أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-6-2016
8045
التاريخ: 2023-12-27
1462
التاريخ: 15-7-2021
21208
التاريخ: 22-6-2016
3012
|
مما لاشك فيه ان الحاجة إلى القوانين والعدالة الاجتماعية تشكل من أولويات الحضارات التي بلغت مرحلة متقدمة من النضج السياسي والاجتماعي، وكذلك كان الأمر بالنسبة للمجتمعات العراقية القديمة، حيث يؤكد الباحثون بان الدراسات المختلفة ونتائج الحفريات التي أجريت في العراق تبين بوضوح وبشكل لا يقبل الشك بان التكوينات السياسية التي ظهرت بحدود (4000 ق . م) في الأقسام الجنوبية في العراق توضح بان الاعتماد لم يكن مطلقاً على الأعراف والتقاليد فقط بل كانت لها قوانين ثابتة تنظم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية(1). فحضارة وادي الرافدين تتميز بالسبق الحضاري في الكثير من نواحي العلم والمعرفة وهي صاحبة الفضل على كل الحضارات التي تلتها، ومما يلفت النظر
الى حضارة وادي الرافدين انها تتميز بالحيوية والمرونة وبالرغم من ان هناك من يعتقد ان الفضل يعود إلى القانون الروماني بوصفه القانون الأمثل والأكمل، الا ان المكتشفات الأثرية الحديثة في العراق منذ مطلع القرن السابق قد صححت الخطأ الذي وقع فيه بعض الباحثين ودلت على ان الحلقة القانونية الأولى بدأت في وادي الرافدين وليس عند الرومان(2).والتبليغات القضائية بوصفها من إجراءات التقاضي فقد كانت تشكل حلقة مهمة من حلقات الإجراءات القضائية عند العراقيين القدماء، حيث ان إجراءات التقاضي كانت تمر بعدة حلقات ابتداءً من رفع الدعوى وانتهاءً باصدار الأحكام، وهذا بلا شك يشكل عملية قضائية في منتهى الدقة، وهي بهذا الوصف لا تختلف كثيراً عما هو الحال عليه في القوانين الحديثةوالجدير الإشارة ان شريعة حمورابي قد عالجت إجراءات التقاضي وبينت مسائل في منتهى الدقة تستحق الإعجاب والتقدير من حيث كيفية إصدار قرار الحكم من قبل القاضي وكذلك كيفية محاسبة القاضي عن أخطائه المهنية والمرجع الذي يتولى تدقيق الأحكام الصادرة عن المحاكم. ومما يدعو إلى الإعجاب في تلك الفترة الموغلة في القدم والتي تتجاوز آلاف السنين هي دقة إجراءات التقاضي لدى العراقيين القدماء، وهذا ان دل على شيء إنما يدل على مدى النضوج الفكري والاجتماعي لدى العراقيين في تلك المرحلة، في وقت سادت فيه فكرة الانتقام الفردي، حيث كان الفرد يقتص بنفسه لنفسه، مع عدم وجود سلطة عليا تتولى الفصل في القضايا والمنازعات. فمن الإجراءات التي كان يتوجب على الشخص ممارستها هي إقامة الدعوى على الخصم من اجل الحصول على حقه وحمايته، كذلك تعد دعوة الخصم للمحاكمة من الشروط التي كان يترتب على تخلفها تعطل النظر في الدعوى ومن ثم التحقيق في الدعوى وتنتهي الإجراءات بصدور القرار الحاسم في الدعوى. والذي يهمنا من كل الإجراءات القضائية السالفة هو الإجراء المتمثل بالتبليغات القضائية، فبعد اتخاذ الإجراءات الخاصة باقامة الدعوى، تبدأ الخطوة اللاحقة والمتمثلة بتحديد موعد للمرافعة للنظر في القضية، وبعد تحديد موعد المرافعة، يبلغ كل طرف من أطراف الدعوى بالحضور إلى المحكمة، وكانت مهمة التبليغ تقع على عاتق الموظفين الذين كان يطلق عليهم (ريدي بابتم Ridi babtim) وكان التبليغ عادة يتم بصورة تحريرية، ومن هذه التبليغات ما جاء في الوثيقة السومرية التي يعود تاريخها إلى حدود (2000 ق . م) "اذا لم يحضر صباح غد أمام المحكمة، سوف يصدر القرار النهائي بعد أداء القسم باسم الملك وأمام الشهود(3).يستفاد مما تقدم ان التبليغات القضائية لدى العراقيين القدماء كانت تتسم بدرجة عالية من الدقة، ودليلنا على ذلك هي ان مهمة التبليغ كان من مهام طائفة معينة من الموظفين التابعين للمحكمة فلم يكن اجراء التبليغ عشوائياً، من جهة أخرى فالتبليغات القضائية كانت تتم بصورة تحريرية على شكل وثيقة وهي بهذا الوصف تقترب كثيراً من التبليغات في الوقت الحاضر وهي صفة الشكلية حيث لابد ان يكون التبليغ بصفة ورقة صادرة عن المحكمة ومشتملة على جملة بيانات.هذا وإن المدد القانونية للتبليغات في قوانين العراق القديم كانت تختلف من قضية إلى أخرى، فعلى سبيل المثال وفي دعوى قضائية تتعلق بسرقة تعود إلى فترة حكم (سمسو أيلونا) والتي جاء فيها "انه على صاحب الدعوى ان يجلب المتهم إلى المحكمة في غضون خمسة ايام، والا فانه سوف يتحمل المسؤولية القضائية" في حين جاء في وثيقة مكتشفة متعلقة بمسألة ابن يظهر عدم الطاعة تجاه والديه بالتبني ان مدة التبليغ للحضور إلى المحكمة استغرقت ثلاثة ايام، ويبدو ان سبب الاختلاف في هذه المدد عائد إلى نوعية القضية المعروضة ومدى أهميتها(4). من هنا يظهر ان حضور الطرفين كان يمثل نقطه تحول في الإجراءات القضائية في قوانين العراق القديم، فبدون حضور الطرفين كان يتعذر السير في الدعوى، الا اذا كان الخصم قد تبلغ و تخلف عن الحضور.وتشير المعلومات عن الاجراءت القضائية في عهد حمورابي ان تلك الإجراءات تبدأ باقامة المدعي لدعواه ومن ثم تنعقد المحكمة على أساس الشكوى المقدمة، ومن ثم تبدأ المحكمة بعملها بفحص الأدلة ومن ثم استدعاء المدعى عليه لبيان دفاعه واستجواب الشهود، وفي حاله عدم حضور أطراف الدعوى للمرافعة تقرر تأجيل الدعوى مدة لا تزيد عن ستة اشهر(5).ان تأجيل الدعوى بسبب عدم حضور اطراف الدعوى لدى العراقيين القدماء نابع من ضرورة عدم سلب حق الخصوم في الدفاع مما ينعكس سلباً على مراكزهم، وهذا المبدأ مقرر كذلك لدى التشريعات الحديثة ومنها التشريع العراقي(6).الذي يقرر ترك الدعوى للمراجعة في حال عدم حضور الطرفين يوم المرافعة.ولعل خير مثال يدل على ضمانات العدالة في بلاد وادي الرافدين والمتمثلة بضرورة تبليغ أطراف الدعوى لحضور المحاكمة وعدم الاستماع إلى طرف واحد دون الآخر، لما يشكله من خرق وسلب حق الطرف الآخر في الدفاع عن نفسه، الا في حاله كون الطرف الاخر قد تبلغ لكنه لم يحضر المرافعة، ذلك اللوح الطيني الذي عثر عليه منقبو الآثار في مدينة (نفر) حيث احتوى هذا اللوح على اول سابقه قضائية في تاريخ البشرية والتي يمكن ان تعنون "بالزوجة المتسترة على الاخبار بالجريمة". ويلخص الدكتور فوزي رشيد هذه السابقة(7). بالقول "ان جريمة قتل ارتكبت في بلاد سومر في حدود (1850 ق.م) وتتمثل حوادث هذه الجريمة ان ثلاثة رجال قتلوا أحد موظفي المعبد ولاسباب غير معروفة اخبر هؤلاء القتلة زوجة القتيل بمقتل زوجها، ولكن الغريب في هذا الامر أن الزوجة احتفظت بسر القتلة ولم تبلغ السلطات الرسمية بالأمر، بيد ان يد العدالة كانت حتى في تلك الازمان الموغلة في القدم مهيمنة ومكينة وبخاصة في بلاد وادي الرافدين، فبلغ خبر الجريمة علم ملك سلالة (ايسن) فاحال القضية للنظر فيها إلى (مجمع المواطنين) في مدينة (نفر) وهو المجمع الذي كان محكمة للفصل في القضايا، وفي ذلك المجمع نهض تسعة رجال ليقاضوا المتهمين وبدأ هؤلاء في نقاش القضية ان الجريمة لا تقتصر على الرجال الثلاثة وهم القتلة الفاعلون، بل يلزم ايضاً مقاضاة الزوجة بسبب بقائها ساكتة كاتمة للامر بعد ان علمت بالجريمة، الامر الذي يجعلها شريكة في الجريمة، وعلى اثر هذا الاتهام انبرى في المحكمة رجلان للدفاع عن المرأة فدافعا بان المرأة لم تشترك في مقتل زوجها، ولذلك ينبغي تبرئتها فلا ينالها العقاب، فاقر أعضاء المحكمة حجج الدفاع مبررين قرارهم بالقول "ان العقوبة ينبغي الا تشمل سوى القتلة الفاعلين" وبموجب ذلك لم تحكم محكمة (نفر) الا على الرجال الثلاثة ويشير الدكتور فوزي رشيد وبحق ان هذه السابقة تمدنا بان المحاكم في العراق القديم كان لا يحق لها ان تصدر حكماً بحق أي شخص مالم يكن حاضراً المحاكمة بمعنى ان يكون قد تبلغ. فضلاً عن ذلك فان هذه الوثيقة تمدنا بمعلومة هامة الا وهي ظهور نظام المحاماة في وادي الرافدين كذلك تدل على اهتمام العاملين السومريين في مجال القضاء بقرارات المحاكم التي اكتسبت صفة السوابق القضائية اذ كانت تدون بعدة نسخ ليسهل الرجوع اليها عند الحاجة(8).
______________________________
1- د. فوزي رشيد، الشرائع العراقية القديمة، ط3، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1987، ص11.
2-أستاذنا د. عباس العبودي، ضمانات العدالة في حضارة وادي الرافدين، بحث منشور في دراسات قانونية وهي مجلة فصلية تصدر عن قسم الدراسات القانونية في بيت الحكمة، العدد الثاني، السنة الثانية، بغداد، 2000، ص19.
3- للمزيد من التفصيل راجع: أحلام سعد الله الطالبي، نظام التقاضي في العراق القديم، دراسة مقارنة مع بقية بلدان الشرق الادنى، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الآداب، جامعة الموصل، 1999، ص93.
تجدر الاشارة أن تحديد موعد المرافعة للنظر في القضية لم يكن مقتصراً على القضاة انفسهم، بل كان للملك الحق في تحديدها، وهذا يعني انه كان هناك تعيين ملكي لموعد القضايا التي يتم قبول النظر فيها من قبل الملك، احلام سعدالله الطالبي، المصدر السابق، ص92.
4- احلام سعد الله الطالبي، مصدر سابق، ص93-94.
5- شعيب احمد الحمداني، قانون حمورابي، منشورات بيت الحكمة، بغداد، 1988، ص72.
6- راجع الفقرة (1) من المادة (54) مرافعات عراقي.
7- د. فوزي رشيد. مصدر سابق، ص17-18.
8- أستاذنا د. عباس العبودي، تاريخ القانون، ط2، جامعة الموصل، 1997، ص105.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|