أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014
963
التاريخ: 5-4-2018
854
التاريخ: 24-10-2014
831
التاريخ: 24-10-2014
747
|
إن قال قائل: إذا ذهبتم إلى أنّ العباد هم الفاعلون لتصرّفاتهم، ونفيتم نسبة القبائح الواقعة منهم عن اللّه تعالى، فهل تصفونه تعالى بأنّه يقدر على أعيان مقدوراتهم؟
قلنا: قد اختلف شيوخ أهل العدل في هذه المسألة، فذهب في الأوّلين أبو
الهذيل وأبو يعقوب الشحّام، وفي المتأخّرين أبو الحسين البصريّ ومن تبعه ووافقه
إلى أنّه تعالى يقدر على أعيان مقدورات العبادة وذهب جماهير أهل العدل إلى أنّه
تعالى لا يقدر على أعيان مقدورات العباد، وإنّما يقدر من جنس ما يقدر عليه العبد،
على ما لا نهاية له.
واستدلّ من وصفه تعالى بالاقتدار على أعيان مقدورات العباد، بأنّ قال:
اللّه تعالى قادر لذاته، والقادر لذاته، يجب أن يقدر على كلّ ما يصحّ كونه
مقدورا، ومقدورات العباد يصحّ كونها مقدورات، فيجب اقتداره تعالى عليها، كما أنّه
تعالى لمّا كان عالما لذاته وجب أن يعلم جميع المعلومات، فلا يخرج عن علمه، شيء
منها.
وأجاب من منع من ذلك بأن قال: إنّما يجب أن يقدر القادر لذاته على كلّ ما
يصحّ أن يكون مقدورا له ومقدور العبد بعينه يستحيل أن يكون مقدورا لغيره.
واستدلوا عليه بوجهين اثنين:
أحدهما: أن القول بمقدور واحد
بين قادرين يؤدّي إلى أحد وجوه ثلاثة كلّها مستحيلة، والمؤدّي إلى المحال محال. وبيّنوا
ذلك بأن قالوا: من حقّ القادر على الشيء وجوب وقوعه عنه، عند إرادته له وقوّة
دواعيه إليه وانتفاء ما يعارض دواعيه من الصوارف ووجوب انتفائه عند كراهته له واشتداد
صوارفه عنه مع نفي ما يعارضها من الدواعي. وإذا كان هذا هكذا، فلو كان مقدور بين
قادرين وفرضنا إرادة أحدهما لإيجاده وقوّة دواعيه إليه مع عدم المعارض وكراهة
القادر الآخر له وقوّة صوارفه عنه، مع عدم المعارض فلا يخلو حال ذلك المقدور من
وجوه ثلاثة إمّا أن يقع أولا يقع أو يجتمع فيه الوقوع وأن لا يقع. إن وقع كان في
وقوعه إبطال حكم القادر الذي صرفه الصارف عنه، وإن لم يقع كان فيه إبطال ما يجب
للقادر الذي أراده وقويت دواعيه إليه وكلاهما محالان. وأمّا القسم الثالث وهو
اجتماع وقوعه وأن لا يقع، فأظهر استحالة من القسمين الأوّلين، إذ هذه الاستحالة
معلومة ببديهة العقل.
و اعتراض من أثبت مقدورا بين قادرين على هذا هو أن يقول: لا أسلّم أنّ من
حقّ ما يقدر عليه القادر وجوب انتفائه بحسب صارفه وكراهته مطلقا، بل إنّما يجب ذلك
إذا لم يكن ثمّ ما ينوب منابه في إيجاده فأمّا إذا كان هناك من ينوب منابه في
إيجاد ذلك ودعاه الداعي إليه، فانّه لا يجب عدمه لمكان صارف الآخر. ما هذا الّا
كثقيل بين قادرين يستقلّ كلّ واحد منهما بحمله وإشالته، فانّه إذا كره أحدهما حمله
وإشالته لم يجب أن يبقى الثقيل غير محمول إذا دعا الآخر الداعي إلى حمله، وإنّما
يجب بقاؤه غير محمول إذا صرفهما بأجمعهما الصارف عن حمله.
والثّاني
من الوجهين أن قالوا: إذا كان مقدور بين مقدورين وأراد إيجاده ودعاهما الداعي إليه
وحصل المقدور، فانّ حاله وقد وجد بهما لا ينفصل عن حاله إذا وجد بأحدهما، ما هذا
حاله فهو باطل.
واعترض مخالفوهم على هذا بأن قالوا: ينفصل أحد حاليه عن الآخر بتقدير قادر
ثالث يحاول ضدّ ذلك الفعل تساوي قدرته قدرة كلّ واحد منهما، فانّ وجود ذلك الفعل
يكون أولى من وجود ضدّه ... تحقيقا أو تقديرا ليفصل أحد حالي المقدورين من الآخر،
ما هذا إلّا كما يقولونه في المنع بالضدّ وأنّه إنما يقع المنع من أحدهما بالآخر
إذا كان الآخر أكثر عددا ألا تراهم يقولون: إنّ اللّه تعالى إنّما يمنعنا من الجهل
بالمشاهدات بأن يفعل فينا من العلوم المتعلّقة بها أكثر ممّا نقدر عليه من الجهل وانتفاء
الشيء بضدّه لا بتزايد إنّما هو أمر واحد، فإنما صار انتفاء هذا الضد أولى بكثرة
المؤثّر فيه. فانكشف بذلك أنّه لا استبعاد في أن يكون لكثرة المؤثّر أثر في المنع.
وقد ذكر صاحب الفائق(1) وجها ثالثا في نصرة مذهب من يمنع من مقدور واحد
بين قادرين. وهو أنّه قال: «إذا فرضنا في القادرين أن يفعلا عينا واحدة، وأحدهما
قصد بها عبادة اللّه تعالى والآخر عبادة الشيطان وجب أن يكون ذلك الفعل الواحد
حسنا قبيحا، وهو محال.
وأجاب عنه بأن قال: اجتماع هذين الوصفين وما يؤثّر فيهما في ذلك الفعل ليس
بمحال.
قال: يبيّن ذلك أنّ قبح الفعل ليس إلّا اختصاص الفعل بوجه لا يكون لفاعله
أن يفعله لأجله وإذا فعله استحق الذمّ به على بعض الوجوه.
و الحسن: معناه اختصاص الفعل بوجه لفاعله أن يفعله لأجله، ومهما فعله لم
يستحقّ الذمّ على وجه، فان أراد بلزوم الجمع بين الحسن والقبح في الفعل المقدّر
اجتماع هذين الحكمين، فهذا غير ممتنع، لأنّه يصحّ أن يقال: ليس لهذا الذي فعله
عبادة للشيطان أن يفعله وهو بفعله يستحقّ الذمّ، وللآخر الذي فعله عبادة للّه
تعالى أن يفعله ولا يستحقّ به ذمّا، ولا تنافي بينهما، وإن أراد لزوم الجمع بين
الوجهين المؤثّرين في هذين الحكمين، فذلك غير مستحيل، لأنّ الوجه في ذلك اقتران،
إرادتيهما بالفعل، وذلك صحيح.
فإن قيل: إذا وصفتموه تبارك وتعالى بالاقتدار على أعيان مقدورات العباد
يلزمكم أن يكون تصرّفاتهم أفعالا له تبارك وتعالى. وفيه لزوم كونه تعالى فاعلا
للقبائح التي تقع منهم. وفي ذلك دخول فيما هربتم منه، اذ الفعل على تحديد شيوخكم
هو الذي وجد وكان الغير قادرا عليه. وهذا متحقق في تصرّفات العباد مع اللّه تعالى
على ما ذهبتم إليه من كونه تعالى قادرا عليها.
قلنا: نحن لا نرتضي هذا التحديد، وإنّما الفعل هو الذي وجد بداعي من قدر
عليه، إذ مقدور القادر لا يكون بالوجود أولى من وجود ضدّه ومن لا يوجد إلّا لداع
يدعوه إليه، وإلّا فالأولويّة مرتفعة. وإذا كان كذلك فلا داعي له تبارك وتعالى إلى
القبائح، فلا يلزم أن تكون أفعالا، وأمّا غير القبائح من تصرّفات العباد، فلا غرض
له تعالى في فعلها فلا يدعوه داع إليها، فلا يلزم فيها أيضا أن تكون أفعالا له
فاندفع هذا الإلزام.
وقد احتجّوا في بيان مقدور واحد بين قادرين بأن قالوا: القادران إذا دفعا
في حالة واحدة جزءا إلى جهة، فانّ كون الجزء كائنا في تلك الجهة يحصل بهما وهو
شيء واحد، إذ قد ثبت أنّ الكائنية التي معناها حصول الجوهر في جهة لا يعقل فيها
التزايد، كما لا يعقل التزايد في الوجود وما يتمسّك به من يوقع التزايد في
الكائنيّة من أنّ القويّ يمنع الضعيف من تحريك الجسم من الموضع الذي يسكنه فيه،
فانّما هو بالتزايد الواقع في المدافعات والاعتمادات، إذ التزايد فيها معقول.
وقد فرّعوا على هذا الاختلاف اختلافهم في أنّ القدر هل
هي مختلفة أو متماثلة؟
فمن ذهب إلى استحالة مقدور واحد بين قادرين، قال بأنّها مختلفة إذ لا يقوم
البعض منها مقام البعض فيما يرجع إلى ذاته أو صفة ذاته. وذلك لأنّ اخصّ صفة القدرة
هي التي لمكانها تتعلّق بالمقدور المعيّن وغيرها لا يشاركها في مثل هذه الصفة. ولو
تعلّقت قدرتان بمقدور واحد لما امتنع حصولهما أو حصل ما هو من جنسهما في قادرين، فيكون
في ذلك كون مقدور واحد بين قادرين.
ومن قال بمقدور واحد بين قادرين قال بتماثل القدر، إذ كلّ واحدة منها تقوم
مقام الأخرى في حقيقتهما التي بها تبين من غيرها. ويبيّنه بأن يقول: إن نظرنا إلى
ذات القدرة وهي صحّة البنية التي معناها اعتدال مزاج الأعصاب في الرطوبة واليبوسة
والحرارة والبرودة والصلابة والرخاوة فهي مما لا يقع فيه اختلاف.
وإن نظرنا إلى متعلّق القدرة فهو متحد غير متغاير.
ولهم كلام في تفاصيل ما يرجع إلى أفعال القلوب والجوارح والمتولّد والمباشر،
يطول بذكره ...
___________________
(1) محمود
الملاحمي الخوارزميّ صاحب الفائق في أصول الدين، مخطوط موجود في المكتبة اليمنية.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|