المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
وظائف المسنين.
2024-06-22
كاتب المجندين.
2024-06-22
نهاية الأسرة الثامنة عشرة (التجنيد).
2024-06-22
القائد الأعلى.
2024-06-22
كيفية تطهير الخف والسلاح والفرش
2024-06-22
كيفية تطهير الثوب
2024-06-22

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


حازم القرطاجّني  
  
3127   08:40 صباحاً   التاريخ: 24-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص249-255
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-2-2018 3304
التاريخ: 30-12-2015 2775
التاريخ: 10-04-2015 1947
التاريخ: 26-1-2016 4698

هو من أفذاذ علماء الأندلس و أدبائها، رزق به أبوه محمد بن الحسن الأوسي الأنصاري قاضى قرطاجنة سنة 6٠٨ للهجرة، و عنى بتربيته فحفظ القرآن الكريم، و شبّ فأخذ يتلقى الآداب و العلوم في بلدته الواقعة على البحر المتوسط في الجنوب الشرقي للأندلس، و رحل منها إلى مدينة مرسية ليأخذ عن شيوخها، و مدّ رحلاته غربا إلى إشبيلية و لزم حلقات أستاذه الشلوبين بها مدة، و كانت فيه نزعة إلى الفلسفة فأوصاه بقراءة كتب ابن رشد، و لعل اطلاعه على تلخيصه لكتابي الخطابة و الشعر لأرسططاليس هو الذي وصله بالثقافة اليونانية النقدية مما يتضح أثره في كتابه منهاج البلغاء. و هاجر في أواخر العقد الثالث من حياته إلى مراكش لعهد الرشيد الموحدي و له فيه أمداح و نال منه صلات سنية. و أحسّ أن سلطان الموحدين يوشك على نهايته و أن لا أمل في دفعهم لمنازلة نصارى الشمال، فاتجه-مثل كثيرين من معاصريه الأندلسيين-إلى أبي زكريا الحفصي صاحب تونس، فعرف له فضله و قرّبه، و توفي فقرّ به منه ابنه المستنصر (64٧-6٧5 ه‍) و وظفه في دواوينه، و اتخذ تونس موطنا له حتى وفاته سنة 6٨4. و ذاع صيته فقصده طلاب العلم من كل مكان، فكان وقته موزعا بين العمل في ديوان المستنصر و بين محاضراته للطلاب و التأليف و نظم الشعر. و عنى الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة بالحديث عن شعره في مقدمته لكتابه منهاج البلغاء ملاحظا أنه يتناول في المقاطيع المأثورة له موضوعات الزهد و وصف الطبيعة و الخمر و النسيب و أنه قد يتصنع لذكر بعض المصطلحات العلمية في شعره أو لذكر بعض المحسنات البديعية. و يذكر له قصيدة و مقطوعة في رثاء الحسين ، كما يذكر له طائفة من المدائح في أبي زكريا الحفصي و ابنه المستنصر، و يذكر له مدحة في الرسول الأعظم صلى اللّه عليه و سلم ضمنها أعجاز معلقة امرئ القيس على نحو ما يقول في فاتحتها:

لعينيك قل إن زرت أفضل مرسل     قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل
و أهم مدائحه مقصورته التي مدح بها المستنصر. و حاول الإسهام في صنع مختصر شعري للنحو على نحو ما نرى في ميميته النحوية التي نظمها من وزن البسيط و هي في مائتي بيت و تسعة عشر، و هو يستهلها بإطراء المستنصر الحفصي لإكرامه الوافدين على عاصمته من الأندلس، و يشيد بعدله و حسن سياسته و انتصاراته على أعدائه، ثم يأخذ في عرض المختصر الشعري للنحو، و يعرض فيه طائفة من مباحثه بادئا بتعريف النحو و الكلام و تقسيمه إلى اسم و فعل و حرف ثم يذكر أحكام الإعراب و البناء و العوامل و الفعل و أحكامه و نواصب الأفعال و نواصب الأسماء و النداء و الاستثناء و الخفض و أحرف النصب و علامات الإعراب و الابتداء و عنده تتوقف القصيدة. و كأنه كان يريد أن يصنع ألفية مثل ألفية ابن مالك و وجد الطريق شاقا فانصرف عنه. و أروع قصائد حازم الشعرية-دون ريب-مقصورته التي مدح بها المستنصر، و هي أرجوزة طويلة بل مسرفة في الطول، إذ تبلغ ألف بيت و ستة، و قد استهلها بالغزل منشدا:

للّه ما قد هجت يا يوم النّوى    على فؤادي من تباريح الجوى

  و يطيل في غزله إلى خمسين بيتا ناسجا في أبياته أكثر المعاني التي ألمّ بها الغزلون من الحديث عن جمال صواحبهن و تصوير لحظات الفراق و التألم من الوشاة و ما يثير في نفوسهم هديل الحمام من شجى. و يتحول إلى مديح أسلاف المستنصر و مديحه في مائة و عشرين بيتا ذاكرا انتسابه إلى الفاروق عمر بن الخطاب، و هو انتساب يسمو إلى أعلى مرتقى، و ينشد:

مستنصر باللّه منصور به      مؤيّد بعونه على العدا
ملك حكى ملك سليمان الذي      لم يتّجه لغيره و لا ابتغى
و يشيد بعاصمة تونس و يشبهها بجنّة الخلد كما يشبه قناتي المياه اللتين تحملانه من جبل زغوان إلى تونس و اللتين جددهما المستنصر، بنهرين كبيرين، و كأن كل قناة إنما هي نفس الكوثر: نهر الفردوس. و يطيل في وصف جنات أبي فهر و القصبة بتونس، و يتحدث عن بأس المستنصر و خيله و جيشه و فتكه بأعدائه، و يقول إنه ليث كفاح و غيث سماح و بحر جود فياض، قد طابت به الأيام، و يعدد فواضله عليه و مآثره منشدا:

بلغت آراب المنى في دولة      أولت يدى أسنى الأيادي و اللّها (1)
و الدّهر عيد و الليالي عرس     و الدّهر أحلام كأحلام الكرى (2)
و كأنما تهيج تونس بمباهجها في نفسه الذكرى لمرابع شبابه و مراتع لهوه، و يتغنى بالحب، و يصف الكواكب و الشهب كما يصف لهوه و متاعه بالصيد، و كل ذلك في نحو ثلاثين بيتا.

و يعود بذاكرته إلى ماضيه متحدثا في نحو ثلاثمائة بيت عن المدن التي نهبها النصارى و التي كانت تكتظ بالعلماء و السادة الأعلام، مصوّرا كم نعم فيها مع خلاّنه من الشباب متنقّلين بين قصور و جسور على شواطئ الأنهار و قرى و ربى و مروج و بطاح، و يتغنى بمشاهد مدينة مرسية و نسائها الجميلات و كأنما يصف فردوسا مفقودا كان ملء عينيه و سمعه و قلبه، و من قوله:

نصيف من مرسية بمنزل       ضفا به الدّوح على ماء صفا (3)
نقطع دنيانا بوصل الأنس في     مغتبق في روضه و مغتدى (4)
و تتناجى بالمنى أنفسنا      حيث تداعى الطّير منها و انتجى (5)
تقسّم الناس بها قسمين من     بين خلىّ قلبه و مصطبى (6)
إذا اجتنى زهر الجمال وامق     فيها اجتنى خلو بها زهر الرّبى (7)
و كم أغان كنظيم الدّرّ في      تلك المغانى قد وشاها من وشى (8)
و كم حديث كنثير الزّهر في      تلك المبانى قد حكاه من حكى

و هذه خطوط من اللوحة الباهرة التي رسم فيها مرسية و جناتها العطرة و نجوى الشباب هناك بالمنى في أنس موصول، و الناس قسمان محب وقع في شرك الهوى و خال منه يوشك أن يقع فيه، و بينما يجتنى المحبّ أزهار حبه من النظر أو من القبل يجتنى الخلىّ من مشاهد الطبيعة الخلابة، و الناس هناك كأنما لا يقضون أياما، بل يقضون أعيادا تكتظ بالغناء و الموسيقى و بأحلى سمر تهواه الأفئدة. و يطيل حازم في رسم تلك اللوحة و وصف كل ما وقف به من عشرات الأماكن التي كانت تلتقى فيها الأرواح و الأدواح، حتى إذا ودّع تلك الجنان ارتسمت في خياله قرطاجنة و خليجها و نزهاته مع صحبه في فلكها، متساقين فيها كؤوس الأنس في حدائق، منتشين فيها بأكؤس الأحداق و العيون الساحرة.

و يرسم للأماكن فيها لوحة لا تقل فتنة و جمالا عن لوحة مرسية. و يطيل في وصف حدائقها و أزهارها من بنفسج و سوسن و ورد و شقيق و خيرىّ و نرجس و ياسمين، و يصف كل ما يطوف بها من جبال و رياض و منازل أو مغان يقول من يراها تفديها مغاني الشّعب: شعب بوّان التي تغنى بها المتنبي، و يدعو لها بالسقيا و يندب جدّها العاثر و ما عفا فيها و في أخواتها من رسوم الهدى و معاهد الدين الحنيف. و قد استغرق ذلك كله من حازم نحو ثلاثمائة بيت، و كأنما أراد بما صور من تلك الفراديس أن يستثير المستنصر ليحاول إنقاذ الأندلس و يسترجع ما ضاع منها. و يشبب بمحبوبة له هناك باعدت بينه و بينها الأيام، و كأنما يتخذ من حبها الذي ضاع رمزا للأندلس الضائعة. و يلم بمديح المستنصر و كأنما استرد بإكرامه له شيئا مما ضاع منه. و يتحدث في نحو مائتي بيت عن هجرته من الأندلس إلى تونس و ما لقى فيها من المتاعب و المشاق التي احتملها في جلد و صبر، و يفكر في شؤون الحياة و في نفسه و خصاله و تسيل على لسانه عشرات من الحكم من مثل قوله:

ما أحدثت حادثة لي روعة     و لا اعتراني جزع لما اعترى
و العيش طورا مشتهى مستمرأ      و تارة مستوبل و مجتوى
و العيش محبوب إلى كل امرئ     لا فرق بين الشيخ فيه و الفتى
قد يدرك الحاجة من لم يسع في      طلابها و قد تفوت من سعى
إنّ احتياط المرء في أفعاله      رأى يؤدّيه إلى سبل الهدى

و يطيل في الكلام عمن ضلوا نهج الرشد فكان في ذلك هلاكهم ممن تحدث عنهم التاريخ الجاهلي من مثل قصة النعمان و قتله لعدى بن زيد تسرعا، و قصة زرقاء اليمامة و تكذيب قومها لها حين حذرتهم أن جيشا قادما و لم يصدقوها فكان في ذلك حتفهم، و قصة الزبّاء في حصنها و كانت أمنع من عقاب في أعلى ذروة شاهقة، و كانت قد احتالت على جذيمة ملك الحيرة قاتل أبيها فقدم عليها و قتلته، و خلفه ابن أخته عمرو بن عدى، فدسّ لها أحد أتباعه، فجدع لها أنفه و شكا إليها عمرا فوثقت به و وعدها أن يفد عليها بتجارة كبيرة محملة على إبل كثيرة. و عاد مع إبل تحمل رجالا في جواليق أو صناديق، و فتحت له الحصن و هي تظنه يحمل بعض عروض التجارة، و دخلت الإبل و لفتها أنها تمشى مثقلة كأنها تحمل حديدا. و لم تتنبه. و خرج الرجال من الجواليق و استولوا على المدينة و قتلوها.

هكذا تقول الأسطورة العربية، و معروف أنها حاربت الرومان و ظفروا بها فأخذوها أسيرة إلى روما حيث قضت بقية أيامها، و حازم إنما يروى الأسطورة العربية ليبيّن ما حدث فيها من تغرير بالزباء و قصر نظرها و عدم احتياطها حين رأت الإبل تسير وئيدة من ثقل ما تحمل، يقول:

و غرّها جدع قصير أنفه      فأمنته و هو مرهوب الشّدا (9)
و أوقر العيس رجالا و عبا     بؤسا لها و أبؤسا فيما عبا (10)
و ارتاب في مشى الجمال لحظها      و لم تحقّق عندما قالت: عسى (11)
و ما درت ما فوقها حتى غدت      مقصدة بسهم دهى ما خبا (12)

 و يتحدث عما تروى الأساطير و التاريخ عن رجالات العرب و ملوكهم الجبابرة في الجاهلية، و ينصح بالحزم في الأمور مع العزم، و يعرض كثرة من الأحداث عمن شبوا نيران الحروب و من أخطأهم الحظ مثل امرئ القيس في ثأر أبيه حجر. و يسوق أخبارا كثيرة عن رجالات الإسلام من مثل الجحّاف و إيقاعه بتغلب في معركة البشر و مصعب بن الزبير و قضاء عبد الملك بن مروان عليه و فقدان الخنساء لأخيها صخر و مراثيها فيه، و يتذكر حاله و غربته عن وطنه و ينشد:

إنّ ثواء المرء في أوطانه      عزّ و ما الغربة إلا كالتّوى (13)
و يذكر طائفة من الجاهليين و الإسلاميين الذين فارقوا أوطانهم و حنّوا إليها حنينا ملتاعا، راجين أن يشتفوا بجرعة أو جرعات من مياهها. و يعود إلى ذكر الأحداث فيذكر جيش أبرهة حين غزا مكة قبيل الإسلام و كيف أن اللّه قضى على كيده فأرسل على جيشه طيرا جماعات دمرته تدميرا. و يذكر قصة هدهد سليمان و بلقيس ملكة سبأ و سدّ مأرب و انقضاضه و كيف أن اللّه أنقذ البشرية بإرساله نبي الهدى الذي أضاءت بنوره الآفاق، و يشيد بخلفائه و بفتح الأندلس، و بانتصار الموحدين في موقعة الأرك سنة 5٩١. و يقول إن الأندلس أصبحت بعد هذا التاريخ فريسة للثوار، و عمّ طوفان فتنة انجلى عن ضياع جواهر الأندلس الكبرى: قرطبة و إشبيلية و مرسية، و أصبحت لسان الحال تملى شجوها، و بكى كلّ ما هنالك و بكت حتى الأنهار بمدمع هام و أنّت الوديان و بثّت شكواها الثغور و المدن، و انتثرت الأندلس كحبّات عقد في حجور نصارى الشمال، و احتووا كل ما بتلك الديار من ذخائر الدين الحنيف، و يستثير بكل ذلك حفيظة المستنصر و يهيب به أن ينجد الأندلس و يسترجعها من براثن الإسبان منشدا:

و لو سما خليفة اللّه لها    لافتكّها بالسّيف منهم و افتدى
ففي ضمان سعده من فتحها     دين على طرف العوالي يقتضى (14)
فقد أشادت ألسن الحال به     حىّ على استفتاحها حىّ على
أثأى العدا ما كان مرءوبا بها       و هو الذي يرجى به رأب الثّأى (15)
ما زال يملى الملوان نصره       و سيفه يختطّ ما يملى الملا (16)
و يمضى في استصراخه لإنقاذ الأندلس بكل ما يستطيع من كلم مثير، و يهتف بهتاف المسلمين في كل أذان: «حىّ على» استفتاحها أي أقدم أقدم و يا خيل اللّه اركبي الطريق، فقد فتق الأعداء ما كان ملتئما بها، و هو الذي يرجى به لأم ما انفتق، و إنه لمعوّد النصر. و ما تزال انتصاراته تتوالى و ما يزال يمليها على الأيام، و يستثير حميته، و يتصور كأن جيشه يوشك أن ينقض على الأعداء فيسحقهم، و يقول إن طاعته من طاعة اللّه، و يتمنى على ربه العفو و الرضا، و ينصح الإنسان أن لا يغتر بعمره و أن يعمل لآخرته قائلا:

لا تله في وجودك الأوّل عن     وجودك الثاني و نهنه من لها (17)
و يقول إن للنفس وجهين: وجها يشدّها إلى عالم القدس و النور أو عالم الكمال الأعلى و وجها يشدّها إلى عالم الدنيا و شهوات الحياة، و العاقل من حرص على التمسك بسنن السنة و الاقتداء بأهلها و أن لا يأخذ من الآراء إلا ما وافق أقوال اللّه في فرقانه و أن يحرص على صنع الخير و العمل الصالح. و يتحدث عن قصيدته أو مقصورته و ما بذل فيها من جهد في تخير الألفاظ و المعاني، و هي-كما رأينا-مجموعة من لوحات بديعة تخلب القارئ بروعتها البيانية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

١) الأيادي: النعم. اللها: العطايا.

2) الكرى: النوم

٣) نصيف: نقضى الصيف. ضفا الدوح: نما الشجر و كثر.

4) مغتبق: مكان الغبوق و هو شرب العشى، مغتدى: مكان الغدوّ في الصباح.

5) انتجى: تناجى.

6) خلىّ: خال من الحب. مصطبى: محب مغرم.

7) وامق: محب. خلو: خلىّ.

8) وشى: زين و زخرف.

9) الشدا: الحدّ، شبه قصيرا بالسيف القاطع.

10) أوقر العيس: حمّل الإبل. عبأ: هيأ.

11) قالت عسى أي أنها شكّت و لم تتحقق من شكها و ريبتها و لا ظنت بعض الظنون.

12) دهى: دهاء و مكر. خبا هنا: أخطأ.

١3) ثواء: إقامة. التوى: الهلاك.

14) العوالي: الرماح.

15) أثأى العدا: أكثر من القتل فيهم و الجراحات. . مرءوبا: ملتئما. رأب الثأى: إصلاح الصدع و الفتق.

16) الملوان: الليل و النهار. الملا هنا: الخلق الكريم.

17)نهنه: ازجر.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.