصّلين إلاّ في الإثم (6) لا يخلوا من وجه.

ومدرك هذا الحكم الكلّي هي قاعدة على اليد ، أي قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » وفي بعض النسخ « حتى تؤدّيه » وقد تقدّم في الجهة الأولى كيفيّة دلالة الحديث الشريف على الضمان ، نعم فيما إذا كان صاحب المال المقبوض أعطاه مجّانا بحيث لو كان هذا العقد الفاسد فعلا صحيحا لما كان على القابض شي‌ء ولم يكن ضامنا لا بالمسمّى ، لأنّه ليس مسمّى في البين على الفرض ، ولا بالضمان الواقعي ، لأنّه لا سبب للضمان إلاّ ما ربما يتخيّل من كونه هي اليد التي جعلها صلى الله عليه واله في الحديث سببا‌ للضمان ، ولكن المورد ـ أي فيما إذا لم يكن الإعطاء بعنوان العوض والمبادلة ، بل كان تمليكا أو إباحة بلا عوض ـ خارج عن موضوع الحديث ، أي عن تحت قاعدة « وعلى اليد » تخصيصا أو تخصّصا ، بمعنى أنّه لو أخذنا بظاهر عموم على اليد ، وقلنا بأنّ لهذه الجملة إطلاق شمولي يشمل كلّ يد ، سواء كانت مأذونة من قبل المالك أو من قبل الله أو كانت غير مأذونة فالمورد خارج تخصيصا ، لأنّه لا شكّ في خروج اليد المأذونة عن هذا العموم ، وعدم شمول هذا الحكم أي الضمان لها.

وأمّا لو قلنا بأنّ المراد من « اليد » التي جعلت في الحديث الشريف موضوعا للضمان خصوص اليد العادية أو غير المأذونة فخارج بالتخصّص وهو واضح.

ومن هنا يستخرج كليّة أخرى عكس الكلّية الأولى ، وهي « كلّ ما لا يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده » ، وذلك من جهة أنّ العقد الذي لا يضمن بصحيحه ـ كالهبة غير المعوّضة ، والعارية غير المضمونة في غير الدرهم والدينار وأمثال المذكورات ممّا لا ضمان في صحيحها ـ لا بدّ وأن يكون بناء المتعاقدين على الأخذ والإعطاء مجّانا وبلا عوض ، فأمّا قاعدة على اليد فلا تشملها ، لما ذكرنا من خروج المذكورات عن عمومها تخصيصا أو تخصّصا.  

ولا إتلاف في البين ، لأنّ المفروض هو تلف المقبوض لا إتلافه ، فليس موجب ضمان في البين ، أمّا الضمان الواقعي فقد عرفت أنّه لا إتلاف على الفرض ولا تشمله عموم على اليد ، وأمّا ضمان المسمّى فعدمه من جهة عدم المسمّى إذ المفروض أنّه لو كان صحيحا فلا ضمان فكيف يعقل أن يكون في فاسده ضمان المسمّى ، مع أنّه بلا مسمّى.

فتلخّص أنّ مدرك الضمان هي قاعدة على اليد وهي جارية في الكلّية الأولى ، أي ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، لذلك نقول بالضمان. وأمّا في الكلّية الثانية فلا تجري ، ولذلك نقول بعدم الضمان فيما لا يضمن بصحيحه ، فظهر صحّة كلتا الكلّيتين أصلا وعكسا.

وأمّا البحث في أنّ الباء في هذه الكلّية هل للسببيّة أو الظرفيّة لا أثر له بعد وضوح المراد ، وقد بيّنّا المراد ومفاد الكلّيتين. ولا شكّ في استعمال الباء في كلا المعنيين في الكتاب العزيز وفي كلام العرب الذين يستشهد بكلامهم على صحّة الاستعمال ، ولا ظهور في خصوص أحد المعنيين إلاّ بالقرينة ، وفي المقام يصحّ بكلا المعنيين.

أمّا الظرفية فواضح ، لأنّه بناء عليها يكون المعنى كلّ عقد أو إيقاع يكون في صحيحه ضمان ففي فاسده أيضا كذلك. وفي الكلّية السلبيّة أيضا كذلك ، أي يكون مفادها : كلّ ما ليس في صحيحة ضمان ففي فاسده أيضا ليس ضمان.

وأمّا السببيّة فليس المراد السبب التامّ ، أي العلّة التامّة بحيث يكون المؤثّر في الضمان هو العقد فقط ، ولا يكون لشي‌ء آخر دخل فيه أصلا ، لأنّ مثل هذا المعنى لا يمكن الالتزام به حتّى في الصحيح فضلا عن الفاسد ، إذ لا شكّ في مدخليّة القبض فيه أيضا في الضمان لما تقرّر في محلّه من أنّ تلف المبيع بل الثمن أيضا قبل القبض من مال صاحبه الذي كان له قبل وقوع المعاملة ، فالعقد في الصحيح أيضا ليس تمام الموضوع لضمان كلّ واحد من المتعاملين لمال صاحبه ، بل الموضوع هو العقد مع القبض ، وفي الفاسد أيضا العقد باعتبار كونه مصداقا للإقدام مع القبض باعتبار كونه مصداقا لليد.

وأمّا ما ذكره شيخنا الأستاذ قدس سرّه في هذا المقام من أنّ شرطيّة القبض لكون العقد سببا للضمان (7) لا ينافي استناد الضمان إلى العقد ، إن كان مراده أنّ شرطيّة القبض لا ينافي كون العقد تمام الموضوع وسببا تامّا للضمان فلا يخلو من غرابة. وإن كان مراده أنّها لا ينافي اقتضاء العقد للضمان ومدخليّته فيه فهذا شي‌ء واضح ، ليس قابلا للإنكار.

ولكن الطرف يدّعى أنّ العقد الفاسد أيضا له تأثير ومدخلية في الضمان باعتبار كونه مصداقا للإقدام كما بيّنّا وتقدّم.

ثمَّ إنّ العموم في هذه الكليّة أصلا وعكسا ـ سواء كان الأصل كلّ عقد يضمن أو‌ كلّ ما يضمن ـ هل هو باعتبار الأنواع ، أو الأصناف ، أو الأشخاص؟

الظاهر هو الأخير.

والإشكال عليه ـ بأنّ الشخص لا يمكن أن يكون مقسما للصحيح والفاسد ، بل إذا كان صحيحا فهو صحيح دائما وإلى الأبد ، ولا يتغيّر عمّا هو عليه وإلاّ يصير شخصا آخر ، وكذلك في العكس أي إذا كان فاسد فهو لا يتغيّر عمّا هو عليه ـ لا يرد ، لأنّه ليس المراد أنّ هذا الشخص الخارجي الذي صحيح وفاسد ، صحيحه كذا وفاسده كذا ، بل المراد أنّ كلّ عقد أو إيقاع كان بحيث أنّه على تقدير أن يكون صحيحا فيكون فيه الضمان فهو على تقدير فساده أيضا يكون فيه الضمان أي بعد القبض ، وكلّ عقد أو إيقاع على تقدير صحّته لا يوجب الضمان لأنّه أقدم على أن يكون مجّانا وبلا عوض فهو على تقدير فساده أيضا لا يوجب الضمان لأنّه أقدم على أن يكون بلا عوض ومجّانا فيكون بواسطة هذا الإقدام خارجا عن تحت عموم على اليد تخصيصا أو تخصصا. وهذا الحكم عامّ يشمل جميع أشخاص طبيعة العقد أو الإيقاع.

إن قلت : إنّ ظاهر الكلّيّة هو أنّ كلّ شخص من أشخاص العقد بناء على أن يكون العموم بلحاظ الأشخاص والأفراد لا الأنواع والأصناف فعلا يكون مقسما للقسمين ، أي كلّ واحد منهما فعلا واجد للصحّة والفساد. وهذا محال لاجتماع الضدّين أو النقيضين ، وكيف يكون عقد شخصي واحد متّصفا بالصحّة والفساد معا.

قلنا : ليست هذه الجملة بهذه الصورة وهذه الألفاظ واردة في آية أو رواية معتبرة حتّى تقول يجب الأخذ بظاهرها وظاهرها كذا وكذا بل لا بدّ من الأخذ بها بمقدار ما يدلّ عليه مدركها. ولا شكّ في أنّ مدركها بناء على ما تقدّم أنّه قاعدة على اليد بضميمة عدم الإقدام مجّانا كي يكون من باب تخصيص القاعدة أو تخصصها به ، بل دخل في المعاملة وأقدم على الإعطاء بعنوان المبادلة والمعاوضة لا مجّانا ، فكلّ مورد انطبق عليه أحد هذين الضابطين يحكم بحكمه ، بمعنى أنّ كل عقد لا يكون بعنوان‌ المبادلة والمعاوضة بحيث لو كان صحيحا واجدا لجميع الأجزاء والشرائط المعتبرة فيه شرعا وعرفا ولا يكون فيه مانع من الموانع ، فمع ذلك لا يوجب الضمان لأنّه أقدم على إعطاء ماله مجّانا وبلا عوض فلا تؤثّر اليد في الضمان ، فيكون فاسده أيضا كذلك. وكلّ مورد يكون صحيحه موجبا للضمان لعدم إقدامه مجانا ففاسده أيضا كذلك.

وذلك من جهة أنّ الصحّة والفساد لا دخل لها في الضمان وعدمه ، بل المناط كلّ المناط هو وقوع اليد على مال الغير مع إقدام ذلك الغير على الإعطاء بعنوان المعاوضة والمبادلة فيكون فيه الضمان ، أو بلا تعويض فليس فيه ضمان.

وأنت خبير بأنّ هذا حكم تقديري يشمل جميع أشخاص العقود ، كسائر القضايا الحقيقيّة المقدّرة الوجود. ولا خصوصية لهذه القضية من بين سائر القضايا الحقيقيّة حتّى يقع مورد البحث والاحتمالات والنقض والإبرام.

الجهة الثالثة

في موارد تطبيق هذه القاعدة‌ :

وقد عرفت جريانها في جميع العقود المعاوضيّة.

فمنها : البيع‌ ففي صحيحة ضمان ، لأنّه عبارة عن تمليك عين متمول بعوض مالي. وكذلك في فاسده لما ذكرنا مفصلا فلا نعيد.

نعم لو قال : بعتك بلا ثمن ، وقبض الطرف فهذه القاعدة تقتضي عدم الضمان ، لأنّ مثل هذا البيع على تقدير صحّته لا ضمان فيه لأنّه أقدم مجّانا وبلا عوض.

ومنها : الإجارة ، ومعلوم أنّ صحيح الإجارة موجب للضمان بالنسبة إلى منافع العين المستأجرة ، سواء استوفى المنافع أو لم يستوفها ولكن بعد قبض العين المستأجرة ، فكذلك في فاسدها يكون ضامنا للمنافع بعد قبض العين التي استأجرها ، سواء‌

 

استوفى تلك المنافع أم لم يستوفها.

لا يقال : تلك المنافع غير المستوفاة لم تقع تحت اليد كي يكون ضامنها ضمان اليد ، ولا استوفاها كي يكون ضمان الاستيفاء لقاعدة احترام مال المؤمن ، ولا العقد صحيح كي يكون ضمان المسمّى بواسطة لزوم الوفاء بالعقد ، فبأي وجه يكون ضامنا للمنافع غير المستوفاة.

لأنّا نقول : الضمان ضمان اليد ، لأنّ اليد على العين يد على المنافع لأنه لا شكّ في أنّ المراد من اليد ليس هي الجارحة المخصوصة حتّى يقال إنّ المنافع غير المستوفاة معدومة فكيف تقع تلك الأشياء المعدومة تحت الجارحة المخصوصة ، بل المراد من اليد هو الاستيلاء ، ولا شكّ في أنّ المستولي على العين المستأجرة مستول على منافعه الموجودة وغير الموجودة التي يمكن استيفاؤها.

هذا كلّه بالنسبة إلى المنافع ، وأمّا بالنسبة إلى نفس العين فالأقوال فيها مختلفة ، وبعضهم قالوا بالضمان مع عدم الضمان في الصحيح منها لو تلفت العين المستأجرة بدون تعدّ وتفريط ، لأنّها أمانة مالكيّة سلّمها إلى المستأجر لاستيفاء حقّه من تلك العين ، ويجب على الموجر التسليم للزوم الوفاء بالعقد ، فيد المستأجر في الإجارة الصحيحة يد مأذونة من قبل المالك ، ويد استحقاق لا يوجب الضمان.

وأمّا في الفاسدة فليست يد مأذونة واستحقاق ، بل تسليمها إلى المستأجر ليس إلاّ من جهة تخيّل الموجر استحقاقه وهو في الواقع ليس بمستحق ، فتكون يده يد غصب وعدوان فيضمن المقبوض.

ونسب هذا القول في الرياض إلى جمع الفائدة للأردبيلي مدّعيا أنّه المفهوم من كلمات الأصحاب (8) ، فبناء على هذا يكون هذا نقضا على الكليّة السلبية ، أي جملة « ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده » لأنّ الإجارة الصحيحة لا يضمن فيها العين‌ بالتلف السماوي بدون تعدّ وتفريط مع أنّه في فاسدها ضمان بناء على هذا القول.

وبعض آخر قالوا بعدم الضمان. وبه صرّح العلاّمة قدس سرّه في التذكرة (9) ، وأيضا في جامع المقاصد استظهر القول بعدم الضمان من كلمات الأصحاب حيث قال في باب الغصب : إنّ الذي يلوح من كلامهم هو عدم ضمان العين المستأجرة فاسدة. لكنّه هو نفسه قال : والذي ينساق إليه النظر هو الضمان ، لأنّ التصرّف فيه حرام لأنّه غصب فيضمنه (10).

والتحقيق في هذا المقام هو أن يقال : إن كانت العين داخلة في مصبّ الإجارة فلا ضمان ، لا في صحيحها ولا في فاسدها ، وذلك أمّا في صحيحها فمن جهة أنّ مالك العين المستأجرة يلزم عليه تسليم العين المستأجرة إلى المستأجر ، فتكون يد المستأجر يد مأذونة من قبل المالك ويد استحقاق ، فلا موجب للضمان وهو واضح.  

وأمّا في فاسدها فمن جهة أنّ العين حيث أنّها مصبّ الإجارة فدخل المالك على عدم الضمان بهذا الاستيلاء.

وقد عرفت أنّ إقدام المالك على تسليم ماله إلى الطرف بعنوان عدم الضمان يوجب عدم تأثير اليد في الضمان ، بل يوجب تخصيصه أو تخصّصه.

وأمّا إن لم تكن داخلة في مصبّ الإجارة بمعنى أنّ الإجارة تتعلّق بالمنفعة لا بالعين ، ففي الصحيح منها وإن كان أيضا لا ضمان بالنسبة إلى العين من جهة أنّ استيفاء المنفعة حيث أنّه متوقّف على تسليم العين في مثل إجارة الدار للسكنى والدكان للاشتغال فيه ، فيجب على المؤجر إعطائها وتسليمها إلى المستأجر من باب كونه مقدّمة لتسليم المنفعة إليه ، حيث أنّه بدونه لا يمكن ، فليس يد المستأجر القابض يد ضامن.

ولكن عدم الضمان ليس من جهة أنّ هذا العقد ليس فيه ضمان حتّى يقال في فاسده أيضا لا ضمان بحكم الكليّة الثانية ، أي الكلية السلبية ، لأنّه أمر خارج عن‌ مصبّ العقد.

وأمّا في الفاسدة فالضمان فيها بناء على هذا ـ أي بناء على عدم دخول العين في مصبّ الإجارة ـ يكون على طبق القواعد الأولية ، لأنّ يده وقعت على مال الغير من دون كونه مقدّما على إعطاء ماله لاستحقاق الطرف ، لأنّ المفروض أنّ الإجارة باطلة ولا استحقاق للطرف أصلا. هذا على حسب كلّ واحد من الاحتمالين. ولكن الظاهر في إجارة الأعيان أنّ العين داخلة في مصبّ الإجارة ، وحقيقة الإجارة في إجارة الأعيان وإن كان عبارة عن تمليك منفعة العين بعوض مالي معلوم ، ولكن تمليك المنفعة ليس بعنوانها مستقلّة بل بعنوان أنّها من صفات العين وعوارضها ، فالإجارة متعلّقة بالعين ومعنى إجارة العين تمليك منفعتها المعلومة بعوض معلوم ، ولذلك يقول المؤجر في مقام إنشاء الإجارة « آجرت هذه الدار أو هذا الدكان مثلا بكذا » ويفهم العرف من هذه العبارة أنّه ملك منفعة الدار ، أو الدكان ، أو الانتفاع بهما للمستأجر ، فالإجارة المتعلّقة بالعين تفيد هذا المعنى حتّى فيما تكون المنفعة من الأعيان ، كالثمرة التي على الشجرة ، وكالحليب في الشاة المنحة تلاحظ في إجارة الشجرة والشاة المنحة بوجودها التبعي أي الوصفي العرضي ، وإلاّ يكون بيعا للثمرة والحليب لا إجارة.

وحاصل الكلام أنّ الإجارة تتعلّق أوّلا وبالذات بالعين ، غاية الأمر باعتبار وصفها وعرضها الكذائي.

ويمكن أن يقال في باب الأجير أيضا يكون الأمر كذلك وإن كان الأجير حرا ، أي تعلّق الإجارة بنفس الحرّ باعتبار الانتفاع بعمله الكذائي. والشاهد على ذلك أنّ في عقد الإجارة ، الأجير يقول « آجرتك نفسي لعمل كذا » فتكون العين دائما في جميع أقسام الإجارات داخلة في مصبّ الإجارة ومتعلّقة لها ففي جميع أقسام الإجارات الفاسدة يكون الضمان بالنسبة إلى العين تابعا للضمان في الصحيحة ، وحيث لا ضمان في‌ الصحيحة منها لما ذكرنا من أنّ يد المستأجر يد مأذونة ويد استحقاق فتكون يده عليها بتسليم المالك لها إليه بواسطة لزوم الوفاء بالعقد فلا موجب للضمان ، وهذا الحكم جار حتّى في الأجير إذا كان عبدا أو أمة ، ففي جميعها تكون اليد يد أمانة مالكيّة ، ولا ضمان للعين لو لم يكن تعدّ ولا تفريط في البين ، فالكلّيتان إيجابا وسلبا ، أي قولهم « كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » لا انتقاض فيهما.

وأمّا الأجير إذا كان حرّا فلا معنى للضمان ، لا في الصحيح ولا في الفاسد.

ومنها : العارية ، فإنّ في صحيحها في غير المضمونة وفي غير الذهب والفضة لا ضمان ، وكذلك في فاسدها في غير ذينك الموردين ، لعين ما ذكرنا في الإجارة من أنّ اليد والاستيلاء وقعت بإذن المالك مجّانا وبلا تعويض ، فلا تكون اليد يد ضمان لإقدام المالك على المجّانية وعدم التعويض بخلاف العقود المعاوضيّة فإنّ تسليم المالك ماله إلى الطرف هناك بعنوان التعويض وأخذ البدل.

وأمّا في فاسدها فيما إذا كانت مضمونة ، كما إذا شرط المعير ضامنها أو كانت عارية الذهب والفضة ، فمقتضى الكليّة الإيجابية أي « كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » هو الضمان في المذكورات ، ولكن بناء على ما ذكرنا في وجه الضمان من وقوع اليد على مال الغير وعدم إقدامه على المجّانية وعدم التعويض ففي القسم الأوّل من المذكورات ـ أي فيما إذا اشترط الضمان ـ لا بدّ وأن نقول بالضمان لو تلف بعد قبض المستعير كما هو المفروض ، لأنّ المالك لم يقدم على المجّانية وعدم التعويض بل اشترط العوض.

وأمّا في الثاني ـ أي فيما إذا كانت عارية الذهب والفضّة ـ فإنّ قلنا بأنّ الضمان حكم تعبّدي من قبل الشارع وإلاّ فالمالك لم يقصد التعويض بل قصد إعطاء ماله للمستعير مجّانا وبلا عوض ، فتكون يد المتعير يد أمانة ولا ضمان. وهذا هو الصحيح كما هو واضح.

ومنها : الهبة ، وهي على قسمين : معوضة ، وغير معوّضة.

أمّا الثاني ـ أي غير المعوضة ـ فمن أوضح وأجلى مصاديق الكليّة السلبية أي « ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده » لإقدام المالك على المجّانية ، وكون الإعطاء بلا قصد تعويض ، فيد القابض يد مأذونة فلا ضمان.

وأمّا الأوّل ـ أي المعوّضة ـ فإن كان العوض بإزاء الموهوب ففي الصحيح والفاسد في كليهما الضمان ، لأنّ المالك لم يقدم على الإعطاء مجّانا ، فلا مخصّص لعموم « على اليد ».

وإن كان العوض بإزاء هبة الآخر الشي‌ء الفلاني ، بمعنى أنّه هبة بإزاء هبة ، لا الموهوب بإزاء الموهوب فلا ضمان لا في الصحيح ولا في الفاسد ، لأنّه لم يقصد بإعطائه المال الموهوب المبادلة والتعويض ، فهو في الحقيقة يرجع إلى أنّه أعطاه مجّانا وبلا عوض ، غاية الأمر اشترط عليه أن يهبه الشي‌ء الفلاني ، فإن لم يفعل يكون للواهب خيار تخلّف الشرط.

ومنها : الصلح ، وهو أيضا على قسمين : بلا عوض ، ومع العوض.

فالأوّل حاله حال الهبة غير المعوّضة ، أي لا ضمان فيه لا في الصحيح منه ولا في الفاسد.

وأمّا الثاني ـ أي الصلح مع العوض ـ فحكمه حكم البيع فيكون مشمولا لكلتا القاعدتين ، أي الأصل والعكس.

أمّا الأصل : فلأنّ المفروض أنّ صلح المال الفلاني بعوض مسمّى معناه تضمينه بذلك المسمّى وتبديله به ، ولذلك ربما يقال إنّ الصلح الواقع على الأعيان المتموّلة بعوض مالي هو عين البيع وإن كان هذا غير صحيح ، لأنّ المنشأ بعقد الصلح هو عنوان التسالم ابتداء ، غاية الأمر التسالم على مثل هذه المبادلة ، وأمّا المنشأ بعقد البيع ابتداء هو نفس المبادلة ، فالنتيجة أنّ إقدام المالك في مثل هذا الصلح ليس مجانا وبلا عوض ، ففي صحيحة وفاسده الضمان.

ومنها : الرهن ، فإنّ صحيحه لا يوجب الضمان ، لأنّ الراهن يسلم المال المرهون إلى المرتهن ليكون وثيقة لدينه ، ولا يقصد بذلك الإعطاء والتسليم المعاوضة والمبادلة فتكون أمانة مالكية عند المرتهن ، فيد المرتهن على ذلك المال يد مأذونة ولا يوجب الضمان ، وتكون خارجة عن مفاد « على اليد » تخصّصا أو تخصيصا.

فكذلك فاسده أيضا لا يوجب الضمان ، وذلك لوحدة السبب فيهما ، وهي إقدامه في إعطائه وتسليمه إلى المرتهن على عدم الضمان في كلتا الصورتين.

ومنها : عقد السبق‌ ففي الصحيح منه يستحقّ السابق السبق ، فالعمل الذي يصدر من السابق فيه ضمان المسمّى أي السبق المعيّن. وهذا ممّا لا شكّ فيه إذ ليس المراد من الصحّة إلاّ هذا المعنى ، فمقتضى هذه القاعدة أي قاعدة كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده أن يكون في فاسده أيضا ضمان ، غاية الأمر ليس الضمان ضمان المسمّى لأنّه منوط بالصحّة ، فلا بدّ وأن يكون أجرة مثل عمله ، لأنّ عمله محترم ولم يقدم على إيجاده بدون عوض ، بل كان إقدامه على هذا العمل بعنوان أخذ السبق.

إن قلت : في هذا المورد ليست يد في البين كي تكون سببا للضمان.

قلنا : إنّ سبب الضمان هنا قاعدة احترام عمل المسلم ، حيث أنّ هذا العمل صدر منه بسبب التزام الطرف بإعطاء السبق له لو كان سابقا ، فعمله محترم وإن كان من جهة فساد هذا العقد لا يستحقّ مال الذي عيّن للسابق أي المسمّى ، ولكن عمله لا يكون هدرا ولغوا ، إلاّ أن يكون من الأعمال المحرّمة التي ألغى الشارع ماليّتها ، أو من أعمال السفهاء الذي لا اعتبار لها عند العقلاء كبعض ألاعيب السفهاء والصبيان.

وخلاصة الكلام هو أنّه في كلّ عقد أو إيقاع كان في صحيحه الضمان ـ سواء كان ضمان المسمّى بدل المال الذي يسلمه إليه الطرف ، أو العمل الذي يعمله كعمل الأجير في عقد الإجارة ، أو عمل العامل في الجعالة ، أو عمله في عقد السبق والرماية ـ ففي فاسده الضمان أيضا ، إمّا من جهة اليد على مال الغير مع عدم الإقدام على المجّانية من‌ قبل صاحب المال ، حتّى تكون يده يد مأذونة ولا تكون سببا للضمان بل تكون خارجة عن عموم على اليد تخصيصا أو تخصّصا كما تقدّم ، وإمّا من جهة احترام عمل المؤمن مع عدم إقدام العامل مجّانا.

وأمّا لو لم يكن في صحيحه الضمان من جهة عدم قصد المبادلة والمعاوضة في إعطاء ماله ، أو عدم قصد التعويض في عمله ففي فاسده لا ضمان أيضا ، لعدم تحقّق سبب الضمان لا قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّه » ولا قاعدة « الاحترام ». وقد تقدّم شرحهما مفصّلا.

ثمَّ إنّ هاهنا نقوض أوردوها على الكلّية السلبيّة والإيجابية ، ولذلك قالوا بعدم اطّراد هاتين الكلّيتين في موارد :

منها : فيما إذا استعار المحرم صيدا من المحلّ ، فقالوا : إنّه يجب على المحرم المستعير إرساله فورا ويكون ضامنا لصاحب الصيد بالقيمة.

وهذا النقض مبني على فساد هذه العارية ووجوب إرساله ، لا وجوب ردّه إليه ، فحينئذ يقال إنّ العارية لا يضمن بصحيحها في غير المضمونة وغير الذهب والفضة ، ومع ذلك حكموا هاهنا في فاسدها بالضمان.

وأجيب عن هذا النقض بأنّ الضمان ليس هاهنا مستندا إلى العقد ، بل من جهة الإتلاف ، والإتلاف في العارية الصحيحة أيضا موجب للضمان. وأمّا كون الضمان من جهة الإتلاف لا التلف السماوي فلما قالوا بخروج الصيد عن ملك مالكه بمحض قبض المحرم وأخذه إيّاه من يد المالك ، فيكون بناء على هذا نفس الأخذ والقبض إتلافا ، ويكون خارجا عن مورد القاعدة.

وفي هذه المسألة وجوه واحتمالات أخر ليس هاهنا محلّ ذكرها والنقض والإبرام فيها.

ومنها : النقض على الكليّة الإيجابيّة ـ أي الأصل لا العكس ـ وهي « كلّ ما يضمن‌ بصحيحه يضمن بفاسده » بالنسبة إلى المنافع غير المستوفاة ، فإنّها غير مضمونة في البيع الصحيح ومضمونة في الفاسد.

وفيه : أنّ الضمان في الصحيح عبارة عن المسمّى ، والمسمّى في الصحيح موجود بدل العين ، فبعوض ملكيّة العين يشتغل ذمّته بالمسمّى ، والمنافع مطلقا سواء كانت مستوفاة أو غير مستوفاة من توابع العين ، فإذا كانت العين مضمونة فالمنافع أيضا مضمونة ، كما هو الظاهر من قوله صلى الله عليه واله : « الخراج بالضمان » (11) أي المنافع التي للعين تكون لمن انتقل إليه العين بواسطة ضمان المسمى ، فكان المسمّى في البيع الصحيح عوض العين ومنافعه ، فلا نقض.

ومنها : تلف الأوصاف ، فليس في العقد الصحيح لها ضمان ، لأنه الضمان فيه بإزاء العين ، ولم يجعل شي‌ء من الثمن المسمّى مقابل الأوصاف. وأمّا في الفاسد لو تلف جميعها أو بعضها يكون القابض ضامنا لقاعدة « على اليد » بضميمة عدم كونه مأذونا فتكون اليد يد ضمان.

ويمكن أن يقال هاهنا أيضا مثل ما قلنا في المنافع غير المستوفاة من أنّها تابعة للعين ، فكان ضمان العين ضمانها أيضا ، فهكذا صفات العين في الضمان تابعة للعين ، ولو أنّه ليس لها ضمان مستقلّ مقابل ضمان العين لكن ضمان العين ضمانها أيضا. فبناء على هذا في الصحيح أيضا لها ضمان ، فلا ينخرم القاعدة.

ومنها : فيما إذا كان المبيع حاملا فتلف الحمل في يد المشتري ففي الصحيح لا ضمان ، لأنّ ضمان المسمّى وقع مقابل نفس المبيع ، والحمل مملوك بالتبع بناء على كونه مملوكا للمشتري ، وإلاّ فبناء على بقائه على ملك البائع كما هو المشهور إلاّ مع شرط الدخول فهو خارج عن محلّ كلامنا. وأمّا في الفاسد فللحمل ضمان غير ضمان نفس الحاصل.

وفيه : أنّه إن قلنا بأنّ الحمل ليس داخلا في المبيع وباق على ملك البائع فهو‌ خارج عن مصبّ العقد وأجنبي عن المعاملة ، ولا ضمان له في الصحيح ولا في الفاسد.

أمّا في الصحيح لأنه كما قلنا أجنبي عن المعاملة ، فلا ربط له بالعقد حتّى يشمله ضمان المسمّى. وأمّا في الفاسد فلا ضمان له ، لأنّه أمانة مالكيّة عنده لا يضمنه إلاّ بالتعدّي والتفريط.

وهذا كما لو اشترى البستان مع أشجاره المثمرة التي ثمرتها موجودة عليها ، فلو قلنا بأنّ الثمرة الموجودة ليست داخلة في المبيع وخارجة عنه انصرافا أو بواسطة تقييد البائع ففي الصحيح والفاسد من هذه المعاملة لا ضمان للثمرة الموجودة على الشجرة ، أمّا الصحيح لأنّها خارجة عن المعاملة ومصبّ العقد فلا يكون شي‌ء من المسمّى بإزائها ، وأمّا الفاسد لأنّها أمانة مالكيّة وقد تلفت بدون تعدّ وتفريط على الفرض.

وأمّا إن قلنا بأنّ الحمل وكذلك الثمرة الموجودة على الشجرة داخل في المبيع ففي الصحيح والفاسد كلاهما ضمان ، أمّا في الصحيح فلأنّ المسمّى وقع بإزاء المجموع من الحامل وحمله ، وأيضا في المثال الثاني بإزاء مجموع الشجرة وثمرتها. وأمّا في الفاسد فلوقوع اليد على كليهما أي الحامل والحمل وكذلك على الشجرة والثمرة ، والمفروض أنّ اليد ليست مأذونة ويد ضمان ، لأنّ الكلام بعد الفراغ عن ضمان أصل الحامل ، فكذلك الشجرة في المقبوض بالعقد الفاسد ، فلا نقض على اطّراد القاعدتين أي الكلّية الإيجابيّة والسلبيّة.

وهذا الحكم الذي ذكرنا إشكالا وجوابا جار في مطلق توابع المبيع كالحليب وغيره ، فإن قلنا بدخولها في المبيع فحالها حال نفس المبيع بالنسبة إلى الضمان في الصحيح والفاسد ، وإن قلنا بخروجها فلا ضمان لا في الصحيح ولا في الفاسد إلاّ بسبب آخر. وأمّا تحقيق أنّ أيّا منها داخل في المبيع وأنّ أيّا منها خارج فله محلّ آخر ، وهو كتاب البيع في فصل ما يدخل في المبيع وما لا يدخل.

ثمَّ إنّ شيخنا الأعظم قدس سرّه ذكر في هذا المقام أنه يمكن النقض أيضا بالشركة (12). والظاهر أنّ مراده شركة الأموال بعقد الشركة ، فيكون النقض عبارة عن أنّ أحد الشريكين مثلا في الشركة الصحيحة لو تصرّف في المشترك وصار تحت يده ـ كما هو المتعارف عند الشركاء ـ فتلف ذلك المال من دون تعدّ وتفريط لا يكون ذلك الشريك ضامنا لحصّة شريكه الآخر ، وهذا مقتضى صحّة عقد الشركة. وأمّا لو لم يكن العقد صحيحا وكانت الشركة فاسدة فيكون ذلك الشريك ضامنا ، لقاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » ولا بدّ من فرض التلف في صورة عدم إذن ذلك الشريك الآخر في التصرّف ، فلا إذن من طرف المالك ، ولا أنّ جواز التصرّف مقتضى عقد الشركة ، فلا يكون المال لا أمانة مالكيّة ولا أمانة شرعيّة ، فتكون اليد يد ضمان.

وهذا بخلاف الصحيح فإنّه وإن لم يكن إذن من طرف الشريك حتّى يكون المال عنده أمانة مالكيّة ولكن الإذن من طرف الشارع بمقتضى صحّة عقد الشركة ، فيكون من قبيل الأمانة الشرعيّة ، فلا ضمان ، فلا تكون القاعدة مطّردة.

وفيه : أنّ هذا مبني على جواز التصرّف بصرف حصول الشركة الصحيحة وإن كان بدون إذن الشريك الآخر ، وهو لا يخلو من إشكال.

وممّا يمكن أن يكون نقضا على الكلّية الإيجابيّة التي نسمّيها بالأصل مقابل الكلّية السلبيّة التي نسميها بالعكس هو النكاح الدائم أو المتعة الفاسدين إذا كان الزوج جاهلا بالفساد من جهة الموضوع وكانت المرأة عالمة به ، فقالوا إنّ الزوج في مثل المفروض لا يضمن المهر ، مع أنّه لو كان العقد صحيحا كان يضمن قطعا.

وقد يجاب أوّلا : عن هذا النقض بأنّ هذا المفروض خارج عن محلّ البحث ومورد القاعدة ، لأنّ موردها العقود المعاوضيّة التي يقع العوض فيها تحت اليد ، وما نحن فيه من مورد النقض ليس كذلك وليس من العقود المعاوضيّة أوّلا ، وعلى‌ الفرض لا تقع المرأة تحت اليد ثانيا.

وفيه : أنّ ظاهر هذه القاعدة عامّ يشمل كلّ عقد سواء كان ممّا ذكر أو لم يكن.

وثانيا : بأنّ عدم الضمان لدليل خارجي ولكونها بغيا لا ينافي اقتضاء العقد للضمان في حدّ ذاته ونفسه ، ولذلك لو كانت المرأة أيضا جاهلة بالفساد فلها حق على الزوج.

وفيه : أنّ ظاهر الكلّية أنّ كلّ عقد صحيح يكون فيه الضمان ففي فاسده بالفعل ضمان ، لا أنّ في فاسده اقتضاء الضمان إلاّ أن يمنع مانع عنه ، أو يأتي دليل على عدمه ، فلا يمكن الموافقة مع شيخنا الأستاذ في كلا الجوابين (13).

ومما يتوهم أن يكون نقضا على الكلّية الإيجابيّة بيع الغاصب مال الغير ، فلو تلف المبيع عند البائع الغاصب قالوا بعدم ضمان الغاصب الثمن للمشتري لو تلف الثمن عنده ، لأنّه أي المشتري سلّط البائع الغاصب على الثمن مجّانا إن كان عالما بأن البائع غاصب مع أنّه في البيع الصحيح لو تلف الثمن عند البائع بعد تلف المبيع عنده يكون ضامنا للمشتري بالثمن.

وفيه أوّلا : أنّ مثل هذه المعاملة ليست فاسدة ، بل فضولي موقوف على إجازة المالك أي المغصوب منه ، فإذا أجاز تعدّ من المعاملات الصحيحة ، يترتّب عليها جميع آثار البيع الصحيح.

وثانيا : طرف المعاملة أي البائع في هذه المعاملة ليس هو الغاصب ، بل هو أجنبي ، والثمن الذي أعطاه المشتري ليس ثمنا للمبيع مع علمه بأنّه غاصب ، بل يكون مال له أعطاه للغاصب مجّانا وبلا عوض ، فلا يترتّب على تلفه آثار تلف الثمن ، فلا يكون نقضا على هذه الكلّية أصلا.

وممّا توهّم أنّه نقض على هذه الكلّية بيع الشخص ماله من سفيه محجور عليه فتلف المبيع عند السفيه ، فقالوا بعدم ضمان السفيه للمبيع ، مع أنّ تلف المبيع عند‌ المشتري بعد قبضه ، وعدم خيار للمشتري فقط دون البائع يوجب ضمانه للبائع في البيع الصحيح.

وفيه : أنّه بعد ما علم البائع أنّ المشتري محجور عليه ليس له التصرف في أمواله مطلقا ولو بناقل شرعي فإعطاؤه المبيع لمثل هذا الشخص يكون إقداما منه على تلف ماله وهتك احترامه ، فيكون إعطاؤه للسفيه ، وإن كان بعنوان البيع ، من قبيل إلقائه في البحر وإتلافه ، فلو كان عين ماله ـ أي المبيع ـ موجودا يمكن أن يقال بجواز استرداده ، وأمّا مع تلفه فلا ضمان في البين.

ومن جميع ما ذكرنا من أوّل هاتين القاعدتين ـ أي الكلّيتين الإيجابيّة والسلبيّة ـ يظهر صحة كلتيهما ، واطّرادهما ، وعدم ورود النقوض التي ذكروها في هذا المقام.

والحمد لله أوّلا وآخرا ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

________________

(*) « الحق المبين » ص 88 و138 ، « عناوين الأصول » عنوان 63 ، « بلغة الفقيه » ج 1 ، ص 67 و116 ، « مجموع قواعد فقه » ص 71 ، « قواعد فقه » ص 90 ، « القواعد » ص 209 ، « قواعد فقه » ص 191 ، « قواعد الفقهية » ص 98 ، « قواعد فقهية » ص 105 ، « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج 4 ، ص 213 ، « قواعد الفقهية » ص 74 ، « مجله حقوقي » العام 2 ، ش 17 ، قاعدة كل عقد يضمن بصحيحه ، « فصل نامه حق » دفتر 11 و12 ، العام 1366 ، قاعدة ما يضمن ، « بررسى فقهي حقوقي قاعدة ما يضمن » ماجستير ، مجيد فرخي مقدم ، مدرسة الشهيد مطهري العالية.

(1) انظر : « المبسوط » ج 3 ، ص 64.

(2) « المكاسب » ص 103.

(3) « منية الطالب » ج 1 ، ص 118.

(4) « مستدرك الوسائل » ج 14 ، ص 7 ، أبواب كتاب الوديعة ، باب 1 ، ح 15944.

(5) « المكاسب » ص 101.

(6) « السرائر » ج 2 ، ص 326 وص 488.

(7) « منية الطالب » ج 1 ، ص 120.

(8) راجع : « رياض المسائل » ج 2 ، ص 8.

(9) « تذكرة الفقهاء » ج 2 ، ص 318.

(10) « جامع المقاصد » ج 1 ، ص 216.

(11) « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 302 ، أبواب الخيار ، باب 7 ، ح 15428‌ .

(12) « المكاسب » ص 103.

(13). « منية الطالب » ج 1 ، ص 129.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.