المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

unmarked (adj.)
2023-12-02
اسس المدرسة العراقية للتاريخ
16-8-2020
تلقيح وعقد البيكان
2023-12-06
الحديث الوارد حول آية ( إنّ الله اصطفى آدم ... ) في كتب السنة
27-11-2014
القسم بالقمر ومدلوله الاعجازي
23-11-2014
[تأكيد وجوب اللحاق بسرية اسامة]
24-12-2015


الدّلالة على وقوع التّحدّي بالقرآن  
  
2458   12:22 صباحاً   التاريخ: 15-1-2016
المؤلف : الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي
الكتاب أو المصدر : الموضح عن جهة إعجاز القرآن
الجزء والصفحة : ص 275-284 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /

المعتمد في تحدّيه صلّى اللّه عليه وآله بالقرآن حصول العلم لكلّ عاقل سمع الأخبار وخالط أهلها بذلك ، على حدّ حصوله بظهوره عليه وآله السّلام بمكّة ، وادّعائه النّبوّة ودعائه النّاس إلى نفسه ، إلى أمثال ما ذكرناه من أحواله الظّاهرة المعلومة.

ولا فرق بين من أنكر بعضها وأظهر الشّكّ فيه وبين من أنكر جميعها؛ لأنّ طريق العلم بالكلّ للعقلاء متّفق غير مختلف.

والواجب أن نعلم مرادنا بذكر التّحدّي الّذي ندّعي وقوع العلم به على هذا الوجه ولكلّ أحد؛ فإنّ كثيرا ممّن نفى العلم به وأظهر الشكّ فيه يقدّر أنّا نريد بالتحدّي [معنى‏] مخصوصا ، ولفظا يتضمّن التبكيت والتعجيز والمطالبة بفعل مثل القرآن مسموعا.

وليس مرادنا ذلك ، والّذي نريده ونحيل على العقلاء في العلم به وارتفاع الشّكّ فيه ، ما هو معلوم من قصده والظّاهر من حاله أنّه عليه وآله السّلام كان يحتجّ بالقرآن ويدّعي من جهته الإبانة والمزيّة ، وأنّ اللّه تعالى خصّه به وأيّده بإنزاله ، وينتظر نزول الوحي به ، وهبوط جبرئيل عليه السّلام بالشي‏ء منه بعد الشي‏ء.

وهذا ممّا لا يمكن أحدا دفعه ، ومن دفعه قام مقام الدافع لسائر ما عددنا.

وليس ينكر وقوع التجاهل ودفع الضّرورات من الواحد والاثنين ، ولا اعتبار بمثل ذلك فيما يعمّ العلم به وتزول الشّكوك فيه .

وهب أنّ قوما شكّوا في بعض ما ذكرناه- وإن كان لا طريق للشّكّ عليه- ونحن نعلم أنّ أحدا لا يشكّ في أنّه عليه السّلام كان ينتظر نزول الوحي بالقرآن ، ويدّعي أنّ جبرئيل عليه السّلام يتولّى إنزاله عليه ومخاطبته به ، وأنّه كان يجعل ذلك مزيّة له وإبانة.

وهذا غاية التّحدّي ونهاية ما يبعث على المساواة والمعارضة؛ لأنّه عليه وآله السّلام إذا ادّعى النبوّة وألزم البشر الانقياد له ومفارقة ما هم عليه من دين وعادة ورئاسة ، ولم يظهر منه شي‏ء يمكن أن يدّعي به الإبانة إلّا انتظاره للوحي بالقرآن. والدّواعي إذا متوافرة إلى مساواته في الأمر الّذي متى سوّي فيه لم يكن له مزيّة ولا في يده حجّة ولا شبهة ، فكان يجب أن يظهر كلّ واحد منهم- من العرب- مثل ما أظهره ويدّعي مثل ما ادّعاه ، ويفعل كلاما بعد كلام يظهر أنّ جبرئيل عليه السّلام- أو غيره من الملائكة- أنزله إليه ، ويتعمّد لانتظاره ووقت نزوله في الأوقات؛ فإنّ مثل القرآن- إذا لم يكن معجزا ولا ممنوعا عن معارضته- ممكن لهم ، وادّعاء نزول الملائكة به أدخل في باب التّمكّن؛ لأنّه ممكن لكلّ قادر على الكلام ، وإن كان الأوّل يختصّ بالتمكّن منه الفصحاء.

وممّا يبيّن أنّ الحال الّتي وصفناها تقوم مقام التحدّي بالقول والتقريع باللّفظ- بل ربّما زادت عليهما- أنّ أحدنا لو نال رئاسة في الدّنيا جليلة ، ووصل إلى منزلة رفيعة ، وأظهر أنّ له فضلا على غيره وتقدّما على سواه ، وأنّ ما ناله يستحقّه بما هو عليه ، وكان له مع ذلك أعداء ومنافسون يحسدونه ، ويثقل عليهم تقدّمه ووصوله إلى ما وصل إليه ، ويحبّون أن ينتقض أمره ، ويفسد حاله ، ولم يظهر لهم من أحواله ممّا كان كالذّريعة إلى تلك الرّتبة وبلوغ تلك المنزلة ، إلّا أمر من الأمور أو فعل من الأفعال لم يبن منهم إلّا به ، وهم طامعون في مساواته فيما أظهره و[فيما] يفسد أمره ، ويحلّ عقده ، ويبطل نظام رئاسته ؛ فإنّا نعلم أنّ ظهور هذه الحال في باب التحدّي والبعث على المساواة في الأمر الّذي تطلب‏ (1) الرئاسة بسببه ، أبلغ وأقوى من التحدّي بالقول والتقريع باللّفظ ، حتّى يقطع متى لم يقع من هؤلاء الحسّاد والأعداء مثل هذا الفعل الّذي ذكرناه ، على قصورهم عنه وتعذّره عليهم ، كما يقطع على القصور والتعذّر متى وقع الطّلب بالقول والتحدّي باللّفظ.

فإن قيل : كيف يصحّ أن يكون إضافته عليه وآله السّلام الكتاب إلى ربّه وانتظاره نزول الملك به تحدّيا ، فطلبا من القوم المساواة فيه ، وأنتم تعلمون أنّ موسى عليه السّلام كان يدّعي في التوراة مثل ذلك ، ولم يكن متحدّيا بها ، ولا هي معجز عند كلّ أحد ؟

قلنا : إنّا لم نجعل الإضافة وانتظار الوحي فقط هما المقتضيين للتّحدّي ، بل لوقوعهما على وجه الاحتجاج وادّعاء التميّز والتخصّص. وهذا معلوم من قصيده عليه السّلام ، وظاهر من حاله :

وموسى عليه السّلام لم يدّع قطّ نزول التّوراة على سبيل الاحتجاج على مخالفيه والإبانة منهم ، وإنّما كان يذكر ذلك لأصحابه وأتباعه ممّن عرف صدقه بغيرها من معجزاته .

على أنّ موسى عليه السّلام لمّا ادّعى النبوّة والإبانة أظهر ما جعله اللّه تعالى برهانا لنبوّته وتحدّى النّاس به ، كانقلاب العصا وغيرها ، ولم يقتصر على ادّعاء نزول التّوراة عليه؛ فوجب أن يطلب بمساواته فيما تحدّى بفعله وصرّح بالاحتجاج‏ (2) به .

ولو أنّه ادّعى النّبوّة والمزيّة ولم يظهر شيئا يدّعي به الإبانة والتخصيص أكثر من قوله : إنّ التّوراة كلام اللّه تعالى وأنّه يوحى بها إليّ ، لكان يجب على من حاجّه وقصد إلى إبطال أمره أن يساويه فيما احتجّ به ، ويظهر كلاما يدّعي فيه ما ادّعاه موسى عليه السّلام في التوراة ، ليبيّن للنّاس أنّه كغيره وأنّه لا مزيّة له .

وليس هكذا نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله؛ لأنّا نعلم ظهور شي‏ء على يده ، وادّعى به المزيّة والإبانة ، واحتجّ به في جميع الأحوال ، فجرى مجرى القرآن.

وليس لأحد أن يقول : فلعلّ تعويله في دلالة نبوّته إنّما كان على معجزاته الّتي ليست بقرآن ، كانشقاق القمر ، والميضأة (3) ، وحنين الجذع ، وما شاكل ذلك ، فلا يثبت لكم معنى التحدّي في القرآن من حيث ظهر عليه ، إذا كان قد أغنى عنه في باب الحجّة؛ وذلك لأنّا قد بيّنا أنّ المعلوم من قصيده صلّى اللّه عليه وآله في إضافته إلى ربّه تعالى ، وانتظار نزول الملك به طريقة الاحتجاج وادّعاء المزيّة ، فحاله إذن كحال غيره من المعجزات؛ إن ثبت أنّها ظهرت وادّعى بها النبوّة على حدّ ظهور القرآن.

فكيف وليس ذلك بثابت؛ لأنّه لا شي‏ء من معجزاته- سوى القرآن- يعلم ظهوره واحتجاجه وفزعه إليه على حدّ العلم بالقرآن؟! وإنّما يرجع في إثبات هذه المعجزات إلى ضروب من الاستدلال والطّرق التي يعترضها كثير الشّبهات ، ولا يحتاج إلى شي‏ء منها في القرآن.

على أنّه لا شي‏ء من معجزاته صلّى اللّه عليه وآله إلّا وقد تقدّم ادّعاءه للنّبوّة ومطالبته الخلق‏ (4) بالانقياد له والدّخول تحت طاعته (وجوده وظهوره) (5) سوى القرآن؛ فكيف يصحّ نفي جعله عليه السّلام دليل نبوّته؟

*** وممّا يعتمد عليه في ثبوت التّحدّي بالقرآن :

أنّا قد علمنا ادّعاءه عليه وآله السّلام النبوّة ، وإلزامه النّاس طاعته والدّخول في ملّته . ولا بدّ لمن دعا إلى مثل هذه الحال- بل إلى ما هو دونها- من إظهار أمر ما يقوم مقام الحجّة والدّلالة؛ لأنّ أحدا من الفضلاء لا يجوز أن يقدم على مثل هذه الدعوى من غير تعلّق بحجّة أو شبهة. حتّى أنّ جميع المتنبّين وضروب الممخرقين‏ (6) قد فزعوا ، فيما ادّعوه ودعوا إليه ، إلى تعلّق أشياء ادّعوا أنّها حجج وبراهين؛ فلو ساغ أن يقدم على ما ذكرناه عاقل مع بعده ، لم يجز- لمن ادّعى عليه الرئاسة ، وطالبه بالطّاعة والانقياد ، وألزمه مفارقة دينه وعادته- ألّا يطالبه بحجّة على قوله وبرهان على وجوب اتّباعه .

فكيف يصحّ أن يدّعي نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله- من بين جماعة العرب- النّبوّة والرئاسة ، ويطالبهم بالانسلاخ من جميع ما ألفوه وعرفوه من العبادات ، والعادات والأفعال ، من غير أن يظهر شيئا يجعله كالحجّة على صحّة أمره وصدق قوله ، ولا يكون فيهم من يطالبه بذلك ، مع علمنا بتوفّر دواعيهم وشدّة حرصهم على تكذيبه وتوهين أمره ، وأنّهم قد تحمّلوا في طلب ذلك المشاقّ ، وبذلوا فيه الأنفس‏ والمهج ، وتعلّقوا بكلّ أباطيل وشبهة ، وكان من جميع ما تكلّفوه أن يطالبوه بحجّة على قوله ، ويواقفوه على أنّه مطالب بما لو طولب بمثله لم ينفصل؟! وكيف جاز أيضا من جماعة من عقلائهم وفضلائهم ومن لا ينسب إلى عناد ولا يرمى بقلّة تديّن وتحرّج ، أن ينقادوا له ويتّبعوه؟! بل كيف جاز من جميع المستجيبين- مع كثرتهم ووفور عدّتهم ، وعلمنا بتديّن أكثرهم- أن يتّبعوه ويؤازروه ويصدّقوه ، وهو لم يظهر شيئا يقتضي التّصديق ، إمّا بالحجّة أو الشّبهة؟! وكلّ هذا لو جاز لكان فيه نقض العادة وخروج عن المعهود المألوف فيها ، ولكان يقتضي الإعجاز والدّلالة مثل ما يقتضيه التحدّي بالقرآن ، بل ما هو أظهر منه في باب الأعجوبة؛ فكان المدافع للتحدّي بالقرآن لا يتمكّن من دفعه الاعتراف بما يجري في الإعجاز مجراه ويزيد عليه .

وإذا وجب- بجميع ما ذكرناه- أن يكون عليه وآله السّلام محتجّا بأمر ما ، ومدّعيا به الإبانة والتميّز ، ولا شي‏ء يدّعى فيه ذلك إلّا وحال القرآن أظهر ، ولا طريق إلى إثباته عليه وآله السّلام متحدّيا ومحتجّا بغيره إلّا وهو على أوضح الوجوه ، فقد (7) صحّ التحدّي بالقرآن ، وصار ما دلّ على ثبوت التحدّي بأمر من الأمور في الجملة يدلّ- بالتّرتيب الّذي رتّبناه- على ثبوت التحدّي بالقرآن بعينه .

*** وممّا اعتمد في العلم بالتّحدّي :

أنّ القرآن قد صحّ نقله بالتّواتر الّذي صحّ به أمثاله . وآيات التّحدّي المتضمّنة للتّوبيخ والتّعجيز في صحّته ، من‏ (8) جملته . وقد كان القوم يسمعونها حالا بعد حال ، وفيها من التّحريك والإزعاج ما هو معلوم. وهذه الآيات نزلت بمكّة ، والعلم بنزولها هناك مستفاد بالنّقل الّذي به علم نزولها في الجملة ، فليس لأحد أن يشكّك في تقدّم نزولها ، ويقول : لعلّها ممّا نزل في آخر الأمر! على أنّه لو ثبت تأخير نزولها لكان ما قصده من إثبات التحدّي بالقرآن حاصلا على كلّ حال ، ولا فرق بين تقدّمه وتأخّره في الدّلالة إذا علمنا أنّ المعارضة لو كانت ممكنة لوجب وقوعها.

وسنبيّن فيما يأتي بمشيئة اللّه تعالى أنّ اختلاف الأحوال ، وزيادة عدد الأنصار وقلّتهم ، وقوّة الأمر وضعفه ، لا تأثير له في ذلك ، وأنّ المعارضة لو أمكنت لوقعت على تصرّف الحالات.

وربّما طعن طاعنون في هذه الطّريقة بأن يقولوا :

من أين علمتم أنّ آيات التحدّي من جملة القرآن الّذي سمعه العرب وتلي عليهم ، ولعلّها مضافة إلى الكتاب بعد تلك الأزمان؟

وكيف يصحّ أن يجمعوا بين جملة القرآن- وما جرى مجراه من الأقوال الظّاهرة- وبين تفصيل آياته وكلمه في وقوع العلم وزوال الرّيب؟ وأنتم تعلمون أنّ العلم بجملته مخالف العلم بتفصيله ؛ لأنّ العلم الأوّل يشترك فيه جميع العقلاء المخالطين لأهل الأخبار من غير اختصاص ، ولا يصحّ دخول الشّبه عليه منهم.

والثّاني يدّعيه قوم من جملتهم ، ولو شكّكوا فيه لشكّ أكثرهم ، فيجب أن يصحّحوا أنّ حكم آيات التّحدّي حكم جملة القرآن ، ليصحّ ما ادّعيتموه .

والجواب عن هذا الطّعن :

أنّا لا نشكّ في الفرق بين العلم بجملة القرآن وتفصيله ، من الوجوه التي ذكرت‏ (9) ، لأنّ العلم بجملته لا يشكّ في عمومه وزوال الشّبه عنه ، والعلم بتفصيله يجوز دخول الشّبه فيه .

ولسنا نرتضي طريقة من سوّى بين الأمرين وادّعى أنّ العلم بالتفصيل كالعلم بالجملة ، وأنّ من دفع العلم بالحرف والكلمة والآية ، في أنّه دافع لما يعلمه ضرورة ، كالدافع بجملة الكتاب.

غير أنّه ليس إذا لم يقع العلم بالشي‏ء ضرورة- إن جعل العلم بجملة القرآن من باب الضّرورة ، أو على وجه لا مجال للشكّ والشّبه عليه- وجب أن ينفي ويمنع من أن يكون إلى العلم به طريق.

والعلم بآيات التحدّي وما جرى مجراها ، من تفضيل القرآن ، وإن لم يكن على حدّ العلم بجملته؛ فإلى العلم بها طريق واضح ، وهو نقل جماعة المسلمين وتواترهم؛ لأنّهم بأجمعهم ينقلون أنّ هذه الآيات ممّا كان يتلى على عهد الرّسول عليه وآله السّلام في جملة الكتاب. وقد علمنا أنّ شروط التّواتر حاصلة فيهم ، بل في كلّ فرقة من فرقهم؛ فيجب أن يعلم بخبرهم صحّة نقل هذه الآيات ، وبطلان قول من قدح في إثباتها.

على أنّ آيات التحدّي ليس يخلو حالها من وجهين : إمّا أن تكون من جملة ما كان يقرأه الرّسول صلّى اللّه عليه وآله ويحتجّ به على القوم ، أو لا تكون كذلك وتكون مضافة إلى الكتاب بعد أن لم تكن فيه .

فإن كانت على الوجه الأوّل : فقد ثبت ما أوردناه من التّحدّي على آكد الوجوه .

وإن كانت على الوجه الثّاني : فقد كان يجب أن يكون التعلّق بها في وقوع التحدّي حادثا مستقبلا ، ولو كان كذلك ما أمسك اليهود والنّصارى وسائر الطّوائف الخارجة عن دين الإسلام عن مواقفة أهل الإسلام على ذلك؛ لأنّ إمساكهم لا يخلو أن يكون مع العلم بحالهم فيما أضافوه إلى كتابهم ، أو مع عدم العلم به ، ولأنّ ما فعلوه ممّا يجوز أن يخفى عليهم.

ولن يجوز أن يمسكوا مع العلم؛ لعلمنا بتوفّر دواعيهم ، وشدّة تعلّقهم وتوصّلهم إلى كلّ أمر هجّن الإسلام وأهله ، وأدخل الشّبه على معتقديه .

ولا يجوز أيضا أن يكون ذلك ممّا خفي عليهم؛ لأنّهم إذا كانوا من الاختلاط بأهل الإسلام على ما هو معروف ، وعلمنا أنّ احتجاج المسلمين عليهم في النبوّة متّصل غير منقطع ، سلفا على سلف ، وخلفا على خلف ، فلا بدّ متى ظهر منهم في باب التحدّي والاحتجاج على صحّة ما لم يعرفوه ، ثمّ أضافوه إلى قولهم- بعد أن لم يضيفوه إليه- أن يعلموا بذلك من حالهم ، ويواقفوهم عليه ، ويحتجّوا عليهم به .

أ لا ترى أنّ المسلمين- بعد ما سبق لهم من الاحتجاج في المعجزات الّتي دلّ عليها الكتاب والّتي لم يدلّ عليها ما سبق- لو أضاف بعضهم إلى القرآن آية أو آيات تتضمّن ذكر معجزة باهرة لم يقدّم ذكرها والاحتجاج بها ، ثمّ حاجّ بها مخالفي الملّة- لوجب أن يعلموا محاله ، ويواقفوا على أنّ ما فعله مبتدع لم يتقدّم وجوده ؟

وإذا صحّ ما ذكرناه- ولم يكن أحد من مخالفي الإسلام يدّعي أنّ آيات التحدّي ممّا حدث الاحتجاج بها ، وأن يشير إلى زمان بعينه ذكرت فيه ، ولم تكن مذكورة قبله ، ولا أنّ أحدا وقف على ذلك ولا ادّعاه- فقد ثبت أنّها من جملة الكتاب الّذي أظهره الرّسول صلّى اللّه عليه وآله .

وقد اعتمد بعض المتكلّمين في ثبوت التّحدّي بالقرآن على ما نقل من قول‏ الوليد بن المغيرة في القرآن : «إنّي قد سمعت الشّعر والخطب ، وليس هذا منه في شي‏ء» ، ووصفه له بأنّه سحر! وقول أميّة بن خلف : «لو نشاء لقلنا مثل هذا».

وإحضار بعضهم أخبار الفرس ، وادّعائه أنّه معارض للقرآن.

قال : لأنّ التحدّي لو لم يكن واقعا به ومعلوما من جهته ، لم يكن لجميع ذلك معنى.

وليس هذا ممّا يصحّ الاعتماد عليه؛ لأنّ جميع ما ذكر ليس بمعلوم ولا مقطوع عليه ، وإنّما المرجع فيه إلى أخبار آحاد. وليس يصحّ أن يثبت التحدّي من طريق الظنّ ، بل لا بدّ فيه من العلم اليقين.

والكتاب- وإن نطق ببعض هذه الأخبار- فليس يصحّ الاعتماد عليه في صحّتها؛ لأنّ الكتاب لا يكون حجّة ومقطوعا على صحّة أخباره إلّا بعد صحّة التّحدّي به ، فكيف يصحّ أن يرجع في إثبات التحدّي إلى ما لا يعلم إلّا بعد ثبوته؟! على أنّ قول أميّة بن خلف : «لو نشاء لقلنا مثل هذا» لا يدلّ على أنّه تحدّي به وطولب بفعل مثله . وقد يقول الإنسان هذا مبتدئا فيما لا يدعى إليه .

وكذلك تعجّب الوليد منه ووصفه بأنّه سحر لا يدلّ على أكثر من استغرابه له واستطرافه . فأمّا الاستدلال به على التحدّي فبعيد ، والمعتمد على ما تقدّم.

________________________

  1. في الأصل : تقلب ، والظاهر ما أثبتناه.
  2. في الأصل : الاحتجاج ، والمناسب ما أثبتناه.
  3. الميضأة : الموضع الذي يتوضّأ فيه ، أو المطهرة التي يتوضّأ منها. ذكره المؤلف في فصل( في الدلالة على صحّة ما عدا القرآن من معجزاته صلوات اللّه عليه وآله) من كتابه المغني ص 404 ، فقال : « ومنها خبر الميضأة وأنّه وضع يده فيها ، وكان الماء يفور بين أصابعه ، حتّى شرب الخلق الكثير من تلك الميضأة ورووا». وهذا الخبر مرويّ باختلاف في الألفاظ ، راجع تفصيل ذلك في : بحار الأنوار 17/ 286؛ دلائل النبوّة 6/ 132؛ مسند أحمد بن حنبل 5/ 398.
  4. في الأصل : للحقّ ، والمناسب ما أثبتناه.
  5. كذا في الأصل : وفيه اضطراب بيّن.
  6. أي من يأتي بالخوارق من المشعبذين.
  7. قبلها في الأصل زيادة : طريق إلى إثباته متحدّيا. وهو سهو من الناسخ.
  8. في الأصل : ومن ، والمناسب ما أثبتناه.
  9. في الأصل : الذي ذكر ، والمناسب ما أثبتناه.



وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .