المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8215 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الشيخ موسى بن علي بن محمد العاملي الجبعي
12-2-2018
falling (adj.)
2023-08-30
منشأ الظلم والعدالة
2023-05-06
 النشأ Starch
24-5-2016
Gene Cassettes
1-6-2018
اهـداف المنظمـة Organization Objectives (مـفهـوم الاهـداف)
19-4-2022


تطبيقات منجزية العلم الاجمالي  
  
916   09:30 صباحاً   التاريخ: 4-9-2016
المؤلف : محمد باقر الصدر
الكتاب أو المصدر : دروس في علم الاصول
الجزء والصفحة : ح3 ص 78- 95.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2016 600
التاريخ: 10-8-2016 4649
التاريخ: 2-9-2016 1823
التاريخ: 2-9-2016 679

عرفنا في ضوء ما تقدم(1) الاركان الاربعة لتنجيز العلم الاجمالي فكلما انهدم واحد منها بطلت منجزيته، وكل الحالات التي قد يدعى سقوط العلم الاجمالي فيها عن المنجزية، لا بد من افتراض انهدام احد الاركان فيها والا فلا مبرر للسقوط. وفيما يلي نستعرض عددا مهما من هذه الحالات لدراستها من خلال ذلك:

1 - زوال العلم بالجامع:

الحالة الاولى ان يزول العلم بالجامع رأسا ولذلك صور:

الصورة الاولى : ان يظهر للعالم خطؤه في علمه وان الاناء ين اللذين اعتقد بنجاسة احدهما مثلا طاهران، ولا شك هنا في السقوط عن المنجزية لانعدام الركن الاول(2) من الاركان المتقدمة.

الصورة الثانية: - ان يتشكك العالم فيما كان قد علم به فيتحول علمه بالجامع إلى الشك البدوي، والامر فيه كذلك ايضا.

ولكن قد يتوهم بقاء الاطراف على منجزيتها لان الاصول المؤمنة تعارضت فيها في حال وجود العلم الاجمالي وهو وان زال ولكنها بعد تعارضها وتساقطها لا موجب لعودها فتظل الشبهة في كل طرف بلا اصل مؤمن فتتنجز. وقد يجاب على هذا التوهم بان الشك الذي سقط اصله بالمعارضة هو الشك في انطباق المعلوم بالإجمال وهذا الشك زال بزوال العلم الاجمالي ووجد بدلا عنه الشك البدوي وهو فرد جديد من موضوع دليل الاصل ولم يقع الاصل المؤمن عنه طرفا للمعارضة فيجري بدون اشكال وفي كل من هاتين الصورتين يزول العلم بحدوث الجامع رأسا.

الصورة الثالثة:- ان يزول العلم بالجامع بقاء وان كان العلم بحدوثه لا يزال مستمرا، وهذه الصورة تتحقق على انحاء: النحو الاول: - ان يكون للجامع المعلوم أمد محدد بحيث يرتفع متى ما استوفاه، فاذا استوفي أمده لم يعد هناك علم بالجامع بقاء، بل يعلم بارتفاعه وان كان العلم بحدوثه ثابتا.

النحو الثاني:- ان يكون الجامع على كل تقدير متيقنا إلى فترة ومشكوك البقاء بعد ذلك، وفي مثل ذلك يزول ايضا العلم بالجامع بقاء ولكن يجري استصحاب الجامع المعلوم ويكون الاستصحاب حينئذ بمثابة العلم الاجمالي.

النحو الثالث: - ان يكون الجامع المعلوم مرددا بين تكليفين غير ان احدهما على تقدير تحققه يكون اطول مكثا في عمود الزمان من الآخر، كما إذا علم بحرمة الشرب من هذا الاناء إلى الظهر او بحرمة الشرب من الاناء الآخر إلى المغرب فبعد الظهر لا علم بحرمة احد الاناء ين فعلا، فهل يجوز الشرب من الاناء الآخر حينئذ لزوال العلم الاجمالي؟.

والجواب بالنفي وذلك لعدم زوال العلم الاجمالي وعدم خروج الطرف الاخر عن كونه طرفا له فان الجامع المردد بين التكليف القصير والتكليف الطويل الامد لا يزال معلوما حتى الآن كما كان فالتكليف الطويل في الاناء الآخر بكل ما يضم من تكاليف إنحلالية بعدد الآنات إلى المغرب طرف للعلم الاجمالي. وتسمى مثل ذلك بالعلم الاجمالي المردد بين القصير والطويل، وحكمه انه ينجز الطويل على امتداده.

النحو الرابع: - ان يكون التكليف في احد طرفي العلم الاجمالي مشكوك البقاء على تقدير حدوثه، وقد يقال في مثل ذلك بسقوط المنجزية لان فترة البقاء المشكوكة من ذلك التكليف لا موجب لتنجزها بالعلم الاجمالي لأنها ليست طرفا للعلم الاجمالي ولا بالاستصحاب إذ لا يقين بالحدوث ليجري الاستصحاب. وقد يجاب على ذلك بان الاستصحاب يجري على تقدير الحدوث بناء على انه متقوم بالحالة السابقة الا باليقين بها، ومعه يحصل العلم الاجمالي اما بثبوت الاستصحاب في هذا الطرف او ثبوت التكليف الواقعي في الطرف الآخر وهو كاف للتنجيز.

2 - الاضطرار إلى بعض الاطراف الحالة الثانية:

ان يعلم اجمالا بنجاسة احد الطعامين ويكون مضطرا فعلا إلى تناول احدهما ولا شك في ان المكلف يسمح له بتناول ما يضطر اليه، وانما نريد ان نعرف ان العلم الاجمالي هل يكون منجزا لوجوب الاجتناب عن الطعام الآخر او لا؟. وهذه الحالة لها صورتان:

احداهما ان يكون الاضطرار متعلقا بطعام معين والاخرى ان يكون بالإمكان دفعه باي واحد من الطعامين: اما الصورة الاولى: فالعلم الاجمالي فيها يسقط عن المنجزية لزوال الركن الاول حيث لا يوجد علم اجمالي بجامع التكليف، والسبب في ذلك: ان نجاسة الطعام المعلومة إجمالا جزء الموضوع للحرمة والجزء الآخر عدم الاضطرار، وحيث ان المكلف يحتمل ان النجس المعلوم هو الطعام المضطر اليه بالذات فلا علم له بالتكليف الفعلي، فتجري البراء ة عن حرمة الطعام غير المضطر اليه وغيرها من الاصول المؤمنة بدون معارض، لان حرمة الطعام المضطر اليه غير محتملة ليحتاج إلى الاصل بشأنها، ولكن هذا على شرط ان لا يكون الاضطرار متأخرا عن العلم الاجمالي والا بقي على المنجزية لأنه يكون من حالات العلم الاجمالي المردد بين الطويل والقصير إذ يعلم المكلف بتكليف فعلي في هذا الطرف قبل حدوث الاضطرار او في الطرف الآخر حتى الآن.

وقد يفترض الاضطرار قبل العم ولكنه متأخر عن زمان النجاسة المعلومة، كما إذا اضطر ظهرا إلى تناول احد الطعامين ثم علم - قبل ان يتناول - ان احدهما تنجس صباحا، وهنا العلم بجامع التكليف الفعلي موجود فالركن الاول محفوظ ولكن الركن الثالث(3) غير محفوظ لان التكليف على تقدير انطباقه على مورد الاضطرار فقد انتهى أمده ولا اثر لجريان البراء ة عنه فعلا فتجري البراء ة في الطرف الآخر بلا معارض. ويطرد ما ذكرناه في غير الاضطرار ايضا من مسقطات التكليف كتلف بعض الاطراف او تطهيرها، كما إذا علم اجمالا بنجاسة احد إناء ين ثم تلف احدهما او غسل بالماء فإن العلم الاجمالي لا يسقط عن المنجزية بطرو المسقطات المذكورة بعده ويسقط عن المنجزية بطروها مقارنة للعلم الاجمالي او قبله.

واما الصورة الثانية: فلا شك في سقوط وجوب الموافقة القطعية بسبب الاضطرار المفروض وانما الكلام في جواز المخالفة القطعية، فقد يقال بجوازها كما هو ظاهر المحقق الخراساني (رحمه الله).

وبرهان ذلك يتكون مما يلي:

اولا: - ان العلم الاجمالي بالتكليف علة تامة لوجوب الموافقة القطعية.

ثانيا: - ان المعلول هنا ساقط.

ثالثا: يستحيل سقوط المعلول بدون سقوط العلة.

فينتج: انه لا بد من الالتزام بسقوط العلم الاجمالي بالتكليف وذلك بارتفاع التكليف فلا تكليف مع الاضطرار المفروض، وبعد ارتفاعه وان كان التكليف محتملا في الطرف الآخر ولكنه حينئذ احتمال بدوي مؤمن عنه بالأصل. والجواب عن ذلك:

اولا: - بمنع علية العلم الاجمالي بالتكليف لوجوب الموافقة القطعية.

ثانيا: - بان ارتفاع وجوب الموافقة القطعية الناشئ من العجز والاضطرار لا ينافي العلية المذكورة لان المقصود منها عدم امكان جعل الشك مؤمنا لان الوصول بالعلم تام ولا ينافي ذلك وجود مؤمن آخر وهو العجز كما هو المفروض في حالة الاضطرار.

ثالثا: - لو سلمنا فقرات البرهان الثلاث فهي انما تنتج لزوم التصرف في التكليف المعلوم على نحو لا يكون الترخيص في تناول احد الطعامين لدفع الاضطرار إذنا في ترك الموافقة القطعية له، وذلك يحصل برفع اليد عن اطلاق التكليف لحالة واحدة وهي حالة تناول الطعام المحرم وحده من قبل المكلف المضطر مع ثبوته في حالة تناول كلا الطعامين معا، فمع هذا الافتراض اذا تناول المكلف المضطر العالم اجمالا احد الطعامين فقط لم يكن قد ارتكب مخالفة احتمالية على الاطلاق، وإذا تناول كلا الطعامين فقد ارتكب مخالفة قطعية للتكليف المعلوم فلا يجوز.

3 - انحلال العلم الاجمالي بالتفصيلي:

لكل علم اجمالي سبب، والسبب تارة يكون مختصا في الواقع بطرف معين من اطراف العلم الاجمالي، واخرى تكون نسبته إلى الطرفين او الاطراف على نحو واحد، ومثال الاول: ان ترى قطرة دم تقع في احد الاناء ين ولا تميز الاناء بالضبط فتعلم اجمالا بنجاسة احد الاناء ين، والسبب هو قطرة الدم وهي في الواقع مختصة بأحد الطرفين، ويمكن ان

تؤخذ قيدا في المعلوم بأن تقول: اني اعلم اجمالا بنجاسة ناشئة من قطرة الدم التي رأيتها لا بنجاسة كيفما اتفقت، ويترتب على ذلك: انه إذا حصل علم تفصيلي بنجاسة اناء معين من الاناء ين فان كان هذا العلم التفصيلي بنفس سبب العلم الاجمالي بان علمت تفصيلا بان القطرة قد سقطت هنا انحل العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي وانهدم الركن الثاني(4) إذ يكون من النحو الاول من الانحاء الاربعة المتقدمة - عند الحديث عن ذلك الركن - وان كان هذا العلم التفصيلي بسبب آخر كما إذا رأيت قطرة اخرى من الدم تسقط في الاناء المعين لم ينحل العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي لان المعلوم التفصيلي ليس مصداقا للمعلوم الاجمالي لينطبق عليه ويسري العلم من الجامع إلى الفرد بخصوصه، وكذلك الامر اذا شك في ان سبب العلم التفصيلي هو نفس تلك القطرة او غيرها حيث لا يحرز حينئذ كون المعلوم التفصيلي مصداقا للمعلوم الاجمالي ويدخل في النحو الثالث من الانحاء الاربعة المتقدمة - عند الحديث عن الركن الثاني - ومثال الثاني: - اي ما كانت نسبة سبب العلم الاجمالي فيه إلى الاطراف متساوية - ان يحصل علم اجمالي بنجاسة احد الاناء ات التي هي في معرض استعمال الكافر او الكلب لمجرد استبعاد ان يمر زمان طويل بدون ان يستعمل بعضها، فان هذا الاستبعاد نسبته إلى الاطراف على نحو واحد، ويترتب على ذلك انه لا يصلح ان يكون قيدا مخصصا للمعلوم الاجمالي، وعليه فاذا حصل العلم التفصيلي بنجاسة اناء معين انحل العلم الاجمالي حتما لانهدام الركن الثاني، وذلك لان المعلوم التفصيلي مصداق للمعلوم الاجمالي جزما حيث لم يتخصص المعلوم الاجمالي بقيد زائد، ومعه يسري العلم من الجامع إلى الفرد ويدخل في النحو الثاني من الانحاء الاربعة المتقدمة - عند الحديث عن الركن الثاني -.

وفي كل حالة يثبت فيها الانحلال يجب ان يكون المعلوم التفصيلي والمعلوم الاجمالي متحدين في الزمان، واما إذا كان المعلوم التفصيلي متأخرا زمانا فلا انحلال للعلم الاجمالي حقيقة لعدم كون المعلوم التفصيلي حينئذ مصداقا للمعلوم الاجمالي، ولا يشترط في الانحلال الحقيقي وانهدام الركن الثاني التعاصر بين نفس العلمين، فان العلم التفصيلي المتأخر زمانا يوجب الانحلال ايضا إذا احرز كون معلومة مصداقا للمعلوم بالإجمال، لان مجرد تأخر العلم التفصيلي مع احراز المصداقية لا يمنع عن سراية العلم قهرا من الجامع إلى الخصوصية وهو معنى الانحلال.

4 - الانحلال الحكمي بالأمارات والاصول:

اذا جرت في حق المكلف امارات او اصول شرعية منجزة للتكليف في بعض اطراف العلم الاجمالي فلا انحلال حقيقي ولا تعبدي كما تقدم، ولكن ينهدم الركن الثالث بإحدى صيغتيه المتقدمتين إذا توفرت شروط:

احدها: - ان لا يقل البعض المنجز بالأمارة او الاصل الشرعي عن عدد المعلوم بالإجمال من التكاليف.

ثانيها: ان لا يكون المنجز الشرعي من امارة او اصل ناظرا إلى تكليف مغاير لما هو المعلوم اجمالا، كما إذا علم اجمالا بحرمة احد الاناء ين بسبب نجاسته وقامت البينة على حرمة احدهما المعين بسبب الغصب.

ثالثها: - ان لا يكون وجود المنجز الشرعي متأخرا عن حدوث العلم الاجمالي.

فكلما توفرت هذه الشروط الثلاثة انهدم الركن الثالث، لجريان الاصل المؤمن في غير مورد المنجز الشرعي بلا معارض وفقا للصيغة الاولى، ولعدم صلاحية العلم الاجمالي للاستقلال في تنجيز معلومه على كل تقدير وفقا للصيغة الثانية. ويسمى السقوط عن المنجزية في هذه الحالة بالانحلال الحكمي تمييزا له عن الانحلال الحقيقي والانحلال التعبدي. واما إذا اختل الشرط الاول فالعلم الاجمالي منجز للعدد الزائد، والاصول بلحاظه متعارضة. واذا اختل الشرط الثاني فالأمر كذلك لان ما ينجزه العلم في مورد الامارة غير ما تنجزه الامارة نفسها. واذا اختل الشرط الثالث كان العلم الاجمالي منجزا والركن الثالث محفوظا، لان الاصول المؤمنة في غير مورد الامارة والاصل الشرعي المنجز، معارضة بالأصول المؤمنة التي كانت تجري في موردهما قبل ثبوتهما.

وبكلمة اخرى إذا اخذنا من مورد المنجز الشرعي فترة ما قبل ثبوت هذا المنجز ومن غيره الفترة الزمنية على امتدادها، حصلنا على علم اجمالي تام الاركان فينجز. ومن هنا يعرف ان انهدام الركن الثالث بالمنجز الشرعي مرهون بعدم تأخر نفس المنجز عن العلم ولا يكفي عدم تأخر مؤدي الامارة مثلا مع تأخر قيامها، وذلك لان سقوط العلم الاجمالي عن التنجيز في حالات قيام المنجز الشرعي في بعض اطرافه، إنما هو بسبب المنجزية الشرعية بإحدى الصيغتين السابقتين، والمنجزية لا تبدأ الا من حين قيام الامارة او جريان الاصل سواء كان المؤدي مقارنا لقيامها او سابقا على ذلك.

وبالمقارنة بين الانحلال الحكمي كما شرحناه هنا والانحلال الحقيقي كما شرحناه آنفا يظهر انهما يختلفان في هذه النقطة، فبينما العبرة في الانحلال الحكمي بعدم تأخر نفس المنجز الشرعي عن العلم الاجمالي، نلاحظ ان العبرة في الانحلال الحقيقي كانت بملاحظة جانب المعلوم التفصيلي وعدم تأخره عن زمان المعلوم الاجمالي، وذلك لان ميزانه سراية العلم من الجامع إلى الفرد وهي لازم قهري لانطباق المعلوم الاجمالي على المعلوم التفصيلي ومصداقية هذا لذاك ولا دخل لتاريخ العلمين في ذلك، فمتى ما اجتمع العلمان ولو بقاء وحصل الانطباق المذكور حصل الانحلال الحقيقي.

5 - اشتراك علمين اجماليين في طرف:

قد يفترض ان احد طرفي العلم الاجمالي طرف في علم اجمالي آخر، فان كان العلمان متعاصرين فلا شك في تنجيزهما معا وتلقي الطرف المشترك التنجز منهما معا، لان مرجع العلمين إلى العلم بثبوت تكليف واحد في الطرف المشترك او تكليفين في الطرفين الآخرين، واما إذا كان احدهما سابقا على الآخر فقد يقال: ان العلم المتأخر يسقط عن المنجزية لاختلال الركن الثالث إما بصيغته الاولى وذلك بتقريب ان الطرف المشترك قد سقط عنه الاصل المؤمن سابقا بتعارض الاصول الناشئ من العلم الاجمالي السابق فالأصل في الطرف المختص بالعلم الاجمالي المتأخر يجري بلا معارض، وإما بصيغته الثانية وذلك بتقريب ان الطرف المشترك قد تنجز بالعلم السابق فلا يكون العلم المتأخر صالحا لمنجزيته فهو إذن لا يصلح لمنجزية معلومه على كل تقدير.

ولكن الصحيح عدم السقوط عن المنجزية وبطلان التقريبين السابقين، وذلك لان العلم الاجمالي الاول لا يوجب التنجيز في كل زمان، وتعارض الاصول في الاطراف كذلك الا بوجوده الفعلي في ذلك الزمان لا بمجرد حدوثه ولو في زمان سابق، وعليه فتنجز الطرف المشترك بالعلم الاجمالي السابق في زمان حدوث العلم المتأخر انما يكون بسبب بقاء ذلك العلم السابق إلى ذلك الحين لا بمجرد حدوثه، وهذا يعني ان تنجز الطرف المشترك فعلا له سببان: احدهما: بقاء العلم السابق. والآخر: حدوث العلم المتأخر، واختصاص احد السببين بالتأثير دون الآخر ترجيح بلا مرجح فينجزان معا، وبذلك يبطل التقريب الثاني.

كما ان الاصل المؤمن في الطرف المشترك يقتضي الجريان في كل آن وهذا الاقتضاء يؤثر مع عدم المعارض، ومن الواضح ان جريان الاصل المؤمن في الطرف المشترك في الفترة الزمنية السابقة على حدوث العلم الاجمالي المتأخر كان معارضا بأصل واحد - وهو الاصل في الطرف المختص بالعلم السابق - غير ان جريانه في الفترة الزمنية اللاحقة يوجد له معارضان وهما الاصلان الجاريان في الطرفين المختصين معا، وبذلك يبطل التقريب الاول فالعلمان الاجماليان منجزان معا.

6 - حكم ملاقي احد الاطراف:

إذا علم المكلف اجمالا بنجاسة احد المائعين ولاقى الثوب احدهما المعين، حصل علم اجمالي آخر بنجاسة الثوب او المائع الآخر، وهذا ما يسمى بملاقي احد اطراف الشبهة، وفي مثل ذلك قد يقال بعدم تنجيز العلم الاجمالي الآخر فلا يجب الاجتناب عن الثوب وان وجب الاجتناب عن المائعين وذلك لاحد تقريبين:

 الاول: - تطبيق فرضية العلمين الاجماليين المتقدم والمتأخر في المقام بان يقال: انه يوجد لدي المكلف علمان اجماليا بينهما طرف مشترك وهو المائع الآخر فينجز السابق منهما دون المتأخر. وهذا التقريب اذا تم يختص بفرض تأخر الملاقاة او العلم بها على الاقل عن العلم بنجاسة احد المائعين، ولكنه غير تام كما تقدم.

الثاني: - ان الركن الثالث منهدم لان اصل الطهارة يجري في الثوب بدون معارض وذلك لانه اصل طولي بالنسبة إلى اصل الطهارة في المائع الذي لاقاه الثوب - ولنسمه المائع الاول - فأصالة الطهارة في المائع الاول تعارض اصالة الطهارة في المائع الاخر ولا تدخل اصالة الطهارة للثوب في هذا التعارض لطوليتها وبعد ذلك تصل النوبة اليها بدون معارض ووفقا لما تقدم في الحالة الاولى من حالات الاستثناء من تعارض الاصول وتساقطها. وهذا التقريب إذا تم يجري سواء اقترن العلم بالملاقاة مع العلم بنجاسة احد المائعين او تأخر عنه، فالتقريب الثاني إذن اوسع جريانا من التقريب الاول.

وقد يقال: ان هناك بعض الحالات لا يجري فيها كلا التقريبين، وذلك فيما إذا حصل العلم الاجمالي بنجاسة احد المائعين بعد تلف المائع الاول ثم علم بان الثوب كان قد لامس المائع الاول، ففي هذه الحالة لا يجري التقريب الاول لان العلم الاجمالي المتقدم ليس منجزا لاختلال الركن الثالث فيه كما تقدم فلا يمكن ان يحول دون تنجيز العلم الاجمالي المتأخر بنجاسة الثوب او المائع الآخر الموجود فعلا، ولا يجري التقريب الثاني لان الاصل المؤمن في المائع الاول لا معنى له بعد تلفه وهذا يعني ان الاصل في المائع الآخر له معارض واحد وهو الاصل المؤمن في الثوب فيسقطان بالتعارض.

ولكن الصحيح ان التقريب الثاني يجري في هذه الحالة ايضا لان تلف المائع الاول لا يمنع عن استحقاقه لجريان اصل الطهارة فيه ما دام لطهارته اثر فعلا وهو طهارة الثوب، فاصل الطهارة في المائع الاول ثابت في نفسه ويتولى المعارضة مع الاصل في المائع الآخر في المرتبة السابقة ويجري الاصل في الثوب بعد ذلك بلا معارض.

7 - الشبهة غير المحصورة:

إذا كثرت اطراف العلم الاجمالي بدرجة كبيرة سميت بالشبهة غير المحصورة والمشهور بين الاصوليين سقوطه عن المنجزية لوجوب الموافقة القطعية، وهناك من ذهب إلى عدم حرمة المخالفة القطعية. ويجب ان نفترض عامل الكثرة فقط وما قد ينجم عنه من تأثير في اسقاط العلم الاجمالي عن المنجزية، دون ان ندخل في الحساب ما قد يقارن افتراض الكثرة من امور أخرى كخروج بعض الاطراف عن محمل الابتلاء. وعلى هذا الاساس يمكن ان نقرب عدم وجوب الموافقة القطعية وجواز اقتحام بعض الاطراف بتقريبين:

التقريب الاول: - ان هذا الاقتحام مستند إلى المؤمن وهو الاطمئنان بعدم انطباق المعلوم بالإجمال على الطرف المقتحم، اذ كلما زادت اطراف العلم الاجمالي تضاء لت القيمة الاحتمالية للانطباق في كل طرف حتى تصل إلى درجة يوجد على خلافها اطمئنان فعلي.

وقد استشكل المحقق العراقي وغيره باستشكالين على هذا التقريب: احدهما: - محاولة البرهنة على عدم وجود اطمئنان فعلي بهذا النحو لان الاطراف كلها متساوية في استحقاقها لهذا الاطمئنان الفعلي بعدم الانطباق، ولو وجدت اطمئنانات فعلية بهذا النحو في كل الاطراف لكان ذلك مناقضا للعلم الاجمالي بوجود النجس مثلا في بعضها، لان السالبة الكلية التي تتحصل من مجموع الاطمئنانات مناقضة للموجبة الجزئية التي يكشفها العلم الاجمالي. والجواب على ذلك ان الاطمئنانات المذكورة إذا ادت بمجموعها إلى الاطمئنان الفعلي بالسالبة الكلية فالمناقضة واضحة ولكن الصحيح انها لا تؤدي إلى ذلك فلا مناقضة.

وقد تقول: كيف لا تؤدي إلى ذلك اليس الاطمئنان ب‍ (الف) والاطمئنان ب‍ (باء) يؤديان حتما إلى الاطمئنان بمجموع " الالف والباء "، وكقاعدة عامة ان كل مجموعة من الاحرازات تؤدي إلى احراز مجموعة المتعلقات ووجودها جميعا بنفس تلك الدرجة من الاحراز. ونجيب على ذلك:

اولا: - بالنقض وتوضيحه ان من الواضح وجود احتمالات لعدم انطباق المعلوم الاجمالي بعدد اطراف العلم الاجمالي، وهذه الاحتمالات والشكوك فعلية بالوجدان ولكنها مع هذا لا تؤدي بمجموعها إلى احتمال مجموع محتملاتها بنفس الدرجة. فاذا صح ان (الف) محتمل فعلا و (باء) محتمل فعلا ومع هذا لا يحتمل بنفس الدرجة مجموع (الف) و (باء) فيصح ان يكون كل منهما مطمئنا به ولا يكون المجموع مطمئنا به.

وثانيا: - بالحل وهو ان القاعدة المذكورة انما تصدق فيما إذا كان كل من الاحرازين يستبطن - اضافة إلى احراز وجود متعلقة فعلا - احراز وجوده على تقدير وجود متعلق الاحراز الآخر على نهج القضية الشرطية، فمن يطمئن بان (الف) موجود حتى على تقدير وجود (باء) ايضا، وان (باء) موجود ايضا حتى على تقدير وجود (الف)، فهو مطمئن حتما بوجود المجموع.

وفي المقام الاطمئنان بعدم انطباق المعلوم الاجمالي على اي طرف وان كان موجودا فعلا ولكنه لا يستبطن الاطمئنان بعدم الانطباق عليه حتى على تقدير عدم الانطباق على الطرف الآخر، والسبب في ذلك ان هذا الاطمئنان انما نشأ من حساب الاحتمالات وإجماع احتمالات الانطباق في الاطراف الاخرى على نفي الانطباق في هذا الطرف، فتلك الاحتمالات إذن هي الاساس في تكون الاطمئنان، فلا مبرر إذن للاطمئنان بعدم الانطباق على طرف عند افتراض عدم الانطباق على الطرف الآخر، لان هذا الافتراض يعني بطلان بعض الاحتمالات التي هي الاساس في تكون الاطمئنان بعدم الانطباق.

واما الاستشكال الآخر فيتجه - بعد التسليم بوجود الاطمئنان المذكور - إلى ان هذا الاطمئنان بعدم الانطباق لما كان موجودا في كل طرف فالاطمئنانات معارضة في الحجية والمعذرية للعلم الاجمالي بان بعضها كاذب، والتعارض يؤدي إلى سقوط الحجية عن جميع تلك الاطمئنانات.

والجواب على ذلك: ان العلم الاجمالي بكذب بعض الامارات انما يؤدي إلى تعارضها وسقوطها عن الحجية لاحد سببين: الاول: - ان يحصل بسبب ذلك تكاذب بين نفس الامارات فيدل كل واحدة منها بالالتزام على وجود الكذب في الباقي ولا يمكن التعبد بحجية المتكاذبين. الثاني: - ان تؤدي حجية تلك الامارات - والحالة هذه - إلى الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال. وكلا السببين غير متوفر في المقام.

اما الاول: فلان كل اطمئنان لا يوجد ما يكذبه بالدلالة الالتزامية، لأننا إذا أخذنا اي اطمئنان آخر معه لم نجد من المستحيل ان يكونا معا صادقين فلماذا يتكاذبان، وإذا اخذنا مجموعة الاطمئنانات الاخرى لم نجد تكاذبا ايضا لان هذه المجموعة لا تؤدي إلى الاطمئنان بمجموع متعلقاتها اي الاطمئنان بعدم الانطباق على سائر الاطراف المساوق للاطمئنان بالانطباق على غيرها، وذلك لما برهنا عليه من ان كل اطمئنانين لا يتضمنان الاطمئنان بالقضية الشرطية لا يؤدي اجتماعهما إلى الاطمئنان بالمجموع، الاطمئنانات الناشئة من حساب الاحتمال هنا من هذا القبيل كما عرفت.

واما الثاني: فلان الترخيص في المخالفة القطعية انما يلزم لو كان دليل حجية هذه الاطمئنانات يقتضى الحجية التعيينية لكل واحد منها، غير ان الصحيح ان مفاده هو الحجية التخييرية لان دليل الحجية هنا هو السيرة العقلائية وهي منعقدة على الحجية بهذا المقدار.

التقريب الثاني: ان الركن الرابع(5) من اركان التنجيز المتقدمة مختل، وذلك لان جريان الاصول في كل اطراف العلم الاجمالي لا يؤدي إلى فسح المجال للمخالفة القطعية عمليا والاذن فيها، لأننا نفترض كثرة الاطراف بدرجة لا تتيح للمكلف اقتحامها جميعا وفي مثل ذلك تجري الاصول جميعا بدون معارضة. وهذا التقريب متجه على اساس الصيغة الاصلية التي وضعناها للركن الرابع فيما تقدم، واما على اساس صياغة السيد الاستاذ له السالفة الذكر فلا يتم لان المحذور في صياغته الترخيص القطعي في مخالفة الواقع وهو حاصل من جريان الاصول في كل الاطراف ولو لم يلزم الترخيص في المخالفة القطعية لعدم القدرة عليها.

ومن هنا يظهر ان الثمرة بين الصيغتين المختلفتين للركن الرابع تظهر في تقييم التقريب المذكور اثباتا ونفيا، غير ان السيد الاستاذ حاول ان ينقض على من يستدل بهذا التقريب، وحاصل النقض: ان الاحتياط إذا كان غير واجب في الشبهة غير المحصورة من اجل عدم قدرة المكلف على المخالفة القطعية يلزم عدم وجوب الاحتياط في كل حالة تتعذر فيها المخالفة القطعية ولو كان العلم الاجمالي ذا طرفين او اطراف قليلة حيث تجري الاصول جميعا ولا يلزم منها الترخيص عمليا في المخالفة القطعية، ومثاله: ان يعلم اجمالا بحرمة المكث في آن معين في احد مكانين، مع ان القائلين بعدم وجود الاحتياط في الشبهة غير المحصورة لا يقولون بذلك في نظائر هذا المثال.

والتحقيق ان الصيغة الاصلية للركن الرابع يمكن ان توضح بأحد بيانين:

البيان الاول: - ان عدم القدرة على المخالفة القطعية يجعل جريان الاصول في جميع الاطراف ممكنا لانه لا يؤدي - والحالة هذه - إلى الترخيص عمليا في المخالفة القطعية لأنها غير ممكنة حتى يتصور الترخيص فيها. وهذا البيان ينطبق على كل حالات العجز عن المخالفة القطعية، ولذلك يعتبر النقض واردا عليه. الا ان البيان المذكور غير صحيح لان المحذور في جريان الاصول في جميع اطراف العلم الاجمالي، هو ان تقديم المولى لاغراضه الترخيصية على اغراضه اللزومية الواصلة بالعلم الاجمالي على خلاف المرتكز العقلائي - كما تقدم توضيحه سابقا - ومن الواضح ان شمول دليل الاصل لكل الاطراف يعني ذلك، ومجرد اقترانه صدفة بعجز المكلف عن المخالفة القطعية لا يغير من مفاد الدليل، فالارتكاز العقلائي إذن حاكم بعدم الشمول كذلك.

البيان الثاني: - ان عدم القدرة على المخالفة القطعية إذا نشأ من كثرة الاطراف ادي إلى امكان جريان الاصول فيها جميعا، إذ في غرض لزومي واصل كذلك - بوصول مردد بين اطراف بالغة هذه الدرجة من الكثرة - لا يرى العقلاء محذورا في تقديم الاغراض الترخيصية عليه، لان التحفظ على مثل ذلك الغرض يستدعي رفع اليد عن اغراض ترخيصية كثيرة، ومعه لا يبقي مانع عن شمول دليل الاصل لكل الاطراف.

وهذا هو البيان الصحيح للركن الرابع وهو يثبت عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة ولا يرد عليه النقض.

وهكذا نخرج بتقريبين لعدم وجوب الاحتياط في اطراف الشبهة غير المحصورة، غير انهما يختلفان في بعض الجهات، فالتقريب الاول مثلا يتم حتى في الشبهة التي لا يوجد في موردها اصل مؤمن لان التأمين فيه مستند إلى الاطمئنان لا إلى الاصل، بخلاف التقريب الثاني كما هو واضح.

8 - إذا كان ارتكاب الواقعة في احد الطرفين غير مقدور:

 قد يفرض ان ارتكاب الواقعة غير مقدور ويعلم اجمالا بحرمتها او حرمة واقعة اخرى مقدورة وفي مثل ذلك لا يكون العلم الاجمالي منجزا. وتفصيل الكلام في ذلك ان القدرة تارة تنتفي عقلا كما إذا كان المكلف عاجز عن الارتكاب حقيقة، واخرى تنتفي عرفا بمعنى ان الارتكاب فيه من العنايات المخالفة للطبع والمتضمنة للمشقة ما يضمن انصراف المكلف عنه ويجعله بحكم العاجز عنه عرفا وان لم يكن عاجزا حقيقة، كاستعمال كأس من حليب في بلد لا يصل اليه عادة. ويسمى هذا العجز العرفي بالخروج عن محل الابتلاء. فان حصل علم اجمالي بنجاسة احد مائعين مثلا وكان احدهما مما لا يقدر المكلف عقلا على الوصول اليه فالعلم الاجمالي غير منجز، ويقال في تقريب ذلك عادة: ان الركن الاول منتف لعدم وجود العلم بجامع التكليف، لان النجس إذا كان هو المائع الذي لا يقدر المكلف على ارتكابه فليس موضوعا للتكليف الفعلي، لان التكليف الفعلي مشروط بالقدرة فلا علم اجمالي بالتكليف الفعلي إذن.

وكأن اصحاب هذا التقريب جعلوا الاضطرار العقلي إلى ترك النجس كالاضطرار العقلي إلى ارتكابه، فكما لا ينجز العلم الاجمالي مع الاضطرار إلى ارتكاب طرف معين منه - على ما مر في الحالة الثانية - كذلك لا ينجز مع الاضطرار العقلي إلى تركه، لان التكليف مشروط بالقدرة وكل من الاضطرارين يساوق انتفاء القدرة فلا يكون التكليف ثابتا على كل تقدير.

والتحقيق ان الاضطرارين يتفقان في نقطة ويختلفان في اخرى، فهما يتفقان في عدم صحة توجه النهي والزجر معهما فكما لا يصح ان يزجر المضطر إلى شرب المائع عن شربه كذلك لا يصح ان يزجر عنه من لا يقدر على شربه وهذا يعني انه لا علم اجمالي بالنهي في كلتا الحالتين، ولكنهما يختلفان بلحاظ مبادئ النهي من المفسدة والمبغوضية فان الاضطرار إلى الفعل يشكل حصة من وجود الفعل مغايرة للحصة التي تصدر من المكلف بمحض اختياره، فيمكن ان يفترض ان الحصة الواقعة عن اضطرار كما لا نهي عنها لا مفسدة ولا مبغوضية فيها وانما المفسدة والمبغوضية في الحصة الاخرى، واما الاضطرار إلى ترك الفعل والعجز عن ارتكابه فلا يشكل حصة خاصة من وجود الفعل على النحو المذكور، فلا معنى لافتراض ان الفعل المقدور للمكلف ليس واجدا لمبادئ الحرمة وانه لا مفسدة فيه ولا مبغوضية اذ من الواضح ان فرض وجوده مساوق لوقوع المفسدة وتحقق المبغوض، فكم فرق بين من هو مضطر إلى اكل لحم الخنزير لحفظ حياته ومن هو عاجز عن اكله لوجوده في مكان بعيد عنه؟ فاكل لحم الخنزير عن اضطرار اليه قد لا يكون فيه مبادئ النهي اصلا فيقع من المضطر بدون مفسدة ولا مبغوضية، واما اكل لحم الخنزير البعيد عن المكلف فهو واجد للمفسدة والمبغوضية لا محالة وعدم النهي عنه ليس لان وقوعه لا يساوق الفساد بل لانه لا يمكن ان يقع.

ونستخلص من ذلك ان مبادئ النهي يمكن ان تكون منوطة بعدم الاضطرار إلى الفعل ولكن لا يمكن ان تكون منوطة بعدم العجز عن الفعل، وعليه ففي حالة الاضطرار إلى الفعل في احد طرفي العلم الاجمالي - كما في الحالة الثانية المتقدمة يمكن القول بانه لا علم اجمالي بالتكليف لا بلحاظ النهي ولا بلحاظ مبادئه، واما في حالة الاضطرار بمعنى العجز عن الفعل في احد طرفي العلم الاجمالي - كما في المقام - فالنهي وان لم يكن ثابتا على كل تقدير ولكن مبادئ النهي معلومة الثبوت اجمالا على كل حال، فالركن الاول ثابت لان العلم الاجمالي بالتكليف يشمل العلم الاجمالي بمبادئه، ويجب ان يفسر عدم التنجيز على اساس اختلال الركن الثالث إما بصيغته الاولى حيث ان الاصل المؤمن في الطرف المقدور يجري بلا معارض إذ لا معنى لجريانه في الطرف غير المقدور لان اطلاق العنان تشريعا في مورد تقيد العنان تكوينا لا محصل له. واما بصيغته الثانية حيث ان العلم الاجمالي ليس صالحا لتنجيز معلومه على كل تقدير لان التنجيز هو الدخول في العهدة عقلا والطرف غير المقدور لا يعقل دخوله في العهدة.

هذا كله فيما إذا كان احد طرفي العلم الاجمالي غير مقدور، واما إذا كان خارجا عن محل الابتلاء فقد ذهب المشهور إلى عدم تنجيز العلم الاجمالي في هذه الحالة، واستندوا إلى ان الدخول في محل الابتلاء شرط في التكليف فلا علم اجمالي بالتكليف في الحالة المذكورة، فالعجز العقلي عن ارتكاب الطرف وخروجه عن محل الابتلاء يمنعان معا عن تنجيز العلم الاجمالي بملاك واحد عندهم، وقد عرفت ان التقريب المذكور غير صحيح في العجز العقلي فبطلانه في الخروج عن محل الابتلاء اوضح. بل الصحيح ان الدخول في محل الابتلاء ليس شرطا في التكليف بمعنى الزجر فضلا عن المبادئ، إذ ما دام الفعل ممكن الصدور من الفاعل المختار فالزجر عنه معقول.

فان قيل: ما فائدة هذا الزجر مع ان عدم صدوره مضمون لبعده وصعوبته.

كان الجواب انه يكفي فائدة للزجر تمكين المكلف من التعبد بتركه، فالأفضل ان يفسر عدم تنجيز العلم الاجمالي مع خروج بعض اطرافه عن محل الابتلاء باختلال الركن الثالث لان اصل البراء ة لا يجري في الطرف الخارج عن محل الابتلاء في نفسه، لان الاصل العملي تعيين للموقف العملي تجاه التزاحم بين الاغراض اللزومية والترخيصية، والعقلاء لا يرون تزاحما من هذا القبيل بالنسبة إلى الطرف الخارج عن محل الابتلاء، بل يرون الغرض اللزومي المحتمل مضمونا بحكم الخروج عن محل الابتلاء بدون تفريط بالغرض الترخيصي، فالأصل المؤمن في الطرف الآخر يجري بلا معارض.

9 - العلم الاجمالي بالتدريجيات:

إذا كان احد طرفي العلم الاجمالي تكليفا فعليا والطرف الاخر تكليفا منوطا بزمان متأخر سمي هذا العلم بالعلم الاجمالي بالتدريجيات، ومثاله علم المرأة اجمالا - إذا ضاعت عليها ايام العادة - بحرمة المكث في المسجد في بعض الايام من الشهر.

وقد استشكل بعض الاصوليين في تنجيز هذا العلم الاجمالي، ويستفاد من كلماتهم امكان تقريب الإستشكال بوجهين:

 الاول: - ان الركن الاول مختل، لان المرأة في بداية الشهر لا علم اجمالي لها بالتكليف الفعلي لأنها إما حائض فعلا فالتكليف فعلي، واما ستكون حائضا في منتصف الشهر مثلا فلا تكليف فعلا، فلا علم بالتكليف فعلا على كل تقدير وبذلك يختل الركن الاول.

الثاني: - ان الركن الثالث مختل، أما اختلاله بصيغته الاولى فتقريبه ان المرأة في بداية الشهر تحتمل حرمة المكث فعلا وتحتمل حرمة المكث في منتصف الشهر مثلا، ولما كانت الحرمة الاولى محتملة فعلا ومشكوكة فهي مورد للأصل المؤمن، واما الحرمة الثانية فهي وان كانت مشكوكة ولكنها ليست موردا للأصل المؤمن فعلا في بداية الشهر اذ لا يحتمل وجود الحرمة الثانية في اول الشهر وانما يحتمل وجودها في منتصفه فلا تقع موردا للأصل المؤمن الا في منتصف الشهر، وهذا يعنى ان المرأة في بداية الشهر تجد الاصل المؤمن عن حرمة المكث فعلا جاريا بلا معارض وهو معنى عدم التنجيز.

واما اختلاله بصيغته الثانية فلان الحرمة المتأخرة لا تصلح ان تكون منجزة في بداية الشهر لان تنجز كل تكليف فرع ثبوته وفعليته، ففي بداية الشهر لا يكون العلم الاجمالي صالحا لتنجيز معلومه على كل تقدير. والصحيح ان الركن الاول والثالث كلاهما محفوظان في المقام.

اما الركن الاول فلان المقصود بالفعلية في قولنا (العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي) ليس وجود التكليف في هذا الآن، بل وجوده فعلا في عمود الزمان احترازا عما إذا كان المعلوم جزء الموضوع للتكليف دون جزئه الآخر، فانه في مثل ذلك لا علم بتكليف فعلي ولو في زمان، فالجامع بين تكليف في هذا الآن وتكليف يصبح فعليا في آن متأخر لا يقصر - عقلا - وصوله عن وصول الجامع بين تكليفين كلاهما في هذا الآن لان مولوية المولى لا تختص بهذا الآن كما هو واضح. واما الركن الثالث بصيغته الاولى فلان الاصل المؤمن الذي يراد اجراؤه عن الطرف الفعلي بالأصل الجاري في الطرف الآخر المتأخر في ظرفه، إذ ليس التعارض بين اصلين من قبيل التضاد بين لونين يشترط في حصوله وحدة الزمان، بل مرده إلى العلم بعدم امكان شمول دليل الاصل لكل من الطرفين بالنحو المناسب له من الشمول زمانا، وحيث لا مرجح للأخذ بدليل الاصل في طرف دون طرف فيتعارض الاصلان. واما الصيغة الثانية للركن الثالث: فلان المقصود من كون العلم الاجمالي صالحا لمنجزية معلومه على كل تقدير كونه صالحا لذلك ولو على امتداد الزمان لا في خصوص هذا الآن. وهكذا يتضح ان الشبهات التي حامت حول تنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات موهونة جدا غير ان جماعة من الاصوليين وقعوا تحت تأثيرها، فذهب بعضهم إلى عدم التنجيز ورخص في ارتكاب الطرف الفعلي ما دام الطرف الآخر متأخرا، وذهب البعض الآخر إلى عدم الترخيص بإبراز علم إجمالي بالجامع بين طرفين فعليين، كالمحقق العراقي إذ اجاب على شبهات عدم التنجيز بوجود علم اجمالي آخر غير تدريجي الاطراف.

وتوضيحه ان التكليف اذا كان في القطعة الزمانية المعاصرة فهو تكليف فعلي واذا كان في قطعة زمانية متأخرة فوجوب حفظ القدرة إلى حين مجيء ظرفه فعلي لما يعرف من مسألة وجوب المقدمات المفوتة من عدم جواز تضييع الانسان لقدرته قبل مجيء ظرف الواجب، وهكذا يعلم اجمالا بالجامع بين تكليفين فعليين فيكون منجزا.

ونلاحظ على هذا أولا: - ان التنجيز ليس بحاجة إلى ابراز هذا العلم الاجمالي لما عرفت من تنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات.

وثانيا: - ان وجوب حفظ القدرة إنما هو بحكم العقل كما تقدم في مباحث المقدمة المفوتة، وحكم العقل بوجوب حفظ القدرة لامتثال تكليف فرع تنجز ذلك التكليف، فلا بد في المرتبة السابقة على وجوب حفظ القدرة، من وجود منجز للتكليف الآخر ولا منجز له كذلك الا العلم الاجمالي في التدريجيات.

وثالثا: - ان المنجز إذا كان هو العلم الاجمالي بالجامع بين التكليف الفعلي ووجوب حفظ القدرة لامتثال التكليف المتأخر. فهو لا يفرض سوى عدم تفويت القدرة، وأما تفويت ما يكلف به في ظرفه المتأخر بعد حفظ القدرة فلا يمكن المنع عنه بذلك العلم الاجمالي وانما يتعين تنجز المنع عنه بنفس العلم الاجمالي في التدريجيات وهو ان كان منجزا لذلك ثبت تنجيزه لكلا طرفيه.

10 - الطولية بين طرفي العلم الاجمالي:

قد يكون الطرفان للعلم الاجمالي طوليين بان كان احد التكليفين مترتبا على عدم الآخر، من قبيل ان نفرض ان وجوب الحج مترتب على عدم وجوب وفاء الدين وعلم اجمالا بأحد الامرين وهذا له صورتان:

الاولى: - ان يكون وجوب الحج مترتبا على مطلق التأمين عن وجوب وفاء الدين ولو بالأصل.

الثانية: - ان يكون وجوب الحج مترتبا على عدم وجوب وفاء الدين واقعا.

اما الصورة الاولى: فليس العلم الاجمالي منجزا فيها بلا ريب لانهدام الركن الثالث لان الاصل المؤمن عن وجوب وفاء الدين يجري ولا يعارضه الاصل المؤمن عن وجوب الحج، لان وجوب الحج يصبح معلوما بمجرد اجراء البراء ة عن وجوب الوفاء فلا موضوع للأصل فيه.

فان قيل: هذا يتم بناء على انكار علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية واستناد عدم جريان الاصل في بعض الاطراف إلى التعارض.. فما هو الموقف بناء على علية العلم الاجمالي واستحالة جريان الاصل المؤمن في بعض الاطراف ولو لم يكن له معارض؟.

والجواب: ان هذه الاستحالة انما هي باعتبار العلم الاجمالي، ويستحيل في المقام ان يكون العلم الاجمالي مانعا عن جريان الاصل المؤمن عن وجوب الوفاء، لانه متوقف على عدم جريانه اذ بجريانه يحصل العلم التفصيلي بوجوب الحج وينحل العلم الاجمالي، وما يتوقف على عدم شئ يستحيل ان يكون مانعا عنه، فالأصل يجري إذن حتى على القول بالعلية.

واما الصورة الثانية: فيجري فيها ايضا الاصل المؤمن عن وجوب الوفاء ولا يعارض بالأصل المؤمن عن وجوب الحج، لان ذلك الاصل ينقح بالتعبد موضوع وجوب الحج فيعتبر اصلا سببيا بالنسبة إلى الاصل المؤمن عن وجوب الحج، والاصل السببي مقدم على الاصل المسببي.

وهكذا نعرف ان حكم الصورتين عمليا واحد ولكنهما يختلفان في ان الاصل في الصورة الاولى بجريانه في وجوب الوفاء يحقق موضوع وجوب الحج وجدانا ويوجب انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي، ومن هنا كان وجود العلم الاجمالي متوقفا على عدم جريانه كما عرفت. واما في الصورة الثانية: فلا يحقق ذلك لان وجوب الحج مترتب على عدم وجوب الوفاء واقعا وهو غير محرز وجدانا وانما يثبت تعبدا بالأصل دون ان ينشأ علم تفصيلي بوجوب الحج، ولهذا لا يكون جريان الاصل في

الصورة الثانية موجبا لانحلال العلم الاجمالي وبالتالي لا يكون وجود العلم الاجمالي متوقفا على عدم جريانه، ومن اجل ذلك قد يقال هنا بعدم جريان الاصل المؤمن عن وجوب الوفاء على القول بالعلية لان مانعية العلم الاجمالي عن جريانه ممكنة لعدم توقف العلم الاجمالي على عدم جريانه.

وهناك فارق آخر بين الصورتين، وهو انه في الصورة الاولى يجري الاصل المؤمن عن وجوب الحج سواء كان تنزيليا او لا، ويحقق على اي حال موضوع وجوب الحج وجدانا... واما في الصورة الثانية فانما يجري اذا كان تنزيليا بمعنى ان مفادة التعبد بعدم التكليف المشكوك واقعا، وذلك لان الاصل التنزيلي هو الذي يحرز لنا تعبدا موضوع وجوب الحج فيكون بمثابة الاصل السببي. لنسبة إلى الاصل المؤمن عن وجوب الحج، واما الاصل العملي البحت فلا يثبت به تعبدا العدم الواقعي لوجوب الوفاء فلا يكون حاكما على الاصل الجاري في الطرف الآخر بل معارضا.

تلخيص للقواعد الثلاث:

خرجنا حتى الان بثلاث قواعد فالقاعدة العملية الاولى قاعدة عقلية وهي اصالة الاشتغال على مسلك حق الطاعة. والبراءة على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان. والقاعدة العملية الثانية الحاكمة هي البراء ة الشرعية. والقاعدة العملية الثالثة منجزية العلم الاجمالي اي تنجز الاحتمال المقرون بالعلم الاجمالي وعدم جريان البراءة عنه.

_____________

(1) [أركان منجزية العلم الإجمالي].

(2) [الركن الأول: وجود العلم بالجامع].

(3) [الركن الثالث : أن يكون كل من الطرفين مشمولا فى نفسه وبقطع النظر عن التعارض الناشىء من العلم الإجمالي لدليل الاصل المؤمن].

(4) [الركن الثاني : وقوف العلم على الجامع وعدم سرايته الى الفرد].

(5) [الركن الرابع : أن يكون جريان البراءة فى كل من الطرفين مؤديا الى الترخيص فى المخالفة القطعية وإمكان وقوع خارجا على وجه مأذون فيه].




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.