المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
السيادة القمية Apical Dominance في البطاطس
2024-11-28
مناخ المرتفعات Height Climate
2024-11-28
التربة المناسبة لزراعة البطاطس Solanum tuberosum
2024-11-28
مدى الرؤية Visibility
2024-11-28
Stratification
2024-11-28
استخدامات الطاقة الشمسية Uses of Solar Radiation
2024-11-28



ظاهرة الإعراب  
  
4029   04:55 مساءاً   التاريخ: 2-8-2016
المؤلف : د. صبحي الصالح
الكتاب أو المصدر : دراسات في فقه اللغة
الجزء والصفحة : ص117- 140
القسم : علوم اللغة العربية / فقه اللغة / خصائص اللغة العربية / الإعراب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-8-2016 4030
التاريخ: 21-7-2016 3645
التاريخ: 26-7-2016 37684
التاريخ: 19-7-2016 9640

العرب ورثوا لغتهم معربة
لم يرتب أحد من اللغويين القدامى في أنَّ الإعراب من خصائص العربية، بل من أشد هذه الخصائص وضوحًا؛ وأن مراعاته في الكلام هي الفارق الوحيد بين المعاني المتكافئة.
ولقد عبَّروا عن هذه الظاهرة بأساليب متنوعة تنطق جميعًا بحقيقة واحدة, ولعل أوفى خلاصة لتلك الآراء قول ابن فارس: "فأما الإعراب فبه تميَّزُ المعاني ويُوقَفُ على أغراض المتكلمين, وذلك أن قائلًا لو قال: "ما أَحْسَنْ زَيْدْ" غير معرب، أو "ضَرَبَ عَمْرْ زَيْدْ" غير معرب، لم يقف على مراده, فإذا قال: ما أَحْسَنَ زَيْدًا" أو "مَا أَحْسَنُ زَيْدٍ" أو "مَا أَحَسْنَ زَيْدٌ" أبان بالإعراب عن المعنى الذي أراده.

ص117

وللعرب في ذلك ما ليس لغيرها؛ فهم يَفْرُقون بالحركات وغيرها بين المعاني, يقولون: "مِفْتَح " للآلة التي يفتح بها، و"مَفْتَح" لموضوع الفتح، و"مِقَصٌّ" لآلة القص، و"مَقَصٌّ" للموضع الذي يكون فيه القص؛ و"مِحْلَبٌ" للقدح يُحْلَبُ فيه، و"مَحْلَبٌ" للمكان يحتلب فيه ذوت اللبن ..."(1).
وزاد ابن فارس هذه الظاهرة تقريرًا وتوضيحًا بقوله في موضع آخر: "من العلوم الجليلة التي خصت بها العرب: الإعراب الذي هو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ، وبه يعرف الخبر الذي هو أصل الكلام, ولولاه ما مُيِّزَ فاعل من مفعول؛ ولا مضاف من منعوت، ولا تعجُّب من استفهام، ولا صدر من مصدر؛ ولا نعت من تأكيد"
(2).
ولما أصابت العربية حظًّا من التطور أضحى الإعراب أقوى عناصرها، وأبرز خصائصها، بل سر جمالها، وأمست قوانينه وضوابطه هي العاصمة من الزلل، المعوضة عن السليقة؛ لأن الناس أدركوا حين بدأ اختلاطهم بالأعاجم أنهم لولا خلاطهم لهم لما لحنوا في نطق، ولا شذّوا في تعبير، فقد كان يثقل على هؤلاء الأعاجم إخراج أحرف الحلق وأحرف الإطباق بوضوح أصواته في العربية، فإذا هم يحرفون مثلًا "عربي" إلى "أربي" و"طَرَقَ" إلى "تَرَكَ"، حتى شكا الناس من فساد الألسنة واضطرابها
(3).

ص118

ولم يكن بد من أن يتأثر العرب بأولئك الأعاجم, مع أنهم كانوا قد وثوا عربيتهم معربة، وقرؤوا القرآن معربًا، وتناقلوا أحاديث نبيهم معربة.
وإنّ أدلة كثيرة لتقوم على شعور العرب بوراثتهم لغتهم معربة؛ فهذه أمارات الإعراب باطرادها وسلامتها، واضحة فيما صَحَّ من أشعار الجاهليين, وذلك هو التصرف الإعرابي ما فتئ يراعى بدقة بالغة حتى أوائل القرن الثالث الهجري، يوم كان الرواة والإخباريون يختلفون إلى الأعراب في البادية؛ ليأخذوا من أفواهم اللغة، ويعودوا ألسنتهم الفصاحة والبيان.
أما ترتيلهم القرآن معربًا فما نحسب عاقلًا في الدنيا يرتاب فيه، ولم يزعم أحد من العلماء في الشرق والغرب، قديمًا أو حديثًا، عامية الأسلوب القرآني، أو تجرده من ظاهرة الإعراب؛ لأن ما في القرآن من الألفاظ الصالحة لأن تقرأ رسمًا بأكثر من وجه كان السياق فيه غالبًا يعين قراءته المثلى، ويفرض وجهه الأفضل، ولا يعيِّنُ قراءةً ما إلّا تحريك الأواخر بالحركة الإعرابية المناسبة, ومن أوضح الأمثلة على قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
(4)، فالمعنى نفسه يفرض رفع العلماء، فاعلًا، ونصب اسم الجلالة مفعولًا؛ لأن المراد حصر الخوف من الله في العلماء، لا حصر الخوف من العلماء في الله: فإنما يخشى الله حق خشيته العلماء العارفون بجلاله.
وتناقل هذا الوجه المتواتر في قراءة الآية، بمراعاة حركات الإعراب مشافهةً وتلقينًا، هو الذي حمل القراء على الحكم بشذوذ القراءة الأخرى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} برفع "اسم

ص119

الجلالة" فاعلًا، ونصب "العلماء" مفعولًا، وعزو هذه القراءة إلى عمر بن عبد العزيز, وحكايتها عن الإمام أبي حنيفة لم يدفعا عنها حكم الشذوذ(5).
ولولا الترف العلمي الذي أغرى العلماء بتوجيه القراءات الشاذة لتكون -بزعمهم- عونًا على صحة التأويل
(6)، لما تجشم بعضهم عناء تفسير الخشية هنا بمعنى الإجلال والتعظيم لا الخوف، فكأن هذه القراءة الشاذة بيَّنَت أن الغرض من تخصيص العلماء بالخشية إظهار مكانتهم ودرجتهم عند الله(7)، وهذا من أعجب ما يجرؤ على قوله عبيد الله في حق الله!
وَلْنُلَاحِظْ في الآية السابقة أن الوقف بالسكون على آخر "العلماء" اختياري لا شيء يمنعه، أما نصب اسم الجلالة فلازم لا يجوز فيه الوقف العارض؛ إذ لا يتم المعنى بدون حركة النصب, وإن اللبس فيه ليمكن قبل التحريك؛ يناظره في هذا جميع التراكيب المجردة من ظاهرة الإعراب؛ وإذا حُرِّكَ لفظ واحد من تركيب الآية بحركةٍ لم يخف على أحد أن السكون في آخر كلمة من هذا التركيب ليس إلّا عارضًا بسبب الوقف.
وهذا السكون العارض يبدو أكثر وضوحًا في الفواصل القرآنية المرفوعة والمخفوضة، وما أكثر أمثلتها في القرآن, وقد يوقع في اللبس في الآيات التي تترجح فواصلها بين الرفع والخفض، كقوله تعالى:

ص120

}بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}(8)، فهل القرآن المجيد محفوظ في لوحٍ، فتكون الفاصلة مرفوعة؟ أم القرآن المجيد كائن في اللوح المحفوظ، فتكون الفاصلة محفوضة؟
إن القارئ الذي يظن أنه وقع على المعنى الألطف من خلال الحركة الإعرابية المناسبة، لا يسمح لنفسه إلّا بخفض الفاصلة, فهي في نظره لازمة الحفض لا محال, وربما لا يغيب عنه أن ما ارتآه من الخفض يستلزم أن يكون قوله: {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} بهذا التنوين الذي يفيد التنكير، مساويًا لقوله: "في اللوح المحفوظ" بالتعريف العهدي الذي يوحي بأن هذا اللوح هو "المحفوظ " المعروف في عالم الغيب, ولكنه يحسب قراءة الرفع أبعد عن سياق الآي، وأشدَّ مجافاةً للأسلوب العربيّ المبين
(9)!
وكثير من هذه المواقع الإعرابية المشكلة في فواصل القرآن قد خضع حتمًا لتنوع القراءات وتضارب بعضها مع بعض، وتَرَجُّحها بين صوتين متضادّين، وحركتين متقابلتين؛ كالضم والكسر مثلًا, ولكن اختلاف القراءات يرتَدُّ -في أكثر صوره- إلى نزول القرآن على سبعة أحرف
(10)، وأهم هذه الأحرف جميعًا هو اختلاف اللهجات(11)؛ وقد رأينا القرآن حريصًا على ما فصح من لهجات العرب، رادًّا منها ما استقبحه واستهجنه(12), فليس في إيثاره لهجةً على لهجة، أو في نزوله بحرف دون حرف، خروج على قوانين الإعراب, كيف وهذه القوانين

ص121

لم توضع إلّا حفاظًا عليه، ولم تستنبط -أول ما استنبطت- إلّا من نصوصه الفصحى؟!
فهل سمعت بعد هذا البيان برأي أعجب، وخيال أخصب، وقول أدعى إلى الهزء والسخرية، مما ذهب إليه المستشرق فولرز K. Vollers من أن القرآن نزل أول الأمر بلهجة مكة المجردة من ظاهرة الإعراب؛ ثم نقَّحَه العلماء على ما ارتضوه من قواعد ومقاييس، حتى أضحى يقرأ بهذا البيان العذب الصافي، وغدا في الفصاحة مضرب الأمثال
(13)؟!
ألَا وإن كبار المستشرقين لم يستسيغوا هذا الرأي العقيم, فلقد قَيَّضَ الله لكتابه مستشرقًا آخر أشهر من فولرز, وأكثر منه تحقيقًا وتدقيقًا, هو نولدكه Noldeke، كفانا مؤونة الرد على هذه الرأي الصبياني وسفهه, وفنَّدَه ونقده نقدًا علميًّا موضوعيًّا، أقام فيه الحجة على أن أغلب ما توهمه فولرز تجردًا من الإعراب إنما كان صورًا من تساهل الناس في القراءة بعد اختلاطهم بالأعاجم وشيوع اللحن والتحريف، فليس للنص القرآني صلة بشيء من هذه الملاحن من قريب أو من بعيد
(14).
ودقة المقاييس التي وصلت بها احاديث النبي الكريم تنهض حجة دامغة على أن أقواله نقلت معربة أيضًا، فقد كان الرواة على نقل أحاديث النبي أحرص منهم على أشعار الجاهليين، وكانوا يعتقدون أن هذا الأمر دين
(15)، فبالغوا في رواية الحديث باللفظ، وشددوا

ص122

في روايته بالمعنى(16)؛ وأداء بعضهم شيئًا من الحديث بلهجتهم الخاصة لا يعني أداءهم إياه متجردًا من الإعراب، فهو على كل حالٍ نُطْقٌ عربيٌّ لا مطعن عليه ولا شبهة فيه، وظاهرة الإعراب واضحة فيه، إلّا أن الأمانة العلمية تقضي بذكر الراوي وذكر لهجته, لكيلا يخفى شيء من أحوال رجال السند.
وكذلك مَنْ لَحَنَ من المحدثين كما يلحن الرواة
(17), ما كانوا يقصدون إلى التساهل في النحو، وإنما يريدون أن يتخففوا من كل عمل شخصي لهم في الرواية؛ لأنهم نقلة، وإنما يبلغ الناقل الشيء كما سمعه دون تغيير، ولا زيادة، ولا نقصان(18).
لا بدع إذا مال الكثير من العلماء المحققين -بعد الذي عرفوه واقتنعوا به من دقة المصطلحات في حديث النبي -عليه السلام- إلى تقديم الاستشهاد به على شواهد البدو، فكان نحوي كبير؛ كابن مالك, يرى أن القرآن يستشهد به في الدرجة الأولى، ثم يليه حديث النبيّ، وأخيرًا يأتي كلام الأعراب
(19).
وشعور العرب بوراثتهم لغتهم معربة هو الذي كان يحملهم على أن يجتنبوا اللحن فيما يكتبونه أو يقرءونه اجتنابهم بعض الذنوب
(20), وهل أتيح للهجة قريش أن تكون أفصح لهجات العرب وأبينها لو لم تخل في فساد اللسان ولحن الإعراب؟ وهل كان للقرآن أن يمتن على العرب بنزوله بلسان عربيٍّ مبينٍ(21) لولا أنه يومئ بهذا الامتنان إلى انتفاء الفرق

ص123

بين لغته المعربة ولغة العرب في عهده من أهل الفصاحة والبيان والإعراب(22)؟
على هَدْي هذه الأدلة العقلية والنقلية، لم يكد علماء الساميات يرتابون في صدق ما نطقت به كتبنا القديمة من انفراد العربية بالإعراب، بل زادنا استقراؤهم الدقيق لتلك اللغات السامية يقينًا بتجرد السريانية والآرامية من ظاهرة الإعراب, وضآلته في العبرية القديمة
(23) والبابلية القديمة(24).

ليس الإعراب قصة:
هذا الإجماع أو شبه الإجماع على انفراد العربية بظاهرة الإعراب لم يقبله بعض المستشرقين إلّا مقيدًا مشروطًا، فهذا كوهين Cohen مثلًا في "لغات العالم"
(25), لا ينكر وجود الإعراب في اللغة المثالية الأدبية؛ لغة الشعر والخطابة في الجاهلية والإسلام، ولكنه يستبعد مراعاتها في لهجات الحديث بين عرب الجاهلية، ويقيم رأيه على ملاحظتين فاسدتين:
إما أحدهما: فهي تشعب هذه الضوابط الإعرابية ودقتها, إلى درجة يتعذر تطبيقها؛ وأما الثانية: فهي تجرد جميع اللهجات العامية الحديثة المتفرعة من العربية من آثار الإعراب وقوانينه.

ص124

ولم تبد لنا هاتان الملاحظتان فاسدتين إلّا لأن الوقائع والوثائق تكذبهما قديمًا وحديثًا, فليست دقة الإعراب بمانعة أحدًا من التخاطب بلغة معربة؛ فهذه اللاتينية في العصور القديمة، والألمانية في العصر الحاضر، يشتمل كل منهما على قواعد وإعراب، ربما لا يقل في دقته وتنوعه عن قواعد العربية الفصحى، ومع ذلك لا تزال الألمانية لغة تخاطب بين الألمان، وظلت اللاتينية مدةً طويلةً لغة تخاطب بين الرومان.
ويروي أحد الرحّالة الإنكليز "في القرن التاسع عشر الميلادي" أنه سمع الحركات الإعرابية تلتزم في وسط الجزيرة على ألسنة الناس في المدن"
(26).
ولم تتجرد اللهجات العربية الحديثة كلها من آثار الإعراب، فما تبرح هذه الآثار ظاهرةً في أقوال البُداة من مواطن متفرقة من العالم العربي، كأنها تجميد لبقايا يستحيل عليها العدم التام، والاضمحلال المطلق
(27)، أو كأن طبيعة هذه اللغة العربية تأبى عليها أن تفقد ظاهرة الإعراب إلى الأبد, وليس في وسع باحث محقق أن ينكر احتفاظ البدو الفصحاء بالإعراب حتى زمن الجاحظ، فإن أديب العربية الكبير كان يحض الرواة والمتأدبين في "البيان والتبين" على الاختلاف إلى الفصحاء العقلاء من الأعراب؛ ليستمعوا بأحاديثهم العذاب، ثم يرووها بمخارج ألفاظها وإعراب تراكيبها(28).
ولسنا نعجب لكوهين وأضرابه إذا ذهبوا إلى هذا الرأي الفاسد

ص125

مستدلين بما وَهَى من الأدلة والبراهين، وإنما نعجب أشد العجب لبعض الباحثين العرب المعاصرين حين يهجمون على النحاة بحقٍّ وبغير حق، ويغلون في اتهامهم بوضع تلك القواعد الدقيقة وفرضها على الفصحاء من العرب، والفحول من الشعراء، وحتى رجال القراءات.
وفي كتاب "من أسرار اللغة" للدكتور إبراهيم أنيس، "نموذج" من هذا الهجوم الصاعق على النحويين: فالإعراب قصة، ولكن -كما يقول ذلك المؤلف- "ما أروعها قصة! لقد استمدت خيوطها من ظواهر لغوية متناثرة بين قبائل الجزية العربية، ثم حيكت وتَمَّ نسجها حياكةً محكمةً في أوخر القرن الأول الهجري, أو أوائل الثاني، على يد قوم من صناع الكلام, نشأوا وعاشوا معظم حياتهم في البيئة العراقية, ثم لم يكد ينتهي القرن الثاني الهجري حتى أصبح الإعراب حصنًا منيعًا، امتنع حتى على الكُتَّاب والخطباء والشعراء من فصحاء العربية، وشقَّ اقتحامه إلّا على قوم سُمُّوا فيما بعد بالنحاة "
(29).
وهذا غلو لا ريب فيه، فلقد يكون للنحاة عمل شخصي في تنسيق ما استنتجوه من أصول النحو وقواعده من كلام فصحاء العرب، ولقد يتشددون أحيانًا في رمي شاعر فحلٍ باللحن غير مبالين بضرورة شعرية ملجئة، ولقد ينكر بعضهم حتى على قرّاء القرآن ما صحَّ سنده من أوجه القراءات, ولعل من الممكن الاستغناء عن بعض مقاييسهم, أو تعويضها بأخرى أسهل وأيسر، ولكنَّ عملهم الأساسي في قواعد الإعراب يظلُّ أسمى من أن يُتَّهَمَ, وأوثق أن يجرح، فما جمعوا شواهدهم -كما رأينا- إلّا من البادية؛ موطن الفصاحة الأصيل, ولم تكمن معاييرهم التي نادوا بها إلّا صورةً معبرة عن طبيعة العربية الفصحى؛ في بنائها الصوتي, ودلالتها الموحية، وفي جميع مظاهرها البسيطة والمركبة،

ص126              

والمقيسة والمسموعة، والمستعملة والمهملة، والمشتقة والمنحوتة(30).
على أننا لا نستبعد تطاول أيدي بعض النحاة إلى وضع شيء من الأحاديث الشريفة تارةً، وتأويلها على ما يحلو لهم تارةً أخرة، ليتخذوها حجةً لهم في إلزام الناس بمراعاة الإعراب، وتحذيرهم من اللحن ولا سيما في تلاوة القرآن.
وفي طائفة من تلك الأحاديث ينسب إلى النبي الكريم ذكر اللحن صراحة، يأباه لنفسه، أو ضمنًا، يحذر منه صحبه, فتوشك تلك الأحاديث -بسبب هذا الفظ الصريح أو ذلك المفهوم الضمني- أن تتعرض لنقد شديد لا تسلم معه من التضعيف والتوهين، وربما الوضع في بعض الأحيان.
من ذلك ما نسبوه إليه -صوات الله عليه- من قوله: "أنا من قريش، ونشأت في بني سعد، فأنى لي اللحن! "
(31)، فلفظ اللحن هنا يكاد يصرخ بنفسه، ثم يضج في الصراخ منكرًا وجوده في هذا السياق، مؤكدًا أن الذين أدرجوه في الحديث غُيُرٌ على النحو، هيّابون من اللحن، مأخوذون بسحر الإعراب.
ذلك بأن التاريخ لم يعرف اللحن في دنيا العرب بمعنى مخالفة التعبير الصحيح, قبل أن يختلط هؤلاء بالأعاجم ويأخذوا في التفرقة بين فصاحة المنطق وفساد اللسان.

ص127

فاللحن لم يكتب هذا المدلول الخاص إلّا في وقت متأخر بعد أن تعارف الناس على تغيير معناه اللغوي الأصلي(32)، فكيف يستعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعنى الخطأ في اللغة, ويحرص على أن ينفي عن نفسه هذا الخطأ؟
لا سبيل لأن يسلم الحديث من النقد إذا أصرَّ المحتجون به على أن يجعلوا "اللحن" فيه مرادفًا للخروج على قواعد الإعراب؛ لأن العرب في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعرفوا لمثل هذا اللحن كنهًا أوحقيقة.
فإن لم يرادف "اللحن" عندهم إلّا عيوب المنطق في الرُّتَّة واللُّفَّة واللَّجْلَجَة والحُبْسَةِ والعِيّ والحَصْر
(33) ، فلا ضير أن ينفي أفصح العرب -عليه السلام- عن لسانه المبين ولغته الفطرية البليغة عيوبًا تلحق باللسان، فتغض من البيان.
وإن صح بعد هذا، أنه -صلوات الله عليه- حضَّ على قراءة القرآن بإعراب، فقال: "من قرأ القرآن بإعراب فله أجر شهيد"
(34)، لم يكد عاقل في الدنيا يفهم من لفظ الإعراب التزام قواعد النحاة، فما ولد أولئك النحاة بعد ولا نحوهم، ولا ضبط شيء من مقاييسهم ومعاييرهم! وإنما يفهم من الإعراب حينئذ وضوح المنطق، وظهور المخارج، وخلوّ التلاوة من عيوب اللسان التي تذهب بالكثير من حلاوة القرآن ...
وبهذا يسهل علينا تفسير ما عسى أن ينخدع به الناس من الأحاديث التي تتساهل في أمر الإعراب، أو تبدو كالمتساهلة فيه؛ إذ تتسامح

ص128

بتلاوة القرآن كله غير معرب، مثلما تحض على قراءته كله أو بعضه بإعراب؛ كالحديث الضعيف الذي نسبوه إلى النبي -عليه السلام: "من قرأ القرآن فلم يعربه وُكِّلَ به ملكٌ يكتب له كما أنزل بكل حرف عشر حسنات، فإن أعرب بعضه ولم يعرب بعضه وُكِّلَ به ملكان يكتبان له بكر حرف عشرين حسنة, فإن أعربه كله وُكِّلَ به أربعة أملاك يكتبون له بكل حرف سبعين حسنة"(35).
وكان على المنخدعين بمثل هذا الحديث أن يدركوا أنه لو كان الإعراب هنا إعراب النحو لما ساغ قط أن يتسامح النبي العربي بأمره، فيذكر ثوابًا معينًا لمن قرأ القرآن فلم يعربه، أو أعرب بعضه دون بعض؛ لأن في ترك الإعراب كله فسادًا أيّ فساد، أما التزام بعضه وإهمال بعضه فما أشد نبوته عن الفصاحة، وما أشد جفوته للنغم المرتل في القرآن!

ص129

وإن الرسول لأحكم من أن يتساهل في هذا، وهو الذي امتنَّ عليه الرحمان، بتعليمه القرآن والبيان(36)، وأمره أن يرتل الوحي ترتيلًا, حتى غدا يحض أصحابه على التغني به, وتزيين أصواتهم بقراءته(37).
إن التساهل في إعراب بعض القرآن ضرب من التخفيف على قارئيه، لا شيء أكثر شبهًا به من الحروف السبعة التي قرأ عليها العرب القرآن، وكلها شافٍ كافٍ
(38)، فكما سمعنا بعربيٍّ من إحدى القبائل لا يطيق أن يلحن بغير لحن قومه(39)، من الناحية الاجتماعية، لتأثره بلهجته القبلية، لا يعجزنا أن نتصور عربيًّا من الصحابة يضعف عن النطق ببعض الأحرف بنسبة واحدة في وضوح المخرج، لما في لسانه من العيوب، من الناحية الفردية الخاصة، فمثله يتساهل معه، ولا يكلف إلّا وسعه، وغيره من الفصحاء يشجع على سلامة نطقه، وترتيله القرآن بلسان عربين مبين.
ومهما تكن البواعث النفسية التي أهابت ببعض النحاة إلى وضع شيءٍ من الحديث يكرِّه إلى الناس اللحن ويحبِّبُ إليهم الإعراب، ومهما نستبعد صحة ما وضعوه أو أوَّلوه على ما حلا لهم، فلسنا نجد باعثًا منطقيًّا يحملنا أيضًا على استبعاد الأخبار الموقوفة على بعض الصحابة الذين كانوا يحذرون من اللحن أو يظهرون الكراهة له؛ كحديث عمر مع القوم الذين أساءوا الرمي فقرعهم, فقالوا: "والله لخطؤكم في لسانكم أشد علي من خطئكم

ص130

في رميكم "(40). فمثل هذه الأخبار الموقوفة يؤكد إمكان وقوعها منطق الأحداث نفسه؛ إذ بدأ اختلاط العرب بالأعاجم، وأنشأت اللكنة الدخلية تلابس نطقهم بالمفردات، وتحريكهم أواخر التركيب, وإظهارهم علامات الإعراب.
إلّا أن الإعراب -سواء أصحت هذه الأخبار أم لم تصح, سندًا أو متنًا، وعقلًا أو نقلًا- لم يكن بالقصة، ولا يعقل أن يكون كله نسيجًا محكمًا في عصر معين، ولا أن يقوم بحياكته كله بهذه الدقة وهذا الشمول قومٌ بأعيانهم, كأنه شيء أُنُفٌ يبتدعونه من تلقاس أنفسهم.
فهناك حد أدنى من ظاهرة الإعراب لا بد من الإقرار بوجوده، كالذي عرفنا في الشعر الجاهلي، والذي رأيناه في المواقع القرآنية المشكلة، وهي المواقع التي لا يعين معناها الأدق إلّا تحريك الأواخر بحركة الإعراب
(41).
ولا مَفَرَّ من الاعتراف أيضًا بتعسف بعض النحاة في طائفة من أحكامهم، كأنهم يحاولون فرض مقاييسهم على الناس، فقد حسبوا كما حسب اللغويون في كل زمانٍ ومكانٍ أن دراستهم يجب أن تتحكم بما له من حق وقدسية لا مراء فيهما
(42).
ها هو ذا عبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ، وهو من النحاة الموالي, يجرؤ على تخطئة الفرزدق وتلحينه في قوله:

ص131

مستقبلين شمال الشام تضربنا ... بحاصب من نديف القطن منثور
على عمائمنا تلقى، وأرحلنا ... على زواحف تُزْجَى مخهارير
(43)

فيقول: "ألا قلت: على زواحف نزجيها محاسير؟ فيغض الفرزدق ويقول: "والله لأهجونك ببيت يكون شاهدًا على ألسنة النحويين أبدًا"، وإذا هو يهجوه بقوله:

فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا

ويتعمد الفرزدق أن يقول: مولى مواليا، بدلًا من "مولى موالٍ" فينكر عليه عبد الله ويخطئه مرة أخرى(44).
وفرقوا مع ذلك بين ما يجوز للشاعر وما لا يجوز، فابن فارس لا يرى بأسًا في قصر الشعراء الممدود، ومدهم المقصور، وتقديمهم ما حقه التأخير، وتأخيرهم ما حقه التقديم؛ لأنهم أمراء الكلام, فأما لحن في إعراب أو إزالة عن نهج صواب فليس لهم ذلك, ولا معنى لقول من يقول: إن الشاعر عند الضرورة أن يأتي في شعر بما لا يجوز، ولا معنى لقول من قال:

ألم يأتيك والأنباء تُنْمَى ... بما لاقت لبونُ بني زياد

فهذا إن صح وما أشبه كله غلط أو خطأ"(45).
ولكي يجتنبوا مثل هذا الغلط أو الخطأ كانوا يسعون وراء الشعر ويصرحون بغايتهم من السعي وارءه, قال الجاحظ: "ولم أر غاية

ص132

النحويين إلّا كل شعر فيه إعراب، ولم أرَ غاية رواة الأشعار إلا كل شعر فيه غريب أو معنى صعب يحتاج إلى الاستخراج، ولم أر غاية رواة الأخبار إلّا كل شعر فيه الشاهد والمثل"(46).
ولقد ضاق الشعراء ذرعًا بجراءة النحاة فنظموا الأشعار في هجائهم, والشكوى من غرورهم، لعل هجاءهم لهم ينفس شيئًا من كربهم.
ومن أشهر تلك الأشعار الهاجية قول عَمَّار الكلبيّ
(47):

ماذا لقينا من المستعربين ومن ... قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا
إن قلت قافيةً بكرًا بها ... بيت خلاف الذي قاسوه أو ذرعوا
قالوا لحنت، وهذا ليس منتصبًا ... وذاك خفض، وهذا ليس يرتفع
وحرَّضُوا بين عبد الله من حُمُقٍ ... وبين زيدٍ فطال الضرب والوجع
كم بين قوم قد احتالوا لمنطقهم ... وبين قوم على إعرابهم طُبِعُوا
ما كان قولي مشروحًا لكم فخذوا ... ما تعرفون، وما لم تعرفوا فَدَعُوا
لأنّ أرضي أرضٌ لا تشب بها ... نار المجوس ولا تُبْنَى بها البِيَعُ

ولم تقف سلطة النحاة عند الشعراء، بل جاوزتهم إلى القراء أيضًا، فإذا قرأ حمزة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} بكسر الميم في "الأرحام"(48) أنكر النحاة قراءته وقالوا: لا يعطف على مضمر مخفوضٍ إلا بإعادة خافضه, وإذا قرأ ابن عامر: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}(49) بضم "قتل" وفتح "أولادهم" وكسر "شركائهم" أنكر النحاة هذه

ص133

القراءة، حتى قال الزمخشري، "إن الفصل بين المتضايفين لو كان في مكان الضرورات وهو في الشعر لكان سمجًا مردودًا, فكيف به في القرآن المعجز؟ "(50).
لا يسعنا، أزاء هذا، أن ننكر تسلط بعض النحاة على الناس، بيد أن التسلط لا يعني أن ظواهر الإعراب كلها موضوعة، وأن الأخبار حولها جميعًا قصص خيالية طريفة، وإنما يعني أن النحاة لم يألوا جهدًا في إقرار قواعدهم وتثبيت مقاييسهم, وليس ثمة بواعث ذات شأنٍ تحمل الباحثين المعاصرين على رمي النحاة بوضع هذه الحقائق له جملة وتفصيلًا، كأنَّ أحدًا من العرب لم يعرب كلامه قط!
ومن قبل الباحثين المعاصرين نادى ابن مضاء القرطبي
(51) بإلغاء بعض القواعد النحوية الهامة، واستبدال غيرها بها؛ كنظرية العامل التي تعتبر من أسس الإعراب الأولى، فهو لا يرى مسوغًا لهذه الاختلافات مثلًا حول عامل الرفع في المبتدأ، أهو الابتداء؟ كما يقول البصريون، أم الخبر؟ كما يزعم الكوفيون، وحول عامل الرفع في الفعل المضارع، أهو تجرده عن الناصب والجازم كما هو مذهب البصريين، أم هو حرف

ص135

المضارعة كما يرى الكسائي(52)؟
ويبدو أن ابن مضاء كان قليلًا من يؤمن بجدوى القياس في دراسة العربية، ويرى أنّ أكثر تعسف النحاة إنما جاءهم من إسرافهم في الصيغ والأبنية القياسية، فهو يحذِّرُ من هذه الوسائل المتحجرة الجامدة في صياغة الكلام العربي, فإذا قال ابن جني: "واعلم أن من قوة القياس عندهم اعتقاد النحويين أن ما قيس على كلام العرب فهو عندهم من كلام العرب"
(53). انبرى ابن مضاء ما في هذا الاعتقاد من التكلف فقال: "والعرب أمة حكيمة، فكيف تشبه شيئًا بشيء، وتحكم عليه بحكمه، وعلة حكم الأصل غير موجودة في الفرع؟ وإذا فعل واحد من النحويين ذلك جُهِّلَ ولم يقبل قوله، فلم ينسبون إلى العرب ما يجهّل به بعضهم بعضًا؟ وذلك أنهم لا يقيسون الشيء ويحكمون عليه بحكمه، إلا إذا كانت علة حكم الأصل موجودة في الفرع! وكذا فعلوا في تشبيه الاسم بالفعل في العمل، وتشبيههم إن وأخواتها بالأفعال المتعدية في العمل"(54).
وابن جني يحكي آراء النحويين، وتعجبه تعليلًاتهم لظواهر الإعراب، ولكنه يستشعر بين الحين والحين ضعف تلك العلل، فلا يملك نفسه من التصريح بضعفها، كأنه يراها لا تخلو من الصنعة والتكلف, فهو يقول مثلًا: "اعلم أن محصول مذهب أصحابنا، ومتصرف أقوالهم، مبنيٌّ على جواز تخصيص العلل، وذلك أنها وإن تقدمت علل الفقه فإنها أو أكثرها إنما تجري مجرى التخفيف والفرق، ولو تكلف متكلف نقضها لكان ذلك ممكنًا، وإن كان على غير قياس ومستثقلًا، ألَا تراك لو تكلفت تصحيح فاء ميزان وميعاد, لقدّرت على ذلك، فقلت: "مِوْزان

ص135

وموعاد"؛ وكذلك لو آثرت تصحيح فاء موسر وموقن لقدرت على ذلك، فقلت:"مُيْسر ومُيْقن" وكذلك لو نصب الفاعل، ورفعت المفعول، أو ألغيت العوامل من الجوار والنواصب والجوازم، لكنت مقتدرًا على النطق بذلك، وإن نفي القياس تلك الحال؛ وليست كذلك على المتكلمين، لأنها لا قدرة لها على غيرها"(55).
ولو لم يصرح ابن جني بهذا, لعدناه من متكلفي النحاة الذين يأبون إلّا أن يروا عللهم على وجه الحكمة كيف وقعت، مع أن اللغة وعللها وأقيستها ليست منطقية دائمًا، فبين لغة العقل والمنطق، ولغة الإرادة والرغبة، ولغة الانفعال والحساسية، فروق لا يجهلها أحد
(56).
لذلك ردَّ بعض الباحثين كثيرًا من تعليلات الأقدمين، وأكدوا أنها ليست من المنطق في شيء، ورموا العرب بضعف التعليل، ونبهوا إلى أن عمل النحوي في دراسة التراكيب يمتثل في التمييز بين أنواع الجمل المختلفة، ثم تعيين المجموعات التي تسير على نظام ثابت، في كل نوع؛ إذ تخلو من الحروف المتنافرة, ويسهل النطق بها
(57).
ولم ينكر أحد من الباحثين المعاصرين، مع ذلك، أن كثرة اشتغال النحاة العرب القدامى بالتعليل والقياس، وأخذهم بالأنبينة المقيسة, دليل على غنى مباحثهم اللغوية، بل على ترفهم في تلك المباحث
(58).
وإذا كان بعض النقاد اليوم في هجومهم الصاعق على الإعراب يحسبون أنهم إنما يتبعون ابن مضاء، فإنه لم يبلغ بآرائه الجديدة في النحو حد إنكار ما للحركة الإعرابية من مدلول، بل كان -على العكس

ص136

من ذلك- يرى أن فقدان هذه الحركة في كلمةٍ ما, لا بد أن يؤثر في توجيه فهمها، حتى ليوشك أن يعتبر الحركات الإعرابية جزءًا من بنية الكلمة، فيقول: "وكما لا نسأل عن عين "عِظْلِم"(59), وجيم "جعفر", وباء "برثن", لم فتحت هذه, وضمت هذه, وكسرت هذه، فكذلك أيضًا لا نسأل عن رفع "زيد". فإن قيل: "زيد" متغير الآخر، قيل: كذلك "عِظْلِم" يقال في تصغيره بالضم، وفي جمعه "فعالل" بالفتح, فإن قيل: للام أحوال يرفع فيها وأحوال ينصب فيها وأحوال يخفض فيها، قيل: إذا كانت تلك الأحوال معلومة بالعلل الأولى: الرفع بكونه فاعلًا, أو مبتدأ, أو خبرًا, أو مفعولًا لم يُسَمَّ فاعله؛ والنصب بكونه مفعولًا، والخفض بكون مضافًا إليه، صار الآخر كالحرف الأول الذي يضم في حالٍ، ويفتح في حالٍ، ويكسر في حالٍ، يكسر في حال الإفراد, ويفتح في حال الجمع، ويضم في حال التصغير"(60).
وقد يكون القياس ابن مضاء الحركة الإعرابية على الحركة التي تكون جزءًا من بنية الكلمة قياسًا مع الفارق؛ وقد يكون في كلامه شيء من المغالطة أوقعه فيه حبه للنحو وولوعه بالإعراب، ولكن المغالطة الشديدة تتمثل في مذهب من يقول: "يكفي للبرهنة على أن لا علاقة بين معاني الكلام وحركات الإعراب أن نقرأ خبرًا صغيرًا في الصحف على رجل لم يتصل بالنحو أيَّ نوعٍ من الاتصال، فسنرى أنه يفهم معناه تمام الفهم مهما تعمدنا الخلط في إعراب كلماته، برفع المنصوب ونصب المرفوع أو جره.. إلخ"
(61)، وإنما كانت هذه مغالطة لا تحتمل،

ص137

لأن الشخص المذكور عندما نفسد عليه إعراب الكلمات سيجد نفسه أمام خليط من الألفاظ والتعابير ليس عاميًّا كله ففهمه فهم العامة، ولا فصيحًا كله، فيفهم منه بعض على قدر استعداده؛ وإنما سيفهم الفكرة فهمًا سقيمًا مشوهًا، فهو -على جهله التام بقواعد الإعراب- لا يستوعب حزئيات الفكرة, ولا يلمح الترابط بين أجزائها, إلا إذا قرئت عليه قراءة نحوية صحيحة, ولذلك يسلك هذا الشخص في السمعيين لا البصريين، فهو يفهم الخبر الذي يتلوه المذيع وهو يستمع إليه أكثر مما يفهمه إذا قرأه بنفسه وهو ينظر في الصحيفة؛ لأن المذيع يراعي أحكام الإعراب فيفصح ويبين، أما قارئ الصحيفة فيفقد الروابط الحقيقية بين ألفاظٍ يعرف بعضها عن طريق الإلف والعادة، ويجهل بعضها الآخر؛ لأنها لم تطرق سمعه، فهذا القدر المحدود من الفهم -الذي يتفاوت بتفاوت الأشخاص والثقافات- ليس مصدره فقدان الحركات الإعرابية، وإلّا لكان يجب أن يكون فهمًا تامًّا من كل وجه، وهو ما ينكره الواقع ويأباه.
وحين ينقل لنا: أن ربيعة تقف بالسكون على الاسم المنون المنصوب فتقول: هل رأيت زيدْ، مثلما تقول: جاء زيدْ، ومررت بزيدْ، في المنون المرفوع والمجرور؛ وإن طيئًا تقف على جمع المونث السالم بإبداله تائه هاء فقتول: "دفن البناه، من المكرماه" كما في المفرد المنتهي بالتاء كالصلاة والزكاة
(62)، بل إن لخمًا تقف على ضمير الغائبة بحذف ألفه؛ فتقول: والكرامة ذات أكرمكم الله به" أي بها، وقضاعة تقول: المال له، ومررت به(63)، حين يُنْقَل لنا هذا أو أضرابه نستطيع أن نفسره بظاهرة الشذوذ "اللاشعوري" في النطق، لا بظاهرة المخالفة

ص138

المقصودة الواعية للإعراب، وبينهما اختلاف جوهري، فإن ربيعة لا تقول: رأيت زيدْ، بتسكين "زيد" إلّا في حالة الوقف، أما إذا لم تقف على الاسم المنون المنصوب بل واصلت تعبيرها وأتمت جملتها, فإنها تقول مثلًا: "رأيت زيدًا في بيته". ولم يُحفظ لنا إسقاطها حركة الإعراب في مثل هذا المقام، ولا إسقاطها في غير الاسم المنوّن المنصوب حين الوقف، ومعنى هذا أنها كانت تعرب الأسماء والأفعال في غير هذا المقام، أو أنها على الأقل, لم يُحْفَظْ عنها في باب الإعراب إلّا هذا الشذوذ، والقاعدة التي تتبعها في سائر كلامها بعد ذلك ظلت تحريك الأواخر بالسجية والسليقة.
ومثل ذلك يقال في بَتْرِ لخمٍ ألف ضمير الغائبة حين تنطق "بهْ" بدلًا من "بها", فإنها كانت تلفظ لا شعوريًّا، ولو كان متعمدًا لأسقطت جميع علامات التأنيث في حالتي الإفراد والجمع؛ فقالت: البقر، وهي تقصد "البقرة", وقالت: البَقَرَا، وهي تقصد "البقرات"مثلًا، ولكن شيئًا من هذا لم يُعْرَف عنها, ومثل ذلك يقال أيضًا في وقوف طيء بالهاء بدلًا من التاء في جمع المؤنث السالم، فإنهم لم يعمموه على كل لفظ يشبه آخره آخر جمع المؤنث السالم، فما قالوا: "إني آه" يريدون "إني آت", ولا قالوا: "عليك بالثباه" يريدون "عليك بالثبات"؛ فالمثل المحفوظ عنهم ضرب من الشذوذ, فهمه الأقدمون الفهم المناسب له حين سلكوه في عداد اللغات الضعيفة, ولذلك لم نجد رَبَعيًّا يقرأ "َفألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق به، وأهله" بل {كَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} ولا طائيًّا يقرأ "والمؤمنون والمؤمناه", بل {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ{.
والقرآن بالتزام ترتيله على نمط معين، ونظام وقوفه أثناء الآية بصورة

ص139

عامة، وعلى رءوس الآي بوجه خاصٍّ، أكد فصاحة لغة قريش في تثبيت حركاته الإعرابية التي استلطفت تثبيتها، واستحسنت إبقاءها.
وفي الوقف على الاسم المنون لم تبق قريش إلّا فتحة المنصوب لخفتها ووضوحها وحسن إيقاعها, وزادتها خفة وحسنًا بتحويلها إلى ألف مد فقالت: "رأيته يريد فرارا" ونظمت شعرها على هذا المنوال، ونظم سائر الشعراء من مختلف القبائل أشعارهم بلغتها الأدبية على هذا المنوال أيضًا، وجاء القرآن يثبت هذا ويخلده, ويحفظ عليه خصائصه الصوتية الموسيقية فقال: {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} , وقال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} , وقال: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{.
وبمجيء القرآن على لغة قريش المثالية الأدبية قد قيل في خاصة الإعراب القول الفصل، فكل ما ورد على غير ذلك فهو لحن أو شذوذ, سواء أوقع فيه قائله سهوًا أم قصد إليه في وعي وشعور.

ص140

_________________
(1) الصاحبي 161 "باب الخطاب الذي يقع به الإفهام من القائل، والفهم من السامع", وقد نقله السيوطي في "المزهر 1/ 329".
(2) الصاحبي 42, وقارن بالمزهر 1/ 327-328.
(3) قارن بيوهات فك، العربية 245, وانظر أمثلة أخرى على لكنة هؤلاء الأعاجم.

(4) سورة فاطر 28.

(5) قارن بتفسير القرطبي 14/ 344.
(6) البرهان في علوم القرآن للزركشي 1/ 341, وارجع إلى "مباحث في علوم القرآن" للمؤلف ص252/ط5.
(7) البرهان 1/ 341.

(8) سورة البروج 21-22. "وقارن بإملاء ما من به الرحمن للعكبري 2/ 152".
(9) لذلك قرأ نافع وحده بالرفع، والباقون بالكسر "الإتحاف 436".
(10) لم نقل: جميع صور الاختلاف بين القراءات يرتد إلى الأحراف السبعة، لئلَّا يظن ظانٌّ أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع, وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة. وانظر الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي 1/ 138.
(11) مباحث في علوم القرآن 113. "الطعبة الخامسة".
(12) راجع ما ذكرناه في فصل "العربية الباقية وأشهر لهجاته"، ثم فصل "مقاييس اللغة الفصحى".

(13) Volkssprache und Schriftsprache im alten Arabien, Strassburg, 1906
(14) وذلك في مباحثه:
Neue Beitrage zur semitischen sprachwissen Schassburg, 1910

(15) وذلك كقوله ابن سيرين: "إن هذا الأمر دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي 1/ 15 وجه 2.

(16) اقرأ في كتابنا "علوم الحديث ومصطلحه" مبحث الأداء بالمعنى ص80 وما بعدها.
(17) قارن بالكفاية في علوم الرواية للخطيب 186.
(18) نفسه 182.
(19) راجع بغية الوعاة 5.
(20) الصاحبي 32.
(21) كقوله تعالى في سورة النحل، الآية 103: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِين{.

(22) قارن بيوهات فك، العربية ص4.
(23)  Renan, Langues Semitiques, 384
(24) العربية "فك"، ص3. ويلاحظ الباحثون هنا أن البابلية القديمة عرفت الحركات الثلاث في النصوص التي ترتد إلى عهد حمورابي، ثم أنشأت هذه الحركات تتطور حتى استحالت حركتين فقط؛ إحداهما: الضمة في حالة الرفع، والأخرى الفتحة في حالتي النصب والجر، وانتهت بها مراحل التطور إلى الحركة الواحدة في الكسرة الممالة، قارن بدراسات في اللغة للدكتور إبراهيم السامرائي ص97. "ووجدت نقوش أكادية بحركات الإعراب منذ عام 2750ق م تقريبًا".

(25) Langues du monde.

(26) قارن "النحو العربي على ضوء اللغات السامية ص42" بأسرار اللغة ص139.
(27) العربية "فك ص3".
(28) البيان والتبيين 1/ 62, وذلك لا ينفي شيوع اللحن في عهد الجاحظ، بل لعل استماع المتأدبين إلى فصحاء الأعراب دليل واضح على تفشي اللحن بين العامة, وهذا ما نبه اليه الجاحظ أيضًا في موضع آخر، في كتابه "البخلاء" ص33 "طبعة الحاجري".

(29) من أسرار اللغة ص125 "الفصل الخامس، قصة الإعراب".

(30) حتى المستشرقون اعترفوا بدقة مقاييس النحاة وتعبيرها عن طبيعة العربية الفصحى, وتلخيصًا لآراء المنصفين منهم. اقرأ "العربية" فك ص2.
(31) وقد أشار الأستاذ سعيد الأفغاني بحقٍّ إلى توهين المحدثين لهذا الخبر المنسوب إليه -صلوات الله عليه، وإن رواه السيوطي في الجامع الصغير عن الطبراني. "قارن بأصول النحو ص7 ح2". وقد شاع هذا الحديث بذاك اللفظ, واشتهر حتى أصبح يذكر في كتب اللغة. انظر على سبيل المثال المزهر 2/ 397.

(32) أما معناه اللغوي الأصلي فهو أسلوب التعبير أو طريقته, ومنه قوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} . وقارن بالعربية "فك" 235.
(33) راجع معاني هذه الألفاظ في فقه اللغة الثعالبي ص171.
(34) قارن كنز العمال 1/ 475 بـ"آداب المعلمين فيما دَوَّنَ محمد بن سحنون التنوخي عن أبيه" ص40 "نشر حسن حسني عبد الوهاب، تونس 1350هـ".

(35) راجع مخطوطة "الإيضاح في الوقف والابتداء" لابن الأنباي، ورقة 3 وجه 2 "الظاهرية قراءات 36". وابن الأنباري يروي الحديث عن أبيه أنه قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم قال: حدثنا آدم -يعنى ابن أبي إياس- قال: حدثنا أبو الطيب المروزي قال: حدثنا عبد العزيز ابن أبي رواد, عن نافع, عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الحديث ... " وقارن بتفسير القرطبي 1/ 23 "باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه, وثواب من قرأ القرآن معربًا".
وقد وَثَّقَ المحدثون بعض رجال الإسناد. انظر ترجمة إبراهيم بن الهيثم البلوي في "لسان الميزان 1/ 123"، وترجمة آدم بن أبي إياس في "تهذيب التهذيب 1/ 169"، وترجمة عبد العزيز بن أبي رواد في "التهذيب 6/ 338". أما نافع وابن عمر فأشهر من أن يعرف بهما أو يترجم لهما. والحديث -مع ذلك- ضعيف، فإن آفته أبو الطيب المروزي -المعروف أيضًا بالحربي- فقد قال فيه أبو أحمد الحاكم في "الأسامي والكنى ورقة 271 مخطوطة المكتبة الظاهرية مصطلح الحديث "138، 9038": "ليس حديثه بالقائم"، وقال ابن حبان: "روى عن عبد العزيز بن أبي رواد الأعاجيب, لا يجوز الاحتجاج به", وقال ابن معين: أبو الطيب الحربي سمع من معمر: كذّاب خبيث، وروى عباس الدوري عن ابن معين قال: "كان أبو الطيب من الأنبار, وكان في الحديث كذابًا". ميزان الاعتدال 3/ 366, ولسان الميزان 6/ 399.

(36) سورة الرحمان "مطلعها".
(37) انظر على سبيل المثال "منسد الدرامي" فضائل القرآن.
(38) انظر "البرهان للزركشي 1/ 227", وقارن بكتابنا "مباحث في علوم القرآن 128 إلى 138".
(39) كما رأينا في قصة الأعرابي مع أبي حاتم السجستاني حين قرأ "طيبي لهم" بدلًا من "طوبى", ولم يؤثر فيه التلقين. راجع ما ذكرناه ص27-28, وقارن بما ذكرنا أيضًا ص75-76 عن أبي المهدي في قصة "ليس الطيب إلّا المسك".

(40) أصول النحو 7 عن إرشاد الأريب 1/ 67.
(41) انظر ما ذكرناه ص119, وما بعدها حول قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{.
(42) المعيارية ص20.

(43) الرير والرار هو الذائب.
(44) انظر الشعر والشعراء 1/ 35 بتحقيق أحمد محمد شاكر, وقارن بمراتب النحويين 12.
(45) الصاحبي 231.

(46) البيان والتبين 3/ 222.
(47) معجم الأدباء 5/ 26.
(48) انظر الإتحاف 185. وقارن بأسرار اللغة 132.
(49) الإتحاف 217.

(50) الكشاف 2/ 42, وقارن بأسرار اللغة 132, وإنما وقف الزمخشري من هذه القراءة موقف المستنكر، لاعتقاده بأن "القراءات اختيارية، تدور مع اختيار الفصحاء, واجتهاد البلغاء" انظر البرهان.
وقد دافع الدمياطي في "إتحاف فضلاء البشر 117" عن ابن عامر في قراءته هذه، بأنه أعلى القراء السبعة سندًا وأقدمهم هجرة، وأنه من كبار التابعين الذي أخذو عن الصحابة، وهو مع ذلك عربي صريح من صميم العرب، وكلامه حجة وقوله دليل؛ لأنه كان قبل أن يوجد اللحن.
(51) هو أحمد بن العباس بن محمد بن مضاء اللخمي، أبو العباس، أصله من قرطبة، وقد تركها إلى إشبيلية حيث درس كتاب سيبويه على ابن الرماك، وأخذ الحديث عن القاضي عياض, وكان فوق هذا عارفًا بالطب والحساب والهندسة, توفي سنة 592هـ. "راجع بغية الوعاة 139, والديباج المذهب 48".

(52) انظر كتاب الرد على النحاة ص85 إلى 106.
(53) الخصائص 1/ 119.
(54) الرد على النحاة 156-157.

(55) الخصائص 1/ 148-149, باب تخصيص العلل.
(56) قارن بفندريس 182.
(57) قارن بدلالة الألفاظ, للدكتور إبراهيم أنيس, ص28 وما بعدها.
(58) النحو العربي على ضوء اللغات السامية 84.

(59) العظلم "كزبرج" الليل المظلم، وعصارة شجر, أو نبت يصبغ به.
(60) الرد على النحاة 160-161.
(61) إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة، ص160-161.

(62) اللهجات 124.
(63) الخصائص 1/ 410
.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.