أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-8-2016
934
التاريخ: 25-8-2016
632
التاريخ: 26-8-2016
583
التاريخ: 3-8-2016
762
|
لا شكّ أنّ المسألة عقلية محضة إذا فرضنا أنّ النزاع في وجود الملازمة وعدمها ; إذ الحاكم عليها هو العقل ولا دخل للفظ فيها .
ودعوى كون النزاع في الدلالة الالتزامية وهي مع كونها عقلية تعدّ من الدلالات اللفظية(1) مردودة :
أمّا أوّلا : فلأنّ عدّ الدلالة الالتزامية من الدلالات اللفظية غير صحيح ; لأنّها عبارة عن انتقال النفس من تصوّر الملزوم الموضوع له إلى تصوّر لازمه بملازمة عقلية أو عرفية ، وليس للفظه دخالة في هذا الانتقال ; سوى أنّ الانتقال إلى الملزوم بسبب اللفظ ، وهو لا يوجب أن يعدّ ما هو من لوازم معناه من مداليل نفس اللفظ ; إذ حكاية اللفظ تابعة لمقدار الوضع وسعته ، وهو لم يوضع إلاّ لنفس الملزوم ، فكيف يدلّ على ما هو خارج عن معناه ؟ ! نعم ، للعقل أن ينتقل عن مدلوله إلى لوازمه ، بلا مؤونة شيء . فظهر : أنّ الالتزام عبارة عن دلالة المعنى على المعنى ; ولهذا لو حصل المعنى في الذهن ـ بأيّ نحو ـ حصل لازمه فيه .
وثانياً : أنّ الفارق موجود بين المقام وبين الدلالة الالتزامية ; لأنّ اللازم في الدلالة الالتزامية لازم لنفس المعنى المطابقي ; بحيث لو دلّ اللفظ عليه دلّ عليـه ولو بوسائط . لكن الانتقال إلى إرادة المقدّمة غير حاصل من المعنى المطابقي للفظ الأمر ـ أعني البعث نحو المطلوب ـ حتّى يصير من لوازم المعنى الموضوع له ، بل الدالّ عليه هنا هو صدور الفعل الاختياري من المولى ـ أعني البعث باللفظ ـ فإنّه كاشف بالأصل العقلائي عن تعلّق الإرادة بهذا البعث ، ثمّ ينتقل ببركة مرادية البعث إلى أنّ مقدّماته مرادة أيضاً ، فأين الانتقال من المعنى الموضوع له ؟ ! إذ مبدأ الانتقال إلى إرادة الواجب ثمّ إلى إرادة مقدّماته إنّما هو نفس صدور الفعل الاختياري ، لا مفاد الأمر ومعناه .
فظهر : أنّ صدور البعث اللفظي المتعلّق بشيء كاشف عـن كون فاعله مريـداً إيّاه لأجل كونـه متكلّماً مختاراً ، ثمّ ينتقل إلى إرادة مقدّماتـه ، وأين هـذا مـن الدلالة الالتزامية ؟ !
والحاصل : أنّ إرادة المقدّمة ليست من لوازم المعنى المطابقي لنفس اللفظ ـ أعني البعث الاعتباري ـ بل من لوازم إرادة مدلول الأمر جدّاً ، والكاشف عنها هو نفس صدور أمر اختياري من العاقل الذي تطابق العقلاء فيه على أنّ كلّ فعل اختياري صادر عنه لابدّ أن يكون لأجل كونه مراداً لفاعله ، وإلاّ يلزم كونه لغواً ، فهو بحكم العقلاء مراد ، فينتقل إلى إرادة ما يتوقّف عليه ومراديته .
وثالثاً : أنّ هذا اللزوم ليس عرفياً ولا ذهنياً ، بل ثبوته يتوقّف على براهين صناعية دقيقة .
ورابعاً : أنّ هذا اللزوم ليس على حذو اللزومات المصطلحة ، كما مرّ الإيعاز إليه ، فتدبّر .
وأمّا كونها مسألة اُصولية : فلا شكّ أ نّها كذلك ; لما وقفت في مقدّمة الكتاب(2) على ميزانها من «أنّها عبارة عن القواعد الآلية التي يمكن أن تقع كبرى لاستنتاج الحكم الفرعي الإلهي أو الوظيفة العملية» . فحينئذ لو ثبت وجود الملازمـة يستكشف منها وجوب مقدّمات الصلاة وغيرها ; لأنّ البحث عن وجود الملازمة ليس لأجل الاطّلاع على حقيقة من الحقائق حتّى يصير البحث فلسفياً ، بل لأنّها ممّا ينظر بها إلى مسائل وفروع هـي المنظور فيها ، ولا نعني مـن الاُصوليـة غير هذا .
وما عن بعض الأكابر ـ أدام الله أظلاله ـ من أنّ المسألة من مبادئ الأحكام ـ وإن كان البحث عن وجود الملازمة ـ لأنّ موضوع الاُصول هو الحجّة في الفقه ، والشيء إنّما يكون مسألة اُصولية إذا كان البحث فيها بحثاً عن عوارض موضوع علمه ، ولكن البحث عن وجود الملازمات ليس بحثاً عن عوارض الحجّة في الفقه ، بخلاف البحث عن حجّية الخبر الواحد وغيره(3) .
غير تامّ ; لما تقدّم(4) من بطلان وجوب وجود موضوع في العلوم ـ حتّى الفقه واُصوله والفلسفة ـ كما أنّه لا يحتاج أن يكون البحث عن العوارض الذاتية ; بأيّ معنى فسّرت .
على أنّه لو سلّمنا لزوم وجود الموضوع في العلوم ، وأنّ موضوع علم الاُصول هو الحجّة في الفقه يمكن أن يقال : إنّ البحث عن وجوب المقدّمة بحث عن عوارض ذاك الموضوع ، لا بما أ نّه عرض خارجي بل بما أ نّه عرض تحليلي ، وبذلك ينسلك أكثر ما يبحث عنه في هذا العلم في عداد مسائله . وأوضحناه بما لا مزيد عليه في مبحث حجّية أخبار الآحاد(5) .
___________
1 ـ نهاية الأفكار 1 : 261 .
2 ـ تقدّم في الصفحة 19 .
3 ـ نهاية الاُصول : 154 .
4 ـ تقدّم في الصفحة 14 ـ 15 .
5 ـ إشارة إلى ما ذكره ـ دام ظلّه ـ في الدورة السابقة في ذلك المبحث ، وملخّص ما أفاده هناك: هو أنّ الأعراض الذاتية التي يبحث في العلم عنها أعمّ من الأعراض الخارجية والأعراض التحليلية ، ألا ترى أنّ موضوع علم الفلسفة هو الوجود أو الموجود بما هو موجود ، ومباحثه هي تعيّناته التي هي الماهيات ؟ وليس نسبة الماهيات إلى الوجود نسبة العرض الخارجي إلى الموضوع ، بل العرضية والمعروضية إنّما هي لأجل تحليل من العقل ، فإنّ الماهيات بحسب الواقع تعيّنات الوجود ومتّحدات معه ومن عوارضها التحليلية ; فإن قيل : الوجود عارض الماهية ذهناً صحيح ، وإن قيل : الماهية عارض الوجود ، فإنّها تعيّنه صحيح .
إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ موضوع علم الاُصول هو الحجّة في الفقه ; فإنّ الفقيه لمّا رأى احتياجه في الفقه إلى الحجّة توجّه إليها وجعلها وجهة نفسه وتفحّص عن تعيّناتها التي هي الأعراض الذاتية التحليلية لها المصطلحة في باب الكلّيات الخمس .
فالحجّة بما هي حجّة موضوع بحثه وعلمه وتعيّناتها التي هي الخبر الواحد والظواهر والاستصحاب وسائر المسائل الاُصولية من العوارض الذاتية لها بالمعنى الذي ذكرنا .
فعلى هذا يكون البحث عن حجّية الخبر الواحد وغيره بحثاً عن العرض الذاتي التحليلي للحجّة، ويكون روح المسألة : أنّ الحجّة هل هي متعيّنة بتعيّن الخبر الواحد أو لا ؟
وبالجملة : بعد ما علم الاُصولي أنّ لله تعالى حجّة على عباده في الفقه يتفحّص عن تعيّناتها التي هي العوارض التحليلية لها ، فالموضوع هو الحجّة بنعت اللابشرطية ، والمحمولات هي تعيّناتها . وأ مّا انعقاد البحث في الكتب الاُصولية : بأنّ الخبر الواحد حجّة أو الظاهر حجّة وأمثال ذلك فهو بحث صوري ظاهري لسهولته ، كالبحث في الفلسفة بأنّ النفس أو العقل موجود ، مع أنّ موضوعها هو الوجود ، وروح البحث فيها : أنّ الوجود متعيّن بتعيّن العقل أو النفس أو الجوهر أو العرض .
هذا ، مع أنّه لو كان البحث في حجّية الخبر الواحد هو بهذه الصورة فأوّل ما يرد على الاُصوليين : أنّ الحجّة لها سمة المحمولية لا الموضوعية ، كما أنّ هذا الإشكال يرد على الفلاسفة أيضاً . ونسبة الغفلة والذهول إلى أئمّة الفنّ والفحول غفلة وذهول .
بل لنا أن نقول : إنّ الموضوع في قولهم «موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية» ليس هو الموضوع المصطلح في مقابل المحمول ، بل المراد ما وضع لينظر في عوارضه وحالاته ، وما هو محطّ نظر صاحب العلم .
ولا إشكال في أنّ محطّ نظر الاُصولي هو الفحص عن الحجّة في الفقه ووجدان مصاديقها العرضية وعوارضها التحليلية ، فالمنظور إليه هو الحجّة لا الخبر الواحد ، فافهم واغتنم .
إن قلت : هب أنّ البحث عن الحجّية في مسائل حجّية الظواهر والخبر الواحد والاستصحاب وأمثالها ممّا يبحث عن حجّيتها يرجع إلى ما ذكرت ، ولكن أكثر المسائل الاُصولية لم يكن البحث فيها عن الحجّية أصـلا ، مثـل مسألـة اجتماع الأمـر والنهي ووجوب مقدّمـة الواجب
ومسائل البراءة والاشتغال وغيرها ممّا لا اسم عن الحجّية فيها .
قلت : كلاّ ، فإنّ المراد من كون موضوع علم الاُصول هو الحجّة هو أنّ الاُصولي يتفحّص ممّا يمكن أن يحتجّ به في الفقه ; سواء كان الاحتجاج لإثبات حكم أو نفيه ـ كحجّية خبر الثقة والاستصحاب ـ أو لإثبات العذر وقطعه ، كمسائل البراءة والاشتغال .
والتفصيل : أنّ المسائل الاُصولية : إمّا أن تكون من القواعد الشرعية التي تقع في طريق الاستنباط ، كمسألة حجّية الاستصحاب وحجّية الخبر الواحد ، بناءً على ثبوت حجّيته بالتعبّد ، وإمّا أن تكون من القواعد العقلائية ، كحجّية الظواهر والخبر الواحد ، بناءً على ثبوت حجّيته ببناء العقلاء ، وإمّا من القواعد العقلية التي تثبت بها الأحكام الشرعية ، كمسائل اجتماع الأمر والنهي ومقدّمة الواجب وحرمة الضدّ من العقليات ، وإمّا من القواعد العقلية لإثبات العذر وقطعه ، كمسائل البراءة والاشتغال .
وكلّ ذلك ما يحتجّ به الفقيه إمّا لإثبات الحكم ونفيه عقلا أو تعبّداً أو لفهم التكليف الظاهري . وليس مسألة من المسائل الاُصولية إلاّ ويحتجّ بها في الفقه بنحو من الاحتجاج ، فيصدق عليها إنّها هو الحجّة في الفقه . [المؤلّف] .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|