المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
التوزيع الجغرافي للإقليم Cfa
2024-11-25
الفجل Radish (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-25
التنبؤ بالمناخات المستقبلية Climatic Prediction
2024-11-25
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24



قاعدة « لا ربا الا فيما يكال أو يوزن » (*)  
  
278   07:54 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج5 ص 85- 192.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / لا ربا في ما يكال او يوزن /

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

في مدركها :

وهو الإجماع والأخبار.

الأوّل : الإجماع‌ وهو وإن كان ثبوته لا ينكر ، ولكن قد ذكرنا في هذا الكتاب مرارا أنّ مثل هذه الإجماعات التي مداركها معلوم ـ وأنّه في المقام هي الأخبار الواردة في هذا الباب ، وقد عقد في الوسائل بابا بعنوان أنّ الربا لا يثبت إلاّ في المكيل والموزون (1) ـ فلا بدّ من مراجعة نفس المدرك ، وليس الإجماع من الذي يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام من ناحية اتّفاق الأصحاب الذي بنينا على حجّيته في الأصول.

الثاني : الأخبار.

فمنها : ما رواه علىّ بن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن » (2).

ومنها : ما رواه عبيد بن زرارة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن » (3).

ومنها : ما رواه منصور ، قال : سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين؟ قال : « لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا » (4).

ودلالة هذه الأخبار على هذه القاعدة واضحة وغنيّة عن البيان ، وذلك لأنّ مضمونها عين مضمون القاعدة.

الجهة الثانية

في شرح مضمون القاعدة‌ :

فنقول أمّا « الربا » بالكسر ، فهي اسم مصدر بمعنى الزيادة والفضل على ما ذكره اللغويّون ، أو مصدر ثان من ربي يربو ربوا ورباء ، وعلى كلّ حال الذي يظهر من نقل كلام اللغويّين وموارد الاستعمال هو أنّ معناه الزيادة والنموّ ، وعند الفقهاء وفي اصطلاح الشرع عبارة عن أخذ الزائد ممّا يعطى للطرف في أبواب المعاوضات ، بل ربما يطلق على المعاملة المشتملة على هذه الزيادة.

والظاهر : أنّه من هذا القبيل قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] إذ المراد منه ليس حرمة تلك الزيادة فقط ، بل المراد منه حرمة المعاملة المشتملة على تلك الزيادة بقرينة المقابلة للبيع.

وذلك من جهة أنّ المشركين قاسوا وقالوا إنّ المعاملة الربويّة مشتركة مع البيع في طلب الزيادة ؛ لأنّ البائع في البيع الغير الربويّ أيضا يطلب الزيادة والربح ، مثل إن كان الثمن والمثمن من غير المتجانسين ، فإذا كان طلب الزيادة موجبا لحرمة المعاملة ، فلم لا يكون البيع أي المعاملة والمعاوضة في غير المتجانسين حراما ، فأنكر ـ الله تعالى قياسهم وأبطله بقوله ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) وذلك لعلّة مخفية عليكم ، فليس لكم الاعتراض. ولذلك قالوا إنّ هذه الآية تدلّ على حرمة القياس.

هذا ، مضافا إلى أنّ قياسهم باطل حتّى بناء على حجّية القياس ؛ وذلك من جهة أنّه في البيع بناء البائع والمشتري على مساواة الثمن والمثمن من حيث القيمة ، وإنّما فائدة البائع باختلاف الأسواق أو الأزمان ، فيشتري البائع من سوق أرخص أو في زمان أرخص ، ويبيع في سوق أغلى أو زمان أغلى ، وإلاّ ففي نفس ذلك السوق أو ذلك الزمان لا بدّ وأن لا يخسر أحدهما بما لا يتسامح فيه ، وإلاّ فيأتي خيار الغبن ؛ ولذلك لو قال أحد للبائع : إنّ متاعك لا يسوى بهذه القيمة يتأذّى ؛ فالقياس في غير محلّه.

وعلى كلّ حال الربا تارة يكون في البيع ، وأخرى في القرض.

فنتكلّم في مقامين :

الأوّل : الربا في البيع ، بل في جميع المعاوضات.

وهذا القسم هو مورد قاعدتنا هذه ، أي عدم إتيان الربا إلاّ فيما إذا كان العوضان في البيع أي الثمن والمثمن من المكيل أو الموزون.

وقبل ذلك نتكلّم في حكم الربا بكلا قسميه : أي سواء كان في البيع ، أو كان في القرض فنقول :

ويدلّ على حرمته الكتاب العزيز والأحاديث المستفيضة بل المتواترة ، فحرمته من القطعيّات ، بل من الضروريّات بحيث يكون منكرها كافرا مرتدا ، ولا ينافي ما قلنا من أنّ حرمته من الضروريات ، اختلافهم في بعض الفروع ؛ لأنّ ذلك إمّا من جهة‌ إنكار كونه من الربا موضوعا ، وإمّا من جهة التخصيص في الحكم كموارد قاعدتنا هذه.

أمّا الايات التي تدلّ على حرمة الربا : فمنها : قوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] إلى آخر الآية .

ومنها : قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } [البقرة: 278، 279] .

ومنها : قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130] .

وأمّا الروايات فكثيرة جدّا نذكر جملة منها :

فمنها : ما رواه في الكافي بإسناده عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

« درهم ربا عند الله أشدّ من سبعين زنيّة كلّها بذات محرم » (5).

ومنها : ما رواه سعد بن طريف ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « أخبث المكاسب كسب الربا » (6).

ومنها : رواية سماعة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّي رأيت الله تعالى قد ذكر‌ الربا في غير آية وكرّره ، قال : « أو تدري لم ذاك؟ » قلت : لا ، قال : « لئلاّ يمتنع الناس من اصطناع المعروف » (7).

ومنها : ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « درهم من ربا أشدّ عند الله من ثلاثين زنيّة كلّها بذات محرم مثل عمّة وخالة » (8).

وما رواه سعيد بن يسار عن الصادق عليه السلام قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « درهم واحد ربا أعظم من عشرين زنيّة كلّها بذات محرم ـ رحم ـ » (9).

ومارواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : إنّي سمعت الله يقول {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] وقد أرى من يأكل الربا يربو ماله؟ فقال عليه السلام : « أيّ محق أمحق من درهم ربا يمحق الدين ، وإن تاب منه ذهب ماله وافتقر » (10).

وما رواه هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن علّة تحريم الربا؟ فقال : « إنّه لو كان الربا حلالا لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه ، فحرّم الله الربا لتنفر الناس من الحرام إلى الحلال وإلى التجارات من البيع والشراء ، فيبقى ذلك بينهم في القرض » (11).

وما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إنّما حرّم الله الربا كيلا يمتنعوا‌ من صنائع المعروف » (12).

وما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّما حرّم الله عزّ وجلّ الربا لئلاّ يذهب المعروف » (13).

وما رواه حمّاد بن عمر وأنس بن محمّد ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن النبيّ صلى الله عليه واله في وصيّته لعليّ عليه السلام قال : « يا علىّ الربا سبعون جزء أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمّه في بيت الله الحرام » (14).

وما رواه ابن بكير قال : بلغ أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أنّه كان يأكل الربا ويسمّيه اللبأ ، فقال عليه السلام : « لئن أمكنني الله منه لأضربنّ عنقه » (15).

والروايات في هذا الباب كثيرة وشديدة.

ثمَّ إنّ الربا بالمعنى الذي ذكرنا له قد يكون في البيع ، وقد يكون في القرض ، ومورد هذه القاعدة هو الربا في البيع ، وأمّا الربا في القرض الذي سنتكلّم فيه ، فيثبت فيه مطلقا في أيّ جنس كان ، وإن لم يكن مكيلا ولا موزونا ، بل وإن كان معدودا مثلا ، فلو أعطى قرضا بيضة ببيضتين ، أو جوزا بجوزين ، وكذلك في غيرهما يكون من الربا المحرّم.

أمّا القسم الأوّل ، أي الربا في البيع ، فهو أن يبيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة إذا كانا من المكيل أو الموزون.

فثبوت الربا في البيع يشترط فيه أمران :

الأوّل : اتّحاد جنس الثمن والمثمن.

والثاني : كونهما من المكيل أو الموزون.

والدليل على الأوّل ـ مضافا إلى صعوبة تصوير الزيادة إذا كانا من جنسين ـ الإجماع والأخبار.

نعم يمكن أن يكون أحد العوضين في نظر العرف وأهل الأسواق أكثر قيمة وماليّة ، فيكون لصاحبه خيار الغبن إذا كانت التفاوت فاحشا لا يتسامح فيه ، ولم يكن عالما بهذا التفاوت حال البيع ، وإلاّ فليس له حتّى الخيار. نعم لو كانت التفاوت بحدّ تعدّ مثل هذه المعاملة سفهيّا ، فيكون أصل المعاملة باطلا.

أمّا الإجماع ؛ فلاتّفاقهم على جواز بيع المتخالفين في الجنس ، أيّ مقدار من أحدهما بأيّ مقدار من الآخر نقدا ، ما لم يبلغ إلى حدّ كون المعاملة سفهيّا ، نعم قلنا أنّه يثبت خيار الغبن مع تفاوت قيمتها وجهل صاحب ما هو أزيد قيمة بالزيادة إذا كان التفاوت لا يتسامح فيه.

وأمّا الاخبار  :

فلقوله صلى الله عليه واله : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (16) ؛ ولما رواه محمّد بن مسلم في حديث ، قال : « إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد » (17).

والمراد من قوله عليه السلام : « يدا بيد » أي : نقدا.

ولما رواه جماعة عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ما كان من طعام مختلف أو متاع شي‌ء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، وأمّا نظرة‌ فلا يصلح » (18).

ومراده عليه السلام من الجملة الأخيرة هو ما قلنا بجواز بيع المختلفين في الجنس مثلين بمثل كيلا أو وزنا فيما إذا كانت المعاملة نقدا ، لا نظرة ونسيئة.

ولما رواه سماعة قال : سألته عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : « لا يصلح شي‌ء منه اثنان بواحد ، إلاّ أن يصرفه نوعا إلى نوع آخر ، فإذا صرّفته فلا بأس اثنين بواحد وأكثر من ذلك » (19).

ولما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « المختلف مثلان بمثل يدا بيد لا بأس » (20).

ولما رواه عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : سألته عن رجل اشترى سمنا ففضل له فضل ، أيحلّ له أن يأخذ مكانه رطلا أو رطلين زيتا؟ قال عليه السلام : « إذا اختلفا وتراضيا فلا بأس » (21).

ولا شكّ في ظهور هذه الروايات بل نصوصيّتها في جواز بيع المتخالفين في النوع والجنس ، مع زيادة مقدار أحد العوضين عن الآخر في المقدار كيلا أو وزنا ، ولا فرق بين أن يكون الزيادة التي في أحدهما قليلة أو كثيرة ، لكن بشرط أن تكون المعاملة نقدا ويدا بيد ، لا نسيئة.

وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الربا في البيع لا يثبت إلاّ بأمرين :

أحدهما : اتّحاد الثمن والمثمن في الجنس وأن يكونا من نوع واحد.

الثاني : كونهما ممّا يعتبر في بيعهما الكيل أو الوزن.

فلا بدّ من توضيح هذين الأمرين ، وأنّه ما المراد من اتّحاد الجنس والنوع في الشرط الأوّل ، وأنّه ما المناط في كون الشي‌ء مكيلا أو موزونا في الشرط الثاني ، فنقول :

أمّا المراد من اتّحاد الجنس والنوع في الشرط الأوّل‌ بعد الفراغ من أنّه ليس المراد به اتّحاد الجنس والنوع المنطقي أي تمام المشترك الذاتي بين الحقائق المختلفة المقول عليها ، ولا الكلّي المقول على الكثرة المتّفقة الحقيقة في جواب ما هم ؛ ، لعدم كون المناط في اتّحاد الجنس أو النوع هذا المعنى في باب الربا في البيع بالضرورة.

فقد يقال : إنّ المناط في اتّحاد الجنس والنوع هو كونهما بحسب الاسم متّحدين عند العرف ، بحيث لا يصح عندهم سلب الاسم الذي يطلق على أحدهما إطلاقا حقيقيّا عن الآخر.

ولا شكّ في أنّ هذا المعنى غير جار في أكثر موارد الربا ، فإنّ الشعير والحنطة مختلفان اسما ، ولا يصحّ إطلاق اسم أحدهما على الآخر إطلاقا حقيقيّا ، مع أنّهما يعدّان في الربا جنسا واحدا ، وكذلك السمسم مع الشيرج ، واللبن مع الأقط (22) أو الزبد ، وكذلك مع الجبن ، وكذلك الجبن معهما ، كما أنّه ربما يكون العوضان متّحدين في الاسم ومع ذلك لا يثبت الربا فيهما ، وذلك كلحم الغنم والبقر ، فكلاهما يطلق عليهما اللحم إطلاقا حقيقيّا ، ومع ذلك لا يجرى الربا فيهما فهذا الضابط غير تامّ لا كلية له : لا طردا ولا عكسا.

وربما يقال : بأنّ الضابط في اتّحاد جنس العوضين هو رجوعهما إلى أصل واحد ، وإن كانا فعلا بحسب الاسم مختلفين ، ولا يطلق اسم أحدهما على الآخر ، والأمثلة‌ المذكورة التي قلنا يأتي فيها الربا مع عدم اتّحادهما في الاسم ، كلّها من هذا القبيل ، أي ترجع إلى أصل واحد.

إن قلت : إنّ ظاهر أدلّة حرمة الربا في المعاملات والمعاوضات هو بيع المثل بالمثل مع الاختلاف في المقدار ، ولا شكّ في أنّ الأقط والزبد ليسا مثلين للّبن ، وكذلك التمر والعنب مع الخلّ المصنوع من أحدهما.

قلنا : قد علّل الإمام عليه السلام إتيان الربا وجريانه في الشعير والحنطة بكونهما من أصل واحد :

ففي الكافي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سئل عن الرجل يبيع الرجل الطعام الأكرار ، فلا يكون عنده ما يتمّ له ما باعه ، فيقول له خذ منّى مكان كلّ قفيز حنطة قفيزين من شعير حتّى تستوفي ما نقص من الكيل ، قال عليه السلام : « لا يصلح ، لأنّ أصل الشعير من الحنطة ، ولكن يردّ عليه الدراهم بحساب ما ينقص من الكيل » (23).

فقوله عليه السلام : « لأنّ أصل الشعير من الحنطة » تعليل لعدم جواز معاوضتهما بالزيادة ، وثبوت الربا ، فيؤخذ بعموم التعليل ، ويسري الحكم إلى كلّ مورد يكون انتهاء العوضين إلى أصل واحد ، وإن لم يكونا متّحدين في الاسم. وروى في الوسائل بهذا المعنى روايات كثيرة (24).

ولكن هذا أيضا لا يخلو عن نظر وتأمّل ، وذلك من جهة أنّ انتهاء الثمن والمثمن ـ مثلا ـ إلى أصل واحد ، لو كان هو الضابط في اتّحاد الجنس وثبوت الربا ، يلزم أن لا يجوز بيع الملح الذي استحيل اللحم إليه باللحم متفاضلا في الكيل أو الوزن ، ولا يكمن للفقيه الالتزام بذلك.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه ليس المراد هو صرف انتهائهما إلى أصل واحد وإن كانا متباينين في أغلب الجهات ، بل المراد أن يكونا بنظر العرف حقيقة واحدة ومن سنخ واحد ، بحيث يحكم العرف باتّحادهما وكونهما من جنس واحد ، وإن اختلفا في بعض الخواصّ والآثار ؛ فالدهن والزبد مثلا حقيقة واحدة ؛ لأنّ الدهن عبارة عن الزبد المذاب وإن كانا مختلفين في كثير من الخواصّ والآثار ، وكذلك الأقط واللبن.

وبعبارة أخرى : المشتقّات من حقيقة واحدة تعدّ في نظر العرف سنخا واحدا ، وإن كانت مختلفة في خواصّها وآثارها ، فالدبس والتمر مثلا عند العرف حقيقة واحدة.

نعم هذا الاتّحاد في بعض ما يرجع إلى أصل واحد أظهر ، وفي بعضها أخفى ، بل ربما يتخيّل العرف أنّهما حقيقتان مختلفان لو لا تنبيه الشارع بذلك وأنّهما من أصل واحد ، كما نبّه بذلك في اتّحاد جنس الشعير والحنطة فيما رواه الصدوق بإسناده أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام سئل ممّا خلق الله الشعير؟ فقال : « إنّ الله تبارك وتعالى أمر آدم أن ازرع ممّا اخترت لنفسك ، وجاءه جبرئيل عليه السلام بقبضة من الحنطة ، فقبض آدم عليه السلام على قبضة وقبضت حوّاء على أخرى ، فقال آدم عليه السلام لحوّاء : لا تزرعي أنت ، فلم تقبل من آدم فكلّما زرع آدم جاء حنطة ، وكلّما زرعت حوّاء جاء شعيرا » (25).

فما هو التحقيق في المقام هو أن يقال : إنّ المناط في كونهما من المتماثلين هو أن يكونا من نوع واحد بنظر العرف ، وإن كانا مختلفين بحسب الجودة والرداءة ، وكانا من صنفين ، أو كانا فرعين ومشتقّين من حقيقة واحدة ، كالدبس والخلّ ، حيث أنّهما مشتقّان من التمر أو العنب ، أو كانا فرعا مع أصله كالخبز مع الحنطة ، وهذا القسم الأخير يكون من المتماثلين فيما إذا لم يتبدّل الأصل إلى حقيقة أخرى بذهاب صورته النوعيّة واستحالته إلى نوع آخر كاللحم إذا تبدّل إلى الملح.

ثمَّ إنّه لا يخفى أنّ الفرعين من الحقيقتين ربما يشتركان في الاسم ، بل ربما يكونان‌ بنظر العرف حقيقتهما واحدة كلحم البقر والغنم ، ولكن حيث أنّهما فرعان من حقيقتين مختلفتين لا يأتي فيهما الربا ، وإن كان أحدهما أزيد من الآخر بحسب المقدار كيلا أو وزنا ، بل المدار في التماثل والاختلاف هو الاتّحاد أو اختلاف حقيقتي أصليهما وبناء على هذا فزبد الغنم أو دهنه أو لبنه من المختلفين مع زبد البقرة أو دهنها أو لبنها وإن كانا بنظر العرف ربما يكونان من المتماثلين.

وأمّا خلّ التمر فيصحّ بيعه بخل العنب وإن كان أحدهما أزيد من الآخر بحسب الوزن أو الكيل ؛ لما ذكرنا من اختلاف أصليهما بحسب الحقيقة.

والدليل على ما ذكرنا من الضابط في تحقّق الربا هو الأخبار الواردة في هذا الباب ، والإجماعات المدّعاة في المقام. وقد تقدّم تعليل الإمام الصادق عليه السلام فيما رواه هشام بن سالم عنه عليه السلام عدم جواز بيع الشعير بالحنطة متفاضلا ، كأن يأخذ مشتري الحنطة من بائعها مكان كلّ قفيز من الحنطة قفيزين من شعير ، بأنّ أصل الشعير من الحنطة ، مشيرا بذلك إلى قصّة آدم وحوّاء وزرعهما الحنطة ، ومجي‌ء زرع حوّاء شعيرا. وقد تقدّم رواية الصدوق ذلك ، ولا شكّ في أنّ الأخذ بعموم هذا التعليل يوجب عدم جواز بيع كلّ فرع مع أصله مع التفاضل.

نعم خالف ابن إدريس (26) في هذه المسألة ، وقال بجواز بيع الحنطة بالشعير متفاضلا ؛ لأنّهما جنسان ، وحكى الجواز عن ابن أبي عقيل أيضا ، واستدلّ على ذلك بقوله صلى الله عليه واله : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (27).

ويدلّ أيضا على ما قال من الجواز رواية سماعة ، وكذلك رواية عليّ بن جعفر عليه السلام المتقدّمتان.

ولكن أنت خيبر بأنّ عموم التعليل مخصّص لهذه العمومات ، فلا يبقى وجه‌ لخلاف ابن إدريس.

هذا ، مضافا إلى الإجماع وورود روايات متعدّدة في خصوص المقام أي بيع الحنطة بالشعير أو العكس متفاضلا ، وقد عقد في الوسائل بابا لذلك ، إن شئت فراجع.

وأمّا المراد من المكيل والموزون في الشرط الثاني‌ :

أقول : أمّا مفهوم المكيل والموزون أو ما يكال ويوزن ، فواضح لا خفاء فيهما ؛ وذلك من جهة أنّ وقوع المعاملة على متاع لا يصحّ إلاّ بتعيين ذلك المتاع ، كي لا يكون مجهولا وغرريّا. وارتفاع الغرر والجهل عند العرف والعقلاء يختلف بالنسبة إلى الأمتعة وما يقع عليه المعاوضة والمعاملة ، ففي بعضها بالمشاهدة ، وفي بعضها بالتوصيف وبيان الخصوصيات ، وفي بعضها بالذرع ، وفي بعضها بالعدد ، وفي بعضها بالكيل أو الوزن ، وكلامنا في هذا القسم الأخير ، أي فيما لا يصحّ المعاملة فيها إلاّ بالكيل أو الوزن ، وقد ذكرنا أنّ هذين المفهومين ـ أي الكيل والوزن ـ من المفاهيم الواضحة التي لا تحتاج إلى الشرح والإيضاح.

نعم حيث أنّ المكيليّة والموزونيّة عند العرف والعقلاء في باب المعاوضات والمعاملات تختلف بحسب الأزمنة والبلاد ، فربّ متاع يكون من المكيل أو الموزون في زمان ومن المعدود في زمان آخر ، وكذلك بالنسبة إلى البلاد فيكون من المعدود في بلد ومن الموزون في بلد آخر.

فبعد قيام الحجة على اشتراط ثبوت الربا في المعاملات ـ عدا القرض ـ بأن يكون العوضان من المكيل أو الموزون ، والمفروض اختلافهما باختلاف الأزمنة والأمكنة ، فيبقى مجال للكلام في أنّه هل المدار على كونهما ـ أي العوضين ـ من المكيل والموزون في زمان الشارع ، أو في زمان وقوع المعاملة. وكذلك الأمر في اختلاف البلاد ، هل المدار هو عرف البلد الذي صدرت فيه هذه الروايات التي تدلّ على اعتبار‌ هذا الشرط في خصوص زمان الصدور ، أو مطلقا ، أو المدار على عرف البلد الذي تقع فيه هذه المعاملة؟

أقول : لا شكّ في أنّ تشخيص المراد وتعيينه من الألفاظ المستعملة في الروايات يكون بما يفهمه العرف منها ، بعد الفراغ عن أنّ الشارع لم يخترع طريقة خاصّة للتفهيم ، بل يلقى مراداته إلى المكلّفين على طريقة أهل المحاورة والعرف.

فبناء على هذا مقتضى القواعد الأوّليّة هو أن يكون المراد منهما ما هو المكيل والموزون في زمان الشارع وفي لسانه وعرف بلده ، ولعلّه لذلك ادّعى بعضهم الإجماع على أنّ ما كان موزونا أو مكيلا في زمان النبي صلى الله عليه واله يدخل فيه الربا وإن تغيّر فيما بعد وصار معدودا ، كما أنّ الخبز كان موزونا والآن في زماننا صار معدودا في بعض البلاد.

فبناء على هذا ، المدار في الكيل والوزن هو المكيليّة والموزونيّة في زمانه صلى الله عليه واله في الأجناس التي كانت في زمانه وبلاده ، وأمّا الأجناس التي لم تكن في ذلك الزمان كالطماطة والبطاطة فيعتبر حالها بالنسبة إلى البلد التي يقع البيع في ذلك البلد ، فإن كانت مكيلة أو موزونة فيدخل فيه الربا ، وإلاّ فلا.

وقد ذكر العلاّمة في التذكرة : أنّه قد أجمع المسلمون على ثبوت الربا في الأشياء الستّة ؛ لقول النبي صلى الله عليه واله : « الذهب بالذهب مثلا بمثل ، والفضّة بالفضّة مثلا بمثل ، والتمر بالتمر مثلا بمثل ، والبرّ بالبرّ مثلا بمثل ، والملح بالملح مثلا بمثل ، والشعير بالشعير مثلا بمثل ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى ، بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد » واختلف فيما سواها (28).

ثمَّ ذكر اختلاف الفقهاء في بعض الفروع ، ثمَّ قال بلزوم الأخذ بإطلاق قوله‌ تعالى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] في موارد الشكّ إلاّ أن يثبت التقييد.

والتحقيق : دخول الربا في هذه الأجناس الستّة التي صرّح صلى الله عليه واله بدخول الربا فيها ، سواء كانت في الأزمنة المتأخّرة عنه صلى الله عليه واله يباع بالكيل أو الوزن أم لا ؛ وذلك لجعله صلى الله عليه واله موضوع الحكم نفس هذه العناوين من دون تعليقه على كونها مكيلة أو موزونة ، واحتمال أن يكون الحكم لأجل كونها من المكيل أو الموزون لا شاهد له.

وأمّا ما عداها ، فإن كان في عصره صلى الله عليه واله من المكيل أو الموزون ، فيدخل فيه الربا مع اتّحاد الجنس ، أو كان العوضين فرعا للعوض الآخر كالدبس مع التمر مثلا ، أو كان العوضان فرعين لجنس واحد كما إذا باع الدبس بالخلّ ، إذا كان كلاهما من فروع التمر مثلا ، أو كان كلاهما متّخذين من العنب مثلا ؛ للإجماع.

وأمّا لو لم يكن في عصره صلى الله عليه واله من المكيل والموزون ، فدخول الربا فيه مشروط بكونه من المكيل أو الموزون حال وقوع المعاملة.

وأمّا لو كان مختلفا بحسب البلاد ، بأن يكون في بلد من المكيل أو الموزون وفي بلد آخر من المعدود ، كما في الخيار والبرتقال في هذا الزمان ، فإنّهما في بعض البلاد يباع بالوزن ، وفي بعض البلاد يباع بالعدد ، فيلحقه في كلّ بلد حكم ما هو المتعارف في ذلك البلد.

ففي البلد الذي يباع بالكيل أو الوزن يدخل فيه الربا بشرط أن يكون العوضان من المتّحد في الجنس ، أو كان رجوعهما إلى جنس واحد ؛ وذلك من جهة أنّ مفاد قوله عليه السلام : « لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن » (29) هو أنّ دخول الربا في معاملة منوط بأن يكون العوضان المتّحدان في الجنس ممّا يكال أو يوزن.

فهذا حكم كلّي مجعول بنحو القضيّة الحقيقيّة على الموضوع المقدّر وجوده ، فمتى وجد مصداق في الخارج لهذا الموضوع الكلّي المقدّر وجوده ، يصير حكمه فعليا ، كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقيّة ، وقد أوضحنا في محلّه (30) أنّ جعل جميع الأحكام الشرعيّة يكون على نهج القضايا الحقيقيّة.

ومقتضى ما ذكرنا هو أنّه لو كان العوضان من المكيل والموزون في زمان الشارع ، ولم يكن منهما في هذا الزمان عدم دخول الربا في تلك المعاملة ؛ لأنّه من تبدّل موضوع الحكم. كما أنّه بالعكس لو كانا من المكيل أو الموزون في هذا الزمان ولم يكونا منهما في زمان الشارع ، يجب الحكم بدخول الربا ؛ لتحقّق الموضوع ، ومعلوم أنّ وجود الحكم وتحقّقه تابع لوجود موضوعه وتحقّقه.

ولكن تقدّم أنّه صلى الله عليه واله رتّب الحكم في تلك الستّة المتقدّمة على نفس عناوينها ، أي عنوان البرّ والشعير والتمر والملح والفضّة والذهب ، فمتى وجدت هذه العناوين ، أي صار العوضان من أحدها ، يترتّب الحكم ، سواء كان من المكيل أو الموزون ، أو لم يكن.

وأمّا بالنسبة إلى غيرها ، فإن كان من المكيل أو الموزون في عصره فيدخل فيه الربا إلى يوم القيامة وإن تبدّل وصار من غيرهما في الأزمنة المتأخّرة ، مع أنّه خلاف ما ذكرنا من جعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقيّة ؛ وذلك للإجماع الذي ادّعوه في المقام.

فإن ثبت الإجماع فهو ، وإلاّ فللكلام مجال بأن يقال : بأنّ صرف كونه من المكيل والموزون في زمان النبي صلى الله عليه واله مع عدم كونه منهما في زمان وقوع المعاملة لا يوجب دخول الربا فيه ، بل مقتضى القاعدة المتقدّمة ، وهو جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقيّة ، هو كونه من المكيل أو الموزون في زمان وقوع المعاملة ، وإلاّ لا يدخل‌ فيه الربا.

وخلاصة الكلام : أنّ قوله عليه السلام « لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن » مشتمل على عقدين : أحدهما إيجابيّ ، والآخر سلبيّ ، وكلّ واحد منهما متكفّل لبيان حكم على نحو القضيّة الحقيقيّة ، والعقد السلبي مفاده عدم تحقّق الربا في غير المكيل والموزون ، والعقد الإيجابيّ تحقّقه فيهما.

ففي كلّ عصر أو مصر كان متاع من المكيل أو الموزون ، فبيعه بما هو من جنسه أو بما هو من فروعه أو بما هو معه يرجعان إلى أصل واحد ، ويكونان فرعين من جنس واحد بزيادة أحدهما على الآخر في المقدار يكون من الربا المحرّم.

وأمّا العقد السلبي ، فمفاده هو أنّ كلّ متاع لم يكن منهما في أيّ عصر وفي أيّ مصر كان فلا يدخل فيه الربا ، فتحقّق الربا يدور مدار كون المتاع من المكيل أو الموزون في زمان وقوع المعاملة ، ولا أثر لكونه كذلك في زمان قبل وقوع المعاملة أو بعده ، كما أنّ عدم الربا كذلك يدور مدار عدم كونه منهما حال المعاملة ، ولا أثر للعدم قبله أو بعده.

فهذه قاعدة كلّية يجب العمل بها ، إلاّ أن يأتي دليل بالخصوص في مورد من إجماع أو غيره يكون مخصّصا لها.

ثمَّ إنّ الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ ذكروا موارد لتخصيص هذه القاعدة.

منها : أنّه لا رباء بين الوالد وولده ، والزوج وزوجته ، والسيّد ومملوكه ، وبين المسلم والحربيّ ، بمعنى أخذ المسلم الفضل منه. وسنتكلّم في هذه الفروع تفصيلا إن شاء الله تعالى.

هذا كلّه فيما إذا علم أنّ الشي‌ء الفلاني كان من المكيل أو الموزون في زمن رسول الله صلى الله عليه واله. فعلى تقدير ثبوت الإجماع المذكور نحكم بدخول الربا فيه إلى يوم القيامة ، وإن لم يكن منهما في الأزمنة المتأخّرة عنه صلى الله عليه واله.

أما لو شكّ في كونه كذلك في زمنه صلى الله عليه واله فدليل حرمة الربا وإن كان لا يشمله ـ بناء على تقييده بما إذا كان مكيلا أو موزونا في زمن الرسول ـ فيما إذا لم يكن كذلك في الأزمنة المتأخّرة ، فيكون حرمة مثل تلك المعاملة مشكوكة ، ولا يمكن التمسّك للحرمة بإطلاقات أدّلة حرمة الربا ؛ لكونه من التمسّك بعموم العامّ في الشبهات المصداقيّة لنفس العام ، ومقتضى الأصل العملي هي البراءة بالنسبة إلى الحرمة ، ولكن بالنسبة إلى صحّة المعاملة وتأثيرها في النقل والانتقال ، فمقتضى الأصل عدم النقل والانتقال.

والذي يسهل الخطب أنّ ثبوت مثل هذا الإجماع غير معلوم ، فيكون مقتضى القواعد وجعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقيّة هو أنّ موضوع الحرمة والفساد هو كونه مكيلا أو موزونا في وقت وقوع المعاملة.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا من صحّة بيع المختلفين في الجنس وإن كانت في أحد العوضين زيادة وزنا أو كيلا أو عددا كمنّ من العدس مثلا بمنّين من الحنطة ، أو قفيز بقفيزين ، أو فرس ببقرين وأمثال ذلك فيما إذا كانت المعاملة نقدا. أمّا لو كانت نسيئة فربما يقال بعدم صحّته ؛ وذلك لقول الصادق عليه السلام : « ما كان من طعام مختلف ، أو متاع ، أو شي‌ء من الأشياء يتفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأمّا نظرة فلا يصلح » (31).

وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « البعير بالبعيرين ، والدابّة بالدابّتين يدا بيد ليس به بأس » (32) ولغير ما ذكرنا من الأخبار الأخر التي تركنا ذكرها ، وذلك لأنّ سياق كلّها سياق ما ذكرنا.

وأنت خبير بأنّ دلالة هذه الأخبار على ثبوت البأس فيما إذا كانت نسيئة بمفهوم الوصف بل اللقب ، وقد أشكلنا في الأصول (33) في ثبوت المفهوم في أمثال المقام ، وعلى‌ تقدير ثبوت المفهوم لها تكون معارضة بما هو أقوى منها دلالة وجهة ، لموافقة هذه الأخبار لما هو المشهور عند العامّة.

نعم الخبر الأوّل وهو قوله عليه السلام : « فأمّا نظرة فلا يصلح » دلالته على عدم جواز النسيئة بالمنطوق ، ولكنّ الكلام في أنّ نفي الصلاح ليس صريحا ولا ظاهرا في الفساد ، بل له كمال المناسبة مع الكراهة فهو أعمّ من الفساد. فالأقوى ما ذهب إليه المشهور من الكراهة دون الفساد.

واستدلّ المشهور على الجواز بعدّة روايات :

منها : ما عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قال لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن » (34).

ومنها : ما عن عبيد بن زرارة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن » (35).

ومنها : قوله عليه الصلاة والسّلام : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (36).

وروايات أخر (37) نترك ذكرها ؛ لأنّ سياق جميعها سياق ما ذكرنا.

ولكنّ الإنصاف أنّ الروايات المتقدّمة التي قلنا إنّ مفادها عدم ثبوت الربا في المختلفين فيما إذا كانت يدا بيد لا مطلقا ، يمكن أن تقيّد هذه المطلقات. إلاّ أن يقال بأنّ مطابقتها لفتوى المشهور من العامّة أسقطها عن الاعتبار ، وكذلك إعراض المشهور‌ عنها ، حيث أنّهم أفتوا بكراهة بيع المختلفين جنسا نسيئة مع الزيادة في أحدهما ، كالثوب بثوبين ، والفرس بفرسين ، ولا يقول بحرمته إلاّ الشيخ في النهاية (38) والمفيد (39) وابن أبي عقيل وابن الجنيد (40).

وحاصل الكلام : أنّه إمّا أن يجمع بين الطائفتين بحمل أخبار المانعة على الكراهة ، أو يرفع اليد عنها ؛ لموافقته للعامّة وإعراض المشهور عنها ، فتأمّل.

والأحسن هو الجمع بينهما بحمل أخبار المانعة على الكراهة ، فإنّه جمع عرفي في أمثال المقام.

وربما يؤيّد هذا الجمع ما في صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوبين الرديّين بالثوب المرتفع ، والبعير بالبعيرين ، والدابّة بالدابّتين؟ فقال عليه السلام : « كره ذلك عليّ عليه السلام فنحن نكرهه ، إلاّ أن يختلف الصنفان » (41) إلخ.

وهذا بناء على أن يكون الكراهة بمعناها المصطلح ، أي ما هو أحد الأحكام الخمسة ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ المراد من الكراهة ها هنا هو معناها اللغوي ، فلا ينافي الحرمة ، خصوصا بضميمة قوله عليه السلام : « ولم يكن علىّ عليه السلام يكره الحلال » (42).

هذا كلّه ، مضافا إلى أنّ مورد هذه الرواية ليس من المختلفين في الجنس الذي هو محل الكلام ، نعم ليس المورد من الربويّين ، وإن كانا متّحدين جنسا ؛ لأنّهما ليسا ممّا يكال أو يوزن.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن العوضان ربويين.

وأمّا إذا كانا واجدين لشرائط الربا ، أي كانا متّحدي الجنس ، وكانا ممّا يكال أو يوزن ، فلا شكّ في جواز بيعهما مثلا بمثل بغير تفاضل نقدا ، ولكنّ الكلام في جواز بيعهما نسيئة ، وإن كان مثلا بمثل وزنا أو كيلا. والمشهور عدم جوازه ، بل ادّعى الإجماع على عدم الجواز.

وذلك كما إذا باع قفيزا من الحنطة الرديئة نقدا بقفيز من الحنطة الجيّدة نسيئة ، أو مطلق الحنطة بمطلقها وإن لم يكن بينهما اختلاف في الجودة والرداءة ، وذلك من جهة أنّ الأجل زيادة حكميّة.

ففي المفروض ـ وإن لم يكن زيادة عينيّة في البين ، ولكن الزيادة الحكميّة موجودة ؛ لأنّ للأجل قسطا من الثمن ـ لا يجوز ، للإجماع ، ولما رواه الصدوق في الفقيه عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « الفضّة بالفضّة مثل بمثل ، والذهب بالذهب مثل بمثل ليس فيه زيادة ولا نظرة ، الزائد والمستزيد في النار » (43).

ثمَّ إنّه بعد ما عرفت معنى الربا ، وأنّه عبارة عن الزيادة في أحد العوضين إنّ كانا متّحدي الجنس ، وكانا ممّا يكال أو يوزن ، فاعلم :

أنّه وقع الخلاف في أنّه مختصّ بالبيع والقرض ، أم يأتي في سائر المعاوضات؟

قال الشهيد (44) والمحقّق (45) الثانيان بثبوته في جميع المعاوضات ، وكلام المحقّق والعلاّمة مختلف في كتبهما ، فالمحقّق في الشرائع (46) والعلاّمة في القواعد (47) والإرشاد (48) قالا‌ باختصاصه بالبيع ، وقال المحقّق في كتاب الغصب (49) بثبوت الربا في كلّ معاوضة ، ونسب الأردبيلي (50) هذا القول إلى الأكثر.

والعمدة هو ملاحظة أدّلة القولين واختيار ما هو الصواب والأحقّ :

فأما ما يقال : بأنّ الربا هو الزيادة في البيع والقرض فقط ، وأنّ الزيادة في سائر المعاوضات فلا يطلق عليه الربا.

فصرف ادّعاء من دون دليل ؛ وذلك لأنّ الربا في اللغة هي الزيادة ، وعند العرف الذي هو المناط في تشخيص معاني الألفاظ وتعيين مرادات المتكلّمين من ألفاظ كلامهم ، هو زيادة أحد العوضين من متحدي الجنس في المعاملات ، خصوصا إذا كانا من المكيل والموزون ، فمن أين جاء هذا التخصيص والتضييق.

اللهمّ إلاّ أن يدّعى أنّ الشارع وضعه لخصوص الزيادة لأحد العوضين في خصوص باب البيع والقرض.

وأنت خبير بأنّ هذا دعوى بلا بيّنة ولا برهان ، بل معنى الربا في أبواب المعاملات عرفا هو زيادة العوضين على الآخر وزنا أو كيلا إذا كانا متّحدي الجنسين ، فلو صالح منّا من الحنطة الجيّدة ـ مثلا ـ بمنّين من غير الجيّدة يكون من الربا المحرّم ، ويشمله عموم قوله تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ).

وأمّا ورود لفظ البيع أو القرض كثيرا ، خصوصا الأوّل منهما في الروايات الواردة في أبواب الربا ، فمن جهة أنّهما المعاملتان الشايعتان في الأسواق وعند الناس رباء.

هذا ، مضافا إلى المطلقات الواردة في طائفة من الروايات ، بحيث يشمل كلّ‌ معاوضة تقع على متّحدي الجنسين بالزيادة :

منها : ما رواه محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « سألته عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام فيقاطعه على أن يعطى لكلّ عشرة أرطال اثني عشر دقيقا قال : « لا ». قلت : فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار يضمن له لكلّ صاع أرطالا مسمّاة ، قال : « لا » (51).

ومعلوم أنّ هذا ليس بيعا ، بل الأوّل صرف التزام ومقاطعة بأن يعطى بدل عشرة أرطال من الحنطة اثني عشر من الدقيق ، وفي الثاني ضمان وليس من باب البيع أو القرض.

ومنها : أيضا ما رواه محمّد بن مسلم وزرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « الحنطة بالدقيق مثلا بمثل ، والسويق بالسويق مثلا بمثل ، والشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس » (52).

وبهذا المضمون روايات كثيرة (53) لا اختصاص لها بالبيع ، ولا ذكر منه فيها ، بل يشمل مطلق المبادلة والمعاوضة.

اللهمّ إلاّ أن يقال : بأنّها منصرفة إلى خصوص البيع ؛ لأنّه هي المعاملة المتعارفة بين الناس والمتداولة فيما بينهم في أمثال المقام.

وأنت خبير بأنّ صرف كثرة الوجود لا يكون من أسباب الانصراف ، بل المبادلة والمعاوضة أعمّ من البيع ويشمل سائر المعاوضات أيضا.

وكذلك يدلّ على عدم اختصاصه بخصوص البيع والقرض الروايات الواردة في‌ حرمة الربا ، وهي كثيرة :

منها : ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « درهم ربا عند الله أشدّ من سبعين زنيّة كلّها بذات محرم » (54).

وأيضا يدلّ على التعميم لكل معاوضة الروايات الكثيرة (55) الواردة في حكمة تحريم الرباء ، وهي كثيرة :

منها : ما رواه سماعة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنّي رأيت الله تعالى قد ذكر الربا في غير آية وكرّره؟ قال : « أو تدري لم ذاك » قلت : لا ، قال : « لئلاّ يمتنع الناس من اصطناع المعروف » (56).

ثمَّ إنّه لا يخفى أنّ دلالة هذه الروايات على التعميم منوط بكون الربا عبارة عن الزيادة في أحد العوضين المتجانسين في مطلق المعاوضات ، لا خصوص الزيادة في باب البيع أو القرض ، وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا مجال للتمسّك لعدم عمومه واختصاصه بالبيع وحده أو مع القرض فقط بأصالة الحلّ والإباحة ؛ وذلك لحكومة الإطلاقات عليهما.

وأمّا ما ذكره الطبرسي في تفسير آية {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] بقوله : أي أحلّ الله البيع الذي لا ربا فيه ، وحرّم البيع الذي فيه الربا (57).

فأوّلا : لا حجّية لتفسيره إنّ لم يكن مستندا إلى الرواية المعتبرة ، مع أنّه خلاف ظاهر الآية ؛ لأنّ ظاهرها الإطلاق وعدم اختصاصه بالبيع.

وثانيا : هو في مقام بيان مورد نزول الآية ردّا على ما كانوا يقولون بأنّ الربا مثل البيع ، والعبرة بعموم ألفاظ الآيات لا بخصوصيّة مواردها.

وثالثا : أنّ المطلقات والعمومات التي تدلّ على حرمة الربا في جميع المعاوضات كثيرة لا تنحصر في هذه الآية فقط.

وخلاصة الكلام : أنّ الروايات التي تدلّ على حرمة الربا مطلقا في أيّ معاوضة كانت كثيرة ، فلا بدّ من الحكم بدخوله في جميع المعاوضات التي تقع بين متّحدي الجنسين إذا كانا من المكيل أو الموزون ، إلاّ إذا جاء دليل على التخصيص في مورد.

وأمّا رواية إبراهيم بن عمر اليمانيّ عن أبي عبد الله عليه السلام : « قال الربا رباءان : رباء يؤكل ، ورباء لا يؤكل. فأمّا الذي يؤكل فهديّتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها ، فذلك الربا الذي يؤكل ، وهو قول الله عزّ وجلّ {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39]. وأمّا الذي لا يؤكل فهو الذي نهى الله عزّ وجلّ عنه وأوعد عليه النار » (58).

فإطلاق الربا على الثواب الذي يعطيه الله تبارك وتعالى عوضا عن الصدقة أو الهديّة إلى المؤمن ليس من الربا المعاملي الذي هو محلّ الكلام ، فعلى تقدير القول بالعموم ليس هو مخصّصا للعموم.

ثمَّ إنّ هاهنا فروعا بعضها راجع إلى الشرط الأوّل ، أي اشتراط ثبوت الربا بكون العوضين متّحدي الجنسين ، وبعضها راجع إلى الشرط الثاني ، أي كونهما من المكيل أو الموزون.

أما القسم الأول

فنذكره في ضمن مسائل‌ :

[ المسألة ] الأولى : ذهب أكثر الأصحاب إلى أنّه لا يجوز بيع الحنطة بالشعير إلاّ مثلا بمثل ، بل هذا القول هو المشهور ، بل لم ينقل الخلاف إلاّ من ابن إدريس (59) ولذلك قال في الجواهر : بل كادت تكون إجماعا ، وحكى الإجماع عن الغنية (60) ومحكي خلاف الشيخ (61).

والأقوى هو القول المشهور.

وذلك أوّلا : لما تقدّم من رواية هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سئل عن الرجل يبيع الرجل الطعام الأكراد ، فلا يكون عنده ما يتمّ له ما باعه ، فيقول له : خذ منّي مكان كلّ قفيز من حنطة قفيزين من شعير ، حتّى تستوفى ما نقص من المكيل ، قال عليه السلام : « لا يصلح لأنّ أصل الشعير من الحنطة ، ولكن يردّ عليه الدراهم بحساب ما نقص من الكيل » (62).

وثانيا : لرواية أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « الحنطة والشعير رأسا برأس لا يزاد واحد على الآخر » (63).

وأيضا لرواية الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال عليه السلام : « لا يباع مختومان من‌ شعير بمختوم من حنطة ، ولا يباع إلاّ مثلا بمثل ، والتمر مثل ذلك » (64).

وروايات كثيرة بهذا المضمون ، أو ما قريب منه جمعها في الوسائل في الباب الثامن من أبواب الرباء ، (65) ، إنّ شئت فراجع.

وثالثا : لما ذكره العلاّمة في التذكرة : أنّ معمّر بن عبد الله بعث غلاما له ، ومعه صاع من قمح فقال : اشتر شعيرا ، فجاءه بصاع وبعض صاع ، فقال له : ردّه ، فإنّ النبيّ صلى الله عليه واله نهى عن بيع الطعام بالطعام إلاّ مثلا بمثل ، وطعامنا يومئذ الشعير (66).

وأيضا تقدّم ما رواه الصدوق بإسناده عن عليّ عليه السلام قصّة زرع آدم وحوّاء وأنّ كلّ واحد منهما قبض قبضة من الحنطة التي جاء بها جبرئيل عليه السلام وقال آدم لحوّاء : لا تزرعي أنت ، فلم تقبل من آدم ، فكلّما زرع آدم من تلك الحنطة جاء حنطة ، وكلّما زرعت حوّاء جاء شعيرا (67).

والمقصود من نقل هذه الرواية أنّ أصل الحنطة والشعير واحد ، فيكونان فرعين من أصل واحد ، وكلّما كان هكذا فبيعه مع الفرع الآخر من متّحدي الجنس يدخل فيه الربا. وقد ذكرنا فيما تقدّم أنّه عليه السلام علّل عدم جواز بيع الحنطة بالشعير إلاّ مثلا بمثل بأنّهما من أصل واحد ، وفي أغلب هذه الروايات هذا التعليل موجود ، وقلنا يلزم الأخذ بهذا التعليل في جميع الموارد والفروع التي من هذا القبيل.

فالاختلاف في الاسم والعنوان لا أثر له مع هذا التعليل ؛ ولذلك ترى أنّه في أغلب الفروع التي مرجعها إلى أصل واحد ، الأسماء والعناوين مختلفة ، ومع ذلك حكم الأصحاب بدخول الربا فيها.

ألا ترى أنّ الأقط مع الدهن فيما إذا أخذا من حليب واحد اسمان وعنوانان مختلفان ، بل يمكن أن يقال هما نوعان ومهيّتان ، ومع ذلك كلّه عدّهما الأصحاب من جنس واحد لرجوعهما إلى أصل واحد ، فكلّ واحد منهما بعض من ذلك الحليب الذي أخذا منه.

فإذا أحطت بما ذكرنا تعرف ما في كلام ابن إدريس (68) ـ أنّه لا خلاف بين المسلمين العامّة والخاصّة ، ولا بين أهل اللغة واللسان في أنّهما مختلفان ، وأنّه لم يذهب إلى الاتّحاد غير شيخنا أبي جعفر والمفيد ومن قلّده في مقالته ـ من العجب والغرابة.

وأمّا استشهاده بفتاوى ابني بابويه ـ أي الصدوقين ـ والمرتضى أعلى الله مقامهم من عدم البأس ببيع الواحد بالاثنين إذا اختلف الجنس ، ففي غير محلّه ؛ من جهة أنّ الدعوى هاهنا أنّهما من جنس واحد باعتبار أنّهما من أصل واحد ، فقياسهما بمختلفي الجنس وإدراجهما فيه لا يجوز.

وأمّا ذهاب ابن أبي عقيل وابن الجنيد (69) إلى جواز بيعهما بأن يكونا العوضين مع التفاضل ، فلا يضرّ بما ذكرنا ؛ لوضوح الدليل فيما هو خلاف ما أفادا ، فلا ينبغي التأمّل في عدم جواز بيع الحنطة بالشعير مع التفاضل في أحدهما ، بل لا بدّ وأن يكون مثلا بمثل وزنا أو كيلا.

[ المسألة ] الثانية : قال في الشرائع (70) : ثمرة النخل جنس واحد وإن اختلفت أصنافه ، فلا يجوز بيع منّ من الخستاويّ الذي هو من الصنف الجيّد مثلا بمنّين من الدقل الذي هو من الصنف الرديّ ، وهكذا الأمر في الزاهدي والبرنيّ والدقل ، فلا يجوز بيع مدّ من البرنيّ بمدّين من الدّقل.

و يدلّ على ذلك روايات :

منها : ما رواه سيف التّمار قال : قلت لأبي بصير : أحبّ أن تسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل استبدل قوصرتين [71] فيهما بسر مطبوخ بقوصرّة فيها تمر مشقّق ، قال : فسأله أبو بصير عن ذلك فقال عليه السلام : « هذا مكروه ». فقال أبو بصير : ولم يكره؟ فقال عليه السلام : « إنّ علىّ بن أبي طالب عليه السلام كان يكره أنّ يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ؛ لأنّ تمر المدينة أجودهما ـ أدومهما خ ل ـ ولم يكن عليّ عليه السلام يكره الحلال » (72).

ومنها : ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال عليه السلام : « لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة ، ولا يباع إلاّ مثلا بمثل ، والتمر مثل ذلك » (73).

ومنها : ما رواه سماعة ، قال : سألته عن الطعام والتمر والزبيب؟ فقال عليه السلام :

« لا يصلح شي‌ء منه اثنان بواحد ، إلاّ أن يصرفه نوعا إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس اثنان بواحد أو أكثر من ذلك. » (74) ‌

ويظهر من هذه الروايات أنّه لا يجوز بيع التمر بالتمر إلاّ مثلا بمثل ، وإن كان العوضان مختلفين صنفا ، كما لو كان أحدهما جيّدا والآخر رديّا ، ثمَّ إنّ ثمرة الكرم أيضا مثل ما ذكرنا في ثمرة النخل ، جميعها جنس واحد ، فالعنب على كثرة أقسامه ـ حتّى قيل أنّ في بعض البلاد خمسة وعشرين قسما منها موجود ، وقد نظم الشيخ الجليل‌ بهاء الدين العامليّ ; تعالى قصيدة في أقسام عنب بلدة هراة ـ فلا يجوز بيع أي قسم منها بلغ ما بلغ في الجودة بالتفاضل بأيّ قسم بلغ ما بلغ في الرداءة.

والذي يستفاد من الأخبار الصادرة عن الأئمّة الأطهار أنّ الشارع بعد ما حكم بدخول الربا في متّحدي الجنسين ، اعتبر في الاتّحاد كونهما من نوع واحد ومهيّة واحدة ، ولم يعتن بالمميّزات الصنفيّة ، نعم ألحق الشارع بمتّحدي الجنس كونهما فرعين لجنس واحد ، أو كون أحدهما فرعا والآخر أصلا كالسمن والأقط أو الحليب والزبد وهكذا. وهذا الحكم يجري في جميع أنواع الفواكه التي من المكيل أو الموزون ، ولا اختصاص له بالنخل والكرم.

مثلا المشمش له أصناف ، بعضها في غاية الجودة ، وبعضها الآخر في غاية الرداءة ، فلا يجوز استبدال منّ الجيدة بمنّين من الرديّ ، وكذلك التفّاح ، وكذلك المخضرات التي من المكيل والموزون ، فلا يجوز تبديل كيلو واحد من الباذنجان الطرحي العراقي بكيلوين من باذنجان الهندي ، ولا وقية واحد من اليقطين الصغير الطريّ الجديد بوقيتين من الكبار الغير الطريّ العتيق الذي يبس وذهب ماؤه.

وأيضا لا يجوز تبديل منّ من بطّيخ گرگاب أصفهان بمنين أو أكثر من البطّيخ العاديّ ، وكذلك الأمر سفرجل أصفهان مع السفرجل العاديّ ، وكذا الحال في سفرجل نطنز مع العادي منه الموجود في سائر البلاد.

وخلاصة الكلام : أنّ المناط في الجميع واحد ، وهو الاختلاف في الصنف والاتّحاد في النوع ، وإن كان أحدهما جيّدا والآخر رديّا ، وعلى هذه المذكورات فقس ما سواها.

المسألة الثالثة : الاختلاف والاتّحاد في الجنس في اللحوم تابع للاختلاف والاتحاد في أصولها ، بمعنى أنّه ينظر إلى الحيوان الذي هذا اللحم منه ، فإن كان في كلا العوضين حيوانا واحدا شخصا أو صنفا أو نوعا فيكون العوضان من متّحدي الجنس.

وأمّا إن كان أحدهما من نوع والآخر من نوع آخر ، مثل أن يكون أحدهما من‌ البقر والآخر من الغنم ، فلا يكونان من متّحدي الجنس ، ولا يثبت الربا فيهما ، ويجوز بيعهما متساويا ومتفاضلا ولا اعتبار بوحدة الاسم وإطلاق لفظ اللحم عليهما ؛ لأنّ لفظ اللحم مثل لفظ الحيوان موضوع للمعنى الجنسي لا النوعيّ ، واللحوم المندرجة تحت اسم اللحم حقائق مختلفة ، مثل الحيوانات المندرجة تحت مفهوم الحيوان.

وعلى كلّ حال هذه المسألة ـ أي كون الاختلاف في اللحوم بحسب اختلاف أصولها ـ إجماعيّ لا خلاف فيها.

نعم قد يكون الأصلان في العوضين مختلفين بحسب الاسم ، ولكن متّحدان بحسب الحقيقة ، كالبقر والجاموس في نوع الأبقار ، والعرابي والبخاتي في نوع الإبل ، والماعز والضأن في نوع الغنم ، وهكذا ، وهذه المذكورات ليست من اختلاف الأصول ، بل هي أصناف حقيقة واحدة ، ومثل هذا الاختلاف الاسمي دون الحقيقي في أغلب أصناف الأنواع موجود ، ومع ذلك يثبت الربا فيها إن كانت من المكيل والموزون.

إذا عرفت ما ذكرنا ، ففي هذه المسألة فروع يعرف حكمها مما ذكرنا :

منها : أنّ لحم الطيور يختلف باختلاف نفس الطيور ، وأنّها حقيقة واحدة أو مختلفة ، فإن كان اللحم في العوضين من الطيرين المختلفين بحسب الحقيقة فلا رباء ، وأمّا إن كان من واحد شخصا أو صنفا أو نوعا فيثبت فيه الرباء ، والذكورة والأنوثة في كلّ نوع ليس من الاختلاف في الحقيقة ، فلحم الديك والدجاجة ليسا من المختلفين.

نعم وقع الخلاف في بعض العناوين والأسماء في أنّ الأقسام المندرجة تحت ذلك الاسم أنواع وحقائق مختلفة ، أو أصناف وكلّها من أفراد حقيقة واحدة؟ وذلك كالحمام والغراب والعصفور ، فالعصفور بناء على أن يكون عبارة عن الطيور الصغار فلا شكّ في أنّها أنواع مختلفة ، وكذلك الحمام إذا كان عبارة عمّا هدر فأيضا أنواع‌ مختلفة ؛ لأنّ الفواخت غير القماري.

وخلاصة الكلام : أنّه إذا عرف وعلم أنّها حقيقة واحدة أو مختلفة فهو ، وإلاّ فلا بدّ من الإحالة إلى العرف ، وأنّهم هل يرونها حقيقة واحدة أو حقائق مختلفة ، فتأمّل.

ومنها : أنّ لحوم الأسماك هل هي مختلفة مع لحوم سائر الحيوانات أم لا؟

وممّا ذكرنا وتقدّم لا ينبغي أن يشكّ في اختلافها مع سائر اللحوم في ذلك ؛ لاختلاف الأصول ، إذ لا شكّ في اختلاف السمك ـ من أيّ قسم كان ـ مع البقر أو الغنم مثلا.

نعم يحتمل أن يكون لحوم أنواع الأسماك كالشبوط والقطان والبني من حقيقة واحدة ، وأن يكون هذه الأسماء عناوين الأصناف لا الأنواع ، ويحتمل أن يكون حقائق مختلفة.

والأشبه هو الأوّل ؛ وذلك لأنّ الاختلاف بين هذه الأقسام الثلاثة المذكورة ليس أشدّ من الاختلاف بين أصناف الغنم ، كالماعز والضأن ، فلا يجوز بيع البنّي بالقطّان مثلا مع التفاضل ، بناء على أنّهما من الموزون. وأمّا لو كان يباع جزافا ولم يكن من الموزون فهو خارج عن محلّ الكلام.

ومنها : أنّ الجراد مع سائر اللحوم مختلف ، وليس من متّحد الجنس مع كلّ واحد منها ، بل هو جنس بانفراده. وهذا واضح.

ومنها : أنّ الوحشيّ من كلّ نوع ليس من المتّحد في الجنس مع الأهلي منه ؛ وذلك من جهة أنّهما في الحقيقة ليسا من نوع وحقيقة واحدة. وإطلاق الاسم غالبا من جهة الشباهة في الشكل ، وهكذا البرّي والبحري منه. نعم قد يتّفق في بعض أنواعهما وحدة حقيقتهما ، كما أنّه يقال إنّ الجاموس الوحشي مع الأهلي كذلك ، وأيضا يقال في الثور الوحشي والأهلي إنّهما كذلك. والحاصل : أنّ المدار على وحدة الحقيقة.

نعم ما ذكرنا من الاختلاف ظاهر في الغنم الوحشي وهي الظّباء مع الغنم الأهلي ، وكذلك الحمر الوحشيّة مع الأهليّة. ولكن الظاهر من جماعة دعوى الإجماع على الاختلاف وعدم الاتّحاد في الجميع.

قال في الجواهر : ولو لا هذا الاتّفاق لأمكن المناقشة في ذلك ؛ أي في هذه الكلّية أي الاختلاف في الجميع (75). وما ذكره متين جدّا.

ومنها : أنّ أعضاء الحيوان ملحق بلحمه أم لا؟ بمعنى أنّ كبد حيوان مثلا أو كرشه أو قلبه أو كليته في حكم لحمه ، فلا يجوز تبديل ما ذكر مع لحم حيوان يكون من جنس ماله هذه المذكورات؟

الظاهر هو الأوّل ؛ لأنّها أجزاء الحيوان ، فإذا كان هذا الحيوان من المتّحد في الجنس مع الحيوان الآخر ، فأجزاؤه أيضا تكون كذلك ، فحال أعضائه حال لحمه.

المسألة الرابعة : قال في الشرائع : الألبان تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف (76).

وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه ، بل في التذكرة (77) الإجماع عليه ، فلبن الغنم مخالف للبن البقر ، كما أنّ لبن البقر مخالف للبن الإبل ، والغنم ما عزه وضأنه حيث أنّهما ولحمهما متّحدان ، فلبنهما أيضا كذلك ، وحيث أنّ البقر والجاموس جنس واحد فلبنهما أيضا من الجنس الواحد ، وبناء على أن يكون الوحشيّ من كلّ نوع مخالفا للأهلي منه ، فكذلك لبنهما أيضا (78).

وما تقدّم منّا من المناقشة في بعض أقسام الوحشي والأهلي ، والاحتمال بل ظهور الاتّحاد يأتي في ألبانهما أيضا ؛ لما تقدّم أنّ الألبان في حكم ذي اللبن.

والعمدة في هذا الحكم هو الإجماع المدّعى في المقام ، وإلاّ فالاستحسانات التي‌ ذكروها لا اعتبار بها ، فإنّ دين الله لا يصاب بالعقول.

وما يقال من أنّنا نرى بالوجدان اختلاف الألبان من حيث الآثار باختلاف ذوي الألبان ، وإن كان حقّا ـ حتّى أنّ الحيوان الشخصي يختلف ألبانه من حيث الآثار باختلاف الأغذية ؛ ولذلك كانت الأطبّاء يعطون الدواء للأمّ التي رضيعها كان مريضا فضلا عن ألبان الحيوانات المختلفة نوعا ومهيّة ـ ولكن مع ذلك لو لم يكن الحكم اتفاقيّا ومورد الإجماع لا يمكن إثباته بهذه الأمور ، مع حكم العرف بأنّ اللبن عن جميع الحيوانات حقيقة واحدة. اللهمّ إلاّ أن يقال بأنّه عند العرف أيضا مختلف باختلاف ذي اللبن ، أو علمنا بالتجزية والتحليل أنّها حقائق مختلفة.

المسألة الخامسة : قال المحقّق في الشرائع : الأدهان تتبع ما تستخرج منه (79).

أقول : الأدهان إمّا تستخرج من حليب الحيوانات ، وإمّا من شحومها ولحومها أو سائر أعضائها ، وإمّا من النباتات أي من أثمارها ، كدهن اللوز والجوز والزيتون وأمثالها ؛ فهذه أقسام ثلاثة :

أمّا القسم الأوّل : فحالها حال الحليب الذي استخرج منه ، وقد تقدّم في المسألة السابقة أنّ الألبان تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف ، فبناء على هذا الدهن المستخرج من حليب الغنم بأقسامه ، ما عزه وضأنه ، لا يجوز بيعه بالتفاضل مع دهن آخر من حليب الغنم ، وأمّا دهن حليب الغنم مع دهن حليب البقر أو الإبل ، أو غيرهما من نوع آخر غير الغنم فلا يأتي فيه الربا.

والحاصل : أنّ حال الدهن في التجانس والاختلاف حال اللبن الذي يستخرج منه.

وأمّا القسم الثاني : أي الدهن الذي يستخرج من بدن الحيوان ، فحاله حال بدن الحيوان ولحمه وأعضائه ، وقد تقدّم تفصيل ذلك.

وأمّا القسم الثالث : أي دهن النباتات ، فلا شكّ في أنّ دهن الزيتون ـ مثلا ـ غير دهن الجوز واللوز ، وليس من جنسهما ، بل هي حقيقة أخرى ، وكذلك دهن الزيت غير السمن بحسب الحقيقة.

وقد ورد في الروايات جواز بيع الزيت بالسمن اثنين بواحد ، كما في رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : وسئل عن الزيت بالسمن اثنين بواحد ، قال عليه السلام : « يدا بيد لا بأس به ». (80) فرتّب عليه السلام حكم المختلفين عليهما.

فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الأدهان كما أفاده المحقّق (81) تتبع ما يستخرج منه في التجانس والاختلاف.

وأمّا الخلول فواضح أنّها في التجانس والاختلاف تتبع ما يعمل منه ؛ لأنّها في الحقيقة نفس ما يعمل منه مع تبدّل في الصفة ، فخلّ العنب ليس من جنس خلّ التمر ؛ لأنّ العنب ليس من جنس التمر ، فيجوز بيع خلّ العنب بخلّ التمر بالتفاضل يدا بيد ، أي نقدا.

وبعد ما ظهر ممّا تقدّم أنّ حكم الفرع حكم الأصل ، وأنّه لا يجوز بيع الأصل بالفرع مع التفاضل ، ولا أحد الفرعين من أصل واحد بالآخر مع التفاضل ، فلا يجوز بيع عصير العنب بخلّ العنب متفاضلا ، ولا عصير التمر بخلّ التمر متفاضلا ، ولا نفس العنب بخلّه كذلك ، ولا نفس التمر بخلّه كذلك.

المسألة السادسة : يجوز بيع المركّب من الجنسين أو المجموع من جنسين بأحدهما ، وبالمركّب منهما ، بالمجموع منهما ، وبغيرهما متساويا ومتفاضلا في الجميع ، ولكن فيما إذا كان بيع المجموع أو المركّب منهما بأحدهما ، يشترط في الثمن أن يكون فيه زيادة على مقابله المجانس له ، كي تكون تلك الزيادة عوضا عن ذلك الجزء الآخر‌ الغير المجانس له ، وإلاّ يلزم أحد الأمرين : إمّا الربا ، وإمّا دخول ذلك الجزء الآخر الغير المجانس للثمن في ملك المشتري بلا عوض ومجّانا ، وكلاهما باطلان.

واشترط بعضهم في تلك الزيادة أن تكون بمقدار يكون قابلا لأن تقع ثمنا لذلك الجزء منفردا ، بل ومع الانضمام ، وادّعى في الجواهر (82) عدم وجدان الخلاف في ذلك ، بل الإجماع بقسميه. ولكن عرفت أنّ هذا الحكم مع الشرط المذكور مقتضي القواعد الأوليّة ، ولو لم يكن إجماع في البين.

نعم يجب تحصيل العلم بزيادة الثمن فيما إذا باع المجموع بأحدهما بمقدار يصلح للمقابلة مع الجزء الآخر الغير المجانس له ، وإلاّ لا يمكن الحكم بصحّة مثل هذه المعاملة ؛ لأنّ التمسّك بالعمومات والإطلاقات عند الشكّ هاهنا يكون من التمسّك بالعموم والإطلاق في الشبهة المصداقيّة للمخصّص.

المسألة السابعة : يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه ، وذلك كأن يبيع لحم الغنم بشاة ، أو لحم الماعز بضأن ، أو لحم البقر ببقرة أو ثور وهكذا.

والعمدة في دليله قوله عليه السلام في رواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمّد صلى الله عليه واله عن أبيه : « أنّ عليّا عليه السلام كره بيع اللحم بالحيوان » (83).

والاستدلال بهذه الرواية على الحرمة مبنىّ على ما روي في الروايات المعتبرة وتقدّم ذكرها « أنّ عليا عليه السلام كان لا يكره الحلال » (84) مؤيّدا بالنبوي صلى الله عليه واله وإن كان عاميّا : « نهى النبيّ صلى الله عليه واله عن بيع اللحم بالحيوان » (85).

مضافا إلى الإجماع المدّعى في المقام وحكى في الجواهر (86) عن المختلف أنّه لم نقف فيه على مخالف منّا غير ابن إدريس فجوّز ، وقوله محدث لا يعوّل عليه ولا ينثلم به الإجماع. ونسب في الدروس قوله إلى الشذوذ ، وعلى كلّ حال رواية غياث في حدّ نفسها موثّقة ، وبضميمة الإجماع على مضمونه بعد ما كان المراد من الكراهة الحرمة بضميمة الروايات المعتبرة ، يكون اعتباره قويّا ، فتكون حجّة قويّة على الحرمة.

والظاهر من لفظ « الحيوان » في الحديث وفي رواية غياث هو الحيوان الحيّ ، وهو ليس من الموزون ؛ ولذلك يجوز بيع شاة بشاتين ؛ لأنّه لا ربا في غير المكيل والموزون ، فالحرمة ليست ـ من ناحية كونه رباء ، بل من ناحية ورود النهي والتعبّد.

فما ذكره العلاّمة في التذكرة (87) من القول بالكراهة ونفي الحرمة من جهة عدم كونه رباء ؛ لفقد شرطه وهو كونه مكيلا أو موزونا ، فيكون الأصل سالما عن المعارض الحاكم عليه ـ لا يتم ؛ لما ذكرنا من أنّ عدم صحّته وحرمته ليس من جهة كونه ربا ، بل من جهة الأدلّة المذكورة.

ثمَّ إنّه بنا على ما ذكرنا من أنّ حرمة بيع اللحم بحيوان من جنسه ليس من جهة كونه رباء ، فهل يحرم بغير جنسه أيضا ، كما إذا باع لحم شاة ببقرة أم لا؟ مبنيّ على أنّ المراد من الحيوان في الرواية وفي الحديث خصوص الحيوان الذي من جنس اللحم ، أم مطلق الحيوان ، وكذلك معقد الإجماع خاصّ أو عام.

أقول : أمّا الأخير : أي معقد الإجماع ، فمن الواضح عدم شموله لبيع اللحم بغير جنسه ؛ لأنّ المشهور بين المتأخّرين بل ادّعى الإجماع بعضهم ، هو جواز البيع بغير جنسه ، مثل أن يبيع لحم الشاة بالبقر مثلا ، ومع ادّعاء هذا الإجماع والشهرة المحقّقة خصوصا بين المتأخّرين كيف يمكن القول بشمول إجماع المنع عن بيع اللحم بجنسه للبيع بغير جنسه.

نعم لفظ « الحيوان » في رواية غياث وفي الحديث الذي رواه الجمهور عن سعيد بن المسيّب مطلق يشمل ما كان من جنس اللحم وما لم يكن ، وغاية ما يمكن ادّعاء الانصراف فيه هو كونه حيّا ، وأمّا كونه من جنس اللحم فلا موجب له أصلا. وقد تقدّم أنّ النهي ليس من جهة كونه ربا كي يقال بأنّه لا يأتي إلاّ في مورد اتّحاد جنس الحيوان مع اللحم ، فمقتضى الإطلاق لو لا الإجماع المدّعى في المقام ، هو المنع حتّى عن بيعه بغير جنسه ، وهو الموافق للاحتياط ، فلا يبعد حرمة بيعه حتّى بغير جنسه.

وأمّا ما استدلّ به العلاّمة في التذكرة (88) بأنّه يجوز بيع لحم الحيوان بلحم غير جنسه فبيعه به حيّا أولى ، فهذا القياس على تقدير صحّته والقول به يأتي فيما إذا كان منشأ المنع هو حصول الرباء ، وأمّا لو كان منشأ المنع إطلاق الحديث والرواية كما ذكرنا ، فلا مورد له أصلا.

نعم بناء على هذا يجب الاقتصار على ما يصدق عليه اللحم ، فمثل الكرش والكبد والكلى والقلب وكلّ ما لم يصدق عليه اللحم ، خارج عن هذا الإطلاق.

ثمَّ إنّ ظاهر الحديثين هو وقوع اللحم مثمنا ؛ لأنّ هذا هو معنى بيع اللحم بالحيوان ، فالمبيع هو اللحم والثمن هو الحيوان ، ولكن ظاهر الفتاوى عدم الفرق في الحرمة بين كونه ثمنا أو مثمنا ، بل ظاهر معقد الإجماع هو شموله لكلا القسمين.

ثمَّ إنّ في هذه المسألة فروعا لا بأس بذكرها :

الأوّل : هل يجوز بيعه بالحيوان غير مأكول اللحم ، أم لا؟ ظاهر كلام العلاّمة في التذكرة (89) هو الإجماع على الجواز ؛ لتعبيره بأنّه يجوز عندنا ، وكلمة عندنا ظاهر في اتّفاق الطائفة ، وهو الإجماع.

ولكن الدليل الذي يذكره للجواز قياس أوّلا ، وثانيا في غير محلّه ؛ لأنّ إتيانه مبنيّ على كون الحرمة والمنع لأجل كونه من الربا ، وقد بيّنّا فساد هذا التوهّم. وعمدة الدليل على الجواز قصور أدّلة المنع عن شمولها للحيوان غير مأكول اللحم ، آدميّا كان أو غيره كالسباع مثلا.

أمّا الإجماع ، فالقدر المتيقّن منه هو حيوان مأكول اللحم ، وأمّا الحديثان فلانصراف لفظ الحيوان عن الآدمي قطعا ، وعن السباع وأمثالها ظاهرا ؛ فالمنع لا دليل عليه ، فمقتضى الإطلاقات صحّة المعاملة ، ولو وصلت النوبة إلى الأصل فهي الصحّة والجواز.

الثاني : أنّه يجوز بيع اللحم بالسمكة الحيّة ، وبيع لحم السمك بالحيوان الحيّ ؛ وذلك لأنّ القدر المتيقّن من الإجماع ما عدا ذلك ، وانصراف الحديثين عن مثل هذه الموارد.

وقال العلاّمة (90) في دليله لما تقدّم ، وجوابه ما تقدّم.

الثالث : قال في الشرائع (91) وفي التذكرة (92) أيضا : إنّه يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية ، وزاد في الجواهر (93) : كما في التذكرة أيضا ، أو دجاجة فيها بيضة أو ببيضة فقط من دون كون دجاجة معها.  

والوجه في الجميع أنّ شمول الإطلاقات وأدلّة صحّة البيع لا مانع عنها ، إلاّ كون المعاملة ربويّة ، ولا رباء هاهنا ؛ لأنّ المورد ليس بمكيل ولا بموزون ، ولا رباء إلاّ فيما يكال أو يوزن ؛ ولذلك لا مانع من بيع البيضة الواحدة ببيضتين ، لأنّه أيضا ليس بمكيل ولا بموزون ، كما يجوز بيع شاة في بطنها ولد بشاة ليست كذلك ، كما أنّه يجوز بيع شاة بشاتين ، وبيع شاتين بشاة ، كلّ ذلك لأجل‌ انتفاء شرط الرباء ، وهو عدم كونه من المكيل أو الموزون.

المسألة الثامنة : قال في التذكرة : كلّ ما له حالتا رطوبة وجفاف من الربويّات يجوز بيع بعضه ببعض مع تساوي الحالين إذا اتّفق الجنس ، وإن اختلف جاز مطلقا (94).

أقول : الأشياء التي لها حالتا رطوبة وجفاف ، كالعنب والتمر ، بل أغلب الفواكه والمخضرات ، كبادنجان وبانية مثلا ، ففي جميعها تارة تقع المعاملة بين متّفقي الجنس والحالة ، مثل أن يبيع العنب بالعنب ، أو الرطب بالرطب ، أو التمر بالتمر ، أو الزبيب بالزبيب ، وهكذا في سائر الموارد ، فمع الاختلاف كيلا في المكيل ووزنا في الموزون باطل ؛ لكونه من الربا المحرّم ، وأمّا مع التساوي فلا مانع في البين ؛ لعدم الربا ، وشمول الإطلاقات له.

وربما يقال بعدم صحّة الرطب بالرطب ؛ لعدم العلم بتساويهما بعد الجفاف وفي حال الادّخار ، مع أنّ الغرض والمقصود من المعاملة هو الادّخار.

وفيه : أوّلا : أنّ التفاوت بينهما غالبا يكون بمقدار يسير ، بحيث يتسامح العرف في ذلك المقدار ولا يعتني به ، وذلك كما إذا بيع الحنطة التي فيها شي‌ء يسير من التراب أو خليط آخر الذي لا يخلو الحنطة منه غالبا ، فبعد ما جفّا وإن كان من الممكن أن يكون الجفاف في أحدهما أكثر وأزيد ، فيختلف وزنهما بالدقّة ، ولكن الاختلاف قليل بحيث لا يعتنى به.

وثانيا : أنّ المعتبر في عدم تحقّق الربا تساويهما حال وقوع المعاملة وصدور العقد ، أي النقل والانتقال شرعا ، وأمّا خروجه عن المساواة بعد وقوع المعاملة فلا يوجب صيرورتها رباء.

وثالثا : ليس الغرض من المعاملة دائما هو الادّخار والإبقاء ، بل المقصود أكلها رطبا ، وإنّما يكون التبديل لأجل أغراض أخر.

ورابعا : هناك بعض أقسام العنب والرطب ليس قابلا لأن يزيب أو يتمر ، وكذلك البطّيخ ، فلا تبقى أمثال هذه الأمور كي يقع التفاوت بين يابسهما فيستشكل بلزوم الربا. فالأقوى جواز بيع الرطب منها بالرطب ، واليابس باليابس ، فيجوز بيع الرطب بالرطب ، والتمر بالتمر ، والعنب بالعنب ، والزبيب بالزبيب ، والحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة ، واليابسة منها باليابسة ، واللحم الطريّ بمثله ، القديد وبالقديد ، كلّ ذلك مع التساوي كيلا أو وزنا حال العقد.

هذا فيما إذا كان العوضان متّفقي الجنس والحالة ، وأمّا إذا كانا مختلفي الجنس فلا مانع ، ومقتضى العمومات والإطلاقات هي الصحّة ، وسواء كانا من المكيل أو الموزون أو لم يكونا كذلك ، وسواء كانا متّفقي الحالة أو كانا من مختلفيها ؛ وذلك لانتفاء شرط الربا وهو الاتّفاق في الجنس.

وأمّا إذا كانا من مختلفي الحالة ومتّفقي الجنس ، أي كان أحد العوضين المتجانسين رطبا والآخر يابسا ، مثل أن يبيع العنب بالزبيب ، أو الرطب بالتمر ، أو باع لحمانيّا بمقدّد ؛ أو بسرا برطب ، أو حنطة مبلولة بيابسة ، فهل يجوز بيع المذكورات وأمثالها متساويا ، أم لا؟

قال في الشرائع (95) : يجوز ؛ لتحقّق المماثلة ، وقيل بالمنع. ونسب في التذكرة (96) هذا القول ـ أي المنع ـ إلى المشهور عند علمائنا ، ولكن ظاهر الشرائع ترجيح القول الأوّل ، أي الجواز ؛ لإسناده القول بالمنع إلى القيل ، وإن كان قائله كثيرا. بل ادّعى العلاّمة في التذكرة أنّه المشهور عند علمائنا.

وقال في الشرائع : إنّ نظر المانعين إلى حصول النقصان عند الجفاف. وقد أجبنا عن ذلك بكفاية التساوي حال العقد ، وبه يثبت عدم كونه رباء ، ولا يلزم بقاؤه على هذه الصفة دائما.

 

فالعمدة في دليل المنع الأخبار والحديث الوارد في المقام:

أمّا الحديث : فقد روى الجمهور أنّ النبي صلى الله عليه واله سئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال صلى الله عليه واله : « أينقص الرطب إذا يبس؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « فلا إذن » (97).

وأمّا الرواية فمن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبيّ في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام : « لا يصلح التمر اليابس بالرطب ، من أجل أنّ اليابس يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص » (98).

وما رواه داود بن سرحان : « لا يصلح التمر بالرطب ، إنّ الرطب رطب ، والتمر يابس ، فإذا يبس الرطب نقص » (99).

وما رواه داود الأبزاري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : « لا يصلح التمر بالرطب ، إنّ التمر يابس والرطب رطب » (100).

وما رواه محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام في حديث : « أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل ، من أجل أنّ التمر ييبس فينقص من كيله » (101).

ودلالة الخبر الأخير على المنع مبنيّ على ما تقدّم ذكره أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان‌ لا يكره الحلال (102) ، فكراهته كاشفة عن كونه حراما.

ولكن هاهنا أخبار أخر تدلّ على الجواز :

كرواية سماعة عن الصادق عليه السلام قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن العنب بالزبيب؟

قال : « لا يصلح ، إلاّ مثلا بمثل ، قال : والتمر والرطب بالرطب مثلا بمثل » (103).

ورواية ابن أبي الربيع قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : « لا بأس ». قلت : فالبختج والعنب مثلا بمثل؟ قال : « لا بأس » (104).

ولا يخفى : أنّ ظاهر هاتين الطائفتين من الأخبار هي المعارضة ؛ لأنّ الطائفة الأولى ظاهرة في عدم جواز بيع التمر بالرطب أو الرطب بالتمر ، بل كلّ رطب باليابس من جنسه ومثله ؛ لعموم التعليل ، وهو قوله صلى الله عليه واله : « فلا إذن » لأنّ المراد من هذه الجملة حسب المتفاهم العرفي أنّه لا يجوز ؛ لأنّه ينقص. فكأنّه صلى الله عليه واله قال : إنّ كلّ ما ينقص بعد بيعه بمثله وجنسه متساويا كيلا أو وزنا ، فلا يجوز بيعه بمثله مثلا بمثل ، فيشمل كلّ فاكهة رطبة باليابس من جنسه ، بل وغير الفاكهة ، سواء كان رطوبته ذاتيّة كالفواكه الغضة وغيرها ، أو عرضيّة كالحنطة المبلولة وغيرها ممّا يرشّ عليه الماء ، وإن كان الرشّ لإصلاحه.

والطائفة الثانية ظاهرة في جواز بيع الرطب باليابس ، واليابس بالرطب ، نعم لا عموم لها بحيث يشمل كلّ رطب ويابس ، ولكن تدلّ على الجواز في نفس المورد الذي تدلّ الطائفة الأولى على عدم الجواز ، وهو بيع التمر بالرطب.

فالمشهور على ما في التذكرة (105) ذهبوا إلى عدم الجواز مطلق ، أو في جميع صور المسألة بناء منهم على عدم قابليّة الطائفة الثانية للمعارضة مع الأولى ؛ لضعفها ، وإعراض المشهور عنها ، فلا جابر لها.

وهذا القول قويّ لو لم يكن جمع دلالي في البين. وذهب إليه جمع كثير من أساطين الفقه ، وهم : القديمان (106) ، والشيخ في المبسوط ، (107) وابن حمزة في الوسيلة ، (108) والعلاّمة في التذكرة ، (109) والتحرير (110) والإرشاد (111) والمختلف (112) والقواعد (113) ، وغيره في اللمعة (114) والمقتصر (115) والمهذّب (116) والتنقيح (117) وإيضاح النافع والميسية المسالك (118) والروضة (119) والدروس وقد تقدّم أنّ العلاّمة وهو الفقيه المحقّق المتتبع ادّعى الشهرة.

ومقابل هذا القول هو القول بالجواز مطلقا ، حتّى في بيع التمر بالرطب الذي هو مورد روايات المنع. وهذا القول هو المحكي عن الشيخ في الاستبصار (120) وموضع من‌ المبسوط ، وعن ابن إدريس (121) وصاحب الكفاية (122) وصاحب الحدائق (123).

ووجه هذا القول : هو الجمع بين الطائفتين بحمل الأولى على الكراهة ، والثانية على الجواز بالمعنى الأعمّ الذي لا ينافي الكراهة ، بل أنكروا ظهور الطائفة الأولى في التحريم ؛ لأنّ المنع فيها إمّا بلفظ « لا يصلح » وهو ظاهر في الكراهة من أوّل الأمر ، وأمّا بلفظ « كره عليّ أن يباع التمر بالرطب » ولفظ الكراهة لا ظهور له في الحرمة ، وإن ورد أنّ عليّا كان لا يكره الحلال ، وفي بعض الروايات أنّه عليه السلام لا يكره إلاّ الحرام ، ومع ذلك كلّه لم يخرج لفظ الكراهة عن ظهوره في المعنى العرفي ، وهو مطلق المرجوحيّة.

وبناء على هذا لا تعارض ولا تنافي في البين كي يحتاج إلى الجمع الدلالي.

ثمَّ على تقدير ظهورها في الحرمة يرفع اليد عن ظهورها في الحرمة بنصّ الطائفة الثانية في الجواز ، وهذا جمع عرفيّ معمول به في المحاورات وعند الفقهاء ، ومعلوم أنّ الجمع الدلالي مقدّم على الترجيح السندي ، ومعه لا تصل النوبة إليه.

وفصّل بعض ، فقال بالمنع في خصوص بيع التمر والرطب أو بالعكس ، والجواز في غيره من الرطب واليابس ؛ وذلك لأجل النصّ في نفس هذا المورد ، واستظهار عدم العموم للعلّة ، بل تكون مختصّة بنفس المورد.

ولعلّه قال به المحقّق ؛ لأنّه يقول في الشرائع (124) وفي بيع الرطب بالتمر تردّد ، والأظهر اختصاصه بالمنع ؛ اعتمادا على أشهر الروايتين. ثمَّ يقول في الفرع الثاني : بيع العنب بالزبيب جائز ، وقيل لا ؛ اطّرادا للعلّة ، والأوّل أشبه. وكذا البحث في كلّ رطب مع يابسه.

فهذا القول من عقدين : عدم الجواز في الرطب والتمر ، والجواز في سائر موارد‌ الرطب واليابس. أمّا الأوّل للنصّ ، وأمّا الثاني فلعدم دليل على المنع ، وعدم عموم للعلّة ، وشمول إطلاقات أدلّة صحّة البيع له.

وهناك تفصيل آخر بعد الفراغ عن القول بالمنع في خصوص الرطب والتمر ، بين كون الرطوبة ذاتيّة كرطوبة الفواكه الغضّة ، وكونها عرضية كرطوبة الحنطة المبلولة مثلا ، فقالوا بالجواز في الأوّل ؛ لأنّ الرطوبة الذاتيّة التي في الجسم المرطوب تعدّ جزءا من ذلك الجسم المرطوب عرفا ، بل بالدّقة ، بخلاف الرطوبة العرضية فإنّها أجنبيّة عنه ، وأمر خارج عن حقيقة ذلك الجسم المرطوب حقيقة وعرفا ، ولا ماليّة لها كي يكون مجموع المالين بإزاء ذلك الآخر ، فيخرج عن كونه ربا ، بل يكون المبلول وحده من دون بلله عوضا عن الآخر ، والمفروض أنّه وحده متساو معه فيكون من البيع الربويّ.

وهذان التفصيلان في حد نفسهما وإن كانا لا يخلوان عن حسن ، ولكن لا تصل النوبة إليهما إلاّ بعد الفراغ عن عدم عموم للعلّة بالنسبة إلى التفصيل الأوّل ؛ إذ مع عموم التعليل لا يبقى فرق بين الرطب والتمر وبين سائر الفواكه الرطبة كلّ واحد منها مع اليابس من جنسه.

وأمّا التفصيل الثاني فمضافا إلى ما تقدّم ، لا يأتي إلاّ فيما إذا قلنا بأنّ المعتبر في التساوي وعدم تحقّق الربا هو أن يكون التساوي حال وقوع العقد لا بقاءه إلى الآخر ، وإلاّ لو قلنا بلزوم بقاء التساوي إلى الآخر ، فلا يبقى في كلا الشقّين ، فيبطل في كلتا الصورتين ، سواء كانت الرطوبة حال وقوع المعاملة ذاتيّة أو عرضيّة.

هذا ، مضافا إلى أنّ الفرق بينهما مبنيّ على كون الرطوبة الذاتيّة جزءا للمرطوب حقيقة أو عرفا دون الرطوبة العرضيّة كي تكون التساوي بين العوضين موجودا حال العقد في الأوّل دون الثاني ، وجميع هذه المباني والمقدّمات غير ثابت ، بل معلوم العدم.

والإنصاف : أنّ هذه الظنون لا يصحّ أن يبتني عليها الأحكام الشرعيّة ، ولا ينبغي‌ أن يعتنى بها ، فالعمدة في المسألة هو القول المشهور ، أي عدم الجواز مطلقا ، أو الجواز كذلك ؛ لدلالة الروايات المتقدّمة على المنع. وما ذكروه من أنّ مفادها الكراهة لا الحرمة غير تامّ. وإنكار اطّراد العلّة وعمومها لا وجه له وخلاف المتفاهم العرفيّ ، فالأحوط بل الظاهر هو القول المشهور ، أي المنع مطلقا ، والله العالم.

وخلاصة الكلام : أنّ التفاصيل التي ذكروها في المقام لا أساس لها ، وإن كان التفصيل الأوّل يستظهر من المحقّق شيخ الفقهاء في الشرائع ، (125) وتقدّم نقل عبارته ، فيدور بين القول بالمنع مطلقا أو الجواز مطلقا.

ولكن لا مجال للقول بالجواز مطلقا إلاّ بأحد أمرين ، وهما :

إمّا أن تكون الروايات المانعة غير ظاهرة في الحرمة ، بل تكون ظاهرة في الكراهة من جهة اشتمال بعضها على كلمة « لا يصلح » التي تكون ظاهرة في الكراهة ، أو كلمة « كره » كما في رواية محمّد بن قيس التي تقدّمت كذلك ؛ إذ بناء على هذا لا مانع من شمول الإطلاقات وعمومات الصحّة للمقام.

وإمّا من جهة الجمع الدلالي بينها وبين الطائفة الأخرى التي ظاهرها الجواز بحمل الأولى على الكراهة تحكيما للنصّ على الظاهر.

وأنت خبير بعدم صحّة كلا الأمرين :

أمّا الأوّل : فلأنّ قوله صلى الله عليه واله : « فلا إذن » بعد السؤال عن صحّة مثل ذلك البيع أو عدم صحّته في غاية الظهور في عدم جوازه وفساده ، وكذلك قوله عليه السلام : « لا يصلح » في الروايات الثلاث ، حيث أنّه عليه السلام ينفي الصلاحيّة عن مثل هذا البيع معلّلا بأنّ ما هو الرطب ينقص لجفافه فيما بعد ، فيخرج عن التساوي مع مقابله ، وهو شرط في صحّة بيع المتجانسين ، فبفقده ينتفي الصحّة ، فيكون نفي الصلاح في مثل هذا المورد مع هذا التعليل ظاهرا في فساد المعاملة وعدم جوازها ، وإن كان في حدّ نفسه يلائم مع الحرمة‌ والكراهة كليهما. نعم ظاهر هذه الروايات لزوم بقاء التساوي في العوضين المتجانسين.

وأمّا الثاني : فتقديم الجمع الدلالي على الترجيح السندي بعد الفراغ عن حجّيته ، بمعنى عدم خروجه عن موضوع الحجّية ، وأمّا إذا قلنا بأنّ موضوع الحجّة هو الموثوق الصدور ، وإعراض المشهور كان سببا لسلب الوثوق بصدوره وخروجه عمّا هو موضوع الحجّية ، فلا يبقى حجّة كي تصل النوبة إلى الجمع الدلالي.

فمورد هذا الكلام هو أنّه لو كان هناك خبران ، كلاهما ممّا يوثق بصدورهما ، ولم يعرض الأصحاب عن كلّ واحد منهما ، بل بعضهم عملوا بذاك وبعضهم عملوا بهذا ، وكان لأحدهما مرجّح سندي ولكن يمكن الجمع العرفي الدلاليّ بينهما ، ففي مثل هذا المورد يجب الجمع ، ولا يجوز الأخذ بذي المزيّة ، وطرح الآخر رأسا.

وهذا الذي ذكرنا جار في كثير من موارد الأخبار المتعارضة ، منها : الأخبار الواردة في نجاسة الكفّار ، مع الواردة في طهارتهم.

إذا تأمّلت فيما ذكرنا ، فنقول : إعراض المشهور عن الروايات التي لها ظهور في جواز مثل هذا البيع ، صار سببا لسلب الوثوق بصدورها ، فلا يبقى مجال للجمع الدلالي. هذا ، مضافا إلى التوجيهات التي ذكروها للروايات المجوّزة ، تركنا ذكرها لعدم الاحتياج إليها ، مع ضعف كثير منها.

المسألة التاسعة : فيما إذا باع أحد المتجانسين الربويين ، وفيه خليط بالآخر الخالص ، مثل أن باع حنطة فيها خليط بالأخرى الخالصة التي ليس فيها خليط من غير جنسه ، فلا يخلو إمّا أن يكون الخليط قليلا بحيث يتسامح فيه ولا يعتنى به في مقام المعاملة ، فلا إشكال فيه ؛ لأنّ العوضين بناء على هذا لا يخرجان عن التساوي عرفا ، فلا رباء. وإمّا يكون ممّا لا يتسامح فيه ، فإن لم يكن له ماليّة فالمعاملة باطلة ؛ لأجل حصول الربا ، لأجل عدم التساوي بين العوضين ، مع أنّهما من جنس واحد ؛ إذ الخليط لا يقع عوضا لعدم ماليّته ، والمفروض أنّ ما فيه الخليط أقلّ من الآخر بدون الخليط ، وبعد حذفه عنه.

وأمّا إن كان له ماليّة ، فالمعاملة صحيحة ولا رباء ، إذ الخليط يقع بإزاء الزيادة التي في الآخر قهرا ، وإن لم يكن مقصودا ، وذلك لقصد معاوضة المجموع بالمجموع ، فالخليط أيضا داخل في المجموع الذي قصد.

هذا إذا كان الخليط في أحدهما ، وأمّا إذا كان فيهما وليس له ماليّة ، فإذا كان العوضان المتجانسان متساويين مع قطع النظر عن الخليط ، فلا إشكال ولا رباء.

والوجه واضح. وأمّا إذا لم يكونا متساويين فرباء وباطل ، والوجه أيضا واضح.

وأمّا إذا كان لخليط كلّ واحد منهما ماليّة ، ففيما إذا لم يكن الخليط في كلّ واحد منهما من جنس المخلوط ، فالمعاملة صحيحة ، ولا إشكال لوقوع كلّ واحد من الخليطين مقابل العوض الآخر ولا رباء ، وعلى فرض أن يكون مقصود المتعاملين وقوع مجموع الخليط والمخلوط مقابل مجموع الآخر فلا إشكال ؛ لأنّ المجموع من كلّ واحد منهما ليس من جنس المجموع الآخر فيما إذا كان الخليط في كلّ واحد منهما من غير جنس الخليط الآخر.

ثمَّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الخليط إنّ كان فيهما ولم يكن له ماليّة ، وكان العوضان المتجانسان متساويين مع قطع النظر عن الخليط ، فلا إشكال أنّه يجب العلم بمقدار الخليط للزوم العلم بتساوي العوضين المتجانسين.

المسألة العاشرة : قال في الشرائع : يجوز بيع درهم ودينار بدينارين ودرهمين ، ويصرف كلّ واحد منهما إلى غير جنسه ، وكذا لو جعل بدل الدينار والدرهم شي‌ء من المتاع ، وكذا مدّ من تمر ودرهم بمدّين أو أمداد ودرهمين أو دراهم (126) . ‌

وخلاصة ما ذكره في هذه المسألة هو أنّه في بيع المتجانسين غير المتساويين إنّ ضمّ إلى الناقص شي‌ء آخر له ماليّة من غير جنسه ، كما إذا باع درهما ودينارا بدينارين‌ أو باعهما بدرهمين ، فيجوز مثل هذا البيع ولا رباء ، إذ يرتفع الرباء بواسطة الضميمة.

ففي الفرض الأوّل يقع الدينار مقابل أحد الدينارين ، والدرهم مقابل الدينار الآخر ، وما قلنا من وقوع كلّ واحد من الدينار والدرهم في مقابل الزائد الذي من غير جنسه جار فيما إذا كانت الضميمة شي‌ء من المتاع ، كأن يبيع درهما ومدّا من تمر بمدّين أو أمداد ، ودرهمين أو دراهم.

وكلامنا في صحّة هذه المعاملة من ناحية رفع الرباء بواسطة تلك الضميمة ، وأمّا كونها فاسدة من جهة أخرى ككونها سفهيّة ، أو من ناحية فقد شرط ، أو وجود مانع فلسنا في مقام تصحيحها من تلك الجهات.

وأمّا ما يقال من أنّ مجموع المجانس من ذلك الآخر مع الضميمة ليس مجانسا معه ، فبواسطة الضميمة يخرج العوضان عن كونهما متجانسين ، ولا يحتاج إلى التكلّف.

بأنّ الزيادة في مقام الضميمة وما عدا الضميمة في مقابل المقدار المساوي معه كيلا أو وزنا من مجانسه.

وكذا لا يحتاج إلى القول بأنّه فيما إذا كان العوضان مركّبا من جنسين ، يكون كلّ جنس من كل واحد من العوضين مقابل ما يخالفه من العوض الآخر ، مثلا لو باع مدّا من تمر ودرهمين بمدّين ودرهمين ، فيقع المدّ مقابل درهمين ويقع الدرهمان مقابل مدّين.

ففيه : أنّ المجموع ليس له وجود غير وجود أجزائه ، فلو لم نقل بما ذكرنا لزم الربا في بعض صور المسألة لا محالة.

مثلا لو باع مدّا ودرهما بمدّين ودرهمين ، فلو لم يكن الدرهم مقابل المدّين والمدّ مقابل درهمين ، يكون نصف الدرهمين وهو درهم واحد ، ونصف المدين وهو مدّ واحد مقابل نصف المبيع ، وهو نصف الدرهم ونصف المدّ. ومرجع هذا إلى أنّ درهما واحدا تامّا وقع مقابل درهم ، ومدّا كاملا وقع مقابل نصف ، بل من أوّل الأمر درهم ومدّ‌ وقع مقابل درهم ومدّ ، ودرهم وقع مقابل مدّ فيما إذا كان قيمة المدّ والدرهم متساويين ، فكلّ واحد من جزئي المبيع وقع في مقابله ما يساويه من مماثله مع الزيادة من غير مماثله.

وأمّا ما يقال من أنّ ما قلتم من أنّ كلّ واحد من جزئي المبيع يقع في مقابل ما يخالفه في الجنس فلا رباء في البين ، هو ليس بمقصود للمتبايعين ، بل مقصودهم معاوضة المجموع بالمجموع ، والعقود تابعة للقصود.

فهذا كلام حقّ ، ولذلك نقول صحّة هذه المعاملة ليس بمقتضى القواعد ، بل من جهة الإجماع والنصّ.

أمّا الإجماع فادّعاه جمع ، وقال العلاّمة في التذكرة (127) في المفروض ، أي بيع الجنسين المختلفين بأحدهما : إذا زاد على ما في المجموع من جنسه بحيث تكون الزيادة في مقابلة المخالف ، يجوز عند علمائنا أجمع.

وقال في الجواهر في شرح ما نقلنا عن الشرائع : بلا خلاف بيننا (128).

والحاصل أنّ جواز مثل هذه المعاملة اتفاقي بين الإماميّة ، وحكى في التذكرة (129) عن أبي حنيفة أيضا جواز هذه المعاملة ، وقال حتّى أنّ أبا حنيفة يقول بجواز بيع دينار في خريطة بمائة دينار.

والظاهر : أنّ مراده أنّ الخريطة تكون في مقابل تسع وتسعين ، والدينار الذي فيها مقابل دينار ، فلا يكون رباء في البين.

ولكن الإشكال أنّ الخريطة ربما ليس فيها صلاحيّة أن تقع في مقابل ذلك المبلغ الكثير ، ولذلك نشترط في الزيادة أن تكون لها ماليّة بمقدار يصلح للعوضيّة.

وأمّا النصوص الواردة في المقام :

فمنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها : فقلت له : أشتري ألف درهم ودينارا بألفي درهم؟ فقال عليه السلام : « لا بأس بذلك ، إنّ أبي عليه السلام كان أجرى على أهل المدينة منّي ، وكان يقول هذا ، فيقولون : إنّما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار. وكان عليه السلام يقول لهم : نعم الشي‌ء الفرار من الحرام إلى الحلال » (130).

ومنها : أيضا عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « كان محمّد ابن المنكدر يقول لأبي عليه السلام : يا أبا جعفر رحمك الله والله إنّا لنعلم أنّك لو أخذت دينارا والصرف بثمانية عشر فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدته ، وما هذا إلاّ فرارا ، فكان أبي عليه السلام يقول : صدقت والله ، ولكنّه فرار من باطل إلى حقّ » (131).

ومنها : عنه أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل يأتي بالدراهم إلى الصيرفي : فيقول له : آخذ منك المائة بمائة وعشرين ، أو بمائة وخمسة حتّى يراوضه على الذي يريد ، فإذا فرغ جعل مكان الدراهم الزيادة دينارا أو ذهبا ، ثمَّ قال : قد زادت البيع وإنّما أبايعك على هذا ، لأنّ الأوّل لا يصلح أو لم يقل ذلك ، وجعل ذهبا مكان الدراهم ، فقال : « إذا كان آخر البيع على الحلال فلا بأس بذلك ». قلت : فإن جعل مكان الذهب فلوسا ، قال : « ما أدري ما الفلوس » (132).

ومنها : ما عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا بأس بألف درهم ودرهم‌ بألف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس » (133).

فهذه الروايات لها دلالات واضحة على صحّة هذه المعاملة وعدم الإشكال فيها ، فهذا حكم تعبّدي من قبل الشارع.

المسألة الحادية عشر : في أنّه لو خرجت الضميمة التي ذكرناها في المسألة السابقة عن ملك البائع بواسطة تلفها قبل قبض المشتري ، أو كانت ممّا لا يجوز للبائع التصرّف فيها لكونها ملكا للغير ، أو كانت متعلّقة لحقّ الغير ؛ فهاهنا فرعان :

الأوّل : كونها مستحقّة للغير.

الثاني : تلفها قبل القبض.

أمّا الأوّل : فإن أجز صاحب الحقّ فلا إشكال ، وأمّا إن لم يجز فلا شبهة في بطلان المعاملة بالنسبة إليها ، فإن حصل الربا في الباقي ، وذلك كما إذا باع مدّا من التمر ودرهما بمدّين منه ودرهمين ، فظهر أنّ درهما معيّنا منهما ملك لغير البائع أو مرهون عند غيره ولم يجز المالك أو صاحب الحقّ ، فيبطل المعاملة بالنسبة إلى ذلك الدرهم.

فإن قلنا أنّه يسقط من الثمن بمقدار ما يقابله واقعا وهو مثله ـ أي أحد الدرهمين ـ فيبقى درهم ومدّان مقابل مدّ واحد ، ولا شكّ في كون الباقي بناء على هذا معاملة ربوية.

وأمّا إذا قلنا إنّ الثمن يقسط بالنسبة ، وفرضنا أنّ قيمة المدّ درهم واحد ، فيكون مقابل الدرهم الذي ليس للبائع التصرّف فيه مدّ ودرهم ، ويبقى للمدّ الباقي من المبيع مدّ ودرهم ، فأيضا يحصل الربا ، وفي كلتا الصورتين تبطل المعاملة من أوّل الأمر ؛ لأنّه‌ في الحقيقة من أوّل الأمر باع في المفروض مدّا من التمر إمّا بمدّين ودرهم ، وإمّا بمدّ ودرهم.

وأمّا إن لم بحصل الربا ، كما أنّه لو باع درهما ومدّا بمدّين ، فظهر أنّ الدرهم المبيع ملك الغير أو متعلّق حقّ الغير ، وفرضنا أنّ المدّ يساوي درهما ، فهاهنا بعد بطلان المعاملة وإسقاط ما يقابل الدرهم المبيع من الثمن ، أو إسقاط ما هو قيمته الواقعيّة لذلك الدرهم الذي ليس ملكا للبائع ، أو يكون متعلّقا لحقّ الغير يبقى مدّ أو درهم مقابل المدّ الباقي ، فلا رباء ولا بطلان للمعاملة. نعم يأتي خيار تبعّض الصفقة للمشتري.

هذا هو الظاهر ، ولكن يمكن تصحيح المعاملة في الفرض الأوّل بشكل لا يأتي فيها الربا ، بأن يقال بإسقاط نصف الدرهم من الثمن مقابل نصف الدرهم من الدرهم المبيع ، ومدّ ونصف مدّ من الثمن مقابل النصف الآخر من الدرهم المبيع ، فيبقى من الثمن درهم ونصف مع نصف مدّ مقابل مدّ من المبيع ، فيكون الدرهم ونصف الدرهم الباقي من الثمن مقابل نصف المدّ من المبيع ، ونصف المدّ الباقي من الثمن مقابل ما يساويه من المبيع.

ولكن فيه : أوّلا : أنّ هذه المعاملة من أوّل الأمر وقعت باطلة وربويّة ، فلا يبقى مجال لتصحيحها بما ذكر. وثانيا : هذا الترتيب الذي ذكرنا لخروجها عن كونها ربويّة أجنبيّ عمّا قصده المتبايعان ، والعقود تابعة للقصود ، ولا ضرورة توجب الالتزام بما ذكر على خلاف ما قصد.

وأمّا الثاني : أي تلف الضميمة قبل أن يقبضها المشتري ، وحيث أنّ المعاملة وقعت صحيحة من أوّل الأمر ، فيمكن أن يقال بعدم شمول أدلّة حرمة الربا لمثل هذا الرباء الحادث بعد وقوع المعاملة صحيحة وانصرافها عنه.

ويمكن أن يصحّح بما تقدّم في الفرع الأوّل. ولا يأتي الإشكال الذي تقدّم هاهنا ؛ لأنّ المعاملة هاهنا وقعت صحيحة ، فما ذكرنا يكون لإبقاء الصحّة.

ولكنّ الإنصاف : أنّ هذا القسم من التصحيح خلاف ما قصده المتعاملان ، وتقدّم في المسألة السابقة أنّ القول بالصحّة من جهة التعبّد للنصّ والإجماع ، وإلاّ فمقتضى القواعد هو البطلان ، فلا بدّ من القول بالبطلان إن قلنا بشمول أدلّة حرمة الربا للمقام.

وأمّا إن قلنا بالانصراف وعدم الشمول فالمعاملة صحيحة بلا كلام ، والقول بعدم شمول أدلّة حرمة الربا لمثل المورد لا يخلو عن قوّة.

هذه الفروع كلّها كانت راجعة إلى الشرط الأوّل ، أي اتّحاد الجنس في الثمن والمثمن.

وأمّا القسم الثاني‌ :

أي الفروع الراجعة إلى الشرط الثاني أي كونهما مكيلا أو موزونا  فأيضا نذكرها في ضمن مسائل :

المسألة الأولى : إذا كان جنس قد يباع بالوزن وقد يباع بالعدّ ، أو في بلد أو في زمان بأحدهما وفي الآخر بالآخر ، فالظاهر أنّ حرمة التفاضل منوط بوقوع المعاملة بالوزن أو كيلا. وأمّا لو بيع عددا ، أو كان في بلد أو زمان يباع عددا ، فلا حرمة إن كان بيع عددا.

وذلك من جهة أنّ حكم الحرمة على عنوان ما يباع كيلا أو وزنا على نحو القضيّة الحقيقيّة ، فكلّ وقت تحقّق هذا العنوان يتحقّق الحرمة ؛ لعدم تخلّف الحكم عن موضوعه. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ عنوان الموضوع في قوله عليه السلام « إلاّ فيما يكال أو يوزن » هو أن يكون نوع معاملاته بالوزن أو الكيل ، فوقوعه في بعض الأحيان أو في بعض البلدان أو الأزمان بالعدّ لا ينافي وجود موضوع الحرمة ؛ لأنّ هذا المقدار القليل‌ وقوعها بالعدّ لا يضرّ بكونه ممّا يكال أو يوزن عند العرف.

نعم لو كان في بلد أو في زمان نوع أهل ذلك البلد أو أهل ذلك الزمان يبيعونه بالعدّ ، فلا يصدق أنّه ممّا يكال أو يوزن عندهم ، فالمدار على نوعيّة بيعه بالوزن أو الكيل ويؤيد هذا المعنى بل يدلّ عليه مرسل عليّ بن إبراهيم : « لا ينظر فيما يكال أو يوزن إلاّ إلى العامّة ، ولا يؤخذ بالخاصّة » (134).

المسألة الثانية : إذا شكّ في صدق المكيل والموزون على جنس ، ولم يحرز أنّه منهما أو من غيرهما لعدم ضبط حدود مفهوميهما ، فمقتضى عمومات صحّة البيع وحلّيته عدم حرمة التفاضل في مثل ذلك الجنس ، إذا بيع بمثله ؛ لأنّ الخارج عن تحت العمومات هو المكيل والموزون ، فإذا شككنا في خروجه عنها نتمسّك بأصالة العموم ، لأنّ الشبهة مفهوميّة لا مصداقيّة. والمسألة محرّرة في الأصول.

وكذلك الأمر في صورة الشكّ في اتّحاد الجنس فيما لم يكن دليل وأمارة يثبت الاتّحاد حكما أو موضوعا.

وأمّا أصالة عدم ترتّب الأثر على مثل تلك المعاملة المعبّر عنها بأصالة الفساد ، فهو محكوم بالعمومات ، نعم لو كانت الشبهة مصداقيّة لا يمكن التمسّك بالعمومات ؛ لما حقّقناه في كتابنا « منتهى الأصول » (135).

المسألة الثالثة : قد ذكرنا في بعض المسائل السابقة أنّ فروع الأصل الواحد كلّ واحد مع الآخر ، وجميعها مع ذلك الأصل في حكم متّحدي الجنسين ، لا يجوز بيع بعضها ببعض مع التفاضل ، ولكن إذا اختلف الفرع مع الأصل بأن يكون أحدهما من‌ المكيل أو الموزون والآخر من غيرهما ، فيختلف حكمهما حسب اختلاف عناوينهما.

فيجوز بيع الجوز بمثله مع التفاضل ؛ لأنّه معدود ، ولا يجوز بيع دهنه بالتفاضل ؛ لأنّه موزون ؛ فيختلف حكم الفرع والأصل. وكذلك لا يجوز بيع القطن والغزل بمثلهما مع التفاضل ؛ لأنّهما من الموزون ، ولكن الثياب المنسوج منهما يجوز بيعها مع التفاضل ؛ لأنّها ليست من الموزون ؛ فاختلف حكم الأصل والفرع.

والسّر في ذلك : أنّ الفرع داخل تحت عنوان ، والأصل تحت عنوان آخر ، والعنوانان مختلفان في الحكم من حيث دخول الربا وعدم دخوله.

المسألة الرابعة : هل يجوز بيع المكيل موزونا وبالعكس ، أم لا؟ فيه خلاف.

والبحث في هذه المسألة تارة في جواز البيع من ناحية لزوم الغرر ، وأخرى من ناحية دخول الربا إذا كان العوضان من جنس واحد.

أمّا البحث من الجهة الأولى : أي من ناحية لزوم الغرر الذي يكون منهيّا ، ففيه أقوال :

قول بعدم الجواز مطلقا.

وقول بالجواز مطلقا.

وقول بالتفصيل ، أي جواز بيع المكيل موزونا دون العكس.

وذلك من جهة أنّ اعتبار الكيل في المكيل ، أو الوزن في الموزون لأجل ارتفاع الغرر والجهالة والعلم بمقدار العوضين ، وفي هذه الجهة ربما يكون الوزن أضبط ، وارتفاع الغرر والجهالة به أوضح وأجلى ، حتّى قيل : إنّ الأصل في تعيين العوضين في أبواب المعاوضات التي من المكيل أو الموزون هو الوزن ، والكيل أمارة عليه.

والتحقيق في هذا المقام هو أنّ اعتبار الكيل في المكيل ، والوزن في الموزون إن كان من جهة ارتفاع الغرر بهما وعدم كون البيع جزافا كما هو الظاهر ، فلا يبعد صحّة‌ بيع المكيل موزونا ؛ إذ ارتفاع الغرر بالوزن أوضح ، ومعرفة المقدار به أدقّ.

وأمّا ما يقال من أنّ الوزن يعيّن المقدار من حيث الثقل والخفّة ، والكيل من حيث الأبعاد فلا يقاس أحدهما بالآخر ، فإنّه وإن كان صحيحا ، لكن عمدة النظر في غالب أفراد المبيع ـ المكيل والموزون ـ عند العرف والعقلاء إلى معرفة مقدارها من حيث الوزن والثقل ، لا الأبعاد.

نعم إذا كان الغرض في مورد يتعلّق بالمبيع من حيث حجمه ، وأبعاده دون ثقله ، ففي ذلك السنخ من المبيع لا يبعد أن يكون المناط في رفع الغرر والجهالة هو الكيل دون الوزن إذا كان ممّا يكال ، كما أنّه إذا كان الكيل أمارة على الوزن فيرتفع الغرر بالكيل ، وإن كان موزونا فيكفي الكيل في صحّة المعاملة.

ويدلّ على ذلك أيضا رواية عبد الملك بن عمرو قلت : أشترى مائة راوية من زيت فاعترض راوية أو اثنتين فأتّزنها ثمَّ آخذ سائره على قدر ذلك؟ قال عليه السلام : « لا بأس » (136). ولكن هذا في الحقيقة يرجع إلى معرفة المقدار بالوزن لا الكيل.

والحاصل : أنّ تعيين المقدار ومعرفته بالوزن يكفي في صحّة البيع ، وإن لم يكن المبيع ممّا يوزن ؛ ولذلك ترى أنّ الحنطة والشعير مع أنّهما من المكيل في زمن الشارع إجماعا يجوز بيعهما بالوزن ، وفي الجواهر (137) الإجماع أيضا على صحّة بيعهما بالوزن.

وقال العلاّمة في التذكرة : إنّه لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا ، وكذا لا يجوز بيعه مكيلا إلاّ إذا علم عدم التفاوت فيه ، وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافا ولا موزونا إلاّ مع العلم بعدم التفاوت. (138) وقد عرفت ما هو الحقّ في المقام.

هذا كلّه كان من ناحية الغرر.

وأمّا البحث من ناحية دخول الربا : فالعبارات الواردة في بيع المتجانسين وصحته وعدم كونه ربا على أقسام :

تارة بأن يكون مثلا بمثل ، كما في رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : ما تقول في البرّ بالسويق؟ فقال : « مثلا بمثل لا بأس » (139). وبهذا المضمون روايات كثيرة.

وأخرى : أن يكون رأسا برأس ، كما في رواية صفوان عن رجل من أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « الحنطة والدقيق لا بأس به رأسا برأس » (140).

وثالثة : أن يكون العوضان سواء ، كما في رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحنطة بالدقيق؟ فقال : « إذا كانا سواء فلا بأس » (141).

ففي صحّة بيع المتجانسين وعدم تحقّق الربا لا بدّ من صدق أحد هذه العناوين الثلاث عرفا ، فنقول :

العوضان اللذان من جنس واحد ، أو كانا في حكم الجنس الواحد ـ كفروع الأصل الواحد بعضها بالنسبة إلى البعض كالخبز بالنسبة إلى السويق ، أو جميعها بالنسبة إلى ذلك الأصل ، كالخبز بالنسبة إلى الحنطة مثلا ، أو الشيرج بالنسبة إلى التمر أو العنب مثلا ـ فإمّا أن يكون كلاهما من الموزون ، أو كلاهما من المكيل ، أو يكونان من المختلفين.

فالأوّل : كالحنطة والشعير مثلا ، والثاني : كالدقيق بالدقيق ، والثالث : كالحنطة‌ بالدقيق.

أمّا الأوّل : فلا شكّ في أنّه إذا باع منّا من الحنطة بمنّ منها ، يصدق العناوين الثلاثة ، أي « مثلا بمثل » ، وكذلك « رأسا برأس » وكذلك « كونهما سواء ».

وهناك في بعض روايات باب الصرف (142) علّق عليه السلام صحّة بيع الورق بالورق والذهب بالذهب بكونه وزنا بوزن ، وبأن لا يكون فيه زيادة ونقصان.

فإذا كان المراد من بيع الورق بالورق والذهب بالذهب بيع المتجانسين ، وذكر الذهب والورق من باب المثال ، فأيضا يصدق فيما ذكرنا من المثال أنّه بيع مثلا بمثل وبلا زيادة ولا نقصان أي من حيث الوزن ، ففيما إذا كان العوضان من الموزون لا شكّ في صحّة بيعهما موزونا ؛ لصدق جميع العناوين الخمسة.

وأمّا بيعهما بالكيل فلا يخلو من إشكال إذا كان بينهما تفاوت بحسب الوزن ، كما أنّه لو باع التمر بالدبس منه متساويا كيلا ، فالتمر والدبس منه كلاهما من الموزون ، فإذا بيع أحدهما بالآخر كيلا متساويا يكونان متفاوتين بحسب الوزن ؛ لأنّ الكيل من الدبس أثقل من نفس ذلك الكيل من التمر ، فلا يصدق على مثل ذلك البيع أنّ العوضين المتجانسين متساويان بلا زيادة ولا نقصان.

وذلك من جهة أنّ العرف يفهم من التساوي فيما يباع عندهم بالوزن التساوي في الوزن لا التساوي كيلا ، ومن قوله عليه السلام : « بلا زيادة ولا نقصان » عدمهما بحسب الوزن ، وهكذا قوله عليه السلام في الموزون « مثلا بمثل » يفهم المثليّة بحسب الوزن ، وكذلك قوله عليه السلام « رأسا برأس ». وأمّا قوله عليه السلام « وزنا بوزن » فصريح في ذلك.

نعم لو لم يكن بينهما تفاوت بحسب الوزن ، فلا يأتي هذا الإشكال ، كما أنّه إذا كان الكيل أمارة على الوزن فأيضا لا يأتي هذا الإشكال ، كما أنّه لو وزن كيلا ويعطى الباقي بذلك الحساب كما تقدّم في رواية عبد الملك بن عمرو.  

وأمّا الثاني : أي فيما إذا كانا من المكيل ، فلا شكّ في صحّة بيعهما كيلا ؛ لأنّ العرف لا يفهم من التساوي إلاّ التساوي بحسب الكيل. وكذلك الكلام في مثلا بمثل ورأسا برأس ، وأمّا قوله عليه السلام « وزنا بوزن » فهو في مورد الموزون ، فلا ربط له بمورد كون المبيع مكيلا أصلا.

إنّما الكلام في صحّة بيعهما بالوزن هل يجوز.

فقال جماعة : نعم ؛ لأنّ الوزن أضبط في معرفة التساوي وعدم الزيادة والنقصان الذي هو المناط في عدم تحقّق الربا ، وقد تقدّم أنّه عليه السلام فسّر المثليّة بقوله : « بلا زيادة ولا نقصان » وهو الصحيح. بل ربما يظهر من الشهيد في المسالك (143) دعوى الإجماع على صحّة بيع المكيل موزونا ، حيث قال كما في الجواهر حكاية عن المسالك : ونقل بعضهم الإجماع على جواز بيع الحنطة والشعير وزنا مع الإجماع على كونهما مكيلين في عهده (144).

ولكن ظاهر هذا الإجماع على جواز بيع المكيل موزونا ـ على تقدير ثبوته ـ هو في خصوص ارتفاع الغرر بالوزن وخروج المعاملة عن كونها جزافا ، فلا ينافي عدم صحّة بيع المكيل موزونا مثلا بمثل من ناحية الربا ؛ لعدم صدق التساوي عرفا فيما إذا بيع العوضان من المكيل بالتساوي وزنا.

فالأوجه في وجه الصحّة ما ذكرنا من أنّ المراد بقوله عليه السلام « مثلا بمثل » أو « رأسا برأس » أو غيرهما من العناوين التي ذكرناها هو عدم زيادة أحد العوضين على الآخر ، حيث أنّ هذا هو المناط في باب الربا ثبوتا وعدما ، فبثبوتها يثبت الربا وبعدمها يرتفع. ولا شكّ في أنّ التساوي بحسب الوزن أدلّ على عدم تحقّق الزيادة والنقصان من التساوي بحسب الكيل حتّى فيما يكال عند العرف.

وأمّا الثالث : أي فيما إذا كان أحد العوضين من المكيل والآخر من الموزون ، كالحنطة مع الدقيق ، بناء على أنّ الحنطة من الموزون والدقيق من المكيل ، فبناء على ما ذكرنا من صحّة بيع المكيل بالوزن جواز بيعهما متساويا بالوزن ؛ لما ذكرنا من أنّ الوزن أضبط وأدلّ في معرفة عدم الزيادة والنقصان الذي هو المناط في جواز بيع المتجانسين أحدهما بالآخر وزنا بوزن ومثلا بمثل ، وأمّا كيلا فلا يخلو من إشكال.

وأمّا قياس بيعهما من حيث لزوم الربا على بيعهما من حيث الغرر ، بأن يقال : إنّه كما يرتفع الغرر بكلّ واحد من الكيل والوزن ، فكذلك التساوي يحصل بكلّ واحد من الكيل والوزن.

ففي غير محلّه ؛ وذلك من جهة اختلاف الموضوع في المسألتين. فالموضوع في جواز البيع في باب الغرر هو ارتفاع الغرر والجهالة وعدم كونه جزافا ، والموضوع في باب الربا هو كون العوضين في متّحدي الجنسين أو ما كان في حكم متّحدي الجنسين متساويين بلا زيادة ولا نقصان ، فيمكن القول بارتفاع الغرر بكلّ واحد من الكيل والوزن. وأمّا التساوي وكونهما مثلا بمثل لا يتحقّق في الموزون إلاّ بالوزن ، وفي المكيل إلاّ بالكيل ، وفيما كان أحدهما مكيلا والآخر موزونا لا يحصل بكل واحد منهما.

فلا بدّ من علاج آخر لتصحيح بيعهما ، وهو أن يبيع كلّ واحد منهما بما هو من سنخه ، فالمكيل بالمكيل كيلا والموزون بالموزون وزنا ، أو يباع كلّ واحد منهما بغير جنسه كي يخرج عن موضوع الربا.

المسألة الخامسة : إذا كان البيع في شي‌ء مختلفا بحسب الحالات ، فيباع في حال بمشاهدة وفي حال بالوزن. وذلك كما في بيع الأثمار ، فما دام الثمر على الشجر يباع بالمشاهدة ، ولكن بعد الانفصال يباع وزنا أو كيلا مثل التمر والعنب وغيرهما ، فالظاهر أنّه في كلّ حال يلحقه حكم ذلك الحال ، فإذا بيع أو صولح عليه في حال كونه على الشجر لا يدخل فيه الربا ؛ لعدم كونه مكيلا أو موزونا. وأمّا بعد الانفصال يدخل فيه ؛ لتحقّق موضوعه ، وهو كونه مكيلا أو موزونا.

هذا فيما إذا كان الاختلاف بحسب الأحوال. أمّا فيما إذا كان الاختلاف بحسب نوع المعاملة ، فما إذا بيع لا يباع إلاّ مكيلا أو موزونا ، وأمّا الصلح فيقع عليه بالمشاهدة كما إذا قلنا بصحّة الصلح على صبرة من الحنطة أو الشعير من دون أن يكال أو يوزن ، فالظاهر دخول الربا حتّى في ذلك النوع الذي لا يكال ولا يوزن ، بل يكفي المشاهدة في صحّة وقوع الصلح عليه.

فلو أراد أن يصالح على صبرة من الحنطة أو الشعير أو غيرهما بصبرة أخرى من جنسه ، فلا بدّ وأن يكونا متساويين ، وإلاّ يكون من الربا المحرّم ؛ لتحقّق موضوعه ، وهو نقل أحد متّحدي الجنسين بعوض الآخر إلى الآخر ، مع أنّهما من المكيل أو الموزون بدون أن يكونا متساويين ومثلا بمثل.

المسألة السادسة : إذا كان شي‌ء يباع بكلّ من الوزن والعدّ ، فإذا كان باختلاف الأزمنة أو الأمكنة : مثلا يباع في بلد أو زمان بالوزن ، وفي بلد أو زمان آخر بالعدّ ، ففي كلّ زمان أو مكان يلحقه حكم ذلك الزمان أو ذلك المكان.

والوجه واضح.

وأمّا لو كان في زمان واحد أو مكان كذلك ، يختلف بحسب اشخاص المعاملات ، فقد يكون بيعه بالعدّ ، وقد يكون بالوزن ، فإن كان الغالب هو الوزن بحيث يصدق عند العرف أنّه موزون ، فيدخل فيه الربا ؛ لشمول الإطلاقات له ، للزوم حملها على المعنى العرفيّ ، وكذلك الأمر لو كان الغالب هو العدّ. وأمّا لو لم تكن غلبة في البين وصار موردا للشكّ ، فيمكن أن يقال إذا بيع بالوزن فيدخل فيه الربا ، وإن بيع بالعدّ فلا.

ولكن التحقيق : أنّ موضوع الحرمة وفساد المعاملة هو كون العوضين المتفاضلين المتّحدي الجنسين من المكيل أو الموزون ، فلا بدّ من إحراز الموضوع لإثبات هذا الحكم ، وإلاّ فمع الشكّ في كونه مكيلا أو موزونا فلا يثبت ، نعم التمسّك بإطلاقات أدلّة‌ صحّة البيع وغيره من المعاملات لصحّة مثل هذه المعاملة يكون من التمسّك بعموم العام أو إطلاق المطلق في الشبهات المصداقيّة ، فالأحوط مراعاة التساوي كيلا أو وزنا في مثل هذه المعاملة إذا كان العوضان من متّحدي الجنسين.

المسألة السابعة : الأوراق الماليّة المتعارفية الآن في الأسواق التي عليها مدار المعاملات من أيّ قسم كانت ، وبأيّ اسم سمّيت ، دينارا أو اسكناسا أو نوطا أو ريالا أو ليرة أو غير ذلك ، حيث أنّها ليست من المكيل ولا الموزون ، فلا يدخل فيها الربا ، وليست معرّفا وأمارة على مقدار من الذهب المسكوك أو الفضّة المسكوكة ، وإن كانت في بعض الأزمنة السابقة كذلك ـ بل هي بنفسها تكون أموالا بواسطة اعتبارها من الذين بيدهم الاعتبار ـ فلا يجرى عليها أحكام النقدين من لزوم القبض في المجلس إذا وقعت المعاملة بينها بعضها ببعض ، ولا زكاة فيها ، ولا يدخل فيها الربا.

المسألة الثامنة : إذا لم يكن الشي‌ء من المكيل ولا من الموزون ، فيجوز أن يبيع شاة بشاتين ، أو يبيع شاة ليس في بطنها شي‌ء بالشاة التي حامل وفي بطنها شي‌ء ، أو الشاة التي في ضرعها حليب بالتي ليس في ضرعها حليب ، كما أنّه يجوز بيعها بنفس الحليب ، والبعير بالبعيرين ، والثوب بالثوبين وإن كانا من جنس واحد.

وكذلك يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة كذلك أو خالية عنها ، كما يجوز بيعها بنفس البيضة ، ويجوز بيع نخلة فيها ثمرة بالتي ليست فيها ثمرة ، وأيضا بنفس الثمرة ، وكتاب بكتابين ، وفرش بفرشين ، وجميع ما ذكرناه وما لم نذكره من هذا القبيل من بيع واحد باثنين أو أكثر لا مانع فيه ؛ من أجل عدم كونه مكيلا أو موزونا كي يدخل فيه الربا.

المسألة التاسعة : لو كان جنس بعضه جيّد وبعضه ردي‌ء ، مثلا كان وزنة من الأرز نصفه من العنبر الغالي قيمته وهو لشخص ، ونصفه الآخر من صنف آخر رخيص ، وكان هذا النصف لشخص آخر ، فالمالكان باعا المجموع بوزنة من النصف‌ الجيّد ، فإن تبانيا على أن يكون عوض مالهما لكلّ واحد منهما بمقدار نفس ماله فلا إشكال ؛ إذ لا يكون رباء في البين. وأمّا لو تبانيا على أن يكون عوض مالهما لكلّ منهما بنسبة قيمة ماله إلى الثمن ، كما لو تباينا على أن يكون ثلثي الثمن لمالك النصف الجيّد ، والثلث الباقي لمالك النصف الرديّ فالمعاملة باطلة قطعا ؛ لكونها رباء.

وأمّا لو أطلقا ولم يكن تبان بينهما ، فربما يتولّد إشكال في البين ، وهو أنّ كلّ واحد من المالكين للمبيع يملك من الثمن بنسبة قيمة ماله ، لا بنسبة مقداره وكمّه ، فإذا كان قيمة النصف الجيّد ضعف قيمة النصف الرديّ ، فيملك مالك النصف الجيّد ثلثي الثمن ، ومالك النصف الرديّ ثلثا من تلك الوزنة التي هي ثمن للنصفين ، فتكون المعاملة باطلة ؛ لكونها رباء ، فيكون الإطلاق كالتصريح بأن يكون ثلثي الثمن لمالك النصف الجيّد الذي قلنا فيه ببطلان المعاملة ، لكونها رباء.

اللهمّ إلاّ أن يقال : بأنّ ظاهر بيع مجموع النصفين بالوزنة الجيّدة هو اشتراكهما في الثمن بالسويّة من حيث المقدار ، وبعبارة أخرى : حيث أنّ كلّ واحد منهما مالك لنصف المبيع ، فبواسطة البيع يصير مالكا لنصف الثمن.

ولكن فيه : أنّه لو فرضنا أنّ الثمن في نفس المفروض ليس من جنس المثمن ، فبناء المعاملات على أنّ كلّ واحد من المالكين لنصف مقدار المبيع يملك من الثمن بنسبة قيمة ما يملكه من المبيع ، لا بنسبة مقداره ؛ ولذلك ترى في باب تبعّض الصفقة لو باع شخص وزنتين من الحنطة إحداهما جيّدة وأخرى رديئة ـ وفرضنا أنّ قيمة الجيّدة ضعف الرديئة ـ بستّة دنانير ، فظهر أنّ الجيّدة ملك لغير البائع ، ولم يجز المعاملة صاحب الجيّدة ، فلا يملك مالك الرديئة إلاّ دينارين من الثمن ، ويستردّ الأربعة منه إنّ كان قبض الكلّ.

فالإنصاف : أنّ المعاملة المفروضة في هذه المسألة في صورة الإطلاق كالصورة التي يصرح مالك الجيّدة بأن يكون له من الثمن أزيد من النصف باطلة ؛ لكونها رباء ، وذلك لأجل أنّ المعاملة في المفروض وفي أمثاله وفي باب تبعّض الصفقة تنحلّ إلى معاملتين ، وفي كلّ واحد منهما المبيع غير المبيع في الآخر ، فلكلّ واحد منهما من الثمن ما يقابل قيمته لا كمّيته.

هذا كلّه فيما إذا لم يحصل الاشتراك في المبيع بين النصفين بواسطة الاختلاط أو الامتزاج ، وإلاّ فإذا حصل الاشتراك في المبيع قبل البيع بواسطة الاختلاط ، فبناء على ما هو الصحيح من كون الاشتراك بنسبة ماليّة المختلفين لا بنسبة كمّيهما ، فلا يبقى إشكال في البين ، ولا يأتي الربا في البيع المذكور ؛ لأنّه بناء على هذا مالك النصف الجيّد من المبيع يملك ثلثي المبيع بواسطة اختلاط ماله الجيّد مع المال الرديّ الذي لشريكه ، فكون ثلثي الثمن له في المفروض يكون على القاعدة.

نعم يأتي كلام في نفس الاشتراك بنسبة ماليّة ماليهما لا كمّيهما ، وأنّه بناء على على أن يكون الاشتراك معاوضة ، وبناء على إتيان الربا في جميع المعاوضات حتّى المعاوضات القهريّة ، فيكون للاشتراك بالنحو المذكور ربا مردوعا من قبل الشارع ، فلا بدّ من القول بعدم كون نتيجة الاشتراك بين المالين الجيّد والرديّ إذا كانا من جنس واحد أو إذا كانا في حكم جنس واحد هو الاشتراك بنسبة ماليّة المالين وقيمتهما.

وعلى كلّ حال محلّ هذا البحث ليس هاهنا ، وموكول إلى كتاب الشركة.

المسألة العاشرة : الظاهر أنّ المعاملة الربويّة حرام وفاسدة بتمامها ، فلا يملك البائع ـ مثلا ـ شيئا من الثمن ، ولا المشتري شيئا من الثمن ؛ لا أنّ الحرمة أو الفساد مخصوص بالمقدار الزائد على أحد العوضين.

وذلك لوجوه :

الأوّل : أنّ ظاهر قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] تقسيم المعاملات على قسمين في متّحدي الجنسين : أحدهما أن لا تكون لأحد العوضين زيادة على‌ الآخر وهو حلال وصحيح ، الثاني أن تكون المعاملة مشتملة على زيادة في أحدهما جزءا أو شرطا وهو حرام وباطل. ومعلوم أنّ المعاملة إذا كانت فاسدة فلا ينتقل شي‌ء من العوضين إلى صاحب العوض الآخر ، بل يبقى كلّ واحد منهما بتمامه في ملك من كان له قبل وقوع هذه المعاملة الفاسدة. وهكذا فسّر الآية الشريفة في مجمع البيان وقال : أي أحلّ الله البيع الذي لا رباء فيه ، وحرّم البيع الذي فيه الربا (145).

الثاني : ما قرّرنا وأثبتنا في إحدى قواعد هذا الكتاب أنّ العقود تابعة للقصود ، إذ لا شكّ في أنّ المتعاملين قصدا انتقال العوض المشتمل على الزيادة جزءا أو شرطا إلى الطرف المقابل بعوض ما ينتقل منه إليه ، فلو قيل : إنّ ما انتقل اليه هو العوض بدون تلك الزيادة ، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد ، ويخالف هذا تبعيّة العقود للقصود.

ولا يأتي ها هنا ما يقال في باب تبعّض الصّفقة ، من جهة أنّه هناك يمكن القول ـ بل لا بدّ منه ـ بأنّ العقد الواحد ينحلّ إلى عقدين كلاهما مقصودان ، غاية الأمر أنّ شرائط الصحة في أحدهما موجودة دون الآخر ، وأمّا في المقام القول بالانحلال لا معنى له ؛ إذ ليس في مقابل الزيادة شي‌ء كي يقال إنّه عقد آخر.

الثالث : الأخبار ، فإنّ ظاهرها بطلان المعاملة الربويّة وفسادها ، لا عدم انتقال الزائد فقط إلى صاحب العوض الآخر.

منها : قوله عليه السلام : « لا يصلح التمر اليابس بالرطب ، من أجل أنّ التمر يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص » (146).

وقوله عليه السلام وقد سئل عن العنب بالزبيب؟ قال : « لا يصلح إلاّ مثلا بمثل » (147) ‌.

وبهذا المضمون أخبار كثيرة ، ولا شكّ أنّ ظاهر هذه الأخبار بطلان المعاملة المشتملة على تلك الزيادة للنقص الحاصل فيما بعد.

ومنها : ما قاله الصادق عليه السلام في رواية سيف التّمار : « إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، لأنّ تمر المدينة أدونهما ولم يكن عليّ يكره الحلال » (148).

ومعلوم أنّ ظاهر هذه الرواية أنّ نفس المعاملة ليست بحلال وفاسد ، لا الزيادة فقط.

ومنها : رواية سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال عليه السلام : « أخبث المكاسب كسب الربا » (149).

فجعل عليه السلام المعاملة المشتملة على الزيادة من أخبث المكاسب ، ومعلوم أنّ خبث الكسب ظاهر في فساده وحرمته ، أي نفس المعاملة لا خصوص الزيادة.

ومنها : قوله عليه السلام في رواية حمّاد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « الزائد والمستزيد في النار » (150).

وظاهر هذا الكلام أنّ كون الزائد والمستزيد ـ أي المتعاملين في النار يكون لأجل معاملتهم ، فتكون تكوّن المعاملة التي تكون سببا لدخول النار حراما وفاسدا.

وهناك روايات أخر كثيرة لا يشكّ المتأمّل فيها في دلالتها على حرمة المعاملة‌ الربويّة لا الزيادة فقط ، وبناء على هذا يكون أصل المعاملة فاسدة ، ويكون ما يقبضه البائع فيها من الثمن ، وكذلك المشتري من المثمن من قبيل المقبوض بالعقد الفاسد ، فيجب ردّه إلى مالكه مع بقائه ، ومع تلفه يضمن القابض. نعم مع علم المعطي بفساد المعاملة يمكن أن يقال هو الذي أقدم على إتلاف ماله وهتك احترامه ، فلا يضمن القابض.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا في وجوب ردّ ما قبض في المعاملة الربويّة هو فيما إذا كان القابض عالما بالحكم والموضوع ، وأمّا إذا كان جاهلا بهما أو بأحدهما فسيأتي الكلام فيها.

ولا فرق فيما ذكرنا من بطلان المعاملة الربويّة بين أن تكون الزيادة جزء أو شرطا.

وما توهّم من أنّها لو كانت شرطا فيكون البطلان مبتنيا على أنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد ، وأمّا إذا لم نقل بأنّ الشرط الفاسد مفسد فلا وجه للقول ببطلان المعاملة.

لا أساس له ، أمّا لو كان مدرك البطلان هي الآية أو الأخبار ، فقد تقدّم أنّ مفادهما هو بطلان البيع الربوي أو مطلق المعاوضات الربويّة ، سواء كان منشأ كونها ربويّة هو زيادة الجزء أو الشرط.

وأمّا لو كان المنشأ هو قاعدة تبعيّة العقود للقصود ، فلا شكّ أنّ قصد المتعاملين متعلّق بالمبادلة بين العوضين أي متّحدي الجنسين مشروطا بذلك الشرط. وبعبارة أخرى : المبادلة بين العوضين مع الشرط من قبيل بشرط شي‌ء ، فالمبادلة بين نفس العوضين ليس مقصودا أصلا ؛ لأنّ النسبة بين العوضين من دون الشرط وبينهما مع الشرط نسبة المتباينين ؛ إذ هي من قبيل نسبة بشرط لا إلى بشرط شي‌ء ، وهما متباينان.

ولا يقاس ما نحن فيه بمسألة خيار تخلّف الشرط ؛ لأنّه هناك المبيع شخص خارجي قصد نقله إلى المشتري غاية ، إلاّ أنّه التزم بكونه متّصفا بصفة كذا ، وهذا‌ التزام آخر غير قصد كونه مبيعا ومنقولا إلى الغير ، فتخلّف الشرط أو الوصف هناك لا يوجب عدم قصد نقل ذلك الموجود الخارجي.

نعم لو كان المبيع أمرا كليّا موصوفا بوصف ، فذات ذلك الكلّي ليس مقصودا ووصفه مقصودا آخر. وبعبارة أخرى : ليس من قبيل الالتزام في الالتزام ، فلو تعذّر الوصف يمكن القول بعدم إتيان خيار تخلّف الوصف أو الشرط ، بل تنفسخ المعاملة ويكون من قبيل تعذّر نفس المبيع.

فبناء على هذا في صورة كون الزيادة شرطا ، يمكن أن يقال بأنّ ما قصد لم يقع للمنع الشرعي ، وما وقع ـ أي انتقال العوضين بدون الشرط ـ لم يكن مقصودا.

والفرق بين المقام وبين مورد خيار تخلّف الوصف والشرط ، هو أنّه حيث أنّ المعاملة وقعت هناك على العين الشخصيّة ، فالقصد تعلّق بنقلها على كلّ حال ، أي سواء وجد الوصف أو الشرط أو لم يوجد ؛ لأنّ العين الخارجيّة لا تتغيّر عمّا هي عليه بوجود الوصف والشرط وعدم وجودهما. وأمّا في المقام فالقصد تعلّق بمبادلة شي‌ء بمقداره من جنسه مشروطا بشرط ، فإذا لم يوجد الشرط فما هو المقصود لم يقع.

نعم ها هنا أيضا لو وقعت المعاوضة بين العينين الشخصيّتين المتّحدتين في الجنس والمقدار ، وكانت المعاوضة مشروطة بشرط غير جائز شرعا ولو من جهة كونه رباء ، فبطلان مثل هذه المعاملة لا بدّ وأن يكون مستندا إلى دليل آخر غير تبعية العقود للقصود ، وهو كما تقدّم الآية والأخبار.

المسألة الحادية عشر : في أنّه بعد الفراغ عن بطلان المعاملة الربوية وفسادها ، هل هو فيما إذا ارتكب متعمّدا مع العلم بالحكم والموضوع ، أم لا بل يكون مطلقا باطلا ، وإن كان جاهلا بالحكم أو الموضوع ، بل وبهما؟

والفرق بين القولين واضح ، ففي الصورة الأولى لو أخذ الربا جهلا بالحكم أو الموضوع أو بكليهما ، فيكون‌ الزائد ما له ولا يجب ردّه بالخصوص أو جميع العوض المأخوذ إلى صاحبه ؛ لعدم علمه بأنّه رباء أو أنّه حرام وإن كان يعلم بأنّه رباء.

وهذا بخلاف الصورة الثانية ، فإنّه يجب عليه الردّ مطلقا ، وإن كان جاهلا بأحدهما أو بكليهما.

وفي المسألة أقوال :

قول بعدم وجوب الردّ مطلقا أي سواء كان جاهلا بالحكم أو الموضوع أو بهما ، فلا يجب ردّ الزائد أو الجميع مطلقا وفي جميع الصور التي للجهل.

وهذا القول منقول عن الصدوق والشيخ (151) والشهيد (152) والأردبيلي (153) والحدائق (154) والرياض.

وقول بوجوب الردّ وبطلان المعاملة مطلقا ، وأنّه لا فرق بين صور الجهل حكما أو موضوعا مع العلم ، فحال الجاهل حال العالم.

وقول بالتفصيل بين كون ما أخذ رباء موجودا ومعلوما ، وصاحبه الذي أخذ منه أيضا كذلك موجودا ومعروفا ، وبين ما لا يكون كذلك بأن يكون ما أخذه رباء تالفا إن كان مخلوطا أو ممتزجا غير معلوم ، أو كان صاحبه الذي أخذ منه غير موجود أو غير معروف ومعلوم ، فيجب الردّ في الأوّل ، ولا يجب في الثاني.

والقول الأوّل أي عدم وجوب الردّ مطلقا إمّا لصحّة المعاملة الربويّة حال الجهل بالحكم أو الموضوع أو الجهل بكليهما ، كما هو ظاهر كلام القائلين بهذا القول ؛ وإمّا تعبدا للآية والرواية مع بطلان المعاملة وفسادها.

وذهب إلى هذا القول صاحب‌ الحدائق (155) ، وهو عجيب.

وحكى احتمال التفصيل بين الجاهل بالحكم والجاهل بالموضوع ، وأيضا بين الجاهل بأصل الحكم وبين الجاهل بالخصوصيّات.

والأقوى من هذه الأقوال هو التفصيل بين ما كان المأخوذ رباء معزولا موجودا يعرفه من دون خلطه أو امتزاجه بسائر أمواله ، خصوصا إذا كان صاحبه موجودا ويعرفه ، فيجب ردّه عليه ، وبين ما ليس كذلك ، فلا يجب ردّه وحلال أكله.

ومدرك هذا التفصيل هو صحيح الحلبي وما رواه أبو الرّبيع الشامي ، وإلاّ فمقتضى القواعد الأوّلية وأدلّة حرمة الربا وبطلان المعاملة الربويّة وجوب ردّ جميع ما أخذه عوض ماله في المعاملة الربويّة ؛ لأنّه مقبوض بالعقد الباطل الفاسد ، ولم ينتقل إليه شي‌ء بذلك العقد.

فيده على ما قبض يد عادية يجب ردّه إلى مالكه إنّ لم يكن تالفا وكان موجودا وان تلف فهو ضامن ؛ لأنّ يده يد ضمان ، إلاّ أن يكون هو أقدم على إتلافه وهتك احترام ماله بواسطة علمه بالفساد. وإن لم يعرف المالك يكون من قبيل مجهول المالك ، يجب التصدّق عنه بإذن الحاكم.

وخلاصة الكلام : أنّ ما قبضه من الطرف في المعاملة الربويّة يكون من المقبوض بالعقد الفاسد ، وهو يجري مجرى الغصب ، فيكون القابض ضامنا. وادّعى الشيخ وفقيه عصره كاشف الغطاء ـ قدس سرّهما ـ الإجماع على ضمان القابض (156) وقال ابن إدريس : إنّ البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في الضمان (157).

هذا حسب القواعد ، وأمّا مقتضى الروايات الواردة في الباب هو التفصيل الذي‌ ذكرناه.

منها : ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنّه له حلال؟ قال : « لا يضرّه حتّى يصيبه متعمّدا ، فإذا أصابه فهو بالمنزل الذي قال الله عزّ وجل » (158).

ومنها : ما رواه الوشاء عن أبي المغراء قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « كلّ ربا أكله الناس بجهالة ثمَّ تابوا فإنّه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة. وقال : لو أنّ رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف أنّ في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا فليأكله ، وإن عرف منه شيئا أنّه ربا فليأخذ رأس ماله وليردّ الربا ، وأيّما رجل أفاد مالا كثيرا قد أكثر فيه من الربا ، فجهل ذلك ثمَّ عرفه بعد ، فأراد أن ينزعه فما مضى فله ويدعه فيما يستأنف » (159).

ومنها : ما عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أتى رجل أبي فقال : إنّي ورثت مالا وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي ، وقد عرف أنّ فيه ربا واستيقن ذلك وليس يطلب لي حلاله لحال علمي فيه ، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا : لا يحلّ أكله؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : « إن كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطا فكله هنيئا فإنّ المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه واله قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي ، فمن جهل وسع له جهله حتّى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرّم عليه ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا » (160).

ومنها : ما رواه أبو الرّبيع الشامي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أربى بجهالة ثمَّ أراد أن يتركه؟ قال صلى الله عليه واله : « أمّا ما مضى فله ، فليتركه فيما يستقبل. ثمَّ قال : إنّ رجلا أتى أبا جعفر صلى الله عليه واله فقال : إنّي ورثت مالا » وذكر الحديث نحوه (161).

ومنها : ما رواه محمّد بن مسلم قال : دخل رجل على أبي جعفر عليه السلام من أهل خراسان قد عمل الربا حتّى كثر ماله ، ثمَّ إنّه سأل الفقهاء فقالوا : ليس يقبل منك شي‌ء إلاّ أن تردّه إلى أصحابه ، فجاء إلى أبي جعفر عليه السلام فقصّ عليه قصّته ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : « مخرجك من كتاب الله {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } [البقرة: 275] والموعظة التوبة » (162).

ومنها : ما رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ الوليد ابن المغيرة كان يربي في الجاهليّة وقد بقي له بقايا على ثقيف وأراد خالد بن الوليد المطالبة بعد أن أسلم فنزلت { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] الآيات » (163).

ومنها : ما رواه عليّ بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن رجل أكل ربا لا يرى إلاّ أنّه حلال؟ قال عليه السلام : « لا يضرّه حتّى يصيبه متعمّدا فهو ربا » (164).

ومنها : ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره عن أبيه قال : إنّ رجلا أربى دهرا من الدّهر فخرج قاصدا أبا جعفر الجواد عليه السلام فقال له : « مخرجك من كتاب الله يقول الله {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] والموعظة هي التوبة ، فجهله بتحريمه ثمَّ معرفته به. فما مضى فحلال وما بقي فليستحفظ » (165).

وأيضا : عن أبيه قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن ، ومن أكله جاهلا بتحريمه [ بتحريم الله ] لم يكن عليه شي‌ء » (166).

وبعد التأمّل في هذه الأخبار وردّ بعضها إلى بعض تكون ظاهرة فيما اخترنا من التفصيل.

بيان ذلك : إنّ بعض هذه الروايات وإن كانت تدلّ على العفو عمّا مضى وعدم وجوب غرامته عليه بعد التوبة مطلقا أو فيما إذا كان المرتكب حين ارتكابه جاهلا بتحريمه ، سواء كانت عين المال الربوي موجودة أو ليست بموجودة وكانت تالفة ، وسواء كان مشخصا معزولا أو كان مشاعا مخلوطا.

ولكن قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي « إن كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطا فكله هنيئا فإنّ المال مالك » يقيّد المطلقات بما إذا كان المال الربوي موجودا معروفا معزولا وتعرف صاحبه ، ففي هذه الصورة ليس مشمولا لحكم المطلقات من حلّية أكله وعدم ضمان عليه ، بل يجب ردّه إلى صاحبه.

وهكذا في رواية أبي الربيع الشامي ، لأنّ سياقها عين سياق صحيحة الحلبي ؛ لأنّ فيها أيضا : « إن كنت تعرف شيئا معزولا وتعرف أهله وتعرف أنّه ربا فخذ رأس مالك ودع ما سواه » إلى آخر الحديث.

والحاصل : أنّ صحيحة الحلبي المنقولة بطرق متعدّدة فرّق بين كون المال الربوي معروفا معزولا ، وبين كونه مشاعا ومخلوطا ، ففي الأوّل حكم بوجوب الرّد وإن كان المرتكب حال ارتكابه جاهلا بالحكم أو الموضوع ، وفي الثاني حكم بجواز أكله وعدم‌ وجوب ردّه ، بل هناك قيد آخر ، وهو أن يعرف أهله أي من أخذ منه الربا ، أي صاحب الزيادة ومالكه. وكذلك الكلام في رواية أبي الربيع الشامي ، ولا وجه لما ذكروه من حمل الأمر على الاستحباب.

ولا شكّ في أنّ قوله عليه السلام ـ فيما إذا كانت عين الزيادة معلومة مشخّصة معزولة مع أنّها ملك الغير يقينا ـ « خذ رأس مالك ودع ما سواء » لا مجال لحمله على الاستحباب ؛ إذ وجوب ردّ المال المعيّن المشخّص للغير مع معلوميّة ذلك الغير أمر عقلي ، فمع كون الأمر من طرف الشارع بردّه والقول بكون الأمر ظاهرا في الوجوب حمل الأمر على الاستحباب لا يخلو من غرابة.

فالأقوى هو التفصيل الذي ذكرناه ، بل الأحوط معاملة مجهول المالك معه إذا لم يعرف صاحبه ، خصوصا إذا كان المال معلوما ومعزولا ولا يكون مختلطا ومشاعا. هذا مفاد الأخبار في المقام.

وأمّا الآية أي قوله تعالى {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] .

فمع قطع النظر عن استشهاد الإمام عليه السلام بها وتطبيقها على موارد مذكورة في الروايات المتقدّمة ، ففيها احتمالات :

الأوّل : لو تاب المرتكب للربا عنه بعد ارتكابه مدّة من الزمن ، سواء كان عالما بتحريمه أم لا ، ثمَّ عرف فتاب بناء على أن تكون الموعظة بمعنى التوبة كما أنّها فسر بها في بعض الأخبار (167) فله ما سلف ، أي الأموال التي أخذها رباء قبل أن يتوب يكون له وحلال له ولا يجب ردّه إلى صاحبه ، وإن كان المال معلوما معزولا وصاحبه الذي‌ أخذ منه معروفا غير مجهول.

ولكن هذا المعنى والاحتمال مردود إجماعا ومخالف لقوله تعالى { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } [البقرة: 279].

الثاني : أن يكون المراد من الموعظة التحريم والنهي من قبل الشارع ، فيكون معنى الآية أنّه لو ارتكب المعاملات الربويّة وأخذ الربا قبل ورود النهي وقبل مجي‌ء التحريم ، فلما ورد النهي من ربّه انتهى فله ما أخذ قبلا ، ولا يجب ردّ ما أخذ قبلا قبل ورود النهي والتحريم.

قال في مجمع البيان في تفسير هذه الجملة من الآية : فله ما أخذ وأكل من الربا قبل النهي لا يلزمه ردّه ، ثمَّ قال : « قال الباقر عليه السلام : من أدرك الإسلام وتاب ممّا كان عمله في الجاهليّة وضع الله عنه ما سلف » (168).

وبناء على هذين المعنيين لا ربط للآية بمحلّ كلامنا ؛ لأنّ محلّ كلامنا هو أنّه لو ارتكب الرباء جهلا بالحكم أو الموضوع بعد ورود النهي عن قبل الشارع ، فبعد ما التفت إلى أنّ في ماله ربا محرّم هل يجب ردّه إلى مالكه أم لا ، وهذا لا ربط له بأحد المعنيين.

نعم الآية بحسب الظاهر الأوّلي ظاهر في المعنى الأوّل ، ولكن لا بدّ من التصرّف فيه لمناقضته مع قوله تعالى { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } وبحسب شأن النزول والمورد في الآية التي بعدها يكون ظاهرا في المعنى الثاني ، وذلك من جهة أنّه روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : « أنّ الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهلية وقد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت الآية ».

الثالث : أن يكون المراد منه أنّ الذي ارتكب الربا جهلا بالحكم أو الموضوع ثمَّ التفت إلى النهي فله ما سلف ، ولا يجب ردّ ما ليس بمعزول ولا معلوم أنّه ربا ، بل كان مخلوطا ومشاعا ، فيكون له حلال ويجوز أكله.

وهذا المعنى متعيّن لهذه الآية ؛ لاستشهاد الإمام عليه السلام بهذه الآية لحلّية أكل الربا المتقدّم الذي ارتكبه جهلا بالحكم أو الموضوع في الروايات المتعدّدة ، حيث قال عليه السلام : « مخرجك من كتاب الله » ثمَّ تلا هذه الآية.

ولا يرد على هذا المعنى ما أشكلنا على المعنى الأوّل من المناقضة مع قوله تعالى : ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) وذلك من جهة أنّ هذه الآية في مورد الجهل حكما أو موضوعا ، وأمّا قوله تعالى ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) في صورة التعمّد والعلم بالحكم والموضوع.

وخلاصة القول : أنّ هذه الآية ـ بضميمة استشهاد الإمام عليه السلام بها على حلّية أكل الربا فيما إذا كان ارتكابه في حال الجهل به حكما أو موضوعا فيما إذا لم يكن المأخوذ رباء معلوما ومعزولا ، بل كان مختلطا ومشاعا ، خصوصا إذا لم يعرف أهله ، أي صاحب تلك الزيادة ـ تدلّ على التفصيل الذي اخترناه ، فالآية الشريفة كالأخبار المتقدّمة دليل على هذا القول.

المسألة الثانية عشر : إذا تعاملا بين شيئين رطبين متّحدي الجنس ، كالعنب بالعنب ، أو الرطب بالرطب ـ مثلا ـ وكانت المعاملة صادرة من الفضول ، فأجاز الأصيل بعد مدّة يبس أحد العوضين ونقص عن وزن ما يقابله إن كانا من الموزون ، أو عن كيله إن كانا من المكيل ، فهل مثل هذه المعاملة صحيحة أو فاسدة؟

لا يبعد ابتناء المسألة على الكشف الحقيقي والنقل ، فإن قلنا بالأوّل فالمعاملة صحيحة ، وإن قلنا بالنقل تكون فاسدة ؛ لكونها من الربا المحرّم ، وأمّا الكشف الحكمي فلا أثر له في هذا المقام ؛ لأنّه في الحقيقة نقل لا كشف.

 

المسألة الثالثة عشر : إذا أراد الشريكان أو الشركاء تقسيم المال المشترك بينهما أو بينهم بحيث يكون نصيب كلّ واحد منهم من جنس نصيب الآخر ، وكان المال المشترك ممّا يكال أو يوزن ، وبعبارة أخرى : كان المال المشترك أبعاضه ربويّا ، أي واجدا لشرائط ثبوت الربا بحيث لو وقعت المعاملة والمعاوضة على تلك الأبعاض يجب أن يكون العوضان مثلا بمثل ، متساويين في المقدار ، فهل القسمة أيضا معاملة ومعاوضة كي يراعى فيها عدم ثبوت الربا ، أم لا؟ بل صرف تمييز حقّ بمعنى أنّ الحقّ بمقتضى الشركة مشاع ، إمّا نصف أو ثلث أو ربع أو غيرها من الكسور حسب كثرة الشركاء أو قلّتهم ، أو كثرة نصيب الشريك أو قلّته.

وعلى كلّ حال فبناء على الأوّل لا بدّ وأن تكون القسمة بالكيل أو الوزن كي لا يقع التفاضل بين حقّه وبين ما يأخذه بعنوان أنّه نصيبه ، ولا يجوز بالخرص والتخمين.

فلو كان الشريكان لكلّ واحد منهما النصف ، فإن كان من المكيل يجب أن يكال المال بكيلين متساويين ، وإن كان من الموزون يجب أن يوزن القسمان بوزنين متساويين لكي لا يزيد أحدهما على الآخر ، فيكون رباء محرّما.

وأمّا بناء على الثاني ، فحيث لا معاوضة ولا معاملة فلا رباء في البين ، فلا مانع من أن تكون السهام متفاوتة في المقدار ، وأن يكون أحدهما أزيد من الآخر ، فيما إذا كان لكلّ واحد من الشريكين النصف.

وهكذا الأمر لو كان الشركاء متعدّدا وكانوا أزيد من اثنين ، فسهم صاحب كلّ كسر لا مانع من أن يكون أزيد من ذلك الكسر أو أقلّ إذا كان التقسيم بوجه مشروع ، وأيضا لا مانع من أن يكون سهم أحدهما الرطب من ذلك الجنس المشترك مثل أنّ يكون رطبا أو عنبا ، وسهم الآخر اليابس منه مثل أن يكون تمرا أو زبيبا ، وإن كانا ينقصان إذا جفّا.

كلّ ذلك لأنّه بناء على هذا لا رباء في البين كي لا يجوز أمثال تلك المذكورات.

وما ذكرنا كان أثر كلّ واحد من التقديرين ، وأمّا في مقام الإثبات وأنّ أيّ واحد منهما هو الحقّ ، فيحتاج إلى شرح وبيان.

وخلاصة الكلام فيه هو أنّ مبنى هذه المسألة ـ أي كون القسمة إفراز حقّ وتمييزه ، أو معاوضة ومعاملة بين الشريكين أو الشّركاء ـ هو تحقيق معنى الشركة وبيان حقيقتها ، فنقول :

أمّا مفهوم الشركة ، فهو من المفاهيم الواضحة عند العرف ؛ ولذلك تعريفه يكون لفظيّا ربّما يكون هو أوضح من التعاريف التي عرّفوها بها.

فالعمدة هو بيان أنّ متعلّق حقّ الشركاء أيّ شي‌ء هو؟

وفي هذا المقام ذكروا وجوها :

الأوّل : هو أنّ كلّ واحد من الشريكين أو الشركاء يملك كسرا مشاعا من المال المشترك ، كالنصف ، أو الثلث ، أو الربع ، وهكذا باقي الكسور ، ففي الحقيقة كلّ واحد من الشريكين أو الشركاء مالك لعنوان كلّي قابل للانطباق على أفراد ومصاديق متعدّدة ، وكلّ واحد من تلك الأفراد مصداق حقيقي وفرد واقعي لذلك المفهوم الكلي.

فبناء على هذا حقيقة القسمة عبارة عن تطبيق ذلك الكلّي المملوك على مصداقه ، فتمام ذلك الفرد عين مملوكه وليس شي‌ء فيه لشريكه كي يقال بأنّه معاوضة ومعاملة مع شريكه بمعنى انتقال أجزاء من مال شريكه إليه بعوض ما ينتقل من ماله إلى شريكه ، بل بالقسمة يتعيّن ماله ويتميّز عن مال شريكه ، ويخرج عن الإشاعة.

وهذا هو المتّفق عليه بين أصحابنا الإماميّة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، بخلاف ما ذهب إليه الجمهور من أنّ القسمة مستلزمة للمبادلة والمعاوضة بين ماليهما ، كما أنّه لو حصلت الشركة بين ماليهما بواسطة الخلط ، كما في خلط الحنطة بالحنطة ، أو الشعير بالشعير ، أو في غيرهما ، أو بواسطة المزج كمزج لبن أحدهما بلبن الآخر ، أو الدهن المذاب لأحدهما بالدهن المذاب للآخر ، فبعد التقسيم لا محالة يوجد في كل‌ قسم مال الآخر ، فلا بدّ وأن نقول بالمعاوضة ، ولا يمكن أن يكون إفراز حقّ وتمييزه عن مال الآخر.

ولكن أنت خبير بأنّ في المثالين أو ما يشبههما يحصل الاشتراك في الرتبة السابقة على القسمة بنفس المزج أو الخلط ، فيكون لكلّ واحد منهما الكسر المشاع من النصف أو الثلث أو غيرهما ، فإذا كان مبادلة أو معاوضة فذلك في الرتبة السابقة على القسمة ، أي في نفس حصول الاشتراك.

الثاني : أن يكون مال كلّ واحد من الشريكين أو الشركاء معلوما عند الله ، متميّزا في الواقع وفي مقام الثبوت ، ولكن في مقام الإثبات لا يعرف التميّز مثل موارد العلم الإجمالي ، فإنّ المعلوم بالإجمال معلوم ومتميّز عند الله وعند من يعرف الواقع ، ولكن غير معلوم عند الذي يعلم علما إجماليّا ـ مثلا ـ بنجاسة أحد الكأسين ، أو بزوجيّة إحدى المرأتين ، وهكذا في سائر موارد العلم الإجمالي.

ومرجع هذا الوجه هو أنّ الاشتراك في الحقيقة عبارة عن الالتباس والاشتباه في الظاهر ، ولازم هذا الوجه هو أن يكون التقسيم غالبا ملازما مع المبادلة والمعاوضة ، لبعد أن تردّ القسمة على نفس ماله بمعنى أن يكون سهمه دائما عين ما يملكه واقعا ، خصوصا في مورد المزج والخلط بل استحالته عادة.

فهذا الوجه يناسب ما ذهب إليه الجمهور في القسمة من أنّها مبادلة ومعاوضة.

ولكن خبير بأنّ أصل هذا المبنى باطل ، وأنّ الاشتباه والالتباس غير الاشتراك مفهوما ومصداقا ؛ لأنّه بناء على هذا المبنى ليس اشتراك في البين ، بل كلّ واحد منهما مالك لمال نفسه المتعيّن في الخارج ، غاية الأمر اشتبه بمال الآخر.

والإنصاف : أنّ القول بأنّ الاشتراك من هذا القبيل لا يخلو من غرابة ، وأمّا ما يتراءى في بادي النظر في مورد مزج المالين أو خلطهما ، بحيث لا يمكن فصلهما عرفا وعادة من كونه كذلك ، فقد بيّنّاه بأنّ المزج أو الخلط بتلك المثابة يكون سببا لحصول‌ الاشتراك بنحو الإشاعة ، وملكيّة كلّ واحد منهما أحد الكسور.

ولا شكّ في أنّ الكسر المشاع لا تعيّن ولا تميّز له في مقام الثبوت ، بل هو من قبيل الكليّ قابل للانطباق على الكثير ، وما لم ينطبق على الخارج لا تعيّن له ، نعم بعد الانطباق يتعيّن ويتميّز.

وحيث أنّ الخصوصيّة ليست ملكا للشريك أصلا ، كما إذا اشترى صاعا من صبرة بعنوانها الخاصّ ، بل يكون مالكا لإحدى الخصوصيتين أيضا بعنوان كلّي كما في باب الإرث ، فلا بدّ وأن يكون التطبيق إمّا برضائه الطرفين أو بحكم الشرع من قرعة أو غيرها.

وخلاصة الكلام : أنّ المفهوم من الشركة عرفا لا يلائم مع كونها من قبيل الالتباس وكونها متميّزا في الواقع وفي عالم الثبوت وغير معلوم في مقام الإثبات.

الثالث : أن يكون كلّ واحد من الشريكين إذا كانا اثنين مع التساوي في نصيبهما مالكا لنصف المال المشترك ، ولكن لا بنحو الكلّي ، بمعنى أن يكون مالكا لطبيعة النصف من ذلك المال ، فكلّ نصف فرض في ذلك المال يكون تمامه لكلّ واحد من الشريكين ، غاية الأمر على البدل لا في عرض مالكيّته لذلك النصف الآخر ، كي يلزم منه اجتماع مالكين في مال واحد ، وكذلك كي لا يلزم منه مالكيّة كلّ واحد منهما لتمام المال المشترك.

ومرجع هذا الوجه إلى أنّ كلّ جزء فرضته في ذلك المال يكون لكلّ واحد من الشريكين نصفه ، وحيث أنّ التحقيق عدم وجود الجزء الذي لا يتجزى واستحالته فكلّ جزء فرضته في ذلك المال قابل للقسمة إلى ما لا يتناهى ، ففي كلّ جزء يصحّ أن يقال نصفه لهذا الشريك ونصفه الآخر للآخر ، فهما شريكان في كلّ جزء من أجزاء ذلك المال المشترك ، وهذا المعنى هو المتفاهم العرفيّ من لفظ الشركة.

نعم لو قلنا بوجود الجزء الذي لا يتجزّى فيلزم من هذا الوجه محذور ، وهو‌ اجتماع مالكين على مال واحد ؛ لعدم إمكان أن يقال إنّ نصف هذا الجزء لهذا الشريك ونصفه الآخر للآخر ، لعدم تصوير النصف فيه.

فالذي يقول بإمكان الجزء الذي لا يتجزّى وأنّ كلّ جسم مركّب منه ، فلا بدّ له من الالتزام بأحد أمرين : إمّا أنّ لكلّ جزء من تلك الأجزاء مالكين ، أو يلتزم بأنّ بعض تلك الأجزاء لأحدهما والبعض الآخر للآخر.

وحيث أنّ الثاني لا يلائم مع الإشاعة والشركة ؛ لأنّه بناء على الثاني مال كلّ واحد من الشريكين غير مال الآخر ، إلاّ أنّه غير متميّز خارجا ، فلا بدّ للقائل بالإشاعة والاشتراك من اختيار الوجه الأوّل ، وهو أن يكون لكلّ جزء مالكين ، وهو محال وباطل بالضرورة ، مضافا إلى أنّه لا يصدق عليه الشركة ولو التزم بذلك ؛ لأنّ مرجع هذا الوجه إلى أنّ تمام المال ملك لهذا الشريك وللآخر أيضا ، وهذا غير الشركة.

ولكن الذي يسهّل الخطب أنّ بطلان الجزء الذي لا يتجزّى في عصرنا هذا ينبغي أن يعدّ من البديهيّات.

ثمَّ إنّ الفرق بين هذا الوجه والوجه الأوّل هو أنّه لو تلف مقدار من المال المشترك يكون التلف من كلّ واحد من الشريكين أو الشركاء ؛ وذلك لما قلنا من أنّ مرجع هذا الوجه إلى أنّه أيّ جزء فرضت في هذا المال يكون نصفه مثلا لهذا الشريك ، ونصفه الآخر للآخر ، وهكذا في سائر الكسور ، وفي سائر الفروض وإن كان الشركاء أزيد من اثنين ، فالتالف بعضه لهذا الشريك ، وبعضه الآخر للشريك الآخر أو الشركاء الآخرين ، فالتلف يكون من كيس جميع الشركاء.

ففي الحقيقة إذا قلنا إنّ نصف هذا المال لأحد الشريكين ـ مثلا ـ مرجعه إلى أنّ أنصاف جميع الأجزاء المفروضة فيه له ، فلو تلف جزء من تلك الأجزاء المفروضة فتلف نصف ذلك التالف من كلّ واحد منهما.

وأمّا في الأوّل فالنصف الكلّي لأحد الشريكين ، وكذلك النصف الآخر للآخر ، فلو تلف نصف هذا المال لا يبقى لأحد الكلّيين مصداق ، فلا بدّ وأن يعيّن التالفة بالقرعة ؛ وذلك من جهة أنّه في المفروض للمال المشترك نصفان : أحدهما النصف التالف ، وثانيهما النصف الباقي ، فيكون كلّ واحد من النصفين لأحد الشريكين بلا تعيين ، فلا مناص إلاّ التعيين بالقرعة التي عيّنها الشارع لكلّ أمر مشتبه.

وبعد ما عرفت ما ذكرنا تعلم أنّ الصحيح من هذه الوجوه هو الوجه الأخير ، أي الوجه الثالث ؛ إذ هو الذي يسلم عن النقوض والإشكالات ، وهو الذي يفهمه العرف من الشركة ، ومقتضاه كون القسمة إفراز الحقّ لا المعاوضة والمبادلة بين أموال الشركاء أو مالي الشريكين.

بيان ذلك : أنّ كلّ كسر من الكسور إذا أضيف إلى شي‌ء ، فيكون ما ينطبق عليه ذلك الكسر مصداقا حقيقيّا له ، مثلا إذا كان الكسر هو النصف مثلا ، فإذا أضيف إلى تمام المال ، فيكون كلّ نصف من أنصاف تمام ذلك المال مصداقا حقيقيّا لذلك الكسر ، وهكذا.

فإذا فرضنا أنّ هاهنا شريكين في مال ، فإذا قسمنا تمام ذلك المال نصفين ، فكلّ واحد من النصفين مصداق حقيقي لمفهوم ذلك الكسر المشاع الذي هو نصف المال ، وكذلك الأمر في جميع أجزاء ذلك المال إذا قسمناها بقسمين ، يكون كلّ قسم منها مصداقا حقيقيّا لذلك الكسر المشاع الذي يملكه كلّ واحد من الشريكين من ذلك المال.

ولا فرق فيما ذكرنا بين ورود التقسيم على الكلّ ، أو على أيّ جزء من أجزاء ذلك المال المشترك ، نعم كون هذا القسم بخصوصه لهذا الشريك والآخر للآخر يحتاج إلى معيّن من قرعة أو تراضيهما ، فليس في باب القسمة مبادلة ومعاوضة في البين ، كي‌ نتكلّم في أنّه إذا كان المال المشترك متّحد الجنس وكان من المكيل أو الموزون هل يأتي فيه الربا ، أم لا.

الجهة الثالثة

في موارد الاستثناء عن هذه القاعدة‌ :

منها : بين الوالد وولده ، بمعنى أنّه يجوز أن يأخذ الفضل كلّ واحد منهما من الآخر ، وإن كان العوضان في المعاملة التي تقع بينهما متّحدي الجنس أو في حكمه ، وكانا من المكيل أو الموزون.

ومنها : بين المولى ومملوكه.

ومنها : بين الرجل وزوجته.

ومنها : بين المسلم والحربي ، بمعنى أنّه يجوز للسلم أن يأخذ الفضل من الحربي ، لا أن يعطيه ، وأمّا غير الحربي سواء كان ذميّا أو معاهدا ، ففيه كلام نتكلّم فيه إن شاء الله تعالى ، ونسب الخلاف في هذه المسألة إلى المرتضى (169) والأردبيلي (170) ـ قدس سرّهما ـ وقيل برجوع المرتضى عمّا قال ، وأنّه وافق المشهور.

وعلى كلّ حال المدرك في هذا الحكم هو الأخبار ، وأمّا الإجماعات المدّعاة من الأعاظم في هذا المقام فمخدوش صغرى وكبرى ؛ لما ذكرنا مرارا من أنّ الاتّفاق مع وجود الروايات ليس من الإجماع المصطلح الذي بنينا في الأصول على حجّيته ، وأمّا الصغرى فلوجود المخالف.

فالأولى أن نذكر أخبار الباب ونرى مفادها ومقدار دلالتها :

فمنها : رواية عمرو بن جميع ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيّد وعبده ربا » (171).

وبهذا الإسناد قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا نأخذ منهم ألف ألف درهم بدرهم ، ونأخذ منهم ولا نعطيهم » (172) وروي هذه الرواية والتي قبلها بعدّة طرق في الجوامع العظام.

ومنها : ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا ، إنّما الربا فيما بينك وبين ما تملك ». قلت : فالمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال : « نعم ». قلت : فإنّهم مماليك؟ فقال : « إنّك لست تملكهم ، إنّما تملكهم مع غيرك ، أنت وغيرك فيهم سواء ، فالذي بينك وبينهم ليس من ذلك ؛ لأنّ عبدك ليس مثل عبدك وعبد غيرك » (173).

ومنها : ما رواه الصدوق مرسلا قال : قال الصادق عليه السلام : « ليس بين المسلم وبين الذمّي ربا ، ولا بين المرأة وبين زوجها ربا » (174).

ومنها : رواية عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم على أن يؤدّي العبد كلّ شهر عشرة دراهم ، أيحلّ ذلك؟ قال عليه السلام :« لا بأس » (175).

ومنها : ما في الفقه الرضوي عليه السلام : « ليس بين الوالد وولده ربا ، ولا بين الزوج والمرأة ، ولا بين المولى والعبد ، ولا بين المسلم والذّمي » (176).

وهذه الروايات وإن ضعّفها الأردبيلي (177) ـ وبعضها كذلك ، ولا يخلو من الضعف ـ ولكن حيث عمل بها الأصحاب قديما وحديثا ، بل ادّعى بعضهم الإجماع على ما هو مضمونها ، حتّى أنّ صاحب الجواهر (178) يقول إجماعا محكيّا مستفيضا إن لم يكن متواترا صريحا ظاهرا ، بل يمكن تحصيله إذ لا خلاف فيه إلاّ من المرتضى (179).

ثمَّ يقول : إنّه أيضا عدل عن خلافه ووافق الباقين من الأصحاب ، وينقل عبارته من الانتصار أنّه قال :

وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّه لا ربا بين الولد ووالده ، ولا بين الزوج وزوجته ، ولا بين الذمّي والمسلم ، ولا بين العبد ومولاه.  

وخالف باقي الفقهاء ثمَّ ينقل كلامه أنّه قال : وقد كتبت قديما في جواب مسائل وردت عليّ من الموصل وتأوّلت الأخبار التي يرويها أصحابنا المتضمّنة لنفي الربا بين من ذكرنا ـ أي الولد والوالد والزوج والزوجة والمولى والعبد والذمي والمسلم ـ على أنّ المراد بذلك وإن كان بلفظ الخبر معنى الأمر كأنّه قال : يجب أن لا يقع بين من ذكرناه ربا كما قال تعالى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وكقوله تعالى {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وكقوله صلى الله عليه واله : « العارية مردودة والزّعيم غارم » ومعنى ذلك كلّه الأمر والنهي ، إلى أن قال :

واعتمدنا في نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن ، ثمَّ لمّا تأمّلت ذلك رجعت عن هذا المذهب ، لأنّي وجدت أصحابنا مجمعين على نفي الربا بين ما ذكرنا ، وغير مختلفين في وقت من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنّه حجّة ، ويخصّ به ظاهر القرآن.

فانظر إلى كلام هذا الفقيه العظيم ، وأنّه رجع عن فتواه لمّا رأى من الإجماع والاتّفاق من الأصحاب على عدم ثبوت الربا في هذه الموارد الأربعة ، فمع اتّفاق الأصحاب على الفتوى بمضمون هذه الروايات لا يبقى مجال للشكّ في حجّيتها ؛ وذلك لحصول كمال الوثوق بصدورها واعتبارها لما ذكرنا في الأصول (180) أنّ موضوع الحجّة هو خبر الموثوق الصدور ، لا خصوص خبر الثقة أو الصحيح كما قيل.

فالعمدة في المقام هو بيان دلالتها ، فنقول :

لا شكّ في أنّ ظاهر هذه الروايات نفي الربا بين الطوائف الأربع : أي الوالد والولد ، والمالك ومملوكه ، والزوج وزوجته ، والمسلم والكافر إمّا مطلقا وإن كان ذمّيا ، أو خصوص الحربي.

وفي أمثال هذه التراكيب التي يكون مفادها رفع موضوع خارجي بلا النافية للجنس ، يدور الأمر بين أمور ثلاثة بعد معلوميّة عدم رفعها تكوينا :

أحدها : أن يكون النفي بمعنى النهي ، كقوله تعالى {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [البقرة: 197] ومن الواضح أنّ هذا خلاف ظاهر النفي ، ولا يصار إليه إلاّ بدليل ، ولا دليل في المقام ، فلا مانع من الأخذ بظاهرها ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ثانيها : هو أن يكون المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، كما قال بهذا جمع من المحقّقين في حديث « لا ضرر » وما دلّ على نفي الحرج ، وهذا أيضا خلاف ظاهر‌ الكلام ؛ وذلك لأنّ ظاهر الكلام هو أنّ المنفي والمرفوع نفس الموضوع ، لا حكمه تقديرا أو تجوّزا ؛ لعدم احتياج إلى التقدير ، وعدم قرينة على التجوّز ، بل عدم صحّة إرادة الحكم من الموضوع لعدم علاقة بينهما.

ويمكن أن يكون المرفوع هاهنا نفس الموضوع حقيقة ، غاية الأمر رفعا تشريعيّا لا رفعا تكوينيّا ، نعم نتيجة الرفع التشريعي هو ارتفاع الحكم ، وقد شرحنا هذا المطلب وأوضحناه في حديث الرفع في كتابنا « منتهى الأصول » (181) وفي شرح قاعدة لا ضرر في كتابنا « القواعد الفقهية » (182).

وخلاصة الكلام : أنّ نفي الربا في عالم التشريع في الموارد المذكورة مرجعه إلى نفي تحريمه ، ولكن بلسان نفى موضوعه حقيقة ، لا ادّعاء في عالم الاعتبار التشريعيّ.

وبعبارة أخرى : المنفي هو نفس الربا في محلّ البحث ، ولكنّ النفي نفي تشريعيّ ، ومعنى النفي التشريعيّ كونه بمنزلة العدم في نظر الشارع ، أي عدم ترتّب أثر شرعي عليه.

وبعد ما ظهر لك اعتبار هذه الروايات وحجّيتها ـ أمّا عند القدماء لأجل صحّتها على ما هو المصطلح عندهم من صحّة جميع ما هو موجود في الكتب المعتبرة كالكتب الأربعة وغيرها ممّا هو معتبر عندهم ، وأمّا عند المتأخّرين فلأجل جبر ضعفها بالاتّفاق المذكور ، والإجماعات المنقولة عن أعاظم الفقهاء ، حتّى أنّ المرتضى (183) عدل عن فتواه لأجل ذلك الإجماع ، وقد تقدّم ذكر هذا المطلب ، فلا يبقى مجال لما ذهب إليه ابن الجنيد (184) من حرمة الربا حتّى في هذه الموارد الأربعة المتقدّمة ، مستندا إلى عمومات الكتاب ؛ إذ بعد الفراغ عن جواز تخصيص عمومات الكتاب وتقييد مطلقاتها بالخبر الواحد الحجّة ، وبعد الفراغ عن حجيّة هذه الأخبار لما ذكرنا ، فالعمومات تخصّص ، والمطلقات تقيّد.

وأيضا لا يبقى مجال لما ذكره الأردبيلي (185) وصاحب الكفاية (186) من المناقشات في حجّية هذه الأخبار ؛ إذ حجّيتها واضحة ، ودلالتها على عدم حرمة الربا في هذه الموارد أوضح ، فلا وجه للتشكيك في حجّيتها أو دلالتها ، أو كونها مخصّصة للعمومات ومقيّدة للمطلقات ؛ إذ جميع هذه الأمور ثابتة بالأدلّة والبراهين القاطعة ، وعلى الله التوكل وبه الاعتصام.

ثمَّ إنّ هاهنا فروعا‌ :

الأوّل : هو أنّه هل يشمل الولد في قوله عليه السلام « لا رباء بين الوالد والولد » للبنت أم لا؟

أقول : لا وجه لعدم الشمول إلاّ دعوى الانصراف ، وإلاّ فبحسب اللغة والعرف العامّ لا شكّ في أنّ الولد ـ ومادة التوليد مطلقا ـ أعم من الذكر والأنثى.

نعم في بعض الأقطار لا يطلقون الولد على الأنثى ، ولذلك في مثل الأقارير والوصايا يجب الأخذ بعرف المقرّ والموصي ؛ وذلك لأنّ الإقرار والوصيّة عبارة عن إنشاء أمر مع قصده لذلك الأمر ، وإلاّ فصرف الإنشاء بلا قصد لا أثر له. ولا ريب في أنّ اللفظ الذي يصدر عن المتكلّم ظاهر في إرادته لما هو المتعارف عنده وعند بلده قصدهم من ذلك اللفظ حين الاستعمال ، وأمّا الألفاظ المستعملة في لسان الشارع والأئمة : فظاهر فيما هو معنى اللفظ عند العرف العامّ ؛ وذلك لأنّ خطاباتهم ليست متوجّهة إلى شخص خاصّ ، أو بلد وقطر خاصّ ، أو أهل زمان خاصّ .

نعم لا بدّ وأن يكون المعنى المراد من اللفظ هو ما يفهمه العرف في زمان صدور الكلام ، وهذا أصل جار في جميع الموارد ، وحيث أنّ العرف العامّ في مادّة الولد كما تقدّم‌ هو الأعمّ من الذكر والأنثى فلا وجه لاختصاصه بالذكر ، ودعوى الانصراف لا يخلو من مجازفة.

ثمَّ الظاهر أنّه لا فرق بين الولد أن يكون من صلبه وبلا واسطة ، وبين ولد الولد ، أي ولد الابن ، وذلك لعموم اللفظ وشموله لكليهما ، وإن كان العلاّمة (187) والمحقّق (188) والشهيد (189) الثانيان قالوا باختصاص الحكم بالولد بلا واسطة ، نعم يمكن أن يقال بانصرافه عن ولد البنت ، وإن كان اللفظ بحسب الوضع أعمّ من ولد الابن والبنت جميعا. ولكنّ الإنصاف أنّ دعوى الانصراف هاهنا غير بعيد.

الثاني : هل يختصّ هذا الحكم بالولد الصلبي ، أو يشمل الولد الرضاعي؟

الظاهر عدم الشمول ؛ وذلك من جهة أنّ الولد الرضاعي ليس بولد للأب الرضاعيّ حقيقة ، إذ لم يلده ، وإنّما هو تنزيل من قبل الشارع ، فيحتاج إلى إثبات عموم المنزلة. وكون « الرضاع لحمة كلحمة النسب » (190) لا يثبت التنزيل من حيث جميع الآثار.

وأمّا شموله لولد الزنا فبحسب العرف واللغة فلا إشكال فيه ، وقوله صلى الله عليه واله « الولد للفراش » (191) في مورد الشكّ ، وأمّا مع القطع بأنّه خلق من مائه فلا شك في أنّ هذه القاعدة لا تنفي النسب.

وأمّا ما ورد في باب إرثه وأنّه لا يرث ، فهذا حكم خاصّ لا ربط له بنفس النسبة مطلقا.

وأمّا دعوى انصراف الولد عن ولد الزنا في موضوعيّته لهذا الحكم ، فدعوى بلا دليل ، نعم الأحوط الاجتناب عن ارتكاب الربا بينهما ، فإنّه حسن على كلّ حال.

الثالث : بناء على شمول هذا الحكم للذكر والأنثى جميعا كما هو المختار ، وبناء على أنّ الخنثى ليس طبيعة ثالثة كما هو المختار ، بل هو إمّا ذكر أو أنثى وأمّا كونه مشكلا إنّما هو في مقام الإثبات لا في مقام الثبوت ، يكون الخنثى أيضا مشمولا لهذا الحكم بلا إشكال.

وأمّا الأمّ فلا يكون بمنزلة الأب قطعا ؛ لعدم شمول الرواية لها ، وليس دليل آخر من إجماع أو غيره في البين ، فيجب الأخذ بالنسبة إليها بعمومات التحريم.

وأمّا ادّعاء أنّ قوله عليه السلام في ما حكيناه عن الفقه الرضوي : « ليس بين الوالد وولده ربا » (192) ، وأيضا ما قاله المرتضى : « وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّه لا ربا بين الوالد وولده » (193) ، أنّ المراد من الوالد ـ وإن كان بصيغة المذكر ـ أعمّ من الأب والأمّ ، ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه ؛ لأنّ الوالد لفظ موضوع للأب ، ولا يطلق على الأمّ أصلا.

وأمّا رواية عمرو بن جميع ورواية زرارة فصرّح فيهما بأنّه ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس فيهما ما يتوهّم إمكان انطباقه على الأمّ.

وهذه الفروع التي ذكرناها كلّها كانت راجعة إلى المورد الأوّل من الموارد الأربعة.

وهاهنا فروع راجعة إلى المورد الثاني من تلك الموارد ، أي عدم الربا بين السيّد وعبده :

فالأوّل : أنّه هل فرق بين العبد المكاتب وبين غيره أم لا؟

وجه الفرق هو أنّ المكاتب يملك ما يحصّله بالكسب ، فيكون في حكم سائر الناس ، ويحرم عليه أخذ الربا والفضل منه ، وأمّا غير المكاتب فلا يملك وماله مال سيده ؛ فلذلك يجوز أخذ السيّد عنه لأنّ أدلّة حرمة الربا منصرفة إلى أخذ مال الغير لا مال نفسه.

وأمّا المكاتب حيث أنّه يملك ، فيشمله أدلّة حرمة الربا ، ولا يجوز أخذ الفضل منه ، ومن هذه الجهة يكون كسائر الناس. ولكن أنت خبير بأنّه بناء على أنّ العبد لا يملك ، لا يبقى محلّ للبحث في أنّه يجوز أخذ الفضل والربا عنه أم لا ، ولا يبقى مورد لقوله عليه السلام ـ : « لا ربا بين السيّد وعبده » (194) إلاّ المكاتب ، لا أنّه يجوز الأخذ عن غير المكاتب ولا يجوز عنه.

فالظاهر عدم الفرق بين أقسام العبد من القنّ والمدبّر والمكاتب ، وحتّى أمّ الولد ، بناء على عدم اختصاص هذا الحكم بالرجل وشموله للأمة ، كما هو الأظهر وإن كان الأحوط عدم الأخذ عنها ، كلّ ذلك لأجل إطلاق النصّ.

فقوله عليه السلام في رواية زرارة ومحمّد بن مسلم : « ليس بين الرجل وولده ، ولا بينه وبين مملوكه ربا » (195) وفي بعض النسخ : « وبين عبده » بدل « وبين مملوكه » وعلى كلّ واحد من الوجهين فيه إطلاق يشمل جميع أقسام العبد ، وهذا حكم تعبّدي.

والوجوه التي ذكروها تعليلا لهذا الحكم ليست إلاّ وجوها استحسانيّة لا اعتبار بها في إثبات الأحكام الشرعيّة.

الثاني : الظاهر عدم الفرق بين كون المولى رجلا أو امرأة ، وقوله عليه السلام في رواية زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة : « ليس بين الرجل وولده ، ولا بينه وبين مملوكه » من باب الجري علي الغالب ، كما هو المتعارف في بيان أكثر الأحكام ، لا لخصوصيّة في الرجل ، وهذا واضح.

الثالث : إذا كان العبد مشتركا أو مبعّضا. أمّا المشترك بين مالكين أو أكثر ، فيصدق بالنسبة إلى كلّ واحد من المالكين أو الملاّك أنّه عبده ، خصوصا بالنسبة إلى حصّته منه ، فلو باع شيئا منه مع الفضل وفرضنا أنّ له نصف العبد فيملك نصف الفضل مع تمام الثمن إذا كان البائع هو وحده.

وذلك من جهة صدق أنّه باع هذا المقدار من عبده مع الفضل والربا ، ولا رباء بين السيّد وعبده ، بل يمكن أن يقال بأنّه يملك تمام الثمن وتمام الفضل ؛ لأنّه عبده ولا رباء بين السيّد وعبده.

ولكن هذا الاحتمال بعيد ؛ لأنّه ليس تمام العبد ملكه ، بل لا يملك إلاّ نصفه مثلا ولو كان المثمن لمالكين أحدهما مالك العبد بتمامه ، أو كان مالكا لنصفه ، فيمكن القول بصحّة المعاملة بالنسبة إلى النصف لصدق البيع من عبده مع الفضل بالنسبة إلى النصف ، والربا بالنسبة إليه لا يوجب البطلان ، نعم بالنسبة إلى النصف الآخر باطل ؛ لأنّه بيع ربويّ وداخل في المستثنى منه ، ولا استثناء بالنسبة إليه ؛ لأنّه ليس بسيّده.

نعم لو حصل الشكّ في شمول قوله عليه السلام : « لا رباء بين العبد وسيّده » لمثل هذا العبد المشترك أو المبعّض أو المكاتب أو المدبّر أو أمّ الولد ، ولم يكن إطلاق يرفع حكم الشكّ ، فمقتضى القاعدة هو الرجوع إلى عمومات أدلّة حرمة الربا ، كما هو الشأن في جميع موارد الشكّ في الشبهة المفهوميّة للمخصّص للعمومات كما في المقام.

ولكن أنت خبير بأنّ هذا صرف فرض في المقام ؛ لوضوح مفهوم السيّد والعبد في المقام وعدم خفاء فيه ، فالمالك بالنسبة إلى حصّته سيّد في العبد المشترك أو المبعّض ، كما أنّ العبد المشترك أو المبعّض بالنسبة إلى تلك الحصّة مملوك له يقينا ، وقد كان في رواية زرارة ومحمّد بن مسلم عنوان « بين الرجل ومملوكه » كما تقدّم.

هذا في العبد المشترك ، والكلام في المبعّض عين الكلام في المشترك حرفا بحرف. نعم ربما يقال إنّ ذيل صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم نفي حلّية الربا في العبد المشترك ، وهو قوله عليه السلام : « نعم وإنّك لست تملكهم إنّما تملكهم مع غيرك ، أنت وغيرك فيهم سواء ، والذي بينك وبينهم ليس من ذلك ، لأنّ عبدك ليس مثل عبدك وعبد غيرك ». وهذا الكلام منه عليه السلام بعد قول السائل : قلت : فالمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال عليه السلام : « نعم » قلت : فإنّهم مماليك؟ فأجاب عليه السلام بقوله : « نعم » إلى آخر ما ذكرنا.

ولا ريب في أنّ ظاهر كلامه عليه السلام « نعم » ـ في جواب قول السائل : فالمشركون بيني وبينهم ـ يدلّ على ثبوت الربا إذا كان المملوك مشتركا بينك وبين غيرك ، ولكن يمكن أن يقال إنّ هذا الذيل لم يعمل الأصحاب به ؛ لمعارضته مع صدر الرواية ؛ لأنّ مفاد صدر الرواية عدم ثبوت الربا بين المسلمين ، والحربي والمشركون منهم ، بل الحكم في الكافر غير الذمّي إجماعي ، ولا شكّ في أنّ المشركين ليسوا بذمّيين.

وجمع بعضهم بين ما مفاده عدم ثبوت الربا بين المسلم والكافر الحربي ، وهذا الذيل الذي يدلّ على الثبوت ، بحمل الطائفة الأولى على غير المعاهد من الحربي ، والثانية على المعاهد ؛ وذلك لأنّ المعاهد ماله محترم ، فيكون كالمسلم في ثبوت عدم جواز أخذ الزيادة.

وفيه : أنّ الاحترام لا ينافي جواز أخذ الفضل ؛ لأنّ معنى الاحترام أن لا يأخذ ماله بدون رضاه وغصبا عليه ، وأمّا مع رضاه ورغبته فلا ، ولا شكّ أنّ الأخذ في المفروض برضائه ، فلا ينافي احترام ماله.

فهذا الذيل ـ بعد إعراض الأصحاب عنه وحكمهم بعدم ثبوت الربا بين المسلم‌ والحربيّ سواء كان معاهدا أو غير معاهد ـ أي جواز الأخذ عنه لا إعطائه الفضل ساقط عن الاعتبار ، فلا يجوز الأخذ به ، والحكم بثبوت الربا في العبد المشترك والمبعّض.

نعم الأحوط عدم جواز الأخذ لا لهذه الرواية بل للشكّ في صدق عنوان عبده ؛ لأنّه من المحتمل أن يكون صدق هذا العنوان منوطا بكون تمام العبد مملوكا له ، لا أن يكون مشتركا بينه وبين غيره ، أو مبعّضا يكون بعضه حرّا وبعضه ملكا له.

هذه الفروع كانت في مسألة عدم الربا بين السيّد وعبده.

وأمّا الاستثناء الثالث ، أي عدم ثبوت الربا بين الزوج وزوجته ففيه فروع أيضا :

الأوّل : هو أنّه هل هذا الحكم مختصّ بالزوجة الدائمة ، أم لا فرق بينها وبين كونها متعة وموقّتة؟

لا شكّ في أنّ الزوجة غير الدائمة ـ أي المنقطعة ـ زوجة حقيقة ، بل استظهرنا من الأدلّة أنّهما حقيقة واحدة ، وكونها موقّتة أو دائمة من المصنّفات لا من المنوّعات ، ولذلك حين العقد والإنشاء لو نسي ذكر الأجل ولم يذكر تقع دائمة ؛ لأنّ الدوام ينتزع من عدم التقييد بالأجل وإطلاق العقد.

فقوله عليه السلام : « ليس بين المرأة وزوجها ربا » يصدق على المنقطعة حقيقة ، ولكنّ الكلام في أنّه هل ينصرف إلى الدائمة أم لا.

وفصّل بعض بين كون مدّة التمتع قليلة كساعة أو ساعتين ، وبين ما كانت كثيرة كسنة أو سنتين بل سنين عديدة. وكأنّ منشأ هذا التفصيل هو دعوى الانصراف في الأوّل دون الثاني ، فإذا كان زمان التمتع قليلا لا يراها العرف زوجة أو أهلا ، والشارع‌ جعل موضوع الحكم بعدم تحريم الربا بينهما أحد هذين العنوانين.

ولا بأس بهذا التفصيل ، ولعلّ المتفاهم العرفي يساعد على هذا التفصيل.

وأمّا التفصيل الآخر بالفرق بين ما إذا اتّخذها أهلا كالزوجة الدائمة وبين ما لم يكن كذلك ، فأيضا يرجع إلى ما ذكرنا.

الثاني : هل المطلّقة رجعيّة في حال بقاء عدّتها تكون بحكم الزوجة في هذا الحكم ، أم لا؟

قال في الجواهر : إنّ المطلّقة رجعيّة وإن كانت زوجة ، إلاّ أنّه قد يمنع صدق الأهل عليها.

وهذا الكلام منه مبني على ما يقول من أنّه بين مفهوم الزوجة ومفهوم الأهل عموم وخصوص من وجه ، فربّما تكون زوجة ولا يصدق عليها الأهل ، كالمتعة التي مدّتها قليلة جدّا ، كساعة مثلا ، فهي شرعا زوجة في تلك المدّة القليلة ، ولا يصدق عليها الأهل ، وربما تكون المرأة أهلا وليست بزوجة ، كبنته وأخته وغير ذلك من أقربائه ، ومورد الاجتماع واضح كالمرأة التي تزوّجها بالعقد الدائم ، وهي ربه الدار.

وفيما إذا كان موضوع الحكم عامّين من وجه ، كالعدم والعادل ، فلا بدّ من اجتماعهما في ثبوت الحكم ؛ ففي ما نحن فيه لا بدّ من اجتماع الزوجيّة والأهليّة لثبوت عدم حرمة الربا بينهما.

وفيه : أنّ الظاهر من الأهل ـ في صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم : « ليس بين الرجل وولده ، ولا بينه وبين مملوكه ، ولا بينه وبين أهله ربا » (196) ـ هي الزوجة ، وليس الأهل بالمعنى الأعمّ ، فهما مفهومان متساويان.

والعمدة في إشكال إلحاق المطلقة رجعة بالزوجة في هذا الحكم أنّه منوط بكون‌ التنزيل عامّا وبلحاظ جميع آثار الزوجيّة. وإثبات هذا لا يخلو من إشكال.

وأمّا الاستثناء الرابع ، أي عدم الربا بين المسلم والحربيّ ففيه أيضا فروع :

الأوّل : أنّه يجوز الأخذ منهم ولا يجوز إعطاء الفضل لهم ؛ وذلك لما رواه الصدوق مرسلا ، وفي الكافي مسندا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، نأخذ منهم ألف ألف درهم بدرهم ، ونأخذ منهم ولا نعطيهم » (197).

ثمَّ إنّ هذه الرواية على تقدير تسليم ضعفها ، تكون منجبرة بعمل الأصحاب ، فلا مانع فيها من حيث حجّيتها. نعم يستفاد منها عدم حرمة أخذ الفضل على المسلم لا الحربيّ ، فلا تدلّ على صحّة المعاملة التي وقعت بينهما ؛ لأنّ جواز أخذ الفضل منهم لازم أعمّ بالنسبة إلى صحّة المعاملة ؛ إذ يمكن أن يكون من جهة عدم احترام ما لهم ، وإن كانت المعاملة باطلة على حسب العمومات والمطلقات الواردة في باب الربا.

الثاني : في أنّه هل يجوز الأخذ من الكافر غير الذمّي المعاهد أيّام المعاهدة ، أو ممّن أعطوا الأمان أيّام أمانهم ، أم لا؟

أقول : الدليل على جواز أخذ الفضل من الحربي إمّا الإجماع وإمّا الرواية. أمّا الإجماع على تقدير ثبوته وحصوله وحجّيته في المقام ، فالقدر المتيقّن منه هو ثبوته في غير المعاهد ومن أعطى له الأمان. وأمّا الرواية فالمناط هو إطلاق قوله عليه السلام « وبين أهل حربنا » عليهم وأن لا يكون منصرفا عن المعاهد ومن أعطى له الأمان ، فإن أطلق فيجوز الأخذ منهم.

هذا ، مضافا إلى أنّ قوله صلى الله عليه واله : « نأخذ منهم ولا نعطيهم » إشارة إلى أنهم ليسوا‌ بمالكين ، وإنّما يكون أموالهم فيئا للمسلمين ، فلا احترام لأموالهم ولا لنفوسهم ، وأمّا المعاهد ومن أعطى له الأمان فلأموالهم ونفوسهم احترام ظاهريّ حسب المعاهدة وحسب الأمان ، وإلاّ لا يجعلهم مالكا حقيقيّا واقعيّا ، فإذا أخذ منهم برضاهم من دون أن يكون مخالفا للوفاء بالمعاهدة أو الأمان الذي أعطى لهم ، فلا يكون في الأخذ منهم إشكال.

الثالث : هل يجوز أخذ الفضل والربا من الذمّي أم لا؟

الأشهر بل المشهور عدم الجواز ، وهذا أيضا مقتضى القواعد والأدلّة الأوّلية الدالّة على تحريم مطلق الربا من أيّ شخص كان ، وأيضا مقتضى الأدلّة التي مفادها احترام مال الذمّي ونفسه وعرضه ما دام يعمل بشرائط الذمّة ، وعدم شمول قوله صلى الله عليه واله : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ».

فليس في المقام ما يدلّ على جواز الأخذ منهم إلاّ مرسل الفقيه : « ليس بين المسلم والذمّي ربا » وهو ضعيف في حدّ نفسه ، ولا جابر له مع إعراض المشهور عنه ؛ ولذلك حمله بعض الأصحاب على الذمّي الخارج عن الذمّة ؛ لعدم الوفاء بشرائطها ، كما قاله في الوسائل (198).

نعم هناك شي‌ء : وهو أنّ الذمّي بالمعنى المصطلح بين الفقهاء المتّخذ من الأخبار والأحاديث قليل الوجود أو عديمه ، والكفّار الموجودون في بلاد الإسلام في هذه الأزمان لا ينطبق عليهم أحكام الذمّة ؛ لعدم تحقّق الموضوع ، بل هم داخلون إمّا في المعاهدين كما هو الغالب ، أو فيمن أعطى له الأمان ، وعلى كلّ واحد من التقديرين أموالهم ونفوسهم وأعراضهم محترمة ، لا يجوز الأخذ منهم بالقهر وجبرا ، ولا بالسرقة. وأمّا برضاهم المعاملي فلا ينافي الاحترام.

فبناء على ما ذكرنا يجوز أخذ الفضل في المعاملة الربويّة من الكتابيّين‌ الموجودين في بلاد الإسلام في هذه الأزمان ، ولا يجوز إعطاؤهم.

الجهة الرابعة‌ :

في بيان الطرق التي يمكن التخلّص من الربا بأعمالها فرارا عن الحرام إلى الحلال ، ومن الباطل إلى الحقّ ، كما أنّه ورد في الصحيح عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقلت له :

أشترى ألف درهم ودينار بألفي درهم؟ فقال عليه السلام : « لا بأس بذلك إنّ أبي كان أجرء على أهل المدينة منّي ، وكان يقول هذا ، فيقولون : إنّما هذا الفرار لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار ، وكان يقول لهم : نعم الشي‌ء الفرار من الحرام إلى الحلال » (199).

وهناك روايات أخر (200) بهذا المضمون من مدحهم : إعمال الحيل للفرار عن الحرام ، وعلى كلّ حال ذكر الفقهاء أمورا للفرار عن الربا :

منها : ما تقدّم من ضمّ ضميمة من غير جنس العوضين إلى أحدهما أو إلى كليهما كي تقع تلك الضميمة مقابل الفضل الذي يأخذ من ذلك الطرف كما كان في مورد السؤال في الصحيح المتقدّم ، وقدم شرحنا هذا الفرع مفصّلا فيما تقدّم فلا نعيد.

ومنها : أن يبيع سلعته من الآخر الذي هو طرفه في المعاملة الربويّة بغير جنس سلعته ، ثمَّ يشتري بذلك الجنس أيّ مقدار يريد من جنس سلعته زائدا كان على سلعته بحسب الكميّة ، أو ناقصا عنها ، أو مساويا لها ، فلا يكون رباء في البين ، لعدم اتّحاد جنس العوضين الذي هو الشرط الأساسي في تحقّق الربا.

مثلا لو أراد أن يبدّل جنسه الجيّد بالردي من ذلك الجنس مع الاختلاف في‌ الكمّية ، وذلك كما إذا أراد أن يبيع وزنة من الأرز العنبر الذي عنده بوزنتين من الأرز النعيمة لغرض عقلائي عنده.

فهذه المعاملة لو كانت بالصورة التي ذكرناها ، أي الوزنة من أحدهما الجيّد بوزنتين من ذلك الردي‌ء تكون ربويّة ، فله أن يحتال بأن يبيع الوزنة الجيّدة التي عنده من العنبر بوزنتين من الحنطة مثلا ، ثمَّ يبيع الوزنتين من الحنطة بوزنتين من النعيمة ، فلا يتحقّق رباء مع أنّه وصل مقصوده.

ويمكن أن يبيع تلك الوزنة التي عنده بالنقود ، مثل أن يبيعها بأربعة دنانير مثلا ، ثمَّ يشتري بتلك الأربعة دنانير وزنتين من النعيمة ، ولا يكون رباء في البين ، ويتخلّص منه بهذه الحيلة مع حصول مقصوده.

ولا فرق في صحّة ما ذكرنا بين أن يشترط على المشتري الأوّل البيع الثاني ، أو لا يشترط ؛ لصحّة الشرط وعدم وجود المانع عن نفوذه.

نعم حكى عن الشيخ أنّ صحّة البيع الثاني بالشكل المذكور مشروط بأن لا يكون الثمن في البيع الثاني عين الثمن في البيع الأوّل ؛ وذلك لأنّ عوض العوض عوض ، فهذا العوض وإن لم يكن من جنس ما يأخذ مع الفضل ، ولكنّه حيث يكون عوضا عمّا يكون من جنسه فهو في حكمه ، فيتحقّق الربا.

ولكن أنت خبير : بأنّ هذا الكلام لا أساس له ، من جهة أنّ الرّبا لا يثبت إلاّ بأن يكون العوضان في المعاملة من جنس واحد ، وليس عوض المبيع في البيع الأوّل ، أي الثمن في البيع الأوّل الذي يجعل عوضا في البيع الثاني من جنس عوضه في هذا البيع ، فلا رباء لا في البيع الأوّل ؛ لأنّه باع ماله بغير جنسه ، ولا في البيع الثاني ؛ لأنّه أيضا ليس فيه العوضان من جنس واحد. وأمّا القول بأنّ عوض العوض عوض ، فهو كلام لا دليل عليه.

نعم هناك رواية يمكن أن يكون نظر الشيخ ومن تبعه إلى تلك الرواية ، وهي‌ رواية عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة ، أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال عليه السلام : « إذا قوّمها دراهم فسد ؛ لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم » (201).

فهذه الرواية تدلّ على عدم جواز بيع هذه الأمور الثلاثة بالدراهم ، معلّلا بأنّها عوض الدراهم ، لأنّه اشتراها بها ، فلو باعها بالدراهم فكأنّه باع الدراهم بالدراهم.

وهذا عين ما حكى عن الشيخ عدم جوازه.

وفيه : أنّ هذه الرواية أعرض عنها الأصحاب ولم يعملوا بها ، فلا يصحّ الاعتماد عليه ، مضافا إلى بعض المناقشات التي في دلالتها ومعارضتها ببعض الأخبار الأخر.

ومنها : أنّ صاحب أحد العوضين المتجانسين المتماثلين في الكميّة وزنا أو كيلا يقرض الآخر ، وكذلك صاحب الآخر ، ثمَّ يتباريان ويسقط كلّ واحد منهما ذمّة الآخر ، ولا يخفى أنّه يلزم أن يكون الإقراض من كلّ واحد من الطرفين بدون أن يشترط الإقراض على الآخر.

ومنها : أن يكون قصد الطرفين المعاوضة والمبادلة بين المثلين في الكمّية ، والطرف الذي يعطى الفضل والزيادة يقصد كونها هبة.

ومنها : أن يهب كلّ واحد منهما ماله للآخر من دون أن يشترط على صاحبه هبة ماله له ، كي يكون هبة بإزاء هبة ، وإلاّ يدخل في باب المعاوضات فيثبت الربا فيه ، بناء على ما هو الحقّ عندنا ـ وقد تقدّم بيانه ـ من عدم اختصاص الربا بالبيع فقط ، بل يدخل في جميع المعاوضات.

ومنها : أن يصالح صاحب الزيادة مقدار الفضل لصاحبه ، ويشترط عليه أن يبيع ماله منه مثلا بمثل.

الجهة الخامسة

في الربا في باب القرض‌ :

أقول : القرض عبارة عن تمليك مال للآخر بالضمان ، وربما يقال بدل قولنا بالضمان : بعوضه الواقعي ، وعلى كلّ حال لسنا في مقام بيان حقيقة القرض ، وأنّه من العقود اللازمة أو الجائزة ، ويجري فيه المعاطاة أم لا ، وأنّ المعاطاة فيه يوجب ملكية المستقرض لما اقترضه أو لا يوجب إلاّ الإباحة وإنّما الملكيّة تحصل بالتصرّف ؛ لأنّ هذه المذكورات محلّ بحثها كتاب القرض وإنّما المهمّ في المقام هو أنّ أخذ المقرض عن المستقرض الزيادة عمّا أعطاه الذي يسمّى بالربا مطلقا حرام ، أو حرمته مشروط بشرط؟ وأيضا أنّ القرض ـ أي المعاملة الكذائيّة ـ تكون فاسدة إذا اشترط الزيادة ، أو أخذ الزيادة فقط حرام ، وأمّا المال الذي أقرضه المقرض فهو حلال ولا بأس به؟ وأنّه هل حرمة الزيادة فيما إذا اشترط ذلك ، أو حرام وإن لم يشترط؟

فهذه أمور نريد أن نتعرّض لها في هذا المقام ، فنقول :

تحقيق الحقّ في هذه الأمور موقوف على ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب كي نستظهر منها ما هو الصحيح :

فمنها : ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن جعفر بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « الربا رباءان : أحدهما رباء حلال ، والآخر حرام. فأمّا الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضا طمعا أن يزيده ويعوّضه بأكثر ممّا أخذه بلا شرط بينهما ، فإن أعطاه أكثر ممّا أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له ، وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه ، وهو قوله عزّ وجل {فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ } [الروم: 39] وأمّا الربا الحرام فهو الرجل‌ يقرض قرضا ويشترط أن يردّ أكثر ممّا أخذه ، فهذا هو الحرام » (202).

وهذه الرواية صريح في جواز أخذ الفضل والزيادة إذا لم يشترط.

ومنها : رواية خالد بن الحجّاج ، قال : سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عددا قضانيها مائة درهم وزنا؟ قال : « لا بأس ما لم يشترط. قال : وقال : جاء الربا من قبل الشروط إنّما يفسده الشرط » (203).

ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا أقرضت الدراهم ثمَّ أتاك بخير منها ، فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط » (204).

وبهذا المضمون روايات كثيرة ، وقد عقد لها بابا في الوسائل (205). وكلّ هذه الروايات مرجعها إلى أنّ القابض يحلّ له قبض الفضل والزيادة أو ما هو الأجود إذا كان من غير شرط. وظاهر رواية خالد بن الحجّاج المتقدّم أنّ القرض الذي شرط فيه الزيادة أو ردّ الأجود ممّا أخذ تكون القرض والمعاملة فاسدة ؛ لقوله عليه السلام فيها : « إنّما يفسده الشرط ».

وأمّا الحديث النبويّ : « كل قرض يجرّ منفعة فهو حرام » (206) فلا إطلاق له يشمل صورة عدم الاشتراط ، بل ظاهر قوله صلى الله عليه واله « يجر منفعة » هو الاشتراط في ضمن عقد‌ القرض وإلاّ لا يصدق جرّ القرض إن كان المقترض من عند نفسه يعطي شيئا زائدا ، أو أجود ممّا أخذ ، أو منفعة أخرى.

وخلاصة الكلام : أنّ المقترض إن أعطى أجود ممّا أخذ أو أزيد منه بدون الشرط فجائز ، ولا يكون موجبا لفساد القرض ، بل ظاهر بعض الأخبار استحباب ذلك ، فيستحب إعطاء الزيادة إذا كان من غير شرط ، ويحلّ للمقرض أخذه وقبضه.

ولعلّه إلى هذا يشير قول أبي جعفر عليه السلام في مرسلة محمّد بن مسلم : « خير القرض ما جرّ منفعة » (207).

ويدلّ على استحباب إعطاء الزيادة إنّ كان من غير شرط ، صحيحة عبد الرحمن ابن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل الدراهم فيردّ عليه المثقال ، أو يستقرض المثقال فيردّ عليه الدراهم ، فقال عليه السلام: « إذا لم يكن شرط فلا بأس ، وذلك هو الفضل إنّ أبي عليه السلام كان يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليه الدراهم الجياد الجلال ، فيقول : يا بنيّ ردّها على الذي استقرضتها منه ، فأقول : يا أبه إنّ دراهمه كانت فسولة وهذه أجود خير منها؛ فيقول : يا بنيّ إنّ هذا هو الفضل فأعطه إيّاها » (208).

فقوله عليه السلام : « إنّ هذا هو الفضل فأعطه إيّاها » ظاهر في حسن هذا الفعل واستحبابه. وروايات أخر بهذا المضمون وأصرح منها مذكورة في الوسائل وغيره.

ثمَّ إنّ الزيادة قلنا إنّها حرام في القرض مع الشرط ، بل موجب لفساد القرض ، فإذا قبض المقترض المال الذي أقرضه المقرض يكون من المقبوض بالعقد الفاسد لا‌ فرق بين أن تكون تلك الزيادة عينيّة ، أو عملا من المقترض للمقرض ، أو انتفاعا بمال المقترض ، أو تكون صفة زائدة في عوضه ، كما إذا شرط المقرض على المقترض أن يعطى دراهم جديدة وصحيحة عوض ما يعطيه من الدراهم المكسورة ، فجميع هذه الأمور مع الشرط رباء محرّم ، وتكون موجبة لفساد القرض كما هو مفاد الأخبار الصحيحة الصريحة.

ثمَّ إنّه لا فرق في كون الزيادة في القرض حراما وموجبة لفساد القرض مع الشرط بين أن يكون الشرط صريحا ومذكورا في متن العقد ، أو وقع المعاملة مبنيّا عليه ؛ وذلك لشمول قوله صلى الله عليه واله « كل قرض يجرّ المنفعة فهو حرام » لكلتا الصورتين ، والخارج عن هذا العموم هو ما لم يكن شرط في البين لا صريحا ولا بحيث يقع العقد مبنيّا عليه.

خاتمة‌ :

اعلم أنّ هذه القاعدة ـ أي قاعدة لا رباء إلاّ فيما يكال أو يوزن ـ لا تأتي في القرض ، بل شرط الزيادة مطلقا أيّ قسم كان من الزيادة عينيّة كانت أو صفة أو منفعة أو انتفاعا موجب لحرمة تلك الزيادة وفساد القرض ، وقد تقدّم جميع ذلك سواء كان المال الذي يقترضه من المكيل أو الموزون ، أو لم يكن منهما كالمعدود وما يباع مشاهدة أو مذروعا أو غير ذلك.

والدليل عليه أوّلا : الإجماع ، وثانيا : قوله صلى الله عليه واله : « كلّ قرض يجرّ منفعة فهو حرام » ، وثالثا : الأخبار الكثيرة التي تقدّم بعضها أنّ الشرط يفسد القرض ، وفيها إطلاق يشمل المكيل والموزون وغيرهما.

وخلاصة الكلام : أنّ المراجعة إلى الروايات الواردة في باب القرض وأقوال الفقهاء والمحدّثين يوجب الاطمئنان بأنّ شرط الزيادة والنفع بالتفصيل المتقدّم موجب لحرمة تلك الزيادة وفساد القرض ، سواء كان المال الذي يقترضها المقترض من‌ الأجناس الربويّة ، أي من المكيل والموزون ، أو لم يكن كذلك. والله الهادي إلى الصواب.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

__________________

(*) « القواعد » ص 239.

(1) « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 434 ، أبواب الربا ، باب 6.

(2) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 19 ، باب فضل التجارة وآدابها ، ح 81 ؛ « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 152 ، ح 504 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 434 ، أبواب الربا ، باب 6 ، ح 1.

(3) « الكافي » ج 5 ، ص 146 ، باب الربا ، ح 10 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 275 ، باب الربا ، ح 3996 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 435 ، أبواب الربا ، باب 6 ، ح 3.

(4) « الكافي » ج 5 ، ص 191 ، باب المعاوضة في الحيوان والثياب وغير ذلك ، ح 8 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 435 ، أبواب الربا ، باب 6 ، ح 5.

(5) « الكافي » ج 5 ، ص 144 ، باب الربا ، ح 1 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 274 ، باب الربا ، ح 3991 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 422 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 1.

(6) « الكافي » ج 5 ، ص 147 ، باب الربا ، ح 12 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 423 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 2.

(7) « الكافي » ج 5 ، ص 146 ، باب الربا ، ح 7 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 423 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 3.

(8) « الفقيه » ج 3 ، ص 274 ، باب الربا ، ح 3991 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 14 ، باب فضل التجارة وآدابها ، ح 62 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 423 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 5.

(9) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 15 ، باب فضل التجارة وآدابها ، ح 63 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 434 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 6.

(10) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 15 ، باب فضل التجارة وآدابها ، ح 65 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 424 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 7.

(11) « الفقيه » ج 3 ، ص 567 ، باب معرفة الكبائر ، ح 4937 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 424 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 8.

(12) « الفقيه » ج 3 ، ص 566 ، باب معرفة الكبائر ، ح 4935 ؛ « علل الشّرائع » ص 482 ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 424 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 9.

(13) « الفقيه » ج 4 ، ص 566 ؛ باب معرفة الكبائر ، ح 4936 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 425 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 10.

(14) « الفقيه » ج 4 ، ص 367 ، باب النوادر وهو آخر أبواب الكتاب ، في وصايا النبيّ لعليّ 7 ، ح 5762 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 426 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 12.

(15) « الكافي » ج 5 ، ص 147 ، باب الربا ، ح 11 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 428 ، أبواب الربا ، باب 2 ، ح 1.

(16) « عوالي اللئالي » ج 3 ، ص 221 ، ح 86 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 341 ، أبواب الربا ، باب 12 ، ح 4.

(17) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 95 ، ح 404 ، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ح 10 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 442 ، أبواب الربا ، باب 13 ، ح 1.

(18) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 93 ، ح 396 ، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 442 ، أبواب الربا ، باب 13 ، ح 2.

(19) « الفقيه » ج 3 ، ص 281 ، باب الربا ، ح 4014 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 95 ، ح 406 ، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ح 12 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 443 ، أبواب الربا ، باب 13 ، ح 5.

(20) « الكافي » ج 5 ، ص 190 ، باب المعاوضة في الطعام ، ج 17 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 444 ؛ أبواب الربا ، باب 13 ، ح 9.

(21) « قرب الإسناد » ص 114 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 445 ، أبواب الربا ، باب 13 ، ح 11.

(22) الأقط : لبن يابس مستحجر يتّخذ من مخيض الغنم. « القاموس المحيط » ج 2 ، 362.

(23) « الكافي » ج 5 ، ص 187 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 438 ، أبواب الربا ، باب 8 ، ح 1.

(24) راجع « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 438 ، أبواب الربا ، باب 7 : إنّ الحنطة والشعير جنس واحد في الربا لا يجوز التفاضل فيهما ويجوز التساوي.

(25) « علل الشرائع » ج 2 ، ص 574 ، ح 2 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 344 ، أبواب الربا ، باب 17 ، ح 2.

(26) « السرائر » ج 2 ، ص 254.

(27) « عوالي اللئالي » ج 3 ، ص 221 ، ح 86 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 341 ، أبواب الربا ، باب 12 ، ح 4.

(28) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 476.

(29) « الكافي » ج 5 ، ص 146 ، باب الربا ، ح 10 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 275 ، باب الربا ، ح 3996 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 17 ، ح 74 ؛ وص 19 ، ح 81 ؛ وص 94 ، ح 397 ؛ وص 118 ، ح 515 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 434 ، أبواب الربا ، باب 6 ، ح 1 و3.

(31) « الكافي » ج 5 ، ص 191 ، باب المعاوضة في الحيوان والثياب ، ح 6 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 279 ، باب الربا ، ح 4006 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 93 ، ح 395 ، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 442 ، أبواب الربا ، باب 13 ، ح 2.

(32) « الفقيه » ج 3 ، ص 279 ، باب الربا ، ح 4007 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 449 ، أبواب الربا ، باب 17 ، ح 1.

(33) « منتهى الأصول » ج 1 ؛ ص 435.

(34) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 19 ، باب فضل التجارة وآدابها وغير ذلك ، ح 81 ؛ « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 152 ، ح 504 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 434 ، أبواب الربا ، باب 6 ، ح 1.

(35) « الكافي » ج 5 ، ص 146 ، باب الربا ، ح 10 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 275 ، باب الربا ، ح 3996 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 434 ، أبواب الربا ، باب 6 ، ح 3.

(36) « عوالي اللئالي » ج 3 ، ص 221 ، ح 86 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 341 ، أبواب الربا ، باب 12 ، ح 4.

(37) راجع : « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 442 ، أبواب الربا ، باب 13.

(38) « النهاية » ص 377.

(39) « المقنعة » ص 603.

(40) نقله عنهما في « مختلف الشيعة » ج 5 ، ص 117.

(41) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 120 ، ح 521 ، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ح 127 ؛ « الاستبصار » ج 3 ، ص 101 ، ح 353 ، باب بيع ما لا يكال ولا يوزن ... ، ح 7 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 449 ، أبواب الربا ، باب 16 ، ح 7.

(42) « الكافي » ج 5 ، ص 188 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 7 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 96 ، ح 412 ، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ح 18 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 447 ، أبواب الربا ، باب 15 ، ح 1.

(43) « الفقيه » ج 3 ، ص 288 ، باب الصرف ووجوهه ، ح 4037 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 456 ، أبواب الصرف ، باب 1 ، ح 1.

(44) « مسالك الأفهام » ج 3 ، ص 317.

(45) « جامع المقاصد » ج 4 ، ص 266.

(46) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 37.

(47) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 140.

(48) « إرشاد الأذهان » ج 1 ، ص 377.

(49) « شرائع الإسلام » ج 3 ، ص 189.

(50) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 8 ، ص 452.

(51) « الكافي » ج 5 ، ص 189 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 11 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 440 ، أبواب الربا ، باب 9 ، ح 3.

(52) « الكافي » ج 5 ، ص 189 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 10 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 440 ، أبواب الربا ، باب 9 ، ح 2.

(53) راجع : « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 437 ـ 441 ، باب 8 ، 9 و10.

(54) « الكافي » ج 5 ، ص 144 ، باب الربا ، ح 1 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 274 ، باب الربا ، ح 3992 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 422 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 1.

(55) راجع : « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 422 ، أبواب الربا ، باب 1.

(56) « الكافي » ج 5 ، ص 146 ، باب الربا ، ح 7 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 423 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 3.

(57) « مجمع البيان » ج 1 ، ص 389.

(58) « الكافي » ج 5 ، ص 145 ، باب الربا ، ح 6 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 429 ، أبواب الربا ، باب 3 ، ح 1.

(59) « السرائر » ج 2 ، ص 255.

(60) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص 588.

(61) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 344.

(62) « الكافي » ج 5 ، ص 187 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 438 ، أبواب الربا ، باب 8 ، ح 1.

(63) « الكافي » ج 5 ، ص 187 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 438 ، أبواب الربا ، باب 8 ، ح 3.

(64) « الكافي » ج 5 ، ص 187 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 3 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 94 ، ح 399 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 5 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 438 ، أبواب الربا ، باب 8 ، ح 4.

(65) « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 437.

(66) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 477.

(67) « علل الشرائع » ج 2 ، ص 574 ، ح 2 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 344 ، أبواب الربا ، باب 17 ، ح 2.

(68) « السرائر » ج 2 ، ص 254.

(69) نقله عنهما في « السرائر » ج 2 ، ص 255.

(70) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 38.

(71) « القوصرة : وعاء من قصب يعمل للتمر يشدّد ويخفّف. ولعل المراد بالمشقق ما أخرجت نواته ، أو اسم نوع منه. ويحتمل أن يكون تصحيف المشقّة ، قال في النهاية : نهى عن بيع التمر حتى يشقه ، وجاء تفسيره في الحديث الإشقاه أن يحمر أو يصفر. مرآة العقول.

(72) « الكافي » ج 5 ، ص 188 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 7 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 447 ، أبواب الربا ، باب 15 ، ح 1.

(73) « الكافي » ج 5 ، ص 187 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 3 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 94 ، ح 399 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 5 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 438 ، أبواب الربا ، باب 8 ، ح 4.

(74) « الفقيه » ج 3 ، ص 281 ، باب الربا ، ح 4014 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 95 ، ح 406 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 12 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 443 ، أبواب الربا ، باب 13 ، ح 5.

(75) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 357.

(76) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 39.

(77) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 479.

(78) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 357.

(79) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 39.

(80) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 94 ، ح 399 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 5 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 443 ، أبواب الربا ، باب 13 ، ح 4.

(81) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 39.

(82) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 354.

(83) « الفقيه » ج 3 ، ص 278 ، باب الربا ، ح 4004 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 441 ، أبواب الربا ، باب 11 ، ح 1.

(84) « الكافي » ج 5 ، ص 188 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 7 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 96 ، ح 412 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 18 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 447 ، أبواب الربا ، باب 15 ، ح 1.

(85) « سنن البيهقي » ج 5 ، ص 296 ؛ « كنز العمال » ج 4 ، ص 77 ، ح 9605.

(86) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 355.

(87) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 478.

(88) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 478.

(89) المصدر.

(90) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 478.

(91) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 41.

(92) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 479.

(93) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 389.

(94) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 482.

(95) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 46.

(96) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 482.

(97) « سنن البيهقي » ج 5 ، ص 294.

(98) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 94 ، ح 398 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 4 ؛ « الاستبصار » ج 3 ، ص 93 ، ح 314 ، باب بيع الرطب بالتمر ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 445 ، أبواب الربا ، باب 14 ، ح 1.

(99) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 90 ، ح 384 ، باب بيع الثمار ، ح 27 ؛ « الاستبصار » ج 3 ، ص 93 ، ح 315 ، باب بيع الرطب بالتمر ، ح 3 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 446 ، أبواب الربا ، باب 14 ، ح 6.

(100) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 90 ، ح 385 ، باب بيع الثمار ، ح 28.

(101) « الفقيه » ج 3 ، ص 281 ، باب الربا ، ح 4015 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 95 ، ح 408 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 14 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 445 ، أبواب الربا ، باب 14 ، ح 2.

(102) « الكافي » ج 5 ، ص 188 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 7 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 96 ، ح 412 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 18 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 447 ، أبواب الربا ، باب 15 ، ح 1.

(103) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 97 ، ح 417 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 23 ؛ « الاستبصار » ج 3 ، ص 92 ، ح 313 ، باب بيع الرطب بالتمر ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 445 ، أبواب الربا ، باب 14 ، ح 3.

(104) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 97 ، ح 418 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 24 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 446 ، أبواب الربا ، باب 14 ، ح 15.

(105) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 482.

(106) نقله عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل في « مختلف الشيعة » ج 5 ، ص 124.

(107) « المبسوط » ج 2 ، ص 90.

(108) « الوسيلة » ص 253.

(109) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 482.

(110) « تحرير الأحكام » ج 1 ، ص 170.

(111) « إرشاد الأذهان » ج 1 ، ص 379.

(112) « مختلف الشيعة » ج 5 ، ص 125.

(113) « قواعد الأحكام » ج 1 ، ص 141.

(114) « اللمعة الدمشقية » ج 3 ، ص 445.

(115) « المقتصر » ص 178.

(116) « المهذّب » ج 1 ، ص 362.

(117) « تنقيح الرائع » ج 2 ، ص 93.

(118) « المسالك الافهام » ج 3 ، ص 324.

(119) « الروضة البهيّة » ج 3 ، ص 445.

(120) « الاستبصار » ج 3 ، ص 93.

(121) « السرائر » ج 2 ، ص 258.

(122) « كفاية الأحكام » ص 98.

(123) « الحدائق الناضرة » ج 19 ، ص 246.

(124) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 40.

(125) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 40.

(126) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 41.

(127) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 483.

(128) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 391.

(129) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 483.

(130) « الكافي » ج 5 ، ص 246 ، باب الصروف ، ح 9 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 466 ، أبواب الصرف ، باب 6 ، ح 1.

(131) « الكافي » ج 5 ، ص 247 ، باب الصرف ، ح 10 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 467 ، أبواب الصرف ، باب 6 ، ح 2.

(132) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 105 ، ح 449 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 55 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 467 ، أبواب الصرف ، باب 6 ، ح 3.

(133) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 106 ، ح 456 ، باب بيع الواحد بالاثنين. ح 62 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 468 ، أبواب الصرف ، باب 6 ، ح 4.

(134) « الكافي » ج 5 ، ص 192 ، باب فيه جمل من المعاوضات ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 435 ، أبواب الربا ، باب 6 ، ح 6.

(135) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 449.

(136) « الكافي » ج 5 ، ص 194 ، باب بيع العدد والمجازفة والشي‌ء المبهم ، ح 7 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 226 ، باب البيوع ، ح 3836 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 255 ، أبواب عقد البيع وشروطه ، باب 5 ، ح 1.

(137) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 373.

(138) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 483.

(139) « الكافي » ج 5 ، ص 189 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 9 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 440 ، أبواب الربا ، باب 9 ، ح 1.

(140) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 95 ، ح 403 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 9 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 440 ، أبواب الربا ، باب 9 ، ح 5.

(141) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 95 ، 407 ، باب بيع الواحد بالاثنين. ح 13 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 441 ، أبواب الربا ، باب 9 ، ح 6.

(142) « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 456 ، أبواب الصرف ، باب 1 ، ح 3 و4.

(143) « مسالك الأفهام » ج 3 ، ص 317.

(144) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 374.

(145) « مجمع البيان » ج 1 ، ص 389.

(146) « الكافي » ج 5 ، ص 189 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 12 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 94 ، ح 398 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 4 ؛ « الاستبصار » ج 3 ، ص 93 ، ح 314 ، باب بيع الرطب بالتمر ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 445 ، أبواب الربا ، باب 14 ، ح 1.

(147) « الكافي » ج 5 ، ص 190 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 16 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 97 ، ح 417 ، بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 1 ؛ «الاستبصار» ج 3 ، ص92 ، ح 313 ، باب بيع الرطب بالتمر ، ح 1 «وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 445 ، أبواب الربا ، باب 14 ح 3.

(148) « الكافي » ج 5 ، ص 188 ، باب المعاوضة في الطعام ، ح 7 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 447 ، أبواب الربا ، باب 15 ، ح 1.

(149) « الكافي » ج 5 ، ص 147 ، باب الربا ، ح 12 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 423 ، أبواب الربا ، باب 1 ، ح 2.

(150) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 98 ، ح 419 ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح 25 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 456 ، أبواب الصرف ، باب 1 ، ح 1.

(151) « النهاية » ص 376.

(152) « الدروس » ج 3 ، ص 299.

(153) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 8 ، ص 489.

(154) « الحدائق الناضرة » ج 20 ، ص 220.

(155) « الحدائق الناضرة » ج 20 ، ص 220.

(156) « المكاسب » ص 101.

(157) « السرائر » ج 2 ، ص 326.

(158) « الكافي » ج 5 ، ص 144 ، باب الربا ، ج 3 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 430 ، أبواب الربا ، باب 5 ، ح 1.

(159) « الكافي » ج 5 ، ص 145 ، باب الربا ، ح 4 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 431 ، أبواب الربا ، باب 5 ، ح 2.

(160) « الكافي » ج 5 ، ص 145 ، باب الربا ، ح 5 ؛ « وسائل الشيعة » ج 120 ، ص 431 ، أبواب الربا ، باب 5 ، ح 3.

(161) « الكافي » ج 5 ، ص 146 ، باب الربا ، ح 9 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 432 ، أبواب الربا ، باب 5 ، ح 4.

(162) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 15 ، باب فضل التجارة وآدابها ، ح 68 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 430 ، أبواب الربا ، باب 5 ، ح 1.

(163) « مجمع البيان » ج 1 ، ص 392 ، والآية في سورة البقرة (2) : 278.

(164) « مسائل علي بن جعفر » ص 147 ، ح 180 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 433 ، أبواب الربا ، باب 5 ، ح 9.

(165) « نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى » ص 161 ، ح 413 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 433 ، أبواب الربا ، باب 5 ، ح 10.

(166) « نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى » ص 162 ، ح 414 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 433 ، أبواب الربا ، باب 5 ، ح 11.

(167) « مجمع البيان » ج 1 ، ص 392 ؛ « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 152 ، ح 156 ؛ « مسائل على بن جعفر » ص 147 ، ح 180 ؛ « نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى » ص 161 ، ح 413 و414 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 433 ، أبواب الربا ، باب 5 ، ح 7 ، 10 و12.

(168) « مجمع البيان » ج 1 ، ص 390.

(169) « الانتصار » ص 212 ؛ « رسائل الشريف المرتضى » جوابات الموصليّات الثانية ، ج 1 ، ص 182.

(170) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 8 ، ص 489.

(171) « الكافي » ج 5 ، ص 147 ، باب أنّه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا ، ح 1 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 277 ، باب الربا ، ح 4001 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 18 ، باب فضل التجارة ، ح 76 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 436 ، أبواب الربا ، باب 7 ، ح 1.

(172) « الكافي » ج 5 ، ص 147 ، باب إنّه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا ، ح 2 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 277 ، باب الربا ، ح 4000 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 18 ، باب فضل التجارة ، ح 77 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 436 ، أبواب الربا ، باب 7 ، ح 2.

(173) « الكافي » ج 5 ، ص 147 ، باب أنّه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا ، ح 3 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 436 ، أبواب الربا ، باب 7 ، ح 3.

(174) « الفقيه » ج 3 ، ص 278 ، باب الربا ، ح 4002 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 436 ، أبواب الربا ، باب 7 ، ح 5.

(175) « الفقيه » ج 3 ، ص 281 ، باب الربا ، ح 4016 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 437 ، أبواب الربا ، باب 7 ، ح 6.

(176) « فقه الرضا 7 » ص 258 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 339 ، أبواب الربا ، باب 7 ، ح 1.

(177) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 8 ، ص 489 ـ 491.

(178) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 378.

(179) « الانتصار » ص 212 ؛ « رسائل الشريف المرتضى » جوابات الموصليّات الثانية ، ج 1 ، ص 182.

(180) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 111.

(181) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 174.

(182) راجع « القواعد الفقهية » ج 1 ، ص 211.

(183) « الانتصار » ص 212.

(184) نقله عنه في « مختلف الشيعة » ج 5 ، ص 110 و112.

(185) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 8 ، ص 489.

(186) « كفاية الأحكام » ص 98.

(187) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 485.

(188) « جامع المقاصد » ج 4 ، ص 280.

(189) « مسالك الافهام » ج 3 ، ص 327.

(190) « الفقيه » ج 3 ، ص 133 ، باب ولاء المعتق ، ح 3494 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 255 ، ح 926 ، باب المعتق وأحكامه ، ح 159 ؛ « الاستبصار » ج 4 ، ص 24 ، ح 78 ؛ باب أنّ ولاء المعتق لولد المعتق إذا مات ... ، ح 3 ؛ « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 55 ، أبواب كتاب العتق ، باب 42 ، ح 2 و6. وفي جميع المصادر : « الولاء لحمة كلحمة النسب ». نعم ذكر الحديث بنصّه في « الميزان في تفسير القرآن » ج 4 ، ص 283.

(191) « عوالي اللئالي » ، ج 2 ، ص 132 ، ح 359 ؛ وص 275 ، ح 41.

(192) « فقه الرضا 7 » ص 258.

(193) « الانتصار » ص 212.

(194) قطعة من رواية عمر بن جميع .

(195) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 17 ، باب فضل التجارة وآدابها ، ج 75 ؛ « الاستبصار » ج 3 ، ص 71 ، ح 326 ؛ باب أنّه لا ربا بين المسلم وبين أهل الحرب ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 436 ، أبواب الربا ، باب 7 ، ح 4.

(196) « جواهر الكلام » ج 23 ، ص 382.

(197) « الكافي » ج 5 ، ص 147 ، باب أنّه ليس بين الرجل وبين ولده ... ، ح 2 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 277 ، باب الربا ، ح 4000 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 18 ، باب فضل التجارة وآدابها ، ح 77 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 436 ، أبواب الربا ، باب 7 ، ح 2.

(198) « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 436 ، أبواب الربا ، باب 7 ، ذيل الحديث 3.

(199) « الكافي » ج 5 ، ص 246 ، باب الصروف ، ح 9 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 466 ، أبواب الصرف ، باب 6 ، ح 1.

(200) راجع : « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 455 ، أبواب الربا ، باب 20.

(201) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 30 ، ح 129 ، باب بيع المضمون ، ح 17 ؛ « الاستبصار » ج 3 ، ص 74 ، ح 246 ، باب من سلف في طعام أو غيره ... ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 71 ، أبواب السلف ، باب 11 ، ح 12.

(202) « تفسير القمّي » ج 2 ، ص 159. وفي « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 454 ، أبواب الربا ، باب 18 ، ح 10 عن حفص بن غياث ؛ بدل جعفر بن غياث.

(203) « الكافي » ج 5 ، ص 244 ، باب الصروف ، ح 1 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 112 ، ح 483 ، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ح 89 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 476 ، أبواب الصرف ، باب 12 ، ح 1.

(204) « الكافي » ج 5 ، ص 254 ، باب الرجل يقرض الدراهم ويأخذ أجود منها ، ح 3 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 21 ، ح 449 ، باب القرض وأحكامه ، ح 3 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 477 ، أبواب الصرف ، باب 12 ، ح 3.

(205) « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 476 ، أبواب الصرف ، باب 12 : باب أنّه يجوز قضاء الدين من الدراهم والدنانير وغيرها بأجود منها وبأزيد وزنا وعددا.

(206) « دعائم الإسلام » ج 2 ، ص 161 ، ح 167 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 409 ، أبواب الدين والقرض ، باب 19 ، ح 2.

(207) « الكافي » ج 5 ، ص 255 ، باب القرض يجرّ المنفعة ، ح 1 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 201 ، ح 452 ، باب القرض وأحكامه ، ح 6 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 285 ، باب الربا ، ح 4029 ؛ « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 104 ، أبواب الدين والقرض ، باب 19 ، ح 4.

(208) « الكافي » ج 5 ، ص 254 ، باب الرجل يقرض الدراهم ويأخذ أجود منها ، ح 6 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 115 ، ح 500 ، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ح 106 ؛ « الفقيه » ج 3 ، ص 284 ، باب الربا ، ح 4026 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 477 ، أبواب الصرف ، باب 12 ، ح 7.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.