أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-3-2016
2404
التاريخ: 3-7-2019
2142
التاريخ: 22-4-2017
2789
التاريخ: 23/9/2022
1676
|
أرست الشريعة الإسلامية الغراء مبادئ العدالة الحقة، فتشددت في احترام حقوق الإنسان الأساسية والحفاظ عليها، كما تشددت في إثبات الجرائم قبل كل من يوضع موضع الاتهام، حتى لا يدان برئ أو ينكل بمظلوم. لذلك فقد أحاطت المتهم بالعديد من الضمانات الأساسية الجنائية، فكانت "البراءة" من المبادئ الهامة في الشريعة الإسلامية وإحدى أبرز الوسائل الكثيرة المتظافرة في سبيل تحقيق العدالة للمتهم. إذ يؤسس مبدأ "الأصل في المتهم البراءة" على الفطرة التي جبل الإنسان عليها، استناداً إلى ان الحالة الطبيعية التي وجد عليها الإنسان أنه لا يجرم، وأن الجريمة امر شاذ وطارئ في حياته، ومن هنا فإن منطق الأمور يقودنا إلى القول بأن الأصل في الإنسان الخير والفضيلة، اما الشر والرذيلة فهما استثناء من هذا الأصل(1). ومن ثم فإن الفقه الإسلامي يعزو تأسيس "البراءة" إلى الفطرة الإنسانية، وبأن المرء يولد خالياً من كل خطيئة ومسؤولية، استناداً إلى قوله تعالى – عز وجل – (( فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله )) (2). والفطرة هي الخلقه، وإنه تعالى فطرهم على الإيمان به، وما يتعلق به بعد ذلك إنما يطرأ لأسباب عارضة على تلك الفطرة، وفي ذلك قال رسول الله ( r ): (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء )) (3). أي أن الله سبحانه وتعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق والمسار الصحيح، ودل على ذلك قول الرسول في الحديث الأخير، حيث قصد بأن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة، سليماً من الآفات، فلو ترك على اصل تلك الخلقة لبقى كاملاً بريئاً من العيوب، وكذلك الإنسان وهو تشبيه واقع ووجهه صحيح(4). ولذلك قيل إذا مات الأطفال فهم في الجنة، وفي ذلك حديث للرسول عليه السلام، فبعدما عاتب بعض المسلمين لقتلهم أبناء المشركين في احدى الغزوات ( فقالوا له: يا رسول الله أما هم أبناء المشركين؟ فقال: لا إنما خياركم ابناء المشركين، ثم قال: لا تقتلوا ذرية، لا تقتلوا ذرية، إن كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها )(5)، وفي حديث آخر سئل الرسول ( r ) عن أولاد المشركين فقال: (( لم تكن لهم حسنات فيجزوا بها، فيكونوا من ملوك الجنة، ولم تكن لهم سيئات فيعاقبوا عليها، فيكونوا من أهل النار، فهم خدم لأهل الجنة )(6). يدل ذلك كله بأن الإنسان مخلوق على الفطرة، وفطرة الإنسان هي البراءة في السلوك والالتزام بالنظام، هذه البراءة تبقى ما بقي الإنسان على فطرة الله التي خلقها به، وان كان الواقع يؤكد بأن الإنسان لا بد وان يتعرض لعوامل داخلية أو خارجية قد تغير من مساره البريء، وقد لا يحدث ذلك، وإن كنا لا نجزم بحدوث هذا أو ذاك، فإننا نجزم بأن البراءة أصل غالب وراجح في الإنسان، ونتيجة لذلك الأصل وهذا الأساس فإن فقهاء الشريعة الإسلامية يطلقون على طرف الخصومة الجنائية المقابلة للمدعي والذي ترفع عليه الدعوى، لفظ "المدعى عليه"، وهو من يدفع إدعاء المدعى عن نفسه أو من يخبر عما في يد نفسه لنفسه (7). فالفقه الجنائي الإسلامي يعد "البراءة الأصلية"(8). من الأصول الثابتة في الإنسان، وقد انعكس ذلك على مختلف النظام الإجرائي في الشريعة الإسلامية، لذلك يعرف بعض الفقه "المدعي" بأنه من كان قوله على خلاف أصل أو عرف، اما المدعى عليه ( المتهم ) فهو من كان قوله وفق أصل أو عرف. أي أن الأصل وهو استصحاب الحال والعرف وهو العادة يقضيان ببراءة ذمة الأشخاص وخلوها من أي التزامات تجاه الآخرين، فإذا أتى شخص بما يخالف الأصل أو العادة وادعى حقاً على آخر فهو مدع، ومن توجهت عليه الدعوى فهو مدعى عليه، لأن براءة ذمته موافقة للأصل والعرف(9). ورأي آخر يتفق أيضا مع البراءة الأصلية، إذ يعرف المدعى بأنه هو من يخالف قوله الظاهر والمدعى عليه هو من يوافق قوله الظاهر، بمعنى أن المدعي يخالف قوله الظاهر من براءة ذمة المدعى عليه، لأن الظاهر هنا هو براءة ذمة الناس جميعاً، والمدعى عليه يوافق قوله الظاهر من براءة ذمته، كما هي القاعدة العامة للناس كافة، فإذا ادعى المدعي حقاً سواء كان دماً أو مالاً في ذمة المدعى عليه، فانه يدعي شيئاً خفياً باطناً خلاف الظاهر من البراءة الأصلية للمدعى عليه(10). لذلك عرف البعض المدعى بأنه من يريد إثبات أمر خفي يريد به إزالة أمر جلي(11).
__________________
1- نايف بن محمد السلطان، "حقوق المتهم في نظام الإجراءات الجزائية السعودي"، دار الثقافة، الاردن، 2005، ص33.
2- سورة الروم، الآية ( 30 ).
3- أخرجه البخاري عن أبي هريرة ورواه أيضا مسلم، نقلاً عن، الحافظ عماد الدين بن كثير، مختصر تفسير ابن كثير، م3، دار القرآن الكريم، بيروت، 1399هـ، ص54.
4- يوسف قاسم، "البراءة الأصلية – اساسها الشرعي وتطبيقاتها العملية في الدراسات الشرعية والقانونية"، مجلة الامن والقانون، دبي س7، ع2، يوليو 1999، ص14.
5- أخرجه الإمام أحمد في مسنده والنسائي في كتاب السير، مشار اليه في مختصر تفسير ابن كثير، المرجع السابق، ص54.
6- مشار اليه لدى: يوسف قاسم، البراءة الأصلية، المرجع السابق، ص14.
7- علاء الدين مسعود الكاساني، "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"، ج6، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982، ص224.
8- يعبر فقهاء الشريعة الإسلامية عن مبدأ "الأصل في الإنسان البراءة" بمصطلح "البراءة الأصلية".
9- انظر في ذلك:
- منصور بن يونس بن ادريس البهوتي، "كشاف القناع عن متن الاقناع"، ج6، دار الفكر، بيروت، 1402هـ، ص384.
10- انظر في هذا المعنى:
احمد بن حجر العسقلاني، "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، ج5، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ، ص209.
11- احمد سعيد صوان، افتراض براءة المتهم، المرجع السابق، ص548.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|