أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-7-2020
1967
التاريخ: 5-9-2016
1827
التاريخ:
2269
التاريخ: 18-8-2016
1112
|
المراد منها الشهرة الفتوائيّة، فإنّ الشهرة الروائيّة والعمليّة أجنبيتان عن مقامنا، لأنّ الاُولى عبارة عن اشتهار الرّواية بين أرباب الحديث ونقلها في كتبهم وهي من المرجّحات عند تعارض الخبرين، والثانية عبارة عن عمل المشهور بالرواية، أي فتواهم مستنداً إلى تلك الرّواية، فتكون جابرة لضعفها إذا كانت عند القدماء، كما أنّ اعراضهم عن العمل بها يكون كاسراً لقوّتها كما سوف يأتي في محلّه.
وأمّا الشهرة الفتوائيّة فهي عبارة عن فتوى المشهور بحكم بحيث يعدّ قول المخالف شاذّاً سواء وجدت في البين رواية أو لم توجد، وسواء كانوا متّفقين في المدرك أو مختلفين.
والنسبة بينها وبين الإجماع الحدسي هي العموم من وجه، موضع اشتراكهما ما إذا حدس بالشهرة قول المعصوم (عليه السلام) فإنّه يصدق حينئذ الإجماع الحدسي أيضاً لوجود ملاكه، وهو الحدس من كلام جمع من الفقهاء بقول الإمام (عليه السلام)، وموضع افتراق الإجماع الحدسي عن الشهرة ما إذا وصل الإجماع إلى اتّفاق الكلّ، وعكسه الشهرة التي حصل منها مجرّد الظنّ.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه اختلف في حجّية الشهرة الفتوائيّة على أقوال: فقال بعض بحجّيتها مطلقاً سواء كانت شهرة القدماء أو المتأخّرين، وقال بعض بعدمها مطلقاً، وفصّل ثالث بين الموردين، وقال بحجّية شهرة القدماء فقط.
واستدلّ القائلون بالحجّية مطلقاً باُمور:
الأمر الأول: أنّ الظنّ الحاصل من الشهرة الفتوائيّة بالحكم أقوى من الظنّ الحاصل من خبر الواحد فتكون حجّة بطريق أولى.
ويجاب عنه:
أوّلا: بأنّه قياس مع الفارق، لأنّ الظنّ الحاصل من خبر الواحد ينشأ عن الحسّ وفي الشهرة عن الحدس.
ثانياً: أنّ هذا يتمّ لو كان مناط حجّية خبر الواحد هو حصول الظنّ منه بالحكم الشرعي، وحينئذ لا خصوصيّة للظنّ الحاصل من الشهرة بل إنّه يدلّ على حجّية كلّ ظنّ كان في مرتبة ذلك أو أقوى منه، وأمّا لو كان مناط حجّيته مجهولا فلا يتمّ ذلك.
إن قلت: هذا إذا كان دليل حجّية خبر الواحد من الأدلّة النقلية فحينئذ وإن علمنا إجمالا أنّ الشارع جعل حجّية الظنّ لكاشفيته وإماريته على الواقع لكن لا نعلم كونها تمام الملاك، فلا يقاس بخبر الواحد غيره، وأمّا إذا قلنا أنّ دليل الحجّية هو بناء العقلاء فلا ريب أنّ الملاك كلّ الملاك عندهم هو الكشف الظنّي عن الواقع والمفروض أنّ هذا الكشف موجود في الشهرة بدرجة أقوى.
قلنا: أوّلا: يمكن أن يكون شيء حجّة عند العقلاء بملاك ولكن الشارع أمضى بنائهم بملاك آخر، كما أنّ الكعبة مثلا كانت في عصر الجاهلية محترمة عند الناس لأنّها مكان أصنامهم، والشارع أيضاً عدّها محترمة بملاك آخر قطعاً، وكذلك الصفا والمروة فإنّهما كانا محترمين عندهم لأنّهما مكان نصب صنمين معروفين من أصنامهم: أساف ونائلة، ولكن الإسلام جعلهما من شعائر الله بملاك آخر قطعاً، ولعلّ ما نحن فيه كذلك، فكان خبر الواحد حجّة عند العقلاء بملاك وعند الشارع بملاك آخر، كما يشهد له حكم الشارع في الخبرين المتعارضين المتساويين بالتخيير مع أنّهما يتساقطان في الحجّية والاعتبار عندهم، وعلى كلّ حال لا ملازمة بين إمضاء النتيجة وإمضاء الملاك.
ثانياً: نحن لا نقبل كون ملاك الحجّية عند العقلاء أيضاً حصول مطلق الظنّ من خبر الواحد، بل الحجّية عندهم ظنّ خاصّ حاصل من منشأ خاصّ، ولذلك لا يُعتنى عندهم بظنّ القاضي ولو كان أقوى من الظنّ الحاصل من شهادة الشهود.
الأمر الثاني: ما ورد في مقبولة ومشهورة:
أمّا الاُولى: ما ورد في مقبولة: فهي ما رواه عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما ... (إلى أن قال): فإن كان كلّ واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما واختلف فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم (حديثنا) فقال: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر»، قال فقلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند
أصحابنا لا يفضل (ليس بتفاضل) واحد منهما على صاحبه، قال: فقال: «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فانّ المجمع عليه لا ريب فيه»(1).
وتقريب الاستدلال بها: أنّ المجمع عليه في الموضعين منها هو المشهور بقرينة إطلاق المشهور عليه في قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور» بل وفي قول الراوي أيضاً: «فإن كان الخبران عنكم مشهورين» وعليه فالتعليل بقوله: «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» يكون دليلا على أنّ المشهور مطلقاً سواء كان رواية أو فتوى هو ممّا لا ريب فيه ويجب العمل به، وإن كان مورد التعليل خصوص الشهرة في الرّواية.
وأمّا ضعف سندها فإنّه يجبر بعمل الأصحاب بها ولذلك يعبّر عنها بالمقبولة.
وأمّا الثانية: ما ورد في المشهورة: فهي مرفوعة العلاّمة (رحمه الله) المنقولة في غوالي اللئالي (ومن العجب أنّها غير موجودة في كتب العلاّمة(رحمه الله) كما قيل) قال: روى العلاّمة(رحمه الله)مرفوعة عن زرارة قال سألت الباقر (عليه السلام) قلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان بأيّهما نعمل؟ قال (عليه السلام): «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر»(2).
فاستدلّ بقوله (عليه السلام) «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر» لأنّ الموصول فيها عام يشمل الشهرة بأقسامها.
لكن يرد عليه اُمور لا يتمّ الاستدلال به من دون الجواب عنها:
الأوّل: أنّ هذا الاستدلال دوري لأنّ حجّية هاتين الروايتين أيضاً متوقّفة على عمل المشهور بهما.
ويمكن الجواب عنه بأنّ الموقوف هنا غير الموقوف عليه، لأنّ ما يكون حجّيته متوقّفة على هاتين الروايتين هي الشهرة الفتوائيّة بما أنّها دليل مستقلّ يكشف عن قول المعصوم (عليه السلام)بينما المتوقّف عليه حجّية الروايتين هو الشهرة الفتوائيّة بما أنّها جابرة لضعف السند فإنّه سيأتي في البحث عن حجّية خبر الواحد أنّ المهمّ فيها حصول الوثاقة بالرواية وإن لم تكن الرواة موثوقاً بهم، ومن الاُمور التي توجب الوثوق بالرواية (أي كون الرّواية موثوقاً بها) شهرة الفتوى على وفقها.
الثاني: ما أورده المحقّق الخراساني (رحمه الله) عليهما من أنّ المراد من الموصول (كلمة «ما» في المشهورة والألف واللام الموصولة في المقبولة) فيهما هو الرّواية لا ما يعمّ الفتوى(3).
ويمكن أيضاً الجواب عن هذا بأنّه تامّ بالنسبة إلى المشهورة لا المقبولة لأنّ الكبرى فيها عام وإن كانت الصغرى خاصّة ولا سيّما أنّه كدليل عقلي.
الثالث: ما أورده في درر الفوائد: من أنّ غاية ما تدلّ عليه هاتان الروايتان كون الشهرة مرجّحة من المرجّحات مع أنّ النزاع في كونها حجّة مستقلّة في قبال سائر الحجج ولا ملازمة بين المرجّحية والحجّية مستقلّة(4).
هذا أيضاً يمكن الجواب عنه بأنّ التعليل عام.
الرابع: ما ذكره المحقّق النائيني(رحمه الله) وهو أنّ التعليل الوارد في المقبولة ليس من العلّة المنصوصة ليكون من الكبرى الكلّية التي يتعدّى عن موردها فإنّ المراد من قوله «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» إن كان هو الإجماع المصطلح فلا يعمّ الشهرة الفتوائيّة وإن كان المراد منه المشهور فلا يصحّ حمل قوله (عليه السلام) «ممّا لا ريب فيه» عليه بقول مطلق، بل لابدّ من أن يكون المراد منه عدم الريب بالإضافة إلى ما يقابله، وهذا يوجب خروج التعليل عن كونه كبرى كلّية لأنّه يعتبر في الكبرى الكلّية صحّة التكليف بها ابتداءً بلا ضمّ المورد إليها كما في قوله: «الخمر حرام لأنّه مسكر» فإنّه يصحّ أن يقال: لا تشرب المسكر بلا ضمّ الخمر إليه، والتعليل الوارد في المقبولة لا ينطبق على ذلك لأنّه لا يصحّ أن يقال: «يجب الأخذ بكلّ ما لا ريب فيه بالإضافة إلى ما يقابله» وإلاّ لزم الأخذ بكلّ راجح بالنسبة إلى غيره وبأقوى الشهرتين وبالظنّ المطلق وغير ذلك من التوالي الفاسدة التي لا يمكن الالتزام بها فالتعليل أجنبيّ عن أن
يكون من الكبرى الكلّية التي يصحّ التعدّي عن مورده»(5).
وحاصل كلامه: أنّ نفي الريب هيهنا ليس المراد به نفي الريب بقول مطلق لوجود الريب قطعاً وإلاّ لم يكن مورداً للسؤال، بل المراد به نفي الريب بالنسبة إلى ما يقابله من الخبر الشاذّ النادر، ومثل هذا المعنى ليس قابلا لأن يكون علّة سارية لوجوب الأخذ في جميع الموارد، للقطع بعدم حجّية بعض ما يكون الريب فيه أقلّ بالنسبة إلى ما يقابله (كاختلاف مراتب الكذّاب في الكذب).
وأجاب عنه بعض الأعاظم: «أنّ الكبرى ليست مجرّد كون الشيء مسلوباً عند الريب بالإضافة إلى غيره حتّى يتوهّم سعة نطاق الكبرى بل الكبرى كون الشيء ممّا لا ريب فيه بقول مطلق عرفاً بحيث يعدّ الطرف الآخر شاذّاً نادراً لا يعبأ به عند العقلاء وهذا غير موجود في الموارد التي أشار إليها (قدس سره)، فإنّ ما ذكره من الموارد ليس ممّا لا ريب فيه عند العرف»(6) وهو جيّد.
الخامس: (وهو العمدة) أنّ المراد من الشهرة فيها هو الشهرة بمعنى الوضوح، أي الشهرة اللغويّة لا الشهرة المصطلحة (وفي الواقع وقع الخلط بينهما، ونظيره كثير في طيّات كتب الفقه والاُصول) ففي مقاييس اللغة: «الشهرة وضوح الأمر، وشهر سيفه إذا انتضاه» وفي النهاية: «الشهر الهلال سمّي به لشهرته وظهوره» وفي لسان العرب: «الشهرة ظهور الشيء في شنعة حتّى يشهره الناس».
وفي مفردات الراغب: «شهر فلان واشتهر يقال في الخير والشرّ» وفي الصحاح (نقلا من لسان العرب): «الشهرة وضوح الأمر».
وفي مجمع البحرين: «الشهرة ظهور الشيء في شَنعة حتّى شهره الناس».
إذن فيكون معنى قول الإمام في الروايتين: «خذ بما صار واضحاً عند أصحابك» ولا إشكال في أنّ هذا المعنى من الشهرة أو أنّ هذه الدرجة من الشهرة تصل إلى مرتبة القطع العرفي العادي، فليس المراد من عدم الريب عدم الريب بالنسبة إلى ما يقابله، بل عدم الريب مطلقاً، وإذن لا يصحّ الاستدلال بهما في محلّ البحث، لأنّ المفروض أنّ محلّ النزاع هو الشهرة في الاصطلاح، أي الشهرة الفتوائيّة التي توجب الظنّ بقول المعصوم (عليه السلام).
هذا كلّه بالنسبة إلى الأمر الثاني لحجّية الشهرة.
الأمر الثالث: فهو ما نقله المحقّق النائيني (رحمه الله) وهو الاستدلال بذيل آية النبأ من التعليل بقوله تعالى: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6] بتقريب أنّ المراد من الجهالة السفاهة والاعتماد على ما لا ينبغي الاعتماد عليه، ومعلوم أنّ العمل بالشهرة والاعتماد عليها ليس من السفاهة وفعل ما لا ينبغي(7).
وفيه: أنّ غاية ما يقتضيه هذا التعليل هو عدم حجّية كلّ ما فيه جهالة وسفاهة، وهذا لا يقتضي حجّية كلّ ما ليس فيه جهالة وسفاهة إذ ليس له مفهوم حتّى يتمسّك به، ألا ترى أنّ قوله «لا تأكل الرمّان لأنّه حامض» لا يدلّ على جواز أكل كلّ ما ليس بحامض.
والإنصاف أنّ هذا الدليل لشدّة وهنه لا يليق بالذكر.
هذا كلّه بالنسبة إلى القول بحجّية الشهرة مطلقاً، وأمّا القول بالتفصيل بين الشهرة عند القدماء والشهرة عند المتأخّرين فيستدلّ القائلون به بتعبّد القدماء بالعمل بالأخبار ومتون الرّوايات وعدم الاعتناء بالأدلّة العقليّة والاستحسانات (كما مرّ ضمن بيان مقدّمة كتاب المبسوط) ويتّضح لنا ذلك ببيان التطوّرات الفقهيّة التي مرّ بها تاريخ الفقه الشيعي فنقول: كان فقه الشيعة ينتقل من الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) إلى شيعتهم يداً بيد وجيلا بعد جيل من دون وجود حلقة مفقودة، لكن بطيّ مراحل مختلفة، ففي أوائل عصر الأئمّة (عليهم السلام) كانت الشيعة تأخذ الرّوايات من أئمّتهم من دون أن يكون لهم تدوين وتأليف، ثمّ في مرحلة اُخرى جمعوها في كتب ورسائل عديدة انتهت إلى أربعمائة كتاب، وسمّيت بالأصول الأربعمائة، لكن كلّ هذا من دون تنظيم وترتيب وتبويب مطلوب، ثمّ في مرحلة ثالثة تصدّوا لتنظيمها وتبويبها مع ذكر إسنادها وكانوا يكتفون بها للفتوى، ثمّ وصلت النوبة إلى مرحلة رابعة وهي مرحلة الفتوى، فكانوا يفتون في المسألة في بدء هذه المرحلة بألفاظ الأحاديث ومتونها، وذلك بحذف الإسناد وتخصيص العمومات بمخصّصاتها وتقييد المطلقات بمقيّداتها وحمل التعارضات والجمع أو الترجيح بين المتعارضات نظير ما صنع به علي بن بابويه والد الصدوق (رحمه الله)، ولذلك كان الأصحاب يرجعون إليها عند اعوزاز النصوص، ثمّ انتهى الأمر في المرحلة الخامسة إلى التفريعات وتطبيق الاُصول والقواعد على الفروع والموضوعات الجديدة والمصاديق المستحدثة.
وحينئذ لو تحقّقت شهرة الأصحاب قبل المرحلة الخامسة على مسألة فحيث إنّهم كانوا متعبّدون بالعمل بمتون الأخبار، ولم يكن لهم تفريع واستنباط من عند أنفسهم يحصل الوثوق والاطمئنان بقول المعصوم (عليه السلام) أو وجود دليل معتبر، وتكون هذه الشهرة بنفسها كاشفة عن الحكم، بخلاف الشهرة عند المتأخّرين لكونها مبنية على آرائهم الشخصية من دون أن يكون معقدها متلّقاة من كلمات المعصومين وألفاظ الرّوايات، فتكون الشهرة عند القدماء حينئذ كالإجماع الحدسي وكاشفة عن قول الإمام (عليه السلام) أو مدرك معتبر كشفاً قطعيّاً، بل هي ترجع في الواقع إلى الإجماع الحدسي وتكون من مصاديقه لعدم اشتراط إجماع الكلّ فيه، وعندئذ يخرج عن محلّ النزاع لأنّ البحث كان في الشهرة الفتوائيّة الظنّية.
هل الشهرة جابرة لضعف السند؟
بقي هنا شيء :
قد مرّ في أوّل البحث أنّ الشهرة على ثلاثة أقسام : الشهرة الفتوائيّة والشهرة الروائيّة والشهرة العمليّة ، ومرّ أيضاً تعريف كلّ واحدة منها ، ولكن وقع البحث بين الأعلام في أنّ وقوع الشهرة العمليّة على وفق رواية ضعيفة هل يوجب جبر ضعفها أو لا؟ فذهب الأكثر إلى كونها جابرة ، وخالف بعض الأعلام وإستشكل في المسألة كبرى وصغرى ، وحاصل كلامه في مصباح الاصول : « أنّ الخبر الضعيف لا يكون حجّة في نفسه كما هو المفروض وكذلك فتوى المشهور غير حجّة على الفرض أيضاً ، وانضمام غير الحجّة إلى غير الحجّة لا يوجب الحجّية فإنّ انضمام العدم إلى العدم لا ينتج إلاّ العدم ، ودعوى : أنّ عمل المشهور بخبر ضعيف توثيق عملي للمخبر به فيثبت به كونه ثقة ، فيدخل في موضوع الحجّية ، مدفوعة : بأنّ العمل مجمل لا يعلم وجهه فيحتمل أن يكون عملهم به لما ظهر لهم من صدق الخبر ومطابقته للواقع بحسب نظرهم واجتهادهم ، لا لكون المخبر ثقة عندهم ، فالعمل بخبر ضعيف لا يدلّ على توثيق المخبر به ، ولا سيّما أنّهم لم يعملوا بخبر آخر لنفس هذا المخبر ، وأمّا آية النبأ فالاستدلال بها أيضاً غير تامّ ، إذ التبيّن عبارة عن الاستيضاح واستكشاف صدق الخبر ، وهو تارةً يكون بالوجدان ، واخرى بالتعبّد ، وإن فتوى المشهور لا تكون حجّة فليس هناك تبيّن وجداني ولا تبيّن تعبّدي يوجب حجّية خبر الفاسق.
هذا كلّه بالنسبة إلى الكبرى ( وهي : أنّ عمل المشهور موجب لانجبار ضعف الخبر أو لا؟ ).
وأمّا الصغرى ( وهي استناد المشهور إلى الخبر الضعيف في مقام العمل والفتوى ) فإثباتها أشكل ، لأنّ القدماء لم يتعرّضوا للاستدلال في كتبهم ليعلم استنادهم إلى الخبر الضعيف ، وإنّما المذكور فيها مجرّد الفتوى ، فمن أين نستكشف عمل قدماء الأصحاب بخبر ضعيف واستنادهم إليه ، فإنّ مجرّد مطابقة الفتوى لخبر ضعيف لا يدلّ على أنّهم إستندوا في هذه الفتوى إلى هذا الخبر إذ يحتمل كون الدليل عندهم غيره » (8). ( انتهى ).
أقول : الإنصاف تماميّة الكبرى والصغرى معاً ، أمّا تماميّة الكبرى فليست لأجل آية النبأ بل لوجود ملاك حجّية خبر الواحد هنا ، وهو حصول الوثوق بصدور الرّواية عن المعصوم عليه السلام وإن لم تكن رواتها موثوقين فإنّ عمل مشهور القدماء برواية واستنادهم إليها يوجب الاطمئنان والوثوق بصدورها.
وأمّا قوله : « أنّه ضمّ للعدم إلى العدم ».
ففيه : أنّه ليس كذلك ، لأنّ ضمّ احتمال إلى احتمال آخر يوجب شدّة الاحتمال ، وتراكم الاحتمالات توجب قوّة الظنّ ، حتّى أنّه قد ينتهي إلى حصول اليقين ، وإلاّ يلزم من ذلك عدم حجّية الخبر المتواتر أيضاً لأنّه أيضاً ضمّ لا حجّة إلى لا حجّة ، هذا بالنسبة إلى الكبرى.
وكذلك الصغرى ، لأنّه وإن لم يستند الأصحاب في فتواهم إلى الرّواية مباشرة ولكن إذا ذكرت الرّواية في كتب مشهورة معتبرة ، وكانت بمرأى ومنظر الأصحاب وكان عملهم موافقاً لمضمونها ، فإنّ ظاهر الحال يقتضي استناد فتواهم إليها.
وإن شئت قلت : يحصل الوثوق والاطمئنان إجمالاً بأنّ فتواهم إمّا مستندة إلى هذه الرّواية أو ما في معناها ، وعلى أي حال يحصل الوثوق إجمالاً بصدور هذا المعنى من الإمام عليه السلام فنأخذ به ويكون حجّة.
___________
1. وسائل الشيعة: أبواب صفات القاضي، الباب9، ح1.
2. غوالي اللئالي: ج 4، ص 133، ومستدرك الوسائل: ج 17، ص 303.
3. وقد أخذ محقّق الخراساني(رحمه الله) هذا الإشكال من الشيخ أعلى الله مقامه حيث قال: أمّا الاُولى (يعني بها المرفوعة) فيرد عليها مضافاً إلى ضعفها ـ حتّى أنّه ردّها من ليس دأبه الخدشة في سند الرّوايات كالمحدّث البحراني ـ أنّ المراد من الموصول هو خصوص الرّواية المشهورة من الروايتين دون مطلق الحكم المشهور، ألا ترى أنّك لو سألت عن أنّ أي المسجدين أحبّ إليك قلت: «ما كان الاجتماع فيه أكثر» لم يحسب للمخاطب أن ينسب إليك محبوبيّة كلّ مكان يكون الاجتماع فيه أكثر بيتاً كان أو خاناً أو سوقاً، وكذا لو أجبت عن سؤال المرجّح لأحد الرمّانين فقلت ما كان أكبر. (انتهى).
4. درر الفوائد: ج 2، ص 379، طبع جماعة المدرّسين.
5. فوائد الاُصول: ج3، ص154 ـ 155.
6. تهذيب الاُصول: ج2، ص171، من الطبع القديم، وص102، من طبع جماعة المدرّسين.
7. فوائد الاُصول: ج 3، ص 155، طبع جماعة المدرّسين.
8. مصباح الاصول : ج 2 ، ص 202.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|