أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2015
905
التاريخ: 23-11-2014
1123
التاريخ: 10-12-2015
1166
التاريخ: 10-12-2015
1019
|
في قبال الأدلّة الكثيرة على لزوم إرسال الأنبياء عليهم السلام المتقدّمة، والتي نالت قبول الأكثرية القاطعة من العقلاء في العالم، نجد أنّ مذهب البراهمة «1» نفى ضرورة بعث الأنبياء عليهم السلام من الأساس، بل اعتبرها مستحيلة وغير معقولة، لاعتقاده بكفاية ما يعينه العقل للإنسان! وقد نقل الشهرستاني في كتاب «الملل والنحل» بعضاً من شبهاتهم حول هذا الموضوع وقال :
أ) أنّ الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين : فإمّا أن يكون معقولًا وإمّا أن لا يكون معقولًا، فان كان معقولًا فقد كفانا العقل التامّ بإدراكه والوصول إليه، فأي حاجة لنا إلى الرسول؟ وإن لم يكن معقولًا فلا يكون مقبولًا، إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حدّ الإنسانية ودخول في حدّ البهيميّة.
ب) قد دلّ العقل على أنّ اللَّه تعالى حكيم والحكيم لا يتعبّد الخلق إلّا بما تدلّ عليه عقولهم، وقد دلّت الدلائل العقليّة على أنّ للعالم صانعاً عالماً قادراً حكيماً، وأنّه أنعم على عباده نعماً توجب الشكر، فننظر في آيات خلقه بعقولنا ونشكره بآلائه علينا ... وإذا عرفناه وشكرنا له استوجبنا ثوابه وإذا أنكرناه وكفرنا به استوجبنا عقابه فما بالنا نتّبع بشراً مثلنا؟!
ج) إنّ أكبر الكبائر في الرسالة اتّباع رجل هو مثلك في الصورة والنفس والعقل، يأكل ممّا تأكل ويشرب ممّا تشرب حتّى تكون بالنسبة إليه كجماد يتصرّف فيك رفعاً ووضعاً، أو كحيوان يصرفك أماماً وخلفاً، أو كعبد يتقدّم إليك أمراً ونهياً، فأي تفوّق له عليك؟ وأيّة فضيلة أوجبت استخدامك؟، وما دليله على صدق دعواه؟ وما فضل حديثه على غيره؟ ولو أنّهم جاؤا بأشياء تفوق العادة، فانّ هناك من يخبر عن المغيبات أيضاً.
د) قد دلّ العقل على أنّ للعالم صانعاً حكيماً، والحكيم لا يتعبّد الخلق بما يقبح في عقولهم، وقد جاء أصحاب الشرائع بمستقبحات من حكم العقل : كالإحرام والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وأمثالها، فما فائدتها؟ لماذا حرّموا بعضاً من طعام الإنسان وحلّلوا ما يكون مضرّاً؟ «2».
الجواب :
يمكن الإجابة عن هذه الشبهات بسهوله :
أ) يجب ألّا ننسى أنّ معلوماتنا وإدراكاتنا العقليّة ما هي إلّا قطرة من محيط عظيم وغيض من فيض بالنسبة إلى مجهولاتنا، وهذه الحقيقة يعترف بها جميع العلماء والمفكّرين سواءً من الإلهيين أو المادّيين.
فمن يقول إنّ رسالات الأنبياء عليهم السلام إمّا أن تكون موافقة لعقولنا أو مخالفة، فإنّه يفهم من كلامه أنّ العقل يدرك كلّ شيء! لكنّ الأمر ليس كذلك، بل هناك شقّ ثالث أوسع من صاحبيه، وهو تلك الامور التي ليس لنا علم بها أصلًا ولا يمكننا نفيها ولا إثباتها، لكن حينما تثبت إجمالًا عن طريق الأدلّة التي سنشير إليها فيما بعد بأنّ الأنبياء عليهم السلام يتكلّمون نيابة عن اللَّه تعالى ويخبرون من علمه اللامحدود فإنّه سوف لن يبقى هناك مجال سوى قبولها والإذعان بصحّتها.
فإشكال البراهمة الأوّل يشبه قولنا بعدم لزوم التوجّه إلى الاستاذ والاستفادة من علمه وتجربته، لأنّ ما يقوله الاستاذ إمّا أن يكون موافقاً لعقل التلميذ أو لا، ففي الحالة الاولى لا حاجة للذهاب وفي الحالة الثانية لا يجب التسليم وقبول قول الاستاذ.
وبديهي أنّ هذا الكلام صبياني لا يخفى جوابه على أي مفكّر، فالأستاذ إنّما يعلّم التلميذ أشياء يعجز عقله عن نفيها أو إثباتها بالإضافة إلى ذلك فقد يلتبّس الأمر علينا فنقع في الشكّ والإضطراب أحياناً في مسائل عرفناها بصورة صحيحة فلا ندري هل فهمناها بصورة صحيحة أم لا؟
وبدون شكّ فانّنا سنطمئن ونتيقّن إذا ما أيّدها الأنبياء وصدّقوها، لذا فنحن محتاجون إلى الأنبياء في كلّ الامور سواء علمناها أم لم نعلمها، (فتأمّل).
ب) صحيح أنّنا نعرف اللَّه تعالى بالأدلّة العقليّة، وأنّ حكم العقل هو الذي يفرض علينا شكر نعمه، لكنّ هذا لا يكفي، فطريق السعادة والكمال الإنساني مليء بالعقبات والمخاطر، ولابدّ من وجود أشخاص مجهّزين بالقدرة الإلهيّة والإمدادات الغيبية ليأخذوا بأيدينا عند اجتيازنا لهذه المخاطر.
نحن لا نقتدي بإنسان مثلنا أبداً، بل بإنسان له اطّلاع واسع جدّاً، وعلمه متصل بعلم اللَّه اللامحدود عن طريق الوحي، واتّباع شخص كهذا منطقي جدّاً.
ج) ممّا تقدّم يتّضح الجواب على الإشكال الثالث أيضاً، إذ إنّ إطاعتنا لأوامر الأنبياء عليهم السلام والوقوف رهن إشارتهم لتقواهم التي لا مثيل لها والتي لمسناها فيهم.
نحن نضع أحياناً قلوبنا وعقولنا التي تعدّ أهمّ وأعزّ أعضائنا تحت تصرّف الجرّاح الذي نثق به، فينهال عليها بمبضعه، وحينما نوافق على تخديرنا من قبله ليفعل ما يريد، فهل يُعدّ هذا العمل حماقة؟
بديهي إنّه ليس كذلك، فعلم ومعرفة الطبيب الجرّاح من جهة، وحسن ظنّنا بعمله من جهة اخرى، يبعثان على التسليم له بلا قيد أو شرط، ولا يخفى أنّ الأنبياء عليهم السلام الإلهيين يفوقون الطبيب علماً وتقوى بكثير.
د) أي أمر غير منطقي يوجد في تعليمات الأنبياء عليهم السلام؟ فهل مراسم الحجّ والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات والإحرام هي خلاف العقل؟
إنّ تأمّلًا بسيطاً في فلسفة هذه الأعمال يكشف عن مدى حكمتها، وكيف أنّها تربّي الإنسان تربية صالحة.
فنحن نخرج عند الإحرام من حجاب عالم المادّة، ونترك كلّ الفوارق القوميّة والعرقية والطبقية جانباً ونقف كلّنا سواسية ونترك كلّ ما يشغل القلب جانباً ولو مؤقتاً، ونتفرّغ ل «معرفة وجودنا وخالقنا» في عالم معنوي خالص.
والجمرات الثلاث تمثّل الشيطان، إذ نرميه بالحصى سبع مرّات متعاقبة، وبهذا نعلن عن رفضنا واستيائنا من الاعمال والأفكار الشيطانية.
وعند السعي بين الصفا والمروة نتذكّر سعي «هاجر» تلك المرأة الطاهرة المؤمنة وجهدها لنجاة وليدها «إسماعيل»، فنطوي المسافة بين الصفا والمروة عدّة مرّات.
وقصارى الكلام، إنّ الأعمال التي ننجزها يعتبر كلّ واحد منها مثالًا لبرنامج تربوي مسبق، وعند الانتهاء نشعر بأنّنا قد حصلنا على شخصيّة جديدة ومعرفة جديدة عن اللَّه تعالى وعن نفوسنا، ذلك الإحساس الذي يحصل لكلّ إنسان بعد مراسم الحجّ.
إنّ تحريم الأنبياء عليهم السلام بعض المواد الغذائية والمشروبات مثل «الخمر» و «لحم الخنزير» إنّما للأضرار الكامنة فيها والتي غفل الناس عنها سابقاً ثمّ اطلعوا عليها بالتدريج في هذا العصر، فنحن لا نعرف شيئاً حلّله الأنبياء عليهم السلام وتسبّب في ضرر الإنسان ماديّاً أو معنويّاً.
وخلاصة القول، إنّ هذه الإشكالات الأربعة للبراهمة قد نشأت عن جهلهم بالأنبياء عليهم السلام أو تعليماتهم من جهة وعدم معرفتهم لمدى قدرة العقل من جهة اخرى، وبهذا نصل إلى نهاية البحث حول فلسفة «البعثة».
___________________________
(1) مذهب البراهمة هو من أقدم المذاهب المعروفة التي ظهرت في المشرق، ومركزه الأصلي «الهند»، قال الشهرستاني في كتاب «الملل والنحل» : هذا الاسم مأخوذ من اسم «براهام» مؤسس هذا المذهب، في حين أنّ «فريد وجدي» يقول في «دائرة المعارف» : إنّ هذا الاسم مشتقّ من اسم أحد آلهتهم الكبيرة أي «براهما»، والبراهمة وفضلًا عن إنكارهم للنبوّة يعتقدون بنوع من التثليث أي الآلهة الثلاثة.
(2) الملل والنحل، الشهرستاني، الباب 4، آراء الهند، الفصل 1- البراهمة- ص 250.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|