المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

إلياس بن هشام الحائري(ت / حدود 540 هـ)
28-4-2016
الوسائل شبه الموصلة Semiconductor Devices
17-1-2020
تأسيس الاصل عند الشك في الحجية
4-9-2016
وكالات الأنباء الدولية
16-8-2022
مدينة المرية وما تشتهر به
3-4-2022
Binary Tree
20-5-2022


التكلم  
  
1070   08:57 صباحاً   التاريخ: 25-10-2014
المؤلف : الدكتور عبد الهادي الفضلي
الكتاب أو المصدر : خلاصة علم الكلام
الجزء والصفحة : ص 117 ــ 139
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / التكلم و الصدق /

الموضوع : التكلم .

لا خلاف بين المسلمين في أن اللّه تعالى متكلم.  

وقد دل على ذلك أيضاً من القرآن الكريم قوله تعالى : {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وقوله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] ، وأمثال هاتين الآيتين.

 

ولكن اختلفوا في ماهية وحقيقة كلامه تعالى :

فذهبت الأشاعرة الى أن كلامه تعالى : «وصف قائم بذاته ليس بصوت ولا حرف، بل لا يشبه كلامه كلام غيره، كما لا يشبه وجوده وجود غيره»(1).

«والكلام بالحقيقة كلام النفس، وانما الاصوات قطعت حروفاً للدلالات، كما يدل عليها تارة بالحركات والاشارات»(2).

وقال الرازي في (المحصل) : «اما اصحابنا فقد اتفقوا على أن اللّه تعالى ليس بمتكلم بالكلام الذي هو الحروف والأصوات، بل زعموا أنه متكلم بكلام النفس»(3).

وعبّروا عنه بـ (الكلام النفسي) و(الكلام الازلي) وقالوا عنه : إنه معنى قائم في ذات المتكلم به.

والألفاظ - في الحقيقة - ليست كلاماً، وانما هي دوال على ذلك المعنى القائم في النفس (أو الكلام النفسي) الذي هو الكلام حقيقة.

واستشهدوا لذلك بقول الأخطل :

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً

فان الشاعر هنا اعتبر ما في النفس هو الكلام، والألفاظ اللسانية دوال عليه.

وذهبت الفرق الاسلامية الأخرى أمثال : الأمامية والمعتزلة والزيدية والاباضية والسلفية الى أن الكلام هو هذا الذي نعرفه، وهو الكلمات المؤلفة من الأصوات والحروف. ويمكننا أن نسميه (الكلام اللفظي) في مقابل (الكلام النفسي).

 

وخلاصة ما استدل به الاشاعرة :

1 - أننا ندرك وجداناً أن المتكلم عندما يتكلم بلغة الألفاظ انما يعبر بها عن فكرة عنده أو إحساس لديه.

أي انه يعبر بالكلام اللفظي عما يحمل ويعتمل في نفسه من أفكار وأحاسيس، وهذا من الأمور الواضحة.

 

2 - ان الكلام اللفظي مركب من الأصوات والحروف، ومن البديهي ان كل مركب حادث، فيكون من المستحيل أن تتصف به الذات الالهية لاستحالة اتصاف القديم بالصفة الحادثة، فلا مناص إذاً من الالتزام بالكلام النفسي لأنه قديم، ليصح اطلاق المتكلم على اللّه سبحانه باعتبار اتصافه به.

 

واستدل للقول الآخر - وهو أن الكلام هو المركب اللفظي - بما يلي:

 

1- التبادر:

وذلك ان المتبادر الى الذهن عند اطلاق عبارة (كلام) هو هذا المركب اللفظي.

والتبادر دليل أن الكلمة حقيقة في المعنى المتبادر.

كما أننا نرى ابناء اللغة لا يقولون للساكت وكذلك للأخرس إنه متكلم، مع أن المعاني قائمة في نفسه.

وما هذا الا لأنه لا يستخدم الألفاظ وسيلة لإبرازها، وإنما يتوسل الى ذلك بالإشارة وأمثالها مما لا يعد كلاماً.

 

2- عدم التعقل:

وهو أن الكلام النفسي الذي يقول به الأشعريون مما لا يمكن تصوره وتعقله في الذهن.

وذلك لأن المتصور عقلاً من الصفات الالهية التي يمكن أن يرتبط بها الكلام ويكون أثراً من آثارها إما القدرة التي يمكن أن تصدر عنها الحروف والأصوات، أو العلم.

والأشعرية نصوا على أن ما لا يمكن تصوره لا يمكن إثباته، لأن الاثبات تصديق، والتصديق لا بد أن يُسبق بالتصور. وحيث لا تصور لا تصديق، أي لا اثبات، وحينئذ يبطل القول بالكلام النفسي لأنه لا يمكن تعقله ليمكن اثباته.

وعندما يبطل القول بالكلام النفسي يتعين القول الآخر، وهو المطلوب.

غير أن السلفيين تفردوا من بين الفرق الاسلامية المذكورة بالقول بان الكلام اللفظي قديم قائم بذاته تعالى.

 

والموازنة بين الرأيين تنهينا الى التالي :

1 - ان المتكلم عند الاشاعرة والسلفية هو : من قام به الكلام. وعند الآخرين هو : من فعل الكلام.

 

2 - ان المعنى النفسي الذي يؤكد عليه الأشاعرة لا يخلو ان يكون واحداً من الأمور التالية:

 

أ - أن يكون هو الوجود الذهني.

ويفهم هذا من قولهم (ان الالفاظ دوال على المعاني النفسية)، ذلك أن الألفاظ - كما هو معلوم - تعبّر وتدل على المعنى الذهني أي الموجود في الذهن.

وكل ما في الأمر أنهم عبّروا عن الذهن بـ (النفس).

وعليه يعود الخلاف بين الطرفين لفظياً.

ولكن قد يلاحظ : انه لو كان هو المراد لما وقع الخلاف - وبعنف - في المسألة.

 

ب - ان يكون شيئاً آخر غير الوجود الذهني، له سمته وطابعه الخاص به.

ويفهم هذا من قولهم : (لا يشبه كلامه كلام غيره كما لا يشبه وجوده وجود غيره).

وهذا مما لا يتعقل ولا يتصور، كما تقدم في الدليل الثاني للقول الثاني.

وما لا يتصور لا يمكن الحكم عليه بالوصفية أو غيرها.

ومن هنا لا إخال أنه المقصود لهم.

 

ح - ان يكون مقصودهم من الكلام : التكلم.

ويفهم هذا من قولهم بانه (وصف).

واقول هذا، لأن الكلام بما هو أثر لا يمكن الاتصاف به، أي لا يمكن أن يكون صفة للذات الا اذا قلنا إن المراد به هو (التكلم).

ولذا يقال : (اللّه متكلم)، ولا يقال : (اللّه كلام). وهذا هو الأقرب في تحليل

وبيان مرادهم من الكلام النفسي.

 

ولكن على اساس هذا يشكل عليهم :

بان التكلم من الصفات الفعلية لا الذاتية.

والفرق بين الصفة الفعلية والصفة الذاتية هو : أن الصفة الذاتية (مثل القدرة والعلم والحياة) يستحيل اتصاف الذات الالهية بنقيضها، فلا يقال : (اللّه عالم بكذا) و (ليس عالماً بكذا).

أما الصفات الفعلية (مثل الخلق والرزق) فيمكن اتصاف الذات الالهية بها في حال وبنقيضها في حال آخر، فيقال : (ان اللّه خلق كذا ولم يخلق كذا) ويقال : (ان اللّه رزق فلاناً ولداً ذكراً ولم يرزقه بنتاً).

والتكلم مثل الخلق والرزق، فانه يصح أنه يقال : (كلم اللّه موسى ولم يكلم فرعون) ويقال : (كلم اللّه موسى في جبل طور ولم يكلمه في بحر النيل).

وهذه التفرقة بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية لم تتضح في الدرس العقائدي الا بعد نضج الفكر الاعتزالي وانتشار الفكر الامامي.

وممن أشار الى أن المتقدمين من العقائديين لم يفرقوا بينهما التفرقة المذكورة ابو الفتح الشهرستاني، قال في كتابه (الملل والنحل)(4) : «إعلم أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون للّه تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والارادة والسمع والبصر والكلام والجلال والاكرام والجود والانعام والعزة والعظمة، ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل، بل يسوقون الكلام سوقاً واحداً».

 

وبثبوت ان التكلم صفة فعلية يترتب عليه أننا نستطيع أن نتصور هنا ثلاثة امور هي :

متكلم وتكلم وكلام ، كما نتصور : خالقاً وخلقاً ومخلوقاً، ورازقاً ورِزْقاً ومرزوقاً. والأول يعبّر عن الموصوف، والثاني عن الصفة، والثالث عن الأثر.

وهذا يعني أن هناك فرقاً بين (التكلم) و(الكلام) هو الفرق بين الصفة وأثرها.

والذي يبدو لي أن الذي ألجأ الأشاعرة الى التعبير عن هذه الصفة بـ (الكلام) ولم يعبروا عنها ب(التكلم) هو اصرارهم على ان القرآن الكريم غير مخلوق، وهو (كلام اللّه)، كما عبّر عنه تعالى في مثل قوله : { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] ، وقوله : {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ، وكما هو الحق.

لأنهم اذا فسروا الكلام بالكلام اللفظي لا مناص لهم من القول بحدوث القرآن وأنه مخلوق، لأن القول بقدم الكلام اللفظي يستلزم ان يكون اللّه تعالى محلاً للحوادث، لأن الحروف والأصوات من المركبات، والمركبات حوادث بالضرورة.

وهم لا يريدون ذلك، وبخاصة انهم يقولون بحدوث الكلام اللفظي، وانما الذي يريدونه - وبإصرار - تأييد فكرة أو معتقد أن القرآن أزلي فقط.

تلك الفكرة التي قال بها قبلهم الحنابلة، وجرّت عليهم من الويل والعذاب من قبل السلطة الحاكمة آنذاك الشيء الكثير.

من هنا أصرّوا على أزلية كلام اللّه تعالى الا انهم أرادوا أن يبتعدوا بالفكرة عما قد تنقد به من لزوم : الوقوع في محذور أن يكون اللّه تعالى محلاً للحوادث فجاؤوا بفكرة الكلام النفسي، وقالوا بأزليته وقدمه، ليحافظوا على فكرة أزلية القرآن الكريم التي أصبحت بعد معركة خلق القرآن معلمة مذهبية من معالم العقيدة عند السنة.

 

ونخلص من هذا الى :

أ - ان التكلم هو الصفة.

ب - أما الكلام فهو فعل من أفعاله تعالى يحدثه ويخلقه في الأجسام اذا أراد مخاطبة المخلوقين بالأمر والنهي والوعد والوعيد والزجر والترغيب - كما يقول القاضي المعتزلي عبد الجبار الهمداني(5).

ويقول الشيخ المفيد المتكلم الأمامي : «متكلم لا بجارحة، بمعنى أنه يوجد حروفاً وأصواتاً في جسم من الأجسام تدل على المعاني المطلوبة، كما فعل في الشجرة حين خاطبه موسى – عليه السلام -»(6).

ويقول القاسم الرسي الزيدي : «ومعنى كلامه جل ثناؤه لموسى - صلوات اللّه عليه - عند أهل الايمان والعلم : أنه أنشأ كلاماً خلقه كما شاء فسمعه موسى - صلى اللّه عليه - وفهمه.

وكل مسموع من اللّه فهو مخلوق لأنه غير الخالق له.

وإنما ناداه اللّه جل ثناؤه فقال : {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30] ، والنداء غير المنادي، والمنادي بذلك هو اللّه جل ثناؤه، والنداء غيره.

وما كان غير اللّه مما يعجز عنه الخلائق فمخلوق لأنه لم يكن ثم كان باللّه وحده لا شريك له»(7).

 

ح - ان المعتزلة والامامية والزيدية والاباضية يذهبون الى أن الكلام قائم بغير الذات المقدسة.

 

ع - ان الأشعرية والسلفية يذهبون الى أن الكلام قائم بذاته تعالى، مع فارق :

أن القائم بالذات عند الاشاعرة هو المعني الأزلي (الكلام النفسي)، وعند السلفية الحروف والأصوات (الكلام اللفظي).

 

خلق القرآن :

ترتبط هذه المسألة بالمسألة التي قبلها ارتباطاً وثيقاً وعريقاً، فمن قال بأزلية كلام اللّه تعالى قال هنا بقدم القرآن وإنه غير مخلوق، ومن قال بحدوث كلام اللّه تعالى قال بحدوث القرآن وخلقه.

 

والأقوال في المسألة مع خلاصات أدلتها هي :

 

1 - الحنابلة (السلفية) :

قالوا : القرآن هو هذه الألفاظ المقروءة بالألسنة والمحفوظة في الصدور والمكتوبة في الصحف والمطبوعة على الورق والمسجلة على الأشرطة.

فالذي نقرأه هو كلام اللّه تعالى الأزلي القديم القائم بذاته تعالى، إلا أن قراءتنا تكون له بأصواتنا.

وقراءتنا له بأصواتنا لا تخرجه عن كونه كلام اللّه الذي تكلم به بحروفه ومعانيه، ليست الألفاظ دون المعاني، ولا المعاني دون الألفاظ(8).

ودليلهم على هذا :

اجماع السلف على أن القرآن الكريم أزلي غير مخلوق، وأنه هو هذا الذي بين أظهرنا نبصره ونسمعه ونقرأه ونكتبه.

وقالوا : «ونحن لا نزيد من أنفسنا شيئاً، ولا نتدارك بعقولنا أمراً لم يتعرض له السلف.

قال السلف : ما بين الدفتين كلام اللّه.

قلنا : هو كذلك.

واستشهدوا بقوله تعالى : {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6].

إذ من المعلوم أنه لم يسمع الا هذا الذي نقرأه(9).

وتعقبهم الفخر الرازي بالرد، فقال : «أطبق العقلاء على أن الذي قالوه جحد للضروريات، ثم الذي يدل على بطلانه وجهان :

الوجه الأول أنه إما ان يقال إنه تكلم بهذه الحروف دفعة واحدة أو على التعاقب.

فان كان الأول لم يحصل منها هذه الكلمات التي نسمعها ، لأن التي نسمعها حروف متعاقبة، فحينئذ لا يكون هذا القرآن المسموع قديماً.

وان كان الثاني فالأول لما انقضى كان محدثاً لأن ما ثبت عدمه امتنع قدمه، والثاني لما حصل بعد عدمه كان حادثاً.

والوجه الثاني : ان هذه الحروف والأصوات قائمة بألسنتنا وحلوقنا، فلو كانت هذه الحروف والأصوات نفس صفة اللّه تعالى لزم أن تكون صفة اللّه وكلمته حالّة في ذات كل أحد من الناس.

واحتجوا على قولهم بان كلام اللّه تعالى مسموع بدليل قوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]، وهذا يدل على أن كلام اللّه مسموع.

فلما دل الدليل على أن كلام اللّه قديم وجب أن تكون هذه الحروف المسموعة قديمة.

 

والجواب :

ان المسموع هو هذه الحروف المتعاقبة، وكونها متعاقبة يقتضي أنها حدثت بعد

انقضاء غيرها.

 

ومتى كان الأمر كذلك كان العلم الضروري حاصلاً بامتناع كونها قديمة»(10).

وخلاصة ما قرره الرازي : ان قول السلفية بقدم القرآن (وهو الذي بين الدفتين) يلزمه امران ممتنعان على الذات الالهية هما :

أ - ان يكون القديم محلاً للحوادث.

ب - ان يحل القديم في الحادث.

 

2 - الأشاعرة :

قالوا : «القرآن كلام اللّه تعالى غير مخلوق، وهو مكتوب في مصاحفنا، محفوظ في قلوبنا، مقروء بألسنتنا، مسموع بآذاننا، غير حالّ فيها»(11).

ومعنى غير حالّ فيها : ان الكلام الدال غير الكلام المدلول عليه، لأنهم - كما تقدم - يذهبون الى أن «العبارات والألفاظ المنزلة على لسان الملائكة الى الأنبياء (عليهم السلام) دلالات على الكلام الأزلي، والدلالة مخلوقة محدثة، والمدلول قديم أزلي.

والفرق بين القراءة والمقروء، والتلاوة والمتلو، كالفرق بين الذكر والمذكور، فالذكر محدث والمذكور قديم»(12).

 

وخلاصة ما استدلوا به على ذلك ما يلي :

 

أ - من العقل :

1 - «ان الكلام من صفات الكمال، فلو كان محدثاً لكانت (الذات الالهية) خالية عن صفات الكمال قبل حدوثه. والخالي عن الكمال ناقص. وذلك على اللّه محال».

 

2 - «ان الكلام لو كان حادثاً لكان : إما أن يقوم بذات اللّه أو بغيره. أو لا يقوم بمحل.

فلو قام بذات اللّه تعالى لزم كونه محلاً للحوادث، وهو محال. وان قام بغيره فهو أيضاً محال، لأنه لو جاز ان يكون متكلماً بكلام قائم بغيره لجاز ان يكون متحركاً بحركة قائمة بغيره، وساكناً بسكون قائم بغيره، وهو محال.

وان وجد ذلك الكلام لا في محل فهو باطل بالاتفاق»(13).

 

ب - من القرآن :

1 - قوله تعالى : {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4]. قال ابو الحسن الأشعري : «يعني من قبل أن يخلق الخلق، ومن بعد ذلك، وهذا يوجب أن الأمر غير مخلوق»(14).

وقال الفخر الرازي : «فأثبت الأمر للّه من قبل جميع الأشياء، فلو كان أمر اللّه مخلوقاً لزم حصول الأمر قبل نفسه، وهو محال»(15).

 

2 - قوله تعالى : { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] بتقرير أن اللّه تعالى «ميّز بين الخلق وبين الأمر، فوجب أن لا يكون الأمر داخلاً في الخلق»(16)

أو كما أفاد الأشعري بانه تعالى «لما قال : { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ} كان هذا في جميع الخلق، ولما قال {وَالْأَمْرُ}  ذكر أمراً غير جميع الخلق فدل ما وصفنا على أن أمر اللّه غير مخلوق»(17)

 

3 - قوله تعالى : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40].

قال الأشعري : «ومما يدل من كتاب اللّه على أن كلامه غير مخلوق قوله عز وجل : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] ، فلو كان القرآن مخلوقاً لوجب ان يكون مقولاً له : كن فيكون. ولو كان اللّه عز وجل قائلاً للقول : كن، كان للقول قول.

 

وهذا يوجب أحد أمرين :

1 - إمّا أن يؤول الأمر الى أن قول اللّه غير مخلوق.

2 - أو يكون كل قول واقعاً بقول لا الى غاية (نهاية). وذلك محال.

واذا استحال ذلك صح وثبت أن للّه عز وجل قولاً غير مخلوق»(18).

 

ويُرد استدلالهم بما حاصله :

1 - ان الصفة هي التكلم لا الكلام، والكل متفقون على أن التكلم أزلي.

أما القرآن الكريم أو كلام اللّه عامة فهو أثر تلك الصفة لا هو نفسه الصفة.

وعلى هذا فما يقال في الأثر من الحدوث وأمثاله من الأحكام، لا يقال في الصفة وذلك للفرق بينهما.

فانه مما لا شك فيه ان الانسان مخلوق للّه تعالى.

ومما لا شك فيه أيضاً أن هناك فرقاً بينه وبين صفة الخلْق لانه أثرها.

وفي ضوئه : تقول : فكما يصح أن نحكم على الانسان بانه حادث وعلى صفة الخلق بانها قديمة.. يصح هنا أن نحكم على الكلام بانه حادث، وعلى صفة التكلم بانها قديمة.

 

2 - ان القائلين بحدوث القرآن عندما يقولون : إن اللّه تعالى أحدثه وخلقه قائماً بغيره، ينفون اتصافه تعالى بالحركة والسكون عندما يحدثه لأنه سبحانه لم يحدثه بجارحة، تعالى عن ذلك.

فالقياس بنا في إحداثنا للكلام قياس مع الفارق.

والى هذا أشار امير المؤمنين (عليه السلام) بقوله : «ولا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، الذي كلّم موسى تكليماً، وأراه من آياته عظيماً، بلا جوارح ولا أدوات ولا نطق ولا لهوات».

3 - ان كلمتي (قبل) و(بعد) من الأسماء الملازمة للإضافة، وهذا متفق عليه في علم العربية والاستعمال لهما قديماً وحديثاً.

ويُحدَّد ويُعيَّن ما تضافان اليه في ضوء ما تقترنان به من قرائن.

والآية الكريمة وردت في السياق التالي : {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ } [الروم: 1 - 4].

فقرينة السياق هنا تنهي الى أن المضاف اليه هو (الغلب) أي (للّه الأمر من قبل غلب الروم ومن بعد غلبهم).

وبهذا فسرت الآية، وتفسر.

فتقدير المضاف اليه (من قبل ان يخلق الخلق ومن بعد ذلك) كما يقول الاشعري، أو (من قبل جميع الاشياء) كما يقول الرازي، يتطلب لأجل ان يتم الاستدلال به ويصح، أمرين :

 

أ - إبطال قرينة السياق.

 

ب - اقامة الدليل على أن المضاف اليه هو ما ذكراه. وهما لم يقوما بشيء من هذا، وانما أفتيا فتيا لم يذكرا دليلها.

ثم إن (الامر) في الآية الكريمة، اريد به (التصرف والقدرة)، وبه فسرت الكلمة وتفسر.

فلم يُرد به القول أو الكلام.

وقرينة السياق تدل على ذلك.

فالمعنى : «له الامر حين غُلبوا وحين يغلبون، ليس شيء منهما الا بقضائه» كما يقول البيضاوي(19).

وهنا نقول ايضاً لا يتم الاستدلال ويصح الا اذا ثبت بالدليل القاطع أن المراد بالامر القول والكلام.

ولا أقل من احتمال أن المضاف اليه ما ذكرنا، وأن الأمر هنا بمعنى القدرة.

ومتى تطرق الاحتمال بطل الاستدلال.

 

4 - قوله تعالى {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] هو من الآية الكريمة {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54].

وسياق الآية الكريمة يدل على أن قوله (والأمر) مراد به نفس المراد من قوله (بأمره).

ومعنى (بأمره) كما تدل عليه قرينته السياقية (التصريف والتدبير)، أي أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بتصريفه وتدبيره.

يقول الشيخ الجمل : «قوله : ألا له الخلق والأمر... الخلق بمعنى المخلوقات،

والأمر معناه التصرف في الكائنات.

وفي هذه الآية رد على من يقول ان للشمس والقمر والكواكب تأثيرات في هذا العالم»(20).

ويقول الزمخشري : «بأمره: بمشيئته وتصريفه... سمي ذلك أمراً على التشبيه، كأنهن مأمورات بذلك.

(ألا له الخلق والأمر) : أي وهو الذي خلق الاشياء كلها، وهو الذي صرّفها على حسب ارادته»(21).

أما مسألة الفصل بين كلمتي (الخلق) و(الأمر) التي هي موضع الشاهد، وبها الاستشهاد، فيقول فيها الشيخ الطوسي: «انما فصل الخلق من الأمر، لأن فائدتهما مختلفة، لان (له الخلق) يفيد أن له الاختراع، و(له الأمر) معناه : له أن يأمر فيه بما أحب، فأفاد الثاني ما لم يفده الاول.

فمن استدل بذلك على أن كلام اللّه قديم، فقد تجاهل ما بينّا»(22) فالآية الكريمة ليس فيها دلالة على ما ذهبوا اليه لأن الأمر في الآية بمعنى التصريف والتدبير، كما يفيده السياق.

 

5 - لأهمية ما قيل في قوله تعالى : {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117] [وتكرر هذا اللفظ في سور ال عمران و الانعام والنحل ومريم ويس وغافر]، وما يترتب من آثار على ما يفسر به النص، لا بد هنا من عرض يوفي به الموضوع توفية كافية.

 

وقد رأيت فيما بين يدي من تفاسير أن أفضل من وفّى الموضوع هذا وأوفاه بما لا يحتاج بعده الى مزيد بيان أو تبسيط عرض. هو تفسير (الميزان) فكان من المناسب ان اقتصر على ان انقل منه ما يرتبط بالاحتجاج بالآية الكريمة والرد عليه :

قال مؤلفه السيد الطباطبائي : «قوله تعالى : {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] ، الآية من غرر الآيات القرآنية (التي) تصف كلمة الايجاد، وتبين أنه تعالى لا يحتاج في ايجاد شيء مما أراده الى ما وراء ذاته المتعالية من سبب يوجد له ما أراده أو يعينه في ايجاده أو يدفع عنه مانعاً يمنعه.

وقد اختلف تعبيره تعالى عن هذه الحقيقة في كلامه، فقال : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] وقال : {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117].

فقوله (انما أمره). الظاهر ان المراد بالأمر الشأن، وقوله في آية النحل المنقولة آنفاً {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل: 40] ، وان كان يؤيد كون الأمر بمعنى القول، وهو الامر اللفظي بلفظة (كن)، الا أن التدبّر في الآيات يعطي ان الغرض فيها وصف الشأن الالهي عند إرادة خلق شيء من الاشياء.

لا بيان أن قوله تعالى عند خلق شيء من الاشياء هذا القول دون غيره.

فالوجه حمل القول على الأمر بمعنى الشأن، بمعنى أنه جيء به لكونه مصداقاً للشأن، لا حمل الأمر على القول بمعنى ما يقابل النهي.

وقوله : (اذا أراد شيئاً) أي اذا أراد إيجاد شيء، كما يعطيه سياق الآية.

وقد ورد في عدة من الآيات (القضاء) مكان (الارادة) كقوله : {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47] ، [مريم: 35].

ولا ضير فالقضاء هو الحكم، والقضاء والحكم والارادة من اللّه شيء واحد، وهو كون الشيء الموجود بحيث ليس له من اللّه سبحانه الا أن يوجد.

فمعنى (اذا أردناه) اذا أوقفناه موقف تعلق الارادة. وقوله : (ان يقول له كن) خبره (انما امره) أي يخاطبه بكلمة (كن).

ومن المعلوم انه ليس هناك لفظ يتلفظ به، والا احتاج في وجوده الى لفظ آخر، وهلم جرا. فيتسلسل.

ولا ان هناك مخاطباً ذا سمع يسمع الخطاب فيوجد به، لأدائه الى الخلف.

فالكلام تمثيل لإفاضته تعالى وجود الشيء من غير حاجة الى شيء آخر وراء ذاته المتعالية، ومن غير تخلف ولا مهل.

وبه يظهر فساد ما ذكره بعضهم حيث قال : الظاهر أن هناك قولاً لفظياً هو لفظ (كن)، واليه ذهب معظم السلف، وشؤون اللّه تعالى وراء ما تصل اليه الافهام، فدع عنك الكلام والخصام، انتهى.

وذلك ان ما ذكره من كون شؤونه تعالى وراء طور الافهام، لو أبطل الحجة العقلية القطعية بطلت بذلك المعارف الدينية من أصلها، فصحة الكتاب، مثلاً، بما يفيده من المعارف الحقيقية انما تثبت بالحجة العقلية، فلو بطلت الحجة العقلية بكتاب - او سنة أو شيء آخر، مما يثبت هو بها لكان ذلك الدليل المبطل مبطلاً لنفسه اولاً، فلا تزل قدم بعد ثبوتها.

ومن المعلوم أن ليس هناك الا اللّه عز اسمه، والشيء الذي يوجد لا ثالث بينهما.

 

واسناد العلّية والسببية الى ارادته دونه تعالى، والارادة صفة فعلية منتزعة من مقام الفعل - يستلزم انقطاع حاجة الاشياء اليه تعالى من رأس لاستيجابه استغناء الاشياء بصفة منتزعة منها عنه تعالى وتقدس.

ومن المعلوم أن ليس هناك أمر ينفصل عنه تعالى يسمى ايجاداً أو وجوداً، ثم يتصل بالشيء فيصير به موجوداً، وهو ظاهر، فليس بعده تعالى الا وجود الشيء فحسب.

ومن هنا يظهر ان كلمة الايجاد وهي كلمة (كن) هي وجود الشيء الذي أوجده، لكن بما أنه منتسب اليه قائم به، وأما من حيث انتسابه الى نفسه فهو موجود لا ايجاد، ومخلوق لا خلق.

ويظهر أيضاً ان الذي يفيض منه تعالى لا يقبل مهلة ولا نظرة، ولا يتحمل تبدلاً ولا تغيراً، ولا يتلبس بتدريج.

وما يترآى في الخلق من هذه الأمور انما يتأتى في الاشياء من ناحية نفسها، لا من الجهة التي تلي ربها سبحانه، وهذا باب ينفتح منه ألف باب.

وفي الآيات للتلويح الى هذه الحقائق اشارات لطيفة كقوله تعالى : {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] ، وقوله تعالى : {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] ، وقوله تعالى : { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] ، الى غير ذلك.

وقوله في آخر الآية : (فيكون) بيان لطاعة الشيء المراد له تعالى، وامتثاله لأمر (كن) ولبسه الوجود»(23).

وفي كلام الامام امير المؤمنين (عليه السلام) ما يلخص الموضوع وافياً ويدل عليه كافياً، قال (عليه السلام) : «يقول لمن أراد كونه : (كن فيكون)، لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وانما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثّله، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً».

 

وفي حديث صفوان بن يحيى عن الامام الرضا (عليه السلام)، قال يحيى : «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) عن الارادة من اللّه ومن المخلوق.

قال : فقال : الارادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل.

وأما من اللّه عز وجل فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروي ولا يهم ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه، وهي من صفات الخلق.

فإرادة اللّه هي الفعل لا غير ذلك، يقول له : كن، فيكون، بلا لفظ ولا نطق بلسان، ولا همة، ولا تفكر، ولا كيف لذلك، كما أنه بلا كيف»(24).

 

3 - الامامية والزيدية والاباضية والمعتزلة :

ذهبوا الى القول بخلق القرآن وحدوثه.

واستدلوا على هذا بما خلاصته :

 

أ - من العقل :

1 - ان القرآن الكريم مؤلف من كلمات مركبة من حروف واصوات متتابعة يتلو بعضها بعضاً، فيعدم السابق منها بوجود لاحقه. والقديم لا يجوز عليه العدم، واذا انتفى قدمه ثبت حدوثه. وهو المطلوب.

وقرره القاضي المعتزلي بطريق آخر، قال : «ان الكلام لا يعقل ولا يفيد الا بأن يتولى حدوث حروفه على نظم مخصوص.

وما هذا حاله محال ان يكون قديماً.

كما ان المشي لا يعقل الا بتوالي حدوث الحركات فمحال قدمها مع ذلك»(25).

 

2 - ان القرآن الكريم لو كان قديماً لزم من ذلك الكذب عليه تعالى. ولأن الكذب باطل في حقه تعالى يكون قدم القرآن مثله باطلاً.

وتقريرهذا :

أنه تعالى أخبر بإرسال نوح (عليه السلام) بقوله : {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح: 1] ، فلو كان القرآن أزلياً يكون هذا الاخبار أزلياً أيضاً، ويكون المخبر به - وهو ارسال نوح - قبل الأزل.

وهو معنى قولنا يلزم منه الكذب . تعالى اللّه عن ذلك.

ولئلا نقع في مثل هذا المحذور الباطل لا مناص من القول بحدوث القرآن.

 

3 - أن القرآن الكريم لو كان قديماً لزم منه العبث الممتنع في حقه تعالى.

وتقريره :

أن في القرآن أوامر أمثال قوله تعالى : {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43].

فلو كان القرآن أزلياً كانت أوامره مثله أزلية.

ومعنى هذا حصول الأمر والنهي من دون وجود مكلف يخاطب بهما اذ لا مكلف في الأزل.

فيكون هذا من العبث، والعبث قبيح، فيمتنع في حقه.. فيبطل كون القرآن قديماً، واذا بطل كونه قديماً ثبت حدوثه وخلقه.

 

4 - ان النسخ في أوامر القرآن الكريم ونواهيه - وهو رفع حكم شرعي سابق بنص لاحق - جائز وواقع.

«وما ثبت زواله امتنع قدمه»، فيثبت ان القرآن حادث وهو المطلوب.

5 - «انه تعالى اذا أمر زيداً - مثلاً - بالصلاة، فاذا أداها لم يبق ذلك الأمر، وما ثبت عدمه امتنع قدمه».

 

ب - من القرآن.

1 - قوله تعالى : {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2].

 

وقوله تعالى: { وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5].

 

ووجه الاستدلال :

أن المراد ب(الذكر) هنا (القرآن) بدليل قوله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، وقوله تعالى : {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44].

 

وقد وصفه اللّه تعالى بالحدوث نصاً وصراحة، فلو كان قديماً لما جاز وصفه بالحدوث.

 

6 - قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} [البقرة: 30]

بتقريب أن (إذ) ظرف زمان، والمختص بزمانٍ معينٍ محدث. وما كان بعضه محدثاً كان كله محدثاً.

 

7 - وأخيراً : أوجز استدلالهم ببقية آي الذكر الحكيم بما قرره ملخصاً القاضي المعتزلي، قال:

«والقرآن يدل على ذلك (يعني الحدوث) لانه تعالى قال {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى } [الأحقاف: 12].

وهذا يوجب أنه بعد غيره، وهذا من علامات الحدوث.

وقال تعالى : {نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } [الزمر: 23].

ومن حق الحديث ان يكون محدثاً.

وقال تعالى : { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37].

والمفعول لا يكون الا محدثاً.

ووصفه تعالى القرآن بأنه :

ينتسخ وينسى.

ويبتدأ به ومنه.

وبأنه ذكر محدث.

وبانه مفصل محكم موصل.

وبانه عربي.

وبانه سور كثيرة.

يدل على أنه فعله، لأن كل ذلك من علامات الحوادث والافعال»(26).

 

وردهم العضد الأيجي بقوله :

«والجواب : انها تدل على حدوث اللفظ، وهو غير المتنازع فيه»(27).

 

أقول : ان الأيجي بهذا يقر بان ما ذكروه من أدلة ناهض بإثبات مدعاهم، وهو المطلوب.

وذلك لانهم لا يريدون اكثر من اثبات حدوث هذا القرآن المتداول حفظاً وكتابة، لانهم لا يؤمنون بقرآن آخر وراء هذا القرآن، اذ لم يقولوا بان للّه كلاماً آخر غير هذا القرآن، دل عليه هذا القرآن. وفكرة الكلام النفسي ناقشوها مسبقاً وانتهوا الى بطلانها، وهم الآن بصدد اثبات حدوث هذا القرآن المتداول.

 

ونخلص من هذا الى :

1 - ان اعتبار القرآن الكريم بألفاظه والمداد الذي كتب به والورق الذي دوّن عليه صفة التكلم الالهية الازلية القائمة بذاته تعالى، فكرة غير مقبولة، لأنها انكار لضرورة العقل وبداهة الوجدان.

 

2 - ان القول بأن القرآن حقيقة هو الكلام النفسي، وهذا المصحف الذي بين أيدينا دال عليه، هي الأخرى فكرة غير مقبولة، لان ما لا يتعقل لا يقبل، ولأنه لم يبرهن عليها بما يفيد اليقين بها.

 

3 - وعليه : ان القرآن حقيقة هو هذا الذي بين ايدينا، وانه محدث، خلقه اللّه تعالى، وأنزله عن طريق الوحي على رسوله الكريم محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه وآله ، وقرأه الرسول صلى الله عليه وآله بلسانه الشريف، وبلّغه للناس كما أمره ربه تعالى، وتلقاه المسلمون المعاصرون له، ثم الذين من بعدهم جيلاً بعد جيل، كما نزل عليه، وكما قرأه عليهم.

 

وأضيف الى ما يقدم :

1 - اننا لم نجد في القرآن الكريم ما يشير به اللّه تعالى من قريب أو من بعيد، الى القرآن الازلي (الكلام النفسي).

 

2 - والذي وجدناه في اكثر من آية هو ان اللّه تعالى يشير الى هذا القرآن الذي بين ايدينا، وهذا نص منه تعالى على أنه هو القرآن. لا ما يدّعى أو يتوهم من أن هناك آخر غيره قديماً.

 

وقد جاء هذا في اثنتي عشرة آية هي :

1 - {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ } [الأنعام: 19]

2 - {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} [يونس: 37]

3 - {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3]

4 - {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]

5 - {صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا } [الإسراء: 41]

6 - {هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } [الإسراء: 88]

7 - {لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الإسراء: 89]

8 - {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]

9 - {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ} [النمل: 76]

10 - {فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } [الروم: 58]

11 - {لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الزمر: 27]

12 - {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر: 21]

__________________________

(1) قواعد العقائد للغزالي 182.

(2) م. س 183.

(3) تلخيص المحصل 289.

(4) 1 / 92.

(5) المختصر في اصول الدين 379.

(6) النكت الاعتقادية 394.

(7) اصول العدل والتوحيد 264.

(8) انظر : العقيدة الواسطية لابن تيمية، تقديم مصطفى العالم 51.

(9) انظر : الملل والنحل 1 / 106 - 107.

(10) معالم أصول الدين 67 - 68.

(11) العقائد النسفية 29.

(12) الملل والنحل 1 / 96.

(13) معالم أصول الدين 66.

(14) الابانة 20.

(15) معالم اصول الدين 66.

(16) م. ن.

(17) الابانة 19.

(18) الابانة 20.

(19) تفسير البيضاوي 531 (مواهب الجليل من تفسير البيضاوي).

(20) الفتوحات الالهية 2 / 168.

(21) الكشاف 2 / 82 - 83.

(22) التبيان 4 / 453 - 454.

(23) الميزان 17 / 114 - 116.

(24) التوحيد للصدوق 147.

(25) المختصر في اصول الدين 339.

(26) المختصر في اصول الدين 340 - 341.

(27) المواقف 395.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.