أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-10-2014
1746
التاريخ: 24-04-2015
3263
التاريخ: 21-09-2015
2284
التاريخ: 24-04-2015
2207
|
ربّما كان بعض السلف يحتشم القول في القرآن خشية أن يكون قولاً على الله بغير علم ، أو تفسيراً برأيه الممنوع شرعاً (1). وتبعهم على ذلك بعض الخلف ، فأمسكوا عن تفسير القرآن سوى ما ورد فيه أثر صحيح ونقل صريح.
فقد أخرج الطبري بإسناده إلى أبي معمر ، قال : قال أبو بكر : «أيّ أرض تقلّني ، وأيّ سماء تظلّني إذا قلت في القرآن ما لا أعلم» ، وفي رواية أخرى أيضاً عنه : «إذا قلت في القرآن برأيي» (2).
وهذا عند ما سُئل عن «الأبّ» في قوله تعالى : {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } [عبس : 31 ، 32] ، فقد أخرج السيوطي بإسناده إلى إبراهيم التميمي ، قال : سُئل أبو بكر عن قوله تعالى : (وَأَبّاً) فقال : «أيّ سماء تظلّني ، وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم» (3).
وهكذا روي عن عمر أنّه جعل التكلّم في الآية تكلّفاً يجب تركه وإيكاله الى الله ، فقد أخرج السيوطي بعدّة أسانيد أنّ عمر قرأ على المنبر : {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا } [عبس : 27 ، 28]إلى قوله : (وأبّاً) قال : كلّ هذا قد عرفناه فما الأبّ؟ ثم رفض عصاً كانت في يده ، فقال : «هذا لعمر الله هو التكلّف ، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ ، اتّبعوا ما بيّن لكم هُداه من الكتاب فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه» (4).
وعن عبيد الله بن عمر قال : لقد أدركت فقهاء المدينة ، وأنّهم ليعظِّمون القول في التفسير ، منهم : سالم بن عبدالله ، والقاسم بن محمّد ، وسعيد بن المسيّب ، ونافع.
وعن يحيى بن سعيد قال : سمعت رجلاً يسأل سعيد بن المسيّب عن آية من القرآن ، فقال : «لا أقول في القرآن شيئاً». وفي رواية أخرى : أنّه كان إذا سُئل عن تفسير آية من القرآن قال : «أنا لا أقول في القرآن شيئاً» وكان لا يتكلّم إلاّ في المعلوم من القرآن. قال يزيد : وإذا سألنا سعيداً عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
وعن ابن سيرين قال : سألت عبيدة السلماني عن آية ، قال : «عليك بالسداد ، فقد ذهب الذين علموا فيم أُنزل القرآن».
وجاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبدالله فسأله عن آية من القرآن ، فقال له : «أُحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت عنّي ، أو قال : أن تجالسني».
وروي عن الشعبي قال : «ثلاث لا أقول فيهنّ حتّى أموت : القرآن والروح والرأي» وكان يقول : «والله ما من آية إلاّ قد سألت عنها ، ولكنّها الرواية عن الله».
وروي عنه أنّه قال : «أدركتهم ـ أي الأوائل ـ وما شيء أبغض إليهم أن يسألوا عنه ، ولا هم له أهيب من القرآن» ذكره صاحب كتاب المباني (5).
ورووا في ذلك بطريق ضعيف عن عائشة قالت : ما كان النبي (صلى الله عليه و آله) يفسّر شيئاً من القرآن إلاّ آياً تعدّ علّمهنّ إياه جبريل (6). أي أنّه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يفسّر إلاّ القلائل من الآيات ، تلك القلائل أيضاً كان بوحي وتوقيف ، ولم يكن عن فهمه.
وروي عن إبراهيم قال : «كان أصحابنا يتّقون التفسير ويهابونه».
قال ابن كثير : «فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف ، محمولة على تحرّجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه ، فأمّا من تكلّم بما يعلم من ذلك لغةً وشرعاً فلا حرج عليه. ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ، ولا منافاة; لأنّهم تكلّموا فيما علموه وسكتوا عمّا جهلوه ، وهذا هو الواجب على كلّ واحد ، فإنّه كما يجب السكوت عمّا لا علم له به ، فكذلك يجب القول فيما سُئل عنه ممّا يعلمه; لقوله تعالى : {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران : 187] (7)».
وبعين ذلك ذكر ابن تيميّة في مقدمته (8).
وقال ابن جرير الطبري : «إنّ معنى «إحجام» من أحجم عن القيل في تأويل القرآن وتفسيره من علماء السلف ، إنّما كان إحجامه عنه حذراً أن لا يبلغ أداء ما كلّف من إصابة صواب القول فيه ، لا على أنّ تأويل ذلك محجوب عن علماء الأُمّة غير موجود بين أظهرهم».(9)
قلت : والدليل على صحّة ذلك أنّ من تحرّج من القول في معاني القرآن من السلف كانوا هم القلّة القليلة من الأصحاب والتابعين ، أمّا الأكثريّة الساحقة من علماء الأُمّة ونبهاء الصحابة فقد عنوا بتفسير القرآن وتأويله عنايةً بالغةً ، كانت الوفرة الوفيرة من رصيدنا اليوم في التفسير.
قال ابن عطيّة : وكان جلّة من السلف ، كثير عددهم ، يفسّرونه ، وهم أبقى على المسلمين في ذلك ، فأمّا صدر المفسّرين والمؤيَّد فيهم فعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، ويتلوه عبدالله بن عباس ، وهو تجرّد للأمر وكمَّله وتتبّعه ، وتبعه العلماء عليه; كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما ، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال ابن عباس : ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب.
وكان عليّ بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ، ويحضّ على الأخذ عنه ، وكان عبدالله بن مسعود يقول : نِعْم ترجمان القرآن عبدالله بن عباس.
وهو الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «اللّهم فقِّهه في الدين» ، وحسبك بهذه الدعوة. وقال عنه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : «ابن عباس كأنّما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق».
ويتلوه عبدالله بن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبدالله بن عمرو ابن العاص.
ثم قال : «وكلّ ما أُخذ عن الصحابة فحسن متقدّم» (10).
وأمّا حديث عائشة ـ فضلاً عن تكلّم ابن جرير وابن عطيّة وغيرهما في تأويله وضعف سنده ـ فالأرجح في تأويله أنّه (صلى الله عليه وآله) كان يفسّر لهم القران أعداداً فأعداداً ، كلّ فترة عدداً خاصّاً حسبما كان جبرئيل يلهمه عن الله جلّ جلاله ، ولم يكن التعليم فوضىً من غير انتظام. وسيوافيك حديث ابن مسعود في ذلك : «كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتّى يعرف معانيهنّ».
قال صاحب كتاب المباني : وأمّا ما روي عن عائشة ، فإنّ ذلك يدلّ على أنّه (عليه السلام)كان يحتاج مع ما أُنزل عليه من القرآن إلى تفسير آيات يعلّمهنّ إيّاه جبريل (عليه السلام) ، وتلك آيات معدودة قد أُجملت فيها أحكام الشريعة ، بحيث لا يوقف عليه إلاّ ببيان الرسول عن الله تعالى.
وأمّا ما ذكروه من امتناع من امتنع من القول في التفسير ، فإنّ ذلك بمنزلة من امتنع منهم عن الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ فيما لم يجد فيه بدّاً.
ولذلك قلّت روايات رجال من أكابر الصحابة مثل : عثمان وطلحة والزبير وغيرهم. روى عامر بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال : قلت للزبير : مالي لا أسمعك تحدّث عن رسول الله كما أسمع ابن مسعود وفلاناً و فلاناً؟ فقال : أما إنّي لم أُفارقه منذ أسلمت ، ولكنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : «من كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار».
وقيل لربيعة : «إنّا لنجد عند غيرك من الحديث ما لا نجد عندك! فقال : ما عندهم شيء إلاّ وقد سمعت منه ، ولكنّي سمعت رجلاً من آل الهدير يقول : صحبت طلحة ، وما سمعته يحدّث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ حديثاً واحداً».
قال : «وهذا عبدالله بن عباس لم يدع آية في القرآن إلاّ وقد ذكر من تفسيرها على ما روت عنه الرواة ، ولذلك قيل : ابن عباس ترجمان القرآن».
وروي عن أبي مليكة قال : رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس في تفسير القرآن ومعه ألواحه ، فيقول ابن عباس : اكتبه ، حتّى سأله عن التفسير كلّه.
وروي عن سعيد بن جبير أنّه قال : من قرأ القرآن ولم يفسّره كان كالأعمى أو كالأعرابي.
وروى مسلم عن مسروق بن الأجدع قال : كان عبدالله يقرأ علينا السورة ثمّ يحدّثنا فيها ، ويفسّرها عامّة النهار .
وعن أبي عبدالرحمان قال : حدّثونا الذين كانوا يقرئوننا أنّهم كانوا يستقرئون من النبي ، فكانوا إذا تعلّموا عشر آيات لم يخلفوها حتّى يعلموا ما فيها من العمل ، فيعلموا القرآن والعمل جميعاً .
وعن ابن مسعود : كان الرجل منّا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتّى يعرف معانيهنّ.(11)
وإليك بعض الكلام عن حديث المنع من التفسير بالرأي ، والذي هابه هؤلاء فأحجموا عن القول في القرآن.
______________________
1 . وسيوافيك البحث عن حديث المنع.
2 . تفسير الطبري 1 : 27.
3 . الدرّ المنثور 6 : 317.
4 . تفسير الطبري 30 : 38 ـ 39 ، الدرّ المنثور 6 : 317 ، ورَفَضَ الشيء : رماه.
5 . المباني في نظم المعاني للعاصمي : 184.
6. تفسير الطبري 1 : 29. وانظر : مقدّمة كتاب المباني في نظم المعاني الفصل الثامن : 183 ـ 184.
7 . مقدّمة تفسير ابن كثير 1 : 6 ، والآية : 187 من سورة آل عمران (3).
8 . مقدّمته في أصول التفسير : 55.
9. تفسير الطبري 1 : 30.
10 . مقدّمة ابن عطيّة لتفسيره الجامع المحرّر المطبوعة مع مقدّمة المباني : 262 ـ 263 ، وراجع : مقدّمة التفسير 1 : 41.
11 . مقدّمة كتاب المباني : 191 ـ 193.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
بالتعاون مع العتبة العباسية مهرجان الشهادة الرابع عشر يشهد انعقاد مؤتمر العشائر في واسط
|
|
|