أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2022
1442
التاريخ: 2024-11-17
140
التاريخ: 13-10-2014
2399
التاريخ: 2023-03-23
1326
|
اختلفت الأنظار عن الحروف المقطّعة في أوائل السور ، وربّما بلغت عشرين قولاً أو تزيد ، حسبما أحصاه الإمام الرازي في تفسيره الكبير. سوى أنّ الاتّجاهات الرئيسيّة التي سلكتها تلكم الأقوال تعتمد على المباني الثلاثة التالية :
1 ـ اعتقاد أنّها من المتشابه المجهول تماماً ، علم مستور ، وسرّ محجوب ، استأثر الله به.
فقد حُكي عن الشعبي أنّه قال : «نؤمن بظاهرها ، ونكل العلم فيها إلى الله» (1).
وقد أنكر أهل الكلام هذا الاعتقاد لو أُريد به الجهل مطلقاً ، حتّى على مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسائر أُمناء الوحي ، إذ كيف يرد في الكتاب المبين ما يكاد يخفى على الخافقين ، وقد قال تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29].
وإن أُريد به الحجب عن العامّة ، واختصاص علمه بأولياء الله المخلَصين فهذا مردّه إلى القول التالي :
2 ـ إنّها رموز بين الله ورسوله ، لا يمسّه إلاّ المطهّرون ، الأُمناء على وحيه. قال أرباب القلوب : التخاطب بالحروف المفردة سنّة الأحباب في سنن المحابّ ، فهو سرّ الحبيب مع الحبيب ، بحيث لا يطّلع عليه الرقيب :
بين المحبّين سرّ ليس يُفشيه *** قول ولا قلم للخلق يحكيه
وقد روى السيد رضيّ الدين ابن طاوس عن «حقائق التفسير» لأبي عبدالرحمان محمّد بن الحسين السلمي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) قال : «الم ، رمز وإشارة بينه تعالى وبين حبيبه محمّد (صلى الله عليه وآله) ، أراد أن لا يطّلع عليه سواهما ، أخرجه بحروف بَعَّدهُ عن درك الأغيار ، وظهر السرّ بينهما لا غير»(2).
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ ابن حيّان في التفسير عن داود بن هند ، قال : كنت أسأل الشعبي عن فواتح السُّور ، قال : «يا داود ، إنّ لكلّ كتاب سرّاً ، وإنّ سرّ هذا القرآن فواتح السُّور ، فدعها وسل عمّا بدا لك»(3).
وقال الحجّة البلاغي : «ولا غرو أن يكون في القرآن ما هو محاورة رمزيّة
بأسرار خاصّة ، مع الرسول (صلى الله عليه وآله) وأُمناء الوحي (عليهم السلام)»(4).
قال ابن بابويه أبو جعفر الصدوق : «والعلّة الأُخرى في إنزال أوائل هذه السور بالحروف المقطّعة ، ليخصّ بمعرفتها أهل العصمة والطهارة ، فيقيمون بها الدلائل ، ويظهرون بها المعاجز. ولو عمّ الله تعالى بمعرفتها جميع الناس ، لكان في ذلك ضدّ الحكمة ، وفساد التدبير»(5).
وهذا هو اختيار جلّ أهل النظر في التفسير.
وفي كلام العرب شواهد على الرمز بالحروف ، وليس بالأمر الغريب. قال الشاعر(6) :
قلنا لها : قفي لنا ، قالت : قاف *** لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف
فقد أرادت بقولها : قاف : «قد وقفت» ، فأشارت إليه رمزاً بإظهار حرف القاف كنايةً عن تمام الكلمة. وكذا رمزوا عن النحاس بحرف «ص» ، وعن النقد بحرف «ع» ، وعن السحاب بحرف «غ». وهكذا سمّوا بالحروف أشياء ، منها جبل قاف ، والحوت نوناً. وقد يسمّون الأعلام بها أيضاً ، كما سمّوا والد حارثة «لام» فقالوا : حارثة بن لام.
وممّا يشهد لذلك أيضاً نقصهم الكلمة حروفاً ليكون الباقي دلالة عليه ، كما في الترخيم ، في مثل «يا حار» بحذف «الثاء» ، و«يا مال» بحذف «الكاف» : وكقول راجزهم :
ما للظليم عال كيف لا يا *** ينقد عنه جلده إذا يا
وأراد بالياء : ياء المضارعة; رمزاً إلى قوله : يفعل ، أي «لا يفعل» و«إذا يفعل».
وقال الآخر :
بالخير خيراً «تا» وإن شرّاً «فا» *** ولا أُريد الشرّ إلاّ أن «تا»
فالتاء إشارة إلى قول «تشاء» وبالفاء فاء الجزاء. والمعنى :
بالخير خيراً تشاء وإن شرّاً فشرّاً *** ولا أُريد الشرّ إلاّ أن تشاء
قال أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري : «والشواهد على ذلك كثيرة ، يطول باستيعابها الكتاب»(7).
_______________
1 . البرهان 1 : 173.
2 . سعد السعود : 217 ، بحار الأنوار : 89 : 384. والموجود في المطبوعة أخيراً : «وقيل : «الم» سرّ الحقّ إلى حبيبه(صلى الله عليه وآله) ، ولا يُعلَم سرّ الحبيب. ألا تراه يقول : «لو تعلمون ما أعلم» أي : من حقائق سرّ الحقّ ، وهو الحروف المفردة في الكتاب». (تفسير السلمي 1 : 46).
3 . الدرّ المنثور 1 : 59.
4. آلاء الرحمان 1 : 64.
5. كمال الدين وتمام النعمة : 640 ، بحار الأنوار 89 : 381 ـ 382 حديث 14.
6 . في تفسير الخازن 1 : 23 نسبه إلى الراجز ، وهو الأغلب بن عمرو العجلي من الشعراء المخضرمين المعمّرين. مات في وقعة نهاوند في جملة من توجّه من الكوفة مع سعد سنة 21هـ ، وهو أول من رجز الأراجيز الطوال ، ومن ثمّ سمّي بالراجز. و الإيجاف : الإسراع في السير.
7 . تفسير الطبري 1 : 53.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|