أقرأ أيضاً
التاريخ: 1/12/2022
1021
التاريخ: 24/12/2022
1437
التاريخ: 30/11/2022
1477
التاريخ: 17-5-2022
2380
|
إنّ الأحوال الاجتماعية و الخصائص الأدبيّة لا تستقرّ في الأعصر فجأة، بل على التدريج قليلا قليلا و شيئا بعد شيء. ثمّ يحسن أن نلاحظ أنّ أحوال الاجتماع و خصائص الأدب لا تغيب، عند الانتقال من عصر إلى عصر، مرّة واحدة، بل تبقى منها بقايا راسبة في المجتمع و بادية إلى جانب الأحوال و الخصائص الجديدة. و يجوز لنا أن نقول: إنّ في كلّ عصر رواسب من جميع العصور التي سبقته مفرّقة في نواحيه المختلفة.
ليس في ما لدينا من النتاج الأدبي في عصر الأمراء المتوارثين ما يدلّ على حركة للنقد، و لكن لعلّنا نجد رأيا هنا و رأيا هناك، كما قال عبد الملك بن حبيب السلمي (ت ٢٣٨، راجع ترجمته) :
و الشعر لا يَسلَسُ إلاّ على ... فراغ قلبٍ و اتّساع الخُلُق
و من وجوه النقد «المقياس» الذي نقيس به الشعر الجيّد و الشعر غير الجيّد. إنّه الإعجاب أوّل أسس النقد الفطريّ، في مقابل النقد العلمي الذي هو منهج ذو قواعد قائمة على الأسباب و النتائج بعد النظر في القطعة المعروضة للنقد. في النقد الفطريّ (في الاجتماع و في الأدب) نعجب بالرجل فنحبّ كلّ شيء يصدر منه. أمّا في النقد العلمي فإنّنا ننظر إلى القطعة بقطع النظر عن صاحبها. و قد ننقد قطعتين لأديب واحد، فتثبت إحداهما على النقد و تسقط الثانية منهما عند النظر.
و المعارضة (تقليد الشاعر لشاعر آخر) وجه من وجوه النقد الفطري. أ ليس هو مظهرا من مظاهر الإعجاب و الحكم لشاعر بأنّه أحسن؟
نجد ليحيى بن حكم الغزال (ت 250) قصيدة في الخمر عارض بها أبا نواس معارضة قريبة جدّا، قيل إنّها خدعت أدباء بغداد (راجع نفح الطيب ٢: 260-261) . من هذه القصيدة ليحيى الغزال:
فلمّا أتيت الحان ناديت ربّهُ ... فثار خفيف الروح نحو ندائي (1)
قليل هجوع العين إلاّ تعلّةً ... على وجلٍ مني و من نظرائي (2)
فقلت: «أذقنيها» . فلمّا أذاقها طرحت إليه ريطتي و ردائي (3)
و قلت: «أعرني بذلة أستتر بها» بذلت له فيها طلاق نسائي (4)
إنّنا لا نخطئ في هذه الأبيات نفس أبي نواس (ت ١٩٩ ه) و لا ألفاظه و تراكيبه. فمن مديح أبي نواس لهارون الرشيد قصيدة فيها شيء من الخمر منه:
. . . إلى بيت حانٍ لا تهرُّ كلابهُ ... عليَّ و لا ينكرن طول ثوائي (5)
فإن تكن الصهباء أودت بتالدي ... فلم توقني أكرومتي و حيائي (6)
فما رمته حتّى أتى دون ما حوت ... يميني حتّى ريطتي و حذائي (7)
لمّا أخرج الوزير هاشم بن عبد العزيز من سجنه ليساق إلى القتل (٢٧٣ ه) كتب إلى جارية له اسمها عاج يقول (الحلة السيراء 1:140-141) :
و إنّي عداني أن أزورك مطبقٌ ... و باب منيع بالحديد مضبّب (8)
و في النفس أشياء أبيت بغمّها ... كأنّي على جمر الغضا أتقلّب (9)
و كم قائل قال: انجُ، ويحك سالماً ... ففي الأرض عنهم مستراد و مذهب
فقلت له: إنّ الفرار مذلّةٌ ... و نفسي على الأسواء أحلى و أطيب (10)
سأرضى بحكم اللّه في ما ينوبني ... و ما من قضاء اللّه للمرء مهرب (11)
ففي هذه الأبيات نفس جاهلي عليه أثر النابغة.
و أحسن من أبيات هاشم بن عبد العزيز أبيات سوّار بن حمدون القيسي: (ت ٢٧٧) قال (الحلة السيراء 1:150) :
و لمّا رأونا راجعين إليهمُ ... تولّوا سراعا خوف وقع المناصل (12)
لقد سلّ سوّار عليكم مهنّداً ... يجذّ به الهامات جذّ المفاصل (13)
به قتل اللّه الذين تحزّبوا ... علينا و كانوا أهل إفك و باطلِ
و لكنّ النفس لا يزال جاهليّا... برغم الألفاظ الإسلامية
____________________
1) الحان: الحانة (دكّان لبيع الخمر) .
2) التعلة: (الشيء القليل) ، ما يحاول الإنسان أن يكتفي به. الوجل: الخوف. النظراء: الأكفاء، المتساوون في المرتبة. (صاحب الحانة يكون غير مسلم. من أجل ذلك يخاف من المسلمين الآتين إليه لئلاّ يكونوا من رجال الشرطة المتخفّين) .
3) الريطة: رداء من قطعة واحدة و من نسج ليّن نفيس غال (دفع ذلك ثمنا للخمر) .
4) أقسمت يمينا أن أطلّق امرأتي إذا لم أردّ له تلك البذلة.
5) هرّ الكلب: نبح و كشّر عن أنيابه. الثواء: المكث و البقاء.
6) أودت به الأحداث: أهلكته. التالد: المال القديم (الموروث) . وقاه الأمر: منعه إياه أو دفع الأمر عنه، حماه.
7) رمت (بكسر الراء) أريم: تركت (غادرت المكان) . أتى دون ما حوت يميني: أخذ منّي كلّ ما كنت أملك.
8) عداني: شغلني، منعني. مطبق: السجن تحت الأرض. مضبّب: مقفل بضبّة (بفتح الضاد: حديدة عريضة يشدّ بها الباب إلى الجدار) .
9) الغضا: شجر شديد الاشتعال و الحرارة.
10) الأسواء جمع سوء (شرّ) .
11) ناب: أصاب.
12) المناصل جمع منصل (بضم الميم و الصاد) : السيف.
13) جذّ: قطع. الهامة: الرأس.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|