أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-1-2022
2265
التاريخ: 18-8-2016
2293
التاريخ: 22-8-2016
2004
التاريخ: 22-8-2016
2048
|
الصدق كالكذب له أنواع ستة : الأول- الصدق في القول ، وهو الاخبار عن الأشياء على ما هي عليه ، و كمال هذا النوع بترك المعاريض من دون ضرورة ، حذرا من تفهيم الخلاف و كسب القلب صورة كاذبة ، و رعاية معناه في الفاظه التي يناجي بها اللّه سبحانه ، فمن قال : «وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض» و في قلبه سواه ، أو قال : «إياك نعبد» وهو يعبد الدنيا بتقيد قلبه بها ، إذ كل من تقيد قلبه بشيء فهو عبد له ، كما دلت عليه الاخبار، فهو كاذب.
الثاني - الصدق في النية و الارادة ، ويرجع ذلك إلى الإخلاص ، وهو تمحيص النية و تخليصها للّه ، بألا يكون له باعث في طاعاته ، بل في جميع حركاته و سكناته ، إلا اللّه.
فالشوب يبطله و يكذب صاحبه.
الثالث - الصدق في العزم ، أي الجزم على الخير: فان الإنسان قد يقدم العزم على العمل ، و يقول في نفسه: إن رزقني اللّه كذا تصدقت منه كذا ، و إن خلصني اللّه من تلك البلية فعلت كذا. فان كان في باطنه جازما على هذا العزم ، مصمما على العمل بمقتضاه ، فعزمه صادق ، و إن كان في عزمه نوع ميل و ضعف و تردد ، كان عزمه كاذبا ، إذ التردد في العزيمة يضاد الصدق فيها ، و كان الصدق هنا بمعنى القوة و التماميه ، كما يقال : لفلان شهوة صادقة ، أي قوة تامة ، أو شهوة كاذبة ، أي ناقصة ضعيفة.
الرابع - الصدق في الوفاء بالعزم : فان النفس قد تسخو بالعزم في الحال ، إذ لا مشقة في الوعد فإذا حان حين العمل بمقتضاه ، هاجت الشهوات و تعارضت مع باعث الدين ، و ربما غلبته بحيث انحلت العزيمة و لم يتفق الوفاء بمتعلق الوعد ، و هذا يضاد الصدق فيه ، و لذلك قال اللّه سبحانه : {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب : 23].
الخامس - الصدق في الاعمال : وهو تطابق الباطن و الظاهر و استواء السريرة و العلانية ، أو كون الباطن خيرا من الظاهر، بألا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به لا بأن يترك الاعمال ، بل بأن يستجر الباطن إلى تصديق الظاهر.
وهذا أعلى مراتب الإخلاص ، لإمكان تحقق نوع من الإخلاص بما دون ذلك ، وهو أن يخالف الباطن الظاهر من دون قصد ، فان ذلك ليس رياء فلا يمتنع صدق اسم الإخلاص عليه.
توضيح ذلك : أن الرياء هو أن تقصد غير اللّه سبحانه في الاعمال و قد تصدر عن انسان اعمال ظاهرة تدل على أنه صاحب فضيلة باطنة ، من التوجه إلى اللّه و الانس به ، أو السكينة و الوقار، أو التسليم و الرضا و غير ذلك , مع أنه فاقد لها ، لحصول الغلبة المانعة عن تحققها أو اتفاق صدور الاعمال الظاهرة بهذه الهيئة من دون أن يقصد بها مشاهدة غيره سبحانه ، فهذا غير صادق في عمله ، كاذب في دلالة الظاهر على الباطن و إن لم يكن مرائيا ولا ملتفتا إلى الخلق ، فأذن مخالفة الظاهر للباطن ان كانت من قصد سميت رياء ، و يفوت بها الإخلاص ، و ان كانت من غير قصد سميت كذبا و يفوت بها الصدق ، وربما لم يفت بها بعض مراتب الإخلاص.
وهذا النوع من الصدق - اعني مساواة السر و العلانية أو كونه خيرا منها - أعز من الانواع السابقة عليه ، و لذلك كرر طلبه من اللّه سيد الرسل (صلى اللّه عليه و آله) في دعواته بقوله : «اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي ، و اجعل علانيتي صالحة» , و ورد : «أنه إذا ساوت سريرة المؤمن علانيته ، باهى اللّه به الملائكة ، يقول : هذا عبدي حقا!» , وكان بعض الأكابر يقول : «من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنهار؟» , و لنعم ما قيل :
اذا السر و الاعلان في المؤمن استوى فقد عز في الدارين و استوجب الثنا
وان خالف الاعلان سرا فما له على سعيه فضل سوى الكد و العنا
كما خالص الدينار في السوق نافق و مغشوشة المردود لا يقتضي المنى
ومن جملة هذا الصدق : موافقة القول و الفعل ، فلا يقول ما لا يفعل و لا يأمر بما لا يعمل.
فمن وعظ و لم يتعظ في نفسه كان كاذبا , ومن هنا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «انى و اللّه ما احثكم على طاعة إلا و اسبقكم إليها ، و لا انهاكم عن معصية إلا و أتناهى قبلكم عنها».
السادس : الصدق في مقامات الدين : من الصبر، و الشكر، و التوكل و الحب ، و الرجاء ، و الخوف ، و الزهد ، و التعظيم ، و الرضا ، و التسليم ، و غير ذلك.
وهو أعلى درجات الصدق وأعزها ، فمن اتصف بحقائق هذه المقامات و لوازمها و آثارها و غاياتها فهو الصديق الحق ، و من كان له فيها مجرد ما يطلق عليه الاسم دون اتصافه بحقائقها وآثارها و غاياتها فهو كاذب فيها.
أما ترى أن من خاف سلطانا أو غيره كيف يصفر لونه و يتعذر عليه أكله و نومه و يتنغص عليه عيشه و يتفرق عليه فكره و ترتعد فرائصه و تتزلزل اركانه و جوانبه؟ , وقد ينزح عن وطنه و يفترق عن أهله و ولده ، فيستبدل بالأنس الوحشة ، و بالراحة التعب و المشقة فيعترض للأخطار و يختار مشقة الاسفار، كل ذلك من درك المحذور.
فمثل هذا الخوف هو الخوف الصادق المحقق , ثم إن من يدعى الخوف من اللّه أو من النار و لا يظهر عليه شيء من ذلك عند إرادة المعصية و صدورها عنه ، فخوفه خوف كاذب ، قال النبي (صلى اللّه عليه و آله) : «لم أر مثل النار نام هاربها ، و لم ار مثل الجنة نام طالبها».
ثم لا غاية لهذه المقدمات حتى يمكن لأحد أن ينال غايتها ، بل لكل عبد منها حظ بحسب حاله و مرتبته ، فمعرفة اللّه و تعظيمه و الخوف منه غير متناهية ، فلذلك لما رأى النبي (صلى اللّه عليه و آله) جبرئيل على صورته الاصلية ، خر مغشيا عليه ، و قال - بعد عودته إلى صورته الأولى و افاقته - «ما ظننت أحدا من خلق اللّه هكذا! قال له : فكيف لو رأيت إسرافيل إن العرش على كاهله ، وان رجليه قد مرقتا تخوم الأرضين السفلى ، وأنه ليتصاغر من عظمة اللّه حتى يصير كالوصع!» : أي كالعصفور الصغير وقال (صلى اللّه عليه و آله) : «مررت ليلة أسرى بي - أنا و جبرئيل - بالملإ الأعلى كالحلس البالي من خشية اللّه» : اي كالكساء الذي يلقى على ظهر البعير.
فانظر إلى اعاظم الملائكة و النبين ، كيف تصير حالهم من شدة الخشية و التعظيم ، وهذا انما هو لقوة معرفتهم بعظمة اللّه و جلاله ، و فوق ما لم يدركوه من عظمته و قدرته مراتب غير متناهية.
فاختلاف الناس في مراتب الخوف و التعظيم و الحب والانس إنما هو بحسب اختلافهم في معرفة اللّه ، و ليس يمكن أن يوجد من بلغ غايتها ، فاختلاف الناس إنما هو في القدر الذي يمكن أن يبلغ إليه ، و البلوغ إليه في الجميع أيضا نادر، فالصادق في جميع المقامات عزيز جدا.
ومن علامات هذا الصدق : كتمان المصائب و الطاعات جميعا ، و كراهة اطلاع الخلق عليها. وقد روى : «ان اللّه تعالى أوحى إلى موسى (عليه السلام) : إني إذا أحببت عبدا ابتليته ببلايا لا تقوى لها الجبال ، لأنظر كيف صدقه ، فان وجدته صابرا اتخذته وليا و حبيبا ، وان وجدته جزوعا يشكوني إلى خلقي خذلته و لم أبال» , وقال الصادق (عليه السلام) : «اذا أردت أن تعلم أصادق أنت أم كاذب ، فانظر في صدق معناك و عقد دعواك ، وعيرهما بقسطاس من اللّه عز و جل كأنك في القيامة ، قال عز و جل : {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: 8] .
فإذا اعتدل معناك بغور دعواك ثبت لك الصدق , و أدنى حد الصدق ألا يخالف اللسان القلب و لا القلب اللسان ، و مثل الصادق الموصوف بما ذكرنا كمثل النازع لروحه ، إن لم ينزع فما ذا يصنع» .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|