المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



معنى التلازم وأقسامه وأنواعه  
  
13930   01:27 مساءاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : محمّد مهدي النراقي
الكتاب أو المصدر : أنيس المجتهدين
الجزء والصفحة : ج1. ص.419
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

ويقال له : الملازمة ، واللزوم ، والاستلزام أيضا.

وتنقيح البحث عنه يتوقّف على بيان امور :

[ الأمر ] الأوّل : التلازم نسبة بين شيئين مصحّحة للحكم باستصحاب أحدهما الآخر في الصدق الواقعي أو التقديري ، فصدقها لا يستلزم صدقهما ، بل قد تصدق بين كاذبين نحو « إن كان زيد حمارا ، كان ناهقا » ، أو بين كاذب وصادق على أن يكون الملزوم كاذبا نحو « إن كان زيد حمارا ، كان حيوانا » دون العكس ، وإلاّ لزم صدق الكاذب وكذب الصادق ؛ لاستلزام كذب اللازم كذب الملزوم ، وصدق الملزوم صدق اللازم. وهذا في الملازمة الكلّيّة الدائمة ، وهي أن يكون تقدير صدق الملزوم فيه مستلزما لصدق اللازم في جميع الأزمان على جميع الأوضاع. دون الجزئيّة ، وهي أن يكون ذلك في بعض الأزمان ، أو بعض الأوضاع ؛ فإنّه يجوز صدقها بين صادق وكاذب ؛ لجواز أن يكون صدق الملزوم على بعض الأوضاع ، وصدق الملازمة الجزئيّة على بعض الأوضاع الأخر ، فلا يلزم المحذوران.

فإنّا إذا قلنا : « إذا كان الشيء حيوانا كان ناطقا » ، يصدق الملزوم ، وهو كون الشيء حيوانا على بعض الأوضاع وهو وضع الفرسيّة مثلا ، ويكذب اللازم وهو كونه ناطقا ، وحينئذ يكذب الملازمة ، إلاّ أنّها صادقة على بعض الأوضاع الأخر ، وهو وضع الإنسانيّة ، وإن لم يكن الملزوم حينئذ صادقا ، ولذا لا ينتج الجزئيّة في القياس الاستثنائي ، وليس فيها كثير فائدة في المقاصد العلميّة.

[ الأمر ] الثاني : التلازم إمّا شرعي ، كتلازم القصر والإفطار في الصلاة والصوم المستفاد من قوله عليه ‌السلام : « إذا أفطرت قصّرت ، وإذا قصّرت أفطرت » (1).

 وإمّا عقلي ، كتلازم الأمر بشيء والنهي عن ضدّه ، والأمر بالشيء والأمر بمقدّمته ، وغير ذلك من الملازمات العقليّة الثابتة في الاصول ، وربّما كان بعضها منصوصا من الشرع أيضا.

[ الأمر ] الثالث : التلازم إمّا أن يكون طردا وعكسا ، أي من الطرفين. أو طردا فقط ، أي من طرف واحد. فهذا شقّان.

وأيضا إمّا أن يكون نسبة بين حكمين ، أو مفردين. والغالب أنّ التلازم بين الأخيرين لا ينفكّ عن التلازم بين الأوّلين.

والحكمان إمّا وجوديّان ـ أي مثبتان ـ وإن كان مفرداته (2) عدميّة ، أو عدميّان ، أو وجودي وعدميّ ، أو بالعكس. فهذه أربعة أصناف.

وأيضا لمّا لم يمكن أن يوجد (3) بين الخاصّ والعامّ من وجه ، فهو إمّا أن يكون بين المتساويين، أو بين الخاصّ والعامّ مطلقا ، أو بين المتنافيين طردا وعكسا ، أي إثباتا ونفيا ، أو المتنافيين طردا فقط ، أي إثباتا ، أو عكسا فقط ، أي نفيا. فهذه خمسة أنواع ، فلينظر أيّ الشقّين والأصناف في أيّ الأنواع يجري.

النوع الأوّل : المتساويان ، كالإنسان والناطق. ويجري فيه الصنفان الأوّلان بالشقّ الأوّل ، أي التلازم بين الوجوديّين والعدميّين كليهما طردا وعكسا ، فيصدق : كلّ ما كان إنسانا كان ناطقا ، وبالعكس ، و: كلّ ما لم يكن إنسانا لم يكن ناطقا ، وبالعكس. ففيه (4) يلزم من استثناء عين الملزوم عين اللازم وبالعكس ، واستثناء نقيض الملزوم نقيض اللازم وبالعكس ، فيلزم أربع نتائج ، فيثبت التلازم في أحد الصنفين بطرده ، ويتقوّى بعكسه ، وبالصنف الآخر طردا وعكسا، وإنّما يحصل التقوّي بما ذكر إذا تناوله أيضا دليل التلازم ، وإلاّ فلا. وكذا الحال في باقي الأصناف الآتية. ولا يجري في هذا النوع الصنفان الآخران مطلقا ؛ بمنافاتهما (5) للتساوي.

النوع الثاني : الخاصّ والعامّ مطلقا ، كالإنسان والحيوان. ويجري فيه الصنف الأوّل بالشقّ الثاني ، أي التلازم بين الوجوديّين طردا فقط ، فيصدق : كلّ ما كان إنسانا كان حيوانا ، دون العكس. ويجري فيه الصنف الثاني عكسا ، فيصدق : كلّ ما لم يكن حيوانا لم يكن إنسانا ، ففيه يلزم من استثناء عين الملزوم عين اللازم ، ونقيض اللازم نقيض الملزوم ، فيلزمه نتيجتان ، فالتلازم في الصنف الأوّل يثبت بطرده ، ويتقوّى بعكس الصنف الثاني. ولا يجري فيه الصنفان الآخران ؛ لمنافاتهما للعموم والخصوص.

النوع الثالث : المتنافيان طردا وعكسا ، أي إثباتا ونفيا ، كالزوجيّة والفرديّة ؛ فإنّهما لا تجتمعان ولا ترتفعان. ويجري فيه الصنفان الآخران بالشقّ الأوّل ـ أي تلازم الوجوديّ والعدميّ وبالعكس ـ طردا وعكسا ، فيصدق : لو كان زوجا لم يكن فردا ، ولو كان فردا لم يكن زوجا ، ولو لم يكن زوجا كان فردا ، ولو لم يكن فردا كان زوجا ، وفيه تنافيان ، وفي كلّ منهما لازمان (6) ، فيلزم باعتبار التنافي إثباتا أن يكون وجود كلّ منهما مستلزما لعدم الآخر ، فيلزم من استثناء كلّ واحد منهما نقيض الآخر. وباعتبار التنافي نفيا أن يكون عدم كلّ منهما مستلزما لوجود الآخر ، فيلزم من استثناء نقيض كلّ منهما عين الآخر ، فيلزمه أربع نتائج ، فالتلازم في أحد الصنفين فيه يثبت بطرده ، ويتقوّى بعكسه ، وبالصنف الآخر طردا وعكسا. ولا يجري فيه الصنفان الأوّلان ، ووجهه ظاهر.

النوع الرابع : المتنافيان طردا فقط ، أي إثباتا ، كالحيوان والجماد ؛ فإنّهما لا يجتمعان وقد يرتفعان ، كما في الشجر. ويجري فيه الصنف الثاني بالشقّ الأوّل ـ أي تلازم الوجوديّ والعدميّ ـ طردا وعكسا ، فيصدق : كلّما كان حيوانا لم يكن جمادا ، وكلّما كان جمادا لم يكن حيوانا. ولا يجري فيه الصنف الرابع ، فلا يصدق : كلّ ما لم يكن حيوانا كان جمادا ، وكلّ ما لم يكن جمادا كان حيوانا ، فيلزم من استثناء كلّ واحد منهما نقيض الآخر لا غير ، فيلزم نتيجتان ، فيثبت التلازم (7) فيه بالطرد ، ويتقوّى بالعكس. وعدم جريان الصنفين الأوّلين فيه مطلقا ظاهر.

النوع الخامس : المتنافيان عكسا فقط ، أي نفيا ، كاللارجل واللاامرأة ؛ فإنّهما لا يرتفعان وقد يجتمعان ، كما في الشجر مثلا. ويجري فيه الصنف الرابع بالشقّ الأوّل ـ أي تلازم العدميّ والوجوديّ ـ طردا وعكسا ، فيصدق : كلّما لم يكن بلا رجل فهو لا امرأة ، وكلّما لم يكن بلا امرأة فهو لا رجل. ولا يجري فيه الصنف الثالث ، فلا يصدق : كلّ ما كان بلا رجل لم يكن بلا امرأة ، وكلّ ما كان بلا امرأة لم يكن بلا رجل ، فيلزم من استثناء نقيض كلّ منهما عين الآخر لا غير ، فيلزمه أيضا نتيجتان ، ويثبت التلازم فيه بالطرد ، ويتقوّى بالعكس. وعدم جريان الصنفين الأوّلين فيه أيضا ظاهر.

[ الأمر ] الرابع : لا يخفى في حجّيّة التلازم إذا علم ثبوته شرعا أو عقلا ، وعلم تحقّق الملزوم من نفي أو إثبات أيضا ، فمن ادّعى التلازم في حكمين ، وأثبت تحقّقه وتحقّق الملزوم بالشرع أو العقل ، فلا كلام معه ، وإلاّ فللمانع منعهما.

وفي التلازم شبهة مشهورة ، وهي أنّه إمّا معدوم في الخارج ، أو موجود فيه. والأوّل باطل ؛ لأنّه لا فرق بين التلازم العدميّ وعدم التلازم ؛ لعدم التمايز بين المعدومات. والثاني أيضا باطل؛ لأنّه مغاير للطرفين ؛ لإمكان تعقّلهما بدونه ، ولكونه نسبة ، والنسبة مغايرة للطرفين ، وحينئذ لا يخلو إمّا أن يلزم ذلك التلازم لأحدهما ، أو كليهما ، أم لا.

فعلى الأوّل ينقل الكلام إلى التلازم الثاني ، ويلزم التسلسل في الملازمات الموجودة في الخارج.

وعلى الثاني يمكن ارتفاعه عن المتلازمين ، فيلزم جواز الانفكاك بينهما ، فيلزم انهدام اللزوم على فرض وجوده ، هذا خلف.

والجواب : اختيار كونه معدوما ، ومنع كون التمايز من خواصّ الموجودات الخارجيّة ؛ لأنّه يوجد في غيرها أيضا ، كما بين عدمي العلّة ومعلولها ، وبين عدمي الشرط والمشروط به.

فإن قيل من رأس : لو لم يكن التلازم موجودا في الخارج ، فإمّا أن يمتنع الانفكاك بين المتلازمين فيه ، أم لا ، فعلى الأوّل يلزم تحقّق وجود التلازم في الخارج على تقدير انتفائه فيه. وعلى الثاني ينهدم التلازم.

قلنا : نختار امتناع الانفكاك بينهما في الخارج ، بمعنى كون الخارج ظرفا لنفسه لا لوجوده ، وحينئذ لا يلزم وجود التلازم في الخارج ، بمعنى كون الخارج ظرفا لوجوده ، ولا (8) نفيه فيه بالكلّية ؛ إذ لا يلزم من انتفاء مبدأ المحمول انتفاء الحمل الخارجي ؛ فإنّ العمى معدوم في الخارج ، مع أنّ الأعمى يحمل على موضوعه حملا خارجيّا.

ولا يخفى أنّ هذه الشبهة إمّا أن تستلزم رفع التلازم ، أو لا. فعلى الأوّل يثبت التلازم ، وعلى الثاني لا يعتدّ بها.

إذا عرفت ذلك ، فلنذكر من كلّ صنف مثالا من الأحكام الشرعيّة ليظهر كيفيّة التفريع :

فالأوّل كما يقال : من سافر أربعة فراسخ ناويا للرجوع في يومه يجب عليه الإفطار ؛ لوجوب القصر عليه. وثبوت الملازمة بينهما بالنصّ والاستقراء.

والنصّ قوله عليه ‌السلام : « إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت » (9).

فبالنصّ يثبت الملازمة بالطرد ، ويتقوّى بالعكس ، ويعكس إذا عكست. ولا يتقوّى بالتلازم بين عدميهما طردا وعكسا ؛ لعدم تناول النصّ له.

والاستقراء هو أنّا تتبّعنا فوجدنا [ أنّ ](10) كلّ موضع يجب فيه القصر يجب فيه الإفطار وبالعكس ، ووجدنا [ أنّ ](11) كلّ موضع لا يجب فيه القصر ، لا يجب فيه الإفطار وبالعكس، فبالاستقراء يثبت التلازم بالطرد ، ويتقوّى بالعكس وبالتلازم بين عدميهما طردا وعكسا.

وحاصله ثبوت الحكم بدوران وجوب القصر مع وجوب الإفطار وجودا وعدما.

وقد تقرّر بوجه آخر : وهو أنّه يثبت أحد الأثرين فيثبت المؤثّر ، وبثبوته يثبت الأثر الآخر. أو يقال : قد ثبت أحد الأمرين ، فيلزم ثبوت الآخر ؛ للزوم ثبوت المؤثّر للثابت واستلزامه للآخر ، ولمّا لم يغيّر (12) المؤثّر لا ينتقل إلى قياس العلّة.

[ المثال ] الثاني : كما يقال : لا يصحّ هذا التيمّم لعدم اشتماله على النيّة ؛ لعدم صحّة الوضوء بدونها ، وثبوت الملازمة بينهما في الأحكام. أمّا الأوّل فظاهر. وأمّا الثاني فبالاستقراء ، وهو أنّا تتبّعنا فوجدنا [ أنّ ] كلّ ما لا يصحّ الوضوء بدونه ، لا يصحّ التيمّم بدونه وبالعكس. وكذا وجدنا التلازم بين صحّة الوضوء وصحّة التيمّم طردا وعكسا ، فيثبت المطلوب بالطرد ، ويتقوّى بعكسه وبالتلازم بين الصحّتين طردا وعكسا. ويرجع أيضا إلى الدوران. وقد تقرّر بأنّ انتفاء أحد الأثرين يوجب انتفاء المؤثّر فينتفي الأثر الآخر. أو يقال : قد انتفى أحد الأثرين ، فيلزم انتفاء الأثر الآخر ؛ للزوم انتفاء المؤثّر. وربّما يمنع التلازم هنا ؛ لعدم حجّيّة الاستقراء ، أو لعدم تماميّته هنا.

[ المثال ] الثالث : كالمباح وعدم الحرمة.

[ المثال ] الرابع : بالعكس.

ويقرّر (13) التلازم فيهما بثبوت التنافي بين المباح والحرمة.

وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ ثبوته فيهما بماذا ، وتقوّيه بماذا.

تذنيب :

الدوران هو ترتّب الشيء على الشيء الذي له صلوح العلّيّة وجودا ، كترتّب الملك على الهبة (14) ، أو عدما ، كجواز الصلاة بالنسبة إلى الطهارة (15) ، أو معا ، كوجوب الرجم على الزنا. ويسمّى الأوّل دائرا ، والثاني مدارا.

وهو أخصّ مطلقا من الملازمة المطلقة ، أي الشاملة للكلّية والجزئيّة ، والواقعة بين الحكمين والمفردين ؛ لعدم انفكاك الدوران عن مطلق اللزوم ؛ لأنّ بين كلّ شيئين حتّى النقيضين ملازمة جزئيّة ، فضلا عن المتداورين ، وصدقها بدونه في استلزام وجود المعلول وجود علّته (16).

وقد حكم جماعة بأنّ بينهما عموما وخصوصا من وجه ، وهم بين من خصّ الملازمة بالكلّيّة الحكميّة (17) ، ومن خصّها بالكلّيّة حكميّة كانت أو لا (18) ، ومن خصّها بالحكميّة كلّيّة كانت أو جزئيّة (19) ، فافتراقه عنها عند الأوّل في صورتين :

الاولى : أن يكون الدائر والمدار فيها مفردين.

والثانية : أن يكون ترتّب الدائر على المدار فيها أكثريّا لا كلّيّا دائميّا ، كالإسهال بالنسبة إلى شرب السقمونيا. وعند الثاني في الثانية. وعند الثالث في الاولى.

ومواضع اجتماعهما وافتراقها عنه على كلّ من التقادير الثلاثة ظاهرة.

وقد يأتي للدوران زيادة بيان في بحث القياس (20).

___________
(1) الفقيه 1 : 437 ، ح 1271 ، بتقديم قصّرت وأفطرت في الفقرتين.

(2) كذا في النسختين. والصحيح : « مفرداتهما » ، أو رجوع الضمير إلى التلازم.

(3) أي التلازم.

(4) في « ب » : « وفيه ».

(5) كذا في النسختين. والتعليل باللام أولى.

(6) في « ب » : « تلازمان ».

(7) في « ب » : « اللازم ».

(8) عطف على وجود التلازم.

(9) تقدّم تخريجه في ص 419.

(10 و 11) اضيف للضرورة.

(12) في « ب » : « لم يعيّن ».

(13) في « ب » : « تقرّر التلازم ».

(14) لأنّه عند انتفاء الهبة لا ينتفي الملك ؛ فلعلّه حصل لسبب آخر.

(15) لأنّ عدم الصلاة وبطلانها يترتّب على عدم الطهارة ، وأمّا وجودها لا يترتّب على وجودها.

(16) استلزام وجود المعلول لوجود العلّة يختصّ بمقام الإثبات والاستدلال الإنّي دون الثبوت.

(17) قاله الأسنوي في نهاية السؤل 4 : 123. ونسبه أيضا إلى أصحاب الرأي.

(18) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 330. ونسبه أيضا إلى المحقّقين وبعض الاصوليّين.

(19) قاله العلاّمة في تهذيب الوصول : 257.

(20) يأتي في ص 445.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.