المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
اية الميثاق والشهادة لعلي بالولاية
2024-11-06
اية الكرسي
2024-11-06
اية الدلالة على الربوبية
2024-11-06
ما هو تفسير : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ؟
2024-11-06
انما ارسناك بشيرا ونذيرا
2024-11-06
العلاقات الاجتماعية الخاصة / علاقة الوالدين بأولادهم
2024-11-06



مفهوم العلانية في التحقيق الابتدائي  
  
5300   09:27 صباحاً   التاريخ: 2-2-2016
المؤلف : حسن حماد حميد الحماد
الكتاب أو المصدر : العلانية في قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي
الجزء والصفحة : ص17-24
القسم : القانون / القانون العام / المجموعة الجنائية / قانون اصول المحاكمات الجزائية /

ان قوانين الإجراءات الجنائية لدول العالم لم تأخذ بنهج واحد فيما يتعلق بالعلانية في إجراءات التحقيق الابتدائي و ان اتفقت على علانية المحاكمة كضمانة من ضمانات المتهم و كأصل جوهري من أصول النظام القضائي . حيث ان هذه القوانين تختلف في ذلك تبعاً للنظام الذي تأخذ به . ففي القوانين التي تأخذ بالنظام الاتهامي فان إجراءات التحقيق الابتدائي شأنها شأن إجراءات التحقيق النهائي ( المحاكمة ) تتم بعلانية مطلقة ، أي يسمح للخصوم بحضور إجراءات التحقيق الابتدائي و كذلك تعطى للجمهور فرصة الحضور ، و ذلك لأن العلانية هي أحدى صفات أو خصائص هذا النظام . و من الدول التي أخذت بهذا النظام كأساس لقوانينها هي إنكلترا و أمريكا و غيرها .  اما القوانين التي تأخذ بنظام التحري و التعقيب  وبما ان السرية هي أحدى خصائص هذا النظام ، فأن إجراءات التحقيق الابتدائي تكون سرية و تجرى بمعزل عن الجمهور ،و لم يقف الأمر عند ذلك بل امتدت هذه السرية لكي تشمل الخصوم كذلك ، حيث لا يحق لهم حضور هذه الإجراءات و الإطلاع عليها . ان السرية في هذا النظام هي ضرورة لازمة و ذلك لإحكام حلقات التحقيق و الوصول به الى غايته ، ولان الفلسفة السائدة في هذا النظام تغلب مصلحة التحقيق على مجرد تحقيق ضمان لحق المتهم (1). ومن القوانين التي أخذت بهذا النظام هو القانون الفرنسي الذي كان سائداً قبل الثورة الفرنسية ، ولا يزال القانون الفرنسي و ان أعتبر من القوانين التي تأخذ بالنظام المختلط يتسم بمظاهـر هذا النظـام مع تلافي بعض العيوب (2).وهناك مجموعة من القوانين تجمع بين محاسن النظامين السابقين في نظام واحد ، وهو ما يسمى بالنظام المختلط . ففي مرحلة التحقيق الابتدائي بقيت إجراءات نظام التحري و التعقيب هي الأساس ، و لكن لم تبقَ السرية مطلقة في هذه المرحلة بل يسمح للمحامي حضور إجراءات التحقيق و عدم استجواب المتهم إلا بحضوره . أما في مرحلة المحاكمة فيصار إلى النظام الاتهامي بما يتميز به من علانية و حضورية ، و من القوانين التي تأخذ بالنظام المختلط هو قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي الحالي و ان كان يقوم في اساسه على نظام التحري والتعقيب مع اقترابه من النظام الاتهامي في مرحلة المحاكمة ، و من قوانين الإجراءات الجنائية العربية التي أخذت بهذا النظام هي مصر و سوريا و لبنان  و أغلب الدول العربية الأخرى (3).و يُعَد قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي من القوانين التي تأخذ بهذا النظام . من ذلك يتبين ان القوانين قد انقسمت الى قسمين فيما يتعلق بالعلانية في التحقيق الابتدائي ، فهي اما ان تأخذ بالعلانية المطلقة ، وذلك في القوانين التي تأخذ بالنظام الاتهامي ، او علانية نسبية في القوانين التي تأخذ بالنظام المختلط .

إذاً في التحقيق الابتدائي هناك علانية مطلقة و علانية نسبية . و الآن نأتي لبيان مفهوم كلٌ منهما.

مفهوم العلانية المطلقة :

قبل الدخول في مفهوم العلانية المطلقة في التحقيق الابتدائي يمكن القول ان لهذه العلانية معنيين ، احدهما داخلي بالنسبة للخصوم في الدعوى الجزائية و وكلائهم و هذا ما يسمى بالعلانية الداخلية ، والمعنى الآخر خارجي أي علانية بالنسبة للجمهور وهو ما يسمى بالعلانية الخارجية .  من هذا يتبين ان المقصود بالعلانية المطلقة هي تمكين خصوم الدعوى الجزائية و وكلائهم من حضور إجراءات التحقيق الابتدائي ، مع إعطاء الفرصة للجمهور من حضور هذه الإجراءات و مشاهدة ما يجري فيها (4). مع جواز نشر مجريات التحقيق الابتدائي .

   إذاً العلانية المطلقة في إجراءات التحقيق الابتدائي تتحقق من خلال أمرين :

1.حضور الجمهور لإجراءات التحقيق الابتدائي فضلاً عن حضور الخصوم .

2.جواز نشر إجراءات التحقيق الابتدائي .

ومن القوانين التي أخذت بالعلانية المطلقة في التحقيق الابتدائي هو قانون الإجراءات الجنائية السوداني عندما نص في المادة ( 209 ) منه ( يُعتبر المكان الذي تعقد فيه المحاكم جلساتها من أجل التحقيق او المحاكمة عن أية جريمة علنياً يجوز للجمهور بصفة عامة ان يرتاده بقدر ما يسع المكان . ومع ذلك فللقاضي رئيس الجلسة ان يأمر في أي مرحلة من مراحل  التحقيق أو أثناء المحاكمة في قضية معينة بمنع حضور الجمهور بصفة عامة او بعدم دخول أي شخص معين الى المكان او البقاء فيه اذا رأى ذلك مناسباً (5). كذلك القانون الإنكليزي عندما نص في المادة ( 6 ) من قانون القضاء الجنائي لعام 1967 على علانية التحقيق و الزم به قاضي التحقيق ، مع جواز مخالفة هذا المبدأ عندما ينص القانون على عكس ذلك او اذا قرر قاضي التحقيق إجراء التحقيق بصورة سرية عندما يجد ان مصلحة التحقيق تقتضي ذلك (6).كما ان التشريع الأمريكي هو من التشريعات التي لم تقصر العلانية على الخصوم و إنما امتدت الى الجمهور (7). من بيان المقصود بالعلانية المطلقة في التحقيق الابتدائي يتبين لنا ان العلانية هنا قد لا تقتصر على مجرد حضور الجمهور إجراءات التحقيق فضلاً عن حضور الخصوم و انما تمتد بالنشر لهذه الإجـراءات بواسطة الصحف و الإذاعة ، حيث ان القوانين عندما تسمح للجمهور حضور إجراءات التحقيق فأنه يُفهم من ذلك ان النشر في الصحف و الإذاعة جائز كذلك باعتبار النشر وسيلة لتحقق العلانية في التحقيق الابتدائي . ففي القوانين الانجلوسكسونية ، بما ان جلسات التحقيق الابتدائي علنية و يجوز للجمهور ان يحضرها ، فأن النشر لهذه الإجراءات جائز كذلك و ان كان من شأنه التأثير على سير الإجراءات ، والسابقة الرئيسية في القضاء الإنكليزي هي حكم محكمة منصة الملكة في قضية Reg V. Gray   حيث قررت المحكمة ان نشر ما جرى في التحقيق الابتدائي بما فيها أقوال المحامين عن الادعاء لا يُعَد جريمة امتهان للمحكمة حتى و لو كان من شأنه إثارة الرأي العام ضد المحققين مادام ان النشر قد اقتصر على ما جرى في جلسة التحقيق العلانية و تم بأمانة و حسن نية (8).  الا ان الملاحظ - في القانون الإنكليزي -  و بعد صدور قانون القضاء الجنائي عام  1967  وفي المادتين ( 3  و  4 )  منه ، ان هذا النشر قد خضع لِقيود تتمثل بان القانون لم يجز نشر غير الشكليات فقط ، كتعيين المحكمة التي سوف تنظر الدعوى والقضاة وأطراف الخصومة والشهود و المحامين و التهم الموجهة و قرارات إعادة الحبس او الكفالة و المساعدة القانونية ، أما نشر الإجراءات كاملة فهو مكفول بموافقة المتهم و بطلب يقدمه للمحكمة للأمر بنشره، و يكتفي القضاء بموافقة احد المتهمين في حالة تعددهم (9).  و تكمن الأسباب التي دعت المشرع الإنكليزي لوضع هذه القيود و عدم الاتساع في النشر هي انه من الظلم الاتساع في هذا النشر كونه من جانب واحد وهو جانب الادعاء الذي قد تستغرقه إجراءات التحقيق ، لأن المتهم في كثير من الأحيان لا يظهر أوجه دفاعه حتى وقت المحاكمة ، فضلاً عن ان هذا النشر من شأنه ان يُكّون لدى المحلفين فكرة مسبقة عن إدانة المتهم ، وهذا من شأنه التأثير في حيادهم ،كما ان هذه القيود من شأنها منع النشر المبالغ فيه او النشر المضلل الذي من شأنه الإضرار بالمتهم و ذلك بالتأثير على سمعته و مركزه الاجتماعي ثم ان هذه القيود من شأنها الحفـاظ على سمعة العدالة و حسن تحققها لان النشـر غير المقيـد قد يؤثر في الشهود و يمنعهم من الإدلاء بشهاداتهم (10).

 أما القانون الأمريكي وهو من القوانين التي تأخذ بالعلانية المطلقة فأنه لم يأخذ بما أخذ به القانون الإنكليزي حينما قصر النشر على الإجراءات الشكلية بل انه أجاز النشر لإجراءات التحقيق كاملة بما فيها أدلة الادعاء ، و لكن في الحالات التي يؤدي فيها النشر الى إلحاق الضرر بالمتهم فانه من الممكن ان يُعقَد التحقيق بصورة سرية من أجل تلافي هذه الأضرار، وهذه السرية هي القيـد الذي يضعه القانـون على النشـر، و يبرر الفقه و القضاء هذا القيد بالقول  ان النشر قد يكون من شأنه التأثير على المحلفين بتكوين رأي مسبق لديهم و التأثير في الشهادة ، فضلاً عن التأثير في القاضي و إضافة عبء جديد عليه (11).

 و أخيراً يمكن القول ان العلانية المطلقة في التحقيق الابتدائي لا يمكن ان تتحقق بمجرد نشر إجراءات هذا التحقيق دون حضور الجمهور لهذه الإجراءات - تماماً كما هو الحال في مرحلة المحاكمة – حيث ان بعضهم (12).. يذهب الى ان النشر فقط لإجراءات المحاكمة لا يحقق العلانية ، والسبب في ذلك هو ان حصول الجمهور على المعلومات دون حضوره لا يكفي لإضفاء صفة العلانية على هذه الإجراءات ، كما ان الأثر الذي يتركه حضور الجمهور لإجراءات المحاكمة و متابعتها عن قرب هو ليس ذات الأثر عندما تنقل اليه الإجراءات بواسطة الصحافة .

مفهوم العلانية النسبية :

اما القسم الثاني من التشريعات فقد أخذت بالعلانية النسبية و هي علانية داخلية قاصرة على الخصوم في الدعوى الجزائية و وكلائهم . و بذلك يمكن تعريف العلانية النسبية بأنها تمكين خصوم الدعوى الجزائية و وكلائهم من حضور إجراءات التحقيق الابتدائي و الإطلاع عليه دون السماح للجمهور بذلك . من ذلك نرى ان هذا القسم من التشريعات قد سار في اتجاه مغاير للأول و ذلك حينما قصر العلانية على الخصوم و وكلائهم دون الجمهور الذي تبقى الإجراءات سرية بالنسبة اليه . و بذلك فأن الأصل في هذه التشريعات هو حضور الخصوم و السرية هي الاستثناء . و من التشريعات التي أخذت بهذا الاتجاه ،التشريع العراقي حينما نص في المادة ( 57 / أ ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ان ( للمتهم و للمشتكي و للمدعي بالحق المدني و للمسؤول مدنياً عن فعل المتهم و وكلائهم ان يحضروا إجراءات التحقيق ….) وكذا الحال بالنسبة للقانون المصري حيث نصت المادة ( 77 ) من قانون الإجراءات الجنائية الحالي على ان ( للنيابة العامة و للمتهم و للمجني عليه و للمدعي بالحقوق المدنية و المسؤول عنها و لوكلائهم ان يحضروا جميع إجراءات التحقيق … ) (13).

 كذلك المشرع السوري قد أخذ بهذا الاتجاه عندما نص في  م ( 70 / 1 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ان ( للمدعي عليه و المسؤول بالمال و المدعي الشخصي و وكلائهم الحق في حضور جميع اعمال التحقيق ما عدا سماع الشهود )(14).     نلاحظ و من استقراء النصوص السابقة ان هذه التشريعات قد قصرت الحضور في التحقيق الابتدائي على الخصوم في الدعوى الجزائية و وكلائهم دون الجمهور (15).    والسؤال الذي يمكن ان يثار هنا هو : هل يجوز حضور غير الخصوم و وكلائهم إجراءات التحقيق ؟ أو بالأحـرى هل يجوز إعلام الجمهور بإجراءات التحقيق الابتدائي ؟

 للإجابة على هذا السؤال يمكن القول : ان قاعدة التحقيق علني للخصوم و سري للجمهور هي من خصائص التحقيق و ليس شكلاً جوهرياً لإجراءاته ، لذلك يمكن مخالفتها ، وان مخالفة هذه القاعدة  لا يترتب عليها البطلان (16).  لذلك ان حضور غير الخصوم في الدعوى و وكلائهم إجراءات التحقيق الابتدائي جائز . ففي القانون العراقي و بعد ان بينت الفقرة ( أ ) من المادة ( 57 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، الأشخاص الذين يجوز لهم حضور التحقيق الابتدائي ، جاءت الفقرة ( ج )  من المادة نفسها لتنص على انه ( لا يجوز لغير مَن تقدم ذكرهم حضور التحقيق إلا إذا أذِنَ القاضي بذلك ) وان هذه الفقرة تعني ان المشرع العراقي أجاز للحاكم ان يترك الفرصة لدخول اشـخاص من غير الخصوم في الدعوى الجزائية . ولكن السؤال هو : هل ان المشرع أجاز حضور الجمهور بصفة عامة لإجراءات التحقيق أم ان هذا الحق مقصور على أشخاص معينين ؟ . لقد أجاب جانب من الفقه العراقي على ذلك بالقول ، ان هذا الحق مقصور على أشخاص معينين ، كرجال الصحافة أو أعضاء الجمعيات الإنسانية أو الجمعيات التي تعنى بمشاكل الأحداث أو جهات معينة تقوم بالأبحاث الاجتماعية ، و لا يجوز للجمهور بصفة عامة ان يرتاد مكان التحقيق بحيث ينقلب التحقيق من سري للجمهور الى علني (17). و هذا الجواز الذي سمح به المشرع العراقي متوقف على عدم تحقق أي ضرر من جراء هذا الحضور، فضلاً عن ان لا يؤدي الى اٌضرار بالعدالة و عدم عرقلة سير التحقيق الابتدائي (18). و في القانون المصري و على الرغم من عدم وجود نص صريح يجيز حضور غير الخصوم كما في القانون العراقي ، و لكن يمكن القول انه أجاز هذا الحضور لغير الخصوم ، وهذا واضح من اتجاه محكمة النقض التي قضت في حكمهـا الصـادر في ( 9 نوفمبر  1959 ) بالنسبة الى تفتيش المتهم في حضور بعض الشهود ، بأن هذا الحضور لا يترتب عليه البطلان بل على العكس لان حضورهم يُعَد ضمانة أكيدة لسلامة الإجراءات (19). كما ان بعض الشراح المصريين يذهبون الى جواز ان يجري التحقيق الابتـدائي علانية بالنسبة للجمهور (20).  و يضيف أحد الباحثين المصريين ان إجراءات التحقيق الابتدائي قد تصل الى علم الجمهور لمقتضيات مصلحة التحقيق أحياناً او المصلحة العامة في أحيان أخرى . فبالنسبة لمصلحة التحقيق فان تحقيق هذه المصلحة قد تقتضي إذاعة بيانات عن المتهم و ذلك تسهيلاً للقبض عليه أو إذاعة بيانات عن المواد المسروقة تسهيلاً للعثور عليها ، فضلاً عن ان المحقق قد يكون بحاجة الى مساعدة الجمهور من أجل الإدلاء له بمعلومات تفيد التحقيق ، و لكن يجب الإشارة الى ان العلانية التي تقتضيها مصلحة التحقيق يجب ان تكون في الحدود الضيقة التي يستلزمها تحقيق هذه المصلحة (21). اما بالنسبة للمصلحة العامة و التي تتحقق من خلال إعلام الجمهور بمجريات التحقيق الابتدائي في المواضيع المهمة التي تمس أمنه و طمأنينته ، فأن هذه المصلحة أحياناً تقتضي العلانية في إجراءات التحقيق لكي يكون الرأي العام على علم ٍ بما تقوم به السلطة التحقيقية فلا يسيء فهمها ، كما ان المصلحة العامة تقتضي إعلام الجمهور بالإجراءات الصحيحة المتخذة من قبل سلطة التحقيق في حالة ما إذا انتشرت إشاعات غرضها تشويه الإجراءات الصحيحة في أذهان الناس (22). كما ان بعض إجراءات التحقيق ما تقتضي طبيعته ان يتم علانية مثل إجراءات التفتيش والقبض و المعاينة و مباشرة التجارب الفنية ، حيث ان هذه الإجراءات قد تصبح معلومة لعدد كبير من الناس ، و لكن الالتزام بالمحافظة على سرية هذه الإجراءات بالنسبة للجمهور يبقى قائماً لكي لا تصل أخبار التحقيق الى غير الأشخاص الذين اقتضت الضرورة او الظروف معرفتهم بهذه الأخبار (23).  من ذلك نخلص الى نتيجة هي ان التشريعات التي أخذت بالعلانية النسبية لم تأخذ بهذه القاعدة على نحو مطلق ، وانما اجازت الخروج عنها و اباحت حضور الجمهور او اطلاعه على بعض إجراءات التحقيق الابتدائي في حالات معينة .  لكن على الرغم من اتصال الجمهور في بعض الأحيان بإجـراءات التحقيق الابتدائي ، إلا ان القاعدة في هذه التشريعات تبقى هي العلانية النسبية أي اقتصار العلانية على الخصوم دون الجمهور .  لقد عرفنا فيما سبق ، ان قسم من التشريعات قد أخذت بالعلانية المطلقة ،و قسم آخر قد أخذت بالعلانية النسبية ،و لكن هناك بعض القوانين قد أخذت بالسرية المطلقة في إجراءات التحقيق الابتدائي بنصوص صريحة و لكنها عادت بعد ذلك و نصت على العديد من الاستثناءات على هذه القاعدة ، و هذه الاستثناءات تُعَد  مظاهر للعلانية النسبية في إجراءات التحقيق الابتدائي (24).    ومن خلال استطلاع النصوص في هذه القوانين نصل الى نتيجة مفادها ،انه حتى القوانين التي نصت على السرية المطلقة كقاعدة في التحقيق الابتدائي ،فانها جاءت بنصوص أخرى قررت فيها العديد من مظاهر العلانية النسبية ما يوحي لنا ان كل القوانين لا تستطيع ان تستغني عن العلانية النسبية في التحقيق الابتدائي باعتبارها ضمانة من ضمانات المتهم و لو انها لا ترقى الى مرتبة العلانية المطلقة كونها تُعَد ضمانة حقيقية للمتهم في هذه المرحلة ... .

______________________________________

1--  د .  جمال الدين العطيفي ، الحماية الجنـائية للخصومة من تأثيـر النشر ، دار المعارف ، مصر ، ص 369 .

2-  الاستاذ عبدالأمير العكيلي ، أصول الإجراءات الجنائية في قانون أصول المحاكمات الجزائية ، ج1 ، مصدر سابق ، ص 30 .

3 -  المصدر السابق أعلاه ، ص 31 – 32 .

4 -  د . حسن بشيت خوين ، ضمانات المتهم في الدعوى الجزائية خلال مرحلة التحقيق الابتدائي ، مصدر سابق ، ص 85 . 

5-  انظر بهذا الشأن  د .  محمد محي الدين عوض ، القانون الجنائي – إجراءاته في التشريعين المصري و السوداني ، ج2 ، المطبعة العالمية ، القاهرة ، 1964 ، ص 56 – 57 .

  6-  الاستاذ  د . عبدالأمير العكيلي و د .  سليم حربة ، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية ، ج1 ، مصدر سابق ، ص 112 . كذلك 

      - Celia Hampton , Criminale Procedure , 2 nd Edition , London , 1977, p .94 .          

  7-  د .  محمد محي الدين عوض ، العلانـية في قانون العقوبات ، مصدر سابق ، هامـش رقم (1)  ص 32 . وقد سار على هذا المسـلك قانون اصـول المحاكمات الجزائيـة لدولة البحرين لعام  1966 فـي  م ( 121 ) منه و ذلك بالقول ( يُعتبر المكان الذي تعقد فيه المحاكم جلساتها من اجل التحقيق او المحاكمة في أية جريمة علنياً يجوز للجمهور بصفة عامة  دخوله بقدر ما يتسع لهم ، و يشترط بأنه يجوز للمحكمة ان استحسنت ذلك ان تأمر في أية مرحلة من مراحل التحقيق او المحاكمة في أية قضية بمنع دخول الجمهور  كافة او بمنع دخول شخص معين في ذلك المكان او  بعدم السـماح لهم او له بالوجود او البقاء  فيه ) . كذلك قانون تحقيق الجنايات المصري  الملغي عندما جعل الأصل في التحقيق الذي يقوم به قاضي التحقيق ، العلانية المطلقة و أعطى الفرصة لكل مَن يشاء الحضور من الجمهور و ذلك في المادة ( 78 ) منه . أنظر  د .  رؤوف عبيد ، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري ، ط7 ، مطبعة نهضة مصر بالفجالة ، 1968 ، ص 384 .

8 -  د .  جمال الدين العطيفي ، مصدر سابق ، ص 48  مع هامش رقم  ( 3 ) .

9 -  د . عبدالستار سالم الكبيسي ، ضمانات المتهم قبل و اثناء المحاكمة ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1981، ص 574 – 577 .

10-  د. عبدالستار سالم الكبيسي ،المصدر اعلاه ، ص 577

11 -  د .  عبدالستار الكبيسي ، المصدر نفسه ، ص 604 - 605 .

12 -  د .  حسن المرصفاوي ، ضمانات المحاكمة …. ، مصدر سابق ، ص 11 .

13 -  نلاحظ ان قانون الإجراءات الجنائية الحالي قد أخذ بالعلانية النسبية على عكس قانون تحقيق الجنايات الملغي و الذي أخذ بالعلانية المطلقة بالنسبة للتحقيق الذي يقوم به قاضي التحقيق و ذلك في م ( 78 ) منه .

14-  و قد سار على نفس نهج هذه التشريعات المشرع الكويتي في قانون الإجراءات و المحاكمات الجزائية في  م ( 75 / 1 ) التي تنص على (( للمتهم و المجني عليه الحق في حضور جميع إجراءات التحقيق ،  و لكل منهما ان يستصحب معه محاميه …. )) كذلك  م ( 61 ) من قانون الإجراءات الجنائية الليبي .كما ان المشرع السوفيتي قد جعل التحقيق علنياً للخصوم في الدعوى الجزائية و وكلائهم و سرياً بالنسبة للجمهور . و هذه القاعدة يؤكدها ما جاء في المواد  ( 21 – 27 ) من أُسس تشريع الإجراءات الجنائية السوفيتي .

15 -  تجب الإشارة إلى ان هذه السرية بالنسبة للجمهور أي عدم السماح لهم بحضور إجراءات التحقيق الابتدائي لا تقتصر على المكان المخصص للتحقيق ( محكمة التحقيق او مركز الشرطة ) بل يجب ان تمتد إلى خارج هذا المكان فلو تم إجراء كشف على مكان الحادث او تفتيش احد المنازل بقرار من سلطة التحقيق فان ذلك يجب ان يجري بعيداً عن الجمهور لنفس السبب الذي اوجب السـرية في المكان المخصص للتحقيق .

16 -  د .  مأمون محمد سلامة ، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري ، دار الفكر العربي ، دار غريب للطباعة ، 1977 ، ص 509 .

17 -  الأستاذ  عبدالأمير العكيلي ، أصول الإجراءات الجنائية في قانون المحاكمات الجزائية ، ج1 ، مصدر سابق ، ص 310 .

18-  د .  سعيد حسب الله عبدالله ، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية ، دار الحكمة للطباعة و النشر ، الموصل ، ص 173 .

19 -  نقض  9 نوفمبر  1959 ، مجمـوعة احكـام النقـض ، السـنة العاشرة ، ص 857 . اشـار اليه د . جمال الدين العطيفي ، مصدر سابق ، ص 415 . و هذا الحكم يتعلق بتفتيش الاشخاص و الذي لم يشترط فيه القانون المصري حضور الشهود ، و لكن اذا حضر هؤلاء فلا يترتب على حضورهم البطلان . 

20-  د .  محمود مصطفى ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، ط8 ، دار مطابع الشعب ، 1962 – 1963 ، ص 232 . حيث قال الظاهر ان للمحقق ان يمنع الجمهور من الحضور اثناء التحقيق .

21 -  د . جمال الدين العطيفي ، مصدر سابق ، ص 435 – 436 .

22-   المصدر أعلاه ، ص 434 .

23 -   المصدر أعلاه ، ص 434 .

24-  من هذه القوانـين هو قانـون الإجـراءات الجنـائيـة الفـرنسي حيـث نصت  م ( 11 ) منه على ( ان الإجراءات التي تتم خلال مرحلة الاستدلالات و التحقيق الابتدائي تعتبر سرية ما لم ينص القانون على عكس ذلك ، مع عدم الاخلال بحقوق الدفاع ) . من هذا النص يتبين ان المشرع الفرنسي قد أخذ بالسرية المطلقة . و لكنه عاد بعد ذلك و خفف من هذه السرية و ذلك عندما سمح لمحامي المتهم بالإطلاع على محاضر التحقيق قبل كل استجواب و كذلك محامي المدعي المدني قبـل الاسـتماع الى اقـواله و ذلك في  م ( 118 / 3 ) إجراءات . وقد نص على إطلاع المدعي العام على التحقيق  م ( 82 / 2 ) إجراءات . كذلك سمح القانون بإعطاء بعض البيانات عن التحقيق لمأمور الضبط القضائي المندوب للتحقيق أو إعطاء هذه البيانات للخبير لتسهيل مهمته او إعطاء بعض المعلومات أو الايضاحات لرئيس غرفة الاتهام حتى يتمكن من ممارسة سلطته في الرقابة   م ( 220 ) إجراءات . انظر  د . حسن خوين ، ضمانات المتهم في الدعوى الجزائية خلال مرحلة التحقيق الابتدائي ، مصدر سابق ، هامش رقم ( 3 ) ص 86 . و بذلك فان القانون الفرنسي قد اتجه نحو العلانية النسبية بعد ان كان يأخذ بالسرية المطلقة .

و من القوانين التي سارت على هذا النهـج هو قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، حيث نص في  م ( 11 ) منه على ( تكون إجراءات التحري والتحقيق سرية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، و دون إضرار بحقوق الدفاع …  ) من هذا النص نجد ان المشرع الجزائري قد أخذ بالسرية المطلقة كأصل و العلانية استثناءً ، لكن بعد ذلك جاء و قرر العديد من الاستثناءات على هذه القاعـدة منها ما نص عليه في  م ( 82 ) من قانون الإجـراءات الجـزائيـة التي تنـص على إجــراء التفـتيش بحضـرة المتـهم . و المادة  ( 84 و  150 ) من نفس القانون اللتان تبينان بانه لا يجوز فتح الاحراز إلا بحضرة المتهم . كذلك أجاز المشرع في  م ( 96 ) لقاضي التحقيق ان يواجه الشاهد بالمتهم و ذلك بعد ان سن القاعدة الأصلية في المادة ( 90 ) التي مفادها ان الشهود يؤدون شهاداتهم أمام قاضي التحقيق فرادى بغير حضــور المتهم . كذلك  م ( 105 )  التي يفهم منها وجوب تقديم الملف او إعطائه الى محامي المتهم او الطرف المدني ،فضلاً عن نصوص أخرى نصَ عليها المشرع  الجزائري و قرر فيها استثناءات على قاعدة السرية المطلقة حتى ان المشرع الجزائري و لكثرة الاستثناءات التي اوردها على قاعدة السرية المطلقة يوحي لنا بأنه قلب الأصل الى استثناء و الاستثناء الى أصل . من خلال ذلك نرى ان المشرع الجزائري قد اتجه أيضاً نحو العلانية النسبية في إجراءات التحقيق الابتدائي .

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .