أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014
1816
التاريخ: 9-12-2018
649
التاريخ: 24-10-2014
739
التاريخ: 24-10-2014
963
|
بمعنى أنّه تعالى صاحب القدرة ، وأنّه يصحّ منه فعل العالم وإيجاده وتركه ، وأنّه ليس شيء منهما لازما لذاته بحيث يستحيل انفكاكه عنه في أيّ وقت فرض وإن كان وقتا موهوما كما أفاد الخفري. (1)
اعلم أنّ العلماء اختلفوا في هذه المسألة على قولين :
الأوّل : أنّ الله تعالى قادر بالمعنى المذكور. وهو مختار المصنّف وسائر المتكلّمين ، بل قاطبة الملّيّين. (2)
الثاني : أنّ الله تعالى فاعل على وجه الإيجاب ، بمعنى امتناع انفكاك ذاته تعالى عن إيجاد العالم مطلقا في الأزل ؛ لوجوب إيجاد العالم مع اعتبار الإرادة التي هي عين الذات وإن أمكن إيجاده وعدم إيجاده بالنسبة إلى الذات بدون اعتبار الإرادة ، فيكون الإيجاب بمعنى الموجبيّة بكسر الجيم. وهو مختار الحكماء ، (3) مع احتمال القول بالموجبيّة بفتح الجيم ، فقد قال الشارح القوشجي : « ذهب الملّيّون قاطبة إلى أنّ تأثير الواجب تعالى في العالم بالقدرة والاختيار على معنى أنّه يصحّ منه فعل العالم وتركه. وذهب الفلاسفة إلى أنّ تأثيره تعالى فيه بالإيجاب ». (4)
نعم ، أفاد الفاضل اللاهيجي أنّ الإيجاب الذي قال به الحكماء هو بمعنى دوام الفعل وقدم الأثر بسبب دوام المبادئ ، كالعلم والإرادة. وأمّا الإيجاب بمعنى عدم إمكان الترك عنه تعالى بالنظر إلى ذاته تعالى فلم يقل به أحد ، (5) بمعنى أنّ الكلام في عدم الإمكان الوقوعي لانفكاك الفعل ، لا الإمكان الذاتي ، فيكون النزاع في ثبوت الموجبيّة بكسر الجيم دائما كما يقول الحكماء ، وعدمه كما هو مختار المتكلّمين ، لا الموجبيّة بفتح الجيم. وأمّا الموجبيّة ـ بكسر الجيم ـ في وقت ما كما اختاره المصنّف (6) ومن يحذو حذوه ، (7) وعدمها كما عن الأشاعرة ، (8) فهي محلّ نزاع آخر بين المتكلّمين والملّيّين.
والحقّ مع المتكلّمين والملّيّين.
لنا على ذلك برهانان منحلاّن إلى براهين عقليّة ونقليّة.
أمّا البرهان العقلي ، فأمور :
منها : ما أشار إليه المصنّف ; بقوله : ( وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب ) بمعنى أنّه إن كان تأثير الواجب بالذات في وجود العالم بعد العدم بعديّة حقيقيّة لا على وجه القدم ، لما كان على وجه الإيجاب ، ولكن تأثيره تعالى فيه بعد العدم بعديّة حقيقيّة لا على وجه القدم ، فلا يكون على وجه الإيجاب ، بل يكون على وجه القدرة والاختيار ، فيكون صاحب القدرة ومختارا ، لا موجبا.
أمّا الملازمة : فلما أفاد الخفري من أنّ المناسب في هذا الكتاب (9) أن يفسّر الإيجاب المذكور هاهنا بامتناع انفكاك ذاته تعالى عن إيجاد العالم مطلقا في الأزل ، (10) فلو كان تأثيره تعالى في وجود العالم على وجه الإيجاب لزم قدم العالم بالضرورة ، وهو مناف لكون تأثيره تعالى فيه بعد العدم لا على وجه القدم بالضرورة ، فثبوت أحد المتنافيين ينفي ثبوت الآخر ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين بالبديهة ، فيكون التأثير بعد العدم نافيا للإيجاب بمعنى وجوب صدور الفعل عنه تعالى دائما كما اختاره الحكماء ، (11) لا في وقت.
وقال الشارح القوشجي : « إنّ تأثيره تعالى في وجود العالم إن كان بالإيجاب يلزم قدمه ؛ إذ لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث لئلاّ يلزم التخلّف عن الموجب التامّ ، وذلك الشرط الحادث يتوقّف على شرط حادث آخر ، ويلزم التسلسل في الشروط الحادثة متعاقبة أو مجتمعة ، وكلاهما محال على زعم المصنّف وسائر المتكلّمين ... فتأمّل ». (12)
وبالجملة ، فالعقل يحكم ـ بالضرورة ـ بأنّ كون تأثير الواجب تعالى في العالم بعد العدم بعديّة حقيقيّة ينفي ما ذهب إليه الحكماء من أنّ مبادئ الأفعال الاختياريّة من العلم والقدرة والإرادة والمشيئة حاصلة له تعالى دائما ؛ لعينيّة صفاته تعالى ، فيكون الفعل أيضا دائما على وجه الإيجاب بالاختيار مع صحّة تركه عنه تعالى بالنظر إلى ذاته من دون انضمام تلك المبادئ ، وأولى منه القول بالإيجاب الاضطراري. مع أنّ الفاضل اللاهيجيّ قال : « لم يقل به أحد بناء على أنّ الكلام في الإمكان الوقوعي بالنسبة إلى الترك ، لا الذاتيّ ». (13)
وأمّا الحمليّة : (14) ...من أنّ العالم حادث ، وعدمه مقدّم على وجوده ، ولا شكّ أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ؛ (15) إذ ليس لوجوده توقّف على عدمه حتّى يكون للعدم تقدّم ذاتيّ أو طبيعيّ ، (16) وظاهر أنّه لا يتصوّر هاهنا من أقسام التقدّم سوى نحو الزمانيّ ، أو ما يشبه التقدّم بالذات ، بمعنى أنّ العدم يكون متحقّقا مع المتقدّم بالذات من غير أن يكون له ذات وزمان حتّى يكون متقدّما بالذات ، أو بالطبع ، أو بالزمان ، بل يكون متحقّقا مع الواجب بالذات المتقدّم ، وبهذا الاعتبار أطلق عليه المتقدّم ، فيكون العالم حادثا بهذا النحو ، كما دلّ عليه العقل ...
مضافا إلى إجماع الملّيّين ، والحديث المشهور : « كان الله ولم يكن معه شيء » (17) والقدسيّ « كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف » (18) ونحو ذلك من الأدلّة النقليّة المطابقة للعقل كما في دعاء العديلة « وجوده قبل القبل في أزل الآزال ، وبقاؤه بعد البعد من غير انتقال ولا زوال ». (19)
ثمّ اعلم أنّه بيّن الفاضل المقدّس الأردبيليّ مراد المصنّف بوجه آخر ؛ حيث قال :
« واستدلّ المصنّف ; على ثبوته ـ يعني الاختيار ـ بالمعنى الأوّل ـ يعني أنّه يصحّ منه إيجاد العالم وتركه بالقصد ، فليس شيء منهما لازما لذاته ـ بأنّه لا شكّ في أنّ العالم ـ أي الشيء الذي غير الله مطلقا ـ حادث ، يعني : هاهنا مصنوع موجود حادث ، وذلك مستلزم للمطلوب ؛ إذ لا بدّ له من علّة مؤثّرة ، موجودة ، مستجمعة لشرائط التأثير ، موجبة ، فإن كانت موجبة بالمعنى المتقدّم أو منتهية إليها ، يلزم قدم الحادث ، وهو خلف ، وإلاّ فننقل الكلام إلى ذلك المؤثّر وهكذا، فإمّا أن يلزم قدم الحادث ، أو يوجد مؤثّرات غير منتهية ، مجتمعة في الوجود ، وهو محال بالاتّفاق بين المتكلّمين والحكماء ، (20) والبرهان ؛ إذ لا بدّ من اجتماع الفاعل المؤثّر وجودا مع معلوله.
وإن تنزّلنا وقلنا : إنّ تلك الحوادث شروط لا يجب اجتماعها كالمعدّات ، فيلزم التسلسل في الأمور المترتّبة الموجودة ، وذلك أيضا محال عند المصنّف وسائر المتكلّمين ، (21) ولا يضرّ عدم بطلانه عند الحكماء ؛ (22) لقيام الدليل على بطلانه ... وليس المراد من « العالم » جميع ما سوى الله ، بل واحد منه ؛ فإنّ « العالم » واحد ، ولهذا يجمع على « العالمين ». نعم ، قد يراد منه الجميع بحمل الألف واللام على الاستغراق ونحو ذلك ، فحاصل كلامه رحمه الله جعل وجود حادث ما دليل القدرة.
ويمكن جعل دليل العلم أيضا دليله ؛ فإنّ الفعل ـ المحكم ، المتقن ، المشتمل على أمور عجيبة ، ودقائق غريبة ، ومصالح غير متناهية ـ يدلّ على القدرة وهو ظاهر ، وقد عرفت أنّه لا بدّ من الانتهاء إلى القادر.
وأيضا يمكن جعل النصوص الكثيرة مثل : {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 20] وإجماع الملّيّين أيضا دليل القدرة.
بل يمكن جعل دليل وجود الواجب دليله مثل أن يقال : من المعلوم لزوم عدم وجود شيء ما لم ينته إلى واجب ؛ إذ لو لا وجوده فمن أين يوجد؟ وهو ظاهر.
ويمكن جعل كونه قادرا دليل حدوث جميع العالم ؛ فإنّه لا بدّ من الانتهاء إلى القادر المختار ، وقد عرفت أنّ فعله لا يمكن أن يكون قديما ؛ فإنّه يصحّ منه الفعل والترك ، ولا يلزمه الفعل. وعلى تقدير الإيجاب يلزم الاستلزام وعدم إمكان الانفكاك على ما مرّ تقريره من أنّه لا يمكن استناد القديم إلاّ إلى الموجب. وإلى هذا أشار المصنّف في مواضع :
مثل قوله متّصلا ببحث الماهيّة : « والقديم لا يجوز عليه العدم ؛ لوجوبه بالذات ، أو لاستناده إليه » (23) ومعناه لمّا امتنع استناد القديم إلى الفاعل بالاختيار ، فما ثبت قدمه امتنع عدمه ؛ لأنّه إمّا واجب لذاته ، وامتناعه ظاهر حينئذ ، وإمّا مستند إلى الواجب بالذات بلا واسطة أو بوسائط قديمة وإنّما كان يمتنع عدمه ؛ لوجوب دوام المعلول بدوام علّته.
ومثل قوله قبل ذلك : « والمؤثّر يفيد البقاء بعد الإحداث ، ولهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثّر الموجب لو أمكن » (24) فإنّه إشارة ، بل تصريح بأنّ الممكن القديم لا يمكن صدوره إلاّ عن الموجب ، وهو ظاهر ، فافهم.
وأيضا الظاهر أن لا نزاع لأحد في ذلك ؛ فإنّ الحكماء أيضا يقولون : (25) إنّ القديم لم يكن أثرا للمختار.
قال في شرح المواقف : « أثر القادر حادث اتّفاقا » (26) ولهذا قال في الشرح في تقرير الدليل الثالث للإيجاب لهم : « والأزلي لم يكن أثرا للقادر » (27).
وممّا ذكرنا ظهر معنى قوله فيما سبق : « ولا قديم سوى الله ؛ لما سيأتي » (28) أي من كونه تعالى قادرا مختارا ، بل من كونه موجودا ؛ فإنّه مستلزم لكونه قادرا مختارا على ما مرّ ؛ فإنّا إذا أثبتنا ذلك ـ إمّا بوجود حادث ما كما ذكرناه ، أو بالدليل المذكور على أنّه عالم كما حرّرناه ، أو بالنصّ ـ وهو كثير ـ وإجماع أهل الملل ـ لزم حدوث جميع ما سوى الله ؛ إذ لو كان قديم واحد ، لزم إيجابه تعالى ؛ إذ لم يؤثّر في القديم إلاّ الموجب ... فتأمّل.
ومن ذلك علم أنّه يمكن جعل القدرة دليل الحدوث ، لا العكس ، إلاّ أن يريد حدوث أمر واحد ، فيصحّ العكس كما مرّ تفصيله ، فثبت أنّه لا قديم سوى الله وجاء دليله ، فسقط ما قيل (29) [ من ] أنّه وعد بلا وفاء ، أو أنّه مجرّد دعوى بلا دليل مع ما قال في ديباجة الكتاب : (30) لا يذكر إلاّ ما قاده [ إليه ] الدليل ، وأنّه لم يثبت حدوث العالم ، فكيف يقول : حدوث العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب!؟ » (31).
وقال جمال العلماء بعد عنوان قول المصنّف : « وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب » (32): « قال الفاضل المعاصر (33) : في الحواشي الفخريّة (34) : يعني به البعديّة الزمانيّة ؛ إذ لا شكّ أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ، وظاهر أنّه لا يتصوّر [ هاهنا ] من أقسام التقدّم الخمسة سوى الزماني.
وفيه ما أفاده والدي العلاّمة (35) ـ طاب ثراه ـ من أنّ تقدّم عدم العالم على وجوده لو كان زمانيّا ، لزم أن يكون قبل كلّ زمان زمان لا إلى نهاية ، ويلزم القدم والزمان الموهوم الذي أثبته الأشاعرة قبل وجود العالم (36) ، وهو غير صحيح عند المحصّلين من المتكلّمين ومنهم المصنّف كما يظهر من تصفّح كلامهم. (37)
وأيضا ما ذكره ـ من أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ـ ممنوع عند الحكماء كما صرّحوا به في إثبات الحدوث الذاتي (38). انتهى (39).
والظاهر ـ كما يستفاد من كلام الشارح في بحث الأمور العامّة (40) ـ أنّ مراد المصنّف من البعديّة هاهنا هو البعديّة بالذات التي أثبتها المتكلّمون (41) وجعلوها قسما سادسا ، وزعموا أنّ تقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض من هذا القبيل.
لكنّ التحقيق أنّه لا محصّل له ؛ إذ لا نجد له معنى معقولا سوى الخمسة ، بل الظاهر أنّه تقدّم بالزمان ؛ فإنّ ذلك التقدّم إذا عرض لغير الزمان كان بواسطة زمان مغاير للسابق والمسبوق. وإن عرض لأجزاء الزمان لم يحتج إلى زمان مغاير لهما. وإن عرض للزمان وغيره ، فلا بدّ أن يكون لذلك الغير زمان. وأمّا الزمان فلا يحتاج إلى زمان آخر ، وحينئذ فعدم الزمان يجب أن يكون في زمان لكن يكفي فيه الزمان الموهوم ، وحينئذ فلا بدّ من القول بالزمان الموهوم...
وأمّا ما ذكره في ذيل « أيضا » فيرد عليه : أنّ مراده أنّه ظاهر أنّه ليس تقدّم عدم الزمان على وجوده تقدّما ذاتيّا ، لا أنّه لا يمكن تقدّم العدم على الوجود تقدّما ذاتيا أصلا ، فاندفع المنع الذي ذكره. على أنّ فيما ذكره الحكماء في إثبات الحدوث الذاتي ـ من تقدّم عدم الممكن على وجوده تقدّما ذاتيا البتّة ـ تأمّلا ليس هاهنا موضع تحقيقه ، فافهم.
ثمّ قال (42) ـ سلّمه الله تعالى ـ : « ثمّ أقول : يشبه أن يقال : إذا كان زمان وجود العالم متناهيا في جانب البداءة ـ كما هو مذهب الملّيّين (43) ـ كان للعدم تقدّم عليه ـ سوى التقدّم الذاتي الذي أثبته الفلاسفة (44) لعدم الممكن على وجوده ، المعبّر عنه بالحدوث الذاتي ـ شبيه بالتقدّم الزماني الذي للحوادث الزمانيّة ، ولأجزاء الزمان بعضها على بعض عندهم في عدم اجتماع السابق والمسبوق.
والفرق أنّ لتقدّم الزمانيّات ملاكا في الخارج متجدّدا متصرّما مستمرّا ، يعرض لأجزاء ما يحصل من تجدّدها وتصرّمها واستمرارها في الخيال ذلك التقدّم أوّلا وبالذات ، ثمّ بتوسّطها يعرض للحوادث ، ولهذا يعرض له خواصّ التقدّر والتكمّم ، بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم على مذهب الملّيّين (45) ؛ فإنّه ليس له مثل ذلك الملاك ، ولا يمكن تقديره وتعيينه ، ولا يكون فيه قرب وبعد ، وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم.
ونظير ذلك ما قالوا (46) : إنّ فوق محدّد الجهات لا خلاء ولا ملاء مع أنّ الفوقيّة متحدّدة به ، فكما أنّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني أنّ وراءه عدما صرفا ونفيا محضا ، وينتزع من ذلك ويحكم بمعونة الوهم أنّ لهذا العدم المحض فوقيّة ما على المكان والمكانيّات ، كفوقيّة بعض أجزاء المكان على بعض مع أنّه لا مكان هناك ، كذلك هاهنا يعلم من تناهي الزمان والزمانيّات في جانب البداءة أنّ وراءها عدما صرفا ونفيا محضا ، وينتزع من ذلك ويحكم بأنّ لهذا العدم الصرف قبليّة ما على وجود العالم والزمان ، شبيهة بقبليّة أجزاء الزمان بعضها على بعض. وهذا هو المراد من قول المصنّف : « وجود العالم ... » إلى آخره ، بل هذا هو الحدوث الزماني المتنازع فيه بين الملّيّين والفلاسفة ، ولا يلزم من ذلك وجود زمان قبل الزمان، بل مجرّد ذلك الزمان الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف في انتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبليّة. وليس هذا إثبات الزمان الموهوم كما ليس ذلك إثبات المكان الموهوم ، فتدبّر » انتهى (47).
وأنت خبير بأنّ سبق العدم على الزمان ـ على ما أفاده ـ لا يرجع إلاّ إلى كون الزمان متناهيا من غير أن يكون سبق عدم حقيقة ، بل بمحض التوهّم ، وهذا ليس إلاّ القول بالقدم بالحقيقة ؛ لأنّه إذا لم يكن انفصال بين ذات الواجب تعالى وبين العالم ، ولا يمكن أن يقال : إنّه كان الواجب ولم يكن العالم ، فيكون العالم قديما البتّة ، ولو أطلق عليه الحادث ، فلا يكون إلاّ بمجرّد الاصطلاح في إطلاق « القديم » و « الحادث » على ما كان زمانه متناهيا وغير متناه ، وهو لا يفيد.
وبالجملة ، إنّه لا بدّ على طريقة الملّة من القول بوجود إله العالم بدون العالم بأن يكون بينهما انفصال. وعلى ما ذكره هذا الفاضل لا يكون كذلك ، بل يكون وجود العالم متّصلا بوجوده تعالى من غير انفكاك ولا انفصال بينهما. ولو جوّز هذا فلم لا يجوّز كونه غير متناه أيضا؟ إذ لا يلزم فيه إلاّ عدم الانفصال وهو قد لزم في صورة التناهي أيضا.
لا يقال : إنّه ليس وجود الواجب تعالى زمانيّا ، فلا معنى لاتّصال العالم بالواجب وانفكاكه عنه.
لأنّا نقول : فعلى هذا إذا كان الزمان غير متناه أيضا ، لا اتّصال للعالم به تعالى فلم لم يجوّزه؟
والحلّ : أنّا لا نقول : إنّه يجب أن يكون زمان يصحّ أن يقال : كان الواجب فيه ولم يكن العالم، حتّى يرد ما ذكرت ، بل الغرض أنّه يجب أن يتحقّق انفصال بين الواجب والعالم يصحّ فيه قولنا: « كان الواجب ـ على المعنى الذي يصحّ الآن ـ ولا يكون العالم فيه » ولم يتحقّق ذلك على ما أفاده هذا الفاضل.
هذا ، على أنّ الظاهر أنّه كما يقال في الأجسام : إنّه زمانيّ ، بمعنى أنّ وجوده مقارن لوجود الزمان ، يصحّ ذلك في شأن الواجب تعالى أيضا ؛ إذ يصدق أنّ وجوده تعالى مقارن لوجود الزمان.
نعم ، لا يصحّ أن يقال : إنّه زمانيّ ، بمعنى أنّ وجوده ينطبق على الزمان مثل الحركة ، ولا يصحّ ذلك في الجسم أيضا ، وعلى هذا فلا إشكال أصلا.
هذا ما يخطر بالبال ، على سبيل الاحتمال ، فإن كان من الحقّ ، فهو الحقّ ، وإن كان من الوساوس الشيطانيّة ، فنعوذ بالله منه. والله يعلم حقيقة الحال.
وأمّا النظير الذي ذكره من قولهم : « لا خلاء ولا ملاء فوق المحدّد » فهو قول على سبيل التوسّع ، والمقصود أنّه لا شيء وراءه بدون توهّم فوقيّة أصلا ، فلا يصلح للتنظير. على أنّه ـ على تقدير صحّته ـ ممّا لا يفيد بعد ما بيّنّا أنّه لا يجوز أن يكون حدوث العالم بهذا الوجه ، فتأمّل » (48). انتهى ما أردنا ذكره من كلامه (49) ؛ ويظهر ماله وعليه ممّا ذكرنا في مقامه.
وبالجملة ، فهذه الجملة بيان لوجه واحد من الوجوه العقليّة لإثبات القدرة.
ومنها : ما يستفاد ممّا حكيناه من كلام المقدّس الأردبيلي.
ومنها : ما أشرنا إليه من أنّ القدرة صفة كمال لا يقتضي ثبوتها على وجه العينيّة نقص صاحبها ، وكلّ ما هو كذلك فهو ممكن الثبوت في حقّه تعالى على وجه العينيّة ، وكلّ ما هو كذلك فهو ثابت كذلك على سبيل الوجوب بمقتضى وجوب الوجود.
ومنها : أنّ الاضطرار نقص مناف لوجوب الوجود ، فيتعيّن الاختيار ؛ لأنّ الواسطة غير معقولة.
ومنها : أنّ العالم لا يخلو من الحركة والسكون المستدعيين للمسبوقيّة ، المستدعية للحدوث المنافي للقدم المقتضي لوجود المحدث المختار. هذا ما يتعلّق ببيان البراهين العقليّة.
__________________
(1) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة 3 ـ 4 ، مخطوط.
(2) « المغني » 5 : 204 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 151 ؛ « المحصّل » : 372 ـ 374 ؛ « المطالب العالية » 3 : 9 ؛ « نقد المحصّل » : 269 ـ 277 ؛ « قواعد المرام » : 82 ـ 85 ؛ « مناهج اليقين » : 160 ـ 164 ؛ « إرشاد الطالبين » : 182 ـ 187.
(3) انظر المصادر السابقة مضافا إلى « الشفاء » الإلهيات : 170 ـ 185 ؛ « التعليقات » : 19 ـ 20 ؛ « التحصيل » : 473 ؛ « المباحث المشرقية » 2 : 517 ؛ « الأسفار الأربعة » 4 : 111 ـ 113 ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة : 177 ـ 178.
(4) « شرح تجريد العقائد » : 310.
(5) « شوارق الإلهام » : 502.
(6) « كشف المراد » 305 و 343 ـ 344 ؛ « شوارق الإلهام » 503.
(7) انظر : « شرح الأصول الخمسة » 131 ـ 144 و 301 وما بعدها ؛ « المغني » 6 : 3 وما بعدها و 177 وما بعدها ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 85 ـ 88 ؛ « مناهج اليقين »: 243 ـ 244 ؛ « إرشاد الطالبين » : 260 ـ 263 ؛ « شوارق الإلهام » : 503.
(8) « شرح المواقف » 8 : 195 ـ 202 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 296 ـ 306 و 321 و 334 ؛ « مفتاح الباب » 167 ؛ « شوارق الإلهام » 503.
(9) يعني إذا كان وجوب الفعل عنه تعالى مع ضمّ العلم والإرادة متّفقا عليه بين المصنّف ومن يحذو حذوه وبين الحكماء وإن اختلفوا في أنّ الوجوب على وجه الدوام أو في وقت ما وكان عدم الوجوب بدون الانضمام أيضا متّفقا عليه بينهما ، ينبغي أن يفسّر الإيجاب بامتناع الانفكاك في الأزل ؛ لتعلّق علمه وإرادته ، فإذا ثبت حدوث العالم انتفى هذا الإيجاب بالضرورة ، فلا حاجة إلى الاستدلال الذي ذكره الشارح القوشجي.
نعم ، من أراد نفي الإيجاب بمعنى امتناع انفكاك الفعل عنه تعالى بالنظر إلى الذات يحتاج إليه. ( منه ).
(10) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورق 4 من المخطوطة.
(11) انظر : « المغني » 5 : 204 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 151 ؛ « المحصّل » : 372 ـ 374 ؛ « المطالب العالية » 3 : 9 ؛ « نقد المحصّل » : 372 ـ 374 ؛ « مناهج اليقين » : 160 ـ 164 ؛ « شوارق الإلهام » : 502.
(12) « شرح تجريد العقائد » : 310.
(13) « شوارق الإلهام » : 502.
(14) المراد بها استثناء المقدّم.
(15) كذا في النسخ والصحيح : « طبعيّا » و « طبعيّ ».
(16) كذا في النسخ والصحيح : « طبعيّا » و « طبعيّ ».
(17) « التوحيد » : 67 ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح 20 ؛ « صحيح البخاريّ » 3 : 1166 ؛ « بحار الأنوار » 54 : 168 / 109.
(18) انظر : « الدرر المنتثرة » : 227 و « الفتوحات المكّية » 2 : 393 ؛ « فصوص الحكم » : 203 ؛ « التجلّيات الإلهيّة » : 100 ؛ « جامع الأسرار » : 102 ؛ « مصباح الأنس » : 164 ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 285.
(19) لم يرد دعاء العديلة في كتب الروايات والأدعية سوى « مفاتيح الجنان » حيث ذكر مؤلّفه نقلا عن أستاذه أنّ هذا الدعاء هو من مؤلفات بعض أهل العلم.
(20) « الشفاء » الإلهيّات : 322 ؛ « النجاة » : 235 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 20 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 596 ـ 602 ؛ « المطالب العالية » 1 : 141 ـ 157 ؛ « المحصّل » : 343 ـ 344 ؛ « نقد المحصّل » : 245 ـ 247 ؛ « كشف المراد » : 117 ـ 119 ؛ « مناهج اليقين » : 157 ـ 158 ؛ « إرشاد الطالبين » : 166 ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 144 ـ 169 ؛ « شوارق الإلهام » : 215 ـ 226.
(21) انظر المصادر ، هامش 1.
(22) انظر المصادر ، هامش 1.
(23) « تجريد الاعتقاد » : 119.
(24) نفس المصدر السابق : 120.
(25) انظر ص 61 هامش 1 و 2.
(26) « شرح المواقف » 8 : 54.
(27) انظر « شرح تجريد العقائد » : 311.
(28) « تجريد الاعتقاد » : 120 ؛ « كشف المراد » : 82.
(29) القائل هو الشارح القوشجي على ما نقله ملاّ جلال في حاشية « شرح تجريد العقائد » : 71 وهو تعريض بقول الطوسي في أوائل كتاب « تجريد الاعتقاد ».
(30) أي ديباجة « تجريد الاعتقاد » : 101.
(31) « الحاشية على إلهيات الشرح الجديد » للأردبيليّ : 40 ـ 43.
(32) « تجريد الاعتقاد » : 191.
(33) هو ميرزا إبراهيم بن ملاّ صدرا. انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » لآقاجمال الخوانساري : 321.
(34) هي حواشي الميرزا فخر الدين محمد بن الحسين الأسترآبادي على « شرح التجريد » للقوشجي ، ألّفها في سنة 965 ، انظر : « الذريعة » 1 : 99.
(35) ما أفاده من تعليقات على الشرح الجديد لم يطبع لحدّ الآن.
(36) انظر المصادر المذكورة في ص 50 هامش 1.
(37) انظر المصادر المذكورة في ص 50 هامش 1.
(38) راجع المصادر في ص 48 ـ 49 هامش 1.
(39) أي كلام الفاضل المعاصر.
(40) الشارح هنا هو القوشجي ، انظر : « شرح تجريد العقائد » : 39.
(41) انظر المصادر المتقدّمة في ص 50 هامش 1 و 3.
(42) أي قال الفاضل المعاصر.
(43) راجع الهامش 1 من ص 50 أعلاه.
(44) انظر المصادر المتقدّم ذكرها في ص 50.
(45) انظر المصادر المتقدّم ذكرها في ص 50.
(46) أي قول الحكماء في الطبيعيّات. انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 246 ؛ « النجاة » : 130 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 170 وما بعدها ؛ « التحصيل » : 606 ـ 612.
(47) أي انتهى كلام الفاضل المعاصر.
(48) « الحاشية على حاشية الخفري على الشرح الجديد » لجمال العلماء 99 ـ 103.
(49) أي من كلام جمال العلماء الخوانساريّ.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|