المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

مميز Dscriminant
17-12-2015
Fluctuations
2024-01-29
العزلة
21-9-2016
حمل الأصل على الفرع
2023-03-12
تفسير الاية(1-22) من سورة البروج
1-2-2018
Negation- Sentential and manner-type negation
2023-04-26


تنبيهـــات الإستصحاب  
  
790   01:02 مساءاً   التاريخ: 23-8-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج2 ص 363.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / الاستصحاب /

...[1 - عموم حجية الاستصحاب]:

[المستصحب الوجودي والعدمي]:

منها: أن الظاهر من عموم اليقين في أخبار الباب عدم الفرق في حجية الاستصحاب بين كون المستصحب وجوديا أو عدميا. وتوهم أن الأعدام - خصوصا الازلية منها - ليست من الآثار الشرعية ولا لها أثر شرعي في فرض ترتب الأثر على وجود شيء، مدفوع بأن الأثر الكافي في صحة الاستصحاب ما كان أمر وضعه ورفعه بيد الشارع وإعدامه أيضا كذلك. ثم لو فرض ترتبه على وجود موضوع خارجي فكما أن له إبقاء هذا الوجود بلحاظ ترتب ماله من الوجوب، له أيضا البناء على عدمه بلحاظ رفع وجوبه، ومن جهة ذلك نقول: إن في استصحاب طرفي النقيض يكفي ترتب الأثر على أحدهما بلا احتياج إلى ترتبه على كليهما.

[المستصحب الثابت بالأجماع وغيره]:

وأيضا لا فرق في حجية الاستصحاب بين كون المستصحب ثابتا من إجماع أو غيره ولا بين ما كان الدليل عليه حكم العقل بمناط الملازمة وغيره، إذ بعد فرض صدق عموم اليقين بشيء والشك [فيه] عرفا ودقة في بعض المقامات أيضا - على ما أسلفنا سابقا - لا وجه لتخصيص حجية الاستصحاب حينئذ بحال دون حال.

[الاستصحاب في الشبهات الحكمية والموضوعية]:

وأيضا لا فرق في حجيته بين الشبهات الموضوعية والحكمية. وتوهم اختصاص مورد غالب الأخبار بالأول مدفوع بأن قضية التعبير بلسان التعليل أو الكبرى بالكلية [تمنع] عن الاقتصار في مدلوله بمورده ولقد أشرنا [إلى] شرح ذلك في طي تقريب الاستدلال بها. وتوهم معارضتها بعمومات وجوب الاحتياط في مطلق الشبهات الحكمية أوضح دفعا، لحكومة الاستصحاب عليها، مع [أنها لا تمنع] إلا عن حجية النافية لا المثبتة.

[الاستصحاب في الشك في وجود الرافع ورافعية الموجود]:

وأيضا لا فرق بين كون الشك في الرافع وجودا أو رافعية الموجود. وتوهم أن في الثاني يصدق نقض اليقين باليقين، بوجود ما يصلح للناقضية في غاية [الدفع]، إذ الظاهر من القضية المزبورة اتحاد متعلق اليقين والشك واليقين الآخر الناقض، لا كل يقين بشيء يصلح للناقضية.

[الاستصحاب في الشك في المقتضي وفي المانع]:

وأيضا لا فرق في حجيته بين كون الشك في بقاء المستصحب من جهة الشك في المقتضي أو في المانع.

وتوهم عدم صدق النقض إلا في ما له جهة استمرار حقيقة أو حكما ولو من جهة بقاء مقتضيه: إما من جهة أن مادة النقض عبارة عن قطع الهيئة الاتصالية والاستمرارية، أو ملاحظة أن حفظ وحدة المتعلق في الوصفين يقتضي حفظ المقتضي في الزمان الثاني كي يصدق بالعناية اليقين بوجوده كذلك فيصير هذا الوجود متعلقا للشك دقة مدفوع. أما [التقريب] الأول فبمنع كون المصحح صدق النقض. كيف! ولا اطراد لصدقه في نظائره، [وإنما] المصحح هو جهة إبرام في المتعلق على وجه يضاد مع انقضائه ونقضه، بشهادة صدقه في كل مورد كان فيه مثل هذا الإبرام حقيقة أم عناية كالغزل والبيعة والعهد وأمثالها، ومنها اليقين المأخوذ من مادة الإيقان من الإحكام المنتزع عن بعض مراتب الجزم الذي لا يزول بالتشكيك ولا ينقضه الشك. وبهذه العناية اطلق اليقين على مطلق قطعه في المقام تنبيها على أن قطعه حينئذ مطلقا في هذا الباب يقين لا ينقضه الشك، حفظا لمناسبة عدم النقض مع اليقين دون مطلق مراتب الجزم، ولذا لا يضاف النقض إلى لفظ القطع فضلا عن الظن والشك. وما اطلق من لفظ النقض في أخبار الباب أحيانا في مورد الشك إنما هو من باب الإزدواج نظير (1) وقميصا. وعليه فلا وجه لاعتبار بقاء المقتضي في الزمان الثاني توطئة لصدقه وتصحيحا له كما هو ظاهر. وأما التقريب الثاني فبمنع الاعتبار بمثل هذا الاعتبار بعد اكتفاء العرف في وحدة متعلق الوصفين بصرف بقاء ذاته كذلك.

ومن التأمل في ما ذكرنا أيضا ظهر عدم الفرق بين كون المستصحب مغيا بغاية شك في [تحققها] وغيره على ما هو المحكي عن المحقق الخوانساري (2) خصوصا مع نسبة التفصيل السابق إليه. و[منه] يعلم أن النسبة بين [هذا] التفصيل والتفصيل السابق عموم من وجه. [الاستصحاب في الجعليات الشرعية والعقليات المنتزعة منها] وأيضا لا فرق بين كونه من الجعليات الشرعية أو الامور العقلية المنتزعة منها، لما عرفت من أن الأثر الشرعي المصحح لجريان الأصل المزبور مطلقا ما كان أمر وضعه ورفعه - ولو بالتوسيط من جهة كون وضع منشأه ورفعه - بيده. وعليه فلا ينبغي - مع وجود الكبريات الكلية في المقام - المصير إلى واحد من التفصيلات المذكورة في المطولات، بل هو حجة مطلقا.

[2 - وجوب البناء على إبقاء نفس اليقين دون المتيقن]:

 ومنها: أن الظاهر من وجوب البناء على اليقين ومن إسناد النقض إلى اليقين وجوب البناء على إبقاء نفس اليقين دون المتيقن، نظرا إلى ظهور أخذه بنفسه في متعلق النقض. وجعل مثل هذا العنوان كعنوان الخطأ والنسيان في حديث الرفع طريقا إلى ما يتعلق به اليقين كطريقية الوصفين لما اخطئ وما نسي مما لا وجه [له] في المقام ولا داعي له بعد كونه خلاف ظاهر لا يصار إليه إلا بدليل. وتوهم أنه يكفي دليل عدم ترتب أثر شرعي [إلا] على اليقين الطريقي والحال أن متعلق النقض لابد وأن يكون له أثر شرعي أو مما له أثر كذلك، مدفوع بمنع التنزيل المعول [عليه] في المقام بلحاظ مجرد الأثر الشرعي بل تمام النظر فيه إلى الآثار العملية وما يترب عليه من الأعمال. ومن البديهي أن الأعمال المترتبة على الآثار الشرعية طرا بتوسيط اليقين بها. وبهذه الملاحظة صح إضافة الأعمال المزبورة إلى اليقين أيضا. وبعد ذا فلا بأس بكون نظر التنزيل إلى ما يترتب على نفس اليقين من الأعمال الشرعية كما هو الشأن في لسان تتميم الكشف في مورد الطرق والأمارات بلا احتياج فيها أيضا إلى توجيه التنزيل إلى نفس المؤدى والمظنون. و[بمثل] هذا البيان [ربما] يصحح الاستصحاب في موارد يكون الشك في بقاء المستصحب موجبا للشك في القدرة في [امتثال] حكمه كاستصحاب حياة زيد لإثبات وجوب ضيافته وإكرامه. وأيضا [يصحح] الاستصحاب في نفس الجامع بين الأحكام حتى في مورد لم يترتب عليه إلا حكم العقل بوجوب امتثاله، بل وبذلك أيضا تصحح الحكومة على الاصول الشرعية الاخرى، و[يقدم] الجاري في السبب على الجاري في المسبب، وإلا فعلى المشي الآخر يشكل أمر التقديم بمناط الحكومة أو غيره على ما سيجئ شرحه. وهم ودفع: لعلك تقول: إن لازم اعتبار الاستحكام في متعلق اليقين أيضا إبقاء اليقين على ظهوره في موضوعيته، وإلا فلو جعل ذلك طريقا إلى متعلقه فربما يكون فيه جهة إبرام مصحح لإضافة النقض إليه. ودفعه بأن لازم طريقيته أيضا إعطاء [لونها لذيها]، كما هو المحسوس [في تلون] السراج بلون الزجاج، فحينئذ صح دعوى كون المتيقنات بعنوان اليقين [مستحكمة] بنحو استحكام نفس اليقين، وهذا المقدار كاف في إضافة النقض إليها كما لا يخفى. وعليه فالعمدة في وجه موضوعية اليقين جهة اخرى غير هذه الجهة.

[3 - ضرورة كون المستصحب موضوع ترتب العمل]:

ومنها: أن اللازم [مما] ذكرنا - من كون نظر التنزيل في أخبار النقض إلى الآثار العملية - كفاية كون المستصحب بنفسه موضوع ترتب الأعمال أو [وسطيته] فيه بالوسائط الشرعية من دون احتياج إلى أثر مجعول في البين. ولذلك لا بأس بجريان الاستصحاب في موارد كشف العقل - بالملازمة - مجرد إرادة الشارع التي هي في النفس النبوي (صلى الله عليه وآله) كيف قائم بالنفس بلا كونها من الخطابات الاختيارية، بل ربما لا يثمر مجرد جعلية الأثر في جريانه في صورة عدم ترتب عمل عليه، كما في استصحاب الأحكام الوضعية الجعلية بالنسبة إلى [الموارد] الخارجة عن محل الابتلاء بالمرة. وعليه فما هو المعروف من كون قوام الاستصحاب بكون المستصحب أثرا جعليا أو بماله أثر كذلك ليس بظاهره مرادا جزما، بل تمام القوام في جريانه كون المستصحب نفس الإرادة الشرعية أو موضوعها، كي بالآخرة ينتهي الأمر إلى مقام العمل والأمر بالمعاملة، وأن غرضهم من الأثر الجعلي في المقام إنما هو من جهة ملازمته مع هذه الإرادة ثبوتا أم إثباتا، وإلا فهو بنفسه - مع قطع النظر عن كشفه [عن] لب الإرادة - لا يكون موضوع عمل ومتعلق أمر بالمعاملة معه معاملة بقائه.

وحينئذ فلا يبقى لبيان جعلية أثر دون أثر ثمرة في باب الاستصحاب. نعم لا بأس بالتعرض لها في المقام تبعا لجملة الأساطين حيث تعرضوا [لمسألة] جعلية الأحكام التكليفية والوضعية وانتزاعية الثانية من الاولى في باب الاستصحاب، وعليه فنقول: [معنى جعلية الأحكام التكليفية والوضعية] أولا أن الغرض من جعلية الأحكام الوضعية ليس إلا كون حقائقها امورا اعتبارية متقومة بإنشائها الناشئ من قصد التوصل بها إلى تلك الحقائق، كما هو الشأن في جميع الاعتباريات القصدية الجعلية كوضع الألفاظ والتعظيمات والتوهينات وأمثالها. وفي قبالها كون حقائقها هو اعتبار منتزع عن التكليف ولو من جهة منشأية التكاليف بنحو ارتباط حاصل بين الشيء وغيره على وجه لا يكون مثل هذا المعنى متحققا عند عدم التكليف رأسا، كما لا يخفى. وعلى أي حال نقول: المعنى المزبور من الجعلية غير متحقق بالنسبة إلى الأحكام التكليفية. [أما] بالنسبة إلى لب الإرادة فالأمر واضح، وأما بالإضافة إلى مرحلة الايجاب والبعث وأمثالهما من العناوين [المنتزعة عن] إنشائها فهي وإن كانت أيضا من الاعتبارات الجعلية لكن ليس جعلها بالمعنى المتقدم. كيف! ولا يحتاج في انتزاع البعث من إنشاءات الأحكام إلى قصد التوصل بالإنشاءات إلى مثل تلك المعاني، بل يكفي مجرد قصد التوصل منها إلى إعلام ما في ضميره وإلى مرامه ولو لم يخطر ببال المنشئ عنوان البعث أصلا. فالغرض من جعلها ادعاء كون المقتضي للحركة محركا فعليا أو ملزما كذلك أو موجبا. فجعلية مثل تلك العناوين نظير جعلية جميع الموضوعات الخارجية عند ملتزميها مثل الحياة [الجعلية] وأمثالها في باب الاستصحاب.

وعليه فسوق النزاع في جعلية الأحكام الوضعية [مساق] جعلية الحكم التكليفي بظاهره ليس في محله. نعم لو [كانت] جهة التنظير إلى مجرد كون قوام الحكمين بإنشاء من الحاكم على وجه لا يكاد [يتحققان] بدون إنشائه وإن اختلفا في كيفية قصد التوصل [بهما]، كان له وجه. وحيث اتضح ذلك فنقول: إنه لا شبهة في جعلية الحكم التكليفي بالمعنى المزبور، وإنما الكلام في جعلية الأحكام الوضعية، [واختلف فيها] على أقوال. وتحقيق الحق فيه أن يقال: إن الأحكام الوضعية ليست بمساق واحد وطريق فارد: فمنها: ما هو حاك عن نحو ارتباط بين امور ناش عن تعلق التكليف بها، نظير جزئية الشيء للواجب أو الكلية الحاكية عن جهة وحدة [لشتات] ناشئة عن قبل وحدة التكليف فيها بحيث لو لم يكن في البين تكليف لما [كان لهذه] الوحدة مجال، وإن كانت له جهة الوحدة من ألف جهة اخرى، فهي منتزعة عن التكليف، ويستحيل وقوع [مثلها] بحيث يكون جعلا مستقلا أو تبعا، إذ من البديهي كفاية انتزاعها من مجرد جعل التكليف المتعلق بامور متعددة بلا نظر في جعله إلى جعل شيء آخر حتى تبعا في عالم لحاظه. ومن هذا القبيل عنوان الصحة والفساد [الحاكيان] عن حيثية موافقة الشيء للأمر ومخالفته له. ومنها: ما هو منتزع عن الربط الحاصل من النظر إليه في مقام جعل التكليف، نظير إناطة الوجوب بشيء يكون في مقام إنشاء التكليف ملحوظا أيضا تبعا، بحيث لو لم يلحظ ذلك في مرحلة إنشاء التكليف لما يكاد يتحقق مثل تلك الإناطة، نظير عنوان الاستطاعة للوجوب المنتزع عن إنشائه منوطا به على وجه [تكون] تلك الإناطة تحت النظر الإنشائي ولو تبعا، فهو من المجعولات التبعية وفي مثلها ربما يكون [الجعل] بدوا متعلقا به فيستتبع مثل ذلك الجعل تكليفا عكسا للسابق. وهذا الشأن ليس للعناوين السابقة لاستحالة قابلية حقائقها للجعل البدوي، بخلاف [الحقيقة] المستتبعة للتكليف وهي بنحو خصوصية التكليف على وجه قابل لتوجيه النظر تارة أصالة عملا إلى الخصوصية للتكليف فيستتبع جعل الخاص، واخرى تبعا بتوجيه النظر إلى نفس الخاص فيستتبع الخصوصية. وهذا بخلاف الجزئية للواجب، إذ [هي] بنحو خصوصية في موضوع التكليف [ناشئة] عن خصوصية تكليفه، فتمام النظر في مثله ليس إلا إلى جعل التكليف [بما] له من الخصوصية بلا نظر فيه إلى خصوصية اخرى لا أصالة ولا تبعا، وإنما العقل ينتزع العنوان المزبور عن موضوع التكليف قهرا بعد جعل تكليفه. ثم إن ما ذكرنا من المجعولية التبعية إنما هو بالنسبة إلى [العناوين] المستتبعة الشرعية القائمة [كالأمور] المأخوذة في تلو أداة الشرط في الإنشاءات الشرعية المشروطة كقوله (عليه السلام): إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة (3) وأمثاله. ومن المعلوم أن مثله أجنبي [عن] الأسباب الجعلية العقلية المنتزعة عن لحاظ مصالحها، إذ من البديهي أنها لا تكون تحت جعل أبدا، بل ينتهي منشأها إلى خصوصية ذاتية وسنخية بين الشيئين قائمة بنفس ذاتهما [آبية] عن مرحلة الجعل رأسا، كما هو واضح. ومنها: ما هو منتزع عن الربط بين ذات الشيء وأمر آخر في رتبة سابقة [على] التكليف، غاية الأمر إضافة ذلك الاعتبار إلى وصف الواجبية المتأخرة عن وجوبه، وإلا فنفس المضاف بحقيقته غير ناش عن الوجوب، بل هو منتزع عن ربط آخر قائم بين الشيء وذات شيء آخر، لا بوصف وجوبه. وذلك نظير مقدمية الشيء للواجب، إذ صفة المقدمية قائمة بالذات بلحاظ ربطها، وإنما إضافة هذا العنوان إلى الواجب بوصف واجبيته متأخرة عن حيث وجوبه، وإلا فنفس المقدمية المضافة إلى الواجب ليست من الاعتبارات المتأخرة عن الوجوب، فمثل تلك العنوانات [ليست] إلا امورا واقعية كشف عنها الشارع تارة ومنكشفة بذاتها اخرى، نظير سائر الامور المضافة إلى الواجب التي كانت بإضافتها [إليه] متأخرة عنه، لا بنفس ذاتها: [كمكان] الواجب، ولباس المأمور، وزمان الوجوب، فإن أمثال تلك المضافات إلى الوجوب أو الواجب بوصف إضافتها متأخرة عن جعل الوجوب ومنتزعة [عنه]. ولكن من البديهي أن مدار انتزاعية الأحكام الوضعية ليس على مثل هذا المقدار بتا، وإلا يلزم أن يكون جميع العناوين المزبورة من الوضعيات المنتزعة من التكليف، وهو كما ترى. ومن هنا نقول: بأن شرطية الشيء للواجب ومسببيته ومقدميته ومانعيته وعليته له - كعنوان المقدمية الجامعة بين تلك العناوين - ليست من الأحكام الوضعية المنتزعة عن التكليف أو المجعولة، إذ عدم مجعوليتها بجعل مستقل ظاهر، وهكذا أمر انتزاعها، لأن ما هو منتزع من التكليف هو حيث إضافتها إلى الواجب بوصف وجوبه، وإلا فذات المضاف لا يكون إلا عبارة [عن] علية واقعية قائمة بين ذات الشيئين حتى في رتبة سابقة [على] وجوبه. ومثل هذه [العلاقة] ربما تكون من الذاتيات غير المرتبطة بعالم الجعل أبدا، وتارة أمر دخلها في موضوع وجوبه تابع نظره في رتبة سابقة على وجوبه، إذ في مقام جعل الوجوب قد يتعلق وجوبه بالذات المرتبطة، واخرى بنفس الذات، فعلى أي حال فنفس ذلك الربط في مورده جعلي لابد وأن يكون ملحوظا سابقا

[على] التكليف كي يتوجه تكليفه إليه، وهذا الربط المعروض للتكليف منشأ انتزاع الشرطية، وهو محفوظ في رتبة سابقة [على] التكليف فكيف يتأخر عنه؟ نعم إضافة ذلك الربط إلى الوجوب [متأخرة] عنه كإضافة المكان إليه، وهو غير مرتبط بنفس حقيقة الشرطية المنتزعة عن الربط المعروض للتكليف. وحينئذ فكم فرق بين الشرطية المنتزعة عن مثل ذلك الربط وبين الجزئية المنتزعة عن الوحدة الطارية [على المتعددات] من قبيل وحدة الوجوب، إذ مثل [تلك] الارتباطات [من حيث] رتبة ذاتها متأخرة عن الوجوب، بخلاف منشأ انتزاع الشرطية التي هي عبارة عن الربط المأخوذ في موضوع الوجوب، وهكذا في طرف المانع. وحينئذ لا مجال لإدخال مثل تلك العناوين في الأحكام الوضعية، إذ حقيقة الحكم ما يكون بنفس ذاته منتهيا إلى جعل الحاكم، إما بالواسطة أو بلا واسطة، وفي تلك العناوين المزبورة ليس الأمر كذلك. وتوهم أن الشرطية وأمثالها - من العناوين المنتزعة عن حيثية معروضية الإضافة المزبورة للوجوب ومثله - كوصف الموضوعية متأخرة عنه ومنتزعة عنه وإن كانت بنفس ذاتها سابقة على الوجوب رتبة، وهذا - كما ذكرت - إنما يصح على فرض انتزاع مثل تلك العناوين عن واقع الإضافة بين الذاتين المأخوذة في ذات الموضوع لا عن الإضافة [المنتزع] عنها وصف الموضوعية، وليس كذلك، مدفوع بأنه كيف يمكن تلك الدعوى مع أن [لازمها] عدم انتزاع قيدية شيء لشيء لولا وجود حكم في البين كوصف موضوعيته، والحال أنه كان الشيء قيدا للمضاف إليه - كان في العالم حكم أم لا - فذلك شاهد أن منشأ انتزاع القيدية هو نفس الإضافة المنتسبة بالتقييد الملحوظة في الرتبة السابقة [على] التكليف، غاية الأمر إضافة ذلك المعنى إلى الوصف الواجب [منوطة] بالوجوب و[متفرعة] عليه، كما لا يخفى. هذا. ومنها: ما هو قابل للحكاية عن الإضافة والاختصاص الناشئ بين الشيء والمكلف من جهة تعلق تكاليف متعددة أو تكليف واحد به وقابل للحكاية [عن] الاعتبار الناشئ [من] صرف جعله سابقا على التكليف. وربما يرجح الأخير بشهادة ظهور دليله في ترتب التكاليف على الإضافة المزبورة، وذلك نظير الملكية وأمثالها المنتزعة عن مرحلة جعلها سابقا [على] التكاليف بملاحظة وقوعها موضوعا [لها] شرعا وعرفا، فمثل تلك الامور ليست إلا مجعولة مستقلة على وجه تكون بحقائقها محفوظة قبل ورود التكاليف عليها. ومن هذا الباب وضع الألفاظ. ولقد شرحنا أمرها في باب الوضع، وبينا فساد توهم انتزاع حقائقها من تعهد الواضع بذكر اللفظ عند إرادة المعنى، فراجع [هناك] ترى حقيقة المرام خالية عن شوائب الأوهام.

[4 - تقوم الاستصحاب باليقين والشك الفعليين]:

ومنها: أن من المعلوم - بناء على المختار من تعلق النقض بنفس اليقين - كون قوام الاستصحاب باليقين والشك الفعليين لعدم حصولهما مع الغفلة. وأما بناء على مذهب من صار إلى توجههما بنفس الثبوت واقعا فإن اليقين المأخوذ في دليله طريق لإيصال النهي إلى الواقع خصوصا من التزم باستفادة الاستصحاب من عموم كل شيء لك حلال فلا مجال لدعوى ركنية اليقين والشك في الاستصحاب، بل هو جار حتى مع الغفلة. غاية الأمر كانت الغفلة مانعة عن تنجزه كسائر الأحكام العقلية الواقعية. وتوهم أن الأحكام الطرقية بفعليتها مستحيلة في حال الغفلة كلام ظاهري خصوصا على المختار. هذا. ثم إنه يتفرع على تلك الجهة جريان قاعدة الشك بعد الفراغ في فرض طرو الغفلة عن الحدث بعد العلم به حتى [إذا] صلى فشك بعده، [إذ] على فرض جريان الاستصحاب مع الغفلة كانت صلاته محكومة بالفساد، فلا [تصلح] للصحة ظاهرا. بخلاف ما لو لم يجر، فلا بأس حينئذ [بجريان] قاعدة الفراغ [المحرزة] للصحة في الموضوع القابل لها. وتوهم: أن لازم ذلك عدم جريان القاعدة - من جهة اقتضاء الاستصحاب الجاري حين التفاته فسادها - مدفوع بأن مثل ذلك الأصل - أي الاستصحاب الجاري حين التفاته - لو كان جاريا لا يبقى [مورد] للقاعدة، بخلاف الاستصحاب الجاري حين الغفلة، إذ كثيرا ما يبقى مورد للقاعدة، مثل موارد التفاته إلى الطهارة وجزمه بها حقيقة ثم طرأ شك سار إلى قطعه، هذا. ولكن لا يخفى ما فيه من أن مجرد جريان الأصل حين الغفلة لا ينتج إلا خروج العمل عن قابلية الصحة في ظرف وجوده، لا في ظرف جريان القاعدة، وما هو موضوع القاعدة ليس إلا العمل القابل للحكم بالصحة في ظرف جريانها، وهو صورة حدوث الشك بعد العمل. وليس إفناء هذه الجهة شأن الاستصحاب السابق، كما هو ظاهر. ثم إنه قد أشرنا كرارا: أن من نتائج تعلق حرمة النقض بنفس اليقين بضميمة استفادة تتميم الكشف من الأمارة حكومتها على هذا الأصل بإثبات اليقين السابق ورفع الشك اللاحق. كما أنه بناء على إرجاع حرمة النقض إلى المتيقن واقعا بضميمة اقتضاء الأمارة تنزيل المؤدى منزلة الواقع لا يلزم أيضا محذور في جريان الاستصحاب عند قيام الأمارة على الحالة السابقة، إذ مرجعه حينئذ إلى التعبد بالمؤدى بلحاظ آثاره التي منها حرمة نقض اليقين بالشك. نعم بناء على ذلك المشرب يشكل في وجه تقديم الأمارة اللاحقة، ولذا تراهم وقعوا في حيص وبيص في وجه تقديمها، ولم يشكل أحد في جريان الاستصحاب في فرض إحراز الحالة السابقة بالأمارة. نعم لو كان مفاد الأمارة مجرد جعل الحجية بلا لسان تنزيل فيه مثبت للواقع ربما يشكل أمر الاستصحاب سواء تعلق النقض بنفس اليقين أو الواقع. وربما يجاب عن الإشكال على التقدير الثاني بأن شأن الاستصحاب بعدما كان إثبات الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه تعبدا، أو الحجة على الملزوم حجة على اللازم (4). ولكن لا يخفى ما فيه من أن لازم ذلك وقوع المعارضة بين قاعدة الشك بعد الفراغ والبينة السابقة على الحدث السابق، فلا وجه لتخصيص [تعارضها] بالاستصحاب كي [ترفع] اليد عن الاستصحاب بالقاعدة من جهة لزوم قلة الموارد أو انتفائها. ولا يرد هذا الإشكال على تقريبنا أو التقريب الآخر الموجب للحكومة، لإمكان دعوى كون جريان القاعدة موجبا لتخصيص دليل البينة بلحاظ بعض [آثارها] الذي هو حرمة نقض يقينه بالشك فتبقى البينة على حجيتها بالنسبة إلى سائر الآثار، وذلك بخلاف فرضنا، إذ الملازمة الثابتة بالاستصحاب إنما [هي] بين البقاء التعبدي وبين الثبوت الحقيقي على الاطلاق، و[لازمها] وقوع المعارضة [بالعرض] بين دليل البينة حتى بلحاظ سائر الآثار وبين تلك القاعدة

أيضا، فيدور الأمر بين رفع اليد [عن] ذلك العام [و] رفع اليد عن الاستصحاب أو البينة ولا أظن التزامه من أحد ولعمري إن تلك الجهة - من ثبوت جعل مؤدى الأمارات - مجرد جعل الحجية (5). ونظير الإشكال المزبور أيضا يرد بناء على كون مفاد الأمارة جعل حكم تكليفي بلا لسان تنزيل، ومفاد دليل الاستصحاب أيضا حرمة نقض الواقع بالشك [فيه]. والجواب السابق مع دفعه جار في المقام أيضا. نعم لو كان مفاد دليل الاستصحاب حرمة نقض اليقين، قد يتوهم [إحراز] اليقين بالوجوب المردد بين الظاهري الزائل [و] الواقعي الباقي، كما لا يخفى على المتأمل و[من] دقق النظر، فيستصحب الكلي المشترك. لكن فيه أولا: أن المقام من قبيل اليقين بحكم ظاهري شخصي يشك في مقارنته مع فرد آخر باق، وهو من القسم الثالث [غير] الجاري فيه الاستصحاب. مع أن اليقين بالوجوب الحقيقي الجامع إنما يتم لو بنينا على موضوعية الأمارات، وإلا فبناء على طريقيتها فلا نقطع بالجامع المزبور، أو الظاهري على تقدير المخالفة الصورية. والجامع بين الوجود الحقيقي والصوري لا أثر له. نعم لا بأس حينئذ بجريان الاستصحاب [في] الترخيص المردد بين ما هو في ضمن الالتزام [و] غيره، وهذا المقدار إنما يثمر لرفع شبهة [حرمة] المخالفة، لا إثبات الوجوب المزبور الملزم للطاعة كما هو ظاهر. وكيف كان نقول: إن مثل تلك الجهات لا يكاد يتم إلا بالالتزام بحكومة الأمارة السابقة على مفاد حرمة النقض بإثبات موضوعه. وإلا فلا يكون المقام خاليا عن المحذور، كما لا يخفى.

[5 - استصحاب الكلي]:

 ومنها: أن إضافة حرمة النقض أو التعبد بالبقاء إلى شيء فرع وجود الآثار العملية المترتبة على عنوانه ولو بتوسيط اليقين به، كي ببركته يصدق تعلق الشك بعنوان له الأثر. ومثل ذلك العنوان تارة كلي واخرى شخصي. وعلى التقدير الأخير فتارة يشك في بقاء شخص معين واخرى مردد. كما أنه على التقدير الأول [تارة] يكون الشك في الكلي من جهة الشك في بقاء شخص معين، واخرى من جهة الشك في بقاء مردد بين الزائل والباقي، وثالثة من جهة الشك في تبدل فرده السابق الحادث بفرد آخر مشكوك البقاء. وذلك أيضا تارة في الأفراد المتواطئة واخرى المشككة. ومع التشكيك فتارة يكون الباقي من مراتب وجود الحادث عرفا واخرى لا يكون كذلك، فتلك جهات وصور من التقسيم في الاستصحاب المزبور. والذي يقتضيه النظر الدقيق وحال التحقيق: جريان الأصل في الشخص المعين والكلي الموجود في ضمنه كذلك، أو في ضمن شخص مردد بين الباقي والزائل، أو في ضمن الفرد المبدل في [التشكيكيات] مع صدق كون الباقي من مراتب وجود الزائل. وأما في غيره - أي غير تلك الفروض الأربعة - فلا يكاد يجري الأصل أبدا، لا في الشخص ولا في الكلي.

أما جريان الأصل في الفروض الأربعة السابقة فوجوبه في غير القسم الثاني من الكلي واضح، لتحقق جميع أركانه من اليقين بعنوان له أثر وشك في بقائه، فيشمله عموم دليل التعبد ببقائه. وتوهم أن الكلي لا وجود له أبدا بسعة وجوده في الخارج القابل [للتكثر] وإنما الخارج ظرف منشأه من الأفراد الخاصة [الجزئية]، ومن البديهي أن ما هو موضوع الآثار تلك الوجودات الخارجية [الجزئية]، وحينئذ فكيف [تتحقق] أركان الاستصحاب بالنسبة إلى الكلي بما هو كلي؟ فلا جرم لابد من تخصيص دليل التعبد بالبقاء بالموجودات الخارجية من الأفراد الشخصية فلا يكون حينئذ في الشرع لاستصحاب الكلي عين ولا أثر، مدفوع غاية الدفع. [إذ] فيه: أن مرجع تعلق الأحكام بالطبائع - ولو بلحاظ ظرف اتصافها - كون ما هو المنشأ لانتزاع ذلك المفهوم الواحد موضوع الاتصاف بالواجبية والمرامية، ومن البديهي أن هذا المنشأ يتحقق بوحدته الذاتية من حدود متكثرة ومراتب متفاوتة على وجه ربما ينال العقل من [شخص] الوجود الواحد لحيثية الطبيعة ولحيثيات اخرى صرف الجهة المشتركة بينه وبين غيره، فتجئ تلك الحيثية في الذهن مجردة عن تمام العلائق، وإن كان ذلك المعنى في الخارج متحققا ومقرونا بألف علقة. ومن لوازم تجرده عن العلائق صيرورته قابلا للانطباق على كل فرد، فهذه السعة لانطباق المعنى من لوازم تجرده في الذهن. ولذا نقول: يستحيل أن يكون الموجود الخارجي بهذه السعة، ولكن مع ذلك لا يكون ما في الخارج - من صرف الشيء المقرون بالتشخصات - مختلفا مع المجرد عنها ذهنا، وإنما الاختلاف [فيهما] في مجرد حدود الذات الموجبة لضيق في التطبيق وسعة. ولا منشأ محفوظ في الموطنين. وبتلك الملاحظة أمكن دعوى أن الحكم الثابت للطبيعي منشأ لاتصاف نفس الذات - المحفوظة في كل فرد في الخارج - [به]، وذلك المقدار لا يقتضي سراية الحكم إلى الخصوصية [الحدية] أو المرئية. ومرجع اتصافه أيضا ليس إلى كونه بوجوده الخاص ولو من حيث الرتبة متصفا بالوجوب التعيني، بل إلى كونه بما هو متحد مع غيره في الجهة المحفوظة التي لا تكثر فيها أبدا حتى من حيث الرتبة. ولازمه اقتضاء مثل هذا الوجوب حرمة بعض أعدامه لا مطلقها، ولذا نقول: إن وجوب الطبائع إذا قيس إلى أفرادها لا يكون المتصف به إلا حفظ بعض أنحاء [وجودها]، لا تمامها. ومثل ذلك المعنى أمر معقول غير موجب لسراية الوجوب إلى الحصص الفردية بتمام [وجودها]. وحينئذ من أين يكون تعلق الأحكام بالطبائع راجعا إلى تعلقها بالأشخاص الخارجية كي يكون الاستصحاب مختصا بها وغير [جار] في نفس الطبائع؟ ولعمري إن ذلك المقدار أوضح من أن يبين. والغرض من هذا التطويل دفع الشبهة عن الأذهان الصافية بحسن ظنهم ببعض من اشتبه عليه الأمر من كبار أهل الصنعة، ولا بأس به بعد ما كان الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو ، هذا. نعم في القسم الثاني من الكلي شبهة اخرى في جريانه و[هي]: ان المحتمل ان يكون [اليقين] السابق في ضمن ما هو مقطوع الزوال رأسا، ومع ذلك فيحتمل ان يكون انتقاض اليقين السابق بيقين آخر، ومع ذلك الاحتمال لا يبقى مجال لشمول عموم حرمة النقض [بالشك ووجوب نقضه] بيقين آخر، لأنه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفسه لا لمخصصه المنفصل عنه. وحل تلك الشبهة: إن القطع بانعدام الشخص لا يقتضي القطع بانعدام الطبيعي، وما هو متعلق القطع السابق هو الجهة المحفوظة في الفردين على وجه يكون له نحو تعلق بكل واحد من الفردين بعين تعلقه [بالآخر] الذي مرجعه إلى القطع ببعض انحاء وجوده المتحد مع وجود غيره. ومن البديهي أن هذا النحو من الوجود يستحيل تعلق اليقين الناقض به بمحض تعلقه بفرد واحد، بل لابد وان يكون متعلقا به على وجه يسري إلى غيره أيضا، وهو لا يمكن إلا ان يتعلق بعدمه المقرون بعدم غيره، وإلا ف‍ [لو كان] نفس ذات عدمه [متعلقا لليقين] ولو منفردا من عدم غيره فلا يكون مثل هذا اليقين متعلقا بجهته المشتركة مع غيره. فحينئذ [فالشك] في بقاء الجهة المشتركة - ولو من جهة الشك في بقاء الطبيعي في ضمن فرد آخر - متحقق بلا احتمال انتقاضه بيقين آخر، وذلك ظاهر. وأضعف من ذلك توهم آخر من عدم تعلق الشك في الكليات بعين ما تعلق به اليقين، أو اليقين إنما تعلق بعنوان قابل للانطباق على كل من المحتملين، بخلافه في [طرف] الشك فانه ما تعلق إلا بالطبيعة المهملة الصالحة للجزئية، وإلا فالمشكوك بقاؤه ليس ذلك الطبيعي القابل للانطباق على الزائل قطعا، فمن أين اتحد متعلق اليقين والشك؟ وتوضيح الضعف: بان العرف لما تسامح في اختلاف متعلقي الوصفين من حيث الحدوث والبقاء ويكتفي بصرف وحدتهما وجودا، كذلك يكتفى في المقام أيضا بهذه المرتبة من الوحدة وان اختلفا اطلاقا واهمالا، كما لا يخفى. وأضعف من الجميع: أن الشك في بقاء الكلي نشأ عن الشك في [حدوث] الباقي، واستصحاب عدمه حاكم على استصحاب الكلي. ووجه الضعف: بمنع كونه مسببا عن الحدوث، [بل] هو ناش عن الشك في كون الحادث المعلوم هذا وهو ليس مجرى الاستصحاب اصلا. مع أنه على فرض التسليم ليس ترتب عدم بقاء الكلي على عدم حدوث الباقي ترتبا شرعيا كي يكون مجال حكومة استصحاب عدمه على استصحاب الكلي، كما هو ظاهر. هذا كله في وجه جريان استصحاب الكلي في القسم الأول والثاني. وأما وجه عدم جريانه في القسم الثالث فلأن بقاء الطبيعي في الخارج - مثل حدوثه - يتبع بقاء الفرد وحدوثه فيه، وذلك لأن بقاء الشيء عين حدوثه حدا، ومن المعلوم ان تلك العينية من تبعات الخصوصية الفردية، غاية الأمر كما كان الفرد - بأي نحو من وجوده - منشأ انتزاع ذلك النحو من الوجود الطبيعي فقهرا يكون بقاء الطبيعي كحدوثه بعين بقاء فرده وحدوثه. وحينئذ فلو فرض في مورد احتمال تبدل فرد بفرد من أين يصدق على وجود [ه] في الآن الثاني [أنه] عين حدوثه في السابق حدا كي يصدق عليه بقاؤه؟ نعم غاية ما يصدق عليهما هي: العينية الذاتية، و[هي] ليس مدار صدق النقض والإبقاء جزما، كما لا يخفى. نعم لو كان تبدلهما من باب تبدل صرف الحدود الشخصية - مع حفظ مرتبة الوجود [المحفوظة] في ضمن جميع الحدود - [فلا] بأس بصدق دعوى البقاء على الطبيعي حينئذ، وفي مثله لا بأس بجريان الاستصحاب ما لم يبلغ حد الضعف إلى حد التباين الشديد عرفا، فإنه حينئذ وإن كان عنوان الشك في البقاء بالدقة محفوظا ولكن لا يخفى أنه لا يكفي ذلك المقدار في جريان الاصل الذي [يكون] منزلا على الأنظار العرفية، كما هو ظاهر. ثم إن ذلك كله في صورة ترتب الأثر على الكلي، وأما في فرض ترتب الأثر على الفرد المردد وجوده [بين] الفردين، المقطوع بقاء أحدهما المعين وزوال غيره، فنقول: إن العلم بزوال الفرد الخاص تارة [يكون] بعد العلم الاجمالي بوجود أحد الفردين سابقا، واخرى قبله، فإن كان بعده فلا إشكال في عدم مانعية مثل هذا العلم بالتلف لاحقا عن تأثير العلم السابق، كما اسلفنا الكلام في مسألة التلف بعد العلم. ولازمه حكم العقل بترتب آثار المعلوم على الفرد الباقي تحصيلا للفراغ عما اشتغلت الذمة به سابقا. واما إن كان التلف سابقا على العلم الاجمالي - وإن كان العلم به بعد حصوله - فمن حين العلم بالتلف السابق يخرج العلم الاجمالي من التأثير، وفي هذه [الصورة] كان بناء العلماء على عدم وجوب الاجتناب من الطرف [الآخر]. ومن مثله ربما يظهر أيضا عدم بنائهم على [استصحاب] بقاء الفرد المردد في البين، كيف وجميع موارد التلف اللاحق كان استصحاب الشخص المردد موجودا، ونتيجته ليس إلا نظير استصحاب الكلي وهي الخروج عما هو معلوم بقاؤه تعبدا المستلزم للاجتناب عن المشكوك والباقي بحكم العقل الحاكم بتحصيل الجزم بالفراغ بالنسبة إلى الأعم من الحكم الواقعي والظاهري. وبهذا البيان [ترتفع] شبهة عدم الأثر العملي لمثل ذلك الاصل بعدما ثبت كون [الموجود] هو الباقي وبدونه لا يحكم العقل بالاجتناب عنه. وفساد هذا البيان يظهر بالتأمل فيما ذكرنا. وحينئذ فليس نظر الاصحاب في عدم الجريان إلى ذلك البيان، بل عمدة نظرهم إلى كون التعبد ببقاء الشيء يحتاج إلى الشك [في] عنوانه الذي يكون بذاك العنوان متعلقا للأثر، كيف ولو تعلق الشك بغيره لما كان [للحكم] ببقائه تعبدا - الراجع إلى ترتب أثره - معنى أصلا. وحيث كان الأمر كذلك فنقول: إن الشك في بقاء الفرد المردد ما تعلق بعنوان له الاثر، كيف وما هو موضوع الأثر [المردد] بين ما هو مقطوع الزوال أو مقطوع البقاء وبين ما هو مشكوك، ليس إلا بعنوان ما هو موضوع الاثر أو احدهما أو غير ذلك من سائر العناوين العرضية أو الذاتية [الخارجة] عن تحت [الأمر] جزما، وفي مثلها لا مجال للتعبد ببقائه.

وقياس الشك بالعلم الاجمالي في المنجزية - حيث يكتفى في تنجز الواقع بهذا المقدار من العلم بالعناوين الاجمالية العرضية - ممنوع جدا، إذ حكم العقل [بالمنجزية] في مثل ذلك الطريق الاجمالي مع فرض قابلية سراية [الاثر] إلى نفس [الواقع] ببركة ذلك العلم غير مرتبط بمرحلة التعبد بمورد الشك غير الصالح للسراية إلى مورد اليقين جزما، والمفروض في المقام أن ما هو محل الاثر بواقعه لا يكون مشكوك البقاء، بل هو ما بين مقطوع الارتفاع [و] مقطوع البقاء، وما هو مشكوك بقاؤه إنما هو بعنوان لا أثر له ابدا. وتوهم: أن العنوان المتعلق بالشك مأخوذ بنحو الطريقية إلى شيء آخر، فيكون واسطة لإيصال التعبد بالبقاء إليه. مدفوع: بأن طريقيته فرع قابليته لإعمال التعبد فيه، والمفروض أنه لا شك [في] عنوان من العناوين إلا [في] مثل تلك العناوين العرضية الخارجة من حيز الأمر، فكيف يصلح صيرورتها واسطة لإيصال التعبد إلى سائر العناوين التي لا يكون واحد منها تحت عنوان الشك [في] بقائه وارتفاعه؟ كما هو ظاهر. وبذلك البيان ربما يرتفع كثير من المغالطة في ابواب الاصول والاستصحاب، وعليك بالتأمل فيه، وبالتمييز بين موارد ترتب الأثر على الجامع أو الشخص المردد. ثم اعلم، قد جرى ديدنهم على تمثيل استصحاب الكلي باستصحاب الحدث المردد بين الأصغر والأكبر عند خروج بلل مردد بين البول والمني، وذلك عند فرض العلم بالطهارة السابقة، أو عدم العلم بالحالة أصلا في غاية الوضوح، فيستصحب بلحاظ مانعيته للصلاة، وإن كل واحد منهما يقتضي رافعا مخصوصا بلا كون مثل هذا الأثر للجامع بينهما، ولكنه لا بأس باستصحابه من حيث مانعية الجامع للصلاة.

واما إن كانت الحالة السابقة [على] زمان خروج الرطوبة المرددة حالة الحدثية [المعلومة]: فإن كان الحدث المعلوم هو الأكبر، فلا اشكال في عدم وصول النوبة إلى الاستصحاب الكلي، بل ما لم يصدر منه الفعل كان جاريا لمحدثيته بالحدث الاكبر، ولا يحتمل حينئذ الاجتزاء بموجب الحدث الاصغر اصلا، لأن البول الصادر عن الجنب لا أثر له بالنسبة إلى الصلاة من حيث ايجابه على المكلف شيئا. وحينئذ لا ينتهي الامر في تلك الصورة إلى الشك في بقاء الحدث كي يستصحب. وأما ان كان الحدث المعلوم هو الاصغر، كما لو رأى الانسان بعد نومه رطوبة مرددة بين المذي والمني، ففي هذه الصورة إن قلنا بعدم التضاد بين الحدثين واجتماعهما في زمان واحد، غاية الامر لا أثر للأصغر حين وجود الاكبر، فلا اشكال أيضا في الاكتفاء بموجب الاصغر، فلا مجال لجريان استصحاب الكلي لأنه من القسم الثالث الراجع إلى الشك في مقارنة فرد إلى المعلوم تفصيلا، وفي مثله لا يكون مشكوك البقاء عين المتيقن الحادث كي يشمله عموم حرمة النقض. وإن لم نقل بعدم التضاد واحتملناه، فكذلك لا مجال لاستصحاب الكلي، إذ حينئذ وإن كان حين وجود الرطوبة يحصل العلم بالحدث المردد بين الأصغر والأكبر، بمعنى عدم خلوه عن أحدهما بلا علم تفصيلي في البين، ولكن ذلك المقدار لا يكفي في جريان الاستصحاب الكلي في الحدث المردد، لأن مع فرض احتمال اجتماعهما وجودا لم يحرز كون مشكوك البقاء عين ما تيقن [حدوثه] لاحتمال كون المتيقن الحادث غيره، فلا يثمر مثل ذلك في جريان الاستصحاب أيضا. وإنما [المجرى] له خصوص فرض العلم الاجمالي بأحد الحادثين على سبيل منع الخلو والجمع كليهما، وذلك لا يمكن إلا بفرضهما متضادين غير مجتمعين في زمان واحد، وتلك المضادة أيضا تارة في حديهما واخرى في ذاتيهما:

وعلى الأول تارة: ضعف الأصغر بالنسبة إلى الأكبر ليس بمقدار يصدق عليه الانعدام عرفا بانقلاب حده إلى الاكبر. واخرى: كان بتلك المثابة، كضعف الاصفرار من اللون بالإضافة إلى الاحمرار. فإن كان من قبيل الأول فلا شبهة في جريان استصحاب شخص الحدث المعلوم المحفوظ بين الحدثين بعد الوضوء، لاحتمال عدم صلاحيته لرفعه. كما أنه لا بأس باستصحاب طبيعة الحدث أيضا. وإن كان من قبيل الثاني والثالث فلا يجري الاستصحاب الشخصي، ولكن لا بأس بجريان الكلي منه. وتوهم: أن الوضوء في حال عدم الجنابة كان رافعا لأصل طبيعة الحدث، فإذا فرض في تلك الصورة الوضوء بالوجدان وعدم الجنابة بالأصل فلا يبقى مجال الشك في بقاء الكلي. مدفوع: بأن رفع الوضوء [للحدث] في [ذلك] الحال من جهة انحصار الطبيعة بالأصغر وجدانا، وإلا فشأنه ليس إلا رفع الحدث الأصغر، كما هو ظاهر قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } [المائدة: 6] فان ذلك ظاهر في أن الوضوء رافع لأثر النوم. كما أن قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] [ظاهر في] كون الغسل رافعا لأثر الجنابة، وإن رفع الطبيعة في كل منهما بالملازمة العقلية الناشئة من انحصار الفرد من آثار النوم في حال عدم الجنابة شرعا، وحينئذ فمع الشك في وجود الطبيعي المردد بينهما وجدانا لا يجدي الأصل المزبور مع الوجدان المذكور في رفع الشك عن بقاء أصل الطبيعة. مع أن لازمه إما الاكتفاء بالوضوء المزبور حتى في صورة العلم بالطهارة السابقة من جهة استصحاب عدم الجنابة

الحاكم على الشك في صحة الوضوء، بناء على كون الوضوء موضوع الرافع [لحدث] من لم يكن جنبا. وإن كان الموضوع المحدث بالأصغر الذي لم يكن جنبا، يلزم عدم الاكتفاء بالوضوء في فرض العلم بعدم الجنابة سابقا مع الشك في الطهارة [و] الحدث الاصغر [بعد خروج] الرطوبة المرددة بين البول والمني، ولا أظن التزامه من أحد، إذ هو أيضا مثل المعلوم الحالة من الحدث الاصغر في اكتفائهم بالوضوء محضا بمقتضى قاعدة الاستصحاب. مع ان موضوع رافعية الوضوء من عنوان المحدثية بالأصغر فعلا بعد الرطوبة غير محرز كما لا يخفى. وبالجملة فنقول: إن المستفاد من مجموع الأدلة أن لكل حدث رافعا مخصوصا فرافع الاصغر ممحض في الوضوء، والأكبر ممحض بالغسل. [و] مع تردد الجامع بينهما لا محيص إلا من الجمع بينهما كي به يحصل الجزم بارتفاع الجامع، وإلا فمهما يكن الشك في الجامع موجودا لا يجوز الاكتفاء بواحد منهما ولو جرى الف أصل بالنسبة إلى نفي الأكبر أو اثبات الاصغر، إذ مثل تلك الاصول لا [تصلح] لرفع الشك عن بقاء الجامع إلا على القول بالأصول المثبتة كما هو واضح. وعليه فلا محيص - على ذلك الفرض - إلا الابتلاء بالاستصحاب الكلي الموجب لإثبات [المانع] عن الصلاة، والحال أن ظاهرهم بل وسيرتهم على الاكتفاء بالوضوء الواحد في مثل ذاك الفرض. وعليه فلا محيص في حل ذلك إما من كشف بنائهم في المقام على عدم المصير إلى الاصل المزبور عن عدم تضاد بين الحدثين، أو لا اقل من احتماله، أو من دعوى معارضة هذا الاستصحاب الكلي باستصحاب الحدث الاصغر بحده الخاص، إذ من آثاره كون الوضوء مؤثرا في الطهارة الموجب لصحة الصلاة فعلا، إذ مثل ذلك الاصل معارض باستصحاب الحدث المانع من صحة الصلاة فعلا، فيتساقطان، فيبقى استصحاب الطهارة على تقدير الوضوء بلحاظ الأثر المزبور باقيا بحاله، لأن الأصل في السبب إذا كان معارضا بمثله يبقى الأصل في المسبب المحكوم جاريا بلا حاكم ولا معارض. فإن قلت: إن ترتب الطهارة التعليقية على الحدث الاصغر إنما هو من جهة انحصار الحدث به، ففي الحقيقة نقول: إن ترتب الطهارة على الوضوء من لوازم وجود الحدث الاصغر وعدم غيره، فاستصحاب وجوده لا يثبت نفي الغير إلا [بالأصل] المثبت، فحينئذ فمن أين يحكم بترتب الطهارة التعليقية على بقاء الاصغر بحده؟ قلت: إن مرجع استصحاب الحدث الاصغر بحده المخصوص إلى استصحاب حده الملتئم من حيث وجوده وعدم وجود الزائد، ففي الحقيقة ينحل مثل هذا الاصل إلى الاصلين: وجودي وعدمي، ومن المعلوم أن من آثاره ترتب الطهارة التعليقية كما عرفت. نعم لا يترتب على مثل الأصل المزبور نفي الكلي في الحدث، إذ هو من لوازم نفي الزائد عقلا. كما أن ثبوت الطهارة التعليقية أيضا لا يقتضي نفي الطبيعة في الحدث أيضا إلا بالملازمة العقلية الثابتة بين وجود كل شيء مع عدم ضده. ولذا نقول: إن مثل تلك الاستصحابات لا تكفي لنفي الشك عن بقاء الجامع الحدثي، غاية الامر كانا متعارضين [من] حيث الاثر. فإن قلت: ان المرتب على الطهارة المزبورة أمر تعليقي، و[صحته] تعليقية [منوطة فعليتها] بعدم الحدث الذي هو من الموانع، فاستصحابه حينئذ يرفع تلك الجهة وتلك التعليقية، بل ويمنع عن جريان الأول، لعدم ترتب اثر عملي عليه.

قلت: ذلك كذلك لو كان الحكم بالطهارة بلحاظ تلك الصحة التعليقية، واما لو كان الحكم [بها] بلحاظ ما [لها] من الصحة التعليقية المترتبة عليها، فلا بأس بجريانه، لانتهائه بالآخرة إلى الاثر العملي، لان الصحة [الضمنية] الفعلية لا [تنفك] عن الصحة الفعلية من سائر الجهات حتى في مرحلة الظاهر. وتوهم: أن استصحاب المانع يرفع مثل هذه رأسا، لاقتضائه عدم ترتب الصحة على الشرط ولو ضمنا، فلا يبقى معه مجال لاستصحاب آخر. مدفوع جدا، لأن نتيجته وجود المانع أيضا، [وهو يفتح باب] عدم الصحة من قبله، لا فتحها من جميع الجهات، وإنما يستلزم ذلك أيضا بالملازمة العقلية من جهة عدم انفكاك فعلية الصحة من ناحية شيء مع فعليتها من سائر الجهات واقعا و[ظاهرا]، ولازمه حينئذ عدم تحكيم الاستصحاب في وجود المانع [على الاستصحاب] في طرف الشرط، بل يتعارضان. نعم لو لم تحرز الصحة الفعلية للشرط على وجه لا يمكن أن يكون التنزيل بلحاظه - كما في صورة احتمال اقتران الشرط في الزمان السابق أيضا بوجود المانع - لا يبقى مجال لجريان استصحاب الشرط المزبور حتى مع الشك في وجود المانع، فضلا عن صورة احراز وجوده بأصل من الاصول، ولكن أين ذلك ومقامنا الذي تكون الصحة الفعلية الضمنية بالنسبة إلى الطهارة التعليقية قبل الرطوبة المشتبهة [موجودة وصالحة] لأن يكون تنزيل الطهارة [بلحاظ] الملازمة للصحة الفعلية من سائر الجهات، بالملازمة العقلية الثابتة في الاعم من الصحة الواقعية والظاهرية، غاية الامر يعارض مثل هذا استصحاب الحدث، فإذا فرض سقوطه بالمعارضة مع الاصل الحاكم على هذا الاصل يبقى الاصل المحكوم بلا معارض، كما لا يخفى. هذا ولو تم واغمض عن تلك المعارضة لا يبقى مجال دعوى [اخرى] و[هي]: أن حرمة نقض اليقين [تقتضي] ابقاء اليقين في مورده الذي يترتب عليه عمل، ومثل هذا اليقين - بملاحظة انحلاله باستصحاب الحدث الاصغر - لا يقتضي عملا، لكونه منجزا. [فانها مدفوعة] بأن عدم ترتب العمل عليه في ظرف الحدوث وفي الزمان السابق لانحلاله لا ينافي ترتبه على بقائه في ظرف الشك، [و] في هذا [الظرف] لا يكون منحلا بأصل أو أمارة كما هو ظاهر. وعليه فالعمدة في وجه [الفرار] عن مثل ذلك الأصل - على فرض المضادة بين الحدثين - هو إبداء المعارضة بين الاصول السابقة، وإلا فلم أر فعلا وجها آخر في الفرار عن ذلك الاصل الكلي. وعليك بالتأمل لعلك تجد طريقا آخر. [6 - الاستصحاب في الامور التدريجية] ومنها: ان المتيقن في الاستصحاب تارة من الامور القارة واخرى من التدريجية، ولا اشكال في شمول أخبار الباب [للأول] لكونها قابلة للبقاء بجميع شؤونها وحدودها الشخصية بلا تبدل في حدودها، ولا اختلاف في مراتبها، غير ما ان الشيء الواحد منشأ لانتزاع عناوين مختلفة بلحاظ [وجوده] في أول زمان تحققه فينتزع عنه الحدوث، و[وجوده] بعد هذا الزمان متصلا بالأول فينتزع عنه البقاء. ففي الحقيقة مثل تلك المراتب المختلفة ناشئة عن ملاحظة الوجود الشخصي في الأزمنة المتعددة بلا اقتضاء ذلك المقدار اختلافا في [حدوده] الشخصية ولا تكثرا في مراتبها الذاتية، كما هو الشأن في صورة ملاحظته في أمكنة متعددة. وفي قبالها الامور التدريجية التي كانت وجودها في كل آن في حد مخصوص غير حد ثابت له في آن آخر. بل كان مثل ذلك الوجود ما دام [متحققا] مشغولا بخلع ولبس آخر، ولكن لا يضر هذا المقدار أيضا بوحدته الشخصية الخارجية، إذ مدار صدقها على اتصال وجوده المحفوظ بين تلك الحدود المتجددة المختلفة بلا تخلل عدم في البين. نعم ربما ينتزع العقل من اختلاف تلك الحدود مراتب مختلفة من الوجود على وجه ينعدم بعضها ويوجد بعض آخر، ولا يزال شأن تلك الوجودات التصرمية إلا مشغولة بإنوجاد مرتبة وانعدام مرتبة اخرى مع حفظ أصل الوجود [الذي] يكون منشأ انتزاعه من بين تلك المراتب، ولكن هذا المقدار لا يوجب [جعله] من الامور القارة التي شأنها عدم تغائر حدودها بمرور الزمان [عليها]، إذ قد عرفت أن شأن الوجود المزبور في كل آن كونه في حد مخصوص ومرتبة مخصوصة، غاية الأمر اتصال وجوده من حيث المراتب - من جهة عدم تخلل العدم في البين - صار منشأ وحدته الشخصية الخارجية، وإلا فهو بنفس ذاته ليس إلا مجمع الحدود والجهات، بحسب ما لها من المراتب الموهومة المتصورة بقياس وجوده الآني إلى وجوده سابقا ولاحقا، كما أنه في كل آن مرتبة خاصة، غير ما هو متحقق سابقا ولاحقا وإن اتحدت المراتب المزبورة ذاتا [و] وجودا خارجيا. وعليه فحينئذ تقسيم الحركة إلى القطعية والتوسطية، وجعلهم [الاخيرة] من الامور الحقيقية القارة، دون الاولى [المنتزعة] من حيث امتدادها القابل للتقطيعات الموهومة غير الموجودة فعلا أو المتدرجة خارجا (6)، بظاهره غير مستقيم. وذلك لما عرفت من أن الامور القارة لا [تكاد تختلف فيها] حدود الوجود ومراتبه باختلاف الآنات المارة عليه، بل الوجود في الآن السابق [عين] ما هو باق في الاخير حدا ومرتبة. بخلافه في المقام، إذ ما هو محفوظ بين المبدأ والمنتهى ليس على نحو يكون مجمع حدوده ومراتبه محفوظا في كل آن وأين، بل الموجود في كل آن وأين غير ما هو موجود في آن وأين آخر من حيث الحدود والمرتبة، وإن كان عينه ذاتا وشخصا بالمعنى المتقدم، بملاحظة اتصال تلك المراتب على وجه [لا] يكون تخلل عدم في البين، ولكن ذلك المقدار لا يوجب صدق القار عليه. ولذلك ترى [انهم] استشكلوا في اسماء الزمان: بأن الذات المتلبسة بالمبدأ بنفسها منقضية، لا أن الانقضاء مختص باتصافها بمبدئها، فذاك الاشكال في الحقيقة صار منشأ الاشكال في باب الاستصحاب أيضا، بملاحظة أن الذات المتلبسة بالصفة إذا كانت بنفسها منقضية، فلا يكاد [يصدق] على مثلها بقاء ما سبق، إذ شأن البقاء من الذات هو كون الوجود في الآن الثاني [عين] الوجود في الآن الأول ذاتا وحدا ومرتبة، وإلا فمع فرض اختلاف [الوجود] من جميع الجهات لا يكاد يصدق عليه البقاء لما سبق، بل هو في كل آن مرتبة اخرى حادثة متجددة، وإن كان باتصال وجودها [بالسابق] ينتزع منهما وحدتهما شخصا، ولكن لا يوجب هذا المقدار صدق [البقاء] الذي هو مدار عدم [نقضه]. وحينئذ لا [تكاد تنحل] تلك الشبهة إلا بامور: إما بدعوى كفاية الوحدة الشخصية الخارجية - المنتزعة عن فقدان التخلل بالعدم - في صدق البقاء حقيقة. أو بدعوى أوسعية صدق النقض عن مورد صدق البقاء بالمعنى المزبور كذلك. أو بدعوى صدقهما في المقام عرفا مسامحة، وذلك أيضا إما بدعوى: أن هذا المقدار من الوحدة الشخصية - المحفوظة بين الحدود المتبادلة والمراتب المتفاوتة - منشأ مسامحتهم في صدق البقاء على مثله، أو بدعوى: ان بوجود اول مرتبة من مراتبه يصدق عليه الحدوث وبتلاحق بقية المراتب يصدق عليه البقاء. وربما يصدق عليه بالمسامحة [الاخيرة] أيضا بالنسبة إلى بعض العناوين المنتزعة عن مجموع قطعات مخصوصة محصورة بين الحدين، كاليوم والليل والساعة والدقيقة وامثالها، بخلاف المسامحة من الجهة الاولى، إذ مجرد الإغماض عن تعدد المراتب وصدق البقاء على مثلها إنما يتم في صورة عدم دخل المراتب المتلاحقة في صدق أصل اليوم أو الليل مثلا، وإلا فلا يكاد يتحقق الحدوث إلا بلحوق بقية الاجزاء أيضا. فمع ذلك كيف يصدق على البقية بقاء عنوان اليوم. ومن هنا ظهر عدم تمامية تصحيح البقاء بالوجه الأول أيضا، وهكذا الوجه الثاني، ولذا اقتصر الشيخ (رحمه الله) (7) في الفرض المزبور على المسامحة المسطورة اخيرا. [فبالتوجيهات] المذكورة [حينئذ] إنما يصح أمر الاستصحاب في الزمان و[امثاله] من التدريجيات من حيث شبهة اختلاف القطعات الموجودة ومغايرة الموجود الفعلي [للمعلوم] سابقا على وجه كان مجال شبهة كون المورد من باب الشك في الحدوث، لا من حيث شبهة دخل المراتب المتلاحقة في صدق أصل العنوان على وجه لا يكاد يصدق عليه العلم بالحدوث. وفي الحقيقة مرجع تلك الشبهة إلى التشكيك في صدق الحدوث على ما علم سابقا، ومرجع الشبهة الاخرى إلى التشكيك في صدق البقاء على تجدد المراتب المتلاحقة، وتلك الشبهة جارية في جميع الامور التدريجية، بخلاف الشبهة الاخرى فإنها مختصة ببعض العناوين الحاكية عن مجموع قطعات متصلة محدودة بين الحدين ومحصورة بين الحاصرين. ثم لا يخفى أن الاستصحاب الجاري في الزمان وغيره من التدريجيات إنما يكون بنحو مفاد ليس التامة وإلا [فبنحو] مفاد كان الناقصة المقتضية لاثبات نهارية الآن المخصوص فلا يكاد يجري ابدا، لعدم احراز الحالة السابقة لهذا المعنى. وحينئذ فكل أثر يترتب على مثله لا يكاد يثبت ببركة الاستصحاب كما هو ظاهر. نعم لا بأس بترتب الآثار المترتبة على المعنى الأول من دون فرق بين كون مورد الاستصحاب نفس القيد أو المقيد به، وذلك أيضا بشرط كون الشك في بقاء القيد من جهة الشبهة الموضوعية وإلا ففي الشبهة المفهومية لا يعم الامر في الاستصحاب في مورد من موارده، لأن مرجع الشبهات المفهومية طرا إلى تعلق الشك بأمر عرضي خارج عن مورد الأثر فيكون حالها حال الشخص المردد الذي قد تقدم عدم جريان الاستصحاب فيه بالتقريب المتقدم. نعم في فرض كون الشبهة موضوعية صرفة لا فرق في جريان الاستصحاب بين صورة الشك في قيدية الأمر الموجود - كما هو الشأن في فرض كون الشبهة حكمية محضة (8) -. ثم في فرض قيدية الزمان في الحكم أو موضوعه لابد وأن يكون [للقيد] نحو امتداد قابل الاعتبار والاستمرار فيه وإلا فلو فرض دخل كل آن في موضوع الحكم فلا يكاد يجري الاصل في القيد بل ولا في المقيد أيضا، بل المشكوك حينئذ تحت استصحاب العدم، وربما يشك بأنه من أي نحو، فلا يجري في مثله الاستصحاب لا وجوديا ولا عدميا لاحتمال انتقاض العدم الازلي بالوجود. وتوهم أن المنقلب إلى الوجود من الاعدام الأزلية هو العدم في الزمان المعين وإلا [فبقية] الأعدام [باقية] تحت الاستصحاب. مدفوع بان ذلك صح في فرض احراز كون القيد من [قبيل] الأول، وإلا فعلى فرض كون القيد أمرا واحدا مستمرا لمقيد واحد كذلك فلا يكاد يجري الاستصحاب المزبور، لأنه بعد فرض تجريد العرف مثل هذا الوجود عن خصوصية القطعات التحليلية بحسب الآنات المتعددة فحينئذ لا [يرونه] إلا وجودا واحدا بحتا غير متكثر على حسب التقطيعات المزبورة، ومثل هذا الوجود ليس له إلا عدم واحد انتقض بوجوده، وبعد هذا لا يبقى محل الاستصحاب للوجود، والجمع بين النظرين أيضا في هذا المقام غير ممكن.

ومن هذه الجهة نلتزم ببطلان توهم تعارض استصحابي الوجود والعدم حتى [لو] كان الحكم ثابتا للطبيعة السارية ضمن القطعات المستمرة في الآنات المتوالية ولو لم يكن الزمان إلا ظرفا محضا، من دون اختصاص مورد توهم التعارض المزبور بصورة اخذ كل آن قيدا وعدمه كي يرد عليه باحتياج التعارض المزبور إلى التجريد عن الزمان وعدمه كما هو ظاهر. ثم لا يخفى ان الاسباب المجعولة لمسببات مخصوصة - نظير اسباب الملكية والطهارة والحدث - [ليست] من قبيل الاسباب الخارجية التي [كانت] نسبتها إلى المسببات المزبورة من قبيل [نسبة] المؤثرات إلى اثرها الموجب لكونها إما مؤثرة في حدوثها، وأما بقائها فمستند إلى استعداد ذاتها كي لا يضر ببقائها انعدام أسباب حدوثها كبقاء بعد بقاء الثاني (9)، أو مؤثرة في بقائها أيضا المستلزم لانعدام البقاء بانعدام بقاء العلة، بل هي من باب الامور الاختراعية الباعثة لمنشأ اختراعها، فربما يكون مثلها بوجودها إلا في منشأ اختراع المنشأ إلى الابد بلا صلاحية شيء لرفع مثله (10). وتارة يكون [بحدوثه] منشأ اعتبار بقاء الشيء كذلك مع صلاحية اعتبار رفعه برافع مخصوص، ومرجع هذا الاعتبار أيضا إلى دخل عدم الشيء المزبور في اعتبار بقائه. وتارة اخرى يكون الشيء بحدوثه منشأ اعتبار حدوث الشيء وبقاؤه منشأ اعتبار بقائه. واما فرض كون الشيء بحدوثه منشأ اعتبار حدوث الشيء محضا و[كون] بقائه مستندا إلى استعداد ذاته فهو في مثل الامور الاعتبارية غير متصور لاستحالة استعداد لذاتها بلا دخل لمنشأ اعتبارها فيها، لأنها في الحقيقة فيئ منشئها، فلا جرم يكون منشئها دخيلا بحدوثه في بقاء الشيء غاية الأمر في ظرف عدم الامر الفلاني. ومثل ذلك المعنى في المؤثرات الحقيقية غير متصور ولذا لابد فيها من انعزال السبب عن دخل مثله بالنسبة إلى بقاء الشيء بل تمام السبب في بقائه استعداد ذاته فالمؤثرات الحقيقية في طرف الانعكاس مع الاختراعيات في مثل هذا الفرض. وحينئذ فجعل الأسباب الشرعية من سنخ المؤثرات الخارجية في كونها سبب حدوث الشيء وأن بقاءه مستند إلى استعداد ذاته فرع خروجها عن عالم الاعتبارات ودخولها في المؤثرات الحقيقية وهو بمعزل عن التحقيق، كيف وفي مثل تلك الاسباب نرى بالوجدان سببية الايجاب المعدوم حال القبول للملكية، والالتزام بسببية الايجاب ومثله لامر آخر هو باق إلى حين تاء قبلت مما يقطع بخلافه، وبتلك الملاحظة أيضا تصورنا سببية الاجازة المتأخرة للملكية السابقة ووجهنا [بها] الكشف المشهور خلافا لمن استشكل فيه بخيال كونها من المؤثرات الخارجية، وحينئذ العجب كل العجب من العلامة الطوسي (11) حيث إنه في المقام أيضا مشى بمشي شيخنا العلامة (قدس سره) (12) بجعلها بحدوثها اسبابا لحدوث مسبباتها وأن بقاءها مستند إلى استعداد في ذاتها، والحال أن مثل هذا المعنى شأن المؤثرات الحقيقية وهو في كمال التجنب عن هذا المعنى في مكاسبه (13) وجعل

اساس مثل هذه الامور على الاختراعية عن منشأ مخصوص بلا التزامه بتأثير وتأثر كما لا يخفى على من لاحظ.

[7 - الاستصحاب في الامور التعليقية]:

ومنها: أن المستصحب تارة يكون وجودا تنجزيا واخرى أمرا تعليقيا، وعلى الاخير فتارة يكون التعليق منتزعا عن جعل الشارع، [واخرى] يكون من الخارجيات [غير] المرتبطة بجعله ابدا، وعلى الأول فتارة يكون التعليق المزبور واردا في لسان الدليل، واخرى ليس كذلك بل العقل ينتزع التعليقية المزبورة من جعل حكمه لعنوان مخصوص بنحو التنجيز، مثل ما لو ورد في لسان الدليل وجوب اكرام العالم المنشأ لانتزاع قضية اخرى بأنه: لو كان الانسان عالما [لوجب] اكرامه. وقد يظهر عن البعض في بحث منجزات المريض من ملحقات حاشيته على المكاسب التفصيل في [القضايا] التعليقية بين ما كانت واردة كذلك في لسان الدليل وبين ما ينتزعها العقل من سائر القضايا التنجيزية الشرعية بجريان الاستصحاب في الاولى دون الثانية باعتذار أنها ليست شرعية ولا لها اثر كذلك بل عقلية محضة. ولكن لا يخفى من أن مدار شرعية الأثر في باب الاستصحاب ليس على الشرعية بلا واسطة بل كل ما ينتهي أمر رفعه ووضعه إليه ولو بالواسطة فهو كاف في بابه. وبهذه الملاحظة قلنا بأن الكلام في جعلية الأحكام الوضعية وانتزاعها غير مثمر في مقامنا بل على فرض الانتزاعية أيضا يكفي مجرد انتهاء أمر وضعها ورفعها إلى الشارع في شرعية الأثر في باب الاستصحاب.

نعم هنا اشكال آخر سار في كلية التعليقات حتى الواردة كذلك في لسان الدليل، وهو أن مرجع التعليق المزبور إلى الملازمة بين وجود الشيء ووجود الحكم وتلك الملازمة بنفسها ليست من الأحكام الشرعية بل [هي] اعتبار عقلي قائم بالحكم، وعموم حرمة النقض غير ناظر إلى غير الأحكام وغير ما هو [موضوعها]. ولا يخفى ما في هذا التوهم والاشكال أيضا بأن مجرد خروج مثل هذا الاعتبار عن حقيقة الحكم لا ينافي [مجعوليته] ولو بتوسيط جعل الحكم بمعنى كون أمر [بقائه ورفعه] بيد الشارع ولو بتوسيط رفع حكمه عند وجود ملزومه. فحينئذ بناء على كون الاستصحاب في المجعولات الشرعية [منتجا] لجعل مماثله ظاهرا، فنتيجة الاستصحاب في تلك الملازمة أيضا جعل مماثلها، ومن المعلوم أن لازم تلك الملازمة المجعولة أعم من الواقعية والظاهرية، فعليه وجود الملزوم عند وجود اللازم ينتهي - ببركته - إلى حكم العقل بوجوب الامتثال في مقام العمل، فحينئذ لا قصور في عمومات الباب عن الشمول لمثل تلك الملازمات الشرعية والاعتبارات العقلية. نعم قد يستشكل الأمر بناء على التحقيق من عدم كون الاستصحاب حتى في الأحكام الشرعية [منتجا] لجعل مماثل المعلوم سابقا، بل كان [مفاده] الأمر بالمعاملة مع المتيقن معاملة الواقع، ومرجع ذلك إلى ادعاء [وجوده] بلحاظ ما يترتب عليه من العمل لا إلى جعل مماثل [له] في مرتبة متأخرة عن الشك بالواقع، إذ حينئذ يجئ في البين: ان استصحاب الملازمة يرجع إلى تنزيل الملازمة الواقعية منزلة الوجود بلحاظ ما يترتب عليه من العمل بلا جعل ملازمة حقيقية في مرحلة الظاهر، ومن البديهي ان العقل لا يحكم حينئذ بملازمة تنزيل الملازمة مع تنزيل وجود الملزوم عند وجود اللازم ولا مع وجوده حقيقة، فيبقى التنزيل المزبور منفردا عن وجود لازمه حقيقة أم ادعاء، ومن البديهي ان مثل هذا المعنى لا ينتهي إلى أثر عملي أصلا، ومثله غير مندرج في عمومات الباب كما هو ظاهر. هذا ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال مبني على المذهب المشهور من ان مرجع التعليقات الشرعية إلى مجرد جعل الملازمة بين [وجود] الشيء ووجود الملزوم خارجا كما هو الشأن في التعليقات غير الشرعية من الاوصاف واللوازم المنوطة بوجود موصوفاتها خارجا، بحيث قبل وجود الموصوفات في الخارج لا يكون في البين حقيقة الملزوم اصلا بل ليس إلا مجرد الأمر الاعتباري العقلي المعبر عنه بالملازمة بين الوجودين، كما اشرنا إليها في طي التقرير على طبق المشهور، وإلا فبناء على التحقيق في تعليقات الأحكام من رجوعها إلى جعل حقيقة الحكم منوطا بوجود [شروطه] في فرضه ولحاظه، كما هو الشأن في مثل تلك الصفات الوجدانية من الارادة والكراهة، فلا بأس بدعوى كونها بمثل هذا النحو من الوجود موضوع الأثر العملي ومناط حكم العقل بوجوب الامتثال عند تحقق المنوط به في الخارج من دون حصول تغيير في الحكم المزبور بوجود ما انيط به في الخارج أبدا بل الحكم المزبور بنحو كان حاصلا ومتحققا قبل تحقق الشرط في الخارج. ولذا نقول بعدم انقلاب الواجب المشروط عن كونه كذلك حين حصول الشرط، نعم إنما يترتب على وجود شرطه حكم العقل بوجوب امتثاله وهذا معنى اناطة فاعليته ومحركيته بوجود شرطه بلا تغيير في عالم فعليته. فتمام موضوع حكم العقل بترتب الأعمال هو هذا الحكم العقلي المنوط، غاية الأمر لا مطلقا بل [بشرط] فعلية شرطه خارجا. وحينئذ فلا قصور في ادعاء مثل هذا الحكم عند تحقق المنوط به خارجا في ظرف الشك به بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال بلا التزام بجعل مماثل حقيقة في مرحلة الظاهر ابدا. ثم إن ذلك أيضا على فرض مشي القوم من جعل اليقين في الباب طريقا لإيصال حرمة النقض إلى المتيقن، وإلا فبناء على التحقيق من كونه بنفسه موضوع حرمة النقض بلحاظ ما يترتب عليه من العمل - على ما اسلفنا - فلنا تقرير آخر من إجراء الاستصحاب في مثل هذه التعليقيات حتى على المذهب المشهور في الواجب المشروط بلا احتياج أيضا إلى جعل مماثل ابدا، وذلك بدعوى ان اليقين بالملازمة في كل مقام مستتبع لليقين بوجود الشيء منوطا بوجود الملزوم في فرضه ولحاظه، ولذا يصح الإخبار عن وجوده كذلك جزميا مقرونا بألف حلف، ويقال في الليل: لو كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. وتوهم: أن ذلك إخبار عن الملازمة، غلط واضح، إذ المخبر به هو وجود الملزوم في ظرف وجود لازمه وهو غير الملازمة. وليس ذلك أيضا إخبارا [عن] الوجود المنوط في ظرف تحقق ما انيط به، إذ هذا الوجود المنوط ربما لا يكون متحققا في العالم ولو من جهة استحالة المنوط به، ومع ذلك يصح الإخبار عنه، كما في الإخبار عن فساد العالم في ظرف تعدد الآلهة، وليس ذلك إلا من جهة أن القطع بهذا الوجود منوط بفرض تعددها في لحاظه لا من جهة القطع مطلقا بالوجود المنوط، ولذا نقول: بأن في مثل هذا المثال أصل إخباره منوط بتبع إناطة تصديقه به وجدانا لا انه إخبار بوجود أمر منوط، كيف وفي المثال الثاني كذب محض كما لا يخفى. وحيث كان الأمر كذلك فنقول: إن قضية القطع بإناطة الوجوب بأمر كذا - على المذهب المشهور - القطع المنوط بوجوده بتحقق الوجوب، ومن المعلوم أن مثل هذا القطع المنوط مما يترتب عليه العمل عند تحقق المنوط به خارجا، ولازمه شمول حرمه نقض اليقين لمثله أيضا. وتوهم أن موضوع العام وهو القطع الفعلي بالوجود مطلقا أم منوطا، وفي المقام لا يكون قطع فعلي منوط بوجود شيء، إذ في الزمان الثاني كانت الملازمة حسب الفرض مشكوكة والقطع المنوط إنما يتحقق في ظرف القطع بالملازمة وهو ليس إلا [في] الآن السابق، فليس في البين قطع فعلي ولو منوطا كي يتوجه إليه حرمة نقضه بالشك. مدفوع: بأن ما هو مفقود فعلا هو القطع المنوط بالوجود الفعلي، أما القطع الفعلي منوطا بالوجود السابق فهو غير حاصل جزما، غاية الأمر كما أن قيد السبق واللحوق لابد من إلقائهما في ظرف المتعلق لا بأس بإلقائهما عرفا أيضا في ظرف المنوط به، فيقال - بنحو الاهمال -: ان اليقين الفعلي بوجود شيء [منوطا] بوجود شيء آخر لا ينقض بالشك بهذا الوجود لا ينقض بالشك مسامحة منوط بالوجود الاخر كذلك (14). ثم لا يخفى أن مثل هذا البيان أيضا جار في التعليقات الخارجية غير الشرعية التي يكون الأثر الشرعي فيها مترتبا على الوجود المنوط، وربما يتفرع على مثل هذا البيان الحكم بوجوب التيمم في فرض كون الشخص مقرونا بوجود ماء وواجدا لمائع آخر شك في اضافته على وجه ليس له حالة سابقة، ثم فقد الماء الأول، فان مقتضى الاستصحاب التعليقي هو الحكم بالفقدان على تقدير تلف الماء الأول قبل حصول مشكوك المضافية، والآن كما كان فيترتب عليه حكم الفقدان من صحة تيممه بلا احتياج أيضا إلى حديث رفع الواجدية كي يرد عليه بأنه لا يثبت به التكليف لإنه خلاف الامتنان، ومع هذا الأصل أيضا لا [تنتهي] النوبة إلى حكم العقل بالجمع بين الوظيفتين من جهة العلم الاجمالي كما لا يخفى. نعم لو بنينا على أن حرمة النقض متوجهة إلى المتيقن لا يكاد [يجري] مثل هذا الاستصحاب، لأن الملازمة المعلومة لا يكاد يترتب [عليها] اثر شرعي، وما هو موضوع الأثر من لوازمه العقلية الواقعية [غير] الثابتة بالاستصحاب حتى بناء على مشرب من التزم في الشرعيات بجعل المماثل فضلا عن المصير فيها إلى البناء على الوجود والتعبد به عملا محضا، بل وبناء على ذلك المشرب ربما يعارض الاستصحاب التعليقي في الشرعيات مع استصحاب التنجيزي السابق، إذا كان ارتفاعه في فرض وجود المعلق عليه بمناط المعارضة وتقديم جانب التعليق لحكومة بقاء التعليق على مثله. وأما بناء على مشربنا فقد يتوهم عدم وصول النوبة إلى المعارضة أصلا، إذ كما يجري استصحاب الحرمة التعليقية كذلك يجري استصحاب عدم الوجوب منوطا بعدم المعلق عليه، وان [كان] مثل تلك الاناطة عقلية محضة من قبيل تزاحم المناطين. ولكن لا يخفى ما فيه من انه كما ان لنا حينئذ قطعا بعدم الوجوب منوطا بالمعلق عليه للحرمة، كذلك لنا أيضا قطع مطلق بوجوب الشيء منجزا، وكل واحد من القطعين مشمول [لحرمة] النقض بلا وجه لتقدم احدهما على الآخر بعد فرض عدم كون ارتفاع أحدهما من آثار الآخر شرعا كي يصير أحد الاستصحابين حاكما على الاستصحاب الآخر كما لا يخفى. وعليه فلا يخلو مثل تلك المقامات عن شبهة المعارضة على أي واحد من المشربين، بل وربما يبتلي الاستصحاب في التعليقات الخارجية - على مشربنا - غالبا باستصحاب نقيضه أو ضده المعلق بنحو التنجز.

نعم في بعض الموارد - كما في الفرع السابق - لا يجري الاستصحاب التنجزي في طرف النقيض، لأنه من الاستصحاب الكلي القسم الثالث، وفي مثله لا بأس بالتمسك بالاستصحاب التعليقي المثبت لوجوب التيمم بلا معارض كما لا يخفى.

[8 - استصحاب الاحكام الثابتة للأفراد المتدرجة في الوجود]:

ومنها: انه لا فرق في جريان الاستصحاب بين كون المستصحب حكما ثابتا لأشخاص باقية إلى زمان الشك، أو حكما كليا ثابتا لعنوان كلي منطبق على الاشخاص [التدريجية]، متباين الوجود مع الموجودات في زمان اليقين، من دون فرق بين ان يكون مثل هذا الحكم من احكام تلك الشريعة المطهرة أو من السابقة عند احتمال عدم نسخه بهذه الشريعة. وتوهم: أن اختلاف الاشخاص في الزمانين موجب لاختلاف الموضوع ومنشأ للشك في الحدوث، إذ لا يتصور مع الشك في نسخه الشك في بقائه محضا إلا على فرض تصوير البداء الحقيقي، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. مدفوع: بأن بعد ثبوت الحكم بالنسبة إلى [القطعة] السارية في ضمن الافراد لا يكاد [يثبت] اختلاف الموضوع في القضية المتيقنة، فبالنسبة إلى تلك القطعة شك في البقاء محضا، نعم حدوث شك في انطباقها على الأفراد التدريجية أيضا، وهذه الجهة من [اللوازم الأعم] لبقاء الطبيعة واقعا أم ظاهرا، ولولا تلك الجهة يشكل أمر الاستصحاب في غالب الموارد، إذ الحكم التكليفي متعلق بأفعال المكلفين بعنوان كلي مع كون مصاديق الفعل بحسب الزمان تدريجية، فلولا سراية عنوان الاكرام - الموضوع لبقاء الوجوب بحكم الاستصحاب - [إلى] شخص الاكرام الصادر منه في زمان الشك لما يثمر استصحابه ابدا كما هو ظاهر. نعم قد يستشكل في العمومات الاستغراقية الحاكية عن إنشاء أحكام متكثرة لأشخاص متعددة، فإن جهة الوحدة الملحوظة في تلك القضايا - وهي عنوان تمام الافراد - وإن كانت من العناوين المبهمة القابلة للانطباق على مصاديق مختلفة حسب اختلاف زمان بقائها، نظير مفهوم الجمع القابل للانطباق على أقل المراتب [و] اكثرها، ويتصور في حقها البقاء الموجب لسعة دائرة انطباقها، ولكن من المعلوم أن مثل هذا العنوان - سواء اخذ في لسان الدليل حرفيا أو اسميا - ليس بنفسه موضوع الحكم الشرعي ابدا، بل هو في الحقيقة نفس المتكثرات التدريجية، وأن مثل هذا العنوان من العناوين العرضية المشيرة إليها، كعنوان أحد الفردين في الفرد المردد، و[في] مثل تلك العناوين العرضية الخارجة عن موضوع الأثر الشرعي لا يصلح امر الاستصحاب، بل لابد من اعتبار بقاء في ما هو واقع الموضوع، وحينئذ [ففي] مثل تلك القضايا لا يتصور الشك في بقاء ما هو موضوع الحكم الشرعي لان الموجودات في زمان الشك غير المحكيات بالعنوان المزبور في القضية المتيقنة، كيف ولو كانت محكية [لما كان] مجال [للشك] في بقاء حكمها، بل الحكم المزبور - على فرض حدوثه لها - مقطوع البقاء، وإنما الشك ممحض في حدوثه لها ولو من جهة ملازمة الشك في نسخه منه بعد استحالة حقيقة البداء في حقه تعالى. ومثل هذا الاشكال أيضا في الالتزام بشمول الحكم في الآن الأول لجميع ما يتصور له من الفرد في هذا الآن أعم من الفعلية والفرضية، فإنه حينئذ [تكون] الافراد المتصورة الفرضية تحت حدوث الحكم في الأول ونشك حينئذ في بقائه بالنسبة إلى الزمان الثاني الذي صارت الفرضيات [فيه] فعلية.

وتوهم: أن الحكم الثابت للفرضيات ليس [فعليا] وإنما هي احكام اقتضائية و[استصحابها] لا ينتج في فعليتها إلا على القول بالأصول المثبتة. مدفوع: بأن الغرض من نفي فعليتها إن كان نفي فعلية الارادة [المتوجهة] إليها فهو باطل جدا، إذ لا قصور في توجه الارادة [إلى] الفرضيات بعد العلم بتمامية المصلحة فيها، وإنما انعدامها مانع عن محركية الارادة [نحوها]، وهذه المحركية من شؤون حكم العقل بوجوب امتثالها و[هي] من اللوازم [الأعم] من الواقع والظاهر، وليس بمثبت أصلا. نعم [من] التزم بعدم الارادة الفعلية نحو مثل تلك الوجودات وجعل مثل تلك الأحكام اقتضائية محضة فهو في ضيق من هذا الإشكال، إذ ترتب فعلية الارادة على الوجود إنما هو من اللوازم العقلية الواقعية وشأن الأصل ليس اثباتها، ولذا قلنا في القضايا التعليقية أيضا بأن [جريان الاستصحاب فيها] فرع الالتزام بكون وجود المعلق عليه خارجا دخيل في محركية ارادته لا فعليتها، وإلا فيشكل أمر اثباتها بناء على ارجاع الاستصحاب إلى الأمر بالمعاملة مع المتيقن معاملة الواقع لا إلى جعل المماثل، وإلا [فترتب] الفعلية المزبورة عند وجود المنوط به من [اللوازم الأعم] الخارج عن مرحلة [المتيقنية] كما لا يخفى.

ومن هذا البيان نقدر على اجراء الاستصحاب في المقام بنحو التعليق، بان نقول: ان الوجودات في زمان الشك سابقا لو كانت موجودة لكانت محكومة بحكم كذا والآن كما كان، وذلك واضح. ثم بعد هذا البيان لا يحتاج إلى فرض وجود مدرك الزمانين، كي يستصحب الحكم في حقه ويلحق الباقي به بعدم الفصل كي يحتاج في اثبات الاشتراك في خصوص الحكم الواقعي [إلى شيء] في المقام فتدبر.

[9- الأصل المثبت‏]:

ومنها: أن مرجع حرمة نقض اليقين بالشك إلى وجوب المعاملة مع المتيقن السابق معاملة بقائه، ومثل ذلك المعنى مشتمل على عناية تنزيل وادعاء بقاء للمعاني بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال، نظرا إلى جعل أثر مماثل لما تيقّن أصلا، من دون فرق في هذا المعنى أيضا بين فرض كون المتيقن السابق حكما أو موضوعا. ففي الحقيقة نظر أمثال تلك التنزيلات إلى الآثار العملية لا الشرعية وإنّما شرعيتها مستفادة من الأمر بتلك المعاملة بعنوان كونها أعمالا شرعية في بنائه.

وحيث كان الأمر كذلك فنقول: إنّ قضية تنزيل الحياة والأمر بالبناء [عليها] تارة [هي‏] توسعة الحياة من حيث [موضوعيتها] لوجوب الإنفاق، وتوسعة الحياة من هذه الحيثية عين توسعة [محمولها] من وجوب [إنفاقه‏] و[بتوسعة] وجوب [إنفاقه‏] بلحاظ ما يترتب عليه [من‏] العمل خارجا بتلك العناية يصدق ان التنزيل في المتيقن بلحاظ ما يترتب عليه من العمل بلا واسطة. وأخرى [هي‏] توسعة الحياة بلحاظ التعبد [بأثرها] الشرعيّ بلا واسطة والنظر إلى التعبّد [بأثرها] كذلك إلى أن ينتهي إلى العمل ولو بألف واسطة. وعلى التقديرين لا بأس بشمول اخبار التنزيل [للآثار] الشرعيّة المترتبة على الحياة بتوسيط آثار عقلية أو عادية، لإمكان إجراء كلا التقريبين فيه. ولا [تكاد ترفع‏] تلك الغائلة بمجرد الالتزام بكون نظر التنزيل منصرفا إلى الآثار بلا واسطة، إذ مع فرض هذا الالتزام أيضا لا بأس بتصحيح الأصول المثبتة بالتقريبين السابقين.

فحينئذ لا بدّ في مقام الفرار عن الأصول المثبتة من دعوى انصراف آخر من كون نظر أمثال تلك الرواية [في‏] التنزيلات المزبورة هو توسعة القضايا الشرعية بلا شمولها للقضايا العقلية والعادية.

وتوهّم: عدم الاحتياج إلى هذه الدعوى بل يكفي عدم صلاحية مثل تلك الآثار للجعل حقيقة في مقام التشريع، ومن الواضح كون النظر في تلك التنزيلات إلى جعل مثل الأمر حقيقة.

مدفوع: بما أشرنا أوّلا: أنّ الأمر بالبناء على شي‏ء غير بناء نفس الشارع على الشي‏ء، وان ما هو مستتبع لجعل مماثل الأمر هو الثاني لا الأوّل، بل الأوّل لا يستتبع إلاّ البناء على وجود الأمر لا وجوده حقيقة، ولذا قلنا أيضا: بأن مرجع أمثال تلك التنزيلات إلى التعبد بآثارها لا إلى جعلها حقيقة.

مع انّ لازم ما أفيد عدم شمول حرمة النقض [لموارد] ترتّب الأثر الشرعي العملي على آثار شرعية سابقة خارجة عن محل الابتلاء رأسا، كما يتصور فرضه بتعلق [الأمر] بأمور [طولية] بعضها خارجة عن محل ابتلاء المكلف، فانه بناء على كون تنزيل الحياة بلحاظ جعل مماثل الأمر بلا واسطة حقيقة [يستحيل‏] شموله لمثل المقام، إذ لا يعقل جعل حقيقة التكليف بالنسبة إلى الأعمال الماضية الخارجة عن محل الابتلاء فعلا، فلا محيص في مثله من دعوى كون التنزيل في هذا المقام مستتبعا لوجود الأمر بناء لا حقيقة، ووجوده كذلك بلحاظ وجود أمره كذلك إلى ان ينتهي إلى العمل.

وعليه فما لم يحرز الانصراف- الذي نحن [ادّعيناه‏] في هذه العمومات- لا يكاد يخرج بعض الأصول المثبتة عن تحت العام، وهو الجاري بلحاظ الأثر الشرعي المرتّب على [الأثر] العقلي والعادي، واما بلحاظ الترتب على اللازم والملزوم فلا [تكاد تثبت‏] حجيتها حتى على تقريبنا، وذلك ظاهر. وعليك‏ بالتأمل فيما ذكرنا تراه حقيقا بالقبول.

وهم ودفع: لعلك تقول: إنّه بناء على مشرب كون نظر التنزيل إلى جعل مماثل الأمر حقيقة وانصرافه إلى الأمر بلا [واسطة] يلزمه عدم شمول عموم التنزيل للآثار مع الواسطة ولو كانت بتوسيط آثار شرعية، وهو كما ترى.

وتوضيح الدفع بأن قضية جعل الأثر بعناية أنّه الأثر الواقعي متضمن لتنزيل آخر في نفسه المستتبع لجعل أثر آخر بهذه العناية وهكذا إلى ان ينتهي إلى مقام العمل، وعليه فلا يرد النقض على ذلك المشرب إلاّ في ما فرضناه من توسيط الشرعيات الخارجة عن محل الابتلاء غير [القابلة] لجعل مماثل فعلا حقيقة كما هو ظاهر.

ثم اعلم ان ما ذكرنا في وجه عدم شمول دليل التنزيل بالنسبة إلى آثار الشي‏ء الثابتة بواسطة الأمور العقلية والعادية جار بالنسبة إلى كل دليل متكفل لمثل تلك التنزيلات من دون فرق بين كونه من الأصول أو الأمارات، فالفرق بين الأصول والأدلّة الاجتهادية حينئذ بالالتزام بحجيّة المثبت في الثانية دون [الأولى‏] ليس من جهة اختلاف دليلهما في كيفية نظر التنزيل فيهما، وإنّما المنشأ الفارق بينهما ممحّض [في‏] اختصاص موضوع التنزيل في أدلة الأصول بخصوص الملزوم بلا انطباقه على اللوازم أصلا. بخلاف موضوع التنزيل في الأمارات فانها من جهة حكايتها عن الملزوم واللازم طرّا كانت الحكاية المزبورة- التي هي موضوع التنزيل في الأمارات- منطبقة على اللوازم بنحو انطباقها على الملزوم أيضا. فدليل تصديق حكايتها حينئذ [شامل‏] لجميع ماله من الحكاية عن الملزوم واللازم والملازم بلا اختصاص في حجية مثبتها أيضا بنحو دون نحو.

نعم لو فرض في مورد قصور دليل التنزيل عن الشمول لبعض الحكايات لا بدّ من الاقتصار فيها أيضا على شمول دليل التنزيل ونلتزم [في‏] مثله أيضا بعدم‏ حجية مثبته بهذا المقدار، ولكن ليس ذلك من جهة قصور في انطباق موضوع التنزيل على المورد- كما هو الشأن في الأصول- وإنّما هو من جهة قصور في جريان الدليل بالنسبة إلى تمام موضوعه من الحكاية المزبورة.

ولعل من هذا الباب عدم حجية أصالة الصحة في فعل الغير مع كونها من الأمارات الراجعة إلى اعتبار ظهور حال المسلم في إثبات [لوازمها وملزوماتها] وإنّما [ينحصر] أمر [حجيتها] بالنسبة إلى ترتيب [مالها] من أحكام صحّته و[آثارها]، لعدم قيام السيرة على أزيد من ذلك.

ومن تلك الجهة ظهر لك مطلب آخر من انّ مجرّد اعتبار الشي‏ء من باب الكاشفية والأماريّة غير ملازم لحجيّة [مثبته‏]، وإنّما هو تابع اقتضاء دليل تنزيل [حكايته‏] لأيّ مقدار من ذلك كما هو ظاهر.

ثم إن قصور أدلة التنزيل عن الشمول للآثار الشرعية بتوسيط العقلية والعادية إنّما هو في صورة عدم خفاء الواسطة، وإلاّ ففي هذه الصورة لا قصور لأدلّة التنزيل في شمولها بكل واحد من التقريبات السابقة. ولعله من هذا الباب بناؤهم على إجراء أصالة عدم وجود المانع في صورة الشك في أصل وجوده في مجال [الطهارات‏] الثلاث، إذ مثل هذا العنوان لا يكاد يترتب عليه إلاّ بتوسيط الأمر العادي من ملازمته مع وصول الماء أو التراب إلى المحل إلاّ انه لخفائه لم يكن ملحوظا فيجري الأصل لإثبات صحة الطهور.

ولا يرد عليه النقض بصورة الشك في مانعية الموجود حيث ان بناءهم على الالتفات إليه مع خفاء الواسطة فيه أيضا، وذلك لأن الشك في وصول الماء مسبب عن الشكّين، وإجراء الأصل في أصل وجوده بنحو مفاد كان التامة لا يرفع الشك عن مانعية الموجود بنحو مفاد كان الناقصة، وهذا الشك أيضا كاف في صحة الوضوء وغيره بلا أصل يرفعه.

ثم انه قد يلحق بباب خفاء الواسطة صورة الملازمة بين الشيئين على نحو يلازم تنزيل أحدهما تنزيل الآخر أيضا عرفا. ومن هذا الباب تنزيل القيود من حيث [طرفية] المقيد فانه يلازم عرفا مع تنزيل التقييد، ويمكن إلحاقها بخفاء الواسطة أيضا.

ومن [هذا] البيان يجري الاستصحاب في الشرائط وجودا وعدما لإثبات صحة المشروط بها وعدمها مع عدم كون مثل هذا الأثر إلاّ للازم المستصحب عقلا.

ومن هذا الباب توسعة الموضوع من حيث [موضوعيته‏] المستتبع لتوسعة حكمه. وبمثل هذا البيان [يصحّح‏] الاستصحاب في شرائط المأمور به و[قيوده‏] مع البناء على عدم كون الشرطية من العقليات المنتزعة عن التكليف- كما هو المختار- وإلاّ فأمر جريان الأصل فيها في غاية الوضوح ولو لاقتضائه جعل المماثل بتوسيط منشئه، ولا نعني من الشرعيات إلاّ ما كان من هذا القبيل كما لا يخفى، هذا.

ويمكن تصحيح استصحاب القيود بتقرير آخر أبين من التقرير السابق، وهو: ان مرجع المقيدات المأمور بها إلى دخل الكينونة في حال كذا في مثل الطهارة والستر والقبلة وأمثالها في صحة الصلاة، فتلك الكينونة في الحال المخصوص [وجدانية] وإنّما الشك في عنوان ذلك من كونه حالة طهارة أو ستر أو إلى قبلة وغيرها، فبالاستصحاب [تثبت‏] تلك العناوين لهذه الحالات المقارنة للصلاة وجدانا، فيترتب على مثل تلك العنوانات الأثر الشرعي بعد ثبوت الوجدان المزبور بلا واسطة إثبات أمر آخر بذلك الاستصحاب.

ويؤيد ذلك التقريب انّ لازم التقريب الأوّل جريان الاستصحاب في كل طرف للإضافة ولو بلحاظ ما يترتّب على نفس الإضافات أثر، مثل التقدم‏ والتقارن، حتى بناء [على‏] خارجيتها وكونها من الأمور القائمة بأطرافها خارجا، خصوصا على القول [بأنّ لها] حظّ من الوجود الضعيف، ولا أظن التزامه منهم على هذا المشي، إذ حينئذ يكون حالها حال المحمولات بالضميمة في كون الأصل في مثلها مثبتا.

نعم لو قلنا بأن أمثال تلك الإضافات من خارجات المحمول- نظير الملكية وغيرها من الاعتبارات التي لا يكون الخارج إلاّ ظرفا لمنشئها التي هي الوجودات الخاصة [الواقعة] طرفا لتلك الإضافات في ظرف الاعتبار، مع عدم وجود لغير تلك الأطراف في الخارج أصلا- أمكن دعوى انّ موضوع الأثر حينئذ ليس إلاّ تلك [الذوات‏] الخارجية، فلا محيص حينئذ إلاّ في الاكتفاء باستصحاب مثلها بلحاظ الأثر المرتب عليها بتوسيط العناوين المزبورة.

ولكن قد تقدم- في بعض المباحث السابقة في مباحث الألفاظ- فساد هذا المبنى، وأنّ التحقيق انّ لمثل تلك الإضافات الموجبة لتغير الهيئة الخارجية نحو خارجية زائدا عن وجود أطرافها فيه، وعليه فالأثر المترتب على هذه الأمور غير مرتبط بأطرافها، فاستصحاب أطرافها- لو لا دعوى خفاء الواسطة- غير مجد في ترتيب أحكامها.

ثم اعلم انّ الآثار العقلية المترتبة على نفس الأمر بالبناء على بقاء المتيقن مما يترتب قهرا بوجدان موضوعه، وذلك غير مرتبط بترتيب اللوازم العقلية المترتبة على المنزّل بوجوده واقعا، إذ لوازم هذا الأمر الظاهري الوجداني الحقيقي غير [مرتبطة] بلوازم ما يتحقق بمعونة التنزيل. فحينئذ لا يبقى مجال مقايسة [مثل‏] تلك الآثار العقلية على الآثار العقلية المترتبة على حقيقة الحياة غير المترتبة على جعلها كما لا يخفى.

نعم ما يشبه ذلك توهم ترتب مثل تلك الآثار على الوجوب الادعائي‏ التنزيلي المستفاد من نفس التنزيل، إذ بناء على التحقيق من كون مفاد التنزيل في أمثال المقام هو البناء على وجود الأثر لا جعله حقيقة لا يكون التنزيل إلاّ منتجا لوجوب شي‏ء ادعاء لا حقيقة، وعلى مثل هذا الوجوب أيضا لا [تكاد تترتب‏] الآثار العقلية المترتبة على الوجوب الحقيقي مثل حرمة الضد ووجوب مقدمته أو وجوب امتثاله، وإنّما هذه الآثار مترتبة على الأمر الحقيقي بالبناء على الوجوب لا على الوجوب البنائي الذي هو نتيجة التنزيلات بلحاظ الأعمال. نعم بناء على كون التنزيل بلحاظ جعل المماثل حقيقة أمكن التفرقة بينهما بما ذكرنا، إلاّ انه في غاية السخافة كما هو ظاهر، واللّه العالم.

ثمّ إنّ المدار في الأثر المصحّح للتنزيل- عملا كان أو حكما شرعيا- هو الأثر الثابت حين توجّه الخطاب إلى المكلّف، إذ هذا الحين حين الأمر بالتعبد بلحاظ الأثر العملي أو الشرعي، أعم من ان يكون الخطاب متوجها إليه حين اليقين بالحدوث بلحاظ بقائه فيما بعد، أو حين الشك في بقائه، وعلى أيّ حال المدار في الأثر في المقام هو أثر بقاء الشي‏ء، لأنه ظرف التنزيل وجودا أو عدما.

واما الحدوث المتيقن فهو خارج عن طرفي التنزيل رأسا، إذ تمام النظر في باب الاستصحاب إلى تنزيل لإبقاء الشي‏ء منزلة بقائه، وفي مثل هذا التنزيل لا بدّ وأن يلاحظ أثر البقاء، فأثر الحدوث أجنبي عن هذا التنزيل جدا، ولذا يكتفى في صحة الاستصحاب على مجرد ترتّب العمل على بقائه بلا احتياج إلى وجود أثر شرعي أو عملي على حدوثه، ووجهه هو الذي اشرنا إليه واللّه العالم.

[10- جريان الاستصحاب في الحادث المشكوك زمان حدوثه‏]:

ومنها: ان الاستصحاب كما يجري في صورة الشك في أصل حدوث الشي‏ء رأسا فتجري أصالة عدم حدوثه، كذلك يجري الأصل المزبور في مقدار الشك في حدوثه مع الجزم بأصل الحدوث في زمان وشك في تعيينه، فانه لا بأس بجريان الأصل في مقدار من الزمان الذي شك في الحدوث متصلا بزمان يقينه بلا انتقاضه بيقين آخر، ولازمه جريان الاستصحاب في الأزمنة المنفصلة المشكوك أصل وجوده فيها إلى زمان اليقين بأصل الحدوث ولو إجمالا. ولا يضره احتمال انطباق زمان الحدوث الإجمالي على الزمان السابق [على‏] زمان علمه، إذ لا يخرج به عن المشكوكيّة واقعا لعدم احتمال سراية المعلوم الإجمالي واقعا.

نعم لا يجري في زمان العلم الإجمالي بحدوث الحادث، إذ في هذا الزمان انتقض اليقين بعدم طبيعة الحدوث بيقين آخر.

ثم إن كان الحادث من الأمور الآنيّة التي يتصور لها الحدوثات المتعدّدة العرضيّة فلا بأس حينئذ باستصحاب عدم كل واحد من الحدوثات، لتحقق أركان الاستصحاب فيها. غاية الأمر العلم الإجمالي بتحقق واحد منها موجب لمعارضة كل واحد من الأصول الباقية [الاخر] في صورة اقتضاء جريان الجميع طرح تكليف معلوم.

واما ان لم يكن كذلك بل كان الحادث- على فرض حدوثه في زمان- مقطوع البقاء، ولازمه عدم تصور حدوثات متعددة عرضية بل غاية الأمر له [أحد] الحدوثات في الأزمنة المتعددة بنحو التبادل، ففي هذه الصورة لا مجال إلاّ لاستصحاب عدم طبيعة الحدوث إلى زمان العلم بالوجود، وبمثله يبقى شخص المحتمل قبل زمان العلم بالوجود، واما الشخص المحتمل تحققه في زمان العلم به فلا يجري فيه لا بعنوان عدم الطبيعة، للجزم بانتقاضه، ولا بعنوان شخص هذا الحدوث في هذا الزمان، إذ الشك فيه ناش عن الشك في حدّه من انسباقه بالعدم، وإلاّ فأصل وجوده معلوم تفصيلا، ومن البديهي ان مثل هذا الحدّ لم يكن معلوم‏ العدم سابقا إذ اليقين بعدمه ملازم لليقين بوجود الشي‏ء سابقا، وهذا اليقين- علاوة [على‏] انعدامه- لا يصلح أمر استصحابه، إذ مع فرض اليقين به نقطع بارتفاع الحدوث أبدا في الفرض، فكيف يشك في مثله كي يبقى مجال لاستصحابه كما هو ظاهر.

هذا كله لو كان الأثر مترتبا على الحادث بلحاظ اجزاء الزمان، وإن كان الأثر مترتبا على الحادث بلحاظ إضافته إلى حادث آخر من حيث التقدم عليه أو التقارن معه أو التأخر عنه، [فإن‏] قلنا بأنّ لمثل تلك الإضافات حظا خارجيا زائدا عن الحدوثات الخاصة الزمانية التي هي طرف تلك الإضافات فلا شبهة في انّ لكل [واحدة] من تلك الصفات الزائدة عدما خارجيا أزليا ولو قبل وجود طرفيها من الحدوثات الخاصة الزمانية، فلا شبهة في جريان أصالة عدم التقدم والتأخر والتقارن بنحو مفاد «كان» التامّة، غاية الأمر العلم الإجمالي بتحقق واحد منها مانع عن جريان الجميع عند استلزامه طرح تكليف إلزامي.

واما لو قلنا بأن تلك الإضافات من الخارجات [المحمولة التي‏] لا حظّ لنفسها في الخارج حينئذ، وان الخارج ظرف الذات المنشأ من الحدوثات الخاصة الزمانية بلا جهة زائدة فيها خارجا، فلا محيص من جريان الاستصحاب في عدم تلك الحدوثات الخاصة، وعليه فلا بدّ من المصير إلى جريان استصحاب عدم الحادث بحسب أجزاء الزمان المتقدم على الحادث الأخير والمقارن له، دون المتأخر، للعلم بانتقاض العدم السابق جزما، بلا جريان أصالة عدم شخص الحادث المتأخر في فرض الحدوثات البدليّة، لعين ما ذكرناه سابقا في أصالة عدم الحدوث بالقياس إلى اجزاء الزمان.

ولا مجال في هذا الفرض [لإجراء] أصالة عدم الحدوث المتأخر بلحاظ بقاء عدم صفة المتأخر أوّلا، إذ المفروض ان صفة التأخر حينئذ [ليست‏] من‏ الأمور الخارجية [الموضوعة] للأثر، بل الموضوع على هذا هو شخص الحدوث الخاص بخصوصيته الذاتية وليس [لمثله‏] عدم زائد [على‏] العدم الخاص، والمفروض ان العدم الخاص المتيقن في ضمن اليقين بعدم الجامع بين الحدوثات انتقض باليقين بوجوده، وعدم شخص هذا الخاص أيضا ليس إلاّ بعدم حدّه المنتزع عن سبقه بالعدم، وهذا المعنى غير متيقن سابقا، بل على فرض تيقنه لا يصلح للاستصحاب، للجزم ببقائه إلى الأبد.

وحينئذ لا يبقى مجال [لمعارضة] الأصول في عدم المتيقن و[المقارن‏] بأصالة عدم المتأخر. وهذا بخلاف ما لو قلنا بأن لهذه الصفات جهة زائدة من الحدوثات الخاصة الزمانية فانه حينئذ وإن [لم يجر] الأصل في ذات الحدوث المتأخر- لانتقاض يقينه بيقين آخر- ولكن لا بأس بجريانه بلحاظ وصفه، لأنّ مثله مسبوق بعدمه الأزلي، وذلك هو الفارق بين جعلها من الخارجيات الزائدة عن ذوات الحدوثات أو من الاعتباريات التي لا تكون إلاّ ظرفا لمنشئها من الحدوثات الخاصة بالخصوصية الذاتية [لها].

نعم لو كان للشيء فرضا حدوثات عرضية وعلم إجمالا بتحقق [أحدها]، كان لأصالة عدم كل واحد من الخصوصيات الخاصة- لو لا العلم والمعارضة- مجال. وعليه فنقول: انّ ما في كفاية العلاّمة أعلى اللّه مقامه‏  من إلغاء المعارضة في الأصول الجارية في أعدام الحدوثات الخاصة الموصوفة بالأوصاف الثلاثة، إنّما يتم في الفرض الأخير، ولكنه لا يناسبه مورد مثاله من موت المتوارثين [فإنّ‏] حدوثاته ليست إلاّ بدليّة وفي مثله لا [تناسب‏] تلك المعارضة على مبناه المشار إليه في ذيل تنبيهات الأصل المثبت [من أنّ الآثار] المترتبة على‏ الخارجات [المحمولة] في الحقيقة تامة بمناشئها ومركز الاستصحاب حينئذ هو ذوات [المناشيء‏] بخصوصياتها الذاتية الخارجية. وبناء على هذا المبنى قد عرفت بأن الأصل لا يصلح إلاّ لإثبات عدم المتقدم والمقارن ولا يكاد يجري في عدم المتأخر، فجريانه فيه فرع جعل المتأخر صفة زائدة خارجية مسبوقة بنفسها بالعدم أوّلا، وهذا المبنى على خلاف مختاره كما لا يخفى على من دقق النظر وفتح البصر.

ومما ذكرنا انقدح الحال في استصحاب عدم اتصاف الذات بهذه الصفات بنحو مفاد «كان» الناقصة، إذ بناء على المختار من انّ أمثال تلك النسب والإضافات أمور خارجية مسبوقة بنفسها [بالأعدام‏] الأزلية زائدا [على‏] أعدام معروضاتها، فلا بأس بتصوير اليقين السابق لأعدامها في ظرف عدم [معروضاتها]. فيقال: [انه‏] قبل وجود المعروض لم يكن كذا، والآن كما كان، وذلك عين مفاد القضية السالبة المحصّلة المعروفة تصديقها مع انتفاء الموضوع.

وأمّا لو بنينا على عدم كونها من الخارجيات بل الخارج كان ظرفا لمنشأ اعتبارها من الوجودات الخاصة بحدودها الذاتية وخصوصياتها الواقعية القائمة بذواتها، فلا يبقى مجال حينئذ لاستصحاب أعدام اتصاف الذوات بها- ولو قبل وجودها- إذ الذوات الخاصة بالخصوصيات الذاتيّة غير صالحة الانفكاك في عالم تفرد [ذواتها] أيضا عن الذاتيات، فلا يمكن حينئذ- في عالم من العوالم- سلب ذاتيات الشي‏ء عن الشي‏ء ولو قبل وجوده، والممكن، [هو] سلب المحمول الذي هو من لوازم [وجوده‏] زائدا [على‏] ذاته. فلا [يصح‏] سلب الإنسانية بنحو الجزم عما هو مشكوك الإنسانية، بخلاف الصفات الزائدة [على‏] الذات فانه يصح- قبل وجودها في عالم تفرد ذاتها- سلب الصفة الخاصة [عنها] جزما، فمع الشك في تحققها وتبدل القضية السالبة المحصلة [بنقيضها] حين وجود الموضوع كان لاستصحاب بقاء القضية السالبة المحصلة كمال مجال.

وتوهم: عدم مساعدة العرف على الاستصحاب المزبور حتى في الصفات الزائدة، نظرا إلى قصر نظرهم في القضية المشكوكة [على‏] وجود الموضوع المعدوم في القضية المتيقنة، فلا يرون بين هاتين القضيتين اتحادا أصلا.

مدفوع: بأنّ مرجع ذلك إلى عدم إحصاء العرف القضية السالبة بانتفاء الموضوع في السالبة المحصلة، وعهدة هذا المعنى على مدّعيه، وإلاّ فمع فرض تصديقهم- ولو [بارتكازيتها]- فلا محيص من حفظ وحدة ما يشار إليه قبل الوجود وبعده، فانه لم يكن كذا والآن كان كذا ولم يكن أيضا، فتلك الوحدة كافية في اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة نظير وحدة الموضوع في استصحاب عدم الشي‏ء أو وجوده من نفس الذوات المقرّرة في عالمها المحفوظة بين حالتي الوجود والعدم.

نعم لو كان الأثر لذات الموضوع [للمحمول‏] السلبي [لما كان‏] مجال لاستصحاب مثل هذا المعنى، لعدم العلم بالحالة السابقة من الارتباط بالعدم المسمّى بالقضية المعدولة.

وبالجملة نقول: إنه على [فرض‏] كون مثل تلك الإضافات اعتبارية محضة- على وجه لا يكون الخارج إلاّ ظرفا لمنشئها وان موضوع الآثار في الحقيقة هو هذه المناشيء- لا يبقى مجال لاستصحاب سلب هذه الأوصاف بنحو السلب المحصّل، ولكن لازمه عدم جريان الاستصحاب في أنظارها من مثل القرشية وأمثالها من الاعتبارات التي كانت من [الخارجات المحمولة] لا المحمولات بالضميمة، بل وبناء عليه لا يبقى مجال لاستصحاب سلب الاتصاف ونفي العلقة فيها بنحو مفاد «كان» التامة أيضا، إذ مثل تلك الجهات الزائدة من الذات اعتبارية محضة خارجة من موضوع الأثر، وما هو [الموضوع‏] هو الذوات الخاصة المنشأ لاعتبارها، وفي مثل هذه الذوات لا يبقى مجال إلاّ لنفي الخاص لا لنفي الخصوصية الحاكي [عن‏] سلب الاتصاف، بل مثل تلك الخصوصية الذاتية المنشأ لاعتبار الاتصاف [بالقرشية] وأمثالها غير مسبوق بالحالة السابقة رأسا سلبا وإيجابا.

وعليه فالتزام أستاذنا العلاّمة في جريان الاستصحاب وسلب اتصاف المرأة بالقرشية لا يكاد يناسب مبناه من اعتبارية مثل تلك الإضافات والارتباطات.

نعم مع الغمض عن تلك الجهة لا يبقى مجال إشكال آخر عليه: من ان استصحاب سلب الاتصاف كما [يجري‏] في القرشية كذلك يجري في التقدم والتأخر وأمثالهما، وذلك المقدار أيضا كاف لسلب الأثر المترتب على وجود اتصف بكذا بنحو مفاد «كان» الناقصة كما هو الشأن في القرشية بظاهر قوله: إلاّ أن [تكون امرأة] قرشية. لإمكان الجواب عنه: بأنّ في الفرض القرشية لمّا كانت واقعة في الجملة الاستثنائية، فيدخل أمر ذاته بجميع عناوينها الأخرى- التي منها [امرأة] لم تتصف بها- في [المستثنى‏] منه، فيصير مثل ذلك العنوان ببركة [عموم المستثنى‏] منه ذات أثر. وهذا بخلاف ما لو [كان‏] مزاولا لوجود اتصف بكذا، إذ مثل هذا الموضوع لا يمكن سلبه إلاّ بنحو مفاد «ليس» الناقصة غير [الجاري‏] بنظره، ولا يكفيه مجرد سلب الاتصاف بنحو مفاد «ليس» التامة.

وهذه المباني وان كانت غالبا بحسب النظر [محلا للمنع‏] إلاّ أنها تصلح لرفع إشكال التهافت بين كلماته كما لا يخفى على المتدرّب فيها.

ثم إن ذلك كله في فرض ترتّب الأثر على وجود أحد الحادثين إمّا بلحاظ [وقوعها] في أجزاء الزمان، أو بملاحظة إضافة كل منهما إلى الآخر بكل واحد من التقدم والتقارن والتأخر، وأمّا لو كان الأثر [مترتبا] على أحدهما في زمان وجود الآخر فعن الطوسي قدس روحه القدوسية التفصيل بين كون الأثر [للحادث‏] المتصف بالعدم في حال كذا، فلا يجري الاستصحاب لعدم الحالة السابقة، وبين كون الأثر لذات العدم إلى كذا فلا قصور فيه من تلك الجهة وإن كان فيه إشكال من جهة أخرى.

أقول: وتوضيح الفرق بأن الاستصحاب بعد ما كان شأنه مجرّد جرّ المستصحب إلى زمان كذا أمكن إثبات هذا العنوان باستصحاب الأمر الكذائي وجوديا أم عدميا في زمان هو عين زمان بقاء المستصحب، بمعنى كون وجود الشي‏ء في زمان بقاء الأمر بالأصل. وأمّا لو كان الأثر لنفس اتصاف الشي‏ء بأمر وجوديّ أو عدمي فلا يكاد يثمر استصحاب نفس [عدم‏] الأمر الفلاني إلى زمان وجود الشي‏ء، إذ بمثل ذلك الاستصحاب لا يثبت ارتباط الموجود بالعدم واتصافه به، بل غاية الأمر يثبت به أن زمان وجوده زمان عدم الآخر وهذا المقدار غير كاف لوقوع الأثر الذي هو الذات الموصوف بكونه فاقدا لأمر كذا، بل يحتاج في هذه الصورة إلى استصحاب نفس العنوان الفاقد [له‏] والاتصاف بعدم كذا، ومثل هذا المعنى لا حالة له سابقا. وبهذه الجهة نقول بعدم جريان الاستصحاب في القضايا المعدولة، ويكفي في إثباتها مجرد استصحاب عدم الاتصاف بالعدم الأزلي [و لا يكفي استصحاب‏] عدم وجود الصفة [الحاصل‏] قبل وجودها إلى زمانه إلاّ بتوسيط الملازمة العقلية. ومجرد وحدة منشأ هذه المفاهيم في الخارج غير كاف في جريان الاستصحاب في بعضها بلحاظ الأثر المرتب على بعض آخر كما هو ظاهر، بل تمام موارد الاستصحاب على جريانها بنحو تطبيق العقل موضوع الأثر على المستصحب بلا توسيط جهة أخرى.

و حينئذ فما أفيد في المقام في غاية المتانة.

إنّما الكلام في ما أفاد في اشكاله الأخير في استصحاب ذات العدم إلى زمان وجود الأخير. وملخص اشكاله: أنه بعد فرض العلم الإجمالي بانتقاض عدم الشيئين سابقا بوجودهما في أحد الزمانين مع العلم [بتقدم‏] أحدهما على الآخر أو تأخره عنه لنا علمان إجماليان بزمانين، أحدهما زمان العلم بانتقاض عدم أحد الوجودين، والآخر زمان [العلم‏] بانتقاض الآخر، فمع احتمال [تقدم‏] الزمان المعلوم الإجمالي لأحدهما على الآخر [يحتمل‏] انتقاض علمه بالعدم بهذا الزمان الإجمالي المعلوم، ومع هذا الاحتمال كيف [يجرّ عدم‏] الشي‏ء إلى زمان الغير مع احتمال الانتقاض بالزمان المعلوم المحتمل كونه واسطة بينه وبين اليقين بالعدم.

أقول: لا يخفى أنّ ما هو محتمل الواسطية هو نفس [زمان‏] وجوده واقعا لا زمان علمه بالوجود، كيف وزمان العلم بالوجود في الأمور التدريجية هو الزمان الآخر الذي هو زمان العلم بها لا زمان قبله، بل هو طرف العلم الإجمالي، ومن البديهي ان العلم الإجمالي لا يسري إلى طرفيه [بخصوصيتهما] أصلا. فحينئذ لا مجال لشبهة الفصل بانتقاض [اليقين‏] أصلا.

نعم الأولى في المقام تقريب إشكال آخر وهو: انّ الشك في بقاء الشي‏ء إلى زمان وجود شي‏ء آخر ينحلّ تارة إلى الشك في بقاء الشي‏ء إلى زمان [الآخر] مع الجزم بكون الزمان مقارنا لوجود الآخر. وأخرى إلى الشك في كون الزمان المعلوم بكونه آخر بقاء الشي‏ء وجدانا أو استصحابا مقارنا لزمان وجود الآخر [أو] ليس بمقارن، فعلى الأوّل [لا] قصور في استصحابه، إذ [شكه‏] في أصل بقاء الشي‏ء وارتفاعه، ويجرّ بالاستصحاب إلى زمان يقطع بمقارنته لزمان وجود الآخر. وأمّا على الثاني فليس جهة الشك إلاّ ممحّضا في المقارنة، وشأن الاستصحاب ليس رفع هذا الشك.

و حيث كان كذلك فنقول: إنّ الشك في بقاء العدم إلى زمان الوجود في المقام إنّما هو من قبيل الآخر لا الأوّل، كيف والقطع بالمقارنة فرع مجي‏ء المستصحب إلى زمان الثالث الذي هو زمان العلم بوجودهما وهذا الزمان غير صالح للاستصحاب، للقطع بالانتقاض فيه بمعنى كون زمان القطع بالانتقاض هو الأخير من الأزمنة بلا احتمال كونه في الوسط. ففي الحقيقة مرجع الشك في المقام إلى الشك في بقاء العدم إلى زمان نشك بمقارنته لزمان الوجود، ومثل هذا الشك غير مرفوع بالاستصحاب بل لا يثبت به إلاّ ذات البقاء في هذا الزمان الذي هو منحصر بزمان وسط بين الزمانين، وهذا المقدار غير كاف لترتب الأثر كما لا يخفى.

وظهر مما ذكرنا أيضا بطلان القول بسقوط الاستصحاب في أمثال المقام بالمعارضة والتساقط كما لا يخفى واللّه العالم بالحال.

[الاستصحاب فيما إذا كان أحد الحادثين معلوم التاريخ والثاني مجهول التاريخ‏]:

هذا كله في مجهولي التاريخ. واما لو كان أحد الحادثين معلوم التأريخ فجميع الشقوق السابقة أيضا جارية في المقام، ولا بأس باستصحاب عدم المقدم بوصفه منهما، وعدم المقارن والمتأخر بناء على كون مثل تلك الصفات صفات زائدة [عن‏] الذوات الخارجية المسبوقة بأعدامها الأزلية، كما انه تجري أصالة عدم اتصاف الوجودين بعدم هذه الصفات بنحو سلب المحصّل، ولا يجري الأصل في اتصافهما بعدم تلك الصفات بنحو المعدولة، لعدم الحالة السابقة كما أشرنا سابقا.

وأمّا لو قلنا بعدم كون تلك الصفات أمورا زائدة، بل [أمورا اعتبارية تابعة] لمنشئها خارجا، فلا جرم لا بدّ من إجراء الاستصحاب في ذات المنشأ لا في خصوصيتها، وفي هذه الصورة لا يبقى مجال استصحاب عدم اتصافها بالتقدّم والتأخّر. وأمّا استصحاب عدم وجود المقدم منهما والمتأخر فالأصل في ذات عدم حدوث مجهول التأريخ جار، وبه يثبت عدم تقدّمه على المعلوم وعدم تقارنه، كما أنّه يثبت عدم تأخر المعلوم [عن‏] المجهول وعدم مقارنته. وأمّا عدم تقدمه وعدم تأخر المجهول فلا يكاد يثبت به لعدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ إلى زمان الآخر الذي هو زمان العلم [بانتقاض العدم‏] السابق، فلا يثبت به عدم تأخّره ولا عدم تقدم المعلوم. وأمّا الاستصحاب في نفس معلوم التاريخ فلا يجري أيضا، لعدم الشك في بقائه وامتداده بحسب الأزمنة كما هو ظاهر.

ومن هنا ظهر أيضا أنه لا بأس بجريان [استصحاب‏] عدم المجهول تاريخه إلى زمان المعلوم، بخلاف عدم معلومه فإنّه لا شكّ في بقائه وارتفاعه وإنّما الشك في أنّ [الزمان‏] الواقع فيه عدم المعلوم هو زمان مقارنته لوجود الآخر أولا، ورفع ذلك الشك ليس من شأن الاستصحاب كما تقدم.

[تعاقب الحادثين المتضادين‏]:

بقي الكلام في ما لو تعاقب الحادثان المتضادان أي الحالتان كذلك كالحدث والطهارة مع الشك في تقدم أحدهما وتأخر الآخر، فمع الجهل بتاريخهما أيضا قد يظهر عن الشيخ‏  أيضا استصحاب وجود كل واحد، للعلم بصدور كل واحد في زمان [و] الشك في بقائه وارتفاعه بعده، غاية الأمر بالتعارض يتساقطان.

وأورد عليه الطوسي قدّس سرّه‏  بشبهة الفصل أيضا، لاحتمال تقدّم الزمان المعلوم انتقاض كل منهما على زمان حكم فيه ببقاء كل منهما.

ولقد تقدم جوابه أيضا بأنّ ما هو الفاصل بين الزمانين ما  هو طرف المعلوم بالإجمال ولا [يحتمل‏] فيه الفصل بزمان العلم، لأن المعلوم بالإجمال من الزمانين يستحيل سرايته- بوصف معلوميته- إلى طرفيه، فطرفا المعلوم بالإجمال واقعا [مشكوكان‏] فلا مجال لتمامية هذه الشبهة لا في المقام ولا في المقام السابق كما عرفت.

نعم هنا شبهة أخرى في جريان كل واحد من الأصلين في خصوص المقام بلا [جريانها] في المقام السابق، و[هي‏] أنّ الغرض من [استصحاب‏] الموجود الإجمالي في كل واحد من المعلومين إن كان جرّه بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية ففيه ان زمان الشك فيها غير متصل باليقين، بمعنى انه لو تمشى قهقرى لما اتّصل [بـ] زمان اليقين بالوجود، بل جميعها زمان الشك به. والمنصرف في أخبار الباب هو إحراز تلك الجهة من الاتصال. مع ان جرّ المتيقن في الزمان الثاني من الأزمنة التفصيلية غير معقول، لعدم الشك في بقائه، لأنه مردّد بين زمان الارتفاع [و] الحدوث، وفي الزمان الثالث وإن كان مشكوك البقاء ولكن لا يحتمل فيه الارتفاع، للجزم إمّا بارتفاعه في الآن السابق أو [ببقائه‏] في هذا الآن فلا يكون في البين زمان نشك في بقاء المستصحب وارتفاعه فيه، ونظر الأخبار هو التعبّد بالبقاء في زمان الشك في البقاء والارتفاع فيه.

نعم مثل ذلك المعنى متحقق بالنسبة إلى [الزمان‏] الإجمالي المشار إلى كونه‏ بعد زمان اليقين بنحو الإجمال، وفي مثله لا بأس بجريان الاستصحاب ما لم يحتج إلى تطبيق المعلوم بالإجمال على واحد من الأزمنة التفصيلية، وإلاّ فلا يكاد [يصح‏] تطبيق الزمان الإجمالي المشكوك البقاء والارتفاع فيه على واحد من الآنات، لما عرفت من انّ الزمان الأوّل مقطوع عدم البقاء فيه والزمان الثاني لا يحتمل الارتفاع فيه، فكيف ينطبق على كل واحد الزمان الإجمالي الذي شك فيه البقاء والارتفاع؟ وعمدة النكتة في ذلك [هي‏] ان مثل تلك الجهة الإجمالية إذا حصلت من قبل ضمّ المحتملين فيستحيل انطباقه على كل واحد منهما.

وبعين هذا الوجه أيضا نقول بعدم انطباق المعلوم بالإجمال- الناشئ [علمه‏] من ضم كل محتمل إلى الآخر- على كل واحد منهما، فلا يبقى مجال لاستصحاب واحدة من الحالتين مع قطع النظر عن وجود المعارضة في البين كما لا يخفى.

ولو فرض العلم بتاريخ واحد منهما فلا بأس باستصحابه، لتحقّق شرائطه وأركانه دون الآخر واللّه العالم بأحكامه وحقائقها.

[11- استصحاب النبوّة السابقة]:

ومنها: أنّ مورد الاستصحاب ما يترتّب ببركته أثر عملي شرعي بلا كفاية مجرّد شرعية الأثر بلا ترتب عمل عليه، وعليه فنقول: إنّ في ترتّب العمل عليه لا فرق بين كونه من الأعمال الخارجية أو من أفعال القلوب، مثل عقد القلب على نبوّة نبيّ أو إمامة إمام وعدم [بنائه‏] في قلبه على كونهما من آثار واقع النبوة والإمامة، وإلاّ فمجرّد وجوب تحصيل المعرفة بهما المترتب على ظرف الجهل بهما [لا] يكفي في صحة استصحابهما، لعدم كونه من آثار المستصحب واقعا، وشأن‏ الاستصحاب جريانه في مورد يكون العمل من لوازم واقع المستصحب.

ثم في فرض ترتب الآثار المزبورة على واقع النبوة يجري الاستصحاب فيها وإن قلنا بأنها من مرتبة كمال نفسه الشريفة بلا احتياج إلى جعل [إلهي‏] فيها، كما أنّه على فرض عدم ترتب الأثر المزبور على النبوة الواقعيّة لا يجري استصحابها وان قلنا بأن النبوة أو الإمامة من المناصب المجعولة الإلهيّة، إذ مجرّد جعله المستصحب لا يجدي في الاستصحاب ما لم يترتب عليه أثر عملي كما لا يخفى هذا.

وعلى أيّ حال لا يجدي مثل هذا الأصل للشاك بين الشريعتين إلاّ مع علمه بحجية الاستصحاب لدى كليهما وإلاّ فمجرّد علمه بحجيته لدى الأوّل أو الثاني غير مجد في صحته، لأنّ علمه من قبل الثاني بحجية الاستصحاب دوريّ، ومن قبل الأوّل مستلزم للجزم بمخالفة الاستصحاب للواقع، لملازمة حجيته مع نسخه واقعا وبذلك يستحيل العلم الإجمالي بنبوة الأوّل إما واقعا أو استصحابا كما لا يخفى.

ثم في كونه إقناعيا للشاك المزبور واضح، ولكن ليس شأن المتدينين بدين النبيّ السابق أن [يتشبث‏] به، لأنّه على فرض كونه متدينا بدين النبي السابق [لا مجال له‏] أن [يتشبث‏] بالاستصحاب لعدم الدين الحقيقي مع الشك [بحقّية دينه‏]، كما أنّه لا مجال له لالتزام الضدين‏  آخر، نعم له التشبث في مقام إلزام الشاك المجاهد في تحصيل الواقع في صورة جزمه بحجية الاستصحاب ولو من جهة غفلته عن مخالفة الثاني للأوّل كما لا يخفى.

ومن تلك البيانات اتّضح فساد تشبث الكتابي في قبال المسلمين‏ باستصحاب نبوة نبيّهم، بلا احتياج إلى الجواب عنه بأنّا [معترفون بنبوّة] موسى [إن‏] أقرّ بنبيّنا، وإن كان ذلك أيضا وجه وجيه يرجع مآله إلى أنّ قطعنا السابق ملازم للقطع بانتقاضه فيه، لا أنّ موسى امر كلي له فردان: مقرّ وغير مقرّ، كي يرد عليه بأنّه شخصي خاص خارجي كان مقطوع النبوة مطلقا [أو] لا، فلا معنى للقيد المزبور، لوضوح انّ الغرض من ذكر القيد لمحض توضيح المتيقن وبيان ملازمة وجوده مع اليقين بانتقاضه، خصوصا لو كان طريقنا إلى نبوته إخبار نبيّنا أو ما في كتابه المنزل، فإنّ مثل هذا القطع يستحيل أن يجتمع مع الشك في البقاء ولو لم يكن هو مقرا أيضا كما لا يخفى.

[12- استصحاب حكم العام أو الخاص بعد ورود التخصيص‏]:

و منها: انه لا شبهة في عدم معارضة الاستصحاب مع أصالة العموم والإطلاق التي هي من الأدلّة الاجتهادية، لما أشرنا سابقا في وجهه وسيجي‌ء توضيحه عن قريب إن شاء اللّه. وعليه فلو ورد مطلق متكفّل لإثبات حكم للطبيعة السارية في القطعات المحدودة بمقتضى أمر الآنات المتوالية أو عام زماني كذلك، فلا شبهة في أنّ مثل هذا المطلق والعام مقتض لإثبات الحكم لجميع القطعات [المنحلّة] بحسب تعدّد الآنات على وجه لو قيّد بواحد منها واخرج عنه آن واحد كان الإطلاق والعموم المزبور وافيين لإثبات البقية من دون احتياج في ذلك المقدار إلى إحراز كون المطلق المزبور له إطلاق بحسب الزمان على وجه يكون الزمان والآنات المتوالية قيدا، بل مع الجزم بظرفية الزمان وسراية الطبيعة إلى القطعات المنحلّة بحسب ظرفية الآنات يكفي الإطلاق لإثبات الحكم لبعد الآن الخارج عنها من الآنات المتأخرة.

نعم لو كان المطلق متكفّلا لإثبات حكم شخصي غير قابل للتحليل بحسب [الآنات‏]- وإن كان مقتضى إطلاقه طول امتداد شخصه بطول الزمان، بحيث لو فرض تخلّل عدم في البين ما كان الدليل بعد متكفلا لحكم آخر- لا يبقى مجال التشبّث به بعد فرض خروج آن من وسط الآنات.

نعم لو فرض خروج أوّله [أو آخره‏] أمكن التشبّث بالإطلاق المزبور لإثبات الحكم الشخصي المحدود بحد خاص ملازم لخروج ما خرج، وفي مثل هذه الصورة- نظير الصورة السابقة- لا مجال للتشبث باستصحاب نقيض هذا الحكم أيضا فضلا عن ضدّه الذي تكفّله دليل المخصّص، حتى مع فرض عدم كونه إلاّ متكفلا للحكم الشخصي [غير] القابل للتحليل بحسب الآنات، أو الحكم القابل له [من‏] حيث [سراية] موضوعه إلى قطعات محصورة ممتدّة بنظر وجداني بامتداد الأزمنة المخصوصة، مع فرض إجماله بالنسبة إلى بعدها، إذ مرجع جميع ذلك أصالة الإطلاق والعام المزبورين، فلا مجال لحجية الاستصحاب في مفاد دليل المخصص بالنسبة إلى الأزمنة المشكوكة، وإن كان الاستصحاب لو لا العموم جاريا.

نعم لو كان لدليل المخصص عموم زماني على وجه يكون كلّ آن قيدا لموضوع الحكم، لا مجال للتشبّث بالاستصحاب وإن لم يكن في البين دليل المطلق المزبور أو العام الناظر إلى عموم الزماني كما لا يخفى.

نعم لو فرض عدم تكفل الدليل إلاّ لبيان شخص حكم ممتدّ بامتداد الزمان الفلاني، وفرض تقطيع وسطه بدليل المخصص [جرى الاستصحاب‏] وذلك أيضا لو لم يكن لدليله عموم زماني بحيث يكون الفعل في كل آن موضوعا مستقلا لحكم مستقل غير مرتبط بالآخر، وإلاّ فلا مجال لاستصحاب مفاد دليل المخصص وإن كان لاستصحاب بعض حكم العام أيضا مجال، وذلك واضح كما لا يخفى.

 [13- عدم جواز نقض اليقين بالظن غير المعتبر]:

ومنها: أنّ الظاهر من عموم حرمة [نقض‏] اليقين بالشك وإن كان اختصاص عدم النقض بخصوص مثله، ولكن من المعلوم أن لا خصوصيّة في هذا العنوان في الناقضيّة، بل المدار على مطلق [استتار] الواقع ولو كان في البين ظن غير معتبر، ويكفي فيه ظهور [ذيله‏] من جعل الناقض خصوص اليقين، فبقرينة المقابلة تعرف أن «الشك» المأخوذ في الرواية إنّما هو من حيث كونه سترة للواقع لا من جهة خصوصيّة فيه، وهذا المقدار لا ينافي مع جعل «الشك» في الرواية بمعناه الحقيقي، وإنّما هو موضوع فيه [من‏] حيث أستاره بلا خصوصية فيه وانّ [نكتة] ذكره من جهة كونه أجلى فرد السترة، لا أنّ المراد من لفظ الشك خلاف اليقين، كيف وهو مجاز بعيد وفي مثله لا يساعد الطبع السليم كما لا يخفى.

[14- عدم شمول روايات الاستصحاب لقاعدة اليقين‏]:

ومنها: أنه لا شبهة بمقتضى تطبيق الكبرى في الرواية على مورد الاستصحاب في دخوله في العموم المزبور، وإنّما الكلام في شمول الكبرى المزبورة لقاعدة اليقين التي هي عبارة عن عدم نقض اليقين بالشك الساري إلى متعلق اليقين دقة. وقصارى ما يتخيل فيه أن اليقين فيها أعم من الباقي والزائل كما ان متعلقه أيضا مطلق الشك والشي‏ء الشامل للحدوث والبقاء [و المستفاد] حينئذ من الرواية الحكم في مصاديق أربعة من عدم نقض اليقين بالحدوث بالشك‏ [فيه‏]، واليقين بالبقاء والشك فيه، واليقين بالحدوث والشك في البقاء، والعكس المنطبق على الاستصحاب القهقرى. هذا ولكن يمكن أن يقال: إن قضية اختلاف متعلق اليقين والشك دقّة في الاستصحاب [تقتضي‏] إرجاع ضمير الشك [إلى ما] تعلق به بنحو من المسامحة، كما أنّ وحدة المتعلقين في القاعدة [تقتضي‏]- في مقام النظر في إرجاع الضمير المزبور إلى متعلق اليقين- أن يكون نحو دقّة في البين بلا مسامحة عرفية فيه. ومن المعلوم أنّ الجمع بين هذين النظرين في إرجاع ضمير واحد غير معقول، فلا جرم إمّا أن يكون النظر فيه دقيقا فلا يستفاد من العبارة إلاّ الفردان من اليقين بالحدوث والشك [فيه‏]، أو اليقين بالبقاء والشك [فيه‏]. وأمّا اليقين بالحدوث والشك [في‏] بقائه فهو مستلزم لكون الضمير الراجع إلى الشي‏ء المتعلق لليقين بنحو من العناية والمسامحة، فلا يستفاد من الكبرى إلاّ اليقين بالحدوث والشك في البقاء أو العكس، وحيث انّ مورد تطبيق الرواية هو باب الاستصحاب المعروف فلا يكاد يستفاد منها الشك الساري ولا استصحاب القهقرى أيضا، للشك في شموله للأخير لو لم نقل بانصرافه إلى الأوّل والجزم باستحالة شمولها للقاعدة أيضا كما عرفت.

ولئن شئت توضيح ذلك بأزيد مما ذكرنا فنقول: إنّ من المعلوم ظهور القضية- خصوصا بملاحظة لفظ «النقض» أيضا- [في‏] وحدة متعلقي اليقين والشك، ومعنى وحدتهما كون مرجع الضمير المقدّر في القضية هو القطعة المتعلقة لليقين من الطبيعة، لا الجامع [بينها] وبين [غيرها] إذ مثل [ذلك‏] الجامع في ظرف تجريده عن كونه مما تعلق به اليقين معنى غير مرتبط بما تعلق به يقينه، ومعه كيف [تحفظ] وحدة المتعلقين؟ وإذا كان في مقام اللحاظ المزبور لا بدّ من ملاحظة تلك الحيثية فلا جرم لا بدّ من إرجاع النظر إلى خصوصية القطعة المزبورة، وبعد

ذا يتردّد الأمر بين كون النظر إليه دقيقيّا أو تسامحيا بلا تصوير جامع بين النظرين إلاّ مفهوم النظر الذي هو أجنبي عن [واقعيته‏] التي بها قوام إرجاع المضير كما لا يخفى.

بل ولو لا حفظ تلك الخصوصية بين المتعلقين وكون تمام النظر في متعلقي الوصفين إلى صرف الطبيعة لا يقتضي هذا المقدار إبقاء ما كان. ففي الحقيقة منشأ استفادة التعبد بالبقاء فيما حدث إنّما هو من جهة ملاحظة الخصوصية في المتعلقين، إذ حينئذ لا يكاد يصدق مثل تلك الجهة إلاّ بوحدة المتعلقين في الخارج [وجودا غير] المنفك [عن‏] كون متعلق الشك جهة بقائه، وإلاّ فليس في لفظ «اليقين» بقاء أصلا.

بل ولئن دقّقت النظر ترى أنّ المسامحة في إرجاع الضمير المزبور في الرواية بقرينة موردها [تصلح‏] أيضا أمر المسامحة في بقاء موضوع الاستصحاب، إذ لا ينفك مثل تلك المسامحة أيضا عن وحدة المتعلقين بنحو من العناية.

وحينئذ فيكون المقام من باب إيجاد المسامحة في نفس عنوان الحكم بلا مسامحة حينئذ في تطبيقه، بل كان تطبيق مدلول الرواية على البقاءات المسامحية من التطبيقات الدقيقة العقلية، نظير سائر العناوين الاخر الواقعية في غير حكم وضعي [أو] تكليفي، من مثل الأوزان والمقدار وغيرهما.

وبعد هذا البيان لا يبقى مجال الإشكال في شرح اتحاد القضيتين بكونه بنظر العرف أو بنحو من الدقة أو بحيث دليل تلك الكبرى الإيراد  لمثل هذا الإشكال مجال في فرض عدم قرينيته على [تطبيق‏] مورد الرواية على الاستصحاب، كيف وبعد التطبيق المزبور لا محيص من اعتبار المسامحة في وحدة المتعلقين، وبعد ذلك‏ فكما [تصلح‏] المسامحة أمر الاستصحاب [تصلح‏] أمر بقاء موضوعه، لبداهة صدق الشك بما تعلق به اليقين بضرب من العناية مع فرض المسامحة في بقاء موضوعه‏  من دون احتياج بعد ذلك إلى تعيين ما سبق هذا العنوان من كيفية الأنظار.

نعم ما أفيد إنّما يتم لو كان في اليقين لفظ بقاء أو [كلمة] اتحاد كي يتوهم اختلاف مصاديقهما بحسب الأنظار، إذ ربّما يتحقق الاتحاد بين الشيئين وينطبق عليه بقاء ما حدث بنظر العرف بلا صدقه بنظر العقل، وقد يكون الأمر بالعكس.

فلا بدّ حينئذ من تعيين ما [سيق‏] له عنوان البقاء المأخوذ في القضية بأنه بأي واحد من النظرين يكون [مسوقا]، كيف ومع انتهاء النوبة إلى تلك الجهة لا يبقى مجال دعوى سوقها بلحاظ [الأنظار] العرفية، إذ مثل تلك الأنظار حينئذ لا يكون مقصودا من دائرة المفهوم [للعنوان‏] الوارد في الرواية، بل شأنها تطبيق ذلك العنوان الواقع في الدليل على ما يراه مصداقا بنظره، وفي مثل تلك الجهة لا يكون الأنظار العرفية بمناط إلاّ في صور العقلية  عن المصاديق الحقيقية نوعا، إذ حينئذ مقدمات نقض الغرض حاكمة على أنّ المدار على التطبيقات العرفية إلاّ ما علم بخطئهم [في‏] الواقعيّات، بل من تلك المقدمات يستكشف بأنّ المصاديق العرفيّة مصاديق حقيقية في غير صور قيام الدليل [على التخطئة] به في نظرهم. وأين ذلك ومقامنا الذي يراد منه الأنظار العرفية حتى مع الجزم بخطئهم في التطبيق حقيقة؟ إذ المقدمات المزبورة غير وافية أيضا لإثبات هذا المقدار، بل غاية ما يستفاد [منها] كون إلقاء الخطاب إليهم بمنزلة ضرب قاعدة في [تعيين‏] المصاديق‏ الواقعية بحسب الأنظار العرفية، ونتيجته ليس [إلاّ] اتّباع نظرهم في مرحلة التطبيق مادام الشك في خطئهم، لا اتّباعهم حتى مع الجزم بالخطأ كما في المقام. ولا يساعد دليل على هذا المقدار من سوق القضية بأنظارهم، مضافا إلى عدم مساعدة المقدمات المزبورة أصل مراديّة التطبيقات العرفية في مثل تلك العناوين ولو في صورة الشك في المصاديق الواقعية، لعدم كون مصاديقها مما يغفل عنها غالبا.

وعليه فما وجه الفرق بين لفظ البقاء الوارد في المقام و[ألفاظ] الأوزان والمقادير الواردة في مقامات أخرى؟ حيث ليس [بناؤهم‏] فيها على التطبيقات العرفية بل على [الدقيقة] العقليّة محضا بلا اعتناء منهم [ب] المسامحات العرفية.

و ليس تلك الجهات إلاّ ناشئة عمّا اشرنا من خيال أخذ عنوان الاتحاد والبقاء في مورد النص مع فرض اختلاف مصاديقهما بحسب الأنظار، وإلاّ فلم ينظر إلى ما هو مدلول اللفظ من عدم نقض [اليقين‏] بالشي‏ء بالشك فيه، بضميمة صدرها المنطبق على الاستصحابات المتعارفة، إذ حينئذ لا ترى بدّا في إرجاع الضمير في ظرف الشك [فيه‏] بلا مسامحة حتى [في‏] أنظار تحديد بقاء الموضوع أيضا، ومعه لا يبقى حينئذ مجال لمثل [ذلك‏] الترديد أبدا.

ثم انهم قد وقعوا في حيص وبيص من جهة أخرى في بعض المقامات التي يكون لسان [دليل‏] الكبرى [مشتملا] على خصوصيّة لا يرى العرف بقاء الموضوع في صور فقد الخصوصية مع احتمال [دخلها] نظير تغيّر الماء في نجاسة الماء المتغيّر، أو عنوان [الكلبيّة] في نجاسة [الجسم‏]، ووجه استشكالهم في تلك المقامات هو أن العرف في مقام فهم كبرى الأثر  إن احتملوا دخل القيود المزبورة في الحكم فلا يحكمون ببقاء القضية المتيقنة بنحو الجزم، وان لم يحتملوه فلازمه فهمهم من الكبرى ثبوت الحكم لذات الجسم والماء بلا دخل عنوان [الكلبيّة] والجسمية فيه أصلا، ومعه يكون المرجع إطلاق هذا الدليل لا الاستصحاب، إذ لا يتصور حينئذ شك في بقاء الحكم من قبل انتفاء الخصوصية محضا، مع أنه ليس كذلك بتا.

ومجرّد ظهور الدليل في دخل تلك الخصوصية مع فرض فهم العرف خلاف هذا الظاهر- بمناسبات ارتكازية عندهم بين الموضوع وحكمه- غير مجد في الشك المزبور، إذ مثل تلك المناسبات الارتكازية حينئذ بمنزلة القرينة العامة [الملحقة] بالكلام في اقتضائها [عند] العرف [لصرف الظهور] الوضعي وتعيين الظهور.

ويمكن حلّ ذلك الإشكال [تارة] بأنّ فهم العرف في أمثال تلك القضايا قرينة صرف ظهور القضية في تعبدية الخصوصية إلى تعليله للحكم، فإنه حينئذ كان الموضوع ذات الماء والجسم ولكن ليس لازمه إطلاقهما الشامل لصورة فقد الخصوصية، كما لا يكون فقدها أيضا موجبا للقطع بارتفاع الحكم، لاحتمال قيام علة أخرى مقامهما، وأخرى بإمكان بقاء ظهور القضية بحاله ومع ذلك [يحتمل‏] بقاء الحكم الثابت للذات عند فقد الخصوصية ولو من جهة قابلية بقاء المطلب المزبور في ضمن حد آخر بلا مفهوم للقضية المقتضي لانتفاء الحكم رأسا بانتفائها.

وقد يجاب عن الشبهة المزبورة بوجه آخر وهو: أنّ القضية الشرعية وإن كانت باقية على ظهورها في القيدية بلا قرينة لفهم العرف على خلاف ظهور القضايا الشرعية أيضا، ولكن العرف في قضاياهم العرفيّة الارتكازيّة بالنسبة إلى نظائر تلك الأحكام يجعلون الموضوع نفس ذات الماء والجسم، وإنّ عنوان المتغيريّة و[الكلبيّة] من الحالات المانعة عن شمول إطلاق قضاياهم لصورة فقدها، وإنّ الغرض من سوق الاستصحاب بحسب [الأنظار] العرفية [هو سوقه‏] على حسب أنظارهم في قضايا أنفسهم لا على حسب ما فهموا من القضايا الشرعية.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من دليل الاستصحاب بعد ما كان سوقه لتوسعة القضايا الشرعية، فلا محيص من أن يكون النظر في مثله إلى مقتضى ما فهموا من الدليل الشرعي، وإلاّ فما هو مضمون قضاياهم مع فرض الجزم بمخالفتها [للقضايا] الشرعية [أجنبي‏] عن محطّ سوق الاستصحاب، وعليه فلا بدّ من جعل فهم العرف قرينة على التصرف في ظهور القضايا الشرعية على فرض العنوانية والقيد بإرادة العلية للحكم على وجه يكون المعروض نفس الذات، وذلك أيضا على فرض عدم مساعدة مسامحتهم في بقاء الموضوع مع إبقاء القضية على ظهورها، وإلاّ فلا يحتاج إلى التصرف فيها أصلا، نظرا إلى ما عرفت في وجه كون المناط على المسامحات في بقاء الموضوع في باب الاستصحاب.

ثم لا يخفى أيضا أن الاحتياج إلى بقاء الموضوع خارجا إنّما هو في صورة كون الأثر مترتبا على مفاد «كان» الناقصة من اتصاف الموجود بوصف كذا، كالقائميّة أو العادليّة وأمثالهما، وإلاّ ففي صورة كون الأثر مترتبا على مفاد «كان» التامّة من وجود الذات محضا أو الذات المقيّد بالوصف أو الذات المحكوم بكونه كذا، بنحو يرجع معروض الوجوب المستصحب إلى مفاد الجمل التامة، فلا يحتاج في جميع تلك الصور إلى وجود الموضوع، بل ربّما يجري الاستصحاب في وجود قيام زيد حتى مع الشك في بقاء زيد أيضا، إذ المستصحب في تمام تلك الصور هو وجود الماهية التي منها قيام زيد، ومن المعلوم انّ الماهية بأيّ نحو كانت في عالم تفرّدها محفوظة، ويكفي في [اتحاد] القضية المتيقنة والمشكوكة- في أمثال تلك القضايا- هذا المقدار.

نعم في المقام شي‏ء آخر وهو أنّ كفاية ذلك المقدار في استصحاب بقاء الأوصاف الخارجية وعدم احتياجها إلى إحراز وجود معروضاتها في الخارج فرع حجية الاستصحاب على الإطلاق بلا احتياج إلى إحراز استعداد البقاء في المستصحب، وإلاّ فيشكل الأمر في ذلك الاستصحاب أيضا بناء على استحالة انتقال العرض إلى معروض آخر أو بقائه بلا معروض، إذ حينئذ يكون قوام استعداد العرض ببقاء موضوعه، فبدون اليقين ببقاء المعروض يستحيل القطع باستعداد المستصحب [للبقاء]، فيرجع عند الشك [في‏] بقاء المعروض [إلى‏] الشك في كون الحكم حينئذ بارتفاع العرض نقضا أم انتقاضا، ومع ذلك الشك لم يحرز [دليل‏] البقاء التعبدي في باب الاستصحاب لمثله.

نعم بناء على إمكان أحد الأمرين لا بأس بإحراز الاستعداد المزبور حتى مع الشك في البقاء، وإلى هذا البيان نظر المحقق الطوسي قدّس سرّه‏  في وجه اعتبار الموضوع في الاستصحاب حيث تشبث بذيل هذا المبنى العقلي، وبعده لا مجال لردّه بأنّ الكلام في البقاء التعبدي لا البقاء الحقيقي كي يحتاج إلى إثبات مثل تلك المقدمة العقلية، فراجع كلامه.

_____________

(1) هنا كلمة ممسوحة في الأصل.

(2) راجع فرائد الاصول: 560 و625.

(3) الوسائل 1: 261، الباب 4 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.

(4) الظاهر أن في العبارة سقطا. راجع: نهاية الأفكار القسم الأول من الجزء الرابع ص 105 التنبيه الثاني.

(5) هكذا جاء في النسخة المطبوعة.

 (6) اشارة إلى ما حققه الفلاسفة في مسألة وجود الحركة، فإنهم قالوا: إن الحركة اسم لمعنيين: الأول: الأمر المتصل الذي يبدأ من المبدأ وينتهي في المنتهى، وهذا ما لا حصول له في الخارج، لأن المتحرك ما دام لم يصل إلى المنتهى فالحركة لم توجد بتمامها، وإذا وجدت فقد انقطعت وبطلت. فإذا لا وجود له في العين بل هو في الذهن. وهذا مما يسمى بالحركة القطعية. الثاني: هو كون الجسم متوسطا بين المبدأ والمنتهى بحيث كل حد من حدود المسافة فرض فهو ليس قبله وبعده فيه. وهذا هو الامر الموجود في الخارج ويسمى بالحركة التوسطية. راجع: الاسفار 3: 31.

(7) راجع فرائد الاصول: 644 - 645.

(8) لم يذكر الصورة الثانية للشك، ولعلها: وبين صورة الشك في وجود القيد.

(9) هكذا في الاصل، ولعل الصحيح: كبقاء البناء بعد فناء الباني.

(10) هكذا في الاصل.

(11) راجع كفاية الاصول: 467.

(12) راجع فرائد الاصول: 649.

 (13) راجع المكاسب: 94 و225.

(14) كذا في الاصل. 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.