أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2016
5203
التاريخ: 24-06-2015
2507
التاريخ: 25-06-2015
2184
التاريخ: 30-1-2018
2164
|
هو أبو محمد عبد اللّه ابن الفقيه المشهور أبي عمر بن عبد البر النمري القرطبي، و قد عنى به أبوه، فخرجه على يده في أجمل صورة علمية للشاب الأندلسي في عصره، و تفتحت فيه مبكرا نزعة أدبية جعلته يؤثر على حلقات العلم و الدراسة دواوين أمراء الطوائف، و يقول ابن بسام إنه «حلّ من كتاب الإقليم محل القمر من النجوم. . و تهادته الآفاق، و امتدت إليه الأعناق. . ففاز به المعتضد (أمير إشبيلية) بعد طول خصام، و التفاف زحام، فأصاخ أبو محمد لمقاله، و تورط بين حبائله و حباله» و أصبح من كتّاب ديوانه، و لا نعرف الأسباب التي جعلت ابن زيدون يغصّ-كما يقول ابن بسام-بمقامه معه في حضرة المعتضد، إذ أخذ يوغر صدره عليه، و مضت الأيام. و شعر أبو محمد بتغير المعتضد عليه، و كان سفاكا للدماء، فأخذ في اقتناء الضياع و الديار حتى يوهمه بأنه لن يفارق عمله عنده، و يبدو أنه أرسل إلى أبيه يطلعه على موقف ابن زيدون وزير المعتضد-و موقف المعتضد نفسه منه-و أنه يخشى مغبة مكثه عنده، فربما فتك به كما فتك بكثرين. و كان أبوه قد استوطن دانية و طاب له المقام عند أميرها مجاهد، فخفّ إلى المعتضد، و خلصه من يديه، و انصرف به محفوفا بالتجلة و الإكرام، يقول ابن بسام: «و جعل أبو محمد بن عبد البر بعد نجاته من المعتضد يتنقل في الدول كالبدر يترك منزلا إلى منزل. . و كتب عندنا عن أكثر ملوك الطوائف» و أكبر الظن أن ابن بسام بالغ في قوله إنه تنقل بين ملوك الطوائف و كتب عند أكثرهم، فإنه هو نفسه لم يرو له رسائل ديوانية إلا عن المعتضد و علي بن مجاهد أمير دانية بعد أبيه مجاهد (4٣6-46٧ ه) و كأنه صحب أباه إلى دانية، فوظفه على بن مجاهد رئيسا لديوانه و كتّابه، و ظل يعمل فيه، حتى توفي سنة 45٨ و حزن أبوه لفقده، و لعل ذلك ما جعله يتحول عن دانية إلى شاطبة، شرقيها، و بها توفى. و قد أورد ابن بسام لأبي محمد رسائل ديوانية كثيرة عن المعتضد و علي بن مجاهد، و من أطرفها رسالة عن ابن مجاهد و قد زفّ ابنته إلى المعتصم بن صمادح أمير المرية، و فيها يقول:
«أنفذت الهديّة (العروس) . . و أنا أسأل اللّه في متوجّهها و منقلبها الرعاية الموصولة بك، و الكفاية المعهودة منك، حتى يفىء (1)عليها ظلّك، و يبوّئها (2)مثوى الحفاوة محلّك، و يحميها حوزك و مكانك، و يؤويها عزّك و سلطانك، ثم حسبي عليها كرمك و كنفك (3)، و خليفتي عليها برّك و لطفك. . و إنك-و اللّه يبقيك و يعليك، و يشدّ (4)قبضتك على رقاب أمانيك و أراجيك-ذخر الأبد، و عتاد الأهل و الإخوان و الولد، و عندك ثمرة النفس و فلذة الكبد، فارقتها عن شدة ضنانة، و أسلمتها بعد طول صيانة، و ما زفّت إلا إلى كريم يحملها محمل الأمانة، و يقضى فيها حقّ الديانة، و يرعى لها انقطاعها عن أهلها، و اغترابها عن ملئها و منشئها، و هو حكم اللّه الواجب، و قدره الغالب، و سنّته المشروعة، و مشيئته المتبوعة»
و حدثت في سنة 456 نكبة عظمى، فإن النورمانديين في الشمال الغربي لفرنسا تجمعوا و تجمعت معهم شراذم من فرنسا و أوربا لحرب المسلمين في الأندلس، مكوّنين حملة صليبية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة إذ باركها البابا إسكندر الثاني، و اخترقت الحملة جبال البرينيه الفاصلة بين فرنسا و إسبانيا و حاصرت مدينة وشقة في أقصى الشمال الشرقي لإسبانيا، و لم تستطع اقتحامها، فاتجهت إلى مدينة بربشتر إلى الشمال الشرقي من سرقسطة، و حاصروها أربعين يوما، و اضطر أهلها إلى التسليم لنقص القوت و المؤونة، ففتكوا بهم فتكا ذريعا و انتهكوا نساءهم و سبوا عشرات الألوف من غلمانهم و فتياتهم، و حملوا من الكسوة و الفرش و الأمتعة خمسمائة حمل، كل ذلك و المقتدر أمير سرقسطة قد و كلهم إلى أنفسهم وقعد عن النفير لهم. وزر لا يماثله وزر، و قد شركه فيه أمراء الطوائف جميعا، إذ لم ينهض أحد منهم للدفاع عن بربشتر. و يعلل ابن حيان تلك الكارثة بعلتين: علة صمت الفقهاء لأكلهم على موائد هؤلاء الأمراء و تقية و خوفا منهم، و العلة الثانية، و هي الأفدح، أن الأمراء استناموا إلى التنابذ و التنافر، و يسميهم «أمراء الفرقة الهمل» و يعجب أن لا تنبّههم هذه اللطمة الضخمة إلى جمع الكلمة و وقوفهم صفا واحدا ضد العدو الكاشر عن أنيابه، و أن يكون كل ما دفعتهم إليه حفر الخنادق حول مدنهم و تعلية الأسوار و توثيق البنيان. و أطارت النكبة أفئدة المسلمين في الأندلس و تزلزلت بهم الأرض، و تجمعوا في السنة التالية بقيادة المقتدر بن هود أمير سرقسطة و كأنما أراد أن يغسل عنه عار نكوله عن إغاثة أهل بربشتر، و سرعان ما أجيل السيف في النصارى المعتدين و استؤصلوا أجمعين وردّت بربشتر إلى المسلمين فغسلوها من رجس الشرك-كما يقول ابن حيان-وجلوها من صدأ الإفك (5).
و إنما قدمنا كل ذلك لتتضح لنا صرخة ضخمة وجّهها أبو محمد بن عبد البر في شكل منشور وزّع في كل مدن الأندلس، مما دفع أهل الجهاد في كل مكان منها إلى حمل سلاحهم و استردادها سريعا هذا الاسترداد المشرف، و قد جعل المنشور على لسان أهل بربشتر و عنوانه-كما يقول ابن بسام-:
«من الثّغور القاصية، و الأطراف النائية، المعتقدين للتوحيد، المعترفين بالوعد و الوعيد، المستمسكين بعروة الدين، المستهلكين في حماية المسلمين، المعتصمين بعصمة الإسلام، المتآلفين على الصلاة و الصيام، المؤمنين بالتنزيل، المقيمين على سنّة الرسول، محمد نبي الرحمة، و شفيع الأمة، إلى من بالأمصار الجامعة، و الأقطار الشاسعة، بجزيرة الأندلس من ولاة المؤمنين، و حماة المسلمين، و رعاة الدين، من الرؤساء و المرؤوسين»
و المنشور كان طويلا مما جعل ابن بسام يقتطف منه فصولا، و قد مضى أبو محمد يصور ما نزل بأهل بربشتر من الأهوال التي تقشعر لها الأبدان و تشيب لها الولدان، و من قوله في بعض فصوله مستثيرا مستنفرا بما يوجع القلوب سماعه من انتهاك النساء و الدين:
«إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ راجِعُونَ -على ما رأت منا العيون-من انتهاك النّعم المدّخرات، و هتك ستر الحرم المحجّبات، و البنات المخدّرات، و لو رأيتم-معشر المسلمين-إخوانكم في الدين، و قد غلبوا على الأموال و الأهلين، و استحكمت فيهم السيوف، و استولت عليهم الحتوف، و أثخنتهم الجراح، و عبثت بهم زرق الرّماح، و قد كثر الضّجيج و العويل و النّواح. . . و مصاحف تمزّق، و مساجد تحرّق، و لا الأخ يلبّي أخاه، و لا الابن يدعو أباه، و لا الأب يدني بنيه، (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) و لا المرضعة تلوى (تعطف) على رضيعها، و لا الضجيعة ترثى لضجيعها. . و قد سيقت النساء و الولدان، ما بين عارية و عريان، و مشيخة الرجال مقرّنين في الحبال، مصفّدين في السلاسل و الأغلال. . و الجوامع، و الصّوامع، بعد تلاوة القرآن، و حلاوة الأذان، مطبقة (6)بالشرك و البهتان، مشحونة بالنواقيس و الصلبان، عوضا من شيعة الرحمن، و الكفر يضحك و ينكى (7)، و الدين ينوح و يبكي، فيا ويلاه! و يا ذلاّه! و يا كرباه! و يا قرآناه! و يا محمداه! و لو شهدتم-معشر المسلمين-ذلك لطارت أكبادكم جزعا، و تقطّعت قلوبكم قطعا، و استعذبتم طعم المنايا، لموضع تلك الرّزايا، و لهجرت أسيافكم أغمادها، و جفت أجفانكم رقادها، امتعاضا لعبدة الرحمن، و حفظة القرآن، و ضعفة النساء و الولدان، و انتقاما من عبدة الطّغيان، و حملة الصّلبان»
و الرسالة-بهذا النمط-تشعل الحماسة في النفوس الخامدة حمية للدين الحنيف و ما حرّق من مساجده و صوامعه و ما مزّق من قرآنه و مصاحفه، و لنساء المسلمين و ما انتهك من حرماتهم و ما ساموهم به من أسر و سباء، بل من عرى و عذاب أليم، و من بقى من الرجال أوثقوا في السلاسل و الأغلال. و يقول أبو محمد: إن ما دهى بربشتر إنما هو رمز لما أصاب الأندلسيين في عهد أمراء الطوائف من تقاطع و تنابذ و يدعو إلى التواصل و الألفة، حتى يتدارك الأندلسيون ما يوشك أن يصيبهم من هلاك مدمر، يقول متحسرا:
«و لو كان شملنا منتظما، و شعبنا ملتئما، و كنا كالجوارح في الجسد اشتباكا، و كالأنامل في اليد اشتراكا، لما طاش لنا سهم، و لا سقط لنا نجم (8)، و لا ذلّ لنا حزب، و لا فلّ لنا غرب، و لا روّع لنا سرب، و لا كدّر لنا شرب (9)، و لكنّا عليهم ظاهرين، إلى يوم الدين، فالحذر الحذر! فإنه رأس النظر، من بركان تطاير منه شرر ملتهب، و طوفان تساقط منه قطر مرهب، قلما يؤمن من هذا إحراق، و من ذلك إغراق، فتنبّهوا قبل أن تنبّهوا، و قاتلوهم في أطرافهم قبل أن يقاتلوكم في أكنافكم، و جاهدوهم في ثغورهم قبل أن يجاهدوكم في دوركم»
و لم تذهب صرخة أبي محمد أدراج الرياح، فسرعان ما حمل الأندلسيون أسلحتهم كما ذكرنا، و هاجموا العدو في بربشتر و ردوا كيده في نحره مستأصلين له إلا ما باعوه بيع الرقيق من الأبناء و العيال. و كان حريّا بأمراء الطوائف بعد تلك الكارثة المروعة أن يأتلفوا و يتحدوا ضد نصارى الشمال، و لكنهم عادوا إلى فرقتهم كما عادوا إلى استخذائهم من دفع الإتاوات السنوية لأولئك النصارى مع تسديدهم الرماح و السيوف إلى صدور إخوانهم من المسلمين إلى أن ضاعت طليطلة، و لو لا أن تدارك يوسف بن تاشفين الأندلس لسقطت مدنها في حجور النصارى واحدة إثر أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ( يفىء: ينبسط.
٢ ( يبوئها: ينزلها.
٣ ( الكنف: الحفظ و الجناح.
4( يشد: يقوّى و يحكم.
5 ) انظر في تصوير ابن حيان لموقعة بربشتر الذخيرة ٣/١٧٩.
6 ) مطبقة: مغطاة.
7( ينكى: يقهر.
8 ) يقال لم يسقط لهم نجم كناية عن غلبتهم و ظفرهم الدائم.
9) الشّرب: مورد الماء.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|