هل الاسطرلاب من ابتكارات علماء العرب والمسلمين؟

اعتمد علماء العرب والمسلمين على الاسطرلاب، وهو عبارة عن جهاز يستطيع الفلكي ان يعين به زوايا ارتفاع الاجرام السماوية عن الأفق في أي مكان.

فسر حاجي خليفة كلمة الاسطرلاب في كتابه (كشف الظنون) فقال: هي كلمة يونانية وتتكون من (اسطر) بمعنى النجم و(الابون) بمعنى المرأة، ومن ذلك قيل لعلم التنجيم استرونوميا او من اخترع الاسطرلاب هيباخوس الاغريقي تقريبا في القرن الثاني قبل الميلاد، ثم اتى بطليموس 150م، واستعمل الاسطرلاب في بعض ارصاده التي ظهرت في كتابه (المجسطي).

ولكن اول من الف كتابا وصف به صنع وطريقة استعمال الاسطرلاب، محمد بن إبراهيم الفزاري (توفي 180هـ) احد فلكيي الخليفة العباسي المنصور، وهو على أي حال اول من صنع اسطرلابا في الإسلام.

واسطرلاب محمد بن إبراهيم بن حبيب بن سليمان الفزاري، عبارة عن آلة فلكية رسم عليها قبة السماء، وعليها قسم النجوم الى مجموعات مختلفة، كما وضح عليها حركة الشمس والقمر والكواكب الأخرى.

استخدم علماء العرب والمسلمين الاسطرلاب في بادئ الامر لتحديد مواعيد الصلاة، واتجاه القبلة ودخول شهر رمضان ومعرفة صلاتي الكسوف والخسوف.

سرعان ما اتجهت انظار علماء العرب والمسلمين الى استعمال الاسطرلاب في قياس ورصد الابعاد المختلفة، لذا نرى ان أبا إسحاق إبراهيم يحيى النقاش الاندلسي الشهير بالزرقالي (420-480هـ) صنع اسطرلابا متميزا من حيث الدقة التكنولوجية، وبقي يستعمله علماء العرب والمسلمين في ارصادهم عبر العصور الإسلامية.

ولقد استفادت من اسطرلاب الزرقالي علماء أوروبا وعلى راسهم العالم الإيطالي كوبرنيكس (878-955هـ) والذي نوه عنه في مؤلفاته، بانه احسن اسطرلاب صنع في القرون الوسطى، كما استخدمه كوبرنيكس في جميع ارصاده ودراساته الفلكية.

يتكون الاسطرلاب الذي استخدمه علماء المسلمين في ابسط صوره، من قرص من المعدن وفي مركزه مؤشر يمكن تحريكه نحو المرئي، والقرص المعدني مقسم الى درجات تحدد بالضبط ارتفاع الكوكب في أي لحظة، وكذلك تعطي قيمة زاوية انحطاط الأفق.

فعلى سبيل المثال عندما فكر أبو الريحان البيروني (362-440هـ) ان يحسب محيط الأرض، لزمه بالتحديد معرفة ارتفاع الجبل، وزاوية الانحطاط، لكي يحصل على قيمة نصف قطر الأرض: نق= جتا س/1-جتاس (حيث نق=نصف القطر، ع=ارتفاع الجبل، س=زاوية انحطاط الأفق). محيط الأرض=44/7نق وهذا المطلوب.

كثرت في العصور الإسلامية أنواع الاسطرلابات وتعددت، وذلك بسبب الحاجة الى استعمالها في مختلف الأغراض الفلكية: فمن أنواع الاسطرلابات: التام والهلالي والعقربي والكروي وعصا الطوسي والزرقالة وذات السمت والارتفاع وذات الاوتار وغيرها.

اهتم علماء العرب والمسلمين في تطوير الاسطرلاب، لان الامة العربية والإسلامية في امس الحاجة الى معرفة النجوم وحركتها لتهديدهم الى الطريق في وسط الصحراء، وكذلك دراسات الرياح ليستطيعوا معرفة أوقات نزول المطر.

تفنن علماء العرب والمسلمين تفننا ملحوظا في علم الفلك، وذلك بفضل الاسطرلاب المتطور الذي استخدموه في ارصادهم الفكية، في الوقت التي كانت أوروبا نائمة نوما حضاريا عميقا لا تعرف الا القليل عن الحركة العلمية العظيمة التي تدور في العالم الإسلامي.

لقد اصبح علم الفلك بفضل علماء العرب والمسلمين علما استقرائيا عمليا، يعتمد على الملاحظة الحسية والمقاييس العلمية، مبنيا على الأرصاد والحسابات الفلكية المساندة على جهاز الاسطرلاب المتقدم، فمن هذا المنطلق استطاع علماء العرب والمسلمين ان يعطوا تعليلا علميا لحركة الكواكب والاجرام السماوية بواسطة جهاز الاسطرلاب.